الكتاب : بستان الواعظين ورياض السامعين
المؤلف / جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي
البغدادي المعروف بابن الجوزى
بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس في الاستعاذة
تفسير الاستعاذةقال الله تبارك وتعالى { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } الأعراف 200 وقال تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } النحل 98 المعنى فاستعذ بالله إذا أردت أن تقرأ القرآن أعوذ بالله ملاذا وعياذا ويقال هذا عوذ لي مما أخاف منه أي مجيري والدافع عني وتسمى المرأة عائذا لأنها تعوذ بولدها
والتعوذ بالقرآن هو الشفاء من آفات الشيطان
وكان النبي {صلى الله عليه وسلم} يتعوذ من آفات كثيرة تواترت بها الأخبار
وكان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يتعوذ من البخل والجبن والهرم والكسل وعذاب القبر وفتنة الدجال فتعوذوا مما تعوذ منه نبيكم {صلى الله عليه وسلم} واعتصموا بمولاكم العظيم من كيد الشيطان الرجيم
أعوذ بالله وأحتمي بالله وأستكفي بالله يا قارئ يا تالي بمن تعوذ بمن تلوذ بمن تستغيث بمن تستجير بمن تستنصر بمن تعتصم بمن تحتمي بمن تستكفي إلا بالله
نصائح
اعلم أن المستعيذ بالله من الشيطان الرجيم معتصم بحبل الله المتين
أعوذ بالله من الذنوب والعصيان أعوذ بالله من الضلال والخذلان أعوذ بالله من سخط الرحمن
اعلم يا أخي أن العبد إذا اعتصم بحبل السلطان المخلوق سلم من شر الظالمين فأحرى أن يسلم المستعيذ برب العالمين من الشيطان العدو اللعين
روى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من استعاذ بالله في اليوم عشر مرات من الشيطان الرجيم وكل الله به ملكا يذود عنه شر الشيطان كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض فكيف لا يسلم المستعيذ بالله من الشيطان والملك يذود عنه بأمر الملك الديان
3 كيفية الاستعاذة
أعوذ بالله من أكل الحرام أعوذ بالله من ظلم الضعفاء والأيتام أعوذ بالله من ارتكاب الكبائر والآثام أعوذ بالله من سخط الملك العلام
أعوذ بالله من عدم التوفيق لحسن العمل أعوذ بالله من الركون إلى
طول الأمل أعوذ بالله من تمزيق الأعمار في مخالفة هدي الأبرار ونستعينه
على تطهير القلوب من طوالع الارتياب وجنايات الاغتياب فإنه داء قد أعيا
دواؤه وتعذر شفاؤه وعم بلاؤه وكما نستعين به على تطهير ضمائرنا من حب
الدنيا فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة وأصل كل بلية فلذلك نسأله علما نافعا
وعملا متقابلا وإيمانا صريحا ويقينا صحيحا
أعوذ بالله من رأي يكون ضلالا أعوذ بالله من عمل يصير حسرة ووبالا أعوذ
بالله من نية تعقب وزرا أعوذ بالله من عزيمة تجلب شرا أعوذ بالله من عدم
التوفيق أعوذ بالله من ترك التحقيق أعوذ بالله من ترك السعة والرجوع إلى
الضيق
تحذير من الشيطان
عباد الله تفكروا في إخراج أبيكم آدم من الجنة دار الأمان وهبوطه إلى دار
الذل والهوان وكان سبب ذلك الملعون الشيطان
وقد نهاكم مولاكم عن طاعته وأمركم بمعصيته فإن في طاعته سخط الرحمن
ومعصيته توجب سكنى الجنان ونزول محل الرضوان
قال الله سبحانه وتعالى { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء }
البقرة 268 فمن أطاعه خذله وصده عن الهدى وفتح في قلبه أبواب الضلالة
والردى
قال الله تبارك وتعالى { وكان الشيطان للإنسان خذولا } الفرقان 29 أعوذ
بالله من وسواس الصدر أعوذ بالله من المكر والغدر أعوذ بالله من شتات
الأمر أعوذ بالله من قلة الشكر أعوذ بالله من عذاب القبر أعوذ بالله من
ترك المتاب أعوذ بالله من شدة العذاب أعوذ بالله من مناقشة الحساب أعوذ
بالله من غضب رب الأرباب
5 التعوذ عبادة
واعلموا عباد الله أن التعوذ بالله من الشيطان الرجيم هو من أفضل العبادات
لأن الله تعالى قد أمر عبده المؤمن أن يتعوذ به من الشيطان الرجيم في محكم
القرآن الكريم
الله الله لا تقروا عين عدوكم الشيطان فإنه يؤديكم إلى عذاب النيران
ويصدكم عن دار الخلد وسكنى الجنان
أعوذ بالله من مرديات الأعمال أعوذ بالله من الغي والمحال أعوذ
بالله من سخط ذي الجلال
واعلموا وفقنا الله وإياكم أن من دخل الحصن سلم من شر الأعداء وصار في حرز
ذي النعم والآلاء ومن استعاذ بالملك الرحمن سلم من شر العدو الشيطان
والاستعاذة أحصن حصن لدين المؤمن من كيد الشيطان الرجيم وأحرز حرز لقلبه
من وسواس العدو اللئيم
أعوذ بالله من شهادة الزور أعوذ بالله من ركوب الفجور أعوذ بالله من الغي
والنفور أعوذ بالله من الشيطان المبعد المثبور أعوذ بالله من الركون إلى
دار الغرور أعوذ بالله من سخط الملك الغفور
6 تعوذ النبي {صلى الله عليه وسلم}
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه كان يقول } اللهم إني أعوذ بك من
صاحب غفلة وقرين سوء وروح أذى { أعوذ بالله من شماتة الأعداء أعوذ بالله
من خيبة الرجاء أعوذ بالله من عضال الداء أعوذ بالله من مخالفة الهدى أعوذ
بالله من أفعال الردى أعوذ بالله من سخط ذي النعيم والآلاء أعوذ بالله من
عثرات اللسان
أعوذ بالله من النميمة والخذلان أعوذ بالله من الغيبة والبهتان أعوذ بالله
من عقوبة الملك الديان 7
أحاديث في عذاب القبر
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه مر على البقيع فوقف على قبر ثم قال
} الآن أقعدوه والآن سألوه والذي بعثني بالحق لقد ضربوه بأرزبة من نار لقد
تطاير قلبه نارا { ثم وقف على قبر آخر فقال مثل مقالته على القبر الأول ثم
قال {صلى الله عليه وسلم} لأصحابه } ولولا أني أخشى على قلوبكم لسألت الله
أن يسمعكم من عذاب القبر مثل الذي أسمع { فقالوا يا رسول الله ما كان فعل
هذين الرجلين فقال عليه السلام } أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة بين الناس
وكان الآخر لا يستنزه من البول
8 - أسباب عذاب القبر
وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لا يعذب أحد في قبره إلا
بإحدى ثلاث في الغيبة والنميمة والبول { فالله الله عباد الله تعوذوا
بالله من الغيبة والنميمة والبهتان وأذى الجيران فإن ذلك كله يبعد عن
الرحمن ويقرب من الشيطان ويصد عن الجبان ويؤدي إلى النيران
أعوذ بالله من علة الدين أعوذ بالله من ضعف اليقين أعوذ بالله من
الشيطان اللعين أعوذ بالله من سخط رب العالمين أعوذ بالله من الشيطان
المثبور أعوذ بالله من عذاب القبور أعوذ بالله من ترك النعيم والسرور أعوذ
بالله من الصد من دار الحبور أعوذ بالله من عذاب الويل والثبور أعوذ بالله
من عقوبة من يعلم ما في الصدور
9 القرآن يأمر بالاستعاذة
واعلموا عباد الله أن من استعاذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم فقد عمل
بالقرآن الحكيم وذلك أن الله تبارك وتعالى أمره بالاستعاذة من اللعين
إبليس في آي كثيرة من القرآن
فمن استعاذ بالملك الوهاب من شر الشيطان الكذاب فقد عمل بالسنة وأحكام
الكتاب
والقرآن شافع لمن عمل به وخصم على من لم يعمل به
واعلموا عباد الله أن الشيطان يصدكم عن العمل بالتنزيل ويبعدكم عن الملك
الجليل ويلقيكم في معصيته لتصيروا إلى العذاب الدائم الطويل في اليوم
الهائل العبوس الثقيل
0 لكل أحد الشيطان
روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت قلت يا رسول الله ما من
أحد إلا ومعه شيطان قال نعم قالت وأنت يا رسول الله قال وأنا إلا أن الله
أعانني عليه فأسلم أعوذ بالله من خشوع النفاق أعوذ بالله من البعد والفراق
أعوذ بالله من مخالفة الملك الخلاق أعوذ بالله من عذاب يوم التلاق أعوذ
بالله من الخلاف بعد الوفاق
وأنشدوا
ويحك عذ بالله ذي الجلال
والمجد والنعماء والإفضال
ثم اتل آيات من القرآن
ووحد الله ولا تبال
أعوذ بالله من عبد شارد أعوذ بالله من شيطان مارد أعوذ بالله من عدو حاسد
أعوذ بالله من قلب فاسد أعوذ بالله من بدن عن الطاعة متقاعد
واعلموا عباد الله أن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبده خيرا أبعد عنه
شيطانه وأعانه عليه ونشطه للطاعة وأزال عن بدنه الكسل فأقبل العبد عند ذلك
على مولاه وأعرض عمن سواه وآثر رضاء سيده على هواه فعند ذلك يجعل الله
الجنة العالية مأواه
وإذا أراد بعبده شرا مكن منه شيطانه وسلطه عليه فأبعده عن طاعة
الجبار وكسله عن عمل الأبرار وحبب إليه أعمال أهل النار وبغض إليه أعمال
أهل دار القرار
1 فرح الشيطان بالعاصي الجاهل
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إذا بلغ الرجل أربعين سنة
ولم يغلب خيره على شره قبله الشيطان بين عينيه وقال فديت وجها لا يفلح
أبدا فإن من الله وتاب عليه واستنقذه من الضلالة واستخرجه من غمرات
الجهالة يقول الشيطان لعنه الله واويلاه قطع عمره في الضلالة فأقر
بالمعصية عيني ثم أخرجه الله بالتوبة من الجهالة فأكثر بالتوبة حزني
فالله الله عباد الله لا تقبلوا وسواس العدو الشيطان وارجعوا بالتوبة إلى
موالكم الرحمن فعساه أن يستر ذنوبكم وعيوبكم بستر الغفران إنه كريم متفضل
منان
أعوذ بالله من الشقاوة بعد السعادة أعوذ بالله من الغرة بعد الإرادة وأعوذ
بالله من النقصان بعد الزيادة أعوذ بالله من الكفر بعد الإيمان أعوذ بالله
بالله من القطيعة والحرمان أعوذ بالله من طاعة الشيطان أعوذ بالله من
العقوبة والهوان أعوذ بالله من نقض العهود أعوذ بالله من مخالفة الملك
المعبود أعوذ بالله من العذاب الدائم والخلود أعوذ بالله من سخط ذي الكرم
والجود
عباد الله احذروا مكائد الشيطان فإنه عارف بالعيوب بصير بإلقاء العبد في
الذنوب له طرق كثيرة إلى الصدور فاستعيذوا من شره بمولاكم علام الغيوب
أعوذ بالله من قلب لا يخشع أعوذ بالله من عين لا تدمع أعوذ بالله دعاء لا
يسمع أعوذ بالله من عمل لا يرفع أعوذ بالله من علم لا ينفع
أعوذ بالله من المصير إلى عذاب الله أعوذ بالله من النحيبة من رحمة الله
ومن التزين بمعصيته
أعوذ بالله من زيغ القلوب أعوذ بالله من تتابع الذنوب أعوذ بالله من ترادف
العيوب أعوذ بالله من سخط علام الغيوب
أعوذ بالله من مضلات الفتن أعوذ بالله من البلاء والمحن أعوذ بالله من سخط
ذي الجود والمنن
أعوذ بالله من النقص بعد التمام أعوذ بالله من التخلف بعد
الإقدام أعوذ بالله من سخط أحكم الأحكام
2 جنود إبليس
ذكر في بعض الأخبار أن إبليس لعنه الله يبعث في كل يوم ثلاثمائة وستين
عسكرا لإضلال المؤمنين والله تعالى ينظر في قلوبهم ثلاثمائة وستين نظرة
ففي كل نظرة من نظراته تهلك عسكرا من عساكره فأنى تبقى عسكر للشيطان في
جنب نظرة الرحمن
فالله الله عباد الله لا تقبلوا وسواس الشيطان المخدوع واستعملوا قلوبكم
وصدوركم بالآيات والخشوع وأسيلوا على ما فرطتم غزير الدموع
أعوذ بالله من عواقب الخلاف أعوذ بالله من الجرأة والاستخفاف أعوذ بالله
من العصيان وقلة الاعتراف
أعوذ بالله من الباطل وشره أعوذ بالله من الشيطان ومكره أعوذ بالله من
العصيان وذكره
أعوذ بالله من فساد القلب أعوذ بالله من ترادف الذنب على الذنب أعوذ بالله
من سخط الملك الرب
3 محاورة إبليس لموسى
روي أن الشيطان لعنة الله عليه قال لموسى بن عمران صلوات الله على نبينا
وعليه لا تخلون بامرأة غير ذي محرم فأكون ثالثكما ولا تقضين فأنال منك
وإذا هممت بصدقة فبادر إليها فإنك إن لم تبادر إليها فتحت لك في ذلك سبعين
بابا من الفقر أمنعك بها من الصدقة
وقيل في قول الله عز وجل { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله
يعدكم مغفرة منه وفضلا } البقرة 268 الآية
أي يردك الشيطان إلى نفسك ولينسيك اشتغالك بربك وقيل يعدكم الفقر في طلب
فوق الكفاف فيكون عندك ما يكفيك وأنت تحرص على جمع الزيادة وهو الفقر
اللازم فيردك عن غني الكفاية إلى طلب المزيد وهو الفقر الحاضر الذي يؤدي
صاحبه إلى العذاب الدائم الشديد
وقيل يعدكم الفقر في البذل والعطاء في مرضاة الله عز وجل وهو الغني لأن
الله تعالى يعدكم مغفرة وفضلا فينبغي للعبد أن يذكر منن الله تعالى عليه
وإحسانه إليه وإفضاله لديه
4 أصل البخل والكرم
واعلموا عباد الله أن الله تبارك وتعالى قال في محكم التنزيل على
لسان محمد رسوله عليه السلام { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }
الحشر 9 ومن هو بخيل شحيح فليس بواق ولا مفلح
واعلم أن البخل شجرة في النار وأغصانها مدلاة على الدنيا وهي شجرة الشيطان
فمن تعلق بغصن منها قادته إلى النار
وكذلك الكرم شجرة في الجنة وأغصانها مدلاة على الدنيا فمن تعلق بغصن منها
جذبه إلى النعيم والكرم من أخلاق الملك الكريم فمن تعلق به فقد أسخط
الشيطان الرجيم
ودليل هذا أن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيا قط إلا وهو كريم ولا رأيتم
عبدا صالحا إلا وهو كريم
قال فالكرم من أخلاق النبيين والصديقين وهو من أخلاق رب العالمين
فاستعملوه بينكم يا معاشر المؤمنين والمؤمنات يا أمة محمد خاتم النبيين
أعوذ بالله من عين لا تبكي عليه أعوذ بالله من قلب لا يشتاق إليه أعوذ
بالله من دعاء لا يصل إليه أعوذ بالله من الذل إلا إليه
5 نجاة المستعيذ من العذاب
واعلموا عباد الله أن المستعيذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم ناج من
العذاب الأليم وذلك أن الله سبحانه وتعالى قال } الشيطان يعدكم الفقر
ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم { البقرة
268 وإنما يأمركم الشيطان بالفحشاء ليحرق غيره كما أحرق نفسه
قال الله تعالى { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } النساء 89 أعوذ
بالله من اللهو والغفلات أعوذ بالله من العذاب والحسرات أعوذ بالله من غضب
إله الأرض والسموات
إخواني أطيعوا مولاكم الملك الجليل ودعوا كيد الشيطان المهين الذليل
واعملوا بالسنة والتنزيل
6 خصال الخير عن الإمام علي
روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال من جمع ست خصال لم يدع
للجنة مطلبا ولا عن النار مهربا أولها من عرف الله فأطاعه والثانية من
عرف الشيطان فعصاه والثالثة من عرف الحق فاتبعه والرابعة من عرف
الباطل فاجتنبه والخامسة من عرف الدنيا فأعرض عنها والسادسة من عرف الجنة
فطلبها
فالله الله عباد الله اجتهدوا في طاعة الرحمن الرحيم
واجتنبوا كيد الشيطان الرجيم
7 من رأى إبليس من الصحابة والصالحين
روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رأيت إبليس اللعين في المنام
منكوسا فهممت أن أقرعه بالعصا فقال لي يا أبا سعيد أما علمت أني لا أخاف
من العصا ولا من الأسلحة قال فقلت له يا ملعون فما الذي تخافه قال أخاف من
شيئين أحدهما استعاذة المستعيذين والثاني شعاع معرفة الصادقين
أعوذ بالله ممن لا يشفق على نفسه أعوذ بالله ممن لا يبكي على رمسه أعوذ
بالله ممن لا يقدم ليومه من أمسه
حكي عن الجنيد رحمه الله عليه أنه قال رأيت إبليس في المنام عريانا يتلاعب
بالناس فقلت أما تستحي من الناس فقال الملعون بالله عليك هؤلاء عندك ناس
لو كانوا من الناس ما تلاعبت بهم كما يتلاعب الصبيان بالكرة فقلت له يا
ملعون ومن الناس قال ثلاثة نفر بمسجد الشيرازي كذا سمي المسجد أمرضوا كبدي
وأنحلوا جسمي كلما هممت بهم أشاروا إلى الله تعالى فأكاد أن أحترق قال
الجنيد فانتبهت وقد بقي من الليل بقية فخرجت إلى المسجد الذي ذكر الملعون
فدخلته فإذا بثلاثة نفر قعود رؤوسهم في مرقعاتهم فقال لي أحدهم يا أبا
القاسم أنت كلما قيل لك شيئا تقبله يا أخي اعلم أن من تعوذ بالله من
الشيطان الرجيم فقد ثبت على الدين القويم وذلك أن الله سبحانه أخبر عن
إبليس اللعين { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } الأعراف 16 وذلك أنه بعثه
الله تعالى قاطعا طريق الدين كما أن اللصوص قطاع لطريق الدنيا على
المسلمين فإبليس لعنه الله قاطع طريق العقبى ليصدكم عن الحق والهدى فإذا
استعذت منه هرب منك ولم يقدر على قطع طريق الدين
8 وقاية الله من إبليس
قال الله سبحانه { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله }
الأعراف 200 وقال تعالى { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا }
النحل 99 الآية وقد أمر الله تعالى عباده أن يقولوا في الصلاة سبع عشرة
مرة في سبع عشرة ركعة وهي عدد ركعات الفرض { اهدنا الصراط المستقيم }
الفاتحة 6 فأنى يضرك كيد الشيطان الرجيم
اعلم يا أخي أن البيت المعمور كان في الأرض إلى وقت طوفان نوح عليه الصلاة
والسلام فحفظ من الغرق وسلم من الطوفان ورفع إلى السماء
وقلب المؤمن أفضل من البيت المعمور أكثر من ألف ألف مرة فهو بالحفظ أولى
لأن البيت المعمور معمور بعبادة الملائكة وقلب المؤمن معمور بنظر الخالق
إليه فشتان ما بينهما
ذكر عن أبي سعيد أنه قال في قول الله عز وجل { إن عبادي ليس لك عليهم
سلطان } الحجر 42 كأنه يقول إن كان لك عليهم أن تلقيهم في معصية الله فليس
لك عليهم أن تمنعهم من مغفرة الله
وقول آخر إن كان للشيطان سلطان في إلقاء العبد في المعصية فأولى أن يكون
لمغفرة الله سلطان في تطهير العبد من الخطية وليست قوة الشيطان بأكثر قوة
من مغفرة الرحمن في قلوب أهل الإيمان
أعوذ بالله من كثرة الفساد أعوذ بالله من ظلم العباد أعوذ بالله من غضب رب
جواد أعوذ بالله من عذاب يوم التناد أعوذ بالله من القطع والبعاد
وأنشدوا
أعوذ بالرحمن من موقف
يشهده المؤمن والكافر
} إن كنت بئس العبد يا سيدي
فأنت رب سيد غافر
9 ضعف الإنسان والشيطان
واعلموا عباد الله أن الله تبارك وتعالى سمى الإنسان ضعيفا وقال في آية
أخرى { إن كيد الشيطان كان ضعيفا } النساء 76 والضعيفان إذا اقتتلا ولم
يكن لواحد منهما معين لم يظفر بصاحبه فأمر الله الإنسان الضعيف أن يستعين
بالرب اللطيف من كيد الشيطان الضعيف ليعصمه منه ويعينه عليه
من كان في معونته الإله العظيم لم يضره كيد الشيطان الرجيم من كان في
معونته الملك الوهاب لم يضره كيد الشيطان الكذاب من كان في معونته الملك
القهار لم
يضره كيد الشيطان الفرار من كان في معونته الملك الرحمن لم يضره
كيد الشيطان وأنشدوا
العبد في كنف الإله وحفظه
من كل شيطان غوى ساه
إن عاذ بالرحمن عند صباحه
وكذاك إن أمسى بذكر الله
0 دعاء يعصم من الشيطان
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من قال حين يصبح وحين يمسي
أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال
قرينه عوفي هذا العبد مني اليوم شعر
يا رجائي في بلائي
لا تزل عني خيرك
أنت ربي أنت حسبي
أنا لا أعبد غيرك
أعوذ بالله من عدم الإخلاص أعوذ بالله من هول يوم القصاص أعوذ بالله من
ترك الاستقامة أعوذ بالله من العذاب والملامة أعوذ بالله من هول يوم
القيامة أعوذ بالله من الحسرة والندامة أعوذ بالله من حرمان الكرامة
1 لماذا حجب الله إبليس
يا أخي إن الله تعالى لما قبح صورة إبليس ولعنه وشوه خلقته وأوحش هيأته
وقامته لطف بعباده حيث ستره عنهم حتى لا تستوحش قلوبهم إذا أبصرته أعينهم
ولذلك جعل المولى جل جلاله السماء موضع نظرهم وزينها بعلامات الرسوم
وحفظها من الشيطان الرجيم برواصد النجوم فكأنه قال سبحانه يا عبادي لا
يصلح لأبصاركم ما كان مشوها قبيحا بل يصلح لها ما كان مزينا مليحا هذه
معاملته سبحانه وتعالى مع جميع الناس في الدنيا فأولى أن يلطف بالمؤمنين
في العقبى يصون أبصارهم عن النظر إلى النار الكبرى وهي الجحيم ويكرمها
بالنظر إلى الدار المزينة وهي جنة النعيم أعوذ بالله من مخالفة الأحكام
أعوذ بالله من التمادي في الآثام أعوذ بالله من معصية السلام أعوذ بالله
من عذاب الغرام
2 زينة السماء
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لما خلق الله تبارك
وتعالى الجنة قال لها تزيني فازينت ثم قال لها تكلمي فقالت قد أفلح
المؤمنون فجعل الله تعالى السماء في الدنيا موضع نظرك وجعل الجنة المزينة
في العقبى موضع ترغبك فإذا ستر الله تعالى إبليس الملعون في الدنيا وغيبه
عن بصرك لئلا يستوحش قلبك بقبح صورته فأولى أن يستر أعمالك القبيحة من
الفساد والآثام من الفضيحة يوم التناد على رؤوس الأشهاد
لطف الله بعباده فستر إبليس عنهم فقال { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا
ترونهم } الأعراف 27 فكأنه سبحانه وتعالى قال لعبده المؤمن أنا حبيبك
الأعظم وإن إبليس عدوك الأعظم فلو رأيته وهو أعظم أعدائك عليك لشق ذلك
عليك فسترته عنك ليكون حزن الدنيا ونصبها وترادف همومها وغمومها أهون عليك
وكان أيضا يجتمع عليك مغيب حبيبك الأعظم ورؤيتك عدوك الأعظم فغيب إبليس
عنك حتى لا تراه كما لا ترى حبيبك الأعظم فيكون الأمر أهون عليك
أعوذ بالله من التضليل والتسويف أعوذ بالله من الزيغ والتحريف أعوذ بالله
من سخط الرب اللطيف
حكي عن سهل بن عبد الله التستري رحمة الله عليه قال رأيت إبليس اللعين في
المنام فقلت له أي شيء أشد عليك فقال استعاذة المستعيذ برب العالمين الذي
هو أرحم الراحمين
3 طهارة العاصي ونجاسة المعصية
واعلم يا أخي أن العبد المؤمن وإن أطاع الشيطان بنفسه فهو غير راض بقلبه
وإنما مثله كمثل الواقع في نجاسة وبين يديه غدير ماء طاهر فيكون قلبه مع
الماء وإن كانت نفسه في النجاسة فيكون سببا لطهارته كذلك نفس المؤمن وإن
كانت في نجاسة المعصية فإن قلبه مع الله ومع محبته فيكون ذلك سببا لطهارته
من المعصية
والأصل في هذا أن الله تعالى يعامل العباد على عقائد قلوبهم كما
قال النبي {صلى الله عليه وسلم} } إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر
إلى قلوبكم { وفي هذا الحديث نكتة حسنة وهو أن المنافق يذكر كلمة التوحيد
باللسان وهو لا يرضاها بالقلب فهو لا يثاب يوم القيامة على إقراره باللسان
هكذا المؤمن يعمل المعاصي بالإدمان لكنه لا يرضاها فنرجو أن لا يعاقب شعر
} إني تعوذت بالعظيم
الأول الآخر القديم {
} ذي الطول والفضل والمعالي الماجد الواحد الكريم {
} من شر نفسي ومن هواها وشر شيطانها الرجيم {
أعوذ بالله من شر لا يزول أعوذ بالله من عذاب لا يحول أعوذ بالله من
مخالفة الرسول
4 التمسك بالسنة وعدم مخالفتها
عباد الله عليكم بطاعة سيد المرسلين والتمسك بسنة خاتم النبيين وبمخالفة
الشيطان اللعين ينجيكم مولاكم من العذاب المهين
ويدخلكم الجنة مع أوليائه المتقين وتنظروا إلى وجه رب العالمين
وأنشدوا
} أعوذ بالله الذي لم يتخذ ولدا
وقدر الرزق قبل الخلق تقديرا {
} أعوذ بالله العلي مكانه ذي العرش لم نعلم سواه مجيرا {
} من حر نار لا تفتر من لهب من حرها للظالمين سعيرا {
} وكذا السلاسل والعذاب لمن طغى
يدعون فيها حسرة وثبورا {
أعوذ بالله من الملوك العاتية أعوذ بالله من القلوب القاسية أعوذ بالله من
الهوام العادية أعوذ بالله من اللصوص الضارية أعوذ بالله من جور السلاطين
أعوذ بالله من كيد الشياطين أعوذ بالله من أذى المساكين
إخواننا إياكم ومخالفة السنة فإن ذلك يبعدكم من الجنة
روي عن مجاهد رضي الله عنه أنه قال من ذرية إبليس اللعين ولد يسمى زكبتور
وهو صاحب الأسواق يضع فيها رايته كل يوم
فالله الله عباد الله لا تبذلوا
مهجتكم للنيران
ولا ترضوا بالزيادة والنقصان في المكيال والميزان فإن ذلك يؤدي إلى عذاب
النيران
5 كيف أهلك النبي عفريتا
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال كنت مع رسول الله {صلى
الله عليه وسلم} وجبريل عليه السلام معه فجعل النبي {صلى الله عليه وسلم}
يقرأ فإذا بعفريت قد أقبل من مردة الجن وفي يده شعلة نار وهو يقرب من
النبي {صلى الله عليه وسلم} فقال جبريل عليه السلام يا محمد ألا أعلمك
كلمات تقولها فينكب العفريت لوجهه وتطفأ شعلته قال له قل أعوذ بنور وجه
الله الكريم وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ في
الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر فتن الليل
والنهار ومن شر طوارق النهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن
فقالها النبي {صلى الله عليه وسلم} فكب العفريت على وجهه وطفئت شعلته
6 سليمان وإبليس
وذكر أن إبليس لعنه الله لقي سليمان {صلى الله عليه وسلم} فقال له سليمان
يا ملعون ما أنت صانع بأمة محمد {صلى الله عليه وسلم} فقال له الملعون يا
سليمان لأدعونهم حتى تكون الدنيا والدرهم أشهى عندهم من شهادة أن لا إله
إلا الله
فتحفظوا رحمكم الله من هذا كله فإنها حبائل الشيطان
27
نصائح من خطبة الوداع
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال في خطبة الوداع } أيها الناس
إني لكم ناصح أمين ألا وإن إبليس قد يئس منكم لا تعبدون صنما أبدا ولكن
والذي بعثني بالحق ليجعلنكم إبليس لعنه الله أن تعبدوا ألف إله يعبد الرجل
إبله والآخر امرأته والآخر غنمه والآخر حرثه والآخر تجارته والآخر صنعته
والآخر مركبه والآخر صديقه يقول الرجل للرجل كيف حالك فيقول له لولا
تجارتي ما كان لي حال والآخر يقول لولا حرثي والآخر يقول لولا امرأتي
والآخر يقول
لولا مركبي والآخر يقول لولا صديقي فينسيه ذكر مولاه ويتبعه في دنياه
ويقطعه عن أخراه
يا ابن آدم ما اغترارك بمن إليه اضطرارك وما احتقارك بمن إليه افتقارك يا
ابن آدم إن كنت بالنهار هائما وبالليل نائما متى ترضى من كان بأمرك قائما
يا ابن آدم توكل على الملك الخلاق الذي يتكفل بقسمة الأرزاق توكل يا أخي
عليه وأسند أمورك إليه فإنه لا يملكها غيره
8 أعوان الشيطان من بني آدم
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال إن للشيطان أعوانا من
بني آدم يبعثهم الملعون إلى المؤمنين يشغلونهم عن الصلاة وعن الصدقة وعن
ذكر الله ويحبب إليهم كسب السحت والحرام والذي بعثني بالحق ليعبدون الدنيا
والدرهم أشد من عبادة الأوثان أعوذ بالله من الركون إلى الهوى أعوذ بالله
من الضلالة والردى
أعوذ بالله من معصية إله السما
9 آدم وخروجه من الجنة
ذكر أن عبد الله بن سهل التستري رحمه الله قال لما أخرج آدم من الجنة دار
الكرامة والأمان وأنزله إلى دار الذل والهوان والبلاء والامتحان قال الله
تعالى يا ابن آدم أسكنتك في جواري فعصيتني وأطعت الشيطان وتركتني وعزتي
وجلالي لأسكننك في جواره لتطيعني وتعصيه وتحبني وتبغضه فإذا كان يوم
القيامة أقول لك طاعة بطاعة ومعصية بمحبة ثم أدخلك الجنة
جاء في بعض الأخبار أن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم وولده أودع قلبه
أربعة أشياء وهي المعرفة والعقل والإيمان واليقين
فصار خزانة لهذه الأشياء وسلط على قلبه أربعة أعداء وهم إبليس والهوى
والنفس والدنيا وضمن إبليس لأصحابه الوصول إليها كما قال تعالى في كتابه {
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } الأعراف 17
فلما علم المولى جل جلاله من ضعف ابن آدم وقلة مقدرته على مدافعته علمه
أربعة أسماء من أسمائه يتحصن بها من إبليس وجنوده وهي يا أول يا آخر يا
ظاهر يا باطن فكأنه قال تعالى يا ابن آدم أنا الأول احفظ معرفتك لي من بين
يديك وأنا الآخر احفظ
عقلك وأنا الظاهر احفظ إيمانك عن يمينك وأنا الباطن احفظ يقينك عن شمالك
30 اختصاص إبليس ببعض الجهات
سئل بعض الحكماء ما الحكمة في أن لم يعط إبليس اثنان من ابن آدم
وأعطى أربعة أعطي من بين يديه ومن خلفه وعن يمنيه وعن شماله من الجهات
الأربع لم يعط إبليس أن يأتيه من فوق ولا من تحت قال لأن الأربع جهات
تدخلها المشاركة في الأعمال وفوق موضع نظر الرب جل جلاله إلى قلوب عباده
المؤمنين وتحت موضع سجود الساجدين بين يدي رب العالمين عصمنا الله وإياكم
من فتنته عصمة يدخلنا بها في رحمته وتاب علينا وعلى جميع المذنبين إنه
تواب رحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مجلس في ذكر القيامة وأهوالها أجارنا الله منها
31 سورة الزلزلة وما تشير إليهقال الله عز وجل { إذا زلزلت الأرض زلزالها } الزلزلة 1 هذه السورة مكية محكمة بالوعد والوعيد يخوف الله تبارك وتعالى بها عباده ويذكرهم فيها تزلزل الأرض وقيام الساعة لينتهوا عما نهاهم عنه من العصيان ويمتثلوا ما أمرهم به من الطاعة والإيمان وخوفهم الله تبارك وتعالى من يوم القيامة ليستعدوا لها ولعظيم أهوالها
قال الله سبحانه وتعالى { إذا زلزلت الأرض زلزالها } يقول إذا تحركت الأرض بأهلها فزلزلت من نواحيها وارتجت من مشرقها ومغربها فلا تزال كذلك حتى يكسر ما على ظهرها من جبل وبناء فلا تسكن حتى يدخل في بطنها جميع ما خرج منها
وزلزلتها من شدة صوت إسرافيل عليه السلام وذلك إذا فرغت أحيان الدنيا وساعاتها وشهورها وأوقاتها وأعوامها وأيامها وحلالها وحرامها
وذلك إذا خمد الحق وظهر الباطل وترك الناس الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر وركبوا المآثم واستحلوا المحارم وكثر بينهم التظالم وترك الجهاد
وظهر الفساد وفشا الربا وكثر اللواط والزنا وركبوا الفواحش والفجور
واستعانوا على ذلك كله بشرب الخمور وأمر قوم بالمعروف وتركوه ونهوا عن
المنكر وفعلوه وكرهوا الحق واتبعوا أهواءهم وقرئ القرآن فلم يعمل به
واسودت القلوب وكثرت الفواحش والعيوب وتزين الفساق بالمعاصي والذنوب فإذا
كانوا كذلك اشتد غضب الجبار جل جلاله عليهم فعند ذلك يقول الله يا إسرافيل
انفخ الصعق فينفخ إسرافيل عند ذلك كما أمره الجبار حل جلاله فتزلزل الأرض
من مشرقها إلى مغربها وذلك من غضبة يغضبها الجبار على المنافقين والفجار
32 صفة إسرافيل
وإسرافيل عليه السلام ملك عظيم جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب ورجلاه
تحت تخوم الأرض السابعة السفلى بخمسمائة عام والسموات السبع إلى ركبتيه
وعنقه ملوي تحت العرش والعرش على كاهله
وقد مد الرجل اليمنى وأخر اليسرى واللوح المحفوظ بين عينيه وقد التقم
الصور وشخص ببصره نحو العرش وأنصت بأذنيه ينتظر متى يؤمر بالنفخ في الصور
والصور قرن من نور
قال النبي {صلى الله عليه وسلم} } الصور قرن من نور والذي نفسي بيده إن
أعظم ثارة فيه كما بين السماء والأرض {
وروي عنه {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } كيف أنعم وصاحب الصور
قد التقم الصور وحنى جبهته وشخص ببصره نحو العرش وأنصت بأذنيه ينتظر متى
يؤمر أن ينفخ في الصور فإذا نفخ فيه مات أهل السموات والأرض إلا أربعة
أملاك فإنهم لا يموتون إلا بعد موت الخلائق وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل
وملك الموت فمن شدة صوت إسرافيل تتحرك الأرض من مشرقها إلى مغربها فلا
يبقى بناء إلا انهدم إلا المساجد فإن أساسها يبقى لا ينهدم لفضلها عند
الله تبارك وتعالى لما عبد فيها ووحد وقرئ كلامه فيها وذلك قوله تعالى {
كل شيء هالك إلا وجهه } القصص 88 جاء في التفسير أن الأشياء كلها تهلك إلا
عملا يراد به وجه الله تعالى والمساجد لا تهلك لأنها إنما بنيت لوجه الله
تعالى
33 خشية النبي من هبوب الريح
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه كان إذا هبت الريح تغير لونه وكان
يخرج ويدخل مرة بعد أخرى من شدة خوف قيام الساعة وزلزلة الأرض فإذا كان
رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يخاف هذا الخوف كله وهو أكرم الخلق على
الله فكيف بمن أفنى عمره في السهو
والغفلات وقطع أيامه باللهو والبطلات وضيع أوقاته في العصيان حتى مات
وأنشدوا
نهارك يا مغرور سهو وغفلة
وليلك نوم والردى لك لازم
وشغلك فيما سوف تكره غبه
كذلك في الدنيا تعيش البهائم
وفعلك فعل الجاهلين بربهم
وعمرك في النقصان بل أنت ظالم
فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم
ولا أنت في النوام ناج وسالم
تسر بما يقنى وتفرح بالمنى
كما سر باللذات في النوم حالم
فلا تحمد الدنيا لكن قذمها
ولا تكثر العصيان إنك ظالم
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } انتهيت ليلة أسري بي إلى
السماء السابعة فرأيت إسرافيل قد حنى جبهته وقدم رجلا وأخر أخرى والعرش
على منكبه والصور في فيه بين شدقيه وقد تهيأ للنفخ في الصور فما ظننت أن
أبلغ الأرض حتى تبلغني النفخة كما رأيت من تهيئته للنفخ
سئل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عن إسرافيل فقال } له جناح
بالمشرق وجناح له بالمغرب ورجلاه تحت الأرض السابعة السفلى والعرش على
كاهله وإنه ليفكر في كل يوم ثلاث ساعات في عظمة الله تعالى فيبكي من خوف
الجبار حتى تجري دموعه كالبحار فلو أن بحرا من دموعه أذن له أن يسكب لطبق
بين السموات والأرض وإنه ليتواضع ويصغر حتى يصير كالوضع والوضع طير صغير
يشبه العندليب والعندليب أصغر ما يكون من الطير فالله الله يا معشر من آمن
بالله واليوم الآخر استعدوا لقيام الساعة وزلزالها
قال الله تعالى { إذا زلزلت الأرض زلزالها } الزلزلة 1 تتحرك الأرض وتتمخض
وتتطاير الجبال وتنقلع الشجر وتنهدم المباني فلا يبقى على ظهرها من جبالها
وشجرها ونباتها شيء إلا دخل في جوفها
قال عكرمة إنما تقوم الساعة على شر الخلق
34 متى ينفخ في الصور
قال حذيفة كان الناس يسألون النبي {صلى الله عليه وسلم} عن الخير وكنت أنا
أسأله عن الشر مخافة أن يصيبني فكان النبي {صلى الله عليه وسلم} يقول } في
آخر الزمان فتن كقطع الليل المظلم
فإذا غضب الله تعالى على أهل الأرض أمر الله تعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة
الصعق فينفخ على غفلة من الناس فمن الناس من هو في وطنه ومنهم من هو في
سوقه ومنهم من هو في حرثه ومنهم من هو في سفره ومنهم من يأكل فلا يرفع
اللقمة إلى فيه حتى يخمد ويصعق
ومنهم من يحدث صاحبه فلا يتم الكلمة حتى يموت فتموت الخلائق كلهم عن آخرهم
وإسرافيل لا يقطع الصيحة حتى تغور عيون الأرض وأنهارها ونباتها
وأشجارها وجبالها وبحارها ويدخل الكل بعضه في بعض في بطن الأرض والناس
خمود صرعى فمنهم من هو صريع على وجهه ومنهم من هو صريع على ظهره وعلى جنبه
وعلى خده ومنهم من يكون اللقمة في فيه فيموت وما أدرك أن يبتلعها وتنقطع
السلاسل التي فيها قناديل النجوم فتستوي بالأرض من شدة الزلزلة وتموت
ملائكة السبع سموات والحجب والسرادقات والصادقون والمسبحون وحملة العرش
والكرسي وأهل سرادقات المجد والكروبيون ويبقى جبريل وميكائيل وإسرافيل
وملك الموت عليه السلام
35 كيف يموت جبريل
يقول الجبار جل جلاله يا ملك الموت من بقي وهو أعلم فيقول ملك الموت سيدي
ومولاي أنت أعلم بقي إسرافيل وبقي جبريل وبقي ميكائيل وبقي عبدك الضعيف
ملك الموت خاضع ذليل قد ذهلت نفسه لعظيم ما عاين من الأهوال
فيقول له الجبار تبارك وتعالى انطلق إلى جبريل فاقبض روحه فينطلق ملك
الموت إلى جبريل عليه السلام فيجده ساجدا راكعا فيقول له ما أغفلك عما
يراد بك يا مسكين قد مات بنو آدم وأهل الدنيا والأرض والطير والسباع
والهوام وسكان السموات وحملة العرش والكرسي والسرادقات وسكان سدرة المنتهى
وقد أمرني المولى بقبض روحك فعند ذلك يبكي جبريل عليه السلام ويقول متضرعا
إلى الله تعالى يا الله هون علي سكرات الموت
فيضمه ملك الموت ضمة يقبض فيها روحه فيخر جبريل منها صريعا فيقول الجبار
جل جلاله من بقي يا ملك الموت وهو أعلم فيقول مولاي وسيدي بقي ميكائيل
وإسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت
36 كيف يموت ميكائيل
فيقول الجبار جل جلاله انطلق إلى ميكائيل فاقبض روحه فينطلق ملك
الموت إلى ميكائيل كما أمره الله تعالى فيجده ينتظر الماء ليكيله على
السحاب فيقول له ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك ما بقي لبني آدم رزق ولا
للأنعام ولا للوحوش ولا للهوام قد مات أهل السموات وأهل الأرضين وأهل
الحجب والسرادقات وحملة العرش والكرسي وسرادقات المجد والكروبيون
والصادقون والمسبحون وقد أمرني ربي بقبض روحك فعند ذلك يبكي ميكائيل
ويتضرع إلى الله ويسأله أن يهون عليه سكرات الموت فيحضنه ملك الموت ويضمه
ضمة يقبض فيها روحه فيخر صريعا ميتا لا روح فيه فيقول الجبار جل جلاله من
بقي وهو أعلم يا ملك الموت فيقول مولاي وسيدي أنت أعلم بقي إسرافيل وعبدك
الضعيف ملك الموت
37 كيف يموت إسرافيل
فيقول الجبار تبارك وتعالى انطلق إلى إسرافيل فاقبض روحه فينطلق كما أمره
الجبار إلى إسرافيل فيقول له ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك قد ماتت
الخلائق كلها وما بقي أحد وقد أمرني ربي ومولاي أن أقبض روحك فيقول
إسرافيل سبحان من قهر العباد بالموت سبحان من تفرد بالبقاء ثم يقول مولاي
هون علي مرارة الموت فيضمه ملك الموت ضمة يقبض فيها روحه فيخر ميتا صريعا
فلو كان أهل السموات في السماوات وأهل الأرض في الأرض لماتوا كلهم من شدة
رجة وقعته
38 كيف يموت ملك الموت
فيقول الجبار تبارك وتعالى من بقي يا ملك الموت وهو تعالى أعلم فيقول
مولاي وسيدي أنت أعلم بمن بقي بقي عبدك الضعيف ملك الموت فيقول الجبار
تعالى وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي انطلق بين الجنة والنار ومت
فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة لولا أن الله تبارك وتعالى أمات
الخلائق لماتوا من عند آخ هم من شدة صيحته فيموت فتبقى السموات خالية من
أملاكها ساكنة أفلاكها وتبقى الأرض خاوية من إنسها وجنها وطيرها وهوامها
وسباعها وأنعامها ويبقى الملك لله الواحد القهار الذي خلق الليل
والنهار فلا ترى أنيسا ولا تحس حسيسا قد سكنت الحركات وخمدت الأصوات وخلت
من سكانها الأرضون والسماوات
39 لمن الملك اليوم
ثم يطلع الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول يا دنيا أين أنهارك وأين
أشجارك وأين سكانك وأين عمارك أين الملوك وأبناء الملوك وأين الجبابرة
وأبناء الجبابرة أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري لمن
الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول تعالى الملك لله الواحد القهار فينظر
الجبار جل جلاله إلى عباده موتى من بين صريع على خده ومن بين بال في قبره
ثم يقول يا دنيا أين أنهارك وأين أشجارك وأين سكانك وأين عمارك وأين
الملوك وأين الجبابرة لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول الله تعالى لله
الواحد القهار فتبقى الأرضون والسموات ليس فيهن من ينطق ولا من يتنفس ما
شاء الله من ذلك وقد قيل تبقى أربعين يوما وهو مقدار ما بين النفختين ثم
بعد ذلك ينزل الله تبارك وتعالى من السماء السابعة من بحر يقال له بحر
الحيوان ماؤه يشبه مني الرجال ينزله ربنا أربعين عاما فيشق ذلك الماء
الأرض شقا فيدخل تحت الأرض إلى العظام البالية فتنبت بذلك الماء كما ينبت
الزرع بالمطر
40 كيفية بعث الموتى
قال الله تعالى { وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته } الأعراف 57
إلى قوله { كذلك نخرج الموتى } الأعراف 57 الآية كما أخرج النبات بالمطر
كذلك يخرج الموتى بماء الحياة فتجتمع العظام والعروق واللحوم والأشعار
فيرجع كل عضو إلى مكانه الذي كان فيه في دار الدنيا فتلتئم الأجساد بقدرة
الجبار جل جلاله وتبقى بلا أرواح ثم يقول الجبار جل جلاله ليبعثن إسرافيل
فيقوم إسرافيل عليه السلام حيا بقدرة الله تعالى فيقول له الجبار يا
إسرافيل التقم الصور وازجر عبادي لفصل القضاء فأول ما يحيي الله تبارك
وتعالى إسرافيل ويأمره أن يلتقم الصور
41 صفة الصور
والصور قرن من نور فيه أثقاب على عدد أرواح العباد فتجتمع
الأرواح كلها فتجعل في الصور
42 أين يقف إسرافيل
ويأمر الجبار إسرافيل أن يقوم على صخرة بيت المقدس وينادي في الصور وهو في
فيه قد التقمه والصخرة أقرب ما في الأرض إلى السماء وهو قوله تعالى {
واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب } ق 41 ويقول إسرافيل في ندائه أيتها
العظام البالية واللحوم المتقطعة والأشعار المتبددة والعروق المتمزقة
لتقمن إلى العرض على الملك الديان ليجازيكن بأعمالكن فإذا نادى إسرافيل
عليه السلام في الصور خرجت الأرواح من أثقاب الصور فتنتشر بين السماء
والأرض كأنها النحل يخرج من كل ثقب روح ولا يخرج من ذلك الثقب غيره فأرواح
المؤمنين تخرج من أثقابها نائرة بنور الإيمان وبنور أعمالها الصالحة
وأرواح الكفار تخرج مظلمة بظلمات الكفر وإسرافيل يديم الصوت والأرواح قد
انتشرت بين السماء والأرض ثم تدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد فيدخل كل
روح جسده الذي فارقه في دار الدنيا فتدب الأرواح في الأجساد كما يدب السم
في الملسوع حتى ترجع إلى أجسادها كما كانت في دار الدنيا ثم تنشق الأرض من
قبل رؤوسهم فإذا هم قيام على أقدامهم ينظرون إلى أهوال يوم القيامة
وإسرافيل عليه السلام ينادي بهذا النداء لا يقطع الصوت ويمده مدا والخلائق
يتبعون صوته والنيران تسوق الخلائق إلى أرض القيامة
43 ملازمة الأعمال للأجساد
فإذا خرجوا من قبورهم خرج مع كل إنسان عمله الذي عمله في الدنيا لأن عمل
كل إنسان يصحبه في قبره فإن كان العبد مطيعا لربه وعمل عملا صالحا كان
أنيسه في الدنيا ويكون أنيسه إذا خرج من قبره يوم حشره يؤنسه من الأهوال
ومن هموم القيامة وكروبها كلما نظر العبد المؤمن إلى نار أو إلى هول من
أهوال القيامة جزع فيقول له عمله يا حبيبي ما عليك من هذا شيء ليس يراد به
من أطاع الله وإنما يراد به من عصى الله تعالى مولاه ثم كذب بآياته واتبع
هواه وأنت كنت عبدا
مطيعا لمولاك متبعا لنبيك تاركا لهواك فما عليك اليوم من هم ولا
حزن حتى تدخل الجنة
44 العمل السوء وهيأته
وإذا كان العبد خاطئا وعاصيا لذي الجلال ومات على غير توبة وانتقال فإذا
خرج المغرور المسكين من قبره خرج معه عمله السوء الذي عمل في دار الدنيا
وكان قد صحبه في قبره فإذا نظر إليه العبد المغتر بربه رآه أسودا فظيعا
فلا يمر على هول ولا نار ولا شيء من هموم القيامة إلا قال له عمله يا عدو
الله هذا كله لك وأنت المراد به وأنشدوا
أي يوم يكون يوم النشور
يوم فيه يفوز أهل القبور
يوم فيه الجزاء جنة عدن
لمطيع ومن عصى في سعير
خاب من قد عصى وفاز مطيع
راقب الله في جميع الأمور
قام في الليل للإله ذليلا
ليس يخلو من خوفه للقدير
خاف من عظم يوم هول شديد
شدة الهول من عذاب الزفير
فالله الله عباد الله معشر المريدين انتبهوا من هذا المنام واهجروا
الفواحش والآثام وارجعوا إلى طاعة الملك العلام من قبل أن يأتي يوم تشقق
السماء فيه بالغمام
45 إخراج الأرض ما فيها
قال الله تعالى { وأخرجت الأرض أثقالها } الزلزلة 2 يعني ما فيها من
الموتى والكنوز وما أودعها من أعمال العباد ومن مخبآت أسرارهم من أعمال
الطاعة وأعمال العصيان
فيأمر الله تعالى أن تخرج أعمال العباد وذلك أن العبد إذا خرج من قبره يجد
عمله على شفير قبره فإن كان عمله صالحا وجده نورا يستره ويحجبه يستر عورته
من أعين الناس ويحجبه عن النيران التي تسوق الناس إلى أرض القيامة وإن كان
عملا سيئا وجده ظلمة سوداء تكون عليه أشد من كل هول يلقاه من أهوال يوم
القيامة
هذا كله في النفخة الثانية وبين النفخة الأولى والثانية أربعون سنة فهو
قوله { وأخرجت الأرض أثقالها }
فمثل لنفسك يا مغرور وقد ترادفت عليك الهموم والكروب وأحاطت بك الأهوال
والخطوب وأظهرت لك القبائح والعيوب وأثقلت ظهرك الأوزار والذنوب وأنشدوا
قد سودت وجهي المعاصي
وأثقلت ظهري الذنوب
أورثني ذكرها سقاما
فليس لي في الورى طبيب
يا شؤم نفسي غداة حشري
إذا أحاطت بي الكروب
وصوت داع دعا باسمي
أين مفري وما أجيب
هذا كتاب الذنوب فأقرأ
فعندها تظهر العيوب
ذكر أن العبد إذا خرج من قبره وجد عمله السوء حزمة وملك من ملائكة العذاب
واقف عليها فإذا نظر إلى ما قدم في أيامه قال له الملك يا عدو الله خذ
عملك فاحمله على ظهرك كما كنت تلتذ به في الدنيا ولم تراقب مولاك وقد علمت
أنه مطلع عليك ويراك فيأخذ العبد المسكين تلك الحزمة فيجدها على ظهره أثقل
من جبال الدنيا والنار تسوقه إلى الموقف وملك يسوقه سوقا حثيثا بالعنف
والانتهار والإغلاظ عليه وآخر يشهد عليه مع علم الله تعالى فيه
وأنشدوا
كيف احتيالي إذا جاء الحساب غدا
وقد حشرت بأثقالي وأوزاري
وقد نظرت إلى صحفي مسودة
من شؤم ذنب قديم العهد أوطاري
وقد تجلى لهتك الستر خالقنا
يوم المعاد ويوم الذل والعار
يفوز كل مطيع للعزيز غدا
بدار عدن وأشجار وأنهار
لهم نعيم خلود لا نفاذ له
يخلدون بدار الواحد الباري
ومن عصى في قرار النار مسكنه
لا يستريح من التعذيب في النار
فابكوا كثيرا فقد حق البكاء لكم
لا يستريح من التعذيب بدمع واكف جاري
فالله الله يا أولي الألباب تفكروا في هول يوم الحساب ولا تنسوا المطالبة
برد الجواب وأشفقوا على أنفسكم من أليم العذاب وأرجعوا إلى طاعة رب
الأرباب وابكوا على ما سلف من ذنوبكم بانتحاب 46
مدة النفخ في الصور
ذكر أن إسرافيل عليه السلام لا يقطع النداء في الصور حتى تخرج الأرض
جميع ما فيها من الموتى ومما أودعها الله تعالى من شيء فإذا كمل العباد في
الموقف وكل إنس الأرض وجنها ووحوشها ودوابها وطيرها وأنعامها وهوامها حتى
الذباب قطع إسرافيل النداء بأمر الله تعالى وذلك بعد تبديل الأرض غير
الأرض والسموات ففي تبديلها قولان
47 هيأة أرض الحساب
أحدهما أن الأرض التي يحاسب العباد عليها هي أرض من فضة بيضاء لا
جبل فيها ولا بناء ولا بحار ولا أنهار ولا أشجار ما سفك عليها دم ولا عصى
الله تعالى عليها يأتي بها من غامض علمه ويقول لها كوني فتكون وقد أضرم
تحتها النيران وتكون هذه الأرض في عظم تلك الأرض مثل الشعرة البيضاء في
الثور الأسود
وقد قيل إن تبديل الأرض هدم مبانيها وغور مياهها وانقطاع أشجارها وتسجير
بحارها وتسيير جبالها وتبديل السماء وتكوير شمسها وقمرها وانكدار نجومها
وتعطيل أفلاكها وتشققها
فهذه تبديل الأرض والسماوات والله أعلم بحقيقة ذلك
48 كيف يقف الناس في المحشر
فإذا قطع إسرافيل عليه السلام النداء وقف الخلائق كل واحد منهم ينظر إلى
السماء ولا يرتد إليه طرفه ولا يدري أحد من يقف بجواره لا رجل ولا امرأة
ولا يدري الأخ بأخيه ولا الوالد بولده ولا الأم بابنها
كل إنسان منهم مشغول بما هو فيه من عظيم الأهوال وكل واحد منهم يفكر فيما
قد جاء به من العصيان وفرط فيه من الطاعة والنسيان فالكل ينظر إلى ما ينزل
به الأمر من السماء من شقاوة أو سعادة
49 مقدار زمن الحشر
ويقال والله أعلم إن الوقوف يكون مقدار ثلاثمائة سنة من سنين الدنيا لا
خبر يتنزل ولا خبر يصعد
قد كثر الزحام فلا تسمع إلا همس الأقدام حيارى نادمون فيما فرطوا فيه من
استزلال القدم يومئذ لا ينفع البكاء ولا الندم
ليس في الدنيا لمن آمن
بالبعث سرور
إنما يفرح بالدنيا
جهول أو كفور
إنما يفرح بالدنيا
جهول أو كفور {
} فتذكر هول يوم السما فيه تمور
50 بكاء النبي من أهوال القيامة
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } خوفني جبريل
عليه السلام من أهوال يوم القيامة حتى أبكاني فقلت له حبيبي جبريل أليس قد
غفر الله لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر فقال يا محمد لتشاهدن من الأهوال
يوم القيامة ما ينسيك المغفرة فبكى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى
بلت دموعه لحيته فإذا كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يبكي من هول يوم
الحساب وقد أمنه الجبار من أليم العذاب ووعده بالجنة وحسن المآب فكيف
بأمثالنا المساكين وكيف بمن ترك الحق والصواب وخالف السنة والكتاب وأطاع
الشيطان وأفنى عمره في معصية الملك الوهاب وقد قيل في قوله تعالى { كلا
إذا دكت الأرض دكا دكا } الفجر 21 هو تحريكها وقيل دكا دكا إذهابا
51 معنى دك الأرض وانشقاقها
سئل بعض العلماء عن معنى تكرار هاتين الكلمتين دكا دكا وصفا صفا فقال
تدكدك الأرض دكا بعد دك أي تحرك مرة بعد أخرى حتى لا يبقى عليها أثر من
بناء أو جبل أو شجر
وقوله صفا صفا تأتي الملائكة صفا بعد صف كل ملك قد شغل بنفسه لعظم ما يرى
من ظهور الأهوال
فإذا كثر زلزال الأرض { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة } الحاقة 41
حتى تنقطع الجبال من أصولها وتنشق الأرض وتغور فيها أنهارها وعيونها ويدخل
فيها كل قصر شديد من بين قديم وجديد فيا له من يوم ما أهوله ومن بلاء ما
أطوله ومن جبار ما أعدله
قد أفنى العباد بالحمام فلا يرى أحد من الأنام
فإذا استوى الأولون والآخرون في أرض القيامة أمر الله تبارك وتعالى
السموات أن تنشق فتنشق كل سماء وتنقطع مثل قطع السحاب وقيل كما يتطاير
القطن بين يدي القطانين إذا ندفوه
فمثل لنفسك صوت انشقاقها في سمعك وكيف يثبت له فؤادك ويستقر
لفظاعة هوله قدمك فقدم في أيام حياتك ما يقيك تلك الأهوال لأن الخلق في
أهوال يوم القيامة على قدر أعمالهم في الدنيا من خير وشر فمن عمل صالحا
وخاف من ربه وخاف من هول ذلك اليوم آمنه مولاه من جميع أهواله وكروبه ومن
لم يقدم في دنياه عملا صالحا لأخراه لقيته صعاب الخطوب وترادفت عليه
الهموم والكروب فيندم حين لا تنفعه الندامة إذا حل في أهوال القيامة
52 الأمن والخوف
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } يقول الله تبارك وتعالى
إذا خافني عبدي في الدنيا آمنته يوم القيامة وإذا آمنني في الدنيا أخفته
يوم القيامة { فإذا انشقت السموات بلغت القلوب الحناجر وأيقن كل عبد وأمة
أنه قادم على ما عمل في الظواهر والسرائر إذا انشقت السماوات عظمت المصائب
وكثرت النوائب وندم العبد على ما فرط في الدنيا وضيع من الثواب والرغائب
فإذا انشقت السماوات عظمت الرزيات وكثرت الآفات وظهر العذاب وحلت العقوبات
وأظهر الله مخبآت السريرات وندم العبد المغرور على ما أذنب في الأيام
والأوقات وما جنى في الشهور والساعات
فإذا انشقت السماوات كثرت الأحزان وبرزت النيران وأزلفت الجنان وندم
العاصي على ما عمل من العصيان وعلى ما فرط فيه من طاعة الرحمن فانتبهوا
لهذه الأهوال يا معشر الأخوان يا أهل الإسلام والإيمان فإن الهول والله
عظيم والخطب كبير جسيم
53 ملائكة سماء الدنيا
فإذا انشقت السماوات وتقطعت ونزلت الملائكة بأجمعها فإذا نزلت ملائكة سماء
الدنيا فزع منهم أهل الأرض وظنوا أنهم قد أمر فيهم بأمر فتقول لهم ملائكة
سماء الدنيا لا تجزعوا منا فإنا نخاف من الذي تخافون وتكون ملائكة سماء
الدنيا أكثر من أهل الأرض إنسها وجنها وأنعامها وطيرها ووحشها وجميع ما
خلق برها وبحرها سبعين ضعفا فتبقى العباد يموج بعضهم في بعض
54 ملائكة السماء الثانية
ثم تنزل ملائكة السماء الثانية وهم أكثر عددا وأعظم خلقا ممن
اجتمع في الأرض سبعين ضعفا فتجزع منهم ملائكة سماء الدنيا وجميع من في
الأرض فيقولون لهم لا تجزعوا نحن مشغولون بأنفسنا ونخاف مما تخافون منه
فلا تزال ملائكة كل سماء تنزل ويجزع منهم جميع من سبقهم ويكون أهل كل سماء
أكثر وأعظم ممن سبقهم سبعين ضعفا
وكأن أهل كل سماء في صف واحد على حدة كل واحد منهم قد شغل بنفسه من عظيم
ما يرى وما يبدو له
وأنشدوا
يا غافلين أفيقوا قبل بعثكم
وقبل يؤخذ بالأقدام واللم
والناس أجمع طرا شاخصون غدا
لا ينطقون بلابكم ولا صمم
والخلق قد شغلوا والحشر جامعهم
والله طالبهم بالحل والحرم
وقد تبدى لأهل الجمع كلهم
وعد الآله من التعذيب والنقم
وكل نفس لدي الجبار شاخصة
لا ينطقون بلا روح من الزحم
55 الجبابرة في الحشر كالذر
روي أن الجبابرة يحشرون يوم القيامة على صورة الذر أصغر الناس خلقة
لتجبرهم على العباد في الدنيا قد صارت العزة للغني الحميد ولزمت الذلة كل
جبار عنيد وشيطان مريد قد ترادفت عليهم الهموم والأهوال وظهرت لهم
العقوبات والأنكال وندم كل مذنب بطال فحينئذ لا حيلة لمحتال في يوم لا بيع
فيه ولا خلال شعر
} مقام المذنبين غدا عسير إذا ما النار قربها القدير
وقد نصب الصراط لكي تجوزوا فلا ينجو الكبير ولا الصغير
وقد نسفت جبال الأرض نسفا ويبست البحور فلا بحور
وبرزت الجحيم لكل عبد على أهل المعاد لها زفير
عباد الله تفكروا واعتبروا وابكوا وتباكوا
واستعدوا لليوم الثقيل والهول الكبير والخطب الجليل والعذاب الشديد الطويل
56 حديث في أهوال يوم القيامة
ذكر في بعض الأخبار عن النبي المصطفى المختار {صلى الله عليه وسلم} وعلى
آله الأخيار
دوام اختلاف الليل والنهار أنه قال } ليوم القيامة مائة ألف هول
كل هول أعظم من الموت مائة ألف مرة { فاندم يا مسكين على ما صنعت وفات
وأصلح بالتوبة النصوح ما هو آت من قبل أن تأتي يوم لا مرد له من الله ليس
للظالمين من نصير ولا للعاصين من مجير ولا لأحد من ملجأ ولا نكير
57 شدة الحر والظل
فإذا تكامل أهل السموات وأهل الحجب والسرادقات وحملة العرش والكرسي وجميع
أهل الأرض في عرصة يوم القيامة وازدحمت الخلائق واختلفت الأقدام وشخصت
الأحداق وتطاولت الأعناق وانثنت من شدة العطش واجتمع زحام الخلائق
وأنفاسهم وشدة حر الشمس وضيق البأس ارتفع العرق على وجه الأرض حتى يعلو
على الأبدان ويعم العباد على قدر منازلهم ورتبتهم التي أنزلتهم عليها
أعمالهم التي عملوها في دار الدنيا وقد زيد في حر الشمس ما يتضاعف قيل حر
عشر سنين ولا ظل يومئذ إلا ظل العرش فلا يصيب منه عبد ولا أمة إلا على قدر
عمله فكم بين مستظل ناعم بظل العرش وبين صاح باد بحر الشمس
58 مطر الرحمة
وقد قيل إن الله تبارك وتعالى يمطر يوم القيامة الغيث على طائفة من عباده
وترمي جهنم شررها على طائفة أخرى فكم من مستريح ببرد ماء الأمطار وبين
ملتهب بحر شرر النار فمن قطع عمره في الدنيا بطاعة الرحمن وعمل بالسنة
والقرآن خلصه مولاه من جميع الهموم والأحزان
59 ترهيب من أهوال الحشر
فمثل لنفسك وقد نظرت للجبال قد تقلعت من أصولها وصارت مثل السراب وتقطعت
السماوات وتطايرت مثل قطع السحاب وقد أيقن كل فاجر وكافر بالحلول في أليم
العذاب وقد صارت العزة لذي البطش الشديد ولزمت الذلة كل جبار عنيد ثم رجعت
السماء كالمهل وهو دردي الزيت الذي يجلس في قعر الإناء قيل ترجع السماء
كالدهن الرقيق وترجع الجبال كالعهن المنفوش وهو أضعف ما يكون من الصوف
وتصير الخلائق كالفراش وهو البعوض وقيل كالجراد
المنتشر إذا خرجت عليه الشمس لا يأخذ بجهة واحدة كذلك الخلق يموج
بعضهم في بعض لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه
قد اجتمعت القيامة بأهوالها ووضعت الحوامل أحمالها وزلزلت الأرض زلزالها
وأخرجت الأرض أثقالها وشهد على الأمم بأعمالها وشاب الوليد وحضر الوعد وحق
الوعيد وعظم الهول الشديد وذل كل متكبر وجبار عنيد
قد خضعت الرقاب لرب الأرباب وخاب كل كفار كذاب واشتد الهول وعظم العذاب
فتفكروا فيما تسمعون يا معشر الأحباب وانظروا لأنفسكم يا جماعة الإخوان
والأصحاب واستعدوا لأهوال القيامة يا أولي العقول والألباب
وأنشدوا
مثل لقلبك أيها المغرور
يوم القيامة والسماء تمور
قد كورت شمس النهار وأضعفت
حرا على روس العباد تقور
وإذا الجبال تعلقت بأصولها
فرايتها مثل السحاب تسير
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت
وتبدلت بعد الضياء كدور
وإذا العشار تعطلت عن أهلها
خلت الديار فما بها معمور
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت
وتقول للأملاك أين نسير
فيقال سيروا تشهدون فضائحا
وعجائبا قد أحضرت وأمور
وإذا الجنين بأمه متعلق
خوف الحساب وقلبه مذعور
} هذا بلا ذنب يخاف لهوله
كيف المقيم على الذنوب دهور
60 جهنم في المحشر
فإذا اشتد الفرق وسال العرق أمر الجبار جل جلاله أن يؤتى بجهنم أعاذنا
الله وإياكم منها وزحزحنا وإياكم عنها برحمته فيؤتى بها وأهوالها وأنكالها
وسلاسلها وأغلالها وقد اشتد جحيمها وغلا حميمها وكثر زقومها وغضب زبانيتها
وعظم سم حياتها وعقاربها واسودت جبالها وهاجت بحارها ونتن غسلينها وغلى
سمومها وقد اجتمعت مما خلق الله فيما من عظيم بلائها فأبرزت للخلائق وهم
ينظرون إليها من مسيرة خمسمائة عام
61 وصف جهنم
قال الله تعالى { وبرزت الجحيم لمن يرى } النازعات 36 فيراها
الخلائق كلها وهي تغتاظ على العباد وتغضب لغضب الجبار جل جلاله
وتتغيظ وتتسعر عليها سبعون ألف زمام من حديد قد تعلق بكل زمام سبعون ألف
ملك من ملائكة النار يحبسونها عن الخلائق وهي تريد أن تنفلت من أيديهم
وتأتي على أهل الموقف والملائكة التي يحبسونها وجوههم مثل الجمر وأعينهم
مثل البرق الخاطف فإذا تكلم أحدهم تناثرت النار من فيه بيد كل واحد منهم
أرزبة من حديد من نار فيها إثنان وسبعون ألف رأس من نار كأمثال الجبال
الراسيات العظام ورؤوسها كرؤوس الأفاعي وهي أخف في يدي الملك من الريشة
وأعينهم زرق ووجوههم كلحة قد خلقوا من نار السموم فتريد جهنم أن تنفلت من
أيدي الملائكة من غضب الجبار جل جلاله
هذا كله قاله الضحاك عن الأئمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم
62 بطش جهنم
فإذا جاءت جهنم بأمر الله تبارك وتعالى جاءت بالهول الأكبر والفزع الأعظم
فيخرج من نفسها وهج شديد ويسمع من جوفها دوي سلاسل الحديد
فإذا قربت من الخلائق سمعوا لها شهيقا ورأوا لها حريقا فإذا نظرت في أهل
المعاصي ثارت وفارت وأرادت أن تثب عليهم فاغتاظت وتمحمحت إليهم وأرادت أن
تأتي على جميع الخلائق وتريد أن تنفلت من أيدي الخزان فتهرب الخلائق فلا
يجدون منفذا ولا مكانا يستغيثون إليه ومنادي ينادي { يا معشر الجن والإنس
إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا
بسلطان } الرحمن 33 أي بحجة ثم ترجع جهنم بسلطانها على خزانها لشدة غضب
الجبار على من عصى الله وخالف رسوله فإذا انفلتت من أيدي الزبانية أرادت
أن تقبض على كل من في الموقف فيعرض لها صلوات الله وسلامه عليه محمد
الرسول وكل نبي يومئذ بنفسه مشغول
63 رد الرسول جهنم عن الخلائق
فيأخذ محمد {صلى الله عليه وسلم} بزمامها ويقبض على خطامها فيردها على
عقبها وهو {صلى الله عليه وسلم} يقول لها كفي عن أمتي فتخمد من نوره {صلى
الله عليه وسلم} وتناديه أيها النبي المكرم والرسول المشرف المعظم خل
سبيلي من يديك فما جعل الله لي ولا لغيري من سلطان
عليك فيناديها الملك الجليل الجبار هذا محمد حبيبي سيد الأبرار
ووزير الأخيار فالطاعة لمن له الوسيلة والشفاعة فعند ذلك تضع جهنم رأسها
خاضعة كالحة كليلة تحت سكون وخمود بإذن الملك المعبود لمحمد {صلى الله
عليه وسلم} صاحب الحوض المورود والمقام المحمود واللواء المعقود والكرم
والجود وإقامة الحقائق والحدود
ولو تركها خاتم النبيين وسيد المرسلين لأهلكت الخلائق أجمعين غضبا لغضب رب
العالمين
أعاذنا الله وإياكم برحمته منها إنه أرحم الراحمين
64 جهنم وزفيرها
وقيل إن جهنم أعاذنا الله منها وزحزحنا وإياكم برحمته عنها إذا نظرت إلى
الكفار والمنافقين والفجار وأصحاب الخطايا والأوزار زفرت زفرة فترمي شررا
على رؤوس الخلائق مثل عدد نجوم السماء وزبد البحر ورمل البر فتقع 8 على
رؤوس الكافرين والعاصين لرب الأولين والآخرين
فلو كانت الدنيا باقية لأنهارت جبالها وجفت أزهارها ويبست عيونها وأنهارها
من شدة حر جهنم ولو كان ثم موت لمات الخلق كلهم
65 الزفرة الثانية
ثم تزفر أخرى أعظم من الأولى فلا تبقى دمعة في عين إلا قطرت ويغلب بياض
العين على سوادها وتبلغ القلوب الحناجر ولا يسأل أحد إلا نفسه البر والفاجر
66 الزفرة الثالثة
ثم تزفر الثالثة وهي أعظم من الأولى والثانية فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي
مرسل ولا ولي ولا صديق إلا جثا على ركبتيه حتى إبراهيم وجميع المرسلين إلا
ما خلا من حبيب رب العالمين محمد {صلى الله عليه وسلم} خاتم النبيين فإنه
لا يسأل عن هول النار قد خلصه الله من أهوالها
67 الزفرة الرابعة
ثم تزفر الرابعة وهي أعظم من الأولى والثانية والثالثة فتلقى الزبانية على
وجوههم أجمعين وتفر الخلائق كلهم هاربين ويتعلق جبريل وميكائيل عليهما
السلام بساق العرش وكل ملك ينادي نفسي نفسي لا أسألك اليوم غيرها
ويقول أيضا كل واحد منهم بحرمة محمد وبقدر محمد {صلى الله عليه
وسلم} نجني من عذابك لما يرون من حرمته وجلالة قدره وعظيم منزلته عند ربه
فإذا هرب الخلائق وجهنم تريد أن تأتي عليهم وقد غلا بعضها في بعض ويقلب
بعضها على بعض ولا يبقى غل ولا سربال ولا سلسلة ولا قيد ولا حية ولا عقرب
إلا ألقت الكل على متنها
68 بماذا تخمد النار
فعند ذلك يقبل إليها محمد {صلى الله عليه وسلم} ويلقى يده في زمامها ويلوح
إليها بحلة خضراء فتخمد من نور وجهه المبارك وهو {صلى الله عليه وسلم}
يضرع إلى العلي المجيد وهو يقول يا سلام سلم أمتي من العذاب الشديد
وأنشدوا
الدمع في خد من عصى حسن
حسب الفتى من دموعه الحزن
يا من شكى حافظاه حلوته
لما خلا والعباد ما فطن
قد كان ربي عليك مطلعا
وأنت لاهي الفؤاد مفتتن
لم تهتك السر إذ خلوت به
ولا انقضت من عطائه المنن
النار تسعى إلى العصاة غدا
لم يعلم المذنبون وما وسن
يا قوم العجب من القلوب التي بليت بالعباد وغفلت عن أهوال يوم المعاد
وتمادت على معصية الرب الكريم الجواد
يا أخي كأن المراد بهذا كله غيرنا
ليبعثن الجبار الذليل والحقير ويسألهم عن الفتيل والنقير وعن الذرة
والقطمير وعن القليل والكثير في اليوم المهول العبوس العسير الذي يشيب من
فظاعة هوله الطفل الصغير رفق الله بنا وبكم في ذلك اليوم إنه على ما يشاء
قدير
ثم يبعث الله تعالى جبريل عليه السلام إلى جهنم فيقول لها الله تعالى يقول
لك الطاعة فتقول وعزة الله وعظيم جلاله لأنتقمن اليوم ممن لا يعمل بطاعة
الله واستعان بنعمته على معصيته
ثم تقول يا جبريل هل خلق الله خلقا يعذبني به فيقول جبريل لا ما خلقك الله
إلي إلا نقمة لمن عصاه
فتقول جهنم عند ذلك الحمد لله الذي جعلني نقمة لمن عصاه ولم يجعل من خلقه
من ينتقم مني عند
ذاك والله تعظم الخطوب وتظهر القبائح والعيوب ويندم أهل المعاصي والذنوب
وأنشدوا
ليس في الدنيا لمن
آمن بالبعث سرور
فإن لله وإنا إليه راجعون على من باع نفسه في سوق الخسران وترك
العز ورضي بالهوان وبذل مهجته لعذاب النيران وبارز بالخطايا الملك الديان
69 من أسباب غفران الذنوب
حكي عن بعض العارفين رحمه الله أنه قال حضرت سنة من السنين الوقوف بعرفات
فإذا بضجة الناس فتذكرت يوم القيامة وذكرت رحمة الله فأردت أن أحلف أن
الله قد غفر لكل من في الجمع فذكرت أني فيهم فأمسكت
وأنشدوا
يا كثير الذنوب أقصر قليلا
قد بلغت المدى من الإسراف
فإذا اشتد بالخلائق الهلع وكثر منهم الخوف والجزع وبلغت القلوب الحناجر من
خوف من يعلم الظواهر والسرائر نادى الملك الرحمن يا عبادي لا خوف عليكم
اليوم ولا أنتم تحزنون
فإذا سمعت الخلائق هذا النداء طمع كل منهم فيه
فيقول سبحانه { الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين } الزخرف 69 فعند ذلك
ييأس من الرحمن جميع الكفار والمنافقين والفجار ويطمع فيها من آمن بالواحد
القهار واتبع سنة محمد المختار
عند ذلك تنشر الدواوين وتوضع الموازين وتتطاير الصحف في الألف فكل امرئ
بما اكتسب معترف فندم الظالم وخسر الآثم وظهرت في الصحائف الفضائح وكثر
الخجل واشتد الوجل وبدت الفضائح وشهدت على كل امرئ حفظته والجوارح
وأنشدوا
طال والله بالذنوب اشتغالي
وتماديت في قبيح فعالي
ليت شعري إذا أتيت فريدا
والموازين قد نصبن حيالي
والدواوين قد نشرن وجئنا
والنبيون يشهدون سؤالي
ما اعتذراي وما أقول لربي
في سؤالي وما يكون مقالي
أورثتني الذنوب دار هموم
لست أبقى لها ولا تبقى لي
يا عظيم الجلال مالي عذر
بل حقيق أنا بنار السفالي
0 غير أن الرجاء فيك مكين
فارحم العبد يا جميل الفعال {
وتفضل على عبد مسيء
ليس يرجو سواك يا ذا الجلال
70 هذا يوم الدين
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إذا جمع الله
تبارك وتعالى الأولين والآخرين نادى مناد هذا يوم الدين هذا يوم الفصل
الذي كنتم به تكذبون فانظر لنفسك يا مسكين يا ضعيف الإيمان واليقين يا من
يقول إنه من المؤمنين المصدقين
وهو يعمل أعمال المكذبين المخالفين التاركين لسنن سيد المرسلين وخاتم
النبيين
ما أجراك أن تكون عند الله من الكاذبين لو خفت من عذاب يوم الدين لعملت
بالقرآن المبين ولو كنت من المؤمنين المصدقين لأطعت رب الأولين والآخرين
فسل مولاك أن يفرج عنك ما قد نزل بك من داء الذنوب وهتك سترك من القبائح
والعيوب
وأنشدوا
} يا طبيب الذنوب والآثام هل دواء أبرأ به من سقامي
إن داء الذنوب أضعف جسمي ومشيبي موكل بحمامي
وشفائي أعيا الأطباء إني قد تغذيت مدتي بالحرام
وركبت الذنوب سرا وجهرا وتباعدت من محل الكرام
كيف بالطب أن يعالج سقمي وكلامي يزيد قرح كلامي
أيها الناس قد علمتم ذنوبي واغتراري وشقوتي واجترامي
وأنا أرغب الدعاء فجدوا في فكاكي من الذنوب العظام
واشتياقي إلى الطواف شديد وإلى الركن والصفا والمقام
وإلى يثرب يحن فؤادي كي أزور النبي خير الأنام
فسلوا الله في الوصول فإني ذو اشتياق لحج بيت حرام
فلعل الإله يغفر جرمي وينجي من هول يوم القيام
} ويفك المنان عبدا ضعيفا مات خوفا من العذاب الغرام
71 موعظة كعب الأحبار
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب يا كعب خوفنا
فأطرق برأسه ثم رفع رأسه وعيناه تذرفان دموعا فقال يا أمير المؤمنين والذي
نفس كعب بيده أن جهنم لتزفر زفرة فتقطع السلاسل التي بأيدي الزبانية الذين
يمسكونها بها
حتى تفيض على أهل الجمع وتلقي الزبانية على وجوههم وينهزم مالك خازنها من
بين يديها فلو كان لكل آدمي عمل مائة ألف نبي ومائة ألف صديق ومائة ألف
شهيد لحقر عمله ولظن أنه لا ينجو منها
فعند ذلك يعرض لها النبي {صلى الله عليه وسلم} وقد أشرقت القيامة
من نور وجهه فيأخذ بزمامها ويقول لها كفي عن أمتي كفي عن أمتي ثلاثا
فتقول له يا أيها النبي الكريم والرسول الرؤوف الرحيم ما جعل الله لي عليك
ولا على أمتك من سبيل
فعند ذلك يتعلق العبد المذنب إذا رأى الأهوال العظام بالنبي عليه الصلاة
والسلام فيقول يا رسول الله أنقذني من عذاب الله فيقول له ألم أبلغك رسالة
ربي فلم عصيت فيقول له العبد المذنب يا رسول الله غلبت علي شقوتي
فيقول {صلى الله عليه وسلم} لا شقوة على أحد نم أمتي ولا على من قال في
الدنيا مخلصا لا إله إلا الله محمد رسول الله
فيشفع له إلى الله تعالى فيشفع فيه
وأنشدوا
ألا أكرم بأحمد ذي الأيادي
شفيع الناس في يوم التنادي
إذا نشر الخلائق من قبور
عراة يبتغون ندا المنادي
وقربت الجحيم لمن يراها
فيا لله من خوف العباد
وقد زفرت جهنم فاستكانوا
سقوطا كالفراش وكالجراد
وقد بلغت حناجرهم قلوب
وقد شخصوا بأبصار حداد
فيا جبار عفوا منك فالطف
ويا رحمن رفقا بالعباد
ونودوا للصراط ألا هلموا
فهذا ويحكم يوم المعاد
تسوقكم إليه سوق عنف
مقامع من زبانية شداد
ألا يا معشر الإسلام هبوا
من الإغفال في غمر الرقاد
72 حديث في الترهيب
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } كل عين باكية يوم القيامة
إلا عين بكت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله وعين باتت تحرس في سبيل
الله
فقدموا عباد الله في اليسير من الأيام ما يقيكم الأهوال العظام والخطوب
الجسام والزلازل والطوام والعذاب الغرام فإن العمر يسير والأجل قصير
والزاد قليل والهول جليل والعذاب طويل واليوم مهول ثقيل
فإنا لله وإنا إليه راجعون على من قطع أيامه في العصيان واستبدل الجنة
بالنيران والربح بالخسران وترك العز ورضي بالهوان وعوض عن الزيادة
والنقصان ففكر فيما تسمع أيها الإنسان وأنا وأنت وكلنا ذلك الإنسان وأنشدوا
مقام المذنبين غدا ذليل
وقدر الطائعين غدا جليل
إذا مد الصراط على جحيم
تصول على العصاة وتستطيل
ونادى مالكا خذ من عصاني
فإني اليوم لست لهم أقيل
73 سجود جهنم
ذكر في بعض الأخبار أن جهنم أعاذنا الله منها وزحزحنا برحمته عنها تستأذن
يوم القيامة في السجود فيأذن لها فتسجد ما شاء الله من ذلك ثم يقال لها
ارفعي فترفع رأسها وهي تقول الحمد لله الذي خلقني لينتقم بي ممن عصاه ولم
يجعل شيئا من خلقه ينتقم به مني
إلهي قد اشتد بلائي وأخمدت ناري وغلا حميمي وزقومي وكثر نتني وغسليني وأكل
بعضي بعضا
إلهي عجل بأهلي فوعزتك لأنتقمن لك ممن عصاك واتبع هواه وجحد آياتك وكذب
رسلك وجعل معك إلها غيرك لا إله إلا أنت
فتنادى نداء يسمعه أهل الموقف جميعا ثم تغتاظ على أهل المعاصي فترمي بشرر
كعد النجوم في السماء وزبد البحر ورمل البر ونبات الأرض على رؤوس الخلائق
فيقع على رؤوس العصاة فمن كان له عمل صالح صار حجابا بينه وبين شرر جهنم
ومن لم يكن له عمر صالح صار رأسه غرضا لشرر جهنم أعاذنا الله منها وزحزحنا
عنها برحمته يا رب العالمين آمين
3 مجلس في ذكر الميزان والصراط
74قال الله سبحانه وتعالى {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا} الأنبياء 47 الآية عباد الله ما لقلوبكم لا تخشع وما لآذانكم لا تسمع وما لدعائكم لا يسمع وما لعيونكم لا تدمع وما لبطونكم من السحت والحرام لا تشبع وما لعملكم المحمود لا يرفع إخواني من شغل نفسه بخدمة المعبود المحمود من خاف من ورود الناس وبئس الورد والمورود
75 افتخار الوحوش على بني آدم
ذكر في بعض الأخبار أن الوحوش تجتمع يوم القيامة فتخر ساجدة فيقال لها ما هذا يوم السجود فتقول إنما سجدنا شكرا لله الذي لم يجعلنا من ولد آدم وجعلنا ممن يشهد فضائح بني آدم
فالله الله يا إخواني اقبلوا النصيحة قبل يوم الخجل والفضيحة
فإذا كان يوم القيامة وجاءت جهنم بأهوالها يضرب الصراط على متنها
طوله خمسمائة عام وقد قيل طوله ستة وثلاثون ألف سنة من سنين الدنيا أرق من
الشعر وأحد من الموسى وقيل أحد من السيف وأحر من الجمر وقد قيل إنه شعرة
من جفن مالك خازن جهنم يمدها على متن جهنم عليه حسك وكلاليب قد تعلق بكل
كلوب منها عدد نجوم السماء من الزبانية لو أن واحدا منهم أذن الله له أن
يتنفس في الدنيا لأحرقها بإنسها وجنها وجميع ما ذرأ فيها ولأذاب جبالها
وجفف بحارها
76 صفة الصراط
والصراط أسود مظلم من شدة سواد جهنم فلا يجوز يومئذ إلا من كان له
نور ولا يكون النور يومئذ إلا من الأعمال الصالحة فمن عمل عملا صالحا نجاه
من النار وجاز إلى دار الراحة والقرار
ومن لم يقدم في الدنيا عملا صالحا حجب عن النظر إلى وجه الجبار وهوى في
دار الندامة والبوار
في دار عذابها سموم وشرابها حميم وظلها لا بارد ولا كريم وطعامها الزقوم
يتردى والله في دار عذابها أليم ومسكنها جحيم وساكنها أبدا في العذاب مقيم
يتردى والله في نار قعرها بعيد وعذابها شديد وشرابها صديد ومقامعها حديد
وما هي من الظالمين ببعيد
وأنشدوا
أما آن يا أخ أن تستفيقا
وأن تتناسى الحمى والعقيقا
وقد ضحك الشيب في عارضيك
وبانت مساويك فيه بروقا
وركب أتاهم وقد عرضوا
على أتباع المنايا طروقا
أدارت عليهم كؤوس الحمام
صبوحا } تلازمهم
أو غبوقا )
وما زال فيهم غراب الحمام
فيسمعهم للمنايا نعيقا
ويحجل في عرصات القصور
وحتى أعاد الفسيحات ضيقا
ألا فازجر النفس عن غيها
عساك تجوز الصراط الدقيقا
مقام به تذهل المرضعات
وتلقى الحوامل وعدا صدوقا
وتبرز للناس نار الجحيم
لها عنق تترامى حريقا
شرابهم المهل في قعرها
تقطع أمعاءهم والعروقا
إذا طبقت فوقهم لم يكن
لتسمع إلا البكا والشهيقا
أذلك خير أم القاصرات
تخال مباسمهن البروقا
قصرن على حب أزواجهن
فمشتاقة تتلقى مشوقا
} لقد فاز من كان للمصطفى
بدار المقامة يوما رفيقا
77 حسن العمل والصراط
فمثل لنفسك يا مسكين وقد جئت إلى الصراط وقد رأيت العاملين وقد جازوا
وأنوارهم تسعى بين أيديهم وبأيمانهم ورأيت الباطلين في ظلمات البطالات
وغمرات الجهالات
فالله الله يا جماعة الضعفاء يا من قطع عمره في الخلاف والجفاء خذوا
لانفسكم بالاحتياط واحذروا الأهوال الصعبة عند جواز الصراط
لأن الصراط لا يجوزه آثم ولا ينجو منه ظالم
والصراط حق رقيق لا
ينجو منه من خالف التحقيق وترك السنة ومنهاج الطريق الصراط طويل بعيد لا
يجوز إلا من أخذ نفسه بالحزم الشديد واستقام على طاعة الولي الحميد
الصراط مهول مخوف ولا يجوزه إلا من أغاث الملهوف وأطاع الرحيم الرؤوف
الصراط صعب مهول ولا يجوزه إلا من اتبع سنة محمد الرسول وأطاع ربا لا يحول
ولا يزول الصراط كثير الزبانية لا يجوزه إلا من أطاع مولاه في الفانية
وراقب الله في السر والعلانية
وذكر في بعض الأخبار أنه لا يجوز الصراط العبد والأمة إلا من بعد نشر
الدواوين ووضع الموازين
78 الموازين يوم القيامة
ذكر أن لكل إنسان ميزانا يوزن به عمله فمن عمل عملا سيئا خفت موازينه وهوى
في النار وقد قيل إن الميزان هو منصوب بين يدي عرش الرحمن يوزن به أعمال
العباد
وكان الحسن رضي الله عنه يقول لكل إنسان ميزان يوزن به عمله من خير وشر
واستدل على ذلك بقوله تعالى { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة }
الأنبياء 47 الآية
وأما قوله تعالى { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت
موازينه } القارعة 8 فهو ميزان الحسنات وميزان السيئات وقوله { ثقلت } و {
خفت } فقوله { ثقلت } بقول لا إله إلا الله بالإخلاص و { خفت } من الحسنات
بالشرك والنفاق والرياء والسمعة
لأن العبد قد يقول لا إله إلا الله على معصية ويقول لا إله إلا
الله والله أكبر على أخذ مال مسلم فإنما ذلك نفاق لأن النبي {صلى الله
عليه وسلم} قال } من قال لا إله إلا الله مخلصا رجح ميزانه ونجا من النار
ودخل الجنة { فقيل يا رسول الله وما إخلاصها فقال أن تزحزحكم عما حرم الله
عليكم
79 وزن الأعمال
ذكر في بعض الأخبار أنه يقدم عبد يوم القيامة للحساب فيخرج له تسعة
وتسعون سجلا مملوءة بالسيئات فتوضع في كفة الميزان فيشتد هم العبد وكربه
فيقول الجبار جل جلاله لعبدي عندي ذخيرة ادخرتها له فيأمر الله تبارك
وتعالى أن يخرج له رقعة صغيرة فيها مكتوب مات فلان وهو يشهد ويقول لا إله
إلا الله مخلصا
80 كلمة التوحيد
فيقول الله تعالى ضعوها في ميزان عبدي فتوضع في ميزانه فتميل الميزان بها
وترجح على جميع سيئاته فعند ذلك يفرح العبد فيأمر الله تبارك وتعالى به
إلى الجنة وأنشدوا
أعددت لله حين ألقاه
أشهد أن لا إله إلا الله
أقولها للإله خالصة
يرحمني في القيامة الله
لعل يوم الحساب أنج بها
يوم العقوبة يوم زاد بلواه
يوم يفوز على الأشهاد قائلها
ويخسر الجاحدون نعماه
فهي لدار الخلود قائدة
ومن عصى فالجحيم مأواه
من قالها للإله مخلصة
فهو الذي قد أتاه تقواه
وهو الذي في الخلد مسكنه
الله قد خصه فيها وأرضاه
قد فاز عبد يكون ذاكرها
بدار عدن جوار مولاه
يحظى بدار الخلود قائلها
طوبى لمن قالها وطوباه
من كان عند الممات قائلها
فاز بدنياه وأخراه
فالله لله عباد الله ارغبوا إلى مولاكم أن يثبتكم على الكلمة المباركة
الخفيفة في اللسان الثقيلة في الميزان المزينة للديوان بها يرضى الملك
الرحمن وبها يسخط اللعين الشيطان وبها ينجو العبد المذنب من النيران وبها
يصل العبد إلى نعيم الخلد والآمان
81 فضل الصدقة
ذكر أن العبد إذا قدم إلى ميزانه وأخرجت سجلات سيئاته أعظم من جبال
الدنيا فإذا وجدت له صدقة طيبة تصدق بها لم يرد بها إلا وجه الله
تعالى ولم يطلب بها جزاء من مخلوق ولا رياء ولا سمعة ولا محمدة ولا شكر
فإن تلك الصدقة توضع في الميزان بأمر الملك الخلاق فترجح على جميع سيئاته
ولو كانت سيئاته مثل وزن الجبال وأنشدوا
يا جامع المال يرجو أن يدوم له
كل ما استطعت وقدم للموازين
ولا تكن كالذي قد قال إذ حضرت
وفاته ثلث مالي للمساكين
واعملوا عباد الله أن الميزان إذا نصب للعبد فهو من أعظم الأهوال يوم
القيامة لأن العبد إذا نظر إلى الميزان انخلع فؤاده وكثرت خطوبه وعظمت
كروبه فلا تهدأ روعة العبد حتى يرى أيثقل ميزانه أم يخف فإن ثقل ميزانه
فقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن خف ميزانه فقد خسر خسرانا مبينا
ولقى من العذاب أمرا عظيما
82 شفاعة الرسول
ذكر في الأخبار أن أمة محمد {صلى الله عليه وسلم} إذا قدموا إلى الميزان
عظمت كروبهم حين أظهرت لهم قبائحهم وعيوبهم ووزنت أوزارهم وذنوبهم وضاقت
حيلهم وتغيرت أحوالهم فعند ذلك يأتيهم النبي الشفيع محمد {صلى الله عليه
وسلم} فإذا نظر إلى أمته قد تحيروا عند الميزان دعا الله أن يثقل موازينهم
فيأمره الله تعالى أن ينظر إلى موازين أمته فينظر {صلى الله عليه وسلم}
إليها فترجح موازينهم من نظره ونور وجهه {صلى الله عليه وسلم}
ذكر أن الميزان بيد جبريل عليه السلام وله كفتان أحدهما بالمشرق والأخرى
بالمغرب وأن الذرة والخردلة والحبة من أعمال العباد من الخير والشر لتوضع
في الكفة فتميل بها بقدرة الله تعالى فالله أعلم بحقيقة ذلك
فلا يحقرن أحدكم حسنة يعملها وإن صغرت في عينه فربما ثقلت الميزان ولا
يحقرن أحدكم سيئة يعملها وإن صغرت فربما خففت الميزان
لأن الذنب الصغير في عين محتقره يأتي يوم القيامة وهو في الميزان أعظم من
الجبال الرواسي
83 ما يثقل الميزان
قال الله تعالى { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا }
الأنبياء 47 الآية
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} } كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم { وقيل جاء رجل إلى رسول الله تعالى
فقال يا رسول الله جئتك تعلمني علما يدخلني الجنة وينجيني من النار
فقال له النبي {صلى الله عليه وسلم} } ألا أدلك على كلمتين ثقيلتين في
الميزان خفيفتين على اللسان ترضيان الرحمن وتسخطان الشيطان تقول سبحان
الله والحمد لله فإنهما المقربتان يقربان من الجنة ويبعدان من النار { فكل
من زعم أن الميزان ليس هو حق فقد رد على الله في كتابه وعلى رسوله {صلى
الله عليه وسلم} في سنته
84 الرأس في الخير والرأس في الشر
روي عن الحسن رضي الله عنه أنه قال يؤتى يوم القيامة بالميزان فتوضع بين
يدي الله تبارك وتعالى ثم يدعى العباد للحساب فإذا كان العبد أو الأمة
رأسا في الخير يدعو إليه ويأمر به دعي باسمه ثم يقرب من الميزان فتوزن
حسناته وسيئاته ولو كانت حسنة واحدة ولو كانت سيئاته أكثر من حسناته وأثقل
من جبال الدنيا لأن الله تبارك وتعالى إذا تقبل من العبد أو الأمة حسنة
واحدة غفر له جميع ذنوبه وإن كثرت ذنوبه
وقد قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لعائشة يا عائشة لو قبل الله
تعالى من العبد سجدة واحدة لأدخله بها الجنة فقالت يا رسول الله فماذا
يصنع بأعمال العباد فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يأكلها الرياء
والسمعة كما تأكل النار الحطب وإذا كان العبد أو الأمة رأسا في الشر يأمر
به ويدعو إليه دعي باسمه فقدم إلى الميزان فتوضع حسناته وسيئاته فترجح
سيئاته على حسناته ولو كانت سيئاته واحدة ولو كانت حسناته أكثر وأثقل من
جبال الدنيا لأن الله تعالى أحبطها ولم يتقبل منها حسنة واحدة ويأمر بهم
ذات الشمال إلى النار
فقال أصحابه رضي الله عنهم يا رسول الله أما كانوا مسلمين فقال {صلى الله
عليه وسلم} كانوا يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون ويزكون كما تزكون
ويقومون من الليل برهة ولكن كانوا إذا عرض لهم درهم حرام وثبوا
عليه كالذئاب فأحبط الله أعمالهم بذلك ولم يتقبل منهم حسنة واحدة
وإذا لم يتقبل الله من العباد حسنة واحدة فأحرى أن لا يؤثر في الميزان لأن
الحسنات لا تنفع ولا تثقل الميزان إذا لم يتقبلها الله تعالى لأنه تعالى
لا يقبل إلا ما كان لوجهه خالصا
فالله الله عباد الله إذا عملتم عملا فأخلصوا لله فإن الله لا ينفعكم ولا
يتقبل منكم إلا ما كان لوجهه خالصا
وأنشدوا
من كان يعلم أن الله باعثه
يوم الحساب لدى نشر الدواوين
فلا يزد بفعال البر أجمعها
إلا الحساب وتثقيل الموازين
فقدموا عباد الله للميزان بلزوم طاعة الرحمن
قدموا للموازين بطاعتكم لسلطان السلاطين
إخواني وأعظم مصيبة وحسرة من خفت موازينه من الحسنات وأمر به إلى العذاب
والعقوبات
والويل ثم الويل لمن خفت موازينه من صالح الأعمال وغضب عليه ذو الجود
والإفضال وأمر به إلى العذاب والنكال وإلى السلاسل والأغلال
85 وزن أعمال العباد
يا إخواني فإذا وزنت أعمال العباد وخف من خف وثقل من ثقل أمروا أن يمضوا
إلى الصراط فيجيء كل إنسان إلى الصراط فيقحم الصراط فمن الناس من يضع عليه
قدمه فيزل من أول قدم يضعه فيهوي في النار ومن الناس من يمشي القليل منه
ويزل في النار ومنهم من يجوزه كالبرق الخاطف ومنهم من يجوزه كالريح الهبوب
ومنهم من يجوزه كالطير السريع في طيرانه ومنهم من يهرول ومنهم من يكون
كالضعيف إذا مشى ومنهم من يكون كالمبطون الذي يمشي على يديه ورجليه ومن
الناس من يأتي إلى الصراط فتخرج النار فتأخذه فتهوي به كل هذا على قدر
أعمال العباد وأنوارهم ورتبتهم على قدر القبول من الله تبارك وتعالى بها
وعلى قدر تثقيل الموازين وتخفيفها
فإذا أتى العبد من أمة محمد {صلى الله عليه وسلم} إلى الصراط فمن كان من
أهل الذنوب ولم يكن له عمل يجوز به على الصراط بقي متحيرا لا يقدر على
الجواز
فبينما هم في شدة الفزع من هول الصراط إذ أقبل محمد {صلى الله عليه وسلم}
86 نور الرسول على الصراط
فإذا نظر صلوات الله وسلامه عليه إليهم كساهم نور وجهه {صلى الله
عليه وسلم} ما يجوزهم الصراط فيأخذ كل واحد من نور وجه المصطفى {صلى الله
عليه وسلم} على قدر صلاته عليه في الدنيا فيستبق العباد في الجواز على قدر
ما أخذوا من النور الذي أخذوه من نور وجه المصطفى وكلما أخذ الخلق من نور
وجهه {صلى الله عليه وسلم} زاد الله تبارك وتعالى في النور في وجه الحبيب
محمد {صلى الله عليه وسلم} فأكثروا من الصلاة على نبيكم {صلى الله عليه
وسلم} فإن صلاتكم عليه مبلغة إليه
87 فضل الصلاة على النبي
قال النبي {صلى الله عليه وسلم} } أنجاكم من أهوال يوم القيامة ومواطنها
أكثركم علي صلاة وأولاكم بشفاعتي أكثركم علي صلاة { فأكثروا من الصلاة
عليه يا معشر المذنبين فهو شفيعكم يوم الجزاء والدين {صلى الله عليه وسلم}
وعلى آله وصحبه أجمعين وجعلنا بالصلاة عليه من الآمنين من عقابه والفائزين
برحمته من عذابه إنه منعم كريم
وأنشدوا
} ألا أكرم بأحمد ذي المعالي
شفيع الناس في يوم السؤال {
} إذا مد الصراط على جحيم تصول على العباد باستطال {
} إذا كان النبي لنا شفيعا سننجوا من سلاسلها الطوال {
} ولو كانت خطايانا جساما
تشبه بالثقال من الجبال {
} لجزنا في الصراط بغير حزن إلى دار الخلود مع الجلال {
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } يمر الناس على الصراط
فالزالون والزالات كثير وأكثر ما تزل النساء ذكر أن الصراط عليه زبانية
ينظرون إلى وجوه العباد فمن رأوا في وجهه نورا تركوه أن يتحول ويجوز ومن
لم يروا في وجهه نورا كبكبوه في النار ولا يكون النور يومئذ إلا من العمل
الصالح
88 جسور جهنم
روى بعض العلماء عن التابعين وعن بعض الصحابة أنهم قالوا إن جهنم أعاذنا
الله منها عليها سبعة جسور وهي القناطر ثلاثة دون الرب سبحانه وتعالى
الرابعة الوسطى عليها الرب جل جلاله لأحد ولا كيف تسليما وإيمانا وتصديقا
89 القنطرة الأولى
والصراط أحد من السيف فيقول الله تبارك وتعالى حين يبلغون
القنطرة الأولى وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون فيحبسون فيحاسبون
على الصلاة فمن وجدت صلاته تامة نجا من تلك القنطرة ومن لم توجد له صلاة
تامة هوى في النار فينجو من نجا ويهلك من هلك
90 القنطرة الثانية
ثم يحبسون على القنطرة الثانية فيحاسبون على الأمانة وهي أمانة الخالق
وأمانة الخلق وإذا أراد بعبده خيرا جعل الغنى في قلبه وجعله أمينا لله
وأعانه على أداء الأمانات التي افترض عليه جل جلاله من الوضوء والاغتسال
والصلاة والصيام والزكاة وإعطاء كل ذي حق حقه والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر والحفظ لحدود الله فذلك العبد الذي ألهمه الله تعالى رشده وبصره
عيوب نفسه وجعل غناه في قلبه
تأدية الأمانة وتضييعها وإذا أراد بعبده شرا جعل فقره بين عينيه وفي قلبه
وكسله عن إداء الأمانات من المفترض الذي افترض عليه وعلى جميع عباده وغيب
عنه رشده وسلط عليه الشيطان فزين له سوء عمله وحبب إليه عيوبه
فإذا كان العبد كذلك فلا يبالي عما قال ولا عما قيل فيه ولا يكون همه إلا
في دنياه وإصلاحها ولا يبالي بتلاف دينه فذلك العبد الذي قد سخط عليه
مولاه وأبعده عن أبواب الخير كلها وقربه من أبواب الشر كلها
قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا
أماناتكم وأنتم تعلمون } الأنفال 27 91
تضييع الأمانة
ذكر في بعض الأخبار أنه يؤتى بمضيع الأمانة فيقال له أد ما ضيعت فيقول يا
رب ذهبت عني الدنيا فمن أين أؤديها فيخلق له مثلها في قعر جهنم أعاذنا
الله منها فيقال إنزل إليها وأخرجها إلى صاحبها فينزل العبد المسكين إليها
فيرفعها على كتفه فهي أثقل من جبال الدنيا كلها فإذا صار الشقي المسكين
إلى أعلا جهنم وقعت من كتفه إلى قعر جهنم فيقال له انزل إليها فينزل مرة
أخرى ويرفعها فإذا صار إلى أعلا جهنم وقعت منه فلا يزال هذا عذابه إلى ما
شاء الله تعالى من ذلك
هذا كله عند جواز الصراط والله أعلم
وهذا العبد والله أعلم الذي ضيع أمانات الناس
وأنشدوا
خرجت من الدنيا وقد خنت أهلها
وصرت إلى النيران بالوزر والإثم
وطالبني الجبار بالصدق والوفا
وبان لأهل الجمع ما كان من جرمي
وقيل لكل الخلق هذا مضيع
أمانة رب العرش والذكر والحكم
92 القنطرة الثالثة
ثم يحاسبون على القنطرة الثالثة وهي أدنى من الرب جل جلاله بلا تكييف ولا
تحديد فيحاسبون على صلة الرحم كيف وصلوها
93 صلة الرحم
ولم قطعوها والرحم يومئذ تنادي اللهم من وصلني فصله ومن قطعني فاقطعه
فينجو من نجا ويهلك من هلك
94 القنطرة الرابعة
ثم يمرون على القنطرة الرابعة فيحاسبون على بر الوالدين فينجو من نجا
ويهلك من هلك وهو السؤال العظيم لأن الله تعالى قد قرن شكره بشكر الوالدين
فقال جل اسمه وعز وجهه { أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير } لقمان 14 فالله
تعالى يقول في بعض كتبه المنزلة
95 شكر الوالدين
أرض والديك فإن رضائي في رضا الوالدين وسخطي في سخط الوالدين فلو أن عبدا
جاء يوم القيامة بعمل ألف صديق وكان عاقا لوالديه ما نظر الله تبارك
وتعالى في شيء من عمله وكان مصيره إلى النار وما من عبد مسلم أو أمة مسلمة
ضحك في وجه والديه أو أحدهما إلا غفر الله له ما كان منه من الذنوب
والخطايا وكان مصيره إلى الجنة
وأنشدوا
} الوالدان إلى شكر الإله وصول والوالدان إلى دار السلام سبيل
} صل والديك ولا تقطع حبالهما ليجزينك في دار البقاء جليل
96 القنطرة الخامسة
ثم يحبسون على القنطرة الخامسة فيحاسبون على حفظ اللسان من الغيبة
والنميمة وشهادة الزور فينجو من حفظ لسانه ويهلك من سرح لسانه بما لا يعنيه
لأنه ليس من جوارح العبد أشد ذنبا من اللسان لأن كلمة يتكلم بها العبد أو
الأمة تكون سببا لدخول النار
97 ترك الغيبة والنميمة
وقد كان بعض الخائفين إذا أصبح أخذ لوحا ودواة وجعلهما بجواره
فإذا تكلم كلمة كتبها في اللوح ويقول لنفسه هكذا أثبتها عليك الملك بأمر
الملك فإذا غربت الشمس وصلى صلاة المغرب وضع اللوح بين يديه وجعل يقرأ
ويبكي ويقول في بكائه ونحيبه وتقريره لنفسه يا نفس كأني بك وقد سئلت عن
هذا عند جواز الصراط يا نفس تراك بأي كلمة من هذه تدخليني النار فلا يزال
يبكي حتى لا يجد بكاء وتفرغ دموعه فيغشى عليه فإذا أفاق مما هو فيه أخرج
اللوح وكتب ما فيه بقرطاس وهو يقول متضرعا يا الله عفوا ورفقا ولطفا بعبدك
فلم يزل هذا دأبه حتى مات فرآه بعض الصالحين في المنام في حالة حسنة فسأله
عما لقي من الله تعالى فقال ما يلقى من الكريم إلا الكرم جعل محاسبتي
لنفسي في الدنيا بدلا عن الحساب في الآخرة وجعل دموعي التي بكيت في الدنيا
أنهارا ترويني يوم العطش الأكبر وتفضل الكريم علي بدخول الجنة وبجواز
الصراط ومن علي بالفضيلة العظيمة والزيارة الكبرى إلى وجهه الكريم
98 كلمة الشر وعذابها
وقد روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن الرجل ليتكلم بالكلمة
فينزل بها في النار بعد ما بين المشرق والمغرب فإذا أراد الله تبارك
وتعالى بعبده خيرا أعانه على حفظ لسانه وشغله بعيوب نفسه عن عيوب غيره
قيل مر رجل على رجل فسلم عليه فقال له الرجل الذي سلم عليه يا أخي لو كشفت
لك عن حالي ما سلمت علي فقال له الرجل الذي سلم عليه يا أخي لو كشفت لي
عيوبك لكان في عيوبي ما يشغلني عن جميع عيوبك
فجلس كل منهما يبكي في ناحية حتى بل كل واحد منهما الأرض بدموعه ثم تفرقا
99 شهادة الزور
وروي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
من شهد شهادة زور على ذمي أو مسلم أو من كان من الناس علق بلسانه في الدرك
الأسفل من جهنم
وفي بعض الأخبار أن شهادة الزور من أعظم الكبائر عند الله تعالى وشاهد
الزور يعلق بلسانه بكل كلمة في شهادة الزور وبكل حرف كتب فيها شهادته ألف
عام على الصراط عند القنطرة الخامسة
ولو أن شاهد الزور جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا ما نظر الله
إليه
وكذلك صاحب الغيبة والنميمة لا يجوز من هذا الصنف الصراط إلا أن يعفو الله
أو تدركه الشفاعة
وأنشدوا
} إذا ازدحم العباد لكي يجوزوا تساقط كل جبار أثيم
بقعر النار ليس لهم مغيث
ولا للعاصي يوما من حميم
ومن يطع الإله فسوف ينجو
من التعذيب في قعر الجحيم
إذا نصب الصراط على جحيم
فيالله من هول عظيم
ألا يا معشر الإسلام توبوا
من العصيان للرب الرحيم
إخواني أطيعوا الله في السر والإعلان واعملوا بالسنة والقرآن واتركوا
الأوزار والعصيان واحذروا من هول الصراط المنصوب على سموم النيران
00 القنطرة السادسة
ثم يحبسون على القنطرة السادسة فيحاسبون على حفظ الجار فينجو من حفظ جاره
وأكرم ضيفه ويهلك من خان جاره ولم يكرم ضيفه
01 إكرام الضيف
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليكرم ضيفه {
وكرامته أن يكرمه لوجه الله وتكون ضيافته من حلال وأما من أنفق على ضيفه
من حرام فإنه لا ثواب له
فما أنفق على الضيف في الخمر أو مما لا يرضى الله تعالى به فإن ذلك الضيف
يأتي يوم القيامة يتعلق هذا بهذا ويلعن هذا بهذا ثم يأتيان إلى الصراط وكل
واحد منهما يلوم صاحبه ويقول له لعنك الله الذي ساعدتني على الإنفاق في
غير الله ثم يقال لهما جوزوا الصراط ففي أول قدم يضعان على الصراط يهويان
في النار
02 البركة مع الضيف
وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } الضيف إذا دخل بيت المؤمن دخلت معه
ألف بركة وألف رحمة ويكتب الله تعالى لصاحب المنزل بكل لقمة يأكلها الضيف
حجة وعمرة {
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال درهم
ينفقه الرجل على ضيفه أفضل من ألف دينار ينفقها في سبيل الله ومن أكرم
الضيف لوجه الله أكرمه الله تعالى يوم القيامة بألف كرامة وخلصه من النار
وأدخله الجنة
وقد جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي {صلى الله
عليه وسلم} كان يقول لها يا عائشة لا تتكلفي للضيف فتمليه وإنما أراد {صلى
الله عليه وسلم} مداومتها على إكرام الضيف
وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال لي رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} يا علي إذا جاءك الضيف فاعلم أن الله تعالى قد من عليك إذ بعثه
إليك ليغفر لك ذنبك بذلك
03 ينزل الضيف برزقه
وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} } أيها الناس لا تكرهوا الضيف فإنه إذا نزل نزل برزقه وإذا رحل رحل
بذنوب أهل المنزل {
وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه ما من منزل ينزل فيه ضيف إلا بعث
الله تبارك وتعالى إلى ذلك المنزل قبل نزول الضيف به بأربعين يوما ملكا
على صورة طائر ينادي يا أهل المنزل فلان بن فلان ضيفكم في يوم كذا وكذا
والخلف من الله من باب كذا وكذا فتقول الملائكة الذين وكلوا بأهل الدار
وبعد الخلف ما يكون فيخرج لهم ذلك الملك كتابا فيه مكتوب قد غفر الله لأهل
المنزل ولو كانوا في ألف
وفي حديث آخر أنه قال ما من عبد من عباد الله المؤمنين أكرم ضيفا لوجه
الله الكريم إلا نظر الله إليهم إن كانوا جماعة فإن كان الضيف من أهل
الجنة وكان رب المنزل من أهل النار جعله الله تعالى من أهل الجنة بإكرامه
ضيفه
وفي حديث آخر أن الضيف ورب المنزل وأرباب المنزل إن كانوا جماعة يأتون
الصراط فيأخذ كل واحد منهم بيد صاحبه فيجوز الصراط أسرع من البرق اللامع
فإن لم يكن فيهم من له عمل يجوز الصراط أمر الله الملك الموكل بنفقة الضيف
أن يأخذ بيدهم ويجوز الصراط ولو كانوا مئة ألف
04 إطعام الطعام
وإطعام الطعام ينقسم على ثلاثة أوجه مخلوف ومسلوف ومتلوف فالمخلوف الذي
يطعم لوجه الله لا يريد به غير الله تعالى ولا يطلب به جزاء من مخلوف
والمسلوف الذي تضيفه مرة ويضيفك أخرى
والمتلوف كل ما كان إطعامه على المعاصي
والمخلوف والمسلوف فيهما الأجر إلا أن المخلوف أعظم أجرا
والمتلوف هو حسرة وندامة يوم القيامة
وأنشدوا
يا مكرم الضيف للرحمن خالقنا
عند الصراط ستلقى الخير موفورا
} أكرم ضيوفك كي ترجو الجواز غدا
على الصراط وترجو الخلد مجبورا
05 حفظ الجار
وأما حفظ الجار فإن العبد أو الأمة يسأل عن حفظه فمن حفظ جاره جاز
الصراط ونجا من العذاب الأليم وصار إلى جنة الخلد ودار النعيم
وروي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ما آمن بالله واليوم
الآخر من بات شبعان وجاره جوعان أو بات ريان وجاره عطشان { ومن كرامة حفظ
الجار أن توقظه من الغفلات تلهمه إلى الطاعات وتأمره بإقامة الصلوات
06 تعلق الجار بالجار
ذكر في بعض الأخبار أن الجار يتعلق بجاره يوم القيامة فيقول يا رب جاري
هذا خانني في الدنيا
فيقول الله تبارك وتعالى لم خنت جارك فيقول وعزتك وجلالك ما خنته لا في
مال ولا في أهل وأنت أعلم بذلك
فيقول له جاره ما فعلت ذلك ولكن رأيتني على المعاصي فلم تزجرني عنها فيؤمر
به وبصاحبه إلى النار ولا يغفر الله لهما
وما من عبد مسلم أو أمة مسلمة حفظ جاره وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر
إلا جوزه الله تبارك وتعالى على الصراط قبل العباد بخمسمائة عام
07 الوصية بحفظ الجار
وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لقد أوصاني ربي ليلة أسري
بي بحفظ الجار حتى ظننت أنه سيورثه { وبعض العلماء يرى شفاعة الجار
فكل من حفظ الجيران فقد أطاع الرحمن وأسخط الشيطان وعمل بالسنة والقرآن
روي أن الرجل الصالح والمرأة الصالحة يشفعان يوم القيامة في سبعين من
جيرانهما ويجوزانهم على الصراط
عباد الله من حفظ الجار نجا من النار وجاز الصراط إلى دار القرار ومن حفظ
الجار فقد عمل بالسنة والكتاب وأطاع الملك الوهاب وأسخط الشيطان اللعين
الكذاب وما من جار يلقى جاره المسلم فيسلم عليه إلا غفر الله لجاره ولو
كان له ألف جار
حفظ الجار قربة ووسيلة ودرجة عند الله وفضيلة
وأنشدوا
يا حافظ الجار ترجو أن تنال به
عفو الإله وعفو الله مذخور
الجار يشفع للجيران كلهم
يوم الحساب وذنب الجار مغفور
08 القنطرة السابعة
ثم يحبسون على القنطرة السابعة فيسألون عن الصدق فمن حفظ لسانه عن الكذب
نجا من الصراط ونجا من النار وصار إلى الجنة مع الأبرار
09 الصدق والكذب
ومن كذب فقد خالف الكتاب والسنة وقد حرم نعيم الجنة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إذا كذب المؤمن كذبة من غير
عذر تباعد منه الملكان مسيرة سنة من نتن ما جاء به وكتب الله تبارك وتعالى
عليه بكذبة ثمانين خطيئة أقلها كمن يزني بأمه 110
كذبة المؤمن بثمانين خطيئة
وإذا كذب المؤمن من غير عذر يخرج من فيه شيء منتن حتى يبلغ العرش فتلعنه
حملة العرش ويلعنه ثمانون ألف ملك ويكتب عليه ثمانون خطيئة أقلها مثل جبل
أحد
الكذب نفاق والكذب من الكبائر وإذا استحل العبد الكذب فقد استحل المحارم
كلها وإذا لم يستحل العبد الكذب لم يقدر أن يباشر شيئا من محارم الله وأن
الصادق إذا جاء الصراط سبقه نور وجهه مسيرة مئة عام يعني على الصراط ومن
صدق عمل بكتاب الله واتبع سنة رسول الله والصادق أسرع جوازا على الصراط
وأسرع الناس دخولا الجنة
والكاذب في أول قدم يضعها على الصراط يهوي في النار فلا ينجو من الجسر
السابع وهو أصعبها إلا من صدق ويهلك من كذب جعلنا الله وإياكم برحمته ممن
صدق فنجا
وأنشدوا
أصدق يريك إله العرش جنته
يوم المعاد ولا تولع بتكذيب
إن الصدوق لدى الرحمن منزله
دار الخلود بلا موت وتعذيب
يوم الجزاء على متن الصراط إلى
دار النعيم بلا حزن وتكئيب
ذكر في بعض الأخبار أن الصادق يجوز على الصراط وهو لا يشعر به ولا يهوله
فالله الله عباد الله كونوا من الصادقين ولا تكونوا من الكاذبين وتأسوا
بخاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
11 نجاة الصادقين
ذكر في بعض الأخبار أن الناس الذين ينجون من الصراط وهوله يحبسون
بقنطرة بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا
وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة
قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } فوالذي نفسي بيده إن أحدهم مسكنه في
الجنة أدل منه لمسكنه الذي كان في الدنيا { يا لها من كرامة ويا لها من
نعمة ويا لها من منة ويا لها من فرحة
فقدموا عباد الله في اليسير من الأوقات والقليل من الساعات ما يجوزكم
الصراط ويقيكم الآفات
الصراط على متن جهنم ممدود لا يجوزه إلا من خاف من أهوال اليوم الموعود
وأطاع الملك المعبود الغفور الودود
12 الصلاة تجوز على الصراط
ذكر في بعض الأخبار أن من صام ثلاثة أيام من كل شهر وقام في ليلة من
لياليها يصلي عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد
ثلاث مرات فإذا فرغ من صلاته صلى على محمد {صلى الله عليه وسلم} عشر مرات
ثم يقول سبحان من كان ولا مكان سبحان الموجود بكل حين وأوان سبحان المعبود
في كل أوان سبحان المسبح بكل لسان سبحان المنجي من الهلكات سبحان خالق
الأرضين والسموات جوزه الله تبارك وتعالى على الصراط أسرع من البرق الخاطف
ولا يؤذيه حر النار ويمضي إلى الجنة مع أول زمرة من الصحابة والتابعين
ويشفعه الله تعالى في سبعين من أهله وجيرانه
وهي أفضل ما يصام من الشهر وهي يوم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } يمر الناس على الصراط
فالزالون والزالات كثير وأكثر ما يزل النساء وجبريل عليه السلام آخذ
بحجزتي إذا عصفت الريح بأمتي فصاحوا يا محمداه فلولا أن جبريل عليه السلام
آخذ بحجزتي لأغثت أمتي
فيبادرون جوازا فلا يجوزه ظالم فيبقون متحيرين ثم يتداركهم الله برحمته
وبفضل دعائي لهم فيقول جوزوا على الصراط بعفوي فيجوزوا اللهم اغفر لنا
جميعا برحمتك
وأنشدوا
لو علم الخلق ما يراد بهم
وأيما مورد غدا يردوا
ما استعذبوا لذة الحياة ولا
طاب لهم عيش إذا رقدوا
خوفا من العرض والصراط على
نار تلظى وحرها يقد
والناس في هول موقف عسر
قد عاينوا هوله الذي وعدوا
يا لك من موقف يفوز به
قوم هم للجنان قد وفدوا
مع النبي قد اصطفاه خالقنا
صلى عليه المهيمن الصمد
عباد الله اشتروا أنفسكم من مولالكم باليسير من الأعمال وبالقليل من
الأفعال وبالطيب من الأقوال من قبل حبسكم على الصراط لشدة الأهوال يوم لا
بيع فيه ولا خلال بين يدي الكبير المتعال
13 كيفية الجواز على الصراط
ذكر في بعض الأخبار أن الناس ينقسمون في جواز الصراط سبعة أقسام فيجوز أول
قسم من الرجال والنساء كطرفة عين والقسم الثاني كالبرق الخاطف والقسم
الثالث كالريح العاصف والقسم الرابع كالطير المجد والقسم الخامس كالخيل في
جريها والقسم السادس كالماشي والقسم السابع كالمهرول
14 أقسام الناجين على الصراط
فأما القسم الأول فهم أصحاب الصدقات وقوام الليل والعلماء يقدمونهم
والقسم الثاني هم الذين استقاموا على أداء الفرائض ولم يفرطوا فيها وأدوها
في أوقاتها
والقسم الثالث هم الذين أدوا الزكاة ولزموا صحبة العلماء وأحبوهم
والقسم الرابع هم الذين وصلوا أرحامهم وطلبوا بصلتها رضاء مولاهم
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه أوصى عند موته بصلة الرحم وما من
عبد وصل رحمه بنفسه أو ماله إلا جعله الله تعالى يوم القيامة على الصراط
كالذي يمشي في
رياض الجنة ولا يرى من أهوال الصراط شيئا ويدخل الجنة مع أول زمرة تجوز
الصراط وأنوارهم تسعى بين أيديهم وبأيمانهم
والقسم الخامس هم الذين غضوا أبصارهم عن محارم الله وصانوا فروجهم عن
الفواحش وحفظوا أزواجهم عما لا يحل لهن وحجبوهن ولاطفوهن ورفقوا بهن كما
قال {صلى الله عليه وسلم}
15 حديث في العناية بالنساء
النساء ودائع الأحرار ولا يعزهن إلا عزيز ولا يذلهن إلا ذليل والذليل عند
الله في النار وكذلك المرأة إذا عزت زوجها وأطاعته فيما يرضي الله تعالى
والقسم السادس هم الذين تجنبوا الربا والحرام وتجنبوا الخيانة في المكيال
والميزان
وقد قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
كل مال خالطه الربا فهو زاد صاحبه إلى النار
16 آكل الربا
وقد ذكر أن آكل الربا يأتي الصراط فيجعل الله تبارك وتعالى كل درهم وكل
حبة وكل ثوب وكل لقمة وكل شيء أكل أو اكتسبت يداه من الربا ثعبانا من نار
يخطفه من على الصراط يهوي به في قعر جهنم مع اليهود ومن تاب تاب الله عليه
وغفر له ما جنى
والقسم السابع هم الذين بروا الوالدين وبروا الأزواج وبروا الجيران وبروا
الإخوان ولزموا المساجد وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وحفظوا حدود الله
ولم تأخذهم في الله لومة لائم وعملوا بكتاب الله وسنة رسوله {صلى الله
عليه وسلم}
وأنشدوا
} أتطمع بالنجاة وكيف تنجو ولست على نجاتك بالحريص
ولو في نيلها أعملت حرصا
لنلت الفوز بالثمن الرخيص
ولكني أراك تريد عزا
وحالك حال ممتهن نقيص
} وليس لمن تعرض للمعاصي
هديت عن الضلالة من محيض
17 المتصدقين سرا وعلانية
يا أحبابي إذا جاز الناس الصراط وجدوا خلقا كثيرا نساء ورجالا قد سبقوهم
إلى الجنة فيقولون من هؤلاء الذين سبقونا فتقول لهم الملائكة هؤلاء الرجال
الذين تصدقوا في السر ابتغاء وجه الله وتصدقوا في العلانية ليحببوا الصدقة
إلى عباد الله هؤلاء الذين فرجوا عن المكروبين
وهؤلاء النسوة اللواتي أطعن أزواجهن وحفظن فروجهن وحفظن ألسنتهن عن أذى
الزوج وعن أذى الجيران وتصدقن في السر والإعلان تسبق هذه الزمرة جميع
الناس إلى الصراط وجوازه بخمسمائة عام
ومن كان من إخوانهم من أهل الذنوب جازوا في شفاعتهم فإذا جازت أول زمرة من
الأولين السابقين وزمرة المتأخرين يبقى رجل واحد فيضع قدمه الواحدة فتنزل
فيبقى بالقدم الأخرى فيركب الصراط على بطنه والنار تصيبه على قدر ذنوبه
18 آخر من يبقى على الصراط
فلا يزال يحبو ويتدرج ويبكي ويتضرع إلى الله تعالى حتى يجوز فإذا جاز ونجا
رد رأسه ونظر إلى الصراط وأهواله وأهوال أهل النار وعواء أهل النار في
النار فيقول سبحان الذي خلصني منك ونجاني من أهوال النار
فبينما هو ينظر إلى الصراط ويقول هذا القول يبعث الله تعالى إليه
بلطفه ملكا من ملائكته فيأتيه فيأخذه بيده ويقول له قم يا عبد الله فينطلق
إلى غدير من ماء على باب الجنة فيقول له الملك اغتسل من هذه الماء واشرب
منه فيغتسل العبد ويشرب كما أمره الملك فيعود كالقمر الطالع ليلة التمام
وتعود رائحته كرائحة أهل الجنة ولونه كألوان أهل الجنة ثم ينطلق به إلى
قرب جهنم فيقول له قف ها هنا حتى يأتيك إذن من ربك فينظر إلى أهل النار
ويسمع عواءهم كعواء الكلب يستغيثون من شدة العذاب فإذا سمع العبد أهل
النار وما هم فيه بكى وقال يا رب اصرف وجهي عن أهل النار حتى لا أنظر
إليهم ولا أسمع صوتهم ولا أسألك غير هذا فيأتيه ذلك الملك من عند رب
العالمين فيحول وجهه عن أهل النار إلى أهل الجنة فينظر إلى ناحية أهل
الجنة فيرى بينه وبين باب الجنة روضة خضراء ما رأى أحد قط مثلها ثم ينظر
إلى باب الجنة وجماله وعرضه مسيرة أربعين يوما للطير المسرع والله أعلم من
أي الأعوام يقول يا رب قد أحسنت إلي الإحسان كله جوزتني الصراط وأنجيتني
من النار وأدنيتني من باب الجنة هذه الروضة أسألك أن تبلغني إليها ولا
أسألك غير ذلك فيأتيه ذلك الملك فيقول له يا ابن آدم ما أكذبك ألست قد
عزمت أنك لا تسأل غير هذا المقام فيأخذ بيده وينطلق به للروضة فيدخله فيها
19 باب الجنة
فينظر إلى باب الجنة وإلى بهجة تلك القصور وأطرافها من الجندل
الأخضر وحصباؤها من الياقوت الأحمر فيستنشق نسيم طيب الكافور والمسك ويسمع
حسن تغريد الأطيار وخرير تلك الأنهار وما لا تصفه ألسنة الواصفين ولا يخطر
ببال المتفكرين فإذ 1 ا سمع العبد ذلك كله استخفه الطرب فيقول يا مولاي
لقد أنعمت علي نعمنا أكمل النعم جوزتني الصراط وأنجيتني من النار وصرفت
وجهي عن أهل النار حتى لا أراهم ولكن أسألك يا سيدي ومولاي أن تدخلني
الجنة فاجعل هذا الباب بيني وبين أهل النار حتى لا أسمع حسيسهم ولا أرى
عذابهم فيأتيه ذلك الملك فيقول له ابن آدم ما أكذبك ألست قد زعمت أنك لا
تسأل غير ما قد سألت فيقول وعزتك يا رب لا سألتك غيره
فيأخذ الملك بيده فيدخله الباب فينظر العبد عن يمينه وعن شماله مسيرة سنة
فلا يرى إلا الشجر المثمر ما رأى قط مثلها ولا خطر على قلب آدمي ولا جني
فينظر إلى أدنى شجرة فيرى عندها روضة فيها شجرة أصلها ذهب وأغصانها فضة
وورقها حلو ما رأى مثلها قط آدمي ولا جني ولا خطر على قلب بشر وثمرها ألين
من الزبد وأحلا من العسل فيقول العبد يا رب لقد أنعمت علي عبدك وتفضلت
نجيتني من النار وأدخلتني الجنة وأعطيتني وأرضيتني وإنما بيني وبين هذه
الروضة قليل فبلغني إليها فوعزتك لا سألتك غيرها
فيأتيه ذلك الملك فيقول له يا ابن آدم ما أكذبك ألست قد زعمتا أنك لا تسأل
غير ما سألت يا ابن آدم أين أقسمت به أما تستحي من الله
20 منازل الجنة
فيأخذ بيده فينطلق به إلى أدنى منزل من منازلها فإذا هو بقصر من لؤلؤة
بيضاء بين يديه فلا يملك نفسه حين ينظر إليه فيقول يا رب أسألك هذا المنزل
ولا أسألك غيره
فيأتيه الملك من عند الله سبحانه فيقول له لله يا ابن آدم ما
أكذبك ألست أنك قد زعمت أنك لا تسأل غير ما أنت فيه فينظر بين يديه فإذا
بمنزل كأنما المنزل الأول والثاني وجميع ما خلق ورآه حلما فيسأله فيعطى
فلا يزال كذلك حتى يعطى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
فلو نزل في أدنى قصر من قصور الجن والإنس لكان عنده من الكراسي ما يجلسون
ويتكئون عليها ولكان عنده من الموائد ما يفضل عنهم ولكان عندهم من الطعام
والشراب
ما يأكلون وإذا أكلوا وشربوا لم ينقص من الطعام والشراب إلا بقدر ما أصاب
رجل واحد { وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون }
الشورى 36 وأنشدوا
مقام المتقين غدا جليل
يطيب لهم مع الحور المقيل
} وأنوار عليهم مشرقات
إذا ناداهم الملك الجليل
21 فائدة للجواز على الصراط
ذكر في بعض الأخبار أن العبد أو الأمة إذا ذكر الصراط وهوله وصعوبته ورقته
وطوله وبعد مسافته ثم بكى ثم قام فصلى عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة
الكتاب مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات ويسلم عن كل ركعتين فإذا فرغ من
العشر ركعات صلى على لنبي {صلى الله عليه وسلم} وشرف وكرم مائة مرة ثم قال
سبحان الله من خلق ما شاء وقضى بما شاء والحمد لله على كل شيء ثلاث مرات
ثم يقول اللهم جوزني الصراط ونجني من هوله الله لا إله إلا أنت لا شريك لك
وصلى الله على سيدنا محمد وآله
فمن صلى هذه الصلاة وقال هذا القول جوزه الله تبارك وتعالى الصراط وهو لا
يشعر به ولا يهوله مع أول زمرة تمر إلى الجنة
فاغتنموا رحمكم الله هذا الثواب وتحصنوا به من أليم العذاب يا أولي العقول
والألباب لأن الصراط حاد رقيق وطريقه أبعد الطريق يا له من طريق ما يعين
على جوازه أخ ولا صديق إلا عمل صالح ورب رفيق
واعلموا وفقنا الله وإياكم أن العمر يذهب والدنيا تفنى وتخرب والنفس تموت
والمرد إلى الحي الذي لا يموت
فاستعدوا بكثرة الأنوار وبالصلاة وفعل الخير في الليل والنهار
وبالطاعة للنبي السيف المختار وبالعمل بكتاب الملك الواحد القهار وابكوا
على هول الصراط المنصوب على متن النار يسره الله لنا وهونه علينا آمين رب
العالمين إنه قريب مجيب
22 شفاعة الناس بعضهم لبعض
ذكر أن العبد إذا جاوز الصراط وخلص ذكر في ذلك الموقف أباه وأبناءه
وإخوانه وجيرانه فعند ذلك يسأل الصديق في صديقه والوالد في ولده والجار في
جاره والرجل في زوجته والمرأة في زوجها والإمام في جماعته التي كان
يصلي بها فيشفع كل واحد منهم على قدر عمله ومنزلته عند ربه
روى قتادة عن الحسن البصري رضي الله عنه أن رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} قال له بعض أهله يا رسول الله هل يفكر الرجل يوم القيامة في حميمه
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحد أحدا
عند الميزان حتى ينظر أيثقل ميزانه أم يخف وعند الصراط حتى ينظر أيجوز أم
لا وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ الصحيفة أم بشماله فهذه ثلاثة مواطن
لا يذكر فيها أحد حميمه ولا صديقه ولا حبيبه ولا قريبه ولا بنيه ولا
والديه وذلك قول الله تبارك وتعالى { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } عبس
37 هو مشغول بنفسه عن غيره من شدة الأهوال العظام أسأل الله أن يسهلها لنا
برحمته ويهونها علينا بمنه ولطفه وأنشدوا
بكيت على هول الصراط وذكره
وهو زفير النار من أعظم الذكر
وكيف يطيق الصبر من كان عاصيا
لخالق كل الخلق في السر والجهر
ومن يك ذا خوف شديد لهوله
فإن له أمنا من الهول في الحشر
فليس لمن يبكي لهول صراطه
جزاء سوى دار النعيم مع الفخر
فيا له من هول فظيع يجوزه
رجال أطاعوا الله في سالف العمر
عباد الله تفكروا في هول الصراط الرقيق البعيد وأشفقوا من الهول العظيم
الشديد وأطيعوا الجبار الولي الحميد
23 لا تقبل صلاة شراب الخمر
ذكر أن شراب الخمر إذا أتوا على الصراط تخطفهم الزبانية فتهوي
بهم إلى عين الخبال وهي قيح أهل النار فيسقون بكل كأس شربوا من الخمر في
الدنيا شربة من الخبال لو أن تلك الشربة تصب من السماء السابعة لأحرقت
السماوات والأرضين بمن فيهن ومن عليهن والأصل في شارب الخمر أنه يخطف من
على الصراط لأنه ليس في وجهه نور لأن النور لا يكون من العمل الصالح وشارب
الخمر ليس له عمل صالح والأصل فيه أن الأعمال كلها لا تقبل إلا ممن صلى
لأن الصلاة هي رأس الأعمال وشارب الخمر لا تقبل منه صلاة ما دام مصرا على
شرب الخمر فإذا لم تقبل منه صلاة فلم لا يقبل منه سائر عمله فيأتي إلى
الصراط ووجهه أسود وقد عهد إلى الزبانية الذين على الصراط أن لا يتركوا أن
يجوز إلا
من له ومن ليس له نور أن يكبوه في النار إلا من تاب وترك الخمر ورجع إلى
الله تعالى
24 التوبة من الخمر وثوابها
يا إخواني اعلموا أن شارب الخمر إذا تاب وترك الخمر لوجه الله تعالى كان
يوم القيامة أفضل وأكثر نورا على الصراط وأسرع جوازا ممن لم يشربها فالله
الله يا معشر المذنبين توبوا إلى مولاكم أسرع الحاسبين يغفر لكم ذنوبكم
أجمعين
25 فضل المؤذنين
ذكر في بعض الأخبار أن المؤذنين إذا أتوا إلى الصراط يجدون نجائب من نور
مسرجة بسرج الياقوت والزبرجد فيركبونها فتطير بهم على الصراط ويشفع كل
واحد منهم عند جواز الصراط في أربعين ألفا كلهم قد استوجبوا النار ويجوز
في نور المؤذن ألف رجل وألف امرأة وفي حديث آخر أن المؤذن إذا جاء إلى
الصراط سبقه نور الآذان ونور لا إله إلا الله ونور محمد رسول الله ونور
الدعاء الذي يدعو الناس إلى توحيد الله تبارك وتعالى فيجوز الصراط في نور
المؤذن أربعون ألفا ممن ليس لهم نور وهم أهل الذنوب والخطايا
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ما من عبد مسلم
حان عليه وقت الصلاة في أرض قفراء أو موضع ليس فيه جماعة فقام فأذن ثم
أقام فصلى إلا وأم من جنود الأرض ما لا يحصي عددهم إلا الله تبارك وتعالى
ويكتب الله له بعددهم حسنات ويمحو بعددهم سيئات ويرفع له بعددهم في الجنة
درجات لو دخل في أدنى درجة من درجاته الجن والإنس لوسعتهم ولكان فيها من
الفرش والأسرة والموائد والطعام والشراب والخدم ما يفضل عنهم وإن لم يؤذن
واقتصر على الإقامة وحدها لم يصل خلفه إلا ملكاه اللذان يكتبان {
وفي حديث آخر إذا أذن العبد المسلم في فلاة من الأرض ثم أقام فصلى جعل
الله تبارك وتعالى خلفه سبع صفوف من الملائكة المقربين أحد طرفي الصف
بالمشرق والآخر بالمغرب فإذا فرغ من صلاته ودعا أمنوا على دعائه ويكتب
الله تبارك وتعالى له بعددهم حسنات ويمحو عنه جل وعلا بعددهم سيئات ويرفع
له تعالى بعددهم درجات كل درجة أعظم من الدنيا سبعون ألف مرة فيها من
النعيم ما لا عين رأت ولا أذن
سمعت ولا خطر على قلب بشر
فإذا جاء يوم القيامة إلى الصراط جاء معه أصحابه من الملائكة الذين صلوا
خلفه كل ملك منهم معه نور من نور الجنة فيأخذون بيده وبأيدي أهله وبأيدي
إخوانه الذين صحبوه وأحبوه في الله فيفرقون عليهم من تلك الأنوار
ويجوزونهم الصراط في شفاعته ويمضون معه إلى الجنة ولا يرون من هول الصراط
ولا من حره ولا صعوبته شيئا
26 فضل العلماء
ذكر في بعض الأخبار أن العلماء إذا أتوا إلى الصراط تكون وجوههم كالشمس
الضاحية وأنوارهم بين أيديهم وبيد كل عالم منهم لواء من نور الجنة يضيء له
مسيرة خمسمائة عام وتحت لواء العالم كل من اقتدى بعلمه وكل من أحبه في
الله ومناد ينادي هؤلاء أحباء الله هؤلاء أولياء الله هؤلاء الذين خلفوا
الأنبياء هؤلاء الذين علموا عباد الله هؤلاء الذين دعوا إلى الله هؤلاء
الذين حفظوا حدود الله هؤلاء مصابيح الدجى هؤلاء أئمة الهدى
فإذا دنوا من الصراط يوضع على رأس كل واحد منهم تاج من نور الجنة
لو وضع ذلك التاج في السماء السابعة العليا لخرق نوره إلى الأرض السابعة
السفلى ويكسى كل واحد منهم حلة من حلل الجنة لو نشرت تلك الحلة بين السماء
والأرض لغطى نورها نور الشمس ولمات الخلائق كلهم عشقا إلى رؤيتها ولملأت
الأرض والبحار من رائحة المسك وينزل على رأس كل واحد منهم غمامة من نور
تقيه من حر شرر جهنم ومن حر الشمس
وأنشدوا
يا طالب العلم ترجو أن تنال به
عفو الإله وعفو الله موجود
اطلب بعلمك وجه الله خالقنا
إن الصراط على النيران ممدود
عفو الإله لأهل العلم نائلهم
وعفوه عند أهل الجهل مفقود
فاحرص هديت على التعليم مجتهدا
وأنت عند إله العرش محمود
فاعمل بعلم رسول الله سيدنا
وأنت بين عباد الله مسعود
واعلموا أن الله تبارك وتعالى لا يقبل عملا بلا علم
قال الله تبارك وتعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء } فاطر 28
فالعلماء قد أثبت لهم الجبار الخشية والتقى
قال الله تعالى { إنما يتقبل الله من المتقين } المائدة 27 ومن لا يعلم لا
يتقي وكيف يتقي من لا يدري ما يتقي
وقد قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
} تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عباده ومدارسته تسبيح والبحث عنه
جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة به يعرف الله ويعبد وبه يحمد الله ويوحد {
هو إمام العمل والعمل تابعه يرفع الله بالعلم أقواما فيجعلهم للخير قادة
وأئمة يقتدى بهم وينتهي إلى رأيهم
فقد بين رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أن العبادة لا تكون إلا بالعلم
لقوله {صلى الله عليه وسلم} } به يعرف الله ويعبد { ويستوفي ذكر فضل العلم
في قول الله تبارك وتعالى { إنما يخشى الله من عباده العلماء } والمقصود
في هذا الموضع ذكر الصراط والجواز عليه
27 فضل حملة القرآن
ذكر في بعض الأخبار أن حملة القرآن يحشرون يوم القيامة على كثبان
من مسك أسود وأنوار وجوههم تغشى بالأبصار فإذا أتوا إلى الصراط تلقتهم
الملائكة الذين وكلوا بحملة القرآن فتأخذ بأيديهم وتضع التيجان على رؤوسهم
والحلل على أجسامهم وتقرب إليهم خيلا من نور ا لجنة عليه سرج من المسك
الأذفر والعنبر الأشهب ألجمها من اللؤلؤ والياقوت يركبونها فتطير بهم على
الصراط ويجوز في شفاعة كل واحد مائة ألف ممن قد استوجب النار ومناد ينادي
هؤلاء أحباب الله هؤلاء أولياء الله الذين قرءوا كتاب الله وعملوا به فلا
خوف عليهم ولا هم يحزنون
وهم أهل الله وهم أحباب الله من أحبهم في الدنيا أحبه الله فجاوزا الصراط
وخلفوه بلا هول ولا هم ولا حزن ولا غم
وهذا إذا عملوا بالقرآن ووقفوا عند أوامره ونواهيه وأحلوا حلاله وحرموا
حرامه وآمنوا بمحكمه ووقفوا عند متشابهه وسارعوا إليه { أولئك حزب الله
ألا إن حزب الله هم المفلحون } المجادلة 22 { أولئك الذين هدى الله
فبهداهم اقتده } الأنعام 90 أولئك أولياء الله الصالحون أولئك الذين رضي
الله عنهم ووفقهم وهداهم وآتاهم تقواهم
28 من لم يعمل بالقرآن
وأما حامل القرآن إذا لم يعمل به فإنه يأتي إلى الصراط فتستقبله الزبانية
بمقامع الحديد وأرازب النار وتسود وجوههم على قدر ما ضيعوا من العلم فمن
تعلم علما للتجبر والمباهاة أو الرياء أو السمعة ولم يرد به وجه الله
تعالى وطلب
عليه الرشا والبراطيل وكتمه ولم ينصح به عباد الله وطلب به الرياسة وصحبة
الملوك ومشى به إلى أبواب أبناء الدنيا وإلى دور الظلمة وأهل الجور وحكم
به بغير العدل ألجم بلجام من نار جهنم وكان عمله عليه حجة وغمة ومحنة
وحسرة وندامة وظلمة على الصراط
ثم يكون العلم للعامل نورا وفرحة وسرورا وجنة وحبورا ينظر
المغرور المسكين إلى وفود العلماء وزمر الأولياء وألويتهم على رؤوسهم
منشورة وقلوبهم مما بشروا به من الفوز بالجنان مسرورة وأنوارهم تسعى بين
أيديهم وبأيمانهم والملائكة تنادي أدخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم
تحزنون وأنت في ظلمك حيران أيقنت بالحلول في سموم النيران إلا أن يتداركك
بعفوه الملك الديان
وقد أخذ الملك بيدك وهو ينادي عليك ولجام النار في فمك لو كان ذلك اللجام
في الدنيا لأحرقها من مشرقها إلى مغربها وينادي عليك هذا الذي ضيع حدود
الله هذا الذي خالف أوامر الله هذا الذي بدل عهد الله وخالف كتاب الله
وسنة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وآثر حب الدنيا على ما عند هؤلاء
يا مسكين أخذت على العلم أجرة وبرطيلا واشتريت به ثمنا قليلا ولم تراقب
مولى كريما جليلا وتركت وراءك يوما هائلا ثقيلا وخسرت يا مغرور ملكا كبيرا
دائما جزيلا
29 فسقة حملة القرآن
ذكر في بعض الأخبار عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } الزبانية
أسرع إلى فسقة حملة القرآن منهم إلى عبدة الأوثان والنيران فيقولون ويبدأ
بنا قبل عبدة الأوثان والنيران فتقول لهم الملائكة ليس من يعلم كمن لا
يعلم وفي حديث آخر إن الملائكة الذين جعلهم الله على الصراط إذا نظروا إلى
حملة القرآن الفساق أخذوهم
وزجوا في أقفيتهم وألقوهم في جهنم أو يعف الله تعالى عنهم
اللهم اعف عنا وعن جميع إخواننا المسلمين واجعل القرآن حجة لنا لا تجعله
حجة علينا يا أرحم الراحمين
وأنشدوا
عظمت مصيبة حامل القرآن
إن كان ملجأه إلى النيران
فهو الجزاء لمن عصى رب العلا
دار العذاب وموقف الخسران
عظمت خسارته وجل مصابه
عند الصراط بظلمة وهوان
يا رب عفوا عن قبيح فعالنا
أنت الدليل لجنة الرضوان
فاتقوا الله معشر أهل القرآن في كتابه وأشفقوا من أليم عذابه
واعملوا بالقرآن وارغبوا في جزيل ثوابه لأن القرآن هو لكم وهو عليكم إن
تعملوا به ويل وثبور { فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور
} لقمان 33
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } عرضت علي الذنوب كلها فلم أر
فيها ذنبا أعظم من ذنب حامل القرآن وتاركه {
ومعنى تاركه تارك العمل به العمل مع قلة العلم أفضل من كثرة العلم وقلة
العمل
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } يسأل حامل القرآن عما يسأل
عنه الأنبياء { وإذا غضب حامل القرآن يقول له القرآن أما تستحي أنا معك
وأنت تغضب اقتد بي تنجو وأكرمني بالطاعة أنجيك من الأهوال وأجوزك الصراط
وأدخلك الجنة
ويروى عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ما من شفيع أفضل منزلة عند
الله من القرآن نبي ولا ملك ولا غيره { فإنا لله وإنا إليه راجعون على من
لا يعمل بالسنة والقرآن كيف اختار النار على الجنان وعصى مولاه وأطاع
الشيطان لقد ضل ضلالا بعيدا وتبوأ عذابا شديدا وبقي من الخير فريدا وحيدا
فيا لها من مصيبة ما أعظمها ومن حسرة ما أدومها
30 ما خلف الصراط
روي الحسن عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } خلف الصراط جسر
عليه الأمانة وجسر عليه الرب جل جلاله وجسر عليه الرحمة فيا أيها السامع
لما جاء من أحاديث الصفات والآثار المشكلات سلم الأمور لباريها واترك
تأويلها إن كنت تاليها وقاريها وعليك بخويصة نفسك واعمل ليوم رمسك وذلك
الجسر عليه
السؤال ذلك الوقت يقول الله جل جلاله وتقدست أسماؤه عبدي عملت كذا وفي يوم
كذا فيقول العبد نعم يا رب فلا يزال الرب جل جلاله يعرف العبد والعبد
يعترف ويقول نعم حتى يقول العبد لإرسالك بي إلى النار أهون علي من هذا
التوبيخ فيقول له جل وتعالى يا عبدي بعيني إذا كنت عملت ذلك وكنت عليك
شهيدا وملائكتي وأرضي ولكن سترت عليك بحلمي وجودي يا عبدي أنا سترتها في
الدنيا عليك وأنا أغفرها اليوم لك
غفر الله لنا أجمعين وأماتنا برحمته مسلمين تائبين على السنة
والجماعة على أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله
{صلى الله عليه وسلم}
4 مجلس في قوله سبحانه وتعالى وتقدست أسماؤه { وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم }
131 هؤلاء الذين ذكرهم المولى جل جلاله بقوله { وعلى الأعراف رجال } الأعراف 46 هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فحبسوا على الأعراف والأعراف هي مواضع مرتفعة على الصراط لأن الصراط سبع قناطر وهي الجسور بعضها أصعب من بعض وبعضها أشد سؤالا من بعض وبعضها أكثر ارتفاعا من بعض وعند كل جسر يسأل العبد فيها عن عبادته التي افترضها الله عليه في الدنيافنسأل الله التوفيق في الدنيا والتسهيل في الآخرة في تلك المقامات
32 سؤال العباد يوم القيامة
فأول ما يسأل عنه العبد الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الأمانة ثم بر الوالدين ثم حفظ اللسان ثم حفظ الجار ثم صلة الرحم وكذلك جميع ما أمر الله عزو وجل به وجميع ما نهى عنه فكل من جاء إلى جسر من جسور الصراط سئل عن عبادته فإن أجابها جاز وصار إلى الجنة ونور الإيمان يسعى بين يديه وعن يمينه وعن شماله وإن لم يأت بها نقص نوره وهو نور الإيمان لأن الإيمان يزيد وينقص يزيد بطاعة الله وينقص بمعصية الله فكل من نقص ثوابه بالمعصية نقص نوره على الصراط
فمن أراد مولاه أن يعذبه أتم له النور في بعض جسور الصراط وطفأ النور عنه في بعضه والصراط أسود مظلم من شدة سواد جهنم لو أن قطرة من ظلمة الصراط وضعت في الدنيا لأظلم مشرق الدنيا ومغربها ولمات الخلق من شدة الظلمة وإنما حبس الله تعالى هؤلاء القوم على أعراف الصراط ليبين لأهل الجنة والملائكة والجن والإنس ولجميع ما خلق الله تبارك وتعالى فضل نبينا محمد {صلى الله عليه وسلم} وليظهر فخره وجاهه وقدره وحرمته عند ربنا جل جلاله وذلك أن الله تبارك وتعالى يأمر العباد يمضون على الصراط
منصوب على متن جهنم وتأتي الخلائق إلى الصراط المؤمنون والكافرون
فأما المؤمنون فيمضون وأنوارهم تسعى بين أيديهم وبأيمانهم أي عن أيمانهم
33 ظلمات الكفر والمعصية
وأما الكافرون فإنهم يمضون في ظلمات الكفر وظلمات أعمالهم التي عملوا في
حال الكفر في دار الدنيا فإذا أتوا إلى الصراط فأول قدم يضعونها على
الصراط يهوون في النار فتخطفهم الملائكة بالكلاليب فتلقيهم في قعر جهنم
فإذا مضى المؤمنون بنورهم مضى المنافقون في آثارهم يتبعونهم وينادونهم
انظرونا نقتبس من نوركم فنمشي في ضوئكم فيقال ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا
وهو قوله تعالى { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم } النساء 142 وذلك
أنهم كانوا في الدنيا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وأظهروا لهم
الإيمان بألسنتهم واعتقدوا الكفر بقلوبهم والله تعالى يعامل العباد على
عقائد قلوبهم والمنافقون كانوا يتربصون بالمؤمنين الدوائر فإذا كانوا على
الصراط على آثار المؤمنين ليمشوا في نورهم قالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس
من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فيظنون أن وراءهم نورا يلتمسونه
فيرجعون وراءهم فيرفع لهم سرداب فيظنون أن في السرداب نورا يجوزهم على
الصراط فيقتحم بهم إلى أبواب جهنم فإذا رأى المؤمنون المنافقين قد تساقطوا
وتهافتوا في النار فزعوا مما حل بالمنافقين فعند ذلك يقال لهم بشراكم
اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار وهذا العذاب الذي فزعتم منه هو
للمنافقين الذين عصوا الله ورسوله وجحدوا بآيات الله وخالفوا كتابه فعند
ذلك يضرب بينهم بسور له باب
34 السور الحاجز بين الجنة والنار
والسور هو الحائط له باب إلى الجنة وهو حائط بين الجنة والنار
باطن ذلك الحائط في الرحمة وظاهره من قبله العذاب يعني جهنم والباطن فيه
الرحمة يعني الجنة فإذا رأى المنافقون المؤمنين لم يعرجوا عليهم ولم
يلتفتوا إليهم ورأوهم في حال السلامة والفوز فيقول لهم المنافقون ألم نكن
معكم في الدنيا على التوحيد وكنا نصلي معكم فيقول لهم المؤمنون بلى ولكنكم
فتنتم أنفسكم أي عذبتم وأحرقتم أنفسكم بالنار بخلافكم لرسول الله {صلى
الله عليه وسلم} وقولكم
بألسنتكم ما ليس في قلوبكم وتكذيبكم بلقاء الله تبارك وتعالى وكذبتم بهذا
اليوم وتربصتم برسول الله {صلى الله عليه وسلم} وبالمؤمنين الدوائر وغرتكم
الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور فيما فعلتم برسول الله {صلى
الله عليه وسلم} وبالمؤمنين فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا
يعني لا يؤخذ من كافر ولا منافق فداء
35 صفة المنافق
فالكافر هو الذي كفر في السر والإعلان والمنافق الذي كفر في السر وآمن في
الإعلان وآمن بلسانه وكفر بقلبه وقوله مأواكم النار أي مرجعكم إليها
ومستقركم فيها هذا كله غرور الشيطان بكم حتى جاءكم الموت ومتم على النفاق
فإذا رجعوا وراءهم ليلتمسوا النور رأوا سردابا فيدخلون ذلك السرداب ويظنون
أن النور فيه فيهجم بهم على أبواب جهنم فتخطفهم الملائكة بالكلاليب
فتقذفهم في جهنم حتى يجاوزن الباب الأول من جهنم ثم يلقون في الباب الثاني
حتى يجاوزونه فلا يزالون من باب إلى باب حتى يجاوزن الباب الأول من جهنم
ثم يلقون في الباب الثاني حتى يجاوزنه فلا يزالون من باب إلى باب حتى
ينتهوا إلى الدرك الأسفل من النار فينتهي بهم إلى جب يقال له جب الحزن في
ذلك الجب بئر يقال لها الهبهب فيها توابيت من نار وعليها أقفال من نار
36 بئر الهبهب
على تلك البئر صخرة من كبريت في تلك البئر باب إذا رفعت تلك
الصخرة استغاثت نيران جهنم من تلك النار التي تخرج منها فتأكل تلك النار
التي تخرج من تلك البئر نيران جهنم وما فيها أسرع من طرفة العين فيؤتى
بالمنافقين فيلقون في تلك البئر وتوضع عليهم تلك الصخرة فلا يخرجون منها
أبدا كلما أكلت تلك النار لحومهم جدد الله لهم لحوما غيرها فلا يخرجون من
تلك البئر أبدا فذلك قوله عز وجل { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار
ولن تجد لهم نصيرا } النساء 145 وقوله { إن المنافقين يخادعون الله وهو
خادعهم } النساء 142 يعني بقوله ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا
وأما المؤمنون الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم فإنهم يمشون على الصراط
وأنوارهم تسعى بين أيديهم وبأيمانهم حتى إذا كانوا على جسر الصراط وهو
أعلا الجسور من الصراط وهي الأعراف وهي
المواضع المرتفعة واحدها عرف وتسمى النشز من الأرض وهو الموضع المرتفع
عرفا ومنها عرف الديك
37 أهل الأعراف
فإذا صار على تلك المواضع من الصراط نقص نورهم وبقوا على أطراف أنامل
أرجلهم ورأوا أن ذلك ظلمة وذلك أن الخلق على الصراط على قدر أعمالهم في
الدنيا فمن الناس من يكون له من النور ما يضيء على الصراط مسيرة مائة عام
ومنهم من يعطي من النور ما يضيء له مسيرة سنة وما يضير مسيرة شهر ومسيرة
جمعة ومسيرة يوم ومسيرة ساعة ومن الناس من يعطي من النور ما يضيء له موضع
قدميه
على قدر منازلهم عند الله تبارك وتعالى وعلى قدر أعمالهم في الدنيا
فيستبقون في الجواز على قدر أنوارهم التي معهم فمن كان له نور كثير جاز في
السعة ومن كان له نور قليل جاز في الضيق على قدر ما أعطى الله لكل عبد
فإذا ثبت أصحاب الأعراف على أنامل أرجلهم في ذلك ولا ينظرون إلى موضع
أقدامهم من شدة الظلمة والظلمة هي شدة سواد جهنم أعاذنا الله وإياكم منها
وسهل لجميعنا شدائدها وظلمتها وثبت على الصراط أقدامنا بمنه وفضله
والصراط أحد من السيف وأرق من الشعرة وأحر من الجمر عليه من
الحسك والكلاليب أكثر من عدد الإنس والجن قد تعلق بكل كلوب من الزبانية
عدد نجوم السماء إذا تكلم واحد منهم تناثر النار من فيه لو أن واحدا منهم
بصق في البحار الزاخرة لجففها وإذا تكلم واحد منهم فزع صاحبه منه ولو سمع
أهل الدنيا صوت واحد يتكلم بالكلام لمات كل من فيها من إنسها وجنها وجميع
ما خلق الله تبارك وتعالى فيها من برها وبحرها من فظاعة كلامه ومن شدة
صوته وإذا صاح مالك خازن جهنم على خزنة جهنم يغشى عليهم من شدة صوته
والصراط مع دقته ورقته يضطرب كما تضطرب السفينة بأهلها إذا كانت الريح
عاصفة فإذا ثبت القوم على أناملهم من أرجلهم ولا يستطيعون الجواز وهم
ينظرون إلى أهل النار كيف يعذبون في النار قال الله تعالى { وإذا صرفت
أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين }
الأعراف 47 وهم يستغيثون ويتضرعون إلى مولاهم جل جلاله ويسألونه النجاة من
النار ومن هول ما هم فيه من صعوبة الصراط فيمكثون كذلك ما شاء الله تبارك
وتعالى مغمومين مكروبين محزونين لا يدرون أينجون أم يهلكون مع كل إنسان
منهم حافظاه اللذان كانا يكتبان عليه عمله في الدنيا فبينما هم كذلك إذ
يلقى الله تبارك وتعالى ذكرهم في قلوب إخوانهم من أهل الجنة وعلى ألسنتهم
فيقول بعضهم لبعض يا ليت شعرنا ما فعل إخواننا من أهل الأعراف فيقولون ما
لنا علم بما صنعوا ولكنا نسأل الحفظة ومن معهم حتى يخبرونا ما فعلوا
فينادون من قصورهم يا معشر الملائكة الذين مع أصحاب الأعراف ما فعل
أخواننا من أصحاب الأعراف
38 شفاعة أهل الجنة في أصحاب الأعراف
فيقول الملائكة يا معشر أهل الجنة أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم
يطمعون بدخولها قد قل نورهم وطفئ سراجهم وبقوا على أطراف أناملهم وأرجلهم
وهم وقوف ينتظرون رحمة ربهم فذلك قوله تعالى { ونادوا أصحاب الجنة }
الأعراف 46 يعني نادت الملائكة أصحاب الجنة { أن سلام عليكم لم يدخلوها
وهم يطمعون } الأعراف 46
39 حياء آدم
فعند ذلك يلبس أهل الجنة الحلي والحلل ويضعون التيجان على رؤوسهم ثم يمصون
بأجمعهم حتى يأتوا آدم عليه الصلاة والسلام وهو في قصره فينادون بأجمعهم
يا أبانا أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك كرام ملائكته
وأسكنك جنته إن ناسا من ولدك محبوسون على الصراط قل نورهم وطفئ سراجهم
فاشفع لهم عند ديان يوم الدين فيقول آدم عليه السلام لست هنالك أنا الذي
عصيت ربي وأكلت من الشجر فغفر لي وأنا أستحي أن أساله بعد المغفرة شيئا
ولكن عليكم يا بني بنوح الذي حمله الله في الفلك
40 حياء نوح
فيأتون نوحا عليه السلام فينادون بأجمعهم يا نوح فيشرف عليهم من قصره
فينظر إلى جماعتهم فيقول لهم نوح يا أهل الجنة ما الذي أزعجكم من منازلكم
وما الذي جاء بكم فيقولون له يا نوح أنت الذي حملك الله في الفلك إن ناسا
محبوسون على الصراط قل نورهم وطفئ سراجهم فاشفع لهم عند ديان يوم
الدين فيقول لهم نوح لست هنالك أنا الذي خاطبت ربي فيما ليس لي به علم
فغفر لي وأنا أستحي أن أسأله بعد المغفرة شيئا ولكن عليكم بإبراهيم الذي
اتخذه الله خليلا وجعل النار عليه بردا وسلاما فيأتون إبراهيم عليه السلام
وهو في قصره فينادون بأجمعهم يا إبراهيم أنت الذي اتخذك الله خليلا إن
ناسا محبوسون على الصراط قل نورهم وطفئ سراجهم فاشفع لهم عند ديان يوم
الدين فيقول لهم لست هنالك أنا الذي كذبت كذبتين وقيل ثلاث فغفر لي وأنا
أستحي أن أسأله بعد المغفرة شيئا ولكن عليكم بموسى بن عمران كليم الله
ونجيه
41 حياء موسى
فيأتون موسى عليه السلام فينادونه فيشرف عليهم فيقول له يا موسى
أنت الذي كلمك الله بغير ترجمان وأنزل عليه التوراة وضرب لك طريقا يبسا في
الأرض وأراك العجائب من قدرته إن ناسا من إخواننا محبوسون على الصراط قل
نورهم وطفئ سراجهم فاشفع لهم عند ديان يوم الدين فيقول لهم موسى لست هنالك
أنا الذي وكزت الرجل فقتلته فغفر لي وأنا أستحي أن أسأله بعد المغفرة شيئا
ولكن عليكم بعيسى بن مريم العذراء البتول البكر
42 حياء عيسى
فيأتون عيسى وهو {صلى الله عليه وسلم} في قصره فينادون بأجمعهم يا عيسى
فيشرف عليهم من قصره فيقول لهم يا أهل الجنة ما الذي أزعجكم من منازلكم
وما الذي جاء بكم فيقولون له يا عيسى أنت الذي خلقك الله من غير بشر وأنت
الذي جعلك الله آية للناس وأنت ابن الطاهرة البكر العذراء البتول إن ناسا
محبوسون على الصراط قل نورهم وطفئ سراجهم فاشفع لهم عند ديان يوم الدين
فيقول لست هنالك أنا الذي زعمت النصارى أني قلت لهم اتخذوني وأمي إلهين من
دون الله فاستحي منه أن أسأله شيئا ولكن عليكم بالذي كان آخر المرسلين وهو
اليوم أولهم عليكم به فهو إمام المتقين وسيد العالمين وخاتم النبيين محمد
{صلى الله عليه وسلم}
43 شفاعة محمد
فيأتون النبي {صلى الله عليه وسلم} وهو في قصره خير قصور الجنة فيقفون حول
القصر
والقصر قد أشرق نوره وبهجته على جميع قصور أهل الجنة فينادون بأجمهم يا
محمد يا أبا القاسم يا أحمد يا سيد العالمين يا إمام المتقين يا خاتم
النبيين فيشرف عليهم {صلى الله عليه وسلم} من قصره والنور من وجهه قد أشرق
على قصور الجنة كلها فيقول لهم صلوات الله وسلامه عليه ما الذي أزعجكم من
منازلكم وما الذي جاء بكم فيقولون له أنت الذي جعلك الله خاتم النبيين
وسيد العالمين وإمام المتقين إن ناسا من أمتك على الصراط محبوسون قل نورهم
وطفئ سراجهم فاشفع لهم عند ديان يوم الدين
44 دخوله جنة عدن
فيقول النبي {صلى الله عليه وسلم} أنا لها فيلبس صلوات الله
وسلامه عليه الحلي والحلل ويضع على رأسه التاج صلوات الله وسلامه عليه
ويتبعه أهل الجنة حتى ينتهي إلى باب جنة عدن فيستفتح فيقال من هذا قال
{صلى الله عليه وسلم} فأقول أنا أحمد فيفتح لي فإذا خلف السرداق ملك
يتلألأ نور فيهولني ما أرى منه فيؤنسني ويمسحني فيقول يا أحمد أنت عبد
وأنا عبد مثلك ثم أمضي فأنتهي إلى سرداق ثاني فأستفتح فيقال من هذا فأقول
أنا أحمد فيفتح لي فإذا خلف سرداق ملك عظيم أعظم خلقا وأشد نورا من الذي
رأيت فيهولني ما رأيت من عظمه فيؤنسني ويمسحني ويقول يا أحمد أنت عبد وأنا
عبد مثلك فلا أزال أمشي في عظم الملائكة وبعضهم أشد نورا من بعض حتى أنتهي
إلى السرداق السابع فأستفتح فيقال من هذا فأقول أنا أحمد فيفتح لي فإذا
خلف السرداق جبريل عليه الصلاة والسلام فيقول مرحبا بهذا الصوت لقد كنت
إليه مشتاقا فأمضي حتى أنتهي إلى الحجب فترتفع الحجب فيتجلى لي رب
العالمين جل جلاله وعظمت قدرته فإذا نظرت إليه خررت له ساجدا فأحمده
بتحميد ما حمده بمثله ملك من حملة العرش ولا من حملة الكرسي ولا نبي مرسل
حينئذ في ذلك المكان حتى يقول الكروبيون والروحانيون وأصحاب السرادقات إن
هذا لأهل أن يشفعه الله فيمن يشفع
45 سجوده بين يدي الله تعالى
فيقول الجبار جل جلاله وعظمت قدرته يا أحمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع
قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأرفع رأسي من السجود فإذا نظرت إلى
ربي جل جلاله خررت ساجدا وأحمده وأثني عليه بمثل ما حمدته به في المرة
الأولى
فأفعل ذلك ثلاث مرات وربي جل جلاله يقول لي في كل مرة ارفع رأسك
وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب ناسا من أمتي محبوسون على الصراط قل نورهم
وطفئ سراجهم فأتمم لهم نورهم وأضيء سراجهم وهم الذين يقولون عند ذلك {
ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير } التحريم 8 متى تمضي
كما مضى اخواننا إلى الجنة فيبعث الله تبارك وتعالى الملائكة فيأتون
بالنور من جنة عدن ثم يغمسون غمسا فيحي الله نورهم ويضيء سراجهم ثم تقبل
الملائكة على أهل جهنم فيقولون لهم { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله
برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } الأعراف 49 وذلك أن
أهل جهنم لما نظروا إلى أصحاب الأعراف محبوسين على الصراط قال بعضهم لبعض
والله ما حبسوا هؤلاء إلا ليدخلوا معنا في جهنم فمن أجل ذلك قالت لهم
الملائكة { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } الأعراف 49 ثم
تقبل الملائمة على أصحاب الأعراف 146
جاه المصطفى العظيم
فيقولون لهم { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } الأعراف 49 أي
لا تحزنون ولا تموتون في الجنة أبدا فيمضون والنور الذي جاءتهم به
الملائكة في جنة عدن يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حتى يجوزوا الصراط ويدخلوا
الجنة ويلحقوا بمنازلهم وإخوانهم ونبيهم محمد {صلى الله عليه وسلم} وإنما
حبسهم الجبار جل جلاله وعظمت قدرته ليظهر جاه محمد {صلى الله عليه وسلم}
وفضله وحرمته ودرجته ومنزلته ومكانه عند الله تبارك وتعالى من الشفاعة
{صلى الله عليه وسلم} صلاة تشرف بها عقباه وتبلغه بها من الشفاعة العظمى
رضاه آمين يا رب العالمين صلاة دائمة منتهى الآباد طيبة باقية بلا انقطاع
ولا نفاد صلاة تنجينا بها من حر جهنم وبئس المصير وتدخلنا الجنة مع صحابته
الأبرار الطيبين آمين يا رب العالمين
5 مجلس في قوله تعالى
{ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها
47 في حساب الملائكة والرسل واللوح المحفوظ
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } تقف للعرض الأكبر
بين يدي رب العالمين فيغرقون على قدر أعمالهم {
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يقول الله تبارك وتعالى يوم
القيامة يا بني آدم انصتوا فطالما نصت لكم وفي رواية أخرى فقد نصت لكم من
يوم خلقتكم إلى يوم هذا أسمع قولكم وأنظر أعمالكم فانظروا اليوم أعمالكم
تعرض عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه
احشروا علي عبادي فوعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم
فكيف بك يا مسكين يا مغرور يا تارك الحق والصواب يا مخالف السنة والكتاب
يا ظالما لنفسه يا غافلا عن الحساب يا من بذل نفسه لأليم العذاب يا من
تمادى في معصية رب الأرباب ونسي الجنة وحسن المآب
وأنشدوا
} إلى كم لا تفيق من التصابي
وهذا العمر يؤذن بالذهاب {
} ويرضى بالقليل المرء حظا ويزهد في الكثير من الثواب {
} فقدما غرت الدنيا أناسا كما غر المحين بالشراب {
} تمنيهم غرورا باطلات
وتخدعهم بآمال كذاب {
كأنك لا ترى في كل يوم
جنائز تستحث إلى الخراب
خلقت من التراب وعن قريب
ستلحق غير شك بالتراب
وتحيا بعد موتك كي تجازي
بما قدمت في يوم الحساب
فإنك تك بالمسيء بقبح فعل
فحسبك بالعقاب مع العذاب
} وإن كنت الذي قدمت خيرا
جزيت به غدا حسن المآب
48 تبكيت الله تعالى للجبابرة
ذكر في بعض الأخبار أن الجبار جل جلاله إذا اجتمع الأولون والآخرون في
عرصة القيامة نادى سبحانه وتعالى أين الجبابرة وأبناء الجبابرة أين الملوك
وأبناء الملوك قصمت الجبابرة بسلطاني وأفنيت الملوك بعظمتي
ذكر في الخبر أن الجبابرة يحشرون يوم القيامة على صور الذر أصغر الخلائق
خلقة لتجبرهم على العباد والجبابرة هم الذين تجبروا على الخلق وعن اتباع
سنة رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وقيل الجبابرة هم الذين جبروا المساكين والضعفاء على ما لم يطيقوا وهذا
الاسم قد اشترك فيه الخالق والمخلوق فالخالق جل جلاله هو جبار على الحقيقة
49 تفسير الجبار
وتفسير الجبار في حق الله تعالى الذي جبر عباده على ما أراد وقيل
الذي يجبر عن ظلم العباد إن الله تعالى جل اسمه لا ينسب إليه الظلم لأن حد
الظلم وضع الشيء في غير موضعه لأن الدنيا والآخرة ملك الله تعالى والجبار
من العباد هو الظالم الذي يضع الشيء في غير موضعه يأخذ ما ليس له بحق
ويرده إلى ما قد ملكه الله تبارك وتعالى وإذا قضى الله تعالى على عبده
بقضاء فهو له خيرا
لقول رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } لا يكمل للمؤمن إيمانه حتى يرى أن
الذي قضاه الله عليه أو له خير له من الذي أراد لنفسه { وقال رسول الله
{صلى الله عليه وسلم} } في قضاء الله تعالى خيرا إلا قضاء النار { وإذا
قضى الله تبارك وتعالى على عبده بالنار فهو عبده وهو خلقه لم يعنه أحد على
خلقه ولا على رزقه وهو يفعل ما يريد لا شريك له في ملكه
ثم ينادي الجليل جل جلاله { يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون }
الزخرف 69 فإذا سمع الخلق هذا النداء رفعوا رؤوسهم وطمعوا كلهم في هذا
النداء وقالوا كلهم نحن عباد الله ثم ينادي ثانية { الذين آمنوا بآياتنا
وكانوا مسلمين } الزخرف فعند ذلك ينكس رأسه كل من لم يكن مسلما فتبقى أهل
الأديان متحيرين ويفرح المسلمون ثم ينادي ثالثة { الذين آمنوا وكانوا
يتقون } يونس 63 أي كانوا يتقون الكبائر فينكس أهل الكبائر من أهل التوحيد
رؤوسهم ويرفع رؤوسهم سائر أهل التوحيد الذين اجتنبوا الكبائر وتابوا عنها
توبة نصوحا
فكيف بك يا مغرور يا مسكين قد ارتكبت الكبائر والصغائر وعصيت مولاك في
الخفيات والظواهر وأيقنت أنك مسئول يوم تبلى السرائر ولاق من العقوبة على
ذلك الحظ الجزيل الوافر
وأنشدوا
} عصيت الله ألوان المعاصي
كأني لست أوقن بالقصاص {
} فمالي لا أنوح على ذنوبي وأبكي يوم يؤخذ بالنواصي
50 نصيحة
فانظر لنفسك يا مسكين يا ضعيف الإيمان واليقين قبل حلول الندم وزوال النعم
ونزول النقم حيث لا ينفع الندم
فاستعد للسؤال وتهيأ للجدال قال الله الكبير المتعال { يوم تأتي
كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون } النحل 111
51 السائق والشهيد
فإذا سمع العباد النداء وعلم كل عبد وأمة منزلته من جميع أهل الأديان نشرت
الدواوين ووضعت الموازين وجيء بالنبيين ونصبت المنابر بالأنبياء والرسل
فيجلس كل نبي على منبره وأمته قد أحدقت به ونصبت الكراسي
للصديقين والشهداء
{ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } ق 21 سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها
فالناس ينقسمون في السياقة على قسمين قسم تسوقه الملائكة ببر وإكرام ورق
وإجلال وتؤمنهم وتهديء روعاتهم كلما نظر العبد إلى من يعذب أو ينكل يقول
له سائقه من الملائكة يا عبد الله ما أنت مثل هذا هذا عصى الله وأنت أطعته
والقسم الثاني يساقون بالانتهار والسطوة والإغلاظ يسوقه سائقه وهو يروعه
ويقول له يا عدو الله هذا الحساب سوف تدري كلما نظر المسكين إلى من يعذب
أو ينكل قال له سائقه الساعة تكون أنت مثل هذا هذا عصى الله وأنت عصيته
أما علمت يا عدو الله أن الحساب والحشر أمامك
وأنشدوا
كأني بنفسي قد بلغت مدى عمري
وأنكرت ما قد كنت أعرف من دهري
وطالبني من لا أقوم بدفعه
وحولت من داري إلى ظلمة القبر
وفاز بميراثي أناس فشتتوا
بإفسادهم ما كنت أجمع من أمري
وأغفلني من كان يبدي محبتي
فأخلصه ودي ويغمره بري
فلم يسخ لي منهم صديق بدعوة
إذا ما جرى يوما بحضرته ذكرى
وأضحى لبيتي ساكن مبهج به
وفي اللحد بيتي لا أقوم إلى الحشر
فيا شقوتي إن لم يجد بنجاته
إلهي ولم يجبر برحمته فقري
فقد أثقلت ظهري ذنوب لو أنها
على ظهر طور أثقلته في الوزر
فما أعظم مصيبتكم وما أطول حسرتكم إن لم يعف عنكم مولاكم وجعل النار
مأواكم فاغتنموا التجارة في دار الفناء والذهاب يجازيكم بها مولاكم عند
مناقشة الحساب فالحساب عظيم عسير والهول والله جليل كبير والناقد مميز
بصير واليوم عبوس قمطرير
52 اللوح المحفوظ
ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إذا جمع الله تبارك
وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد ونشرت الدواوين ونصبت الموازين
وأحضرت الأنبياء بأممها وحضر الصديقيون والشهداء وحشر وحوش الأرض وهوامها
وطيورها وأنعامها وسكان جبالها وبحارها
ينادي مناد من قبل العرش أين اللوح المحفوظ فيؤتى باللوح المحفوظ فيوقف
بين يدي الجبار جل جلاله خاضعا ذليلا فيقول له تبارك وتعالى ما صنعت
بالوحي الذي أنزلت فيك واللوح من درة بيضاء صفحتاه من ياقوتة حمراء عرضه
كما بين السماء والأرض ينظر الله تبارك وتعالى فيه في كل يوم ثلاثمائة
وستين نظرة فيخلق في كل نظرة ويحيي ويميت ويعز ويذل ويرفع أقواما ويفعل
بهم الخير ويوقفهم بفضله ويخفض أقواما ويصدهم عن منهاج الهدى بعدله لا
يسأل عما يفعل وهم يسألون يوم القيامة لأنهم ما قدروا الله حق قدره ولا
عبدوه حق عبادته لأنه جل جلاله أجل وأعظم من أن يوفى في العبادة والطاعة
والمعرفة حقه ما قدر على هذا نبي مرسل ولا ملك مقرب فسبحان من لا سبيل إلى
معرفته إلا بالعجز عن معرفته
قال فيقف اللوح بين يدي الجبار جل جلاله وعظمة قدرته فيقول له أيها اللوح
المحفوظ ما صنعت بالذي أنزلته فيك فيقول اللوح المحفوظ سيدي ومولاي بلغته
عبدك ميكائيل
53 رسالة ميكائيل
فينادي أين ميكائيل فيؤتى به {صلى الله عليه وسلم} وهو ملك عظيم له ستة
عشر ألف جناح لو نشر منها جناحا واحدا في الدنيا لما وسعته فيقف بين يدي
الله تبارك وتعالى خاضعا ذليلا قد بلغت نفسه إلى حنجرته فلا هي تدخل ولا
هي تخرج خوفا وجزعا وهيبة من الجبار جل جلاله فيقول الله له ما صنعت
بالوحي الذي بلغ إليك اللوح المحفوظ وهل تشهد له بالتبليغ وأنا أعلم بذلك
منك ولكن سبق في علمي أني أسألك اليوم عبادي وجميع خلقي واستشهد بعضهم على
بعض فيقول ميكائيل يا رب بلغني اللوح المحفوظ وبلغته عبدك إسرافيل وأنت
أعلم
54 رسالة إسرافيل
فيبرأ اللوح المحفوظ بشهادة ميكائيل له ثم ينادي أين إسرافيل
فيؤتى به {صلى الله عليه وسلم} وهو ملك عظيم له جناح بالمشرق وجناح
بالمغرب ورجلاه تحت تخوم الأرض السابعة السفلى والعرش على رأسه فيقف بين
يدي الله تبارك وتعالى وجل مع عظم خلقه خاضعا ذليلا قد ذهلت نفسه وتغير
لونه وارتعدت فرائصه واضطربت أوصاله واصطكت ركبتاه وقد بلغت نفسه إلى حلقه
فلا هي تدخل ولا
هي تخرج خوفا وجزعا وهيبة من الله تبارك وتعالى
فيقول له الجبار جل جلاله ما صنعت بالوحي الذي بلغك ميكائيل وهل بلغك وهل
تشهد له بالتبليغ وأنا علام الغيوب
فيقول إسرافيل عليه السلام نعم يا سيدي ومولاي قد بلغني وأنت أعلم وقد
بلغته عبدك جبريل عليه السلام فيبرأ ميكائيل بشهادة إسرافيل عليهما السلام
55 رسالة جبريل
ثم ينادي أين جبريل فيؤتى بجبريل عليه السلام وقد تغير لونه وتبلبل لبه
وارتعدت فرائصه واضطربت أوصاله واصطكت ركبتاه وقد بلغت نفسه إلى حلقه فلا
هي تدخل ولا هي تخرج جزعا وخوفا من الجبار جل جلاله فيقول الله تبارك
وتعالى يا جبريل ما صنعت بالوحي الذي بلغك عبدي إسرافيل وهل تشهد له
بالتبليغ فيقول جبريل عليه السلام نعم يا سيدي ومولاي بلغني وبلغته نبيك
نوحا عليه السلام وأنت أعلم
فيبرأ إسرافيل بشهادة جبريل 156
شهادة نوح
فيؤتى بنوح عليه السلام حتى يوقف بين يدي الجبار جل جلاله وقد ذهبت نفسه
وتغير لونه وقد مات فزعا وخوفا من الجبار جل جلاله فيقول الجبار جل جلاله
يا نوح ما صنعت بالوحي الذي بلغك عبدي جبريل عليه السلام وهل تشهد له
بالتبليغ فيقول عليه الصلاة والسلام نعم يا سيدي ومولاي قد بلغني عبدك
جبريل عليه السلام وقد بلغته قومي وأنت أعلم من جميع عبادك بذلك
فيقول الله تبارك وتعالى صدقت أنا أعلم من جميع خلقي ولكن قد سبق في علمي
أن أسأل جميع خلقي وأستشهد بعضهم على بعض وأنا الحاكم الجبار الذي لا أجور
في حكمي
ثم يدعي بقوم نوح عليه السلام فيقول لهم ما صنعتم بالوحي الذي
بلغكم نوح عليه السلام وهل بلغكم وهل تشهدون له بالتبليغ فيقول قوم نوح
ربنا ما جاءنا من نذير ولا رأيناه يوما قط ولا سمعنا به ولا بلغ إلينا
رسالة فإذا سمع نوح عليه السلام كلام قومه ذهبت نفسه وود لو ابتلعته الأرض
ولو قضى الله تبارك وتعالى بالموت لمات نوح حين جحده قومه حياء من الله
تبارك وتعالى فيقول الله تبارك وتعالى يا نوح هل تجد من يشهد لك أنك قد
بلغت قومك
الرسالة فينظر نوح عليه السلام في الموقف يمينا وشمالا ومشرقا ومغربا يتضح
ويتبصر من بين سائر الأنبياء والمرسلين وبين كراسي الشهداء والصديقين فلا
يرى في المنابر أعلا ولا أنور ولا أحسن ولا أزهى من منبر محمد {صلى الله
عليه وسلم}
57 جاه الرسول الأعظم
ولا يرى في الأنبياء أحسن وجها من وجه محمد {صلى الله عليه وسلم} ولا يرى
نوح في الكراسي أنور ولا أحسن من كراسي أمة محمد {صلى الله عليه وسلم} ولا
يرى أبهى ولا أنور ولا أحسن من كرسي أبي بكر الصديق رضي الله عنه
ولا يرى في الوجوه أحسن وجها من وجوه أمة محمد {صلى الله عليه وسلم} ولا
يرى في الصديقين والشهداء أحسن ولا أبهى ولا أنور من وجه أبي بكر الصديق
رضي الله عنه
58 فضل أبي بكر الصديق
فيقول له نوح قد أصبت من يشهد لي يا مولاي وسيدي فيقول الله تبارك وتعالى
وهو أعلم من يشهد لك يا نوح فيقول نوح عليه السلام يشهد لي محمد {صلى الله
عليه وسلم} وأمته بأني قد بلغت قومي الرسالة فينادي مناد أين النبي الأمي
العربي التهامي أين أحمد أين سيد العالمين أين خاتم النبيين والمرسلين أين
إمام المتقين فعند ذلك يقوم محمد {صلى الله عليه وسلم} وعند ذلك يرفع أهل
الجمع رؤوسهم إذا رأوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فيمضي صلوات الله
عليه حتى ينتهي إلى ربه عز وجل فيقول له ربه يا أحمد ونوح قائم ينظر ما
تقول هل بلغ نوح الرسالة إلى قومه فيقول محمد {صلى الله عليه وسلم} نعم يا
سيدي ومولاي قد بلغ وأقام يدعوهم إلى الإيمان ألف سنة إلا خمسين عاما
فيقول الجبار جل جلاله صدقت يا أحمد
فعند ذلك يفرح نوح عليه السلام ويتهلل وجهه
ثم يقول الله تعالى يا محمد هلم أمتك إلى الحساب والشهادة فبينما الخلائق
في الموقف إذ يموج بعضهم في بعض ويفزعون فزعة عظيمة فتجتمع كل أمة حول
نبيها وتنظر أمة محمد {صلى الله عليه وسلم} يمينا وشمالا فلا يرون النبي
محمد {صلى الله عليه وسلم} والأمم قد أحدقت بأنبيائها وينظر الأنبياء
والأمم إلى منبر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} خاليا
59 منبر الرسول والمحشر
فيقول بعضهم لبعض لمن هذا المنبر الذي لا يرى في الموقف مثله لحسنه
وجماله ولا يرى أنور منه ولا أعلا ولا أبهى منه ونراه خاليا ولا نرى له
صاحبا فبينما هم ينظرون إلى منبر النبي {صلى الله عليه وسلم} إذ ينادي
المنادي ألا إن هذا المنبر منبر محمد {صلى الله عليه وسلم} وأن محمدا {صلى
الله عليه وسلم} يناجي ربه في المذنبين من أمته يشفع لهم إلى الله تعالى
فبينما هذه الأمة وقوف مغمومون محزونون بما يأتي النبي {صلى الله عليه
وسلم} من عند ربه عز وجل إذ يخرج إليهم صلوات الله وسلامه عليه من عند ربه
جل جلاله حتى ينتهي إليهم فيقوم بينهم فيرفعون رؤوسهم وينظرون إليه فإذا
رآهم صلوات الله وسلامه عليه أرسل عينيه بالبكاء فإذا نظروا { تجد كل نفس
ما عملت من خير محضرا } آل عمران 30 الآية ذلك يوم مهول عبوس يوم تشيب فيه
الرؤوس وتذهل فيه النفوس وتبلو كل نفس ما أسلفت وتقدم كل أمة على ما قدمت
وتذهل كل مرضعة عما أرضعت يجد والله كل عبد وأمة ما عمل وقدم من خير ثوابا
ونعيما وسرورا مقيما وربا كريما رؤوفا بعباده رحيما ويجد كل عبد وأمة ما
عمل من شر خزيا جسيما ونارا وجحيما وعذابا مقيما ونكالا أليما وربا غضبانا
عظيما { يوم تجد كل نفس ما عملت } آل عمران 30
60 الثواب والعقاب
يجد الطائع الثواب ويجد الفاسق العذاب يجد المؤمن لذة الوصال
بالنظر إلى الكبير المتعال في دار الخلد والجلال ويجد الكافر العذاب
والنكال والسلاسل والأغلال والجحيم والخبال وفظاعة الأهوال { يوم تجد كل
نفس ما عملت } آل عمران 30 يجد المؤمن النعيم والكرامة والأمن في القيامة
والعافية والسلامة والحلول في دار المقامة ويجد الكافر الخزي والندامة
والعذاب والملامة { يوم تجد كل نفس ما عملت } آل عمران 30 يجد المؤمن
الدرجات ويجد الكافر العقوبات يجد المؤمن السرور ويجد الفاجر الثبور يجد
المؤمن النعيم والخلود ويجد الفاجر عذابا غير مردود ويجد المؤمن ما قدم من
الإحسان في درجات الجنان في جوار الرحمن مع الخيرات الحسان ويجد الفاجر ما
عمل من العصيان في سموم النيران في جوار الشيطان مع الذل والهوان
يوم تجد كل نفس ما عملت في يوم هائل عظيم يوم تكثر فيه الغموم وتعظم فيه
الهموم ويفصل الرب بين عباده وهو الحي القيوم { يوم تجد كل نفس } آل عمران
30 يوم تندم على القبائح وتتأسف عند معاينة الفضائح وتوجد الأعمال في
الصحائف
الصحائح
{ يوم تجد كل نفس } آل عمران 30 يوم يندم الظالم ويخسر الآثم ويكون الجبار
جل جلاله في ذلك اليوم العدل الحاكم ذلك يوم الندامة والحسرة والأهوال
والعبرة
وأنشدوا
يا واحدا صمدا بغير قرين
ارحم ضراعة عبدك المسكين
واعطف علي إذا وقفت مروعا
حيران بين يديك يوم الدين
يا حسرتي بين العباد إذا همو
خافوا الحساب فخف عنهم دوني
ما حيليتي في يوم نشر صحيفتي
إذ قيل لي خذها بغير يمين
ما حيلتي عند الحساب وهوله
إذ قصرت بي قوتي ويقيني
لا حيلة عندي ولا لي موثل
إن خانني طمعي وحسن ظنوني
يا رب لا تترك عبيدك هالكا
وارحم بفضلك عبرتي وشئوني
{ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا } آل عمران 30 أي تجده حاضرا عتيدا
وتسأل عن أعمالك سؤالا شديدا { وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه
أمدا بعيدا } آل عمران
قيل الأمد البعيد الذي يود من عمل سوءا وعصى مولاه أن يكون بينه
وبين عمله السوء كما بين المشرق والمغرب
وقيل الأمد البعيد الغاية في البعد الذي يتمنى أنه تاب في الدنيا وتبدل
الشر بالخير حتى يمحي عنه السوء بالتوبة فلا يراه ولا يسمعه ولا يعاقب
عليه إذا رأى التائبين غفر لهم بالتوبة وبدلت سيئاتهم بالحسنات والأوبة
كما قال تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي
حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } الفرقان 68 الآية
61 فائدة التوبة
وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } كل بني آدم خطاء وخير الخطائين
التوابون { فإذا رأى المسكين الذي عمل السوء وقد أحاطت به الكروب وترادفت
عليه الهموم
والخطوب وأسود وجهه من ظلمات الذنوب وقد غضب عليه علام الغيوب ورأى الذين
تابوا من أخوانه وأهله وأصحابه وجيرانه قد فازوا بالملك الكبير والحساب
اليسير ولباس السندس والحرير والنظر إلى وجه السميع البصير ورأى نفسه قد
خسر وخاب وحرم الثواب ونوقش الحساب وحجب عن رب الأرباب وصار إلى أليم
العذاب يود لو كان تائبا ولم يكن من الرحمة خائبا يود لو كان السوء عنه
بعيدا ولم يكن حاضرا عتيدا ولم يكن العذاب عليه شديدا
يود لو كان من التائبين ولم يكن من المحرومين يود لو كان من الآمنين ولم
يكن من المخالفين يود لو كان من الطائعين ولم يكن من العاصين يود لو كان
من المحسنين ولم يكن من الظالمين يود لو كان من أهل الجنان ولم يكن من أهل
النيران يود لو كان من أهل الثواب ولم يكن من أهل العقاب يود لو كان من
أهل النعيم ولم يكن من أهل الجحيم يود لو كان من الأولياء ولم يكن من
الأشقياء
يود لو كان من أهل الوفاق ولم يكن من أهل النفاق
يود لو كان من أهل الفوز بالجنة ولم يكن من أهل العذاب والمحنة
يود لو كان سعيدا رشيدا ولم يكن عن الله بعيدا
لا أبعدنا الله وإياكم من رحمته وقربنا وإياكم بالفوز لجنته
62 عمل العبد يلازمه
ذكر في بعض الأخبار أن العبد إذا مات أحضر عمله كله عند رأسه حين
يغسل خيرا كان أو شرا فإذا صلى عليه ومضى إلى قبره وانصرف الناس عنه بقي
عمله معه في قبره ولا يزال معه في قبره إلى يوم يخرج من قبره فإذا خرج خرج
معه فإذا قدم إلى الحساب اجتمع عمله كله خيره وشره حتى حركاته وأنفاسه
ووفاقه وخلافه يجد الكل مجموعا لم ينس منه شيء من الكبائر ولا من الصغائر
ولا من الظواهر ولا من السرائر
63 الحض على التوبة
فالله الله معشر المذنبين مثلي أبعدوا عن عمل السوء بالتوبة إلى الرحمن
ولا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها غرور الشيطان واعلموا أن الله تبارك
وتعالى يمحو عنكم سيئاتكم بترك الذنوب والعزم على التوبة ويرحمكم يوم
الحساب بحسن
الأوبة
يا أخي يا أخي وما عسى أن أقول لك من كرم مولاك الجليل جل جلاله لو أن
الذنوب التي عملت في أيام طغيانك وعصيانك كانت مثل جبال الدنيا برمالها
وبحارها وأنهارها وتبت توبة واحدة بصدق وحرقة وندامة ليغفرها لك مولاك
الكريم بكرمه وفضله ولا تسأل عنها يوم القيامة وأنشدوا
نهاك الطبيب محيلا على
مطاعم لو نلتها لم تمت
وخاطبك الله جل اسمه
بترك الذنوب التي حرمت
فأعرضت عن أمره لاهيا
وأمنت نفسك ما خوفت
فأطمعتها أن تنال الرضا
بجهلك في فضل من قد عصت
فماذا تقول إذا أزعجت
لتخرج بالكره فاستسلمت
فلا ندم حط أوزارها
ولا توبة غسلت ما جنت
} وأفردت وحدك في ملحد
بكت فيه نفسك ما أسلفت
64 ما تحويه الآية
يا أهل الذنوب تدبروا هذه الآية فإن فيها بلاغة لمن تذكر وزجرا لمن اعتبر
وتخويفا لمن تدبر ونهيا لمن تفكر
فالفكرة عبادة وخير وزيادة لأن مولاكم الكريم قد خوفكم وهددكم
وزجركم بها زجرا شديدا فقال { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما
عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } آل عمران 30 ثم قال {
ويحذركم الله نفسه } آل عمران 30 أي يحذركم عقابه وعذابه إذا عصيتموه
ويجزل لكم ثوابه إذا أطعتموه فلا يحقرن أحدكم من الذنوب شيئا وإن صغر
فربما كان فيه شدة العذاب والعقاب ولا يحقرن أحدكم حسنة يعملها وإن قلت
فربما كان فيه الرضا من الملك الوهاب
واعلموا أن الذنب الذي يحقره صاحبه يكون يوم القيامة في ميزان فاعله أثقل
من جبال الأرض فازجر نفسك عن غيها وقدم في حياتك
ليوم فقرك
والأصل في الذنب الصغير أن يكون سببا لدخول صاحبه في النار
إن العبد المغرور يعمل الذنب ويحقره ولا يفكر في من قد عصاه وهو الجبار جل
جلاله فعند ذلك
يغضب عليه مولاه ويقول له عبدي حقر ذنبه واستخف بحقي وعزتي وجلالي لأعذبنه
عليه بالنار ومن تاب تاب الله عليه وغفر له بالتوبة
وقد قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } إياكم ومحقرات الذنوب فإن لها
من الله طالبا { قال الله سبحانه { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا
وما عملت } آل عمران 30 الآية
وأنشدوا
} قد ذهب الحي إلى عرسه
وعذب الميت في رمسه {
} مرتهن النفس بأعمالها لا يأمن الإطلاق من حبسه {
} لنفسه صالح أعمالها وما سوى هذا على نفسه { 165
حكاية عن أحد الصالحين
حكي أن المنصور بن عمار رحمه الله دخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد
الملك يا منصور مسألة
وقد أمهلتك سنة كاملة من أعقل الناس ومن أجهل الناس قال فخرج منصور إلى
بعض الفضاء من القصر ليخرج فإذا الجواب قد حضره فرجع إلى عبد الملك فقال
له عبد الملك يا منصور ما الذي ردك إلينا قال يا أمير المؤمنين أعقل الناس
محسن خائف وأجهل الناس مسيء آمن
فبكي أمير المؤمنين حتى بل ثيابه بدموعه ثم قال أحسنت والله يا
منصور ثم قال له إقرأ علي شيئا من كتاب الله فهو الشفاء لما في الصدور وهو
الدواء والنور
فقرأ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا
} آل عمران 30 الآية
فقال عبد الملك قتلتني يا منصور ثم غشي عليه فلما أفاق قال له يا منصور ما
معنى { ويحذركم الله نفسه } آل عمران 30 قال منصور عقوبته يا أمير
المؤمنين فبكى عبدالملك ثم أفاق فبكى مرة أخرى ثم قال يا منصور وما معنى {
رؤوف بالعباد } آل عمران 30 قال رحيم غفار لمن تاب وأناب قال وما ومعنى {
ما عملت من خير محضرا } آل عمران 30 قال كل صغيرة وكبيرة يجدها العبد يوم
القيامة لم يغفر الله منها شيئا
فبكى عبد الملك حتى غشي عليه فلما أفاق قال
66 رقة عبد الملك بن مروان
إن والله من فكر في هذه الآية وعصى مولاه بعد ذلك لقد ضل ضلالا بعيدا
وأنشدوا
بكيت على عظم الذنوب وغزرها
وما قل من يبكي لعظم سؤاله
تفكر في عظم السؤال وهوله
وتندب دهرا زاد قبح فعالة
لعل إله العرش يرحم عبده
ويمنحه في الحشر طول وصاله
ويغفر ما قد كان في طول جهله
ويسكنه بالعفو دار جلاله
وإن نظر الرب العظيم جلاله
فذاك جسيم من جزيل نواله
{ تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا } آل عمران 30 تجد والله كل نفس ما
قدمت في الأيام من الطاعات والإجرام
ذلك يوم المصائب ويوم النوائب ويوم العجائب
يوم هتك الأستار يوم تسعر فيه النار يوم يفوز فيه الأبرار ويندم فيه
الفجار وتعرض العباد على الواحد القهار
فالعجب كل العجب ممن قطع عمره في الأغفال وضيع أيامه في المحال وأفنى
شبابه في الضلال ولم يعمل بما في كتاب ذي المجد والجلال قال الله الكبير
المتعال { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا } آل عمران 30 يقول الله
تعالى يا ابن آدم تطلب موعظة ساعة وتقيم على الذنب سنة وأنشدوا
ما بال قلبك باللذات قد شغفا
وعن فوات صواب الفعل ما أسفا
} وقد توعده الجبار خالقنا
وبالذنوب وبالعصيان قد كلفا
67 توبيخ الله تعالى للعباد
ذكر في بعض الأخبار أن الله تبارك وتعالى يقول في بعض كتبه المنزلة على
أنبيائه يا عبدي ما الذي زهدك في ورغبك في غيري عبدي أنا أتقرب إليك وتهرب
عني وأطلبك وتفر مني عبدي بسطت لك غرور الدنيا فاشتغلت بها عني وآثرتها
علي وزهدت في سعة رحمتي أهكذا يفعل المطيعون بأربابهم المحسنين إليهم عبدي
من الذي سترك وكلاءك وحفظك ووقاك هل كانت لك شركة في نفسك معي أم هل كانت
لك قوة بنفسك علي عبدي ما الذي قصرك عن عبادتي ما الذي زهدك في طاعتي أين
أنت من هادم اللذات أين أنت من نواح الآباء والأمهات أين أنت من المفرق
بين البنين والبنات أين أنت ممن لا يستأذن على أصحاب القصور ولا يستأمر
أرباب الدور أين أنت من قاصم الجبارين الموكل بأرواح المخلوقين عبادي أليس
قد اضمحلت آثار الماضين ودرست
معالم السالفين واتبع اثارهم الباقون
ومن ذا الذي يقوم بخلود الدهر غيري ومن ذا الذي ينفع دوام الأبد غيري عجزت
عن الخلود الجبال الراسيات والأطواد العاليات والبحار الطاميات
أنا الذي تفردت بالبقاء وحكمت على عبادي بالفناء أنا الله لا إله إلا أنا
لا شريك معي في ملكي ولا نظير لي في حكمي ولا ضد لي في سلطاني
وأنشدوا
أما والذي لا خلد إلا لوجهه
ومن ليس في العز المنيع له كفو
لئن كان هذا العيش مرا مذاقه
لقد يجتني من غثه الثمر الحلو
168
السؤال لا يدع ذرة
واعلموا أن الله تبارك وتعالى مسائلكم عن الكبيرة والصغيرة والخفية
والسريرة وعن كل ما قل وما دق وما جل لا يغفل عن شيء يجد العبد ما عمل
حاضرا ويجزي به وافرا ويسأل عما عمل سرا وظاهرا { يوم تجد كل نفس ما عملت
من خير محضرا } آل عمران 30 تجد والله القليل والكثير والنقير والذرة
والقطمير
وأنشدوا
والله لو بكينا طول الأيام
بدمع هامل سجام
وفررنا من الأهل والأوطان
إلى الجبال والآكام
خوفا من ذلك المقام لكن ذلك لنا قليلا خوفا من سؤال الملك العلام
فكيف ونحن لا نفيق من الغفلات ولا ننتبه من السكرات ولا نخاف يوما نجد فيه
الحسنات والسيئات ونسأل عن المظالم والتبعات كما قال الذي فطر الأرض
والسموات { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا } آل عمران 30
69 سؤال الله تعالى للعباد
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن الله تعالى يخلو بعبده
يوم القيامة ليس بينه وبينه حجاب ويقول له عبدي عملت كذا وكذا في يوم كذا
أما علمت أني مطلع عليك يا عبدي أفجعلتني أهون الناظرين إليك أما استحييت
مني أما استحيت من ملائكتي أما خفت من عقابي عبدي أرويتك من الماء البارد
وقويت جسمك ووسعت عليك من سعة رفدي فعصيتني حتى إن العبد ليذوب حياء من
الله ويغمره العرق حتى يكاد يموت من الفزع ثم يقول العبد يا رب النار أهون
علي من حيائي
منك ومن العباد
فيأمر الله تعالى به إلى النار فيمضي العبد وهو يرد رأسه ويقول يا رب
وعزتك وجلالك ما عصيت بهذا كله استخفافا بحقك وما ظننت بك إلا أن تغفر لي
كما سترت علي في الدنيا وقد أيقنت أن عصياني ذلك لا يضرك وأن رحمتك ي لا
تنقصك
فيقول الله تبارك وتعالى عبدي صدقت لم تقطع رجاءك من رحمتي
فوعزتي وجلالي لأغفرن لك اليوم يا ملائكتي مروا بعبدي إلى الجنة
ومن العباد من يقول يا رب العذاب علي أهون من توبيخك لي أرسل بي إلى النار
كما يفعل بالعبد الآبق عن مولاه
فيقول الله تبارك وتعالى عبدي ما وبختك إلا لأعرفك أن ذنوبك بعيني إذ
عصيني بها وجعلت توبيخي لك كفارة لذنوبك وقد غفرتها لك وقد رحمتك وأنا
أرحم الراحمين مروا بعبدي إلى الجنة
جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة أجمعين وتوفانا برحمته مسلمين وختم لنا
عند فراق الدنيا بحسن الخاتمة وكلمة التقوى قول لا إله إلا الله محمد رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} وعلى آله وشرف وكرم وحشرنا معه في المقام
الأعظم مع أصحابه وأزواجه الكرام أمهات المؤمنين آمين يا رب العالمين
6 مجلس ثاني في قوله سبحانه وتعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا }
170 قال الله سبحانه وتعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا } آل عمران 30 يجد المؤمن الحسنات في قرار الجنات والقصور العاليات والحور والدرجات والنظر إلى رب الأرضين والسموات يجد الطائع البشرى ويجد الفاجر النار الكبرى يجد المؤمن الأمان مع السرور والرضوان ويجد الفاجر الهوان مع الذل والخسران يجد المؤمن من الملك الجزيل مع الثواب والتفضيل وأنهار السلسبيل والنظر إلى وجه الملك الجليل ويجد الفاجر النوح والعويل والحزن الدائم الطويل والعذاب الشديد الثقيل بجد المؤمن الخلاص والتبجيل والاختصاص ويجد الفاجر العذاب وشدة القصاصالمؤمن يوم القيامة مرحوم والفاجر باللعنة مرجوم المؤمن عند الحساب مستور والفاجر عند السؤال مشهور
المؤمن عند الحساب يلاطف والفاجر عند السؤال يكاشف
المؤمن حسابه عتاب والفاجر سؤاله عذاب
المؤمن يجد من مولاه الرحمة والفاجر يجد من الله النقمة
المؤمن حسابه يسير والفاجر حسابه عسير
المؤمن يجد لباسه حرير الجنان والفاجر لباسه سرابيل القطران
المؤمن يجد عمله سرورا والفاجر يجد عمله ويلا وثبورا
المؤمن يجد الاتصال والفاجر يجد الانفصال
المؤمن يجد الخلاص والفكاك والفاجر يجد الهوان والهلاك
المؤمن مع محمد النبي والفاجر مع الشيطان الغوي
المؤمن في وجهه نضرة النعيم والفاجر في وجهه ظلمة الجحيم المؤمن في الحساب ريان والفاجر في الموقف عطشان
وأنشدوا
أنت المخاطب أيها الإنسان
فأصخ إلي يلح لك البرهان
أودعت ما لو قلته لك قلت لي
هذا لعمرك كله هذيان
فانظر لعقلك من بيانك واعتبر
إتقان صنعته فثم الشان
وجزا محاسن فعلهم في حشرهم
عند الإله وعنده الرضوان
هذا لعمري ظاهر لا يختفي
نطق الرسول وبين الفرقان
71 حكم قدسية
ذكر في بعض الحكم التي أنزلت على الأنبياء عليهم الصلاة السلام
عجبا لمن لا يرحم نفسه كيف يرحم وعجبا لمن يدوم على المعصية كيف يرجو حسن
المآب وعجبا لمن يعمل أعمال النيران وهو يطلب نعيم الجنان كأنك يا أخي قد
قربت من العرض والحساب ووقفت بين يدي الملك الوهاب فيأمر بك إلى الجنة
وحسن المآب أو إلى النار وأليم العذاب تفكر في هذا كله يا مغرور لعل
القسوة تنجلي من قلبك والوقر أن يزول عن سمعك والغطاء أن يرتفع عن بصر
قلبك فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور
فانظر يا أخي بنور فكرتك وأطلق الموعظة على بحر عبرتك فلعل العين إن تدمع
ولعل القلب أن يرق ويخشع فإذا جرت الدموع وخشعت القلوب محيت الذنوب وبلغت
المنى والمرغوب ويسر حسابك علام الغيوب
وأنشدوا
} تذكري المكث في التراب حتى أنادي إلى الحساب
هون كل البلاء عندي وهكذا الفقد للشباب
فليت شعري وكم مقامي تحت الثرى أو متى أيابي
لو كان لي عقل ما هناني نومي ولا ساغ لي شرابي
} ولا ضحكت ولست أدري مالي لدى الله من حساب
72 النداء بأسماء الخلائق
ذكر في بعض الأخبار أن الخلائق إذا وقفوا في أرض القيامة فيقف كل عبد وأمة
إذ نادى المنادي باسمك يا مغرور على رؤوس الأولين والآخرين أين فلان بن
فلان أو أين فلانة بنت فلان هلم إلى الحساب بين يدي رب العالمين فاستقر في
سمعك يا مسكين إنك أنت المنادي من جميع الخلق فقمت على قدميك قد تغير من
الفزع لونك وانخلع من الجزع قلبك واضطربت من الهلع مفاصلك وقد سمع من كان
حولك حسيس قلبك بالخفقان وأوصالك قد اشتدت في
الطيران فكادت نفسك أن تزهق من خوف الرحمن فإذا نظر الملك الموكل بسوقك
وقد تغير لونك وتحير لبك علم أنك أنت المنادى باسمه فإذا كنت من أهل
النفاق والعصيان للملك الخلاق نظر على وجهك ظلمة الذنوب فعلم أنك عدو
لعلام الغيوب فجمع بين ناصيتك وقدميك غضبا لغضب الله عليك
73 أهل الرشاد وال توفيق
قال الله تبارك وتعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي
والأقدام } الرحمن 41 وإن كنت من أهل الرشاد والتوفيق والسداد الذين وفوا
الله بالميعاد وخافوا مولاهم رب العباد أخذ بيدك الملك وقادك يجوز بك
بالرفق ورفع الخلائق أبصارهم إليك وتمنوا مثل ما من الله عليك وأنت سائر
إلى ربك ليجازيك بسعيك ويعدل عليك بكسبك فلما انتهى بك الملك إلى سلطان
العظمة فإن كنت من أهل السير الصالح في الدنيا سترك جل جلاله بالنور وأبدى
لك البشرى والسرور وقربك وأدناك وفضلك وحاباك فلم يطلع على حسابك ملك ولا
نبي ولا رسول إلا الملك الجبار الذي لا يحول ولا يزول فيقول لك عبدي أنت
الذي كنت تسهر والعباد نائمون وتصوم والعباد يشبعون وتبكي والعباد يضحكون
وتحزن والعباد يفرحون وتخافني والعباد آمنون أنت الذي كنت تجتهد في عبادتي
والعباد بطالون وتتصدق والعباد يبخلون وتبذل المعروف بين عبادي والناس
يمنعون
يقول المولى جل جلاله فوعزتي وجلالي وملكي ومجدي وكبريائي وعظيم سلطاني
وقدرتي على جميع العباد لأومنن روعك ولأبيحنك جنتي ولأوسعنك مغفرتي ورحمتي
ولأعطينك من جزيل ثوابي وحسن مآبي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على
قلب بشر
ولأبيحنك النظر إلى وجهي ولأرفعن قدرك وجاهك ولأشفعنك في إخوانك وأهلك
وأحبابك وجيرانك من أهل الذنوب والخطايا
74 شفاعة العبد المؤمن
يقول المولى جل جلاله يا عبدي أخرج إلى موقف الحشر فانظر إلى من لقيني من
أهل الذنوب على التوحيد قد شفعتك فيه خذ بيده وانطلق به إلى الجنة
بلا خوف ولا حزن والله تعالى أعلم
وأنشدوا
عني إليك فما اللذات من شغلي
ولا سبيل الصبا واللهو من سبلي
حال التقى دون ما قد كنت تعرفه
فلست منه على زيغ ولا زلل
في الحشر لي شغل عن كل مشتغل
بلذة وعن الألحاظ والمقل
هذا إطار الكرى عن مقلتي وزوى
عني المنى وطوى المبسوط من أملي
كم ليلة بت فيها ساهرا أرقا
أخشى العقاب وأخشى سرعة الأجل
قال الله تعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت
من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف
بالعباد } آل عمران 30 رؤوف والله بالمؤمنين ذو نقمة على الظالمين رؤوف
بأهل الإحسان وذو انتقام من أهل العصيان رؤوف بأهل السداد وذو انتقام من
أهل العناد يا مغرور تفكر في هذه الآية فلك فيها من التخويف غاية ومن
الزجر والتقريع نهاية فازجر نفسك عن هواها عساك تبلغها يوم العرض مناها
75 حكاية عن ذي النون المصري
حكي عن ذي النون المصري بن إبراهيم الأخميمي رحمه الله تعالى عليه أنه قال
خرجت مرة من المرات إلى ناحية الأردن من أرض الشام فلما علوت الوادي فإذا
أنا بسواد قد اقبل وهو يقول { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون }
الزمر 47 فلما قرب مني السواد إذا هو شخص فتأملته فإذا هو امرأة عليها جبة
صوف وخمار من صوف وبيدها ركوة وبيدها الأخرى عكاز فقالت لي غير فازعة مني
من أنت فقلت لها رجل غريب فقالت يا هذا وهل يوجد مع الله غربة وهو مؤنس
الغرباء ومعين الضعفاء فاجعله أنيسك إذا استوحشت وهاديك إذا ضللت وصاحبك
إذا احتجت
قال ذو النون فبكيت من كلامها فقالت مم بكاؤك قلت لها وقع دواؤك على دائي
وأنا أرجو أن يكون سببا لشفائي قالت فإن كنت صادقا في مقالتك فلم بكيت قلت
لها رحمك الله والصادق لا يبكي قالت لا قلت لها لم لا يبكي الصادق قلت لأن
البكاء راحة القلب وملجأ يلجأ إليه وما كتم القلب أحر من الزفير والشهيق
وذلك ضعيف عند أوليائه قال ذو النون فبقيت والله متعجبا من قولها فقالت لي
مالك قلت أنا والله متعجب من قولك قالت وهل نسيت القرحة التي ذكرتها قال
قلت لها رحمك الله إن رأيت أن تمني علي الزيادة
فقالت وما أفادك الحكيم في مقامك بين يديه من الفوائد ما يستغني
به عن طلب الزوائد قال قلت لها رحمك الله ما أنا بمستغن عن طلب الزوائد
قالت صدقت يا مسكين حب مولاك واشتق إليه فإن له يوما يذيق فيه أولياءه
كأسا لا يظمئون بعده أبدا
ثم علا شهيق ثم قالت يا حبيب قلبي إلى كم تخلفني في دار لا أجد فيها صادقا
بريئا من الدعاوى الكاذبة يسعدني البكاء عن أيام حياتي
ثم تركتني وانحدرت في الوادي وهي تقول اللهم إليك لا إلى النار حتى غاب
شخصها عن بصري وانقطع صوتها عن سمعي
قال ذو النون فوالله ما ذكرت كلامها قط إلا كدر علي أحشائي وعيشي
قال ذو النون فلقد أدبتني واستقام حالي مذ رأيتها
وأنشدوا
أريد وأنت تعلم ما مرادي
وتعلم ما تلجلج في فؤادي
} فهب لي ذلتي واغفر ذنوبي
وسامحني بها يوم التنادي
76 رجع إلى الموعظة
يا أخي مالك لا تفكر في قول مولاك الذي لم يزل عليك شهيدا وهو يسمعك ويراك
قوله تعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو
أن بينها وبينه أمدا بعيدا } آل عمران 30 الآية
أقرع يا مسكين بهذا الكلام باب قلبك فعساك تزيل عنه الأقفال وترده عن الغي
والمحال وتوقظه عن السهو والإغفال قال الله الكبير المتعال { أفلا يتدبرون
القرآن أم على قلوب أقفالها } محمد 24 { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير
محضرا } آل عمران 30 يوم يظهر الخفي من أعمالك يوم تبكي على قبيح أفعالك
يوم يجزن المسيء من أقوالك يوم تنوح على خطاياك وضلالك
77 جهنم وشدتها
ذكر أن الخلق إذا اجتمعوا في الموقف وضاق المتسع وعظم الفزع واشتد الجزع
واختلفت الأقدام وكثر الازدحام وجاءت جهنم بالهول الأعظم والعذاب المقيم
الألزم ووقفت بين يدي الجبار خاضعة للملك القهار أمر الجبار جل جلاله أن
تفتح أبوابها وترفع كل جلال عليها وهي سبعة أبواب على كل باب سبعمائة ألف
جلال وهي الحجب
ولولا تلك الاجلال لاحترقت السموات
ومن فيها والارضون ومن عليها غلظ كل جلال خمسمائة عام فإذا فتح
منها الأبواب رفعت تلك الحجب من عليها ورمت النفط والقطران وحجارة الكبريت
ويخرج منها عنق من نار أسود فيلتقط من الموقف كل ذهب وفضة وياقوتة وزبرجدة
ولؤلؤة استعدت لزينة الدنيا
78 زينة الدنيا الزائلة
فيأخذ الكل ويجمعه والجبار جل جلاله يقول لها اتركي ما لم يكن لنا فكل ما
كان من زينة لم يرد به وجه الله تعالى أخذته النار ومناد ينادي أصحابها
هذه زينتكم التي اشتغلتم بها عن طاعة الله عز وجل وآثرتموها على ما عند
الله ولم تتبعوا سنن النبيين ولا سير الصالحين
ثم ينادي المنادي اتبعوا زينتكم فتخرج عنق من النار مرة أخرى فتلتقط
أصحابها إلا من رحم الله
79 صاعقة جهنم
فعند ذلك يقول كل عبد وأمة يا ليت هذا كله جعلته في جنب الله يا ليته لم
يكن معي يا ليته بعد عني ثم يأمر الله تعالى أن ترتفع صاعقة من جهنم سوداء
فتسود وجوه أقوام من الرجال والنساء وتعمى أبصار قوم من الرجال والنساء
وتختم على أفواه قوم من الرجال والنساء فذلك قول الله عز وجل { يوم تبيض
وجوه وتسود وجوه } آل عمران 106 يا أخي يا مسكين يا ضعيف اليقين مثلي
أتراك من أي الفريقين تكون أمن الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الملك الرحيم
أو من الذي اسودت وجوههم في العذاب الأليم أفهل تكون من الذين ابيضت
وجوههم بالرحمة أم من الذين اسودت وجوههم بالنقمة فكل من اسود وجهه قد
أيقن بالنار وكل من ابيض وجهه قد أيقن أنه من أهل دار القرار فيا لها من
فرحة ما أعظمها ويا لها من مصيبة ما أدومها فإذا نزل السواد في وجه من شاء
الله تبارك وتعالى صار ذلك السواد حجابا بينه وبين النظر إلى وجه مولاه
وإذا نزل البياض في وجه من أراد الله تبارك وتعالى يبيض وجهه رفع ذلك
النور حجاب الذنوب الذي يحجب العبد عن النظر إلى وجه علام الغيوب
80 من ابيض وجهه
وذلك أن البياض نور المغفرة وهو نور الرحمة وهو نور القرب وهو نور
الوصال والسواد أيضا هو سواد البعد وهو سواد الانفصال وهو سواد
النكال وهو سواد النقمة وهو سواد الحجبة قال الله تعالى { كلا إنهم عن
ربهم يومئذ لمحجوبون } المطففين 15 فالحجاب يا مسكين يا مغرور في الدنيا
وقع على قلبك باكتساب السيئات ودوامك على الخطيئات واشتغالك عن رب الأرضين
والسموات قال الله تبارك وتعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا }
آل عمران 30 فيا معشر المذنبين أبعدوا السوء وأبدلوه بالإحسان وارغبوا في
نعيم الجنان وارجعوا عن الأوزار والعصيان فإنها تزيدكم من عذاب النيران
يا أخي أبعد السوء وأبغضه بغضا شديدا وكن على إبعاده بالتوبة جلدا جليدا
من قبل أن يأتي يوم تود أن لو كان السوء عنك بعيدا ولم تتبع شيطانا غويا
مريدا
وأنشدوا
يا من إليه جميع الخلق يبتهلوا
وكل حي على رحماه يتكل
يا من نأى فرأى ما في الغيوب وما
تحت الثرى وحجاب الليل منسدل
يا من دنا فنأى عن أن تحيط به
الافكار طرا أو الأوهام والعلل
أنت الملاذ إذا ما أزمة شملت
وأنت ملجأ من ضاقت به الحيل
أنت المنادى به في كل حادثة
أنت الإله وأنت الذخر والأمل
أنت الغياث لمن سدت مذاهبه
أنت الدليل لمن ضلت به السبل
إنا قصدناك والآمال واقعة
عليك والكل ملهوف ومبتهل
} فإن غفرت فعن طول وعن كرم
وإن سطوت فأنت الحاكم العدل
81 حكاية ذي النون عن الراهب الصامت
قال ذو النون رحمه الله ذكر لي عن راهب بالشام أنه لم يكلم أحدا مدة
أربعين سنة فنهضت إليه فلم أزل أنادي تحت صومعته وأقسم أن يشرف علي حتى
أشرف من أعلا صومعته فراودته على الكلام فأبى علي فقلت له بالذي سكت من
أجله ومن خوفه إلا أجبتني عما أسألك عنه فقال لي قل ولا تطيل الكلام علي
قلت له منذ كم أنت في هذا الموضع فقال منذ يوم واحد فقلت له وكيف ذلك قال
سمعت الناس يقولون أمس واليوم وغدا فأما أمس فقد فات وأما اليوم فلي وأما
الغد فلا أدري أبلغه أم لا ثم أدخل رأسه فما كلمني وهو
يبكي ويقول لا صبر لي على النار
وأنشدوا
أيا نفس لا صبرا على النار فاعلمي
وكوني على خوف من النار ما عشت
ودومي على الأحزان ما دمت حية
عسى تذهب الأحزان عنك إذا مت
يقولون في طول الكلام بلاغة
وقد علموا أن البلاغة في الصمت
إذا العبد لم يلعب هواه بعقله
عصى ربه وازداد مقتا على مقت
82 تقسيم العمر على الأعمال
معشر المذنبين اجعلوا أعماركم ثلاثة أيام يوم مضى يوم أنتم فيه يوم
تنتظرونه لا تدرون بما يأتيكم من صلاح أو فساد ولعلكم لا تبلغونه فأصلحوا
اليوم الذي مضى بالندم على ما فاتكم فيه من الطاعة والإحسان وما اقترفتم
فيه من الذنوب والعصيان واليوم الذي مضى إنما تصلحونه في اليوم الذي أنتم
فيه بالبكاء والندامة وذم النفس مع الملامة
وأنشدوا
} حتى متى نحن والأيام نحسبها وإنما نحن فيها بين يومين
يوم تولى ويوم أنت تأمله لعله أجلب الأيام للحين
آنس الله روعتي وروعتكم يوم النشور وآنس وحشني ووحشتكم في القبور إنه على
ذلك قدير وهو عليه يسير وأماتنا وإياكم على هذه الكلمة شهادة أن لا إله
إلا الله محمد رسول الله غير مبدلين ولا مغيرين ولا مبتدعين آمين رب
العالمين
7 مجلس في قوله تعالى { فأما من أوتي كتابه بيمينه } الآية
183 يا أخي يا مسكين يا حيران من الذنوب والعصيان يا من تعرض لسخط الملك الديان يا من أقر عين عدوه الشيطان بتماديه على الخذلان والضلال والبهتان والأوزار والطغيان يا مغرور إنك آخذ كتابا ووارد حسابا ونازل ثوابا أو عذابافقدم يا غافل في دار الغرور ما تجده في الكتاب المنشور من الثواب والحبور والفرح والسرور والضياء والنور من رحمة العزيز الغفور
84 أين الكتب يوم القيامة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } الكتب كلها تحت
العرش فإذا كان يوم القيامة بعث الله تبارك وتعالى ريحا تطيرها بالإيمان
وبالشمائل أول حرف في الكتاب { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا }
الإسراء 14 ما أعدل الملك الوهاب إذ جعل الإنسان حسيب نفسه في قراءة الكتاب
يا مسكين يا مغرور إن أخذت الكتاب بالشمال فحسبك العذاب والنكال والمحن
والأهوال والسلاسل والأغلال والحميم والخبال واللعنة والانفصال من ذي
الجود والجلال
وإن أخذت الكتاب باليمين فحسبك المقام الأمين في أعلا عليين مع الولدان
والحور العين والاتصال برب العالمين وبمحمد خاتم النبيين صلى الله عليه
وآله وصحبه أجمعين
وإن أصررت في الدنيا على جرمك ولم تتب إلى مولاك عن قبيح ذنبك فسوف تأخذ
كتابك من وراء ظهرك فتجد فيه ما يحزن قلبك ويعظم حزنك ويكثر كربك فيا معشر
المذنبين اعلموا أنما جعل الله الدنيا ابتلاء واختبارا وأوجب عليكم فيها
حقوقا كبارا فمتى ضيعتموها فقد أودعتم كتبكم آثاما وأوزارا ومتى وفيتم بها
فقد ملأتم كتبكم سرورا وأنوارا
وما من عبد ولا
أمة إلا وله كتاب يقرؤه يوم العرض والحساب وإنما مثل الناس عند قراءتهم
الكتاب كمثل الزارع إن زرع طيبا رفع طيبا وإن زرع خبيثا رفع خبيثا
يا أخي فكأنك أنت كتبته بأقوالك وملأته بأفعالك وسودته بالقبائح من أعمالك
وأنشدوا
كأني بنفسي في القيامة واقف
وقد فاض دمعي حين أعطي كتابيا
لعلمي بأفعالي وسوء مناقبي
وأن كتابي سوف يبدي المساويا
فيا أهل الذنوب مثلي اعلموا أن الأعمال قد أثبتت عليكم في الديوان من
الإحسان والعصيان والزيادة والنقصان والنفاق والإيمان وأنت غافل في سكرة
الغرور وكتابك مملوء بالويل والثبور فبادروا إلى الصحائف وأمحوا ما فيها
من القبائح ومحصوا ما قد ثبت عليكم من الفضائح وذلك باكتساب الحسنات كما
قال رب الأرضين والسموات { إن الحسنات يذهبن السيئات } هود 114
85 أول الناس حسابا
ذكر في بعض الأخبار أن أول ما يحاسب الله من الأمم أمة محمد {صلى
الله عليه وسلم} فإذا اجتمع الأولون والأخرون في أرض القيامة وقفت أمة
محمد {صلى الله عليه وسلم} فأول من يدعي منهم إلى الحساب رجل من قريش من
بني مخزوم يقال له عبد الله بن عبد الأسد وله أخ يقال له الأسود بن عبد
الأسد وفيهما نزلت هاتان الآيتان { فأما من أوتي كتابه بيمينه } الحاقة 15
إلى قوله { في الأيام الخالية } الحاقة 24 نزلت هذه الآية في عبدالله بن
عبد الأسد { وأما من أوتي كتابه بشماله } الحاقة 25 وهو الأسود بن عبد
الأسد فأما عبد الله وهو المؤمن فيدخل من وراء الحجب فيوقف بين يدي الله
عز وجل فترعد فرائصه وتنفك أوصاله وتذهل نفسه من شدة الخوف من الله تعالى
فبينما هو على أشد الأحوال من الخوف بين يدي الجبار جل جلاله إذ يأتيه ملك
من عند الله تعالى وبيده صحيفة بيضاء مختومة بخاتم الخلد فيقول له الملك
86 كتاب الحسنات
هذا كتابك فيتناول الكتاب بيمينه وكل من كان من أهل الشقاوة إذا أوتي
كتابه يروم أن يمد اليمين لأخذه فلا يقدر لأنه يجد يمينه كأنما علقت فيها
جبال
الدنيا فلا يطيق أن يرفعها من الثقل وقيل إنها تغل يده وقيل إنها تلصق
بجسده وقيل إن الملك يقول له يا عدو الله خذ كتابك بشمالك فإنك من أصحاب
الشمال جعلنا الله وإياكم من أصحاب اليمين
فيتناول عبد الله أخو الأسود كتابه بيمينه ويقال له إقرأ ما عملت من خير
وشر ولا تلومن إلا نفسك فيفض خاتم الكتاب فينشر كتابه فإذا هو مكتوب بخط
أبيض في باطن الكتاب السيئات وفي ظاهره الحسنات فيقال له إقرأ سيئاتك فأول
حرف يجد في الكتاب أصغر ذنب عمله في الدنيا فإذا رأى ذلك الذنب ميل رأسه
ونكسه حياء من الله تعالى وسال منه من العرق ما لو أن مائتين من الإبل
أكلت حمضا والتهبت عطشا ووردت على عرقه لشربت كلها ورجعت وقد رويت وما نقص
من عرقه شيء
87 كيفية السؤال
هذا كله حياء من الله عز وجل فيقول الجبار جل جلاله عبدي فيقول
لبيك ربي وسعديك فيقول ارفع رأسك أتعرف ذنبك هذا فيقول مولاي وسيدي وعزتك
وجلالك إني لأعرفه فيقول عبدي أتذكر يوم كذا وكذا في موضع كذا وكذا وأنت
على هذا الذنب فيقول نعم وعزتك وجلالك
فيقول له الجبار جلب جلاله عبدي إنك إذا أخفيت ذلك من الخلائق لقد علمت
أني كنت مطلعا عليك فيقول بلى يا سيدي ومولاي وعزتك وجلالك لقد علمت ذلك
فيقول له جل جلاله أما استحيت مني أما راقبتني أما علمت أن مرجعك إلي
والعبد في هذا التوبيخ قد علاه العرق وذاب من شدة الغرق فيقول مولاي وسيدي
لأن ترسل بي إلى النار أهون علي من هذا التوبيخ فيقول الله تبارك وتعالى
عبدي أليس قد سترتها عليك في الدنيا فيقول العبد مولاي لقد فعلت ذلك بي
فيقول جل جلاله عبدي وعزتي وجلالي ومجدي وجودي وكرمي لقد محوتها من قلوب
الملائكة وقلوب الآدميين وابقيتها بيني وبينك حتى تعلم نعمتي عليك وأفضالي
لديك في الدنيا والآخرة
88 غفران الذنوب
فلا يزال جل جلاله يفعل به ذلك في كل ذنب حتى يقرأ جميع ما في كتابه من
الذنوب فإذا أتي على آخر الكتاب وجد فيه عبدي هذه سيئاتك قد غفرتها لك
فعند ذلك يبيض وجهه وتحسن بشرته ويذهب عنه الحزن والهم والجزع
ثم يقول الله جل جلاله قلب كتابك فاقرأ حسناتك فيقلب العبد كتابه فيقرأ
حسناته كلما
مر على حسنة ازداد قلبه فرحا وسرورا وازداد بياضا وحسنا ونورا ثم يؤتى
بتاج من نور فيوضع على رأسه لو أخرج ذلك التاج إلى الدنيا لكسف نوره ضوء
الشمس والقمر
89 لباس المكرمين
ويؤتى بحلتين من حلل الجنة شبر منها خير من الدنيا وما فيها مائة ألف مرة فيلبسها ويحلى كل مفصل منه بحلى الجنة ويقال له أخرج على الناس وأخبرهم وبشرهم أن لكل عبد وأمة من المؤمنين مثل ذلك فعند ذلك يخرج عبد الله بن عبد الأسد وكتابه بيمينه وقد أشرق وجهه نورا وقلبه قد امتلأ سرورا قد جرت على وجهه نضرة نعيم الجنان وتلك علامة لأهل الإيمان والملك آخذ بيمينه وهو ينادي عليه نداء البشرى ألا إن فلانا لأهل الإيمان والملك آخذ بيمينه وهو ينادي عليه نداء البشرى ألا إن فلانا قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا والخلائق قد رفعوا أبصارهم إليه وتمنوا مثل ما من الله به عليه وهو يقرأ { هاؤم اقرؤوا كتابيه } ليس فيه سيئة واحدة قد غفر الله تبارك وتعالى جميع ذنوبي ومحاها عني { إني ظننت أني ملاق حسابيه } إني أيقنت في الدنيا أني ألقى هذا اليوم وكنت خائفا من هوله ومن قراءتي كتابي ومن حساب ربي جل جلاله فلا يزال كذلك حتى ينتهي إلى أصحابه فيقولون من هذا العبد الذي أكرمه الله ورضي عنه اللهم اجعله من أحبابنا وقربه منا حتى ننظر إلى ما قد فضله مولانا به فإذا قرب منهم سلم عليهم فيقولون له من أنت يا عبد الله فيقول أو ما تعرفوني فيقولون له يا عبد الله لقد زينتك كرامة المولى جل جلاله حتى لا نعرفك فمن أنت فيقول لهم أنا عبد الله بن عبد الأسد ألا وإن لكل واحد منكم مثل هذا وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بكل مؤمن يكون رأسا في الخير يدعو إليه ويأمر به ثم يشفعه الله تبارك وتعالى في كل من شاء من أهل الذنوب فعند ذلك يفرح أصحابه بما قد بشرهم به من المغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار { فهو في عيشة راضية } قد رضى ورضيت نفسه ورضي مولاه عنه وهو راض بتلك العيشة والعيشة الجنة { في جنة عالية } في غرفة ارتفاعها مسيرة مائة عام من لؤلؤة بيضاء أو من ياقوتة حمراء ملاطها المسك الأذفر والعنبر الأشهب والكافور الأبيض { قطوفها دانية } يعني
ثمارها دانية منهم إذا
اشتهوها نزلت عليهم حتى تدخل عليهم في منازلهم فتدنو منهم فيأكلون من
ثمارها ما يشتهون وهم نيام أو قعود أو قيام على أي حال أرادوا ثم ترجع إلى
أماكنها وذلك قوله تعالى { كلوا واشربوا هنيئا } الحاقة 24 لا موت فيها
ولا حزن { بما أسلفتم في الأيام الخالية } الحاقة 24 يعني الأيام االماضية
وهي أيام الدنيا التي أطاعوا الله تبارك وتعالى فيها واستقاموا ولم يزوغوا
عن طاعته
وأنشدوا
ببابك عبد من عبيدك مذنب
كثير الخطايا جاء يسألك العفوا
فأنزل عليه العفو يا من بمنه
على قوم موسى أنزل المن والسلوى
أنا عبدك المسكين فارحم تضرعي
ولا تجعل النيران يا رب لي مثوى
وخفف من العصيان ظهري إنني
بلغت من الأوزار غايتها القصوى
فهذا عبد الله بن عبد الأسد الذي أنزل الله تعالى في هذه الآية وعلى سيرته
في الحساب تجري سير المؤمنين من أمة {صلى الله عليه وسلم} على قدر أحوالهم
واجتهادهم في الدنيا في الخير والاستقامة على طاعة الله
90 أشد الناس عذابا
وأما قوله تعالى { وأما من أوتي كتابه بشماله } الحاقة 25 فهو الأسود بن
عبد الأسد المخزومي وهو أخو عبد الله بن عبد الأسد وذلك أن الله تعالى
يدعو به على أثر أخيه عبد الله فيدخل الأسود حتى يوقف وبينه وبين الله عز
وجل حجاب السخط فيكون من وراء الحجاب لأن الله تبارك وتعالى لا يراه إلا
المؤمنون وأما الكفار فلا يرونه قال الله تعالى { كلا إنهم عن ربهم يومئذ
لمحجوبون } المطففين 15 فيوقف الأسود بين يدي الملائكة يرتعد من خوف
العذاب والملائكة الذين معه هم ملائكة العذاب فبينما هو كذلك إذ يأتيه ملك
من ملائكة السخط فيأخذ بيده اليمنى ثم يهزها فيخلعها من موضعها فيعلقها من
صلبه بجلده ثم يأخذ برأسه فيلوي عنقه فيحول وجهه في قفاه
91 كتاب السيئات
ثم يأتيه ملك من وراء ظهره في يده صحيفة سوداء فيها كتاب بخط أسود في باطن
الكتاب حسناته وفي ظاهره سيئاته والكتاب مختوم فيقال له هذا كتابك خذه
فلا يقدر أن يتناوله بيمينه لأن يمينه مخلوعة من منكبه فيتناول كتابه بشماله فيقال له فض خاتم الكتاب فيفضه ويقال له انشر كتابك اقرأ فينشر الصحيفة وهي سوداء فيبدأ بباطن الكتاب فتستقبله حسناته فيقرؤها ويفرح ويظن أنه سينجو من عذاب الله تبارك وتعالى حتى إذا بلغ آخر الصحيفة وجد فيها هذه حسناتك قد ردت عليك لأنك لم ترد بها وجه الله تعالى والدار الآخرة وذلك قوله تعالى { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون } هود 15 أي لا ينقصون تعجل لهم في الدنيا أجور أعمالهم ولا يثابون في الآخرة بشيء من أعمالهم ولا تجاوز عنهم في شيء من أعمالهم السيئة حتى يعذبهم الله تعالى عليها وأعمالهم الحسنة أحبطها الله عز وجل بالكفر والأعمال الصالحة التي يراد بها وجه الله تبارك وتعالى يجازي الله تعالى عز وجل أصحابها بالثواب الباقي وهو نعيم الجنة والنظر إلى وجه الله الكريم فوجه الله باق ونعيم الجنة باق لأن الله تعالى خلق الجنة ثوابا لأهل الأعمال الصالحة التي يراد بها وجه الله تعالى { كل شيء هالك إلا وجهه } القصص 88 وكل عمل يراد به وجه الله لا يهلك يبقى ثوابه لصاحبه وثوابه الجنة فإن الله تبارك وتعالى يثيب على العمل الباقي بالنعيم الدائم الباقي ويثيب على العمل الفاني وهو ما يعمل للدنيا وزينتها بالعرض الفاني وهو حطام الدنيا والمؤمن لا يرضى الله عز وجل أن يثيبه على عمله الصالح بعرض الدنيا وإن وسع عليه في الدنيا فإنما يعطيه ذلك زيادة معونة يستعين بها على طاعته وأجر عمله أدخره له ليوم فقره إذا احتاج إليه ثم يقال للأسود بن عبدالأسد إقلب كتابك فاقرأ فيقلب ظاهره فتستقبله سيئاته مثل الجبال الرواسي وهي سود بخط أسود لأنها محبوطة بالكفر غير مقبولة فأول سيئة يقرؤها يسود وجهه ويسمج لونه كلما قرأ سيئة ازداد سماجة وقبحا فإذا بلغ آخر الصحيفة وجد فيها هذه سيئاتك قد أضعفت إني قد أضعف عليك العذاب
بعملك السيئات
92 صفة العذاب للكافر
فيرجع وجهه أشد سوادا من القار وهو الزفت ويعظم جسده للنار حتى يكون ما
بين منكبيه مسيرة شهر وغلظ كل فخذ من فخديه مسيرة ثلاثة أيام وما بين
شفتيه العليا والسفلى أربعون ذراعا وقد خرجت أنيابه وأضراسه من بين شفتيه
بادية وعيناه زرق وحدقتاه قد وقعتا على وجهه من شدة ما هو فيه من العذاب
وكل ضرس من أضراسه أعظم من جبل أحد شعره كآجام القصب وله سبعة جلود غلظ كل
جلد منها أربعون ذراعا ما بين الجلد إلى الجلد مسيرة ثلاثة أيام فيها
ديدان لها جلبة كجلبة الوحوش في البرية في جسده من الشعر ما لا يحصي عدده
إلا الله تعالى في أصل كل شعرة من الآلام والوجع والعذاب ما لو قسم على
أهل الدنيا من يوم خلقهم الله تعالى إلى يوم يبعثهم لماتوا كلهم في أسرع
من طرفة عين
ثم يؤتى بسلسلة ذرعها سبعون ذراعا فتغل بها يداه وعنقه ويدخل طرفها في فيه
وتخرج من دبره ثم يلف ما بقي منها على عنقه يتوقد ويشتعل نارا ثم يؤتى
بصخرة من كبريت أعظم من الجبل العظيم لو وضعت على جبال الدنيا لذابت من
حرها فتعلق في عنقه وهي تشتعل نارا ثم يؤتى بتاج من نار فيوضع على رأسه
فيصعد حر الصخرة إلى وجهه وينزل حر التاج إلى وجهه ويجتمع مع حر الصخرة
ولا يقدر أن يرفع عن وجهه بيديه لأنهما مغلولتان إلى عنقه قال الله تعالى
{ أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة } الزمر 24 وقال عز وجل { وتغشى
وجوههم النار } إبراهيم 50 تغشى وجوه الكفار
ثم يؤتى بسربال من قطران وهو نحاس جهنم قد انتهى في شدة الحر فيلبسه لو أن
ذلك السربال ألقي في الدنيا لصارت الدنيا من مشرقها إلى مغربها جمرة واحدة
أسرع من لمح البصر ثم يقرن مع شيطان يكون ذلك الشيطان عليه أشد من كل عذاب
يعذب به ثم يقال له أخرج على الناس وأخبر أصحابك أن لكل واحد منهم مثل هذا
العذاب
فيخرج الأسود على أقبح الأحوال وكتابه بشماله ليس فيه حسنة واحدة
وسيئاته ظاهرة للخلق والملك ينادي على الأسد بن عبد الأسود يا أهل الموقف
قد شقي الأسود شقاوة لا يسعد بعدها أبدا
إلعنوه فإن الله تعالى قد لعنه وسخط عليه فينادي بأعلا صوته نداء يسمعه
أهل الجمع { يا ليتني لم أوت كتابيه } الحاقة 25 أي يا ليتني لم أعط كتابي
بشمالي ولا يحل بي هذا البلاء الذي أنا فيه { ولم أدر ما حسابيه } الحاقة
26 أي يا ليتني تبت وآمنت ولم أحاسب بهذا الحساب ولا نزل بي هذا العذاب {
يا ليتها كانت القاضية } الحاقة 27 أي يا ليت الموت عاد إلي حتى يريحني من
هذا العذاب { ما أغنى عني ماليه } الحاقة 28 يعني المال الذي كان معه في
الدنيا وكان ينفقه في غير الله ويبخل به في ذات الله تبارك وتعالى { هلك
عني سلطانيه } الحاقة 29 أي انقطعت عني حجتي واضمحلت
ثم يأمر الله تبارك
وتعالى أن يخرج له منبر من جهنم من نار فينصب له ويصعد عليه وتبدو كل
قبيحة عملها في الدنيا ويلعنه كل من في الموقف ويعبره حتى يود لو أمر به
إلى النار ثم يقول الله تبارك وتعالى للملائكة { خذوه فغلوه ثم الجحيم
صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه } الحاقة 30 31 32 فيبتدره
سبعون ألف ملك خلقوا من نار السموم مع كل ملك منهم من العذاب خلاف ما مع
الآخر فيأخذونه بينهم فيلقونه في الهاوية من النار الحامية ويدخلون بسلسلة
في فيه ويخرجون طرفها من دبره كما تصنع الخرزة في السلك ثم يطعم الغسلين
وهو شيء أسود نتن لو أن قطرة من الغسلين أخرجت إلى الدنيا لمات جميع أهلها
من النتن
93 طعام أهل النار
وإنما يطعم أهل النار الغسلين لأنهم كانوا في الدنيا لا يرون أن
يغتسلوا من الجنابة ولا يتوضؤوا للصلاة فيحرق الغسلين مواضع الوضوء
والاغتسال وما سقط منه أطعموه إياه جزاء بما ضيعوا في الدنيا من حقوق الله
تعالى وهذا العذاب كله للأسود بن عبد الأسد وكذلك لكل من كان في الشر رأسا
يأمر به ويدعو إليه يفعل به كما فعل بالأسود بن عبد الأسد وكل من كان في
الدنيا في الخير رأسا يأمر به إليه يفعل به كما بالأسود بن عبد الأسد وكل
من كان في الدنيا في الخير رأسا يأمر ويدعوا إليه يفعل به كما فعل بعبد
الله ابن عبد الأسد يجزي الله تعالى الناس كلهم على هذا المنهاج في الخير
والشر والله يفعل ما يشاء لا إله إلا هو وهو حسبنا ونعم الوكيل فنعوذ
بالله من أعمال أصحاب الشمال
8 مجلس في قوله تبارك وتعالى { ووضع الكتاب } الآية
194 يا أهل الذنوب مثلي يا أهل العيوب مثلي يا من يعصي ولا يتوب يا من ألغي والمحال له صحوب يا من ضيع غاية المنى والمرغوب يا من سود كتابه بمعصية علام الغيوب اعلموا عصمنا الله وإياكم أن للعباد غدا صحائف يقرؤون فيها الحسنات والقبائح فمن كتب له حافظاه خيرا في الدار الفانية فهو خير له في الدار الباقية ومن كان خائفا في الدنيا من العذاب متحفظا مما يثبت عليه في الكتاب متجنبا لمعصية رب الأرباب وفقه الله مولاه للحق والصواب ويسر عليه برحمته الحساب ومحيت أوزاره من الكتاب ورضي عنه الملك الوهاب وأمر به إلى الجنة وحسن المآب ومن علم أن عمله يثبت عليه في الديوان وهو يقرؤه لا محالة بين يدي الرحمن فكيف يألف العصيان وكيف يتحرك منه اللسان بالزور والبهتان ومخالفة كتاب الملك الديان95 الفرق بين الحسنة والسيئة
ذكر في بعض الحكم أن رجلا كان يسوق دابته فعثرت فقال الرجل تعست
الدابة يعني عثرت فقال ملك اليمين لملك الشمال ليست بحسنة فاكتبها فأوحي
الله تعالي لملك الشمال ما ترك صاحب اليمين فاكتبه أنت فكتب صاحب الشمال
قول الرجل تعست الدابة واعظم من هذا انه ما من عبد ولا أمة يتنفس نفسا إلا
اثبت عليه في الكتاب فان خرج النفس في طاعة الله تعالى أثبته صاحب اليمين
وان خرج النفس في غير طاعة الله أثبته صاحب الشمال حتى يحكم الله تبارك
وتعالي يوم الحساب فيه بحكمه فمن علم هذا يقينا فلا يحتاج أن تمر عليه
ساعة من ساعاته ولا وقت من أوقاته ولا لحظة من لحظاته إلا في ذكر الله وفي
الفكرة في عظمة الله
96 النجاة في ذكر الله
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
ليس شيء أنجى للمؤمن من عذاب الله من ذكر الله وأكثر ما يجد المؤمن في
صحيفته يوم القيامة الاستغفار في الليل والنهار فكل من كان في الدنيا من
قراءة كتابه خائفا مشفقا كان الله تبارك وتعالى به عند قراءته إياه رحيما
مرفقا ومن كان في الدنيا من الغافلين كان عند قراءته من النادمين فلو
رأيتم يا أهل الذنوب ما قد أثبت عليكم في الديون من الخطايا والعصيان
والزور والبهتان والزيادة والنقصان والغفلة والنسيان لعظمت منكم المصائب
وكثرت منكم النوائب ولسارعتم إلى الثواب والرغائب ولثبتم إلى رب المشارق
والمغارب وأنشدوا
} ما بال عينك لا تبكي لما سلفا ذكر الذنوب وخوف النار والتلفا
يا أيها المذنب المحصى جرائمه
لا تنس ذنبك واذكر منه ما سلفا
من الذنوب التي لم تبل جدتها
كيف تبلى وقد أودعتها صحفا
أما تخاف أما تخشى فضائحها
إذا الغطاء انجلى عنهن وانكشفا
اعلموا معاشر المذنبين لو أن الله تعالى اطلع بعضنا على صحائف بعض وكشف له
ما فيها من الذنوب لكان الناس يشتغلون عن معايشهم بتعيير بعضهم لبعض ولعنة
بعضهم لبعض فإنا لله وإنا إليه راجعون
97 حكاية عن رقة بن واسع
حكي عن محمد بن واسع رحمه الله أنه ما رآه أحد قط ضاحكا وإن كان
ليبكي حتى ترحمه الناس فذكر له ذلك فقال يا أحبائي وكيف يضحك من لا يدري
ما أثبت عليه في كتابه ولا يدري بما يختم له
اللهم اختم لنا بخير وكان رجل يكلم محمد بن واسع في حاجة فقال له محمد بن
واسع ادن مني فلو كانت للذنوب رائحة لما قدرت أن تدنو مني فيا معشر
المذنبين مثلي ونفسي أعني وكلنا مذنب لا تغتروا بستر الله تعالى عليكم فإن
له يوما يهتك فيه الأستار ويحاسب عباده على ما عملوا في الليل والنهار
فقوم إلى الجنة وقوم إلى النار فالخير والشر قد حصل عليكم الكتاب الذي
يوضع لكم يوم العرض والحساب بين يدي رب الأرباب قال الملك الوهاب { ووضع
الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه }
{ الكهف 49 وضع الكتاب للمؤمنين ووضع الكتاب للمجرمين وضع الكتاب لأهل
الإيمان ووضع الكتاب لأهل الضلال والطغيان ووضع الكتاب لأهل الجنان ووضع
الكتاب لأهل النيران ووضع الكتاب لأهل الثواب ووضع الكتاب لأهل العقاب
ووضع الكتاب للطائعين ووضع الكتاب للعاصين ووضع الكتاب لأهل الإخلاص
والوفاق ووضع الكتاب لأهل الرياء والنفاق ووضع الكتاب لأهل الوفاء ووضع
الكتاب لأهل الجفاء ووضع الكتاب للعاملين ووضع الكتاب للباطلين ووضع
الكتاب للقائمين وضع الكتاب للنائمين ووضع الكتاب للمستغفرين ووضع الكتاب
للغافلين وضع الكتاب للسعداء وضع الكتاب للأشقياء وضع الكتاب لأهل الجنة
وضع الكتاب لأهل المحنة ووضع الكتاب للأبرار وضع الكتاب للفجار وضع الكتاب
لأهل التوبة ووضع الكتاب لأهل الحوبة وضع الكتاب لأهل الكرامة وضع الكتاب
لأهل الندامة ووضع الكتاب لأهل الرشاد ووضع الكتاب لأهل الفساد وضع الكتاب
لأهل الحسنات وضع الكتاب لأهل السيئات وضع الكتاب لأهل النعيم والسرور وضع
الكتاب لأهل الويل والثبور فكتب تبشر بالجنة وكتب آخرها باللعنة والمحنة
جعلنا الله وإياكم ممن يبشره كتابه بالجنة برحمته
98 إحاطة الكتاب بكل شيء
واعلموا يا معشر المذنبين أن الله تعالى لم يدع شيئا من القول إلا وقد
فسره لعباده وأنزل بذلك كتابه العزيز فقال فيه تبارك وتعالى { ما فرطنا في
الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } الإسراء 38 وقد أعلمنا إلهنا ومولانا
أن { وكل إنسان ألزمناه طائره } الإسراء 13 وأن كل إنسان لا بد له من
السؤال ولا بد له من حساب ولا بد من ثواب أو عذاب ومولانا عز وجل قد أمرنا
بالعمل الصالح ووعدنا عليه بالجنة ونهانا عن المعاصي وتوعدنا عليها بالنار
وما قدمتم من خير وشر قد أثبت عليكم في كتاب مكتوب بالحسنات والذنوب
99 حكاية في كتابة الكتب
روي عن الحسن رحمه الله أنه قال ما من عبد ولا أمة يدفن إلا دخل عليه ملك
في قبره معه دواة وقرطاس فيأخذ الملك برأس الميت ويقعده ويرفع إليه
ذلك القرطاس ويناوله قلما ويقول له اكتب جميع ما عملت في عمرك الذي وجبت
عليك فيه الحدود من خير وشر فيأخذ الميت القلم فيكتب وإن لم يكن في الدنيا
كاتبا فإن كان العبد من أهل السعادة فأول ما يجري القلم بيده بإذن الله
تبارك وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم لأن بسم الله الرحمن الرحيم لا تكون
في كتاب الشقاوة وإنما تكون في كتاب أهل الإيمان والسنة والأمان والغفران
لأن بسم الله الرحمن الرحيم هي آية الإيمان وهي إخبار عن رحمة الله ولطفه
جل جلاله يا أهل السنة من هذه الأمة فإذا ثبت العبد في كتابه بسم الله
الرحمن الرحيم فقد أمن في قبره من العذاب والضيقة
00 البسملة وبركتها
وإذا لم يثبت في كتابه بسم الله الرحمن الرحيم فقد حل به العذاب في قبره
فإذا كتب العبد ما عمل من خير وشر شقيا كان أو سعيدا يطوي الملك الكتاب
ويعلقه في عنقه فإذا خرج العبد من قبره يوم القيامة جاءه ذلك الملك فأخذ
الكتاب وناوله إياه وقال يا ولي الله أو يا عدو الله أتعرف هذا فيقول نعم
أنا كتبته وأنا عملته فيقول له فاقرأه فيستقبله منه ما سبق له من سعادة أو
شقاوة
فالله الله معشر المذنبين مثلي المؤمنين لا تضيعوا أيامكم
بالقبائح ولا تهملوا أعماركم في الذنوب والفضائح فإن جميع أعمالكم قد حصيت
عليكم في الصحائف والصحائح وستقرؤوها بين يدي مولاكم وتشهد عليكم الجوارح
بالقبيح والحسن من أعمالكم
وأنشدوا
سوف يأتي عليك ساعة خوف
حين تعطى صحائف الأعمال
وكأني أرى فضائح قوم
قد تجلى لكشفها ذو الجلال
ليت شعري إذا قرأت كتابي
بيميني أعطاه أم بشمالي
حكاية عن عيسى عليه السلام
روي عن محمد بن اللباد رحمه الله أنه قال دخل عيسى بن مريم عليه الصلاة
والسلام وعلى نبينا محمد {صلى الله عليه وسلم} مدينة خربة فدخل قصرا من
قصورها فنادى يا خراب الآخر بين أين أهلك وعمارك فأجابه شيء من آخر القصر
يا ابن مريم بادوا وسيعودوا فاجتهد يا أخي لا تفرط فإن العظام قد بليت
وبقيت أعمالهم في رقابهم وأنشدوا
لا تحقرن من الذنوب صغيرها
إن الصغير غدا يعود كبيرا
كل الذنوب وإن تقادم عهدها
عند الإله مسطرا مسطورا
} أيها الرجل المقنع بالمشيب الملبس حلة المعاصي المريب قد خسرت أيام
الشباب وبذلت مهجتك للعذاب بغفلتك عما في الكتاب وإتباعك اللعين الكذاب
وتهاونك بالحساب وصدودك عن الصواب ومعصيتك لرب الأرباب ما حبلتك يا مكروب
مثلي سودت كتابك بالذنوب وعصيت مولاك علام الغيوب وبعت الحظ الجزيل بالكذب
المشوب وضيعت الجنة التي ليس فيها نصب ولا لغوب واعلموا يا معشر المذنبين
أن العبد إذا وفقه مولاه وأعطاه الفكرة في قراءة كتابه كان عند مولاه
مستجاب الدعاء
02 حكاية في الاعتماد على الله
حكي عن مطرف بن الشخير رحمه الله أنه أرسل رسولا عن عوز ماء وكان في زمان
الحر فأبطأ عليه الرسول وكان عنده جماعة قد عطشوا وكان معه قليل ماء فقام
فتوضأ بذلك الماء ثم صلى ركعتين دعا فيهما مولاه سبحانه فأرسل الله تبارك
وتعالى سحابة حتى شرب هو وأصحابه فقيل له بم بلغت هذه المنزلة فقال جعلت
كتابي نصب عيني في ليلي ونهاري حتى كأني أقرؤه بين يدي ربي جل جلاله
03 حكاية عن مالك بن دينار
قال عبد الواحد بن زيد رحمه الله كنا عند محمد بن واسع ومعه مالك بن دينار
فجاء رجل فكلم مالكا وأغلظ عليه في الكلام في قسمة قسمها وقال وضعتها في
غير حقها وفضلت بها أهل مجلسك ليكثروا جمعك ولتصرف وجوه الناس إليك قال
فبكى مالك بن دينار وقال ما أردت بهذا هذا الذي تقول قال بلى والله لقد
أردته فلما أكثر على مالك الكلام رفع جيب يديه وقال اللهم إن هذا قد شغلنا
عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت فسقط الرجل ميتا بإذن الله
04 دعاء ابن واسع
وكان محمد بن واسع إذا جن عليه الليل يبكي ويقول في بكائه ويلي من ذنوب قد
أحصيت ومن صحيفة قد ملئت وربي قد علم ذلك ولم يخف عليه من
ذلك شيء فأورثه الله تعالى ببكائه على كتابه وعلى حيائه من ربه الاستجابة
في الدعاء وتنور القلب وأنشدوا
أرى المشيب بالعذار قد ألم
كأن موتي عن قريب قد هجم
خط المشيب أسطرا في مفرقي
فراعني ما خطه وما رقم
هل الفتى إذا انقضى شبابه
إلا كزرع هاج سوف ينحطم
شاب الفؤاد قبل شيب لمتي
واعتادني ضعف القوي قبل الهرم
ويحي من التوبيخ من ربي غدا
من ذلك الأمر الشديد المستهم
ويحي إذا نادى المنادي بي ألا
قم عبد سوء مسرع للعرض قم
ويحي إذا ما قال لي مقررا
وخص شيئا بعد شيء ثم عم
ما قد صنعت في فروضي والذي
قضيت منها هل صفا لي هل سلم
فجئت ربي خاسرا قد أثقلت
ظهري ذنوب كالسحاب المرتكم
قال الله تبارك وتعالى { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما
فيه } الكهف 49 وضع الكتاب لفصل القضاء ووضع الكتاب للحزن والبكاء وضع
الكتاب لتبدو الفضائح وضع الكتاب لتظهر القبائح ووضع الكتاب لتصح الصحائح
الله الله يا معشر المذنبين حاسبوا أنفسكم قبل يوم الحساب وارحموا أنفسكم
قبل نزول العذاب وبادروا بالتوبة قبل غلق الباب واجتهدوا في بقية أعماركم
قبل وضع الكتاب وسارعوا إلى المغفرة من ربكم قبل الخجل بين يدي رب الأرباب
وقبل أن تطلبوا برد الجواب وتحبس الألسنة عن النطق والخطاب وتشهد الجوارح
بما عملت من عصيان أو ثواب وأنشدوا
أبكي لذنبك طول الدهر مجتهدا
إن البكاء معول الأحزان
لا تنس ذنبك في الكتاب وعظمه
إن الذنوب تحيط بالإنسان
مساكين أهل الذنوب أطاعوا الشيطان وعصوا الرحمن مساكين أهل الذنوب جلت
كروبهم وعظمت خطوبهم وكبرت عيوبهم وأحصيت عليهم في الكتاب ذنوبهم
مساكين أهل الذنوب عصوا الجبار في الليل والنهار وبذلوا مهجتهم لعذاب
النار وسودوا صحفهم بالخطايا والأوزار مساكين أهل الذنوب غفلوا عن الطاعة
وخالفوا السنة والجماعة وخسروا أنفسهم قبل قيام الساعة
وأنشدوا
من كان يخشى الله جل جلاله
فليكثر العبرات في الخلوات
فلعله بعد التذكر والبكا
بدلت له العبرات بالحسنات
وتخفف الأوزار عن منشوره
يوم الحساب وموقف الحسرات
05 عجائب الكتب
قال الله تعالى { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه } الكهف 49
عباد الله عند وضع الكتاب عجائب وأحزان ومصائب وكروب ونوائب
فواحد يوضع له الكتاب فيبكي وآخر يوضع له الكتاب فيفرح ويبكي
وآخر يوضع له الكتاب فتجري على وجهه نضرة النعيم وآخر يوضع له الكتاب
فتعلو وجهه ظلمة الجحيم
وآخر يوضع له الكتاب مختوما بسخط الرب الجواد
وآخر يوضع له الكتاب مختوما بالتوفيق والسداد
اللهم وفقنا للطاعة وأمتنا على السنة والجماعة ونجنا من أهوال يوم الساعة
وأدخلنا في جملة أهل الشفاعة
واعلموا معشر المذنبين أن الماء يمحو الكتاب من ألواح الصبيان
والدمع يمحو من كتبكم الأوزار والعصيان والهموم والغموم والأحزان
فاجتهدوا في البكاء معشر الإخوان وأكثروا الندامة فإنها توجب الغفران
وأنشدوا
} دعوني على نفسي أنوح وأندب بدمع غزير وأكف يتصبب
دعوني على نفسي أنوح فإنني أخاف على نفسي الضعيفة تعطب
وإني حقيق بالتضرع والبكا إذا ما هدا النوام والليل غيهب
وجالت دواعي الحزن من كل جانب وغارت نجوم الليل وانقض كوكب
كفى أن عيني بالدموع بخيلة وإني بآفات الذنوب معذب
فمن لي إذا نادى المنادي بمن عصى إلى أين إلجائي إلى أين أهرب
وقد ظهرت تلك الفضائح كلها وقد قرب الميزان والنار تلهب
فيا طول حزني ثم يا طول حسرتي لئن كنت في قاع الجحيم أعذب
فقد فاز بالملك العظيم عصابة تبيت قياما في دجى الليل ترهب
إذا أشرف الجبار من فوق عرشه وقد زينت حور الجنان الكواعب
فناداهم سهلا وأهلا ومرحبا أبحت لكم داري وما شئتم أطلبوا
فبادروا رحمكم الله في هذه الأيام الشريفة إلى محو السيئات من الصحيفة
06 ضرب مثل في رقة القلب
يا أخي الخشبة اليابسة إذا دخل طرفها الواحد في النار عرق طرفها الآخر
وكذلك القلب إذا كانت فيه حرقة ندامة الذنوب التي حصلت في الكتاب المكتوب
الموضوع جادت العينان بواكف الدموع ولانت الجوارح بالخضوع والقلب بالإنابة
والخشوع
وأنشدوا
كتبت بأدمعي في صحن خدي
كتابا بالتذلل والخضوع
} فقالوا قد عفونا عنك لما
محوت قبيح فعلك بالدموع
07 حكاية عن التوبة
ذكر عن بعض الخائفين أنه قال رأيت رجلا وافقا على صبي من الصبيان
في المكتب وهو يمحو لوحا وكان اللوح قد كتبه بالحبر وكانت الكتابة قد ثبتت
ولا تزول بالماء فجعل الصبي يحك اللوح بالحبل والتراب فقال الرجل الواقف
عليه يا بني مالك تحك اللوح بالحبل فقال ليزول الحبر الذي ثبت فيه فقال له
الرجل والحبل يا بني يزيل الحبر قال نعم ألا ترى أن الحبل إذا حك في تنور
البئر يؤثر فيه وهو حجر فيصير فيه من أثر الحبل شبه الخنادق فقال الرجل
ذلك بطول المدة فقال الصبي لا يا نعم الرجل إلا بالحزم والاجتهاد وإياك يا
نعم الرجل بعيد الذهن قال الرجل كيف ذلك يا بني قال لأني قد قلت لك إشارة
لو ألقيتها على قلبك لأفاق وامتحى الحبر الذي عليه فقال الرجل يا بني كان
على قلبي حبرا قال يا عم وأي لون هو الحبر قال هو أسود
قال الصبي يا عم ألم أقل لك إنك بعيد الذهن وأي سواد أشد من سواد الذنوب
على القلوب فصاح الرجل صيحة وخر مغشيا على وجهه ثم أخذ في البكاء
فقال له الصبي أما الآن فقد وجدت الدواء لذنوبك ومحوها من كتابك وقلبك
فقال الرجل يا بني وما الدواء فقال له البكاء
فقال يا بني والبكاء يمحو الذنوب من الكتاب والقلب قال له نعم والدليل على
ذلك قول النبي {صلى الله عليه وسلم} إن الدموع تطفيء بحار النار يوم
القيامة عن الباكي
08 الدموع تمحو الذنوب
فإذا محت الدموع بحار النار فأحرى أن تمحو من الكتاب القبائح والأوزار
وإذا زالت من الكتاب الفضائح والأوزار رضي عنك الملك الغفار وأمر بك إلى
دار الراحة والقرار وخلصت من عذاب البوار
فأبكوا يا جماعة المسلمين على ما أذنبتم في الشهور والأعوام وفي الساعات
والأيام من الخطايا والأجرام واكتساب الربا والحرام وظلم الضعفاء والأرامل
والأيتام وما فرطتم فيه من أداء حقوق الملك العلام
وأنشدوا
وددت أن دموعي بحر فاسفحها
من مقلتي على ما فات من زمني
واها على أسف مني على وهل
يجني التأسف إلا غلة الشجن
والله لو صح تحقيق التأسف ما
ألفيت إلا مع النوام في الحزن
} يا ليت لي عينا في كل جارحة
تبكي علي بدمع مانع الوسن
09 فضل البكاء
فالواجب والله يا أهل الإسلام على كل مسلم علم من نفسه ذنبا أن يكثر
البكاء عليه عساه يمحوه من كتابه مولاه ويتفضل عليه ويغفر له ما قد جناه
فهو المنان الكريم المتفضل العظيم
اللهم يا أكرم الأكرمين ويا آخر الغافرين تفضل علينا بتوبة وعلى جميع
المذنبين تنقلنا بها من ذل المعصية إلى عز الطاعة وثبتنا عليها حتى تخرجنا
من الدنيا بلا ذنب ولا تباعة على منهاج أهل السنة والجماعة الذين أوجبت
لهم الرحمة والشفاعة
اللهم إن الطاعة والمعاصي بقدرك وفي يدك القلوب والنواصي فطهر قلوبنا بماء
التوبة واغسلها من دنس الحوبة ومتعنا بالسلامة في ديننا ودنيانا وفي
أسماعنا وأبصارنا وجميع جوارحنا ما أبقيتنا ولا تردنا على أعقابنا بعد إذ
هديتنا فإنك على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
9 مجلس في ذكر الجنة وأوصافها
وما أعد الله لأوليائه من النعيم فيها
210 أيها المريد إنه ينبغي لك أن تشغل قلبك وتعمل فكرك بالتطلع إلى ما أعد
الله عز وجل لأوليائه في جنته والاشتياق إلى ما وصف الله لنا من نعيمها
فمن اشتغل بذكرها واشتاق إلى نعيمها لهى عن الرغبة في الدنيا والحرص عليها
والترجح بأمانيها وترك طلب العلو فيها
11 آيات في الجنة
وقد قال الله عز وجل { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في
الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين } القصص 83 وقال عز وجل من قائل { مثل
الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها } الرعد
13 وقال عز من قائل { جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب
ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير } فاطر 33 وقال { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن
إن ربنا لغفور شكور } فاطر 34 الآية إلى { لغوب }
قال عز من قائل { في جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من
معين } الصافات 45 الآية
إلى { مكنون } وقال عز وجل { يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب }
71 الآية إلى { خالدين }
12 أحاديث في الجنة
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} } ما رأيت مثل الجنة نام طالبها ولا مثل النار نام هاربها
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} } من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات ومن أشفق من النار لهى
عن الشهوات ومن ترقب الموت هانت عليه المصيبات {
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} } لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها
ثم رجع فقال يا رب لا يسمع بها أحد إلا دخلها ثم حفها بالمكاره فقال الله
اذهب فانظر إليها فذهب إليها فقال يا رب وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد
فلما خلق الله النار قال يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب إليها فقال جبريل
يا رب لا يسمع بها أحد فيدخلها ثم حفها بالشهوات فقال يا جبريل اذهب فانظر
إليها فذهب فنظر إليها فقال يا رب وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا
دخلها فيا معشر المشتاقين جاهدوا عدوكم اللعين بترك الشهوات ونافسوا في
أفعال الخيرات وتحملوا في طاعة مولاكم المكروهات يسكنكم مولاكم الجنات
وبيوئكم أعلا الغرفات ويرفع لكم الدرجات
13 شجرة طوبى
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه
قال } إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى لو يسير الراكب في ظلها مائة عام لم
يقطعها { بطحاؤها ياقوت وترابها مسك أبيض ووحلها عنبر أشهب وكثبانها كافور
أصفر وبسرها زمرد أخضر وأفناؤها سندس واستبرق وزهرها رياض أصفر وورقها برود
خضر وثمرها حلل صفر وسقيها زنجبيل وعسل وعبقها زعفران مبهج والألنجوج
يتأجج من غير وقود يتفجر من أصلها أنهار السلسبيل والرحيق وظلها مجالس أهل
الجنة يألفونه ومتحدث يجمعهم تحتها
14 وصف الجنة
فبينما هم ذات يوم يتحدثون في ظلها إذ جاءتهم الملائكة بنجائب
مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا وبرها خز أحمر
وعبقري أبيض مختلطان الحمرة بالبياض والبياض بالحمرة لم ينظر الناظرون إلى
مثله حسنا وبهاء ذللا من غير محنة نجب من غير رياضة رحالها من الياقوت
الأخضر ملبسة بالعبقري والأرجوان ولجمها ذهب وكسوتها سندس واستبرق فأناخوا
إليهم تلك الرواحل وحيوهم بالسلام من عند الرب السلام وقالوا لهم أجيبوا
ربكم جل جلاله فإنه يستزيركم فزوروه وليسلم عليكم وتسلموا عليه وينظر
إليكم وتنظروا إليه ويكلمكم وتكلموه ويحييكم وتحيوه ويزيدكم من فضله فإنه
ذو رحمة واسعة وذو فضل عظيم
15 رواحل الجنة
فيتحول كل رجل منهم على راحلته ثم يسير بهم صفا واحدا معتدلا الرجل إلى
جنب أخيه عن يمينه لا يفوت ركبة ناقة ركبة صاحبتها ولا تعدو أذن ناقة أذن
صاحبتها يمرون بالشجرة من أشجار الجنة فتميل لهم عن طريقهم كراهية أن يفرق
بينهم فإذا وقفوا بالجبار تبارك وتعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم
في عظمته العظيمة فيسلمون عليه ويرحب بهم وسلامهم وتحيتهم أن يقولوا ربنا
أنت السلام ومنك السلام ولك حق الجلال والإجلال فيقول لهم الرب جل جلاله
عبادي عليكم السلام مني وعليكم رحمتي ومحبتي مرحبا وأهلا بعبادي الذين
أطاعوني بالغيب والذي حفظوا وصيتي ورعوا عهدي وكانوا مني على كل حال
مشفقين فيقولون وعزتك وجلالك وعظمتك وعلو مكانك ما قدرناك حق قدرك ولا
أدينا إليك كل حقك فأذن لنا بالسجود لك فيقول لهم ربهم عز وجل إني قد رفعت
عنكم مؤنة العبادة فهذا حين أرحت لكم أبدانكم وهذا حين أفضيتم إلى روحي
ورحمتي وجنتي وكرامتي ومبلغ الوعد وعدتكم فاسألوني ما شئتم وتمنوا
على أعطيكم أمانيكم فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم ولكن
أجزيكم بقدر رحمتي وكرامتي ورأفتي وعزي وجلالي وعلو مكاني وعظمة شأني
فاسألوني ما شئتم فما يزالون في الأماني حتى ان المقصر في أمنيته يقول
ربنا تنافس أهل الدنيا في دنياهم وفخر بعضهم إلى بعض فاجعل حظي من الجنة
كل شيء كان فيه أهل الدنيا من يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها فإنا رفضناها
وزهدنا فيها وصغرت في أعيننا تشاغلا بأمرك وإعظاما لك وإجلالا وإعزازا
16 إكرام الله تعالى
فيقول لهم ربهم لقد قصرتم في أمنيتكم ورضيتم بدون حظكم وبأقل من حقكم فقد
أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم حتى تعرفه أنفسكم وألحقت بكم ما قصرت عنه
أمانيكم فانظروا إلى ما أعددت لكم إلى ما لا تبلغه أمانيكم ولم يخطر على
قلوبكم فيؤتون ذلك فيقولون ربنا أنت أحق بالأمن والرحمة ولو وكلتنا إلى
أنفسنا وأمانينا لضبعنا حظنا وإذا بقباب في الرفيع الأعلى قد نصبت وغرف من
الدر والمرجان قد رفعت أبوابها من ذهب ومنابرها من نور وسررها من ياقوت
وفرشها من سندس واستبرق يفور من أعراصها وأفواهها ماء
نور شعاع الشمس عنده كنوز الكوكب الدري فإذا هم بقصور شامخة في أعلا عليين
من الياقوت يزهر نورها فلو أنها متخذة إذا لامتثعت الأبصار من شدة صفائها
وعتق جوهرها فما كان منها أبيض فمن الياقوت الأبيض مفروشا بالحرير الأبيض
وما كان منها أحمر فمن الياقوت الأحمر مفروشا بالعبقري الأحمر
وما كان منها أخضر فمن الياقوت الأخضر مفروشا بالسندس الأخضر
وما كان منها أصفر فمن الياقوت الأصفر مفروشا بالأرجوان الأصفر مبوبة
بالذهب الأحمر والفضة البيضاء قواعدها من جوهر وأركانها من ذهب وشفوفها
قباب من لؤلؤ وبروجها غرف من مرجان
17 براذين الجنة
فهم كذلك وإذا براذين مقربة من الياقوت الأحمر مصنوعا فيها الروح
بجنبها الولدان المخلدون وبيد كل وليد حكمة برذون من تلك البراذين على كل
أربعة منها مرتبة من مراتب الجنة كالرحالة أسفلها سرير من ياقوتة وعلى كل
سرير منها قبة من ذهب مفرغة في كل قبة منها فراش من فرش الجنة ليس في
الجنة لون حسن إلا
وهو فيها ولا ريحة طيبة إلا عبق بهما ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة حتى يظن
من ينظر إليهما أنهما من دون القبة يتبين مخها في عظامها كما يتبين السلك
الأبيض في الياقوتة الصافية ثم يأمر الله عز وجل رجلا منهم فيتحول في
مركبه مع صاحبته فتعانقه وتقبله وتمنيه بكرامة الله عز وجل والقبة إما
لؤلؤة وإما زمردة وإما ياقوتة وإما درة وإذا في قبة من تلك القصور منابر
من نور عليها ملائكة قعود ينتظرونهم ليهنئوهم ويحيوهم فيتحول كل رجل منهم
على مركبة تزف تلك البراذين وبجنبها الولدان المخلدون تشيعهم الملائكة
المقربون يقطعون بهم رياض الجنة
فلما رفعوا إلى قصورهم نهضت الملائكة في أعراضهم فاستنزلوهم وصافحوهم
وشبكوا أيديهم ثم أجلسوهم بينهم ثم أقبلوا على الضحك والمداعبة حتى علت
أصواتهم
18 مصافحة الملائكة
تقول الملائكة أما وعزة وربنا وجلاله ما ضحكنا منذ خلقنا إلا معكم ولا
هزلنا إلا معكم فهنيئا لكم هنيئا بكرامة ربكم
فلما ودعوهم وانصرفوا عنهم دخلوا قصورهم فليس أحد منهم إلا وقد
وجد الله عز وجل قد جمع له في قصره أمنيته التي تمنى وإذا على كل قصر منها
باب يفضي إلى واد أفيح من أودية الجنة محفوفة تلك الأودية بجبال من
الكافور الأبيض وكذلك جبال الجنة وهي معادن الجوهر والياقوت والفضة فارغة
أفواهها في بطون تلك الأودية في بطن كل واحد منها أربع جنات جنتان ذواتا
أفنان فيهما عينان تجريان فيهما من كل فاكهة زوجان وجنتان مداهامتان فيهما
عينان نضاختان وفيهما فاكهة ونخل ورمان وحور مقصورات في الخيام لم يطمثهن
إنس قبلهم ولا جان كأنهن الياقوت والمرجان فلما تبؤوا المنازل واستقر
قرارهم زارهم ربهم تبارك وتعالى في ملائكته فيقول لهم { فهل وجدتم ما وعد
ربكم حقا } الأعراف 44 قالوا نعم قال كيف وجدتم ثواب ربكم قالوا رضينا
فارض عنا
فيقول لهم الجليل جل جلاله برضائي عنكم نظرتم إلى وجهي وسمعتم كلامي
وحللتم داري وصافحتم ملائكتي
فهنيئا هنيئا عطائي لكم ليس فيه نكد ولا تكدير فقالوا { الذي أحلنا دار
المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } فاطر 35
19 عدد الجنات وأسماؤها
روي عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال لما خلق الله تبارك وتعالى
الجنات يوم خلقها وفضل بعضها على بعض فهي سبع جنات دار الخلد ودار السلام
وجنة عدن وهي قصبة الجنة وهي مشرفة على الجنان كلها وهي دار الرحمن تبارك
وتعالى ليس كمثله شيء ولا يشبه شيء ولباب جنات عدن مصراعان من زمرد وزبرجد
من نور كما بين المشرق المغرب وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة
النعيم سبع جنات خلقها الله عز وجل من النور كلها مدائنها وقصورها وبيوتها
وشرفها وأبوابها ودرجها وأعلاها وأسافلها وآنيتها وحليها وجميع أصناف ما
فيها من الثمار المتدلية والأنهار المطرزة بألوان الأشربة والخيام المشرفة
والأشجار الناضرة بألوان الفاكهة والرياحين العبقة والأزهار الزاهرة
والمنازل البهية المعجبة
20 الحور العين
فيها الأزواج المطهرة والعين الغنجات بريط النور معتجرات بوشح الكرامة
متزينات بالمسك متزملات حدق أعينهن كاحلات وأطرافهن خاشعات وفروقهن مكللة
بالدر مركبة بالياقوت ينادين بأصوات غنجة رخيمة لذيذة يقلن نحن خالدات فلا
نموت أبدا ونحن الغانجات فلا نبأس أبدا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ونحن
الراضيات فلا نسخط أبدا ونحن الحور الحسان أزواج أقوام كرام ونحن الأبكار
السوام للعباد المؤمنين طوبى لمن كان لنا وكنا له
فذلك قوله عز وجل { إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا } الواقعة 35
37 عاشقات لأزواجهن { أترابا } مستويات في الأسنان { وحور عين } الواقعة
22 حسان جمال { كأمثال اللؤلؤ المكنون } الواقعة 23 كأنهن الياقوت
والمرجان مشيها هرولة ونغمتها شهية بهية فائقة وامقة لزوجها عاشقة وعليه
محبوسة وعن غيره محجوبة فذلك قوله عز وجل { فيهن قاصرات الطرف } الرحمن 56
يقول قصرت أطرافهن عن الرجال فلا ينظرن إلى غير أزواجهن { لم يطمثهن إنس
قبلهم ولا جان } الرحمن 56 وكلما أصابها زوجها وجدها عذراء عليها سبعون
حلة مختلفة الوشي والألوان حملها أهون عليها وأخف من شعرها
21 صفة الحور
في نحرها مكتوب أنت حبي وأنا حبك لست أبغي بك بدلا ولا عنك
معدلا
كبدها مرآته وكبده مرآتها يرى مخ ساقها من وراء لحمها وحليها كما ترى
الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء وكما يرى السلك الأبيض في جوف الياقوتة
الصافية
22 دار السلام
وخلق دار السلام من الياقوت كلها أزواجها وخدمها وآنيتها وأسرتها وحجالها
وقصورها وخيامها ومدائنها ودرجها وغرفها وأبوابها
وثمارها من اللؤلؤ والياقوت
23 جنة عدن
وخلق جنة عدن من الزبرجد كلها على هذه الصفة وخلق جنة المأوى من الذهب
الأحمر بجميع ما فيها على هذه الصفة
24 جنة الخلد
وخلق جنة الخلد من الفضة البيضاء بجميع ما فيها على هذه الصفة
والجنات كلها مائة درجة ما بين الدرجتين خمسمائة عام
حيطانها لبنة من ذهب ولبنة من فضة ولبنة من ياقوت ولبنة من زبرجد
ملاطها المسك وقصورها الياقوت وغرفها اللؤلؤ ومصارعها الذهب وأرضها الفضة
وحصباؤها المرجان وترابها المسك
أعدها الله عز وجل لأوليائه يقول الله تبارك وتعالى يا أوليائي جوزوا
الصراط بعفوي وأدخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم فلكم صنعت ثمار
الفردوس ولكم نصبت شجرة الخلد ولكن بنيت القصور التي أسست بالنعيم وشرفت
بالملك والخلود
25 درجات أهل الجنة
قال ابن عباس رضي الله عنهما فأسفل أهل الجنة درجة من له من الجنة مسيرة
خمسمائة عام ويزوج خمسمائة حوراء وأربعة بكر وثمانية آلاف بيت وإنه ليعانق
الزوجة عمر الدنيا فلا يتأخر واحد منهما عن صاحبه وإنه لتوضع المائدة بين
يديه فلا ينقضي شبعة عمر الدنيا وإنه ليوضع الإناء على فيه فلا ينقضي ريه
عمر الدنيا وإنه ليأتيه ملك بين إصبعيه مائة حلة تحية من ربه تبارك وتعالى
فيلقيها على بدنه فيقول العبد الحمد لله وتبارك ربي وتعالى فما عجبت
كإعجابي بهذه الهدية
فيقول الملك أعجبتك فيقول نعم فيبادر الملك أدنى شجرة من جنة الخلد فيقول
أنا رسول ربك إليك تكوني لولي الله ما أحب فتتلون له على ما يشتهي
26 طعام الجنة
ويبلغ غداؤه سبعين ألف صفحة من ألوان لحوم الطير كأنها البخت لا ريش لها
ولا زغب ولا عظم فلا تطبخ بالنار ولا تقليها القدور ولذتها لذة الزبد
وحلاتها حلاوة العسل ورائحتها رائحة المسك
يأكل من كلها يجد لآخرها من الطعم كما يجد لأولها
وفي عشائه مثل ذلك
قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } يأكلون ويشربون ويتفكهون يصير
طعامهم وشرابهم رشحا كرشح المسك يخرج من أجسادهم
ويبعث الله تبارك وتعالى إليهم الملائكة بهدية من لدن العرش
27 دلال الحور
روي عن الحسن رضي الله عنه أنه قال بينما ولي الله في الجنة مع
زوجته من الحور العين على سرير من ياقوت أحمر وعليه قبة من نور إذ قال لها
قد اشتقت إلى مشيتك قال فتنزل من سرير ياقوت أحمر إلى روضة مرجان أخضر
وينشئ الله عز وجل لها في تلك الروضة طريقين من نور أحدهما نبت الزعفران
والآخر نبت الكافور فتمشي في نبت الزعفران وترجع في نبت الكافور وتمشي
بسبعين ألف لون من الغنج
وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} } يسطع نور في الجنة فيرفعون رؤوسهم فإذا هو نور حوراء
ضحكت في وجه زوجها {
وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} }
إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتمخطون ولا يتغوطون ولا يبولون ولكنه
رشح كرشح المسك قد
ألهموا التسبيح والتقديس والتكبير والتحميد
28 لباس أهل الجنة
وروي عن بعض العلماء أنه قال بلغني أن ولي الله في الجنة يلبس حلة ذات
وجهين يتجاوبان بصوت مليح تقول التي تلي جسده أنا أكرم على ولي الله منك
أنا أمس بدنه وأنت لا تمسين بدنه فتقول التي تلي وجهه بل أنا أكرم على ولي
الله منك أنا أرى وجهه وأنت لا ترين وجهه
وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } يبعث أهل الجنة على صورة
آدم عليه السلام في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة جردا مردا مكحلين ثم يذهب بهم
إلى شجرة في الجنة فيلبسون منها ثيابا لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم
29 أول من يدخل الجنة
وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن أول زمرة تدخل الجنة على
صورة القمر ليلة البدر والذين على آثارهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة
قلوبهم على قلب واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض يسبحون الله بكرة وعشيا لا
يسقمون فيها ولا يموتون ولا ينزفون آنيتهم من الذهب والفضة وأمشاطهم الذهب
ووقود مجامرهم الألوة ورشحهم المسك
30 مساكن الجنة
وقال الحسن رحمه الله في قوله عز وجل { ومساكن طيبة في جنات عدن
} التوبة 72 قيل سأله ابن أخيه في ذلك فقال يا ابن أخي على الخبير وقعت
سألت عنها أبا هريرة وعمران بن حصين فقالا على الخبير وقعت سألنا عنها
رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كما سألتنا فقال هي قصر في الجنة من لؤلؤة
بيضاء فيها سبعون
دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء في كل بيت
سبعون سريرا على كل سرير فراش لون على لون على كل سرير امرأة من الحور
العين
في كل بيت مائدة على كل مائدة سبعون قصعة وعلى كل مائدة سبعون وصيفا
ووصيفة يعطي الله المؤمن في غداة واحدة ما يأكل ذلك الطعام ويطوف على تلك
الأزواج
31 طيور الجنة
وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إنه لينظر إلى الطير في
الجنة فيخر بين يديه مشويا والطير أمثال الإبل فيقول الطير منها يا ولي
الله أما أنا فقد رعيت في وادي كذا وكذا وأكلت من ثمار كذا وكذا وشربت من
ماء عين كذا وكذا وسني كذا وريحي كذا فكل مني فإذا اشتهى حسن الطير واشتهى
صفته فوقع في نفسه وقع الطائر على ما يريد قبل أن يتكلم نصفه قديدا ونصفه
شواء كلما شبع ألقى الله عليه ألف باب من الشهوة في الأكل ثم يؤتى بالشراب
على برد الكافور وليس بهذا الكافور وطعم الزنجبيل وليس بهذا الزنجبيل وعلى
ريح المسك وليس بهذا المسك فإذا شرب هضم ما أكل من الطعام ويأكل مقدار
أربعين عاما ويعطي قوة مائة شاب في الجماع ويجامع مقدار أربعين سنة له في
كل يوم مائة عذراء بذكر لا يمل ولا ينثني وفرج لا يحثى ولا يمنى
32 أنهار الجنة
قال وهب بن منبه رضي الله عنه إن في رياض الجنة نهر من أنهارها فهو أصل
أنهار الجنة كلها أظهره الله عز وجل حيث ما أراد وأن النيل نهر العسل
ودجلة نهر اللبن في الجنة والفرات نهر الخمر في الجنة وسيحان نهر الماء في
الجنة وجيجان كذلك وهما بأرض الهند وهما نهرا الماء في الجنة وصفهم الله
عز وجل في الدنيا حتى يصيرهم إلى الجنة
وذكر وهب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} قال } مكتوب على باب الجنة إني أنا الله لا إله إلا أنا لا
أعذب من قالها إني أنا الله لا إله إلا أنا محمد رسول الله لا أعذب من
قالها {
وروي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لشبر في الجنة خير من
الدنيا وما فيها { قال الله عز وجل { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة
أعين جزاء بما كانوا يعملون } السجدة 17
33 سرر الجنة
قال ابن عباس رضي الله عنه وذلك أن ولي الله في الجنة على سرير والسرير
ارتفاعه خمسمائة عام وهو قول الله عز وجل { وفرش مرفوعة } الواقعة 34 قال
والسرير من ياقوت أحمر وله جناحان من زمرد أخضر وعلى السرير سبعون فراشا
حشوها النور وظواهرها السندس وبطائنها من استبرق ولو دلى أعلاها فراشا ما
وصل إلى آخرها مقدار أربعين عاما
34 أرائك الجنة
وعلى السرير أريكة وهي الحجلة وهي من لؤلؤة عليها سبعون سترا من نور وذلك
قوله عز وجل { هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون } يس 56 يعني ظلال
الأشجار على الأرائك يعني الأسرة في الحجال فبينما هو معانقها لا تمل منه
ولا يمل منها والمعانقة أربعين عاما فإذا رفع رأسه فإذا هو بأخرى متطلعة
عليه تناديه يا ولي الله أما لنا فيك من دولة فيقول حبيبتي من أنت فتقول
أنا من اللواتي قال فيهن الله { ولدينا مزيد } ق 35 قال فيطير سريره أو
قال كرسي من ذهب له جناحان فإذا رآها فهي تضعف على الأولى بمائة ألف جزء
من النور فيعانقها مقدار أربعين عاما لا تمل منه ولا يمل منها فإذا رفع
رأسه رأى نورا ساطعا في داره فيعجب فيقول سبحان الله أملك كريم زارنا أم
ربنا أشرف علينا فيقول الملك وهو على كرسي من نور بينه وبين الملك سبعون
عاما والملك في حجبته في الملائكة لم يزرك ملك ولم يشرف عليك ربك عز وجل
فيقول ما هذا النور
35 زوجة الدنيا
فيقول الملك لزوجتك الدنيوية وهي معك في الجنة إنها طلعت عليك
ورأتك معانقا لهذه فتبسمت فهذا النور الساطع الذي تراه في دارك هو نور
ثناياها فيرفع رأسه إليها فتقول يا ولي الله أما لنا فيك من دولة فيقول
حبيبتي من أنت
فتقول له يا ولي الله أما أنا فمن اللواتي قال الله عز وجل فيهن { فلا
تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } السجدة 17 الآية
فيطير سريره إليها فإذا لقيها فهي تضعف عن هذه الأخرى بمائة ألف جزء من
النور لأن هذه صامت وصلت وعبدت الله عز وجل فهي إذا دخلت الجنة أفضل من
نساء الجنة لأن أولئك أنبتن نباتا فيعانق هذه مقادر أربعين عاما لا تمل
منه ولا يمل منها ثم إنها تقوم بين يديه وخلالها من يواقيت فإذا وطئت يسمع
من خلالها صفير كل طير في الجنة فإذا مس كفها كان ألين من المخ ويشم من
كفها رائحة كل طيب في الجنة وعليها سبعون حلة من نور لو نشر الرداء منها
لأضاء ما بين المشرق والمغرب خلقت من نور والحلل عليها أسورة من ذهب
وأسورة من فضة وأسورة من لؤلؤ وتلك الحلل أرق من نسج العنكبوت وهو أخف
عليها من النقش وانه يرى مخ ساقها من صفائها ورقتها من وراء العظم واللحم
والجلد والحلل مكتوب على ذراعها اليمين بالنور { الحمد لله الذي صدقنا
وعده } الزمر 74 وعلى الذراع الآخر مكتوب بالنور { الحمد لله الذي أذهب
عنا الحزن } فاطر 34
36 تبادل الحب
ومكتوب على كبدها بالنور حبيبي أنا لك لا أريد بك بدلا وكبدها
مرآته وهي على صفاء الياقوت وحسن المرجان وبياض البيض المكنون { عربا
أترابا } الواقعة 37 العرب العاشقات لأزواجهن والأتراب بنات خمس وعشرين
سنة مفلجة لو ضحكت لأضاء نور ثناياها ولو سمع الخلائق منطقها لافتتن كل بر
وفاجر فهي قائمة بين يديه فساقها يضعف على قدميها بمائة ألف جزء من النور
وفخدها يضعف على ساقها بمائة ألف جزء من النور وعجزها يضعف على فخدها
بمائة ألف جزء من النور وبطنها يضعف على عجزها بمائة ألف جزء من النور
وصدرها يضعف على بطنها بمائة ألف جزء من النور ووجهها يضعف على نحرها
بمائة ألف جزء من النور ولو تفلت في بحار الدنيا لعذبت كلها ولو أطلعت من
سقف بيتها إلى الدنيا لأخفى نورها نور الشمس والقمر عليها تاج من ياقوت
أحمر مكلل بالدر والمرجان على يمينها مائة ألف قرن من قرون شعرها
37 ضفائر الجمال
وتلك القرون قرن من نور وقرن من ياقوت وقرن من لؤلؤ وقرن من زبرجد
وقرن من مرجان وقرن من در مكلل بالزمرد الأخضر والأحمر مفضص بألوان الجوهر
موشح بألوان الرياحين ليس في الجنة طيب إلا وهو تحت شعرها الواحدة تضيء
مسيرة أربعين عاما وعلى يسارها مثل ذلك وعلى مؤخرها مائة ألف ذؤابة من
ذوائب شعرها فتلك القرون والذوائب إلى نحرها ثم تتدلى إلى عجزها ثم تتدلى
إلى قدميها حتى تجره بالمسك وعن يمينها مائة ألف وصيفة كل قرن بيد وصيفة
وعن يسارها مثل ذلك ومن ورائها مائة ألف وصيفة كل وصيفة آخذة بذؤابة من
ذوائب شعرها
38 الوصائف
ومن بين يديها مائة ألف وصيفة معهن مجامر من در فيها بخور من غير
نار ويذهب ريحه في الجنة مسيرة مائة عام حولها ولدان مخلدون شباب لا
يموتون كأنهن اللؤلؤ المنثور كثرة فيه قائمة بين يدي ولي الله ترى إعجابه
وسروره بها وهي مسرورة عاشقة له فتقول له يا ولي الله لتزدادن غبطة وسرورا
فتمشي بين يديه بمائة ألف لون من المشي في كل مشية تجلى في سبعين حلة من
النور وان الماشطة معها فإذا مشت تتمايل وتنعطف وتتكاسر وتدور وتبتهج بذلك
وتبتسم فإذا مالت مالت القرون من الشعر معها ومالت الذوائب معها ومالت
الوصفان معها فإذا دارت درن معها فإذا أقبلت أقبلن معها خلقها الرحمن
تبارك وتعالى خلقة إذا أقبلت فهي مقابله وإذا ولت فهي مقبلة الوجه لا
تفارق وجهه ولا تغيب عنه ويرى كل شيء منها إذا جلست بعد مائة ألف لون من
المشي خرجت عجزتها من السرير وتدلي قرونها وذوائبها فيضطرب ولي الله لولا
أن الله سبحانه قضى أن لا موت فيها لمات طربا فلولا أن الله تبارك وتعالى
قدرها له ما استطاع أن ينظر إليها مخافة أن يذهب بصره فتقول له يا ولي
الله تمتع فلا موت فيها
وأنشدوا
بحسبك يا عمار من دار بلغة
جنان بها الخيرات يزلفن في الحلل
ويمشين هونا في الجنان أمامهم
خيام من الدر المجوف في الكلل
إذا برزت حوراء حف بها البها
وأشرقت الفرودس والقوم في شغل
يعانقن أزواجا لكل مطهر
على فرش الديباج والعيش قد كمل
وطاف بها الولدان من كل جانب
ونودي ولي الله يجزي بما فعل
وقال غيره
يا خاطب الحوراء في خدرها
وطالبا ذاك على قدرها
انهض بعزم لا تكن دانيا
وجاهد النفس على صبرها
وجانب الناس وارفضهم
وحالف الوحدة في ذكرها
وقم إذا الليل بدا وجهه
وصم نهارا فهو من مهرها
فلو رأت عيناك إقبالها
وقد بدت رمانتا صدرها
وهي تماشي بين أترابها
وعقدها يشرق في نحرها
} لهان في نفسك هذا الذي
تراه في دنياك من زهرها
39 ضيافة الله
روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن الله تبارك وتعالى إذا سكن أهل
الجنة الجنة وأهل النار النار هبط ربنا الجليل جل جلاله بلا تكييف ولا
تمثيل يتعالى ربنا عن ذلك إلى مرج أفيح فمد بينه وبين خلقه حجابا من لؤلؤ
وحجابا من نور ثم وضعت منابر النور وسرر النور وكراسي النور ثم أذن لرجل
كريم على الله عز وجل بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع دوي تسبيح
الملائكة معه وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم فقيل من هذا الذي قد أذن
له الله عز وجل فقيل هذا المجبول بيده والمعلم والأسماء والذي أمرت
الملائكة فسجدت له والذي أبيحت له الجنة آدم {صلى الله عليه وسلم} أذن له
على الله عز وجل قال ثم أذن لرجل آخر على الله عز وجل بين يديه أمثال
الجبال من النور يسمع تسبيح الملائكة معه وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة
أعناقهم فقيل من هذا الذي أذن الله عز وجل فقيل هذا الذي اتخذه الله خليلا
وجعل النار عليه بردا وسلاما إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد أذن له على
الله عز وجل قال ثم أذن لرجل آخر على الله عز وجل بين يديه أمثال الجبال
من النور يسمع تسبيح الملائكة معه وصفق أجنحتهم فمد أهل الجنة أعناقهم
فقيل من هذا قد أذن له على الله عز وجل فقيل هذا الذي اصطفاه الله عز وجل
برسالته وقربه نجيا وكلمة تكليما موسى عليه الصلاة والسلام قد أذن له على
الله عز وجل ثم أذن لرجل آخر معه مثل جميع مراكب النبيين قبله بين يديه
أمثال الجبال من النور ويسمع دوي تسبيح الملائكة وصفق أجنحتهم فقيل من هذا
الذي قد أذن له
على الله عز وجل فقيل هذا أول شافع وأول مشفع وسيد ولد آدم وأول من تنشق
عنه الأرض وصاحب لواء الحمد أحمد {صلى الله عليه وسلم} قد أذن له على الله
عز وجل قال فيجلس النبيون على منابر النور والصديقون على سرر النور
والشهداء على كراسي النور وجلس سائر الناس على كثبان من المسك الأبيض
الأذفر
40 وفد الله
ثم ناداهم الرب جل جلاله من وراء الحجب مرحبا بعبادي وزواري
وجيراني ووفدي يا ملائكتي انهضوا إلى عبادي فأطعموهم قال فتقرب الملائكة
إليهم لحم طير كأنها البخت لا ريش معها ولا عظم فأكلوا ثم ناداهم الرب جل
جلاله من وراء الحجب مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا أسقوهم يا
ملائكتي قال فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المنثور بأباريق الذهب بأشربة
مختلفة تجد لذة آخرها كلذة أولها { لا يصدعون عنها ولا ينزفون } الواقعة
19 قال ثم ناداهم الرب تبارك وتعالى من وراء الحجب مرحبا بعبادي وزواري
وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا فكهوهم فقربت إليهم أطباق مكللة بالياقوت من
الرطب الجنى الذي أسماه الله أشد بياضا من اللبن وأطيب من عذوبة الشهد
فطعموا وشربوا وفكهوا ثم ناداهم الرب جل جلاله من وراء الحجب مرحبا بعبادي
وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفكهوا أكسوهم
41 كرامة الله لعباده
قال ففتحت لهم أشجار الجنة بحلل مصقولة بنور الرحمن فألبسوا ثم ناداهم
الرب من وراء الحجب مرحبا بعبادي وزواري ووفدي أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا
طيبوهم قال فهاجت عليهم ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة بأنابيب المسك
الأبيض الأذفر فنضحت على وجوههم من غير غبار ولا قتار ثم الرب تبارك
وتعالى من وراء الحجب مرحبا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا
وفكهوا وكسوا وطيبوا وعزتي وجلالي لأتجلين لهم حتى ينظروا إلي فذلك منتهى
العطايا وفضل المزيد فيتجلى الرب تبارك وتعالى فيقول السلام عليكم عبادي
انظروا إلي فقد رضيت عنكم قال فتداعت قصور الجنة وأشجارها واهتزت تقول
سبحانك سبحانك أربع مرات وخر القوم سجدا
فناداهم الرب جل وعز عبادي ارفعوا رؤوسكم فإنها ليست بدار عمل ولا بدار
نصب وإنما هي دار جزاء ودار ثواب وعزتي وجلالي ما خلقتها إلا لأجلكم وما
من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا إلا ذكرتكم فوق عرشي
42 سوق الجنة
وروي عن سعيد بن المسيب أنه أتى أبا هريرة رضي الله عنه فقال له
أبو هريرة أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة فقال له سعيد أو
فيها سوق قال نعم أخبرنا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أن أهل الجنة إذا
دخلوها فنزلوا بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا
فيزورون الله عز وجل ويبرز لهم من عرش ه تبارك وتعالى في روضة من رياض
الجنة وتوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من
ياقوت ومنابر من ذهب ومنابر من فضة يكون أدناهم وما فيها أدنى على كثبان
المسك والكافور وما يرون أصحاب المنابر أفضل منهم مجلسا
43 رؤية الله تعالى
قال أبو هريرة رضي الله عنه فقلت يا رسول الله هل نرى ربنا عز وجل قال نعم
هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر فقلنا لا قال فكذلك لا تضامون في رؤية
ربكم تبارك وتعالى ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله عز وجل
محاضرة حتى إنه ليقول عز وجل لرجل يا فلان أتذكر يوم عملت كذا وكذا يذكره
عذلاته في الدنيا فيقول يا رب ألم تغفر لي قال بلى فبسعة مغفرتي نلت
منزلتك هذه قال فبينما هم على ذلك إذ غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم
طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط فيقول ربنا عز وجل قدموا إلي ما أعددت لكم
من الكرامة قال فنأتي سوقا من أسواق الجنة قد حفت به الملائكة لم تسمع به
الآذان ولم تنظر إليه العيون ولم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا فيها ما
اشتهينا ليس يباع فيها شيء ولا يشتري وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم
بعضا قال فيلقى الرجل ذو المنزلة المرتفعة من هو دونه فيروعه ما عليه من
اللباس فما ينقضي حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه وذلك أنه لا ينبغي لأحد
أن يحزن فيها
قال ثم ننصرف إلى منازلنا فيتلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا وأهلا بحبيبنا لقد
جئت وأن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه فنقول إنا جالسنا
اليوم ربنا الجبار جل جلاله ويحق لما أن نقلب بمثل ما انقلبنا
44 المتحابون في الله
وروي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } المتحابون في الله في
الدنيا هم في الجنة على عمود من ياقوتة حمراء في رأس العمود سبعون ألف
غرفة يشرفون على أهل الجنة إذا اطلع أحدهم ملأ حسنه بيوت أهل الجنة نورا
كما تملأ الشمس بيوت أهل الدنيا قال فيقول أهل الجنة أخرجوا بنا ننظر إلى
المتحابين في الله فيخرجون فينظرون في وجوههم مثل القمر ليلة البدر عليهم
ثياب خضر مكتوب في جباههم بالنور هؤلاء المتحابون في اله
وقال عليه الصلاة والسلام } إن أهل الجنة إذا زاروا ربهم وأرادوا الانصراف
يعطي كل رجل منهم رمانة خضراء فيها سبعون حلة لكل حلة سبعون لونا ليس منهم
حلة تشبه الأخرى فإذا انصرفوا عن ربهم مروا في أسواق الجنة ليس فيها بيع
ولا شراء وفيها من الحلل والسندس والإستبرق والحرير والرفرف والعبقري من
در وياقوت وأكاليل معلقة فيأخذون من تلك الأسواق من هذه الأصناف ما شاؤوا
ولا ينقص من تلك الأسواق شيئا وفيها صور كصور الناس من أحسن ما يكون من
الصور مكتوب في نحر كل صورة منها من تمنى أن يكون مثل صورتي جعل الله حسنه
على صورتي فمن تمنى أن يكون حسن وجهه مثل حسن تلك الصورة جعله الله على
تلك الصورة قال ثم ينصرفون إلى منازلهم
45 خواتم الجنة
وقال النبي {صلى الله عليه وسلم} } إن أهل الجنة يعطيهم الله خواتم من ذهب
يلبسونها وهي خواتم الخلد ثم يعطيهم خواتم من در وياقوت ولؤلؤ وذلك إذا
رأوا ربهم في داره دار السلام {
46 نوق الجنة
وروي عن بعض العلماء أنه قال بينا أهل الجنة يتحدثون في ظل طوبى
إذ يأتيهم الملائكة بنوق مزمومة بسلاسل الذهب كأن وجوهها المصابيح من
حسنها ذلك من غير تهيئة نجب من غير رباية عليها رحائل الذهب وكسوتها سندس
واستبرق حتى ترفع إليهم ثم يسلموا عليهم فيقولون إن ربكم بعث إليكم بهذه
الرواحل لتركبوها فتزوره وتسلمون عليه قال فيتحول كل واحد منهم على راحلته
ثم يسيرون بها صفا في الجنة الرجل منهم إلى جنب صاحبه لا يجاوز أذن ناقة
منها أذن صاحبتها ولا ركبة ناقة منها ركبة صاحبتها وإنهم ليمرون بالشجرة
من شجر الجنة فتتأخر من مكانها فإذا وقفوا بين يدي الرحمن تبارك وتعالى
أسفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم فيسلمون عليه ويرحب بهم ويقال إن
سلامهم عليه أن يقولوا ربنا أنت السلام ومن عندك السلام ولك حق الجلال
والإكرام فيقول لهم الجليل جل جلاله وعليكم سلام مني وعليكم رحمتي وكرامتي
مرحبا وأهلا بعبادي الذين أطاعوني بالغيب وحفظوا وصيتي فيقولون لا وعزتك
ما قدرناك حتى قدرك وما أدينا إليك كل حقك ائذن لنا أن نسجد لك فيقول إني
قد رفعت عنكم مؤنة العبادة وأفضيتم إلي كرامتي
47 أماني أهل الجنة
وبلغ الوعد الذي وعدت لكم فتمنوا فإن لكل إنسان منكم ما تمنى فيتمنون
فيعطي كل واحد منهم ما يمني ثم يزيدهم تبارك وتعالى من فضله وكرمه ما لم
تبلغ إليه أمانيهم وأنشدوا
يا راغب الحور الجمم
والدل والشكل وحسن الشيم
الناعمات الدائمات الرضى
في جنة الفردوس مأوى النعم
أرفض بدار زهرها زائل
واغتنم الصحة قبل السقم
وابدر إلى الرؤية مستبصرا
واعتنق التشهيد عند الظلم
واستغفر الله لما قد مضى
واستشعر الخوف وطول الندم
تفز بما تطلب من لذة
وتأمن البلوى وعقبى النقم
10 مجلس في قوله تبارك وتعالى { كل نفس ذائقة الموت }
248 قيل لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة متنا وعزة الله فعند ذلك أيقن كل ذي عقل وروح أنه هالكوأنشدوا
أيضحك من للموت فيه نصيب
وينعم عيشا إن ذا لعجيب
ويأكل والأيام تأكل عمره
وليس له جسم لذاك يذوب
ومن عرف الرحمن لم يهن قلبه
نعيم ولم ينفك عنه نحيب
بعدت عن الورد الرضي بزلة
وبي قطعت دون الوصول ذنوب
قال الله تعالى { كل نفس ذائقة الموت } آل عمران 185 يموت كل صغير وكبير
يموت كل أمير ووزير يموت كل عزيز وحقير يموت كل غني وفقير يموت كل نبي
وولي يموت كل نجي وتقي يموت كل زاهد وعابد يموت كل مقر وجاحد يموت كل صحيح
وسقيم يموت كل مريض وسليم كل نفس تموت غير ذي العزة والجبروت
وأنشدوا
ألا كل مولود فللموت يولد
ولست أرى حيا عليها يخلد
تجرد من الدنيا فإنك إنما
خرجت من الدنيا وأنت مجرد
وأنت وإن خولت مالا وكثرة
فإنك في الدنيا على ذاك أوحد
وأفضل شيء نلت منها فإنه
متاع قليل يضمحل وينفد
فكم من عزيز أعقب الذل عزه
فأصبح مذموما وقد كان يحمد
} فلا تحمد الدنيا ولكن فذمها
وما بال شيء ذمه الله يحمد
49 ذكر الموت
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال أكثروا ذكر هازم اللذات ومفرق
الجماعات
وتوسدوه إذا نمتم واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم واعمروا به مجالسكم فإنه
معقود بنواصيكم يعني بما وكل به منكم ويفسد نعيمكم ويخرب مصانعكم ويفنيكم
كما أفنى من كان قبلكم فلا تنسوه فإنه لا ينساكم ولا تغفلوا عنه فإنه ليس
بغافل عنكم
وأنشدوا
يا جار أحبابه شهورا
وجار أمواته دهورا
ليس سرورا يعود حزنا
إذا تأملته سرورا
وروي عن عيسى عليه السلام أنه قال ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تراب
الأرض التي يموت فيها
وأنشدوا
أمر على المقابر كل حين
ولا أدري بأي الأرض قبري
وأفرح بالغني إن زاد مالي
ولا ابكي على نقصان عمري
ما أحسن حال من ذكر الموت فعمل لخلاصه قبل الفوت وأشغل نفسه بخدمة مولاه
وقدم من دنياه لأخراه ورغب في دار لا يزول نعيمها ولا يهان كريمها
وأنشدوا
الموت لا شك آت فاستعد له
إن اللبيب بذكر الموت مشغول
فكيف يلهو بعيش أو يلذ به
من التراب على عينيه مجعول
روي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله أي المؤمنين
أكيس قال أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا
50 حكاية عن الربيع
وقيل للربيع رحمه الله ألا تجلس معنا نتحدث فقال إن ذكر الموت إذا فارق
قلبي ساعة فسد على قلبي
وأنشدوا
ما أغفل الناس عن وعيد
قربه الليل والنهار
والعار ما جرت المعاصي
وليس في النائبات عار
ويحك ما تصنع المنايا
تأتي فتخلى لها الديار
فلا قلوب لها عيون
ولا عيون لها اعتبار
عباد الله اسعوا في فكاك رقابكم وأجهدوا أنفسكم في خلاصها قبل أن تزهق
فوالله ما بين أحدكم وبين الندم والعلم بأنه قد زلت به القدم إلا أن يحوم
عقاب المنية عليه ويفوق سهامها إليه فإذا الندم لا ينفع وإذا العذر لا
يصنع وإذا النصير لا يدفع وإذا الشفيع لا يشفع وإذا الذي فات لا يسترجع
وإذا البائس المحابي به في النجاة لا يطمع
فكأني بك يا أخي وقد صرخ عليك النسوان وبكى عليك الأهل والإخوان وفقدك
الولدان ونفخ لفرقتك الجيران ونادى عليك المنادي قد مات فلان بن فلان
ثم نقلت عن الأحباب وحملت إلى أرماس التراب وأضجعوك في محل ضنك قصير السمك
مهول منظره كثير وعره مغشى بالوحشة
عرفته مهول الصريح مطبق الصفيح على غير مهاد ولا وداد ولا مقدمة زاد ولا
استعداد
وأنشدوا
المرء يخدعه مناه
والدهر يسرع في بلاه
يا ذا الشبية لا تكن
ممن تعبده هواه
واعلم بأن المرء مرتهن
بما كسبت يداه
والناس في غفلاتهم
والموت دائرة رحاه
} الحمد لله الذي
يبقى ويهلك ما سواه
51 سكرات الموت
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه لما احتضر جعل يقول } لا إله إلا
الله إن للموت
لسكرات وروي عنه {صلى الله عليه وسلم} أنه كان يقول وعنده قدح ماء عند
موته وكان يدخل يده فيه ويمسح بالماء على وجهه ويقول مرة بعد مرة اللهم
هون علي سكرات الموت
وروي عنه {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لو أن ألم شعرة من شعر الميت وضع
على أهل السماوات والأرض لماتوا أجمعين { لأن في كل شعرة ألم الموت ولا
يقع الموت ولا يحل في شيء إلا مات
وروي أنه قال لو أن قطرة وضعت على جبال الدنيا كلها لزالت
وأنشدوا
} تيقظ للذي لا بد منه
فإن الموت ميقات العباد {
} يسرك أن تكون رفيق قوم لهم زاد بغير زاد
52 آلام الموت
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب يا كعب حدثنا عن الموت فقال
يا أمير المؤمنين هو غصن كثير الشوك ادخل في جوف رجل حتى إذا أخذت كل شوكة
بعرق ثم جذبه رجل شديد الجذب فقطع ما قطع وأبقى ما أبقى
وأنشدوا
} ألا أيها المغرور والموت نحوه خلقت له تحدو إليه الركائب {
} أغرك حلم الله أم لست موقنا
بأنك مبعوث غدا ومحاسب {
} بأيسر من مثقال حبة خردل وإنك مجزي بما أنت كاسب {
روي عن الحسن رحمه الله أنه قال لما مات خليل الرحمن اجتمعا إليه أرواح
الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فقالوا إن الله تعالى اتخذك
خليلا من بين سائر الأنبياء والرسل فإن كان الموت خفف عن واحد فأنت هو
فأخبرنا كيف وجدت طعم الموت
53 طعم الموت
فقال أواه وجدته والله شديدا والذي لا إله غيره هو أشد من الطبخ في القدور
والقطع بالمناشير أقبل ملك الموت نحوي بكلوب من حديد فأدخله في كل عضو مني
ثم استل الروح من كل عضو حتى جعله في القلب ثم طعن في القلب طعنة بحربته
المسمومة بسم الموت فلو أني طبخت في القدور سبعين مرة لكان أهون علي
فقالوا يا إبراهيم لقد هون الله عليك الموت فإذا كان هذا حال الأنبياء فما
يصنع بالمخطئين كفى بالموت طامة
وإذا بجبريل {صلى الله عليه وسلم} عندهم يسمعهم فقال لهم يا أرواح الطيبين
ما بعد الموت أشد وأطم وأعظم من الموت
وأنشدوا
وما الناس إلا هالك وابن هالك
وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت
له عن عدو في ثياب صديق
54 داود والذرة
ذكر في بعض الأخبار أن داود عليه الصلاة والسلام كان في محرابه فإذا بدودة
كالذرة فقال داود في نفسه ما يعبأ الله بهذه الدودة فأنطقها سبحانه وقالت
والله يا داود إني أعبد الله سبحانه وتعالى وأخافه وأسأله أن يهون علي
الموت
وأنشدوا
} يحب الفتى طول البقاء وإنه على ثقة أن البقاء فناء
زيادته في الجسم نقص حياته وليس على نقص الحياة نماء
إذا ما طوى يوما طوى اليوم بعضه ويطويه من بعد الصباح مساء
جديدان لا يبقى الجميع عليهما ولا لهما بعد الجميع بقاء
ذكر في بعض الأخبار أن الله سبحانه وتعالى قال لإبراهيم {صلى الله عليه
وسلم} لما مات يا خليلي مت قال يا الهي مت قالها ورددها عليه ثلاثا قال يا
خليلي كيف وجدت طعم الموت قال كسفود محمي جعل في صوف رطب ثم جذب
قال أما أنت فقد هونا عليك الموت
وأنشدوا
} أرى المرء يبكي للذي مات قبله وموت الذي يبكي عليه قريب
وما الموت إلا في كتاب مؤجل إلى ساعة يدعى له فيجيب
55 موسى وموعظته
وروي أن موسى صلوات الله وسلامه عليه لما صارت روحه إلى الله سبحانه قال
يا موسى كيف وجدت الموت قال وجدت نفسي كالعصفور حين يقلى على المقلاة لا
يموت فيستريح ولا ينجو فيطير
وفي رواية أخرى قال وجدت نفسي كشاة حية تسلخ بيد القصاب
وأنشدوا
الموت لا والدا يبقي ولا ولدا
هو السبيل إلى أن لا ترى أحدا
مات النبي فلم يخلد لأمته
لو خلد الله حيا قبله خلدا
للموت فينا سهام غير مخطئة
من فاته اليوم سهم لم يفته غدا
ما ضر من عرف الدنيا وغدرتها
ألا ينافس فيها أهلها أبدا
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
لو علمت الطير والبهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا
56 نوح وخوفه
وروي عن وهب بن منبه أنه قال قام نوح عليه السلام خمسمائة عام لا يقرب
النساء وجلا من الموت وهو المطلع
وروي أن عيسى صلوات الله وسلامه عليه قال للحواريين أدعوا الله أن يخفف
عني سكرات الموت
وأنشدوا
} قد سقاك الهوى شراب الأماني فاستطبت المقام تحت التداني
وتصاممت عن نداء الأماني
لاهيا عن وقائع الحدثان
} وإذا عارضتك خطرة ذكر
بادأتك الطباع بالنسيان
57 سكرات الموت
وفي بعض الأخبار للموت ثلاثة آلاف سكرة كل سكرة منها أشد من ألف
ضربة بالسيف وفي بعض الأخبار أن الدنيا كلها بين يدي ملك الموت كالمائدة
بين يدي الرجل يمد يده إلى ما شاء منها فيتناوله ويأكله
بل الدنيا كله مشارقها
ومغاربها برها وبحرها وكل ناحية منها أقرب إلى ملك الموت من الرجل على
مائدته وإن معه أعوانا الله أعلم بعدتهم ليس منهم ملك إلا لو أذن الله له
أن يلتقم السموات السبع والأرضين السبع في لقمة واحدة لفعل وما تقرب ملك
الموت من حملة العرش إلا ازدادوا فزعا منه حتى يرعدوا وإن غصه من غصص
الموت أشد من ألف ضربة بالسيف وفي كل ما خلق الله عز وجل البركة إلا في
الأجل فإنه مؤقت لوفاء العدة وانقضاء المدة
وأنشدوا
للمنايا رحى عليك تدور
كلنا جاهل بها مغرور
رحم الله من بكى للخطايا
كل باك فذنبه مغفور
يا ابن آدم ما أغفلك وعن الصواب ما أبعدك كأنك بالموت قد فاجأك وملك الموت
قد وافاك فيئس منك الطبيب وفارقك الحبيب وتفجع لفقدك كل قريب
فوقعت في الحسرة وجفتك العبرة وبطل منك اللسان بعد الفصاحة والبيان وأدرجت
في الأكفان وأزعجت عن الأوطان وصار القبر مأواك وإلى يوم القيامة مثواك
وفارقك الأهل والإخوان ووقع بهم عنك السلو والنسيان فإن كان لك منزل سكنوه
أو كنت ذا مال اقتسموه
وأنشدوا
يا عجبا للأرض ما تشبع
وكل حي فوقها يفجع
ابتلعت عادا فأفنتهم
وبعد عاد أهلكت بتبع
وقوم نوح أدخلت بطنها
فظهرها من جمعهم بلقع
يا أيها الراضي بما قد مضى
هل لك فيما قد مضى مطمع
58 اذكر الموت
يا هذا اذكر ما وصفته واحفظ ما حكيته وعليك بالصوم والاجتهاد والطاعة لرب
العباد ومراقبته في الليل والنهار والتضرع إليه في ظلمات الأسحار
يا هذا عمرك أنفاس معدودة وعليك رقيب يحصيها لا تنس الموت فإنه لا ينساك
المبادرة المبادرة إنما هي أنفاس لو حبست عنك لانقطع عنك عملك آخر الأبد
وخروج نفسك آخر الأمد وفراق أهلك آخر العدد
وأنشدوا
} إذا ما الموت جر على أناس كلا كله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
فاذكر حالك أيها الغافل يوم تقلبك على المغتسل يد الغاسل قد زال عزك عنك
وسلب مالك منك وأخرجت من بين أحبابك وجهزت لترابك وأسلمت إلى الدود وصرت
رهنا بين اللحود وبكى عليك الباكون قليلا ثم نسوك دهرا طويلا فتغيرت منك
المحاسن والمحلى وتحكم في أعضائك البلى وقطعت في الأكفان وسعى إليك
الديدان فبلى منك اللسان وسالت الحدق كأنك لم تكن قط ممن رأى ولا نطق
وأنشدوا
فلو أنا إذا متنا تركنا
لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا
ونسأل بعدها عن كل شيء
ابن آدم كأنك بالموت قد حل بساحتك وحال بينك وبين ما تريد وأنت في النزع
والكرب الشديد لا والد يدفع عنك ولا وليد ولا عدة تنجيك ولا عديد ولا
عشيرة تحميك ولا قصر مشيد
أليس ذلك نازل بك على كل حال أي وعزة الكبير المتعال فإنك الآن حين ينفعك
البكاء والاستكانة قبل حلول الحسرة والندامة
وأنشدوا
يا من يموت ويسأل
عما يقول ويفعل
إن الموكل بالنفوس
إذا أتى لا يمهل
والنار منزل من عصى
والنار بئس المنزل
59 موعظة حسنة
يا ابن آدم بادر إلى حسن العمل بينا أنت في فسحة ومهل وتب إلى مولاك من
قبيح الخطايا والزلل قبل أن يقال فلان عليل أو مدنف ثقيل فهل إلى دوائه
سبيل أو على طبيب من دليل فتدعى لك الأطباء ويجمع لك الدواء فلا يزيدك ذلك
إلا بلاء
وقد اجتمعه عندك الإخوان والأحباء والأهل والأقرباء وكثر حولك البكاء ثم
يقال حشرج ونفسه توشك أن تخرج وأنت تعاين الأمر العظيم بعد اللذة والنعيم
وعدلت ببصرك عن القريب والحميم وحل بك القضاء وخرجت الروح من الأعضاء ثم
عرج بها إلى السماء فيا لها من سعادة أو شقاء
وأنشدوا
} فلو يكن شيء سوى الموت والبلى وتفريق أعضاء ولحم مبدد
لكنت حقيقا يا ابن آدم بالبكا
على نائبات الدهر مع كل مسعد
فاستعذ من ذنوبك يا مسكين قبل عرق الجبين وانتشار العرقين وقبل
مد الشمال وقبض اليمين وتضعيف قوتك بالأنين ويكثر حواليك البكا والحنين
وجرت دموعك لمفارقة الأهل والبنين ولا ينفعك ما جمعت من الأموال في الشهور
والسنين ثم أنت في قبرك لعملك رهين إلى يوم عرضك على أسرع الحاسبين
قد تغير جسمك في الجنادل والتراب بعد تنعمك بدقائق الشباب
وأنشدوا
من لم يطأ منا التراب برجله
وطئ التراب بنضرة الخد
لو كشفت للناس أغطية البلى
لم يعرفوا المولى من العبد
من كان بينك في التراب وبينه
شبران كان بموضع البعد
60 أسماء العباد
ذكر في بعض الأخبار أن لله سبحانه وتعالى شجرة فرعها تحت العرش مكتوب على
كل ورقة من أوراقها اسم عبد من عبيده فإذا جاء أجل العبد سقطت تلك الورقة
التي فيها اسمه في حجر ملك الموت فأخذ روحه في الوقت
وأنشدوا
} إني لعبت وحادي الموت في طلبي وإن في الموت شغل لي عن اللعب
لو شمرت مهجتي فيما خلقت له ما اشتد حرصي على الدنيا ولا كلبي
سبحان ربي فلا شيء يعادله إن الحريص على الدنيا لفي تعب
لا تغترر بديار لا مقام بها واقصد لدارك إن الموت في الطلب
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ما من يوم إلا وملكان
يناديان يا أهل الدنيا ولدتم للموت وتبنون للخراب وأنتم محاسبون ومعذبون
عند ربكم {
وأنشدوا
} عجبت لجازع باك مصاب بأهل أو حميم ذي اكتئاب {
} شقيق الجيب داعي الويل جهلا كأن الموت كالشيء العجاب {
} وسوى الله فيه الخلق حتى
نبي الله فيه لم يحابي {
} له ملك ينادي كل يوم لدوا للموت وابنوا للخراب {
} لمن نبني ونحن إلى تراب نعود كما خلقنا من تراب {
ألا يا موت لم أر منك بدا
أتيت فلا تحيف ولا تحابي
كأنك قد هجمت على مشيبي
كما هجم المشيب على الشباب
قيل مر رجل على خراب فسمع إنسانا ينشد هذه الأبيات
قل للذين بنوا ديارا عالية
وتنافسوا والموت منهم دانية
شيدتموها راغبين وأنتم
تردوا القبور وتتركوها خالية
أين الملوك وأين ما قد جمعوا
وجيوشهم وعبيدهم وزبانية
تحت التراب تقطعت أوصالهم
وأكفهم بعد الأعنة بالية
ثم قرأ { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون } ص 68
61 نوح وزهده
ذكر في بعض الأخبار أن جبريل عليه السلام هبط على نوح عليه السلام قال
فوجده قد عمل خصا على البحر فقال أيش هذا يا نوح فقال يا جبريل هذا لمن
يموت كثير فقال له جبريل عليه السلام لتأتين أمة أعمارهم من الستين إلى
السبعين يبنون بالحصى والآجر والحجر فقال نوح عليه السلام ما كان على
هؤلاء إنهم يستفون الرماد حتى يموتوا
وأنشدوا
} لو كنت تعقل يا مغرور ما برقت عيناك للناس من خوف ومن حذر
} ما بال قوم سهام الموت تخطفهم يفاخرون برفع الطين والمدر
62 عيسى والجمجمة
روي أن عيسى عليه السلام مر بجمجمة فقذفها برجله وقال تكلمي بإذن الله
تعالى قالت يا روح الله أنا مالك زمام كذا وكذا بينا أنا جالس في ملكي
وعلى رأسي تاجي وحولي جنودي وحشمي إذ بدا لي ملك الموت فأزال مني كل عضو
على حياله ثم خرجت نفسي فيا ليت ما كان من ذلك الجمع كان فرقة وما كان من
ذلك الأنس كان وحشة
فما ظنك يا عاصي بصفحة ملك الموت إذا بدت وعاينتها عند كشف الغطاء فتنظر
إليها بطرف كليل وقلب وجل ثم تسل الروح للخروج فلا تخرج حتى تسمع نغمة ملك
الموت بإحدى البشارتين ابشر يا عدو الله بالنار أو ابشر يا ولي الله بالجنة
وأنشدوا
يخيل لي بكاء القوم حولي
وقولهم ألا أزف الرحيل
وما يغني البكاء إذا تقضى
لدى عمري وإن كثر العويل
فخذ للموت أهبته فأما
نجاة بعد أو هول طويل
63 عمرو بن العاص عند موته
روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال لإبنه عند الموت
ليتني ألقي رجلا عاقلا عند نزول الموت يخبرني بما يجد فقال له ابنه قد نزل
بك الموت فصف لي الذي تجد فقال لي يا بني كأن في تحت وكأن غصن شوك يخرج من
قدمي إلى هامتي وكأني أتنفس من سم إبرة
ثم مد يده وقال اللهم لا قوي فأنتصر ولا بريء فأعتذر اللهم إني مقر مذنب
مستغفر
ثم مات رضي الله عنه
وأنشدوا
} للموت فاعمل بجد أيها الرجل واعلم بأنك من دنياك مرتحل
إلى متى أنت في لهو وفي لعب تمسي وتصبح في اللذات مشتغل
كأنني بك يا ذا الشيب في كرب بين الأحبة قد أودى بك الأجل
لما رأوك صريعا بينهم جزعوا وودعوك وقالوا قد مضى الرجل
فاعمل لنفسك يا مسكين في مهل ما دام ينفعك التذكار والعمل
إن التقي جنان الخلد مسكنه ينال حورا عليها التاج والحلل
} والمجرمين بنار لا خمود لها في كل وقت من الأوقات تشتعل
64 سليمان وملك الموت
روي أن ملك الموت كان صديقا لسليمان عليه السلام وكان يزوره أبدا فدخل
عليه يوما وعنده رجل يكلمه سليمان فجعل ملك الموت ينظر إلى الرجل الذي مع
سليمان نظرا منكرا فقال الرجل لسليمان بعد خروج ملك الموت يا نبي الله من
هذا الداخل عليك آنفا فقال ملك الموت فقال له لقد رايته يجد النظر إلي
ولكن لي إليك حاجة قال وما هي قال تأمر الريح أن تحملني إلى الهند
فأمر سليمان الريح فحملته إلى الهند ثم قال سليمان بعد أيام لملك الموت
وجدت عندي منذ أيام رجلا فنظرت إليه نظرا منكرا فقال ملك الموت كنت
أعجب منه أمرت بقبض روحه في ذلك اليوم بجزائر الهند وهو عندك بالشام
فقبض روحه في ذلك اليوم بالهند
وأنشدوا
الموت بحر يهاب المرء مورده
وكل يوم له من كأسه جرع
لا صحة المرء في الدنيا تؤخره
ولا يقدم يوما موته الوجع
وكل يوم علينا في فجائعه
طير يحوم فلا ندري بمن يقع
65 سعيد بن المسيب والجني
روي أن سعيد بن المسيب دخل يوما مسجد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فجعل
يلتفت في أركان المسجد يتفكر فيمن أدرك من أصحاب النبي {صلى الله عليه
وسلم} ثم بكى وجعل يقول
} ألا ذهب الحماة واسلموني فوا اسفا على فقد الحماة
تولوا للقبور فاسقموني فوا اسفا على فقد الثقاة
فأجابه هاتف من ركن المسجد بصوت محزون من كبد مشجون وهو يقول
فدع عنك الثقاة فقد تولوا ونفسك فابكها حين الممات
فكل جماعة لا بد يوما يفرق بينهم وقع الشتات
فقال سعيد من أنت فقد زدتني حزنا فقال أنا من مؤمني الجن كنا في
هذا المسجد سبعين رجلا فأتى الموت على جماعتنا كما أتى على جماعتك ولم يبق
منهم غيري كما لم يبق من الإنس غيرك وإنا بهم لاحقون فإنا لله وإنا إليه
راجعون
وأنشدوا
جرت الرياح على جميع ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد
} فأرى النعيم وكل ما يلهى به يوما يصير إلى بلى ونفاد
66 صلحاء الجن
وذكر عن بعض العباد أنه كان يصلي فقرأ هذه الآية { كل نفس ذائقة الموت }
آل عمران 185 الأنبياء 35 العنكبوت 57
وجعل يتدبرها ويرددها فسمع قائلا يقول يا هذا كم تردد هذه الآية فوالله
لقد قتلت بها أربعة من الجن ما رفعوا رؤوسهم إلى السماء قط حياء من الله
تعالى ولقد ماتوا من ترديدك هذه الآية
وأنشدوا
ليس ينجو المقصوص من ملك الموت
إذا جاءه ولا الطيار
للمنايا وإنما للمنايا
خلق الطفل والشيوخ الكبار
كم رأينا من سادة وملوك
ما على الأرض منهم ديار
67 العبد وربه
حكي عن بعض العارفين أنه قال إن الله سبحانه يسر إلى عبده سرين يخبره ذلك
بإلهام يلهمه أحدهما إذا ولد وخرج من ظلمة بطن أمه يقول له عبدي قد أخرجتك
إلى الدنيا طاهرا نقيا نظيفا وسر عند خروج روحه يقول له عبدي ما صنعت في
أمانتي عندك هل حفظتها حتى تلقاني على الوفاء والعهد والرعاية فألقاك
بالوفاء والجزاء أو ضيعتها فألقاك بالمطالبة والعذاب وأنشدوا
} يا من تقدم جده وابوه وصديقه سكن الثرى وأخوه
وغدا إلى دار البلى أترابه ومضى إلى حفر القبور بنوه
ورأى مصارع إخوة وقرابة بين الثرى في برزخ سكنوه
ألا أتيت قبورهم فسألتها عنهم وعن ما في القبور لقوه
فلتخبرنك أن أحكام البلى تجري عليهم هموا وطنوه
وليخبرنك أنهم وجدوا الذي عملوه مكتوبا كما عملوه
ما زادت الحفظاء في أعمالهم مثقال خردلة ولا نقصوه
يا معشر الإخوان إن سبيلكم كسبيلهم في كل ما سلكوه
ولكم نصيب في البلى كنصيبهم وكأنه قد حل فانتظروه
ومحجب قد غرهم بحجابه لما أتاه الموت ما حجبوه
لكنهم سجوه فوق سريره وتكفلوه بأربع حملوه
ساروا به حتى إلى دار البلى بيت له تحت الثرى قبره
حتى إذا ما غيبته أكفهم بين الجنادل في الثرى تركوه
} وتفرقوا على بابه وتبدلوا وتبدلوا بابا سواه وغيروا ونسوه
68 عمر بن الخطاب وعظته
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أكثروا من ذكر هازم اللذات فإنكم
لا تذكرونه في قليل إلا كفى وأجزى ولا في كثير إلا قلله
فالله الله عباد الله اجتهدوا واستعدوا للموت وبادروا آجالكم قبل الفوت
تفوزوا بالجنان في دار الرحمن
وأنشدوا
لملك الموت في الدنيا ديون
تحل فليس يمطلها المطول
وكل العالمين بها ملي
فليس له على أحد جميل
سواء إذ يحل على غريم
عليه ذو التعزز والذليل
فالله الله معاشر المسرفين لا تغتروا بالعز والمال فإن الموت لا يهاب
الكبير الجليل ولا يرحم الحقير الذليل فكونوا منه على حذر وأعدوا له صالح
الأعمال من قبل أن يأتي يوم لا حيلة فيه لمحتال
يا إخواني إلى كم هذه الغفلة إلى كم هذا التمادي في البطالة والاغترار
بالمهلة وأنشدوا
يا أيها الناس كان لي أمل
قصر عن بلوغه الأجل
ما أنا وحدي نقلت حيث تروا
كل إلى مثله ينتقل
فليتق الله ربه رجل
أمكنه في حياته العمل
69 حث النبي أصحابه على ذكر الموت
روي أن النبي {صلى الله عليه وسلم} كان في بيت بعض نسائه إذ سمع صوتا في
مجلس من مجالس أصحابه وقد استعلى على حديثهم الضحك فخرج عليهم صلوات الله
وسلامه عليه حتى قام على رؤوسهم فقال أرى الضحك قد غلب على مجلسكم هذا
أفلا تذكرون مكدر اللذات في أثناء حديثكم قالوا وما مكدر اللذات يا نبي
الله قال ذكر الموت فبكى أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بأجمعهم
فإذا كان أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مصابيح الإسلام
وقادة الأنام السادة الكرام رجع ضحكهم بكاء من هول يوم الحمام وقد أفنوا
أعمارهم في طاعة ذي الجلال والإكرام وقطعوا أيامهم في العمل بالسنة
والأحكام فكيف بمن تمادى في المعاصي والإجرام والطغيان والآثام وأكلوا
الربا والحرام وأموال الضعفاء والأيتام
وأنشدوا
} الموت في كل حين ينشر الكفنا ونحن في غفلة عما يراد بنا
لا تطمئن إلى الدنيا وزهرتها وإن توشحت من أثوابها المحنا
أين الأحبة والجيران ما فعلوا أين الذين همو كانوا لنا سكنا
سقاهم الدهر كأسا غير صافية
فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا
فالله الله معاشر المذنبين لا تشغلوا عمن يطلبكم ولا تنسوا من لا ينساكم
وقد خلقكم الله تعالى وخلق آجالكم من قبل أن تأتي ساعة السكرات والندم على
ما فات فهيهات هيهات ثم هيهات هيهات
وأنشدوا
إسمع فقد أسمعك الصوت
إن لم تبادر فهو الفوت
بل كان ما شئت وعش سالما
آخر هذا كله الموت
يا أخي إذا جاءك الموت لا ينفعك ما جمعته ولا ينجيك ما اكتسبته فامهد
لنفسك قبل مفارقة الأحباب والجيران والأصحاب والخروج من الديار إلى منازل
الدود والتراب وبيوت الوحشة والعذاب إلا أن يعفو الملك الوهاب فتفكروا يا
أولي الألباب يا معشر الشيب والشباب
وأنشدوا
مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا
وأعقبه يوم عليك شهيد
فإن تك بالأمس اجترحت إساءة
فبادر بإحسان وأنت حميد
ولا تبق فعل الصالحات إلى غد
لعل غدا يأتي وأنت فقيد
إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت
حميمك فاعلم أنها ستعود
70 ذكر الموت والعمل
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ما أكثر رجل ذكر الموت إلا
زاد ذلك في عمله فيا إخواني أكثروا ذكره لعل الله أن يهونه عليكم ويرحمكم
عند نزوله بكم واجعلوا الموت عند منامكم مهادا وعند قيامكم سهادا
واستعدوا بكثير الحسنات واجتناب الأوزار والسيئات
فرحم الله امرأ رحم نفسه ونظر إليها وذكر رمسه
وأنشدوا
نغص الموت ويحكم كل طيب
ودهاني بفقد كل حبيب
كم وكم قد رأيت من حدث السن
عزيز كغصن بان رطيب
حس بالموت فانثنى بانكسار
واضعا خده بذل عجيب
قائلا إخوتي سلام عليكم
إذ دنت شمس مدتي بالمغيب
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ما أكثر رجل ذكر الموت
إلا ترك الفرح
والحيد والرغبة { يا أخي لو كان عندنا علم أنه لا يموت منا إلا رجل واحد
لا يعلم من هو فينا لكان الواجب علينا أن لا ترقأ لنا دمعة خوفا من الموت
فكيف ونحن على يقين أنه لا يبقى منا أحد
وانشدوا
يلقى الفتى حذر المنية كارها
منها وقد حدقت به لو يشعر
نصبت حبائلها له من حوله
فإذا أتاه يومه لا ينذر
إن امرأ أمسى أبوه وأمه
تحت التراب لواجب يتفكر
تعطي صحيفتك التي أمليتها
فترى الذي فيها إذا ما تنشر
حسناتها محشوة قد أحصيت
والسيئات فأي ذلك أكثر
فابكوا معاشر المذنبين على ساعة لا بد منها أما ترون الموت قد أفنى الأمم
الماضية وقتل القرون الخالية وهدم القصور العالية عطل عشارهم وخرب ديارهم
وهدم منازلهم وقطع آثارهم وقطف أعمارهم ولم ينفعهم ما جمعوا ولم يحصنهم ما
بنوا وصنعوا قد صاروا في القبور رميما ولقوا من الموت والأهوال أمرا عظيما
فهذا دليل على أن الموت لا يترك أحدا من المخلوقين حتى يتوفاهم وينقلهم
إلى التراب أجمعين
71 حكاية في الزهد
روي عن عمرو بن مرة أنه قال ذكر عند رسول الله {صلى الله عليه وسلم} رجل
فأثنوا عليه فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كيف زهده في الدنيا
وتركه لما يشتهي منها قالوا إنه ليصيب منها
قال فكيف ذكره للموت قالوا ما سمعناه يكثر ذكره
قال ليس صاحبكم هناك فمن لم يكثر ذكر الموت ولا يترك الرغبة في حطام
الدنيا فلا خير فيه والله أعلم
وأنشدوا
إنما الدنيا بلاغ
ليس في الدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت
نسجته العنكبوت
ليس للطالب فيها
كل يوم غير قوت
كل من كان عليها
عن قليل سيموت
فالله الله بادروا العمر اليسير والأجل القصير قبل نزول ملك الموت بالهول
العظيم الكبير فالموت يقصم الأصلاب ويذب الرقاب ويرد كل مخلوق إلى
التراب ويقرب المؤمن الطائع إلى الجنة المآب ويسوق الفاجر العاصي
إلى أليم العذاب فتفكروا في الموت يا أهل الفناء والذهاب
وأنشدوا
هل للفتى من عثار الدهر من واق
أم هل له من حمام الموت من راق
قد رجلوني وما بالشعر من شعث
ولبسوني ثيابا غير أخلاق
وكفنوني وقالوا أيما رجل
وأدرجوني كأني طي مخراق
هون عليك ولا تولع بإشفاق
فإنما مالنا للوارث الباقي
72 عظة ابن مسعود
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ليس بغافل ولا ذاكر للموت من عد
غدا من أجله فرب مستقبل يوما لا يستكمله ومؤمل غدا لا يبلغه لو أبصرتم
الأجل ومروره لأبغضتم الأمل وغروره
فيا عجبا للفروع ذهبت أصولها وللنجوم قد آن أفولها
73 الداء والدواء
روي أن رجلا جاء إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقال يا أم المؤمنين
إن بي داء فهل عندك دواء قالت وما داؤك قال القسوة قالت بئس الداء داؤك عد
المرضى واشهد الجنائز وتوقع الموت
فالله الله يا اعراض المنية ويا أبواب الرزية لا تنسوا الموت الذي كتبه
الله على العباد المخرب الأقطار والبلاد وكونوا منه على حذر واستعداد يا
أبدان الأسقام ويا أعراض الحمام
أنشدوا
} من كان يعلم أن الموت مدرجه والقبر منزله والبعث مخرجه
وأنه بين حيات ستنهشه يوم القيامة أو نار تنضجه
فكل شيء سوى التقوى به سمج وما اقام عليه من أسمجه
} ترى الذي اتخذ الدنيا له وطنا لم يدر أن المنايا سوف تزعجه
74 عظة عمر بن عبد العزيز
روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه كان يقول أيها الناس ما الجزع
مما لا بد منه وما الطمع فيما لا يرجى وما الحيلة فيما لا يزول وإنما
الشيء من أصله وقد مضت من قبلنا أصول نحن فروعها فما بقاء الفروع بعد
الأصل فكل ما هو آت قريب
أيها الناس إنما أنتم في الدنيا أغراض تتنصل فيكم المنايا ونهب
للمصائب ومعدن للنوائب مع كل أكلة غصص ومع كل شربة شرق ألا تنالون نعمة
إلا بفراق أخرى ولا يعمر فيكم معمر لا بهدم آخر من أجله وأنتم أعوان
الحتوف على أنفسكم فأين المهرب مما هو كائن فالله الله يا إخواني لا
تركنوا إلى طول الأمل ولا تنسوا اقتراب الأجل فالموت لا بد منه
وأنشدوا
آه على سفرة بغير إياب
آه من حسرة على الأحباب
آه من سكرة بغير سراب
آه من ركبة بغير ركاب
آه من مضجعي وحيدا فريدا
بين فرش من الحصى والتراب
يا إخواني هل رأيتم أحدا خلد في الدنيا حتى تكونوا مخلدين أم أنتم من
الرحيل إلى الآخرة على شك فتكونوا بالقرآن كافرين فوالله لو كان الأمر
كذلك لخلد خاتم النبيين لقد رانت على قلوبكم سترة الغافلين واستحوذ على
نفوسكم كيد الشيطان اللعين حتى نسيتم الموت المفرق لجمع الجامعين
وأنشدوا
ليس دوام البقاء للخلق لكن
دوام البقاء للخلاق
غلب الموت حيلة كل محتال
واعي بدائه كل راق
عطفت شدة الزمان فأدته
إلى فاقة وضيق خناق
لا يغرنك الغرور من الدنيا
فمنها شدائد بسياق
75 القرآن والموت واعظان
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } تركت فيكم واعظين ناطقا
وصامتا فالناطق القرآن والصامت الموت مساكين فلا بالقرآن عملتم ولا في
الموت تفكرتم تمسون وتصبحون وقلوبكم معلقة بعلائق الدنيا ما عندكم من
الموت خبر ولا أنتم منه على حذر قلوبكم خالية من خوف الرحمن عامرة بخدوع
الشيطان كأنكم قد أمنتم الموت وطوارق الحدثان
وأنشدوا
} ركبت جموح الغي في سبل الصبا لم تدر أن النائبات تنوب
وجررت أذيال البطالة لاهيا
كأنك لم يكتب عليك ذنوب
أمليت كتاب الشمال صحائفا
بكثرة ما تأتي ولست تتوب
ومهما يغب عنك الحمام لمدة
ستبلغها حتما وأنت كئيب
فقل لي إذا وافى على غير أهبة
بأي جواب إن دعيت تجيب
فالله الله عباد الله عظوا أنفسكم بآبائكم وأحبابكم وجيرانكم
وإخوانكم فإن في ذلك بلاغا لم تذكر وعبرة لم تفكر إخوانكم كانوا بالأمس
معكم يأكلون ما تأكلون ويلبسون مما تلبسون فاصبحوا اليوم وقد صارت القبور
لهم بيوتا وصاروا بين أطباق الثرى خفوتا قد قسم الوارث أموالهم ونكح العدو
والصديق عيالهم وأهان العدو أطفالهم
قد هتكت منهم الأستار واستوحشت منهم الديار وتحدثت عنهم الأخبار
وأنشدوا
رأيت الموت لا يبقي خليلا
على خل وإن عاشا زمانا
فكن منه على حذر فإني
رأيت الموت لا يعطي أمانا
أنسنا غرة منه كأنا
بما نعني به يعني سوانا
وكم للموت من دار ودار
أبان عميرها عنها فبانا
فكم ذي نخوة وعزيز قوم
أذل الموت عزته فهانا
كأنا قد نظرنا عن قريب
إلى ما قد وعدناه عيانا
76 شدة الموت
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه ذكر الموت وغمه وكربه فقال }
هو أشد من ثلاثمائة ضربة بالسيف فيا معشر الموقنين بنزوله ما هذه الفترة
وما هذه السكرة من ذكر الموت قل فرحه وحسده ورغبته
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه كان إذا رأى فترة أو غفلة من
الناس وقف بباب المسجد فأخذ بأعضاد الباب ثم صاح بأعلا صوته يا أيها الناس
الموت الموت جاءكم الموت بالوحية سعادة أو شقوة جاءكم الموت بما جاء به
بالروح والراحة والكرامة الرابحة في جنة عالية لأولياء الله من أهل دار
الخلود الذين سعيهم لها ورغبتهم فيها ألا إن لكل ساع غاية وغاية كل ساع
الموت جاءكم الموت بما جاء به بالخزي والندامة والمكرمة الخاسرة في نار
حامية لأولياء الشيطان من أهل
دار الغرور الذين سعيهم لها ورغبتهم فيها ألا إن لكل ساع غاية وغاية كل
ساع الموت فسابق ومسبوق
فالله الله يا إخواني كونوا من السابقين ولا تكونوا من الخاسرين وكونوا من
الموت على تحقيق ويقين
وأنشدوا
أراك بما ترضى به النفس والهوى
ويغضب منه الله صرت تدين
وقلبك لا يزداد إلا قساوة
فداركه بالذكرى عساه يلين
فإن كنت في شك من الموت فاعتبر
بمن قد مضى يزداد منك يقين
كأني بك استغرقت في غمراته
وجاءك من بعد الحراك سكون
وقد حشرجت في الصدر منك وأسلبت
بأدمعها تجري عليك عيون
فقل لي إذا وسدت ويحك في البلى
وهيل عليك الترب كيف تكون
77 تمني الموت
عباد الله تذاكروا أعماركم قبل الفوت وتأهبوا لأهوال غصص الموت
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لا تتمنوا الموت فإن هول
المطلع شديد وإن من سعادة المرء أن يرزقه الله تعالى الإنابة إليه ويطيل
عمره فإنا لله وإنا إليه راجعون على من طال عمره وساء عمله ولا تنفعه
الموعظة فمن كان منا كذلك فقد عظمت خسارته وما ربحت تجارته
وأنشدوا
} نودي بصوت أيما صوت ما أقرب الحي من الموت
كأن أهل الحي في غيهم قد أخذوا أمنا من الموت
كم من صحيح عامر بيته لم يمس إلا خارب البيت
} كم وكم حي بكى ميتا فأصبح الحي مع الميت
78 دعاء مجرب
اللهم يا أكرم الأكرمين تفضل علينا وعلى جميع المذنبين بتوبة تنقلنا من ذل
المعصية إلى عز الطاعة وثبتنا عليها حتى تخرجنا من الدنيا بلا ذل ولا
تباعه على منهاج أهل السنة والجماعة الذين أوجبت لهم الرحمة والشفاعة
اللهم إن الطاعة بقدرك والمعاصي وفي قبضتك القلوب والنواصي فطهر قلوبنا
بماء
التوبة واغسلها من دنس الحوبة ومتعنا بالسلامة في ديننا ودنيانا ما
أبقيتنا ولا تردنا على أعقابنا بعد إذ هديتنا وصلى الله على محمد خاتم
النبيين وخير المرسلين واحشرنا تحت لوائه أجمعين على منهاجه وسنته غير
مبدلين ولا مغيرين موفقين معصومين غير مغضوب علينا ولا ضالين يا أرحم
الراحمين { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } يونس 10 ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم
والله أعلم
1 مجلس في موت الأنبياء والأولياء الصالحين
279 وهو قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت } آل عمران 185 معاشر
الموتى وأبناء الموتى أنتم موتى بلا محالة وإنما سبقكم إخوانكم إلى مناخ
القبور فإذا استكمل ولد آدم من أولهم وآخرهم قام الكل للعرض والنشور على
الملك الغفور فاستعدوا لذلك المقام واجتنبوا الأوزار والآثام وبادروا
بالتوبة قبل نزول الحمام
80 صفة الموت
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } الموت غصن كثير الشوك أدخل
في جوف رجل أخذت كل شوكة بعرق ثم جذبه رجل شديد الجذب فأخذ ما أخذ وابقى
ما أبقى {
وأنشدوا
} يا من سينأى مسرعا
كما نأى عنه ابوه {
} مثل بقلبك قولهم جاء اليقين فلقنوه {
} وتحللوا من ظلمه قبل الفراق وودعوه {
فالله الله عباد الله لا تضيعوا أعماركم في الباطلات ولا تفنوا أيامكم في
الجهالات واذكروا الموت مفرق الأحباب وقاطع الأنساب ومذب الرقاب وقاصم
الجبابرة والأرباب مهلك الآباء والأمهات وقاتل الأخوة والأخوات ومبيد
الجيران والقرابات الموت يقطع أموالكم ويغير أحوالكم ويرمل نساءكم وييتم
أطفالكم فلا يبقى منكم خليلا ولا حبيبا ولا جاهلا ولا أديبا
وأنشدوا
} الموت أفنى من مضى
والموت يفني من بقي {
} والموت يجمع في الثرى بين المنعم والشقي {
يا مسكين أنفقت مالك في بنيان الدور وتشييد القصور ونسيت الموت والتحول
إلى ظلمة القبور ثاويا فيها إلى يوم النشور وأنشدوا
ألا للخراب بنى العامرونا
وللموت ما ولد الوالدونا
وعما قليل يرى الآخرون
عجائب ما قد رأى الأولونا
ويشقى أناس بما جمعوا
ويسعد بالقلة الزاهدونا
ولا يرحمون إذا ما بكوا
ولا يرتجي الرحمة الظالمونا
ويسأل قوم هناك الرجوع
فلا يرجعون ولا يكرمونا
اعلم يا مسكين أن المنية خير من الحياة الدنية يا ابن آدم الرقاد والله
تحت التراب خير لمعصيتك لرب الأرباب
81 عظة الموت
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } كفى بالموت واعظا
وكفى بالعبادة شغلا وكفى بالقين غناء { واعلموا عباد الله أنه لا أمة بعد
أمتكم ولا نبي بعد نبيكم وإنما ينتظر بأولكم أن يلحق آخركم ثم يجمعون في
عرصة القيامة لوقوع الحسرة والندامة عند ذلك لا ينفعكم مال ولا بنون ويحال
بينكم وبين ما تشتهون ويحيق بكم ما كنتم به تستهزؤون
وأنشدوا
} كل حي وإن بقي
فمن الموت يستقي {
} فاعمل اليوم واجتهد بادر اليوم يا شقي
82 أبو العتاهية الشاعر
ذكر عن أبي العتاهية رحمه الله أنه دخل يوما على الرشيد فقال له الرشيد
أنشدني فقال اجعل لي الأمان قال أنت آمن فأنشأ وأنشد
} لا تأمن الموت في طرف ولا نفس وإن تسترت بالحجاب والحرس {
} واعلم بأن سهام الموت قاصدة
لكل مدرع منا ومترس {
} ما بال دينك ترضى أن تدنسه وثوبك الدهر مغسول من الدنس {
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس
فاعلموا يا معشر بني آدم أن الموت لا يترك منكم أحدا ولا يرحم والدا ولا
ولدا فاجعلوه بين أعينكم منصوبا فإنه لا يترك الفرح كئيبا مكروبا فيقيننا
يقين من يموت وأعمالنا أعمال من لا يموت كأن يقيننا بالموت مشوبا بالشك
وكأن إيماننا بالبعث ممزوجا بالإفك ما هذه حال من أيقن بالحمام يعصي مولاه
في الليالي والأيام
وأنشدوا
نحن من العمر في ظنون
وفي يقين من المنون
ثمت لا نذكر المنايا
أليس ذا غاية الجنون
83 مثل الدنيا والموت
ذكر عن بعض الصالحين أنه قال رأيت في المنام رجلا وهو في برية
وأمامه غزالة وهو يجري خلفها وهي تفر منه وأسد كأعظم ما يكون خلقة وقد هم
أن يلحقه والرجل يرد رأسه وينظر إلى الأسد فلا يجزع منه ثم يجري خلف
الغزالة حتى لحق به الأسد فقتله فوقفت الغزالة تنظر إليه وهو مقتول إذ جاء
رجل آخر قد فعل ما فعله المقتول فقتله الأسد ولم يدرك الغزالة فخرج آخر
ففعل كذلك قال فما زلت أعد واحدا بعد واحد حتى عددت مائة رجل صرعى
والغزالة واقفة فقلت إن هذا لعجب فقال الأسد مم تعجب أو ما تدري من أنا
ومن هذه الغزالة فقلت لا فقال أنا ملك الموت وهذه الغزالة الدنيا وهؤلاء
أهلها يجدون في طلبها وأنا أقتلهم واحدا بعد واحد حتى آتي على آخرهن
فاستيقظت فزعا مرعوبا وأنشدوا
} حتى متى وإلى متى نتوانى وأظن هذا كله نسيانا
والموت يطلبنا حثيثا مسرعا إن لم يزرنا بكرة مسانا
إنا لنوعظ بكرة وعشية وكأنما يعني بذاك سوانا
غلب اليقين على التشكك في الردى حتى كأني قد أراه عيانا
يا من يصير غدا إلى دار البلى ويفارق الإخوان والخلانا
إن الأماكن في المعاد عزيزة فاختر لنفسك إن عقلت مكانا
وانظر لنفسك إن أردت تعزها قبل الممات ولا تكن مهوانا
واعلموا عباد الله أن ما من جماعة وإن كثرت إلا والموت يقللها حتى يفنيها
عن آخرها وإنما أعمارها عوار والعارية لا تبقى يرجع الكل إلى الله تعالى
يفصل بينهم بالحق وهو خير الفاصلين فشقي وسعيد ومنهم ومعذب
وأنشدوا
وما أهل الحياة لنا بأهل
ولا دار الفناء لنا بدار
وما أموالنا إلا عوار
سيأخذها المعير من المعار
84 ملاقاة الأرواح
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إذا عرج بروح المؤمن تلقته
أرواح المؤمنين بالرحمة والبشرى كما يتلقى الغائب في الدنيا ثم يقبلون
عليه فيسألونه فيقولون ما فعل فلان وما حاله فيقول بخير تركته والله على
طريقة حسنة
فيقولون يا ربنا أنت هديته لذلك فثبته عليه حتى تقبضه وإن سألوه
عن إنسان قد مات فيقول قد هلك فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون عمل والله
بغير عملنا فسلك به غير طريقنا ذهب والله به إلى أمة الهاوية بئست الأم
وبئست المربية
85 أعمال الأحياء والأموات
قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } تعرض على الموتى أعمالكم فإن رأوا
خيرا استبشروا به وقالوا اللهم هذه نعمتك فأتممها على عبدك وإن رأوا سيئة
اغتموا لها وقالوا اللهم راجع بعبدك قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} }
فلا تحزنوا أمواتكم بأعمالكم السيئة فإن أعمالكم تعرض عليهم فالله الله
عباد الله اجتهدوا في اكتساب الحسنات واجتنبوا في ليلكم ونهاركم السيئات
فإن ذلك محزن الأهل والأقربين من الأموات
وأعملوا في صحتكم قبل السقم وقدموا في شبابكم قبل الهرم فإن الموت إذا جاء
لا يرجع وسهامه إذا فوقها لا تدفع وكأسه إذا أدارها لاتنزع حياضه مورودة
وساعاته معدودة وأهواله مشهودة والحيلة عند نزوله مفقودة غير موجودة
وأنشدوا
الموت حتم حوضه مورود
والموت يفني جمعنا ويبيد
والموت يحكم في النفوس بحتفها
وله على تنفيذ ذاك جنود
والموت يفسد مهجة الملك الذي
قد عززته عساكر وجنود
وقلوبنا في كل ذا مشغوفة
حبا لدار زهرها معقود
وإلى متى تهوى الذي هو هلكها
وإلى متى لا تنثني وتعود
الله الله يا أعراض المنية ويا أبواب البلية ويا معادن الرزية
أفيقوا من هذا الوسن قبل أن تزودوا من أموالكم بحنوط وكفن
إذا تبرأ منكم الحبيب وأنكر معرفتكم القريب وصار كل واحد منكم كأنه أجنبي
وغريب
وأنشدوا
الموت باب وكل الناس داخله
فليت شعري بعد الباب ما الدار
الدار دار نعيم إن عملت بما
يرضى الإله وإن خالفت فالنار
86 المثابرة
يا أخي بالله عليك لو أتاك الحمام ولك ملك الدنيا أما كنت تختار عيش يوم
بالجميع فبادر ما دمت في فسحة من العمر قبل أن يضيق عليك الأمر لو صيح بك
الليلة أجب الداعي أما كنت نادما على ما قدمت وباكيا على ما فرطت وأنشدوا
} الموت بحر طامح موجه تذهب فيه حيلة السابح
يا نفس إني قائل فاسمعي مقالة من مشفق ناصح
ما يعجب الإنسان في قبره مثل التقي والعمل الصالح
فالله الله عباد الله استعدوا للموت فكأنه قد نزل بكم فأرمل النسوان وأيتم
الولدان وفرق الإخوان فوالله يا أيها الإنسان وإنما أنا وأنتم ذلك الإنسان
لو لم يكن ماء ولا ظلال ولا جواب ولا سؤال ولا نعيم ولا ثواب ولا جحيم ولا
عقاب لكان في الموت وسكرته والقبر وظلمته واللحد وضغطته ما يمنع العاقل
اللبيب عن كسب الخطايا والذنوب فكيف ومن وراء ذلك هول مهول وشرح يطول من
الصور ونفخته والنشور وروعته والصراط ورقته ومساءلة الله تعالى للعبد
وتوبيخه
فما يكون جوابك أيها المغرور إذا وقفت بين يدي العالم الغفور لذي يعلم
خائنة الأعين وما تخفي الصدور فأظهر لك قبائحك ونشر لك فضائحك واستشهد
عليك جوارحك فإن عفا عنك فأنت من الفائزين وإن طالبك بما قدمت يداك فأنت
من الخاسرين
عفا الله عنا أجمعين وغفر لنا ذنوبنا فهو خير الغافرين آمين رب العالمين
وأنشدوا
من كان يرجو أن يعيش فإنني أصبحت أرجو أن أموت فأعتقا
} في الموت ألف فضيلة لو أنها
عرضت لكان سبيله أن يعشقا
87 قبض أرواح الصالحين
ذكر في بعض الأخبار عن بعض السلف الأخيار عن النبي المصطفى
المختار أن الله عز وجل إذا أراد قبض روح عبده الكريم عليه وهو التقي لأنه
بالتقوى كرم عليه دعا بملك الموت فقال اذهب يا ملك الموت إلى عبدي فلان
فأتني بروحه ليرتاح عندي فحسبي من عمله أني قد بلوته في السراء والضراء
فوجدته حيث أحب فيذهب ملك الموت فيأخذ من مسك الجنة الأذفر وحريرها الأبيض
فيهبط به ويهبط في أثره خمسمائة ملك ليس منهم ملك إلا ومعه بشارة من الله
تعالى إلى ذلك الولي وليس منهم ملك يدري ما مع صاحبه من البشارة وليس منهم
ملك إلا ومعه صبائر في الريحان يعني حزما من الريحان من ريحان الجنة فإذا
هبطوا أحدقوا بولي الله وجلس ملك الموت عند رأسه ونفث في وجهه سم الموت
فصرعه ويقول له يا ولي الله ارتحل من الدنيا فليست لك دار وليست لك بوطن
ولا بد لك يا ولي الله أن تذوق كما ذاق إخوانك من قبلك قال فملك الموت
ألطف باستخراج نفسه من الوالدة بولدها
فإذا أذنت نفسه بالخروج وكانت عند ذقنه أكب عليه الذين جاؤوا مع ملك الموت
وهم خمسمائة ملك يخبرونه بالبشارة التي أرسلهم الله بها إليه وليس منهم
ملك إلا وهو يضع على كل طائفة من جسده من صبائر الريحان الذي جاؤوا به
فإذا خرجت نفسه لفها ملك الموت في ذلك الأبيض والمسك الأذفر ثم يعرج بها
إلى السماء وتثبت الملائكة الذين بشروه عند جسده عند أهله
88 ملائكة الرحمة
فإذا دنا من السماء تلقاه جبريل عليه السلام في سبعين ألف موكب من
الملائكة فأخذ الروح منه جبريل عليه السلام فعرج به حتى يضعه بين يدي
الجبار تبارك وتعالى فيقول جل جلاله وتعالى ليس كمثله شيء لجبريل عليه
السلام اذهب فدع ولي الله في سدر مخضود وطلح منضود
فإذا حمل الرجل إلى سريره هبط خمسمائة ملك آخرون سوى الذين جاؤوا
مع ملك الموت فيجلسوا صفين ما بين منزله إلى قبره يستقبلون جنازته
بالاستغفار وإذا أدلي في قبره وحثي عليه التراب وولى القوم جاءته الصلاة
فكانت عن يمينه وجاءه الصوم فكان عن شماله
وجاءه ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن فكانا عند رأسه وجاءه مشيه إلى الجمع
وإلى مجالس العلم وعيادة المرضى واتباع الجنائز والصدقة فكانوا عند رجليه
وجاءه الصبر على ما يكره وعلى ما يحب فلم يجد مجلسا فيجلس في ناحية من
نواحي قبره فيخرج له من قبره عنق من العذاب فيأتي عن يمينه فتقول هله
الصلاة إليك عني لا سبيل لك عليه إنما استراح ولي الله من الإقبال
والإدبار هذه الساعة ثم يأتي عن شماله فيقول الصيام إليك عني لا سبيل لك
إليه إنما استراح ولي الله من الإقبال والإدبار هذه الساعة ثم يأتي عند
رجليه فيقول له مشيه إلى الجمع وإلى مجالس العلماء وعيادة المرضى واتباع
الجنائز والصدقة إليك عنا لا سبيل لك عليه إنما استراح ولي الله من
الإقبال والإدبار هذه الساعة قال فلما لم ير شيا انقمع ودخل في الموضع
الذي خرج منه فيقول الصبر لهؤلاء أما إذا كفيتموني عذاب القبر فسأكفيكموه
عند الميزان إذا نصب
89 سؤال الملكين
قال ثم يخرج الله إليه منكرا ونكيرا وهما ملكا القبر أسودان أزرقان يبحثان
القبور بأنيابهما ويطآن في اشفارهما
كلاهما مثل الرعد القاصف وأبصارهما مثل البرق الخاطف وأنفاسهما مثل لهب
النار وألوانهما مثل الليل المظلم
فيقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول الله ربي وديني
الإسلام ونبيي محمد عليه الصلاة والسلام وأنا أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان له قد علمنا أنك ستكون
مؤمنا فيفتحان له بابا إلى النار فينظر إلى ما أعد الله فيها لأهل المعصية
من النقمة والعذاب قال فيرفعان ذلك الباب دونه ثم يقولان له لا تخف يا ولي
الله من هذا الباب أبدا ثم يفتحان له بابا إلى الجنة فينظر إلى ما أعد
الله لأهل طاعته من الخير الدائم المقيم الذي لا زوال له ولا انقطاع
فيقولان له يا ولي الله هذا دارك وقرارك ومنزلك
90 نعيم القبر
قال فذلك الباب مفتوح إلى قبره إلى يوم القيامة يخرج من ذلك الباب إلى
قبره ريح الجنة وروحها وبردها يوسعان له قبره مد بصره ثم يقولان له يا ولي
الله نم فينام نوم العروس في حجالها حتى يبعثه الله تعالى يوم القيامة إلى
أزواجه وحرمه ألا ترى أيها الغافل عن طاعة ربه المصر على ذنبه إلى هذا
الولي الذي
صار إلى قبره وخرج عليه نوع من عذاب ربه وأن أعماله الصالحة كانت جنودا
حوله فلم يجد العذاب دونها مدخلا إليه ولولا قيامها حواليه لكان عذاب الله
واصلا إليه فلو لم يكن بطاعة الله عاملا لم يجعل المولى بينه وبين عذابه
حائلا ومن لم يكن بينه وبين النار حائل فالهلاك والخزق له حاصل والعذاب
والذل إليه واصل فكل من زعم أنه مؤمن بالله عز وجل ورسوله وكتابه ولم يجعل
العمل الصالح وقاية بينه وبين عذابه فقد تعرض لهلاكه وعقابه لأنه لم يجعل
حائلا بينه وبين جسده وكل موضع أمر الله سبحانه وتعالى باتقائه في كتابه
فإنما هو تحذير من عذابه
وأنشدوا
الموت أهنأ للمطيع وأصلح
والموت أطيب للتقي وأنجح
والموت أقرب للجنان طريقة
والعبد يكرمه الإله ويمنح
}
91 سليمان وملك الموت
ذكر في بعض الأخبار أن سليمان عليه الصلاة والسلم دعا الله تعالى
وسأله أن يريه ملك الموت وأن يلبسه من القوة حتى يكلمه فبينما هو قاعد ذات
يوم على سريره إذ خرج رجل من جنب السرير ليس يراه أحد إلا سليمان لم ير
سليمان قط أتم خلقا منه فقال يا عبد الله ما أدخلك داري قال أدخلنيها ربها
أدخلني من هو أملك لها منك ومني فعلم عند ذلك أنه من ملائكة الله فقال له
من أنت من ملائكة ربي قال أنا ملك الموت قال فسمعوا من كلامه جلبة فصعق
سليمان من خوفه ومن كان معه في البيت فقال ملك الموت يا رب إن عبدك سليمان
ونبيك سألك أن تأذن لي بالدخول عليه وقد بلغ من خوفه ومن معه ما ترى
فألبسه من القوة ما يطيق النظر إلي فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت أن ضع
يدك في صدر سليمان ففعل فأفاق سليمان ومن معه بإذن الله تعالى قال سليمان
يا ملك الموت أترى خلق الله في السموات والارض مثلك فقال ملك الموت يا نبي
الله والذي بعثك بالحق إن رجلي الساعة على منكبي ملك وذلك الملك هو الموت
قد خرق قرناه السموات السبع وارتفع فوق ذلك مسيرة ألف عام ورجلاه قد جاوزا
الثرى بخمسمائة عام فاتحا فاه رافعا صوته بالتهليل والتقديس والتسبيح
باسطا يديه لو أذن الله له أن يقبضهما إلى صدره لضم السموات وما فيهن وما
عليهن ما خلا العرش وأن فوقه ملكا قائما قد أدخل رجليه تحت منكبي هذا
الملك وهذا من فوقه
مسيرة ألف عام فاتحا فاه وأن شفته العليا ملتصقة بالعرش والسفلى تحت الثرى
لو أذن الله تعالى له أن يضع شفته العليا على السفلى لأطبق ما بينهما في
جوفه وأن لله ملكا عنقه فثني تحت العرش ورجلاه قد جاوزتا رجلي هذين
الملكين مسيرة ألف عام يخرج الريح من أنفه
لو أذن الله أن يتنفس لأدخل جميع ما خلق الله في السموات
والأرضين في أنفه سوى العرش وأن هؤلاء الملائكة الذين وصفت لك يكون خلقهم
عند خلق غيرهم من الملائكة الذين فوقهم كجناح ذبابة عند الفيل وأن لله
ملكا باسطا كفه اليمنى منذ خلقه الله تعالى رافعا صوته بالتهليل والتسبيح
والتقديس والتحميد لو أذن الله له أن يقبض كفه لقبض جميع الخلائق ما خلا
العرش
فقال سليمان {صلى الله عليه وسلم} ياملك الموت أكفف عني فلقد وصفت أمرا
أتخوف أن تطير روحي ولا تثبت نفسي ولا أطيق سماعه فكف ملك الموت فعندها
قال سليمان عليه السلام يا رب متى ألتقي مع الأحبة يا رب قد أحببت لقاءك
والراحة من الدنيا
فهذا كان سبب موت سليمان عليه السلام
وأنشدوا
الموت مر والعيش هم
فأي هذين لزم
وقد تعجبت إذ هنا لي
عيش وعندي بالموت علم
أنقل رجلي من كل دار
خوف المنايا والأرض سم
والروح مستوفز بجسمي
له على الانتقال عزم
فكأنكم والله بالموت قد فاجأكم وأزعجكم عن لذاتكم ونغص عليكم شهواتكم
ونقلكم إلى بيوت الوحشة والضيق حيث لا ينفعكم حميم ولا صديق ولا أخ شقيق
ولا والد شفيق
92 نداء الموت
روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال ما من يوم إلا وملك الموت
ينادي يا أهل الدنيا عجلوا عجلوا لأن أهل القبور محبوسون من أجلكم اتركوا
ما جمعتم وخربوا ما بنيتم الويل لكم إن أدرككم الموت على هذه الحالة زينتم
الدور ونسيتم القبور
اذكروا القبر ووحشته والموت وسكرته والصراط ودقته
والموت سكرة في سكرة وحيرة في حيرة وجذبة يا لها من
جذبة
فالمسكين يكابد غصص المنون داهش العقل كالمحزون
فالله الله عباد الله أفيقوا من سكراتكم
وانتبهوا من نوماتكم واستيقظوا من غفلاتكم قبل نزول المنية وحلول الرزية
ووقع البلية
حيث لا مال نافع ولا حميم شافع ولا فرح واقع ولا رجاء طامع ولا حسنة تزاد
ولا حياة تعاد ويزودك أحبابك بالصراخ ويكثرون عليك البكاء والنواح فلا
عثرة تقال ولا رجعة تنال
وأنشدوا
ألا إن أيام الحياة مراحل
طريق الفتى منها إلى الموت ساحل
يسر بما يمضي لما هو آمل
ويأتي الردي من دون ما هو آمل
وما يومه إلا غريم محكم
إذا ما اقتضاه نفسه لا يماطل
عجبت لمن يبغي السلامة جاهدا
ومر الليالي كلهن غوائل
ونحن بنو الأيام نظلم نفوسنا
ونرجع وهي القاتلات الثواكل
} ومن لحظ الدنيا بعين بصيرة
رأى عينها في نفسه وهو شائل
93 عظة من الغفلة
أيها الإنسان وكلنا ذلك الإنسان استيقظ من غفلتك وهب من رقدتك
قد آن أن يدعي إليك الطبيب بجمع الدواء فلا يرجى لك مما نزل بك الشفاء
ثم يقال فلان قد أوصى وجميع ما له قد أحصى
قد تبرأ من الدنيا وعلائقها وأقبل إلى الآخرة وحقائقها
ثم ضعف جنانك وثقل لسانك وانقطع عن كلامك فلا تكلم إخوانك وكثرت خطوبك
وعظمت كروبك إذا عرضت عليك عند كشف الغطاء ذنوبك واشتدت الأحزان وعلا صراخ
النسوان وحزن الصديق الودود وفرح العدو الحسود ثم يقال لك هذا ولدك الصغير
وهذا الكبير وهذه بنتك الكبرى وهذه شقيقتها الصغرى فلا ترد عليهم جوابا
ولا يستطيع لسانك خطابا ثم اشتد بك النزع والسياق إذا التفت الساق بالساق
وانتزع ملك الموت روحك الضعيف وعرج به إلى مولاك الرب اللطيف يجازيك على
ما قدمت في سالف الأيام ويسألك عما اكتسبت من الحلال والحرام
وأمر بك إما إلى جنة عالية ذات نعيم وخلود وإما إلى نار حامية ذات جحيم
ووقود وزودت من مالك حنوطا وكفنا ونزلت في رمسك بعملك مرتهنا
وانصرف أهلك لقسمة ما خلفت من الأموال وما سعيت فيه من الحرام والحلال
وأنشدوا
أبقيت مالك ميراثا لوارثه
فليت شعري ما أبقى لك المال
القوم بعدك في حال يسرهم
فكيف بعدهم صارت بك الحال
ملوا البكاء فما يبكيك من أحد
واستحكم القيل في الميراث والقال
مالت بهم عنك دنيا أقبلت لهم
وأدبرت عنك والأيام أحوال
قال رجل من الصالحين رأيت رجلا قد مات ووراثه يختصمون في ميراثه قبل أن
تخرج جنازته فقلت هذه الأبيات المتقدمة
94 نداء الملك
ذكر في بعض الأخبار أن تحت العرش ملكا ينادي كل يوم وليلة الويل
ثم الويل لمن ترك عياله بخير وقدم على الله بشر
فالله الله ارحموا أنفسكم قبل أن لا ترحموا وأكرموها قبل أن لا تكرموا
واذكروا الموت وما بعده من عظيم الأهوال واستعدوا له بذخائر الأعمال
وأنشدوا
أرى الدهر لا يصفى إلى من لا يعاتبه
وأعتب دنياه على من يثالبه
ونحن نرجي الخلد في غير دارنا
وأين خلود المرء إن مات صاحبه
كأنا عطاشى والمنية منهل
نسير إليه والليالي ركائبه
كفى سالبا للمرء يوم وليلة
ومن يلبسن الأيام فهي سوالبه
فلا تأمن الدهر الخئون فإنما
هو اليوم سلم ثم حرب عواقبه
أيها الناس استعدوا لما خلقتم له فإن الله لم يخلقكم عبثا وإنما خلقكم
لتعبدوه وتوحدوه وليميتكم ويبعثكم بعد الموت وما رزقكم رزقه إلا لتستعينوا
به على طاعته
وما خلق الدنيا إلا للزوال وجعلها دار ابتلاء واختبار وسجنا لأوليائه وجنة
لأعدائه
فراحة الأولياء الموت وعذاب أعدائه الموت لأن الأولياء إذا ماتوا صاروا
إلى جنة النعيم والعيش المقيم والأعداء إذا ماتوا صاروا
إلى العذاب الأليم
فالله الله عباد الله لا يغرنكم بالله الغرور وأنشدوا
ومنتظر للموت في كل ساعة
يشيد ويبني دائما ويحصن
له حين تبلوه حقيقة موقن
وأفعاله أفعال من ليس يوقن
عيان كأنكار وكالجهل علمه
بمذهبه في كل ما يتيقن
95 حكاية عن واعظ
ذكر أن شيخا من تيماء كان يجلس إليه أصحابه فإذا كان عند قيامهم عنه قال
قوموا قيام من قد يئسوا من المعاودة حذرا من القاطف للنفس ملك الموت ثم
يبكي ويبكوا حوله
وأنشدوا
} وكن مستعدا لداعي المنون فكل الذي هو آت قريب
وقبلك داوي المريض الطبيب فعاش المريض ومات الطبيب
يخاف على نفسه من يتوب فكيف ترى حال من لا يتوب
إن من الشعر لحكمه
96 خشية عيسى من الموت
روي أن عيسى عليه السلام كان إذا ذكر عنده الموت أو ذكره تقطر
جسده ماء من خوف هوله يا أخي يا غافل مثلي يا مسكين فعيسى صلوات الله عليه
يخاف وهو على ما كان عليه من الطاعة لربه فكيف بك يا مسكين على ما أنت
عليه من المعصية لمولاك فالله الله يا إخواني لا تغتروا بصحة الأجسام
ومداومة الأيام فإن الموت يأتي في ألهى ما أنت عليه في الدنيا وألذ ما كنت
فيه فلا الصحيح يدعه لصحته ولا الصغير يرحمه لصغره ولا الكبير يهابه لكبره
وأنشدوا
وكم من صحيح بات للموت آمنا أتته المنايا بغتة بعد ما هجع
فلم يستطع إذ جاءه الموت بغتة فرارا ولا منه بحيلته امتنع
وقرب من قبر فصار مقيله وفارق من قد كان بالأمس قد جمع
} فلا يترك الموت الغني لماله ولا معدما في المال ذا حاجة يدع
97 حديث في ملك الموت
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن ملك الموت ينظر لوجه
العباد في كل يوم
سبعين مرة فإذا ضحك العبد الذي بعث لقبض روحه يقول له يا عجبا لك يا فلان
أمرت بقبض روحك وأنت تضحك فالعجب كل العجب بمن الموت يطلبه والمنية تعاجله
وهو من ذلك على يقين وهو يضحك ويلهو
وأنشدوا
ضحك الفتى من عجبه جهالة
والموت يطلبه حثيثا مسرعا
والموت لا يدع الجهول لضحكه
إلا رماه بسهمه فتفجعا
فتفلقت أوصاله لنزوله
وتفتت العظم الصليب توجعا
وبكى لفرقة ماله وعياله
ومضى إلى دار البلى متضرعا
فالله الله عباد الله لا يغرنكم طول الأمل وجدوا واجتهدوا وكونوا من الموت
على وجل فإن للموت غاد ورائح وماس وصابح وأنت يا أخي منه على يقين وتحقيق
فلم تحد عن منهاج الطريق
98 نداء للميت
ذكر في بعض الأخبار أن الميت ينادي إذا وضع على المغتسل أين
لسانك الفصيح ما أسكتك أين صوتك الشجي ما أخرسك أين ريحك العطر ما أنتنك
أين حركاتك ما أسكنك أين أموالك الكثيرة ما أفقرك الويل لك إن كنت عاصيا
والبشرى لك إن كنت طائعا وتناديه الملائكة إذا وضع في القبر يا عبد الله
أنت تركت الدنيا أم الدنيا تركتك أنت جمعت الدنيا أم الدنيا جمعتك أنت
استعددت للمنية أم المنية عافصتك خلقت من التراب وأعدت للتراب
وأنشدوا
خلقت من التراب بغير ذنب
وعدت إلى التراب ولي ذنوب
فمالي لا أجاهد في خلاصي
بعزم للمعاصي لا أتوب
ومالي أثقلت ظهري ذنوب
ومنها لا أمل ولا أنيب
ومالي لا أرق لسوء حالي
ومن نفسي علي غدا رقيب
ومالي مبعد مقصى طريد
وفي كل القبائح لي ضروب
وكم بالبر تسويفي ومطلي
ولا أدري متى تأتي شعوب
فيا من ليس لي رب سواه
عليم بالذي أدعو يجيب
تجاوز يا إلهي عن ضعيف
بغفران لعلي عسى أتوب
وهب لي ذلتي وعظيم جرمي
فأنت الواحد الفرد القريب
عباد الله لا تغفلوا عن ذكر الموت وتفكروا فيه قبل الفوت فوالله ما بين
أحدكم وبين طول الأسف والندامة على ما قد سلف إلا أن تنزل به المنية غدوة
أو عشية فعظ نفسك قبل حلول الرزية
وقيل في قول الله تعالى { وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم
الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب } المنافقون 10 قيل الأجل القريب
عند كشف الغطاء يقول العبد عند الموت يا ملك الموت أخرني يوما أعمل فيه
صالحا لنفسي فيقول ملك الموت فنيت الأيام فلا يوم فيقول أخرني ساعة فيقول
فنيت الساعات فلا ساعة فيقول اتركني أتكلم فيقول فرغ كلامك فلا كلام
فتبلغ الروح الحلقوم فيؤخذ بكظمه فتقطع الأوقات والأعمال ويبقى عدد
الأنفاس ليشهد فيها المعاينة عند كشف الغطاء فيحتد بصره فإذا كان في آخر
نفس زهقت نفسه فيدركه ما سبقت له من شقاوة أو سعادة
99 سؤال الرجوع للدنيا
وقيل أول من يسأل الرجعة من لم يكن أدى زكاة ماله كقوله عز وجل {
فأصدق وأكن من الصالحين } المنافقون 10 فالله الله بادروا قبل حلول الأجل
وانقطاع الأمل من صالح العمل وفراغ الأنفاس وورود الأرماس ولا ينفعك حبيب
ولا حميم ولا ولد ولا والد رحيم قد أحاطت بك الخطوب وكثرت عليك الكروب
وأخذ الوارث مالك ونكح العدو أو الصديق عيالك
وأنشدوا
أرى الأزواج تنكح إن هلكت
ويقسم وارثي ما قد تركت
ولا يبقى الوداد بقلب خل
إذا انقطع الرجا مني ومت
وينساني الصديق فما يبالي
أمر به ويعرض إن ذكرت
ويشمت بي رجال من سفاه
وما قد كنت قط بهم شمت
ولست بحاصل إلا على ما
من الأعمال في الدنيا عملت
فياذا العرش عفوا عن ذنوبي
وعن زللي وما كنت اجترمت
وشفع في نبيك حين أدعى
غداة العرض إن تفعل نجوت
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه عرض عليه ما يصيب أمته من بعده
فما رؤي ضاحكا مستبشرا حتى قبضه الله تعالى
} 300 { 48000 قبيلة
ذكر في بعض الأخبار أن الله تعالى خلق في الأرض مما برأ وذرأ ثمانية
وأربعين ألف قبيلة فجعل في البحر ثمانية آلاف قبيلة وجعل بين السموات
والأرض أربعين ألف قبيلة تحملها الريح ليس منها دابة صغرت أو كبرت في
الأرض أو بين السماء والأرض إلا ومعها ملكان من قبل الله تعالى فملك يهيء
لها رزقها بإذن الله ويسوقها إليك وملك آخر يقودها بإذن ربها إلى مستقرها
ومنقلبها حتى الذرة والقملة والدودة والبعوضة والذبابة فإذا استوفت أثرها
ورزقها وبلغت أجلها قبض ملك الموت روحها
فسبحان من له الملك والتدبير
عباد الله فالله اله لا تغفلوا عن طاعة مولاكم فإن الموت يطلبكم بالليل
والنهار والعشى والإبكار فاجتهدوا في الحسنات واجتنبوا في ليلكم ونهاركم
السيئات
قبل نزول الموت والندم فالموت لا يترك ملكا ولا أميرا ولا حاجبا ولا وزيرا
وأنشدوا
} قد صرف البواب والحاجب
وقهرمان الدار والكاتب {
} وأصبح الصاحب من بينهم بحيث لا جار ولا صاحب {
} واعتاضت الناهد من بعده ألفا سواه وكذا الكاعب {
} وجد في تفريق ما لم يزل
يجمعه وارثه اللاعب {
} فكن من الدنيا على أهبة يا زاهدا فيها ويا راغب {
} فإنها أم لأبنائها منها عدو قاتل سالب
301 رحمة الله بالمسرفين
ذكر في بعض الأخبار أنه مات رجل من أهل المدينة وكان مسرفا على نفسه فدعي
لجنازته محمد بن المنكدر رحمه الله فأبى أن يحضر جنازته ثم حضرها فعوتب في
ذلك فقال لقد استحيت من الله أن أرى أن رحمته تضيق عليه ولا تسعه فصليت
عليه
يا مسكين مثلي أعلم أنه إذا نزل ملك الموت بالعبد المذنب فيرجع إلى مولاه
بالذل والصغار
فنرجو إن شاء الله تعالى أن يعف عنه ويرحمه ويجعل الموت كفارة لذنوبه
وأنشدوا
} أفي كل يوم للمنية اقرب
وكل الذي آتيه يحصى ويكتب {
فيا سوأتا قد آن وقت ترحلي
وها أنا في الميدان ألهو وألعب
فإن لم تجد بالعفو منك عن الذي
جنته يدي إني إذا لمخيب
ذكر أنه كان بالبصرة فتى وكان مسرفا على نفسه ما ترك ذنبا إلا ارتكبه ولا
شرا إلا اكتسبه فلما مرض لم يعده أحد من جيرانه فدعا بعضهم وقال إنه قد
نزل بي ما ترى فإذا مت فادفني في زاوية من زوايا بيتي فقد أذيت جيراني في
حياتي وما أحب أن أضر بالموتى بعد وفاتي
فرؤي بعد موته في المنام في حالة حسنة فقيل له ما فعل الله بك فقال أوقفني
بين يديه وقال يا عبدي هجروك جيرانك حنقا عليك وضيقوا مسالك الرحمة بين
يديك فوعزتي وجلالي وجودي ومجدي وارتفاعي فوق علو مكاني ما ضاقت رحمتي عنك
عبدي هذه خلع مغفرتي ومنازل جنتي وخاتم أماني وسجل إحساني وأنا الغفور
الرحيم
302 حكاية عن الحسن
قال الحسن رحمه الله قد علم الله منا قبل أن يخلقنا أننا نذنب ونعصيه ولم
يمنعه ذلك منا أن جعلنا مسلمين
فالله الله يا أهل الذنوب مثلي بادروا قبل نزول السكرات ووقوع الحسرات
واجتهدوا فإن الموت آت وكل آت فهو قريب
قد آن وكلما آن فقد حان
وأنشدوا
أآمل أن أخلد والمنايا
يثبن إلي من كل النواحي
ولا أدري إذا أمسيت حيا
لعلي لا أعيش إلى الصباح
عباد الله أيامكم مراحل تقطعونها وساعاتكم مناهل تردونها والموت يطوف
عليكم بالليل والنهار لا يؤخر من فقدت ساعاته وفرغت أيامه وأوقاته
303 حكاية عن بعض الصالحين
يحكى عن بعض السادة الأخيار أنه قال خرجت يوما لزيارة القبور فإذا بقوم
يحملون جنازة فتقدمت إليها وصليت بهم ثم شهدت دفنها فنعست نعسه فأتاني آت
فقال لي قد غفر الله لهذا الميت على ظلمة ذنوبه فانتبهت مرعوبا فأخبرت
بذلك أم الميت فقالت الحمد لله رب العالمين والله لقد كان مسرفا على نفسه
فلما نزل به الموت بكى وقال لي يا أماه ضعي خدي على الأرض والتراب ففعلت
ذلك فقال ضعي قدمك على خدي وادعي الله واستوهبيني منه فلعله يرحمني وإقلعي
فص خاتمي وتصدقي بثمنه فعسى الله يرحمني
فقلت لها قد غفر الله له ورحمه ثم أخبرتها بالذي رأيت فالله الله معشر
المخلصين تضرعوا إلى ربكم قبل يوم موتكم فعساه أن يرحمكم ويتجاوز عن
سيئاتكم
فذلك عليه يسير وهو على كل شيء قدير وأنشدوا
رأيت المرء تأكله الليالي
كأكل الأرض ساقطة الحديد
ولا تجد المنية حين تأتي
على نفس ابن آدم من مزيد
} فلا تغفل فديتك عن منون تدور رحاه بالهول الشديد
فكأ نكم بالأعمال قد انقضت وبالدنيا قد مضت فاستعدوا بذخائر الأعمال لما
تلقوا من عظيم الأهوال وقد نودي فيكم بالتحويل وقد قرب منكم الرحيل
304 شاب عاص غفر له
حكي عن بعض الخائفين أنه قال كان في جواري شاب وكان يتشاغل بالبطالة
والجهالة ما رأيته صاحيا من السكر قط وعهدي به البارحة وقد رفع صوته على
أمه في ساعتي هذه
فأخبرتني أنه أصبح ميتا من غير علة ولا مرض وسألتني في كفنه فزجرتها وقلت
الحمد لله الذي أراحنا منه فمضت مدحورة فرق لها قلبي وقلت إن الرحمة لا
تضيق على المذنبين من أمة محمد {صلى الله عليه وسلم} فبعثت من ساعتي في
طلبها وعزيتها وصبرتها واشتريت لها كفنا وحضرت جنازته
فعرفني بعض أصحابنا أنه رآه في المنام وأنه سأله ما فعل الله به
فقال قدمت على الله تعالى وكنت قد دخلت قبل وفاتي الحمام فرأيت شخصا ميتا
مقعدا فتوليت غسله ونظافته وحمله إلى بيته فقال غفر الله لك ذنوبك كلها
فصادفت دعوته إجابة فغفر الله تعالى لي وأنا في الجنة مع التعلق بالسنة
غفر الله لنا أجمعين وأماتنا مسلمين وختم لنا بخواتيم الصالحين إنه على
ذلك قدير
وأنشدوا
لا تأسفن على الدنيا وحليها
فالموت لا شك يفنينا ويفنيها
واعمل لدار يكن رضوان خازنها
والجار أحمد والرحمن عاليها
أرض لها ذهب والمسك طينتها
والزعفران حشيش نابت فيها
أنهارها لبن محض ومن عسل
والخمر يجري رحيقا في مجاريها
والطير تجري على الأغصان عاكفة
تسبح الله جهرا في مغانيها
أحمد دلالها والرب بائعها
وجبريل ينادي في نواحيها {
من يشتري الدار في الفردوس يغمرها بركعة في ظلام الليل يحييها
أين الملوك الذي عن حظها غفلت حتى سقاهم بكأس الموت ساقيها
أفنى القرون وأفنى كل ذي عمر كذلك الموت يفني كل من فيها
والموت أحدق بالدنيا وزخرفها والناس في غفلة عن ترك ما فيها
لو أنها عقلت ماذا يراد بها ما طاب عيش لها يوما ويلهيها
تلهو وتأمل آمالا تسر بها شريعة الموت تطوينا وتطويها
والله لو قنعت نفس بما رزقت من المعيشة إلا كان يكفيها
والله والله ايمانا مكررة ثلاثة من يمين بعد ثانيها
لو أن في صخرة صما ململه في البحر راسية ملس نواحيها
رزقا لعبد يراه الله لانفلقت حتى تؤدي إليه كل ما فيها
أو كان تحت طباق السبع مسلكها لسهل الله في المرقى مراقيها
حتى ينال الذي في اللوح خط له فإن أتته وإلا سوف يأتيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها
تلك المنازل في الآفات خاوية أضحت خرابا وذاق الموت بانيها
305 عظة للاستعداد للموت
عباد الله قد آن وقت التحويل إلى الوقوف بين يدي الملك الجليل
فأنفاسكم معدودة عليكم وملك الموت قاصد إليكم يركبكم بكلكله ولا بد لكم من
منهله
يقطع آثاركم ويخرب دياركم
فرحم الله عبدا نظر لنفسه وقدم لغده من أمسه قبل حلوله في رمسه
وعمل في العمر اليسير لليوم العبوس القمطرير وسأل المغفرة من السميع
البصير الذي هو على كل شيء قدير وهو مولانا ومولاكم ونعم المولى ونعم
النصير
306 الموت ينتقي الخيار
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إذا تقارب الزمان انتقى
الموت خيار أمتي كما ينتقي أحدكم خيار الرطب من الطبق
فإنا لله وإنا إليه راجعون الذي ذهب عنا الأخيار وبقينا في غمار مع
الأشرار فلا للموت نعمل قبل إتيانه ولا أحد منا يقطع
عن عصيانه
ما هذه أفعال المؤمنين ولا هذه سيرة الموقنين قد أضلنا عدونا الشيطان
اللعين وخدعنا بمكره وأغوانا أجمعين
307 عمل الملكين
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
إذا قبض الله روح عبده المؤمن صعد ملكاه إلى السماء فقالا ربنا وكلتنا
بعبدك المؤن فلان نكتب عمله وقد قبضته إليك فأذن لنا أن نصعد إلى السماء
فيقول الله عز وجل سمائي مملوءة بملائكتي يسبحوني فيقولان فأذن لنا أن
نسكن الأرض فيقول عز وجل أرضي مملوءة من خلقي فيقولان يا ربنا أين نكون
فيقول عز وجل قوما عند قبر عبدي فسبحاني وأحمداني وهللالني واكتبا ثواب
ذلك لعبدي إلى يوم القيامة فالحمد لله الذي جعلنا من أمة محمد المصطفى
وحسبنا بهذا فضلا وكفى بكتاب مولانا لأمواتنا الحسنات ويجعل الموت لهم
كفارة لما سلف من السيئات
وأنشدوا
} على كل حال وشريكون فقد مات مثلك في مثلها
فما لك تلعب بالتراهات
وتخدع نفسك من عقلها
من الرشد في برها بالعقوق
وترضى بذلك من جهلها
وأنت تخالف فيها العذول
وتطوي لسانك عن عذلها
وسيف المنية قد سلها
وأنت تنام على قتلها
ودولة ذي العز مقطوعة
وأنت تغفل عن عذلها {
إلى متى هذا الصدود عن طاعة الملك المعبود والغفلة عن بحر الموت
المورود فارحموا أنفسكم قبل التلف وأبكوا عليها قبل الأسف فإن السفر بعيد
وهول المطلع فظيع شديد والزاد قليل والهم والحزن طويل وبعد ذلك اليوم
العبوس الثقيل يا أخي لكل حي قوت وأنت يا مسكين قوت الموت فاعمل للموت قبل
الفوت
وأنشدوا
أراني في انتقاص كل يوم
ولا يبقي على النقصان شيء
طوى العصران ما نشراه مني
فأتلف جثتني نشر وطي
فإن أك قد فنيت ومات بعضي
فإن الحرص باق في حي
وطير الموت حائمة لقتلي
مدلاة علي وفي عي
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من أكثر الفكرة في الموت هون
الله عليه سكراته وجعله منه على حذر ومن غفل عن ذكره يوشك أن يأتيه فجأة
على غير أهبة ولا استعداد { فالله الله قد انصرمت عنكم أعماركم وأنتم لا
تشعرون فإن اتبعتم هموم الدنيا حتى تفرغ فإنها لا تفرغ أبدا ولو عشتم إلى
أن تنقرض الدنيا
فتفرغ يا مسكين في اليسير من الأيام ودارك أمرك مع مولاك قبل نزول الحمام
308 المبادرة بالتوبة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } أيها الناس بادروا بالتوبة
قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الزاكية قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم
وبينه بكثرة ذكركم إياه
309 السني والزنديق
ذكر في بعض الحكايات أن رجلا من أهل السنة لقي رجلا زنديقا قد نحل جسمه
وتغير لونه واذابه الخوف وكان السني قويا سمينا فقال له الزنديق يا هذا صف
لي بعض ما تعتقده فقال أعتقد الموت وغصصه وسكراته وأهواله
فلما سمع الزنديق مقالته صاح صيحة عظيمة ثم وقع على وجهه مغشيا
عليه فمكث ما شاء الله ثم أفاق فقال له زدني فقال ثم من بعد الموت القبر
وظلمته واللحد وضجعته ومنكرا ونكيرا قال وما منكر ونكير فقال ملكان أسودان
أزرقان يطآن في شعورهما ويحفران الأرض بأنيابهما وبيد كل ملك منهما عمود
من حديد جهنم لو ضرب به جبال الدنيا لقلعها من أصولها يسألان العبد في
قبره قال وثم ما بعد ذلك قال هول البعث والنشور والحساب والميزان والصراط
قال وما الصراط قال هو جسر منصوب على جهنم أرق من الشعرة وأحد من السيف
وأحر من الجمر عليه حسك وكلاليب قد تعلق بكل كلوب عدد نجوم السماء من
الزبانية لو أذن الله لواحد منهم أن يخرج إلى الدنيا لاحرق بحارها وجبالها
وإنسها وجنها
وهوامها ودوابها من حر نفسه قال له وما الزبانية وما جهنم قال الزبانية
خلقوا من النار هم ملائكة العذاب وجهنم دار العذاب أوقد عليها النار أربعة
آلاف سنة السنة أربعة آلاف شهر الشهر أربعة آلاف يوم اليوم أربعة آلاف
ساعة الساعة أربعة آلاف نظرة النظرة الواحدة مقدار سبعمائة ألف سنة من
سنين الدنيا
وهي سوداء مظلمة من دخلها طال بلاؤه وحزنه
قال له الزنديق لقد عجبت من قلة عقلك هذا كله تعتقده وأنت سمين فوالله ما
اصدق أنا بشيء من هذا الذي ذكرته إلا بالموت وحده وقد أطال حزني وذاب جسمي
وإنما أنت من عداد الأنعام التي لا تعقل فالله الله إخواني اشكروا الله
على ما به أنعم عليكم من جزيل نعمه إذ بعث إلى جميع خلقه محمد {صلى الله
عليه وسلم} أخرجكم به من الضلالة وأيقظكم به من سكرة الجهالة ثم أتحفكم
بطيبات رزقه وفضلكم على كثير من خلقه فلا تستعينوا بنعمه على معاصيه فإن
الموت لا بد منه وقد وعظكم الله
وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } كفى بالموت واعظا { فمن كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فليجعل الموت نصب عينيه فإنه لا يدري متى يقدم عليه
وأنشدوا
} والموت سلطان عليك مسلط
إذا حم لم يصرف بنهي ولا أمر {
} ودارك إما شقوة أو سعادة ومالك من باب إليها سوى القبر {
} كفى عظة بالموت إن ركابه على سفر يهوي إلى حيث لا يدري
310 رفق ملك الموت بالمؤمن
روي أن النبي {صلى الله عليه وسلم} كان جالسا عند مريض فرأى ملك الموت عند
رأسه فقال له } يا ملك الموت ارفق بصاحبي { فقال له يا محمد أنا بكل مؤمن
رفيق
فالله الله لا تغفلوا عمن ليس يغفل عنكم ولا تنسوا الموت فإنه لا ينساكم
وفقنا الله وإياكم لحسن العمل والفعال وهدانا وإياكم لصالح الأعمال إنه
الجواد الكريم المفضال
12 مجلس في ذكر القبور
311 قال الله سبحانه وتعالى { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر } التكاثر 1 2 السورة مكية التكاثر يعني في الدنياروت زينب بنت جحش عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إذا قرأ قارئ ألهاكم التكاثر يدعى في ملكوت السموات والأرض بمؤدي الشكر لله
312 حكاية في الخوف من الله
روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان رجل باليمن يقال له يعلى وكان مشركا ليس له من الدنيا إلا قطيفة تواري عورته ويأوي بالنهار إلى ظل شجرة وبالليل إلى جحر كجحر الكلب فسمع بخروج النبي {صلى الله عليه وسلم} فأقبل إلى النبي {صلى الله عليه وسلم} وكان شابا ترفعه أرض وتضعه أخرى حتى قدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأسلم وقعد مع أهل الصفة يطعم القبضة من العجوة والكسر من خبز الشعير وكان لا يفارق مجلس النبي {صلى الله عليه وسلم} حتى تعلم أربع سور من القرآن فسمع النبي {صلى الله عليه وسلم} يقول لا فاقة بعد القرآن ولا غني بعد النار فقال يا رسول الله زوجني
قال أعندك مال قال عندي أربع سور من القرآن ومن كان عنده الوحي وكلام الله فهو غني قال النبي {صلى الله عليه وسلم} } صدقت فانطلق إلى بني سلمة حي من الأنصار واستخر الله فأول جارية تستقبلك فهي زوجتك فانطلق الشاب لا يدري إلى أين يتوجه فاستقبله جارية جميلة فقال يا جارية أي حي هذا قالت بنو سلمة قال الشاب الله أكبر أنت امرأتي تعالي قالت ما أسفهك قال لست بسفيه ولكن أمرني
إذا دخلتموها
قال الفراء هذا تكرار التغليظ ويقال { لترون الجحيم } التكاثر 6
أي لترونها رؤية علم { ثم لترونها عين اليقين } التكاثر 7 بالمشاهدة { ثم
لتسألن يومئذ عن النعيم } التكاثر 8 يسألون عن شكر ما كانوا فيه من النعم
والحياة والنعيم فزعم قوم أن الآية في الكفار وقال آخرون بل هي على العموم
في المؤمنين
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال } نعمتان
مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ {
روى أبو هريرة عن النبي {صلى الله عليه وسلم} } أول ما يحاسب به العبد يوم
القيامة أن يقال له ألم أصح جسمك وأروك من الماء البارد {
وعن محمود بن لبيد قال لما نزلت { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } التكاثر 8
قال أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أي نعيم وإنما هما الأسودان
التمر والماء وسيوفنا على عواتقنا
قال أما إنه سيكون ابن مسعود وقتادة وسعيد قالوا الأمن والصحة
مجاهد قال الخبز والماء والملح
إبراهيم النخعي من سمي الله تعالى على الطعام حين يأكل ويحمد الله حين
يفرغ فقد أدى شكره
الحسن قال كانوا يعدون من النعيم في الدنيا أن يتغدى الرجل ويتعشى
علي رضي الله عنه النعيم الرطب والماء البارد
أبو أمامة قال النعيم خبز البر والماء العذب وقال النبي {صلى الله عليه
وسلم} } طيب النفس من النعيم { أبو الدرداء رضي الله عنه قال النعيم
الشعير والماء العذب
محمد بن علي قال النعيم العافية
وقال أبو عسيب مولى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مر بنا رسول الله {صلى
الله عليه وسلم} ليلا فدعاني فخرجت إليه ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه
ثم مر بعمر رضي الله عنه فدعاه فخرج إليه ثم انطلق بنا
رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى دخل حائطا لبعض الأنصار فقال
لصحابه أطعمنا بسرا فجاء بعذق فوضعه فأكل رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وأصحابه ثم دعا بماء بارد فشرب وشربوا ثم قال لتسألن عن هذا يوم القيامة
فأخذ عمر العذق وضرب به الأرض حتى تناثر البسر وقال له يا رسول الله إنا
لمسئولون عن هذا يوم القيامة قال نعم إلا كسرة تسد بها جوعتك وخرقة تلف
بها عورتك وجحر تدخل فيه من القر والحر علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال
النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العباد فيما استعملوها
وهو أعلم بذلك منهم وهو قوله تعالى { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك
كان عنه مسؤولا } الإسراء 36 قال الله تعالى { ألهاكم التكاثر } التكاثر 1
قيل معناها ألهاكم التكاثر في الدنيا بجمع الحطام واكتساب الآثام والتمادي
في الإجرام وأنشدوا
أرضيت دارا لا بقاء لها
تعد الشرور وتنصب الفتنا
ما يستقيم سروره صاحبها
حتى يعود سوره حزنا
عجبا لها لا بل لموطنها المغرور
حين يعدها وطنا
فالحمد لله اللطيف بنا
ستر القبيح وأظهر الحسنا
ما تنقضي عنا له منن
حتى يجدد بعدها مننا
يا أخي اشتغلت باللذات وأفنيت عمرك بالترهات وعصيت إله الأرض والسموات
ونسيت بيوت الوحشة والحيرات
فيا له من بيت ما أظلمه ومن صندوق ما أغمه
منزل الوحشة وبيت الغمة والوحدة
وأنشدوا
وربما عوقص ذو صحة
أصح ما كان ولم يسقم
يا واضعا للميت في قبره
خاطبك القبر ولم تفهم
{ حتى زرتم المقابر } التكاثر 2 بيوت الوحشة ومنازل الضيق والغمة في ضيق
وكربات وغم وحسرات وأهوال مقطعات
من ظلمات القبور وسؤال منكر ونكير والخلود في البرزخ إلى يوم النشور فانظر
لنفسك أيها المغرور فإن القبر له شأن يتلوه شؤون وأنشدوا
لا تغرنك الحياة وقدم
واحذر القبر إن للقبر شانا
إن فيه لما يحاذر ذو اللب
إذا كان ذا تقى ومعانا
بذلك رسول الل ه {صلى الله عليه وسلم} قالت الجارية إن كان أمرك بذلك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فسمعا وطاعة لله عز وجل ولرسوله {صلى الله عليه وسلم} ولكن حتى أسمع منه فانطلق الشاب والجارية ليأتيا النبي {صلى الله عليه وسلم} فإذا أبوها وأخوها فقالا أين تذهبين فقالت إن الشاب تعلق بي وزعم أني امرأته فانكرت ذلك عليه فقال كذا أمرني رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأنا معه إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى أسمع منه فقالا سمعا وطاعة لله عز وجل ولرسوله {صلى الله عليه وسلم} فانطلقوا جميعا حتى دخلوا على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فتكلم والدها فقال يا رسول الله زعم هذا الشاب الغريب إنك امرته بما صنع بابنتي فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} } نعم فزوجه ابنتك على اسم الله وبركته قال قد فعلت فزوجه الشيخ ابنته وأشهد النبي {صلى الله عليه وسلم} وأصحابه فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} } يا معشر المسلمين أعينوا أخاكم فجمعوا له أربعة أواق فضة فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} } لك أوقيتان ولزوجتك أوقيتان فقال يا رسول الله قد جعلت أوقيتي لها أيضا فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} للشيخ والدها جهزوا هذه الجارية للشاب من يومه هذا قال الشيخ سمعا وطاعة لله عز وجل ولرسوله فجاء الشاب إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأمره أن ينصرف إلى أهله فجاء إلى منزله فدخل إلى فراش مفروش وإلى بساط ممدود وإلى زوجة جالسة وإلى سراج يزهر وإلى طعام قد هيء له فلما نظر إلى ذلك بادر إلى مكان في مجلسه فصلى فيه ركعتين شكرا لله عز وجل لما رأى ثم قام وصلى ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء فحمد الله وأثنى عليه وشكر نعمته ثم جعل يقوم في خلال ذلك فيصلي ركعتين ثم يقوم إلى مثل حاله من الثناء فالشكر لله عز وجل لما رأى فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم غدا إلى المسجد فصلى مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ثم رجع إلى منزله فلما عاين أهله وما هيء له بادر إلى مسجده فصلى مثل صلاته في الليلة الأولى وجعل يحمد الله عز وجل ويشكره بين كل ركعتين حتى أصبح فغدا إلى المسجد فصلى مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ففعل مثل ذلك حتى تمت له ثلاث ليال فجاء الشيخ في اليوم الرابع فدخل على ابنته فسألها عن زوجها وحالها
معه فقالت لا أدري ما زوجي ما يعرف غير الصلاة وهو يقوم الليل
كله يحمد الله ويثني عليه ويصلي فجاء الشيخ إلى رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} فأخبره بذلك فقال له رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ما منعك من
أهلك فقال يا رسول الله تذكرت شأني وكنت مشركا باليمن لم يكن لي مأوى إلا
جحر كجحر الكلب آوي إليه الليل والنهار أتبع ظلال الشجر
والحيطان حين أخرج من جحري فهداني الله للإسلام وعلمني أربع سور من القرآن
فشرح الله صدري بها ونور بها قلبي فلما زوجتني هذه الجارية نظرت إلى
فراشها وإلى حسنها وجمالها ولم أر فراشا قط منذ كنت ونظرت إلى سراج يزهر
ولم يكن لي سراج قط ونظرت إلى هذه الحالة فتدبرت إحدى سوري الأربع فزهدني
الله فيها وما عندها فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} وأي سورة هي قال {
ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف } التكاثر 1 2 ثم بكى وبكى رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} وأصحابه فلما هدؤوا قال الشاب يا رسول الله
خصني منك بدعوة فقال اللهم اغفر له الكثير وأشكره على اليسير واغنه برحمتك
فلم تأت عليه جمعه حتى قيل للنبي {صلى الله عليه وسلم} أن الشاب قد مات
فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} لا إله إلا الله إذا فرغتم من غسله
أخبروني فأخبروه {صلى الله عليه وسلم} فقال {صلى الله عليه وسلم} هنيئا لك
الجنة ثم سأل زوجته هل نال منها شيئا قالت لا والذي بعثك بالحق نبيا ما
نال مني شيئا
313 حكايات عن الصالحين في الخشية من الله
قال ميمون بن مهران دخلت على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو يقرأ {
ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر } التكاثر 1 2 فقال إنما يزورون المقابر
بالموت ولا بد لكل زائر أن يعود لوطنه من جنة أو نار
وقال زر بن جبيش عن علي رضي الله عنه فال كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت
{ ألهاكم التكاثر } التكاثر 1 يقول شغلكم التكاثر بالأموال والأولاد عن
ذكر الله وطاعته واللهو ما شغل
وأكثر ما يقال في البطالة { حتى زرتم المقابر } التكاثر 2 بيوتكم
ويقال إن حيين من قريش تفاخرا وتعاددا بالأموات كان منا فلان
وكان منا فلان { كلا سوف تعلمون } التكاثر 3 يقول سوف تعلمون إذا متم { ثم
كلا } التكاثر 4 يقول ثم كلا سوف تعلمون في قبوركم وهو وعيد مع وعيد فمعنى
الأول غير معنى الثاني وليس ذلك بتكرير
قال الفراء والكلمة قد تكررها العرب على التغليظ والتخويف
فهذا من ذلك
ثم قال { كلا } أي كلا لا يؤمنون بالوعيد ثم استأنف وقال { لو تعلمون علم
اليقين } التكاثر 5 يقول محض اليقين وهو الذي لا شك أعلمكم أنكم سترون
الجحيم في الآخرة كقوله { وبرزت الجحيم لمن يرى } النازعات 36 فالتكرار في
قوله تعالى { لترون الجحيم } التكاثر 6 في القيامة إذا برزت { ثم لترونها
عين اليقين } التكاثر 7
إنني موقن بما في كتابي
عاجلا تسوني الأكفانا
فإذا ما وضعت في ظلمة اللحد
وبدلت من مكان مكانا
وإذا لم يدركني ربي بعفو
ألق في القبر ذلة وهوانا
314 صفة القبر
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال القبر روضة من رياض الجنة أو
حفرة من حفر النار إلا وإنه ليتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول أنا بيت
الظلمة أنا بيت الوحشة أنا بيت الدود الله الله يا إخواني اعملوا لهذا
الضيق وجدوا في العمل باجتهاد وتحقيق
وأنشدوا
} كأني بإخواني على حافة القبر يهيلونه فوقي وأدمعهم تجري
عفى الله عني حين أترك ثاويا أزار فلا أدري وأجفى فلا أدري {
فانتبهوا عباد الله من نومة الغفلة واعملوا ليوم النقلة واستعدوا لظلمة
القبر ما دمتم في فسحة ومهلة ولا تقطعوا أيامكم بالمحال وجنبوا أعماركم
سوء الفعال فإن الموت نازل بكم والقبر أمامكم
وأنشدوا
ني أني من حديثي
والحديث له شجون
ضيعت موضع مضجعي
وقتا ففارقني السكون
قل لي فأول ليلة
في القبر كيف ترى أكون
315 أشد ما على الميت
قيل إنه لا يأتي على الميت في قبره أشد وأصعب من أول ليلة يبيت
فيه فمن تفقد ميته في أول ليلة بشيء من الصدقة وإلا فليصل ركعتين وليهد
ثوابهما لميته يرفع الله تعالى عن ميته ما يجد من الغم والوحشة ويكتب الله
للمصلين عبادة ستين سنة بقيامها وصيامها
وأنشدوا
} بالله يا عين بوحي وابكي علي ونوحي
غدا أوسد قبري
غدا أزور ضريحي
غدا نزوح الأحبة
وتمنعي أن تروحي
ذكر أن الميت إذا وضع في قبره وقال المشيعون انصرفوا آجركم الله يقول
الميت إن كان من أهل الشقاء يا ليتني مع من انصرف لعظم ما يعاين من هول
المطلع
يا أحبابي فإذا كان لأحدكم بيت ولم يبسط فيه على ما يجلس جلس على التراب
والأرض كذلك من لم يقدم لقبره عملا صالحا لنفسه بقي مستوحشا وحيدا فريدا
في رمسه
وأنشدوا
أنا في القبر رهين
قد تبرا الأهل مني
اسلموني بذنوبي
خبت إن لم يعف عني
فارحم اليوم مشيبي
وارحم اللهم سني
وارحم اللهم ضعفي
لا يخيب اليوم ظني
316 عظة للنبي {صلى الله عليه وسلم}
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان النبي {صلى الله عليه وسلم}
يعظنا أحيانا فيقول تجهزوا لقبوركم فإن القبر ينادي كل يوم سبع مرات فيقول
يا ابن آدم الضعيف ارحم نفسك في حياتك قبل أن تلقاني فإنك إذا لقيتني وكنت
عاملا بطاعة مولاك رحمتك ورأيت مني السرور وإن لم ترحم نفسك لم أرحمك أنا
بيت الدود مع الندامة الطويلة وأنا بيت الوحشة مع الجوع الشديد والشدة أنا
بيت العطش مع الظلمة أنا بيت الضيق مع العقارب يا ابن آدم إياك أن تغرك
الحياة الدنيا فإن ممرك علي وأنا أول منازلك إلى الآخرة فإن نجوت مني نجوت
من كل شدة تتخوف منها يا ابن آدم أنا بيت الغضب لا أرحم شابا لشبابه ولا
صغيرا لصغره ولا كهلا ولا شيخا لكبره ولا أرحم إلا من رحم نفسه
وأنشدوا
} عجبت لمن يتم له السرور بدار كل ما فيها غرور
وكيف يلذ ساكنها بعيش ويعلم أن مسكنه القبور
يا ابن آدم لقد خلقت لأمر عظيم لو كنت تعقل لظهر قنوعك ولبان
خشوعك وثارت دموعك خوفا من القبر ووحشته ومن اللحد وضغطته ومن هول المطلع
وروعته
فامهد لنفسك يا مسكين بينما أنت حي وبينما يقبل منك
كل شيء قبل طي الكتاب وغلق الباب ونزول الحجاب والرحيل إلى التراب
وأنشدوا
0 لا تأتمن وإن أمسيت في حرم
إن المنايا تفاجئ كل إنسان {
واسلك طريقك واثبت غير منحرف حتى تلاقي الجزا من عند رحمن
فكل خل وإن أشفقت تتركه وكل مال وإن أكثرته فان
والخير والشر مقرونان في قرن بكل ذلك يأتيك الجديدان
ففكروا رحمكم الله في أحبابكم وجيرانكم وأصحابكم وإخوانكم وآبائكم
وأمهاتكم وأخواتكم والأباعد والأقارب وذوي المودة والأجانب
قد استوحشت من أنفسكم الديار وانقطعت بينهم الآثار وبقوا رهنا في الأحداث
بالأوزار
قد هجرهم الحبيب وسلا عنهم القريب قد ضيقت عليهم اللحود وسالت عيونهم على
الخدود وتمزقت عنهم الجلود ودبت في أجسادهم الهوام والدود وبقيت أرواحهم
في البرزخ إلى اليوم الهائل الموعود
لم ينفعهم ما جمعوا ولا حصنهم ما بنوا وشيدوا ولا منعهم كلما صنعوا
صارت القبور لهم قرارا وفرت الأحباب عنهم فرارا
فانتبهوا يا معشر الإخوان واجتهدوا في طاعة الرحمن من قبل مفارقة الأحباب
والأوطان
وأنشدوا
هي الأحداث تطرق أو تعاد وكل للمنية في مهاد
وما يبقى الحمام إذا يوافي شديد البطش جبار القياد
فكم أسرى إلى ليث هصور وجبار من الأجناد عاد
فقل لأخي السلامة عش مليا فإن الكون داعية الفساد
وكن في العمر لقمان بن عاد وهاك حمام لقمان بن عاد
} فإن المرء في أيدي المنايا أسير ما له منهن فاد
317 العبرة بالقبور
يا أخي إذا أردت أن تدري كيف حالك من بعدك فأخرج إلى القبور وانظرها وقد
عفت ومثل قبرك بين القبور
ثم انظر ماذا تحتاج إليه في قبرك فأكثر منه لطول مدتك فيه وهو
العمل الصالح فأما ما سوى ذلك فما لك حاجة في شيء من أمور الدنيا فإنه
يصير عليك وبالا في قبرك وحسرة وانظر حالك الذي أنت عليه
إن كان يصلح للموت والقبر فتمادى عليه وإن كان لا يصح لهذين فتب إلى الله
تعالى منها وأرجع إلى ما يصلح
وأنشدوا
كم تناسى القبور يا مغرور
حفر ما بها لعاص سرور
وتعامى عنها وأنت تراها
ورحاها على الأنام تدور
فاتق الله حق تقواه واحذر
كل هول يخافه المقبور
ودع اللهو والبطالة واعمل
للتي عاجلا إليها تصير
تلك دار البقاء فكل تقي
في رباها مكرم محبور
ولعاص مصر إن لم تنله
رحمة الله مبعد مثبور
318 دعاء لأهل القبور
كان بعض الخائفين إذا خرج إلى القبور لا ترقأ دمعته ولا يأكل ولا يشرب
ثلاثة أيام ويقول ترى يا أحبائي ما لقيتم في بيوت الحسرات آنس الله غربتكم
ورحم الله وحشتكم وبرد الله مضاجعكم وهون ما قدر عليكم مولاكم إنه سميع
قريب نعم المولى ونعم النصير
ثم يأخذ في البكاء والنحيب
فالله الله أبكوا قبل أيام البكاء واندبوا قبل يوم الأسى
وأنشدوا
} لاه بدنياه والأيام تنعاه والقبر غايته واللحد مأواه
يلهو ولو كان يدري ما أعد له إذا لأحزنه ما كان ألهاه
أو ما جنت يده لو قد تعرفه ويلاه مما جنت كفاه ويلاه
اعلموا عباد الله أن القبور على الأموات توابيت مقفولة والأعمال في
أعناقهم قلائد مجعولة وأرواحهم بالغداة والعشي إلى الجنة أو النار محمولة
وأنشدوا
يا أيها الرجل المزخرف قبره ولعله في جوفه مغلول
يا أيها الرجل المقيم بمنزل فيه الحوادث ما أقام نزول
ألا يغرك ملكه ونعيمه فالملك يفنى والنعيم يزول
وإذا حملت إلى القبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمول
يا إخواننا مضى الإخوان ونحن على آثارهم فإنا لله وإنا إليه راجعون قد
عميت أبصارنا عن حقائق الأمور وغفلنا عن الحمام ونسينا القبور
319 حكاية عن الأصمعي
يحكى عن الأصمعي رضي الله عنه أنه قال مررت بأعرابي وهو واقف على
مقبرة فقلت له يا أخا العرب ما هذا الموضع الذي أنت فيه فقال
هذي منازل أقوام عهدتهم
في رغد عيش نفيس ما له خطر
صاحت بهن نائبات الدهر فانقلبوا
إلى القبور فلا عين ولا أثر
عباد الله من كان مصيره إلى القبر ما للفرح إليه سبيل والقبر يناديه كل
يوم يقول له لا بد لك مني فماذا قدمت لي من عمل صالح وأنشدوا
أجار الدهر ليس له جوار
وحسن الظن بالدنيا اغترار
إذا ما رمت يوما كان يوما
ونقص البدر غايته السرار
ودع حرص الجبان على حياة
وأجمل إن عمرك مستعار
وذو الآمال منها في غمار
وعند الموت ينكشف الغمار
ويرجو المرء أن يبقى سليما
ويأبى الليل ذلك والنهار
وهل تخطي المنية نفس حي
وهاديها رواح وابتكار
320 حكاية عن الحسين
قيل كان الحسين رضي الله عنه إذا رأى القبور قال ما أحسن ظواهرها وإنما
الدواهي في بطونها
فالله الله عباد الله لا تشتغلوا بالدنيا فإن القبر بيت العمل فاعملوا ولا
تغفلوا وأنشدوا
} يا من بدنياه اشتغل وغره طول الأمل
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
أخي لو رأيت الميت في قبره بعد ثلاثة أيام لاستوحشت من فقده بعد طول الأنس
بناحيته ولو رأيت كيف تجول فيه الهوام ويجري فيه الصديد وتخرقه الديدان مع
تغير الريح وبلاء الأكفان بعد حسن الهيأة وطيب الريح ونقاء الثوب
وأنشدوا
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا من أعالي عز معقلهم واسكنوا حفرا يا بئس ما سكنوا
ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا
اين الأسرة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت محجبة
من دونها تضرب الأستار والكلل {
فافصح القبر عنهم حين ساء لهم تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طال ما أكلوا دهرا وما نعموا فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
فيا معشر الشباب تأهبوا للغدو إلى التراب فإن الشيخ يكفيه مصيبة الشيب
فإنه يمهد للقبر
وأنشدوا
ما للشيوخ وللغد وإلى الملاهي والبكور
وهم غدا أو قبله أو بعده حشو القبور
321 نداء القبر لساكنيه
عباد الله ما من أحد لا مؤمن ولا فاجر إلا وقبره يناديه بكرة وعشية إما
بالبشرى والسرور وإما بالويل والثبور فمن فكر فيه وفي وحشته وضيقه وغمته
كان عليه أوسع من الدنيا وأفرج منها وأبدله الله خيرا من داره وأهلا خيرا
من أهله وجعل القبر خيرا من داره فأكثروا ذكره في الآناء والأوقات وأطيعوا
جبار الأرضين والسموات عساه يجعله لكم روضة من رياض الجنات ويقيكم فيه
الذل والحسرات
وأنشدوا
} قف بالمقابر واذكر وإن وقفت بها
لله درك ماذا تستر الحفر
ففيهم لك يا مغرور موعظة
وفيهم لك يا مغرور معتبر
كانوا ملوكا تواريهم قصورهم
دهرا فوارتهم من بعدها الحفر
الدود يأكل أقواما منعمة
نعم ومن دونها الألواح والمدر
أعن رضاه ذاك عنهم أم على سخط
هيهات ضلت وحارت فيهم الفكر
322 بكر بن حماد
يحكى عن بكر بن حماد رحمه الله أنه خرج يوما إلى القبور وجعل ينظر إلى
امتداد القبور ويفكر في الأحباب والإخوان والأصحاب والجيران
ثم بكى حتى طال بكاؤه وبلت دموعه لحيته ثم جعل يقول
} زرنا منازل قوم لا يزورونا إنا لفي غفلة عما يقاسونا
لو ينطقون لقالوا الجد ويحكم
جدوا الرحيل فقد آوى المقيمونا
الموت أحدق بالدنيا وعزتها
وفعلنا فعل قوم لا يموتونا
فابكوا كثيرا فقد حق البكاء لكم
فالحاملون لعرش الله باكونا
فالله الله جدوا في العمل فإن القبر أمامكم والموت يطلبكم يفرق ما جمعتم
ويخرب ما قد بنيتم بقطع الأنفاس وينقلكم إلى ضيق اللحود والأرماس فمن قدم
إلى القبر عملا صالحا وجده روضة من رياض الجنان ومن لم يكن له عملا وجده
حفره من حفر النيران فاستعدوا له يا معشر الأصحاب والإخوان
روي عن محمد بن السماك رحمه الله أنه قال مررت بالمقابر فإذا مكتوب على قبر
تمر أقاربي جنبات قبري
كأن أقاربي لم يعرفوني
وذو الميراث يقتسمون مالي
وما يألون إن جحدوا ديوني
وقد أخذوا سهامهم وراحوا
فيا لله أسرع ما نسوني
عباد الله أفيقوا من سكرتكم من دار الغرور وطاعة الشيطان المثبور
واعملوا لضيق اللحود والقبور
323 حكاية عن أحمد بن أبي الحواري
حكي عن أحمد بن أبي الحواري رحمه الله أنه قال خرجت يوما للقبور فذكرت
الموت في نفسي والبلاء فرأيت شابا بين القبور قد استفرغه الخوف والبكاء
وهو بين القبور منصرف فقلت له من أين أقبلت أيها الفتى فقال من هذا المبرز
قلت وأي شيء قلت لهم قال قلت لهم متى ترحلون فقالوا حين تقدمون ثم ولى عني
وهو يبكي فتبعته فقلت له أين تريد فقال ألتمس العيش فقلت له كيف تلتمس
العيش بين القبور فقال وأي شيء هو العيش عندكم قلت المال والبنون وأشباه
ذلك من اللذات بالنساء والصبيان فولى عني وهو يقول أف لعيش يعقب أحزانا
وندامة وأشجانا
فقلت وأي شيء هو العيش عندكم قال إنما العيش عندنا هو الإقرار بتوحيد الله
والوقوف بفناء الله والخضوع بين يدي الله والتلذذ بحلاوة مناجاة الله
فهناك تزدحم عليك أعلام الفوائد من الله تعالى وجميل العوائد قلت له
أخبرني عن الصادق لله في حبه متى يشتاق إلى لقائه قال إذا نزع
الله حب الدنيا من قلبه وتبرم ببقائه بين خلقه
فحينئذ يشتاق إلى لقائه
قال قلت له أخبرني عن غاية الزهد في الدنيا قال ترك الحلال حتى لا يقع في
الحرام قال قلت أخبرني عن غاية الرضا بالله تعالى قال إذا كنت راضيا بكل
ما قدر الله تعالى وقضاه وأحكمه وأمضاه وأنه هو المتفضل على المتقين بفضله
والخاذل لمن شاء بعدله قلت له أخبرني عن غاية العبادة قال تجمع الهموم
فتجعلها هما واحدا حتى يستوي عندك العمران والخراب وتكون خائفا من الله
تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
قلت له كيف النجاة من مخالفة الناس قال إنما الناس رجلان عاقل وجاهل
فالعاقل اشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره وقام مجتهدا بطاعة ربه فهو لا
يلتفت إليك ولا إلى غيرك وأما الجاهل فلا يبالي كيف ما كان عليه
فعليك بالبراري والقفار والاستئناس بالواحد القهار قلت فمن أين
القوت قال تهرب إلى الله تعالى وقد فتح لك باب التوكل عليه ويضيعك حتى
تتهمه في رزقك إنه رؤوف رحيم لا يسلمك
ثم تصافحنا وتفرقنا ودعا لي فما رأيت أنور قلبا منه
ووجد على قبر مكتوب
تناجيك أجداث وهن سكوت
وسكانها تحت التراب خفوت
فيا جامع الدنيا لغير بلاغة
لمن تجمع الدنيا وأنت تموت
عباد الله ارحموا أنفسكم قبل نزول العذاب فإن القبر لا يرحم من ليس له عمل
ولا يشفق على من غره طول الأمل ولا يحن على من ضيع أيام المهل
وأنشدوا
ما حال من سكن الثرى ما حاله
أمسى وقد صرمت هناك حباله
أمسى ولا روح الحياة تصيبه
يوما ولا لطف الحبيب يناله
أضحى وقد درست محاسن وجهه
وتفرقت في قبره أوصاله
واستبدلت منه المحاسن غبرة
وتقسمت من بعده أوصاله
} ما زالت الأيام تلعب بالفتى
والمال يذهب صفوه وحلاله
324 عيسى والمدينة الخربة
روي أن عيسى بن مريم عليه السلام دخل مدينة خربة فدخل قصرا من قصورها
فنادى يا خراب الأخر بين أين أهلك فأجابه شيء من آخر القصر يا ابن
مريم بادوا
فاجتهد ولا تفرط فإن العظام قد بليت وبقيت أعمالهم في رقابهم
وأنشدوا
قف بالقبور وقل على ساحاتها
من منكم المغموم في ظلماتها
ومن المكرم منكم في قفرها
قد ذاق برد الأمن من روعاتها
أما السكون لدى العيون فواحد
لا يستبين الفضل في درجاتها
لو جاوبوك لأخبروك بألسن
تصف الحقائق بعد من حالاتها
أما المطيع فنازل في روضة
يفضي إلى ما شاء من راحاتها
والمجرم الطاغي بها متقلب
في حفرة يأوى إلى حياتها
وعقارب تسعى إليه فروحة
في شدة التعذيب من لذعاتها
عباد الله ما لكم لا تفيقون من غفلاتكم وتنتهون من نوماتكم وتصحون من
سكراتكم وتملون من شهواتكم وتدعون الكثير من لذاتكم
وتذكرون هول المقابر والمصير إلى ضيق الحفائر فإن ملك الموت لا يأتيكم إلا
على ألذ ما تكونون من طيب عيشكم ولذة دنياكم فبادروا قبل مبادرته بكم
وأنشدوا
بناء الفتى في لهوه وعنائه
متبختر يختال في لذاته
قد غره الأمل الكذوب
فهمه في كل ما يدنيه من شهواته
إذ جاءه ملك النفوس بسكرة
تركه ملقى الجسم بين ثقاته
فتقطعت أسبابه وتخرمت
وتنكر المعروف في حالاته
} لا يستجيب لمن دعاه ولا يرى
شق الجيوب عليه حين وفاته
325 ابن عباس وابن الخطاب
ذكر في بعض الأخبار أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما دخل على عمر بن
الخطاب رضي الله عنه يوم قتل فقال أبشر يا أمير المؤمنين قال بماذا قال
آمنت برسول الله {صلى الله عليه وسلم} حين كفر به الناس وجاهدت مع رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} حين خذله الناس ومات رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} وهو عنك راض ولم يختلف في خلافتك إثنان وقتلت شهيدا فقال له عمر رضي
الله عنه أعد علي ما قلت فأعاد عليه فقال والذي لا إله غيره لو أن لي ما
طلعت عليه الشمس وغربت لاقتديت به من هول المطلع فإذا كان هذا قول عمر رضي
الله عنه إمام السنة وحبيب الأمة
وسراج أهل الجنة في الجنة قال هذا عند الفراق والانقطاع وأشفق من هول
المطلع فكيف بأهل اللهو واللعب والبهتان والكذب أمثالنا الذين قطعوا
أعمارهم في الذنوب وأفنوا أيامهم في معصية علام الغيوب وغفلوا عن القبور
ولم يتفكروا في هول يوم النشور والله أعلم وأنشدوا
أراني كل يوم في انتقاص
وبعد لا يزول وطول هجر
وأيامي تمر بغير شيء
وعمر المرء في الأيام يسري
ألا خطوا على قبري كتابا
وقولوا قبر ذي ظلم وغدر
أتى الدنيا وفارقها فقيرا
وكل فتى على ذا النهج يجري
وقولوا حين أدفن أي عبد
أتى مولاه في ذل وفقر
حكي عن داود الطائي رحمه الله أنه مر على امرأة تبكي على قبر وهي تقول
عدمت الحياة ولا نلتها
إذا أنت في القبر قد الحدوكا
فكيف أذوق لذيذ الكرى
وأنت بيمناك قد وسدوكا
قال داود فلما سمعت تذكرت في الأحباب والأخدان والأصحاب والأخدان لا يرى
لهم آثار ولا على الأرض منهم ديار
أمر على القبور وأرتقيها
كأني ليس لي فيها حبيب
وأكره أن أسائلها فإني
أراها حين تسأل لا تجيب
326 عظة نفيسة
عباد الله ما مضى من مضى إلى القبور الحالية من الأمم الخالية
لتبقوا بعدهم إلا النذر اليسير الذي بقي من أعماركم ثم تنتبهون إلى القبور
وتخرجون من سعة القصور والدور
والحمد لله يا معشر المؤمنين وجماعة إخواني المسلمين جدوا واجتهدوا
وبالعمل الصالح فاستعدوا وقدموا لأنفسكم ما تجدوه في المقابر وابكوا عليها
قبل حلولها في الحفائر
وأنشدوا
} لكل أناس مقبر بفنائهم فهم في انتقاص والقبور تزيد
وفي محشر الموتى أمام قبورهم فما منهم من للحياة يعود
327 وأنشدوا
المرء رهن مصائب لا تنتهي
حتى يوارى جسمه في رمسه
فمؤخر يلقى الردى في أهله
ومقدم يلقى الردى في نفسه
تذكر أيها المغرور أباك وإخوانك وتذكر أهلك وجيرانك وتذكر أحبابك وأخدانك
أين الذين كانوا لك في الدنيا أحبابا وفي أيام حياتك أصحابا صحبتهم وصحبوك
وذهبوا عنك وتركوك وأوحشوا الأهل والأحباب وفارقوا القرابة والأصحاب قد
ضمت أجسادهم المقابر وغيرت أبشارهم الحفائر وبقيت أرواحهم تنتظر يوما تبلى
فيه السرائر فمنهم من يجازى بنعيم وخلود ومنهم من يرد النار وبئس الورد
المورود أين لقمان بن عاد أين ثمود وشداد أين فرعون ذي الأوتاد وأين من
طغى في البلاد وأظهر فيها الفساد ذهبت والله تلك الأجناد وصاروا إلى ظلم
القبور على غير مهاد ولا وساد
تذكر أيها الغافل أين الملوك الأكابر وأين الطغاة الجبابر وأين الذين
جمعوا الأموال والذخائر وقادوا الجيوش والعساكر وكانت الخطباء تذكرهم على
المنابر حولتهم والله النوائب إلى الحفائر وبقوا مرتهنين بأعمالهم في
ظلمات المقابر ونزلوا على ما قدموا من ذخائر الأعمال قد قطعت الديدان
أوصالهم وغير البلاء أحوالهم
قد سالت العيون منهم على الخدود وصارت لحومهم قوتا للهوام والدود وقسمت من
بعد دفنهم في التراب أموالهم ونكحت من عدوهم عيالهم وأنشدوا
هل كان قبلك للذات مرتاحا
لو شفه ذكر ذنب قد مضى ناحا
لله عبد جنى ذنبا فأحزنه
فظل حيران يذري الدمع سفاحا
فاسفح دموعك عن ذنب أصبت به
فرب دمع جرى للخير مفتاحا
ورب عين رآها الله باكية
خوف القبور ستلقى الروح والراحا
مستعبر قلق مستيقظ فطن
كأن في قلبه للنور مصباحا
يا صاحبي دعا التسويف ويحكما
واستبدلا بفساد الدين إصلاحا
لا تأمنن وقوع الموت إن له
لأنفسا من جميع الخلق مجتاحا
إن لم يبيتهم ناداهم سحرا
وإن تأخر عن تبكيرهم راحا
لا يترك الموت بيتا حشوه فرح
إلا أعاضهم ذلا وأتراحا
أهل القبور أبينوا عن قبوركم
هل تستطيعون لي بالرد إفصاحا
ماذا لقيتم وماذا بعد قيل لكم
لما فقدتم من الأجساد أرواحا
يعزز علي بأبدان منعمة
أمسى بها الدود جوالا وسواحا
الناس في غفلة عما يراد بهم
من كان ذا بصر فالصبح قد لاحا
328 حكاية عن ابن السماك
حكي عن ابن السماك رحمه الله أنه حضر يوما جنازة فلما نظر إلى القبور بكى
وقال لأصحابه معشر الإخوان ألا متأهب لموت يوصف له يراه أمامه ألا مستعد
ليوم فقره ونزوله إلى حفرته وقبره ألا شاب عازم قد بارز لمنيته ألا من ليس
يغيره شباب متنه ولا شدة قوته إلا شيخ قد بادر لانقضاء مدته فشمر السير
فيما بقي من رمقه ماذا ينتظر من دفن أباه وقر أمه وأخاه ما فرح من القبر
مأواه والتراب فراشه وغطاه
وأنشدوا
} ألا إنما الدنيا بلاء وفتنة وبينا الفتى فيها مهاب مسود
إذا انقلبت عنه وزال نعيمها فاصبح من ترب القبور يمهد
فكن خائفا للموت والقبر بعده ولا تك ممن غره اليوم أو غد
حكي عن بعض الصالحين رحمه الله أنه قال دخلت على مريض وهو في شدة السكرات
فقلت له كيف تجدك فبكى ثم قال
رحلت عن الدنيا وقامت قيامتي غداة أقل الحاملون جنازتي
وعجل أهلي حفر قبري وصيروا خروجي وتعجيلي إليه كرامتي
كأنهم لم يعرفوا قط صورتي غداة أتى يومي علي وساعتي
إخواني ما هذا لمن مضى بل والله لمن مضى ولم بقي لا بد من القبر
ووحشته ومن الموت وسكرته فانظروا لأنفسكم ما دام ينفعكم وتفكروا في وحشة
القبر ما دام التفكر يباح لكم من قبل وقوع السكرة ونزول الحسرة وحيث لا
تقال العثرة
فإن الأيام غرور وهي طريق إلى القبور
وأنشدوا
ما للمقابر لا تجيب إذا دعاهن اللبيب
حفر يستر فوقهن من الجنادل والكثيب
فيهن أطفال وولدان وشبان وشيب
كم من حميم لم يكن نفسي بفرقته تطيب {
غادرته في بعضهن
مجندلا وهو الحبيب
329 حكاية عن بعض الصالحين
حكي أن رجلا من الصالحين رحمه الله حضر جنازة فلما وضعوها في قبرها وانصرف
أهلها وقف على قبر صديق له فناداه يا حبيب
يا فلان الصديق فلم يجبه أحد فأنشأ يقول
} أحبيب مالك لا تجيب مناديا أنسيت بعدي جملة الأحباب
فأجابه مجيب يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو يقول
قال الحبيب وكيف لي بجوابكم وأنا رهين جنادل وتراب
أكل التراب محاسني ونسيتكم وحجبت عن أهلي وعن أحبابي
فعليكم مني السلام تقطعت مني ومنكم عقدة الأنساب
يا مسكين فهذه صفتكم وصفة إخوانكم وأحبابكم وجيرانكم وأصحابكم فاعتبروا
بهم وعظوا أنفسكم وأبكوا طول حياتكم أيام وحشتكم وبعد رقدتكم وطول غربتكم
وانفرادكم في قبوركم ووحدتكم فعسى الله مولاكم أن يرحمكم فيؤنسكم فيها
بأنس كرامته وينورها بنور مغفرته ويجعلها لكم أول منزلة من منازل الجنة
وينجيكم فيها من كل عذاب ومحنة إنه المنان الكريم المتفضل الرحيم
330 موعظة ابن عباس
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ارحم ما يكون المولى جل جلاله
بعبده إذا دخل قبره وتفرق الناس وأهله فمن أكثر من ذكره وجده روضة من رياض
الجنة
وما من يوم إلا والأرض تنادي بخمس كلمات يا ابن آدم تمشي على
ظهري ومصيرك إلى بطني يا ابن آدم تضحك على ظهري وسوف تبكي في بطني يا ابن
آدم تفرح على ظهري سوف تحزن في بطني يا ابن آدم تذنب على ظهري وسوف تعذب
في بطني يا ابن آدم تأكل الحرام على ظهري وسوف يأكلك الدود في بطني يا ابن
آدم كم من محسود في حياته يود إذا نزل في حفرته لو كان كل ما جمعه وخلفه
لأعدائه وحساده فكم من تارك لعياله ما يصلحهم لمعادهم
ويكون هو في قبره أو في رمسه مثبورا
وأنشدوا
أخلق الموت جدتي
ومحا حسني البلى
صرت بين النعيم في
منزل البعد والقلى
وجفاني أحبتي
حين غيبت في الفلا
يا أخي تفكر في تلك الأكفان
وتغير الروائح وصولة الديدان ونهش العقارب والحيات والكون تحت أطباق الثرى
والظلمات
وانظروا إلى أحبابكم في بسط الأرماس كيف عدموا الأناس والحراس وانقطعت
عنهم الحركات وسكنت منهم الأنفاس وأنشدوا
أتعمى عن الدنيا وأنت بصير
وتجهل ما فيها وأنت خبير
وتصبح تبنيها كأنك خالد
لقد كان فيما قد بلوت نذير
متى أبصرت عيناك أمر ولم يكن
يخبرنا أن البقاء يسير
فدونك فاصنع كلما أنت صانع
فإن بيوت المتقين قبور
331 حكاية عن الحسن البصري
يحكى عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه نظر إلى جنازة قد وضعت في لحدها
فقال يا لها من موعظة بليغة لو صادفت قلوبا حية والله لقد فضح الموت
الدنيا ولم يترك فيها لذي نسب فرحا
ثم أشار إلى امتداد القبور فبكى وقال هؤلاء أهل محلة قد كفى من جلس إليهم
شرهم وإن ترحم عبد عليهم وصل إليهم ما ترحم به
عباد الله اعلموا أن القبور منزلة بين الدنيا والآخرة فاعملوا لمثل هذا
اليوم فإنما هم إخوانكم تقدموا وأنتم في الأثر أيها المتخلف من بعد أخيه
أنت الميت من بعده غدا والباقي بعدك هو الميت في أثرك الأول فالأول حتى
يتوفوا جميعا فكأنا بكم قد عمكم الموت واستويتم جميعا في سكراته وحللتم
جميعا في القبور إلى يوم النشور
فالله الله تفكروا في طول البلاء في ظلمات بين أطباق الثرى
وأنشدوا
} أخي ما بال قلبك ليس ينقي كأنك لا تظن الموت حقا
أيا ابن الذين فنوا وبادوا اما والله ما بادوا وتبقى
وما أحد بزادك منك أحصى وما أحد بزادك منك أشقى
وما للنفس عندك مستقر
إذا ما استكملت أجلا ورزقا
تفكروا في الملوك العتاة والجبابرة والطغاة الذين عمروا الدنيا وملكوها
وأقطارها وسكنوا المشيد من قصورها كانوا أشد منكم قوة وآثارا واقوى أجساما
وأطول أعمارا خلفوا ما كسبوا للأهل والأحباب وعمر ديارهم من بعدهم الأصحاب
وانصرم عنهم الليل والنهار ونزلوا على ما عملوا من الأوزار فلو أبصرتموهم
بعد قليل في ظلمات القبور وقد تقطعت منهم الجلود وتمزقت الخدود وضيقت على
أبدانهم اللحود واتخذ الخليل من بعدهم خليلا وصارت أبدانهم للدود مقيلا
فتفكر يا أخي وكن إلى التوبة مسرعا عجولا ولا تطع الشيطان إنه كان للإنسان
خذولا وكو نوا أولياء الرحمن ولا تكونوا أولياء الشيطان
فعسى الله أن ينجيكم من عذاب النيران ويدخلكم برحمته الجنان
وأنشدوا
اعمل لمثواك في الضريح
واندم على فعلك القبيح
ولا تقصر وفيك روح
فسوف تبقى بغير روح
واقرح الخد من دموع
بالجد من قلبك القريح
والتمس الصفح قبل يوم
تنقل فيه إلى الصفيح
يا نفس إني غدا طريح
والترب يحثى على الطريح
نوحي فلو قد حواك قبر
لم تقدري فيه أن تنوحي
أحبابي قوموا بنا إلى الحزن والبكاء وإلى طول الأسف والأسى لعل الله
يرحمنا في ظلمات القبر وعسى فإن القبر ينادي في الصباح والمسا
قيل وقف بعض الصالحين في المقابر وأنشأ يقول
أغضاب أحبابنا أم رقود
فإلى كم يكون هذا الصدود
إن تكونوا قوما نياما فهبوا
كم تناموا عنا ونحن قعود
أو تكونوا هجرتمونا بذنب
كان منا فإننا لا نعود
حكي عن بعضهم رضي الله عنه أنه قال مات لي صديق فاغتممت عليه لما كان فيه
من الصلاح والخير وحسن الطريقة فرأيته بعد موته في المنام فسألته عن حاله
فأنشأ يقول
أنا لكم إخوتي نذير
من هول ما ضمت القبور
عاينت ما لم تعاينوه
وإنما يبتلى الخبير
إن الذي حل بي جليل
جدا فقد أعذر النذير
فإنما أنت في غرور
فلا يغرنك الغرور
فإن قدامك المنايا
والقبر والبعث والنشور
إما إلى جنة وإما
إلى جحيم لها سعير
فالله الله يا معشر الإسلام انتبهوا من ثقل هذا المنام فإن أمامكم وحشة
القبور بعد سكرات هول الحمام فمن ضيع في البطالة والجهالة أيامه وكثرت في
صحيفته أوزاره وآثامه فمقام الحسرة غدا في القبر مقامه
وأنشدوا
أبصر وتب يا رجل
قد أزف التنقل
إلى محل ضيق
تذهب فيه الحيل
مالك فيه مؤنس
إلا التقي والعمل
أي غلام قام في
محرابه يبتهل
يقول في سجدته
ودمعه ينهمل
يا ظاهر يا باطن
يا مالك لا تعجل
اغفر ذنوبي كلها
فشأنك التفضل
} وتب علي توبة
فهي المنى والأمل
332 نباش القبور
روي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قال بينما نحن جلوس في مجلس ابن
عباس رضي الله عنهما إذ وقف رجل بين يديه فقال يا ابن عباس ما أذل العاصين
بين يدي الله تعالى وما أحسن المبادرين إلى طاعة الله تعالى يا ابن عباس
ما أغفل المذنبين عن قرب الجليل وأشد تخليط من لم يوفق بالرحيل
قال ثم خرج
فقام إلى ابن عباس بعض جلسائه فقال له يا ابن عباس إن هذا الفتى نباش
وإنما يتستر بهذه المقالة فإذا جن عليه الليل خرج إلى المقابر فنبش فيعري
الموتى من أكفانهم
قال ابن عباس لا أصدق مثل هذا حتى أراه بعيني وألمسه بكفي
فقال له الرجل إن شئت لأرينك ذلك
فقال قد شئت
فلما هجم الليل إذا الفتى قد
أقبل وفي يده اليمنى قنديل وفي اليسرى غل حتى توسط المقابر ثم رمى بطرفه
شاخصا وقال سلام عليكم أهل مضايق اللحود ومطعم البلاء والدود ما أبعد
سفركم وما أوحش طريقكم فليت شعري ما حالكم ارتهنتم بأعمالكم وقطعتم دون
آمالكم بل ليت شعري أندم الحياة حل بكم أم فرح البشرى بالقدوم على ربكم
سبقتمونا فلبيتم وأجبتم قبلنا إذ دعيتم ونحن للقدوم عليكم
منتظرون وللمنهل الذي وردتموه واردون فبارك الله لنا ولكم على القدوم عليه
ورحمنا إذا صرنا إلى ما صرتم إليه
ثم نزل في قبر قد احتفره لنفسه فوضع خده على شفير اللحد وجعل ينادي يا
ويلتى إذا دخلت في قبري وحدي ونطقت الأرض من تحتي فتقول لي لا مرحبا ولا
أهلا ولا سعة ولا سهلا بمن كنت أمقته وهو على ظهري فكيف وقد صرت اليوم في
بطني لأضيقن عليك أرجائي ولأذيقنك مكروه بلائي
ويلي إذا خرجت من لحدي حاملا وزري على ظهري وقد تبرأ مني أبي وأمي
بل ويل من طول كذبي إذا أسمعني منادي ربي أين فلان بن فلانة فأبرزت من بين
جيرتي وقد بدت إلى الناس سريرتي وقمت عريانا ذليلا وقاسيت كربا طويلا
ثم أساق إلى أرض القيامه للعرض والوقوف بين يدي جبار السموات والأرض
ويلي إذا وقفت أمام ربي فقال لي عبدي استترت بمعصيتي عن المخلوقين
وبارزتني بها وأنا عليك من أكبر الشاهدين أفكنت عليك من أهون الناظرين
إليك ثم خر مغشيا عليه فلما أفاق رفع رأسه إلى السماء فقال يا ذخري ويا
ذخيرتي ومن هو أعلم بطويتي وسريرتي يا من عليه اعتمادي في حياتي ومن إليه
ألجأ بعد مماتي لا تخذلني بعد الموت ولا توحشني في قبري يا سامع كل صوت
فلما سمع ابن عباس مقالته لم يتمالك أن سعى حتى وقف على شفير القبر وجعل
ينادي لبيك لبيك حبيبي ما أنبشك للذنوب والخطايا هكذا تنبش الذنوب وتمزق
الخطايا
ثم التفت إلى الذي سعى به وقال له يا عبد الله هكذا فاصنع كلما علمت بمثل
هذا النباش فأرشده إلى ابن عباس فما أحبه وآثره لديه يا ليت كل النابشين
مثله
وأنشأ يقول
قف بنا بالقبور نبكي طويلا
ونداوي بالدمع داء جليلا
فعسى الدمع أن يبرد منا
بعض لوعاتنا ويشفى الغليلا
وننادي الأحباب كيف وجدتم
سكرة الموت بعدنا والمقيلا
لو أطاقوا الجواب قالوا وجدنا
سكرة تترك العزيز ذليلا
بدلوا بعد القصور قبورا
ثم بعد اللباس ردما ثقيلا
عباد الله اعملوا لظلمة القبر قبل فوات العمل وبادروا بالتوبة
قبل انقضاء الأجل واشعلوا في قلوبكم نيران الخوف والوجل وتزودوا للقبر
بينما أنتم في فسحة ومهل فإن الموت آت والعمر فات والطريق طويل والزاد
قليل وهول القبر ثقيل
وأنشدوا
تضرع في دجى الليل
إلى مولاك يكفيكا
ولا تأمن هجوم الموت
إن الموت يأتيكا
كأني بالذي يهواك
في القبر يدليكا
وقد أفردت في لحدك
فردا بمساويكا
واسلمك الذي قد كان
في الدنيا يصافيكا
فيا سؤلي ويا ذخري
وكل الخلق راجيكا
ويا من ليس منا
أحد يحصى اياديكا
تجاوز عن مقال ثم
حقق أملي فيكا {
يا أخي قم بين يدي مولاك إذا دخل الليل البهيم واسأله لعله يكفيك في قبرك
العذاب الأليم
333 حكاية عن ابن الأسود
حكي عن الحجاج بن الأسود أنه قال رأيت في المنام كأني دخلت في المقابر
فإذا أهلها نيام في قبورهم وقد تشققت الأرض عنهم فمنهم النائم على التراب
ومنهم النائم على القباطي ومنهم النائم على السندس ومنهم النائم على
الإستبرق ومنهم النائم على الحرير ومنهم النائم على الديباج ومنهم النائم
على الياسمين والريحان ومنهم النائم كالمبتسم في نومه ومنهم حائل اللون
ومنهم من قد أشرق نوره ومنهم قد اشتد كربه ومنهم من قد اغتم في ضيق القبر
ووحشته
فبكيت في منامي مما رأيت ثم قلت يا رب لو شئت لسويت بينهم في الكرامة
فناداني مناد من بينهم يا حجاج هذا الذي تراه من تفاضل الأحوال إنما هي
منازل الأعمال ولكل امرئ منهم ما قدم
فاستيقظت فزعا مرعوبا وأنشدوا
تحرك إن قدرت وقم طويلا
فسوف يطول نومك في التراب
وحقق ما تقول فأنت عبد
تساءل ثم تطلب بالجواب
وكفر ما عملت وكن مجدا
وتب لله تسعد بالمتاب
عباد الله ليس لكم دواء من جميع أمراض الشهوات إلا التوبة والندم على ما
سلف وحسن الأوبة لعل الله يغفر لكم ما عقدتم عليه من الضمائر وما طويتم
عليه خفيات السرائر وينور لكم في ظلمات الأجداث وضيق القبور ووحشة الحفائر
وأنشدوا
نعت نفسها الدنيا إلينا فأسمعت
ونادت ألا جدوا الرحيل وودعت
وزمت مطايانا إلى برزخ البلى
وساقت بنا سوقا حثيثا فأسرعت
سلام على أهل القبور أحبتي
لقد بليت أجسامهم وتقطعت
فما موت الأحياء إلا ليبعثوا
يقينا وتجزى كل نفس بما سعت
عباد الله فما لكم تدعون إلى الرجوع إلى الله فلا تجيبون والموت والقبر
فلا تذكرون فإنا لله وإنا إليه راجعون ذهب السامعون والواعظون
وبقي الجاهلون والغافلون
فلا سامع يعي ويسمع ولا واعظ يداوي وينفع
كل قد شغل بالأماني والغرور ونسي الرحيل إلى القبور
ووجد على قبر مكتوبا
لا تثق بالحياة من بعد قبري
كل حي مصيره كمصيري
كنت في نعمة وفي خفض عيش
فمضى وانقضى كيوم قصير
} ثم افردت في القبور وحيدا
وجفاني الصديق فوق القبور
حديث في منكر ونكير
روي أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لجبريل عليه السلام ليلة الإسراء
كفى بالموت طامة فقال جبريل عليه السلام ما بعد الموت أطم منه وأعظم
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وما ذاك يا جبريل قال الملكان
الأزرقان الأسودان يطآن في شعورهما ويخرقان الأرض بأنيابهما بيد كل واحد
منهما عمود لو ضرب به الجبال لقلعها من أصولها أعينهما كالبرق الخاطف
واصواتهما كالرعد القاصف يبتلي بهما كل مؤمن وكافر فيأتيانه في قبره
فيروعانه ويقعدانه ويعرضان عليه عمله ويريانه مقعده من الجنة أو النار
فقال {صلى الله عليه وسلم} أما الكافر لهما أن
يروعانه ويفعلان به ذلك وأما المؤمن فكيف قال جبريل عليه السلام كذلك أمر
ربك يا محمد فأما الكافر فلا يجد من عذاب الله فترة من حين يدخل قبره وأما
المؤمن فتكون له تلك الروعة كفارة لما مضى من ذنوبه في الدنيا فإذا خرج من
قبره خرج مغفورا له ثم لا يدري روعة بعدها أبدا
335 غرور
ذكر أن بعض الملوك بنى قصرا وشيده فأعجب بذلك وسر به فلما كان في بعض
الليل سمع قائلا يقول
كأني بهذا القصر قد باد أهله
وأوحش منه أهله ومنازله
وصار مشيد القصر من بعد بهجة
وملك إلى قبر عليه جنادله
ولم يبق إلا ذكره وحديثه
تنادي بليل معولات حلائله
فخذ عدة للموت إنك ميت
وإنك مسؤول فما أنت قائله
فأجابه الملك وهو يقول
أقول بأن الله حق شهدته
فذلك قول ليس تخفى فضائله
فأجابه الهاتف وهو يقول
فوالله يا فدم إنك ميت
وقد أزف الأمر الذي أنت نازله
فأجابه الملك وهو يقول
متى ذاك حدثني هديت فإنني
سأفعل ما قد قلته وأعاجله
فأجابه الهاتف وهو يقول
تقيم ثلاثا بعد عشرين ليلة
إلى منتهى شهر وما أنت كامله
قال فلم يتم الشهر حتى مات
وقال بعض الشعراء في هذا المعنى
تمنت نفسه قصرا مشيدا
يلد به ليعمره جديدا
فلما تم عاجله حمام
فأخرجه إلى جدث فريدا
فقل لذوي الترجح في الأماني
ولا يبغون في التقوى مزيدا
تهابوا الموت إن له مجالا
فما يبقى الكبير ولا الوليدا
ويختطف الملوك ذوي المعالي
ولا يخشى الجيوش ولا الجنودا {
336 الملك الزاهد
حكي عن عباد المهلبي أنه قال كان رجل من ملوك البصرة ترك الدنيا وتعبد ثم
بعد ذلك مال إلى الدنيا وغرورها فبنى دارا وشيدها وأمر بفرشها ففرشت الدار
ونجدت وأمر أن يصنع طعام ودعا الناس إليه فجعلوا يدخلون ويأكلون ويشربون
وينظرون إلى بنائه ويعجبون منه ثم يدعون له ويتفرقون عنه فمكث بذلك زمانا
حتى فرغ من أمر الناس ثم أجلس نفرا من خاصة إخوانه فقال لهم أترون سروري
بداري هذه وقد حدثتني نفسي أن أتخذ لكل واحد من أولادي مثل هذه فأقيموا
عندي أياما استمتع بحديثكم فأقاموا عنده أياما يأكلون ويشربون ويلهون
ويلعبون وشاورهم كيف يريد أن يبني إذ سمعوا ذات ليلة هاتفا يقول بصوت جهير
يا أيها الرجل الناسي منيته
لا تأمنن فإن الموت مكتوب
على الخلائق إن سروا وإن كرهوا
فالموت حتم لذي الآمال منصوب
لا تبنين ديارا لست ساكنها
وراجع النسك كيما يغفر الحوب
قال فخرج وخرج أصحابه وراعهم ما سمعوا ثم قال لأصحابه هل تجدون
ما أجد قالوا وما تجد قال أجد مسكة على فؤادي وما أراها إلا علة الموت ثم
أمر بالشراب فأهريق وأمر بالملاهي فأخرجت ثم قال اللهم إني أشهدك واشهد
ملائكتك ومن حضر من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي نادم على ما فرطت
في أيام مهلتي
ثم اشتد به الأمر فلم يزل يقول الموت حتى خرجت روحه وتفرق أحبابه عنه
وأصحابه
وأنشدوا
يا عجبا للناس لو أبصروا
وحاسبوا النفس وقد فكروا
واعتبروا الدنيا إلى غيرها
فإنما الدنيا لهم معبر
والموعد الموت وما بعده
حشر فذاك الموعد الأكبر
عجبت للإنسان في فخره
وهو غدا في وحشة يقبر
ما بال من أوله نطفة
وجيفة آخره يفخر
أصبح لا يملك تعجيل ما
يرجو ولا تأخير ما يحذر
وأصبح الأمر إلى ربه
في كل ما يقضي وما يقدر
لا فخر إلا فخر أهل التقى
غدا إذا ضمهم المحشر
337 موعظة للبهلول
حكي عن بعض السادات أنه قال نظر إلي بهلول وأنا أبني دارا فقال لمن هذا
الدار فقلت لرجل من كبار أهل الكوفة فقال أرنيه فأريته إياه فناداه يا هذا
لقد تعجلت الجناية قبل العناية إسمع إلى صفة دار كونها العزيز أساسها
المسك وبلاطها العنبر اشتراها عبد أزعج للرحيل كتب على نفسه كتابا وأشهد
على عقد ضمائره شهودا هذا ما اشترى العبد الجافي من الرب الوافي اشترى منه
هذه الدار بالخروج من ذل الطمع إلى عز الورع فما أدرك المشتري من درك فيما
اشتراه فعلى المولى خلاص ذلك
شهد على لك العقد وهو الأمن والخواطر وذلك في إدبار الدنيا
وإقبال الآخرة ولهذا الدار حدود أربع فالحد الأول ينتهي إلى مبادئ الصفا
والحد الثاني إلى ترك أخلاق الجفا والحد الثالث ينتهي إلى مدارج أهل الوفا
والحد الرابع ينتهي إلى السكون والتسليم والرضا في جوار من على العرش
استوى ولهذا الدار شارع ينتهي إلى دار الخلد والسلام وخيام قد ملئت
بالولدان والخزام ليس فيها أسقام ولا ضر ولا آلام ولا يذوق ساكن هذه
الأماكن سكرات الحمام
يا لها من دار لا ينقضي نعيمها ولا يبيد كريمها دار أسست فجعل من الدر
والياقوت شرف تلك الحدود وجعل بلاطها من البهاء والنور ومليء خيامها من
جوار بهن كمل السرور من العين الحور ليس لهن سوى الدين والتقوى مهور فترك
الرجل قصره وتاب إلى الله عز وجل وهام على وجهه وجعل البهلول ينادي خلفه
ويقول
} يا ذا الذي طلب الجنان لنفسه لا تهربن فإنه يعطيكا
وأنشدوا
طاب المقام وطاب فيه نعيمه في دار عدن والجليل يراه
فالله الله يا عباد الله لا تغتروا ببناء الدور وتشييد القصور فعما قليل
تخرب وتخرجون منها إلى ضيق اللحود وظلمات القبور وأنشدوا
سلام على أهل القبور الداورس كأنهم لم يجلسوا في المجالس
ولم يشربوا من بارد الماء شربة
ولم يأكلوا من كل رطب ويابس
فيا معشر أهل الدنيا تفقدوا أهل القبور بالدعاء الحسن وتلاوة القرآن
338 حديث في هدية أهل القبور
فإنه روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من دخل المقابر وقرأ قل
هو الله أحد عشر مرة وأهدى ثوابها للموتى غفر الله تعالى للموتى وأدخل في
قبورهم النور والسرور ويكتب الله تعالى للقارئ بكل ميت مات من يوم أهبط
الله آدم إلى الأرض إلى يوم القيامة عشر حسنات
339 الصدقة والدعاء للميت
وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } أهدوا إلى موتاكم
{ قيل وما نهدي يا رسول الله إلى الموتى قال الصدقة والدعاء وما من أهل
بيت يموت منهم ميت يتصدقون عنه بعد موته إلا أهداها له جبريل عليه السلام
على طبق من نور فيقف على شفير القبر فيقول يا صاحب القبر هدية أهداها إليك
أهلك اقبلها فتدخل عليه فيفرح بها ويستبشر ويحزن جيرانه الذين لا يهدي
إليهم شيء فالله الله لا تغفلوا عن موتاكم ولا تنسوهم من الصدقة والدعاء
فإنكم تدخلون عليهم بذلك السرور ويغتبطون بها في القبور
340 رجاء الأموات للأحياء
وقد جاء في الحديث أن الموتى يرجون الأحياء من الأحباب إلى رأس أربعين سنة
فمن أيأسهم أيأسه الله رحمته ومن فرحهم أكرمه تعالى بتحيته
وفقنا الله وإياكم للأعمال الصالحة وأعاننا وإياكم على طلب الرغائب
والخيرات آمين برحمته فإنه مجيب الدعوات وقاضي الحاجات ومقيل العثرات وصلى
الله على من أخرجنا من الظلمات إلى النور المطهر من الآفات المجتنى من
أطيب الثمرات وعليه منا أطيب السلام والتحيات ما دامت الأرض والسموات آمين
آمين فهو مجيب الدعوات وقاضي الحاجات وغافر الذنوب والزلات آنس الله وحشتي
ووحشتكم في القبور وآنس روعتي وروعتكم يوم النشور وأحلنا وإياكم برحمته
دار السرور
آمين آمين
13مجلس في فضل الصيام
341 قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } البقرة 183 أيها الغافل عن الثواب الكثير والساهي عن الملك الكبير واللاهي عن لباس السندس والحرير المتقاعد عن اليوم العبوس القمطرير النائم عما أتي به محمد البشير النذير الذي أنقذنا الله به من جهنم وحر السعيريا غافل يا ساهي أتاك شهر رمضان المتضمن للرحمة والغفران وأنت
مصر على الذنوب والعصيان مقيم على الآثام والعداون متمادي في الجهالة
والطغيان متكل م بالغيبة والبهتان متعرض لسخط الرحمن قد تمكن من قلبك
الشيطان فألقي فيه الغفلة والنسيان فأنساك نعيم الخلد والجنان فظللت تعمل
أعمال أهل النيران فإن كنت يا مسكين كذلك فكيف ترجو الفوز بالرضوان
والحلول في دار الخلد والأمان والخلاص من دار العقوبة والهوان
وأنت مطعمك حرام ولباسك حرام ولسانك لا يفتر عن قبيح الكلام وبصرك حديد
إلى ما حرم من الحرام عليك ذو الجلال والإكرام ويدك ممدودة إلى ما نهاك
عنه الملك العلام وقدمك تسعى إلى ما هو إثم وحرام وأنت في جميع أمورك
وأفعالك مخالف للقرآن والأحكام تارك لسنة محمد عليه الصلاة والسلام
فجسمك من الجوع متعوب من الفجر إلى الغروب ويلحقك النصب واللغوب وصومك عن
مولاك بالطرد محجوب وأخاف أن تكون في النار على وجهك مكبوب لمخالفتك لعلام
الغيوب
فخمص ويحك بطنك عن أكل الربا والحرام وأحبس لسانك عن الوقوع في جماعة
الإسلام وغض طرفك عما هو عليك أعظم من أعظم الآثام وهو النظر إلى ما لا
يحل لك من حرم الأنام وامتثل ما أمرك به أحكم الحكام وقم بين يديه في
الليل البهيم إذا هجع النوام وتضرع إليه إذا أدهم
الليل بداجي الظلام
وحينئذ يصح لك القبول لشهر رمضان وتفوز بالنعيم الأبدي في دار السلام
وتنجو من الأهوال والعذاب الغرام
فليكن ويحك بصرك من النظر إلى المحارم معدولا وسمعك عن سماع القبيح من
القول معزولا وبطنك من أكل الحرام محمولا وقلبك بالفكرة في الحسنات
والمعاد مشغولا وذكر مولاك وسيدك في لسانك مجعولا ومالك في طاعة العزيز
الجبار مبذولا { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا }
الإسراء 36 وقد أعلمك مولاك أن الشيطان كان للإنسان خذولا فلم خنت عهد
مولاك وأمانته وكنت لنفسك ظلوما جهولا
وأنشدوا
قل لأهل الذنوب والآثام
قابلوا بالمتاب شهر الصيام
إنه في الشهور شهر جليل
واجب حقه وكيد الزمام
واقلوا الكلام فيه نهارا
واقطعوا ليله بطول القيام
واطلبوا العفو من إله عظيم
ليس يخفى عليه فعل الأنام
كم له فيه من إزاحة ذنب
وخطايا من الذنوب عظام
كم له فيه من أياد حسان
عند عبد يراه تحت الظلام
كم له فيه من عتيق شهيد
آمن في القيام خزي المقام
إن دعاه مذلل بخضوع
وخشوع ودمعه ذو سجام
أين من يحذر العذاب ويخشى
أن يصلي الجحيم مأوى اللئام
أين من يشتهي التذاذا بحور
في جنان الخلود بين الخيام
التمس فيه ليلة القدر واترك
التماسا لها لذيذ المنام
واجتهد في عبادة الله واسأل
فضله عند غفلة النوام
يا لها خيبة لمن خاب فيه
عن بلوغ المنى بدار السلام
يا لها حسرة لمن كان فيه
ساترا شره بثوب الظلام
يا إله الجميع أنت بحالي
عالم فاهدني سبيل القوام
} وأمتني على اعتقاد جميل
واتباع لملة الإسلام
342 فضل رمضان
فالله الله عباد الله اغتنموا شهر المتاب وما وعدكم فيه من جزيل الثواب
ومن العفو عن الأوزار وعتق الرقاب
وهو شهر لياليه أنور من الأيام وأيامه
مطهرة من دنس الآثام وصيامه أفضل الصيام وقيامه أجل القيام
شهر فضل الله به أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام شهر جعله الله مصباح
العام وواسطة النظام وأشرف قواعد الإسلام المشرف بنور الصلاة والصيام
والقيام شهر أنزل الله فيه كتابه وفتح للتائبين فيه أبوابه فلا دعاء فيه
إلا مسموع ولا عمل إلا مرفوع ولا خير إلا مجموع ولا ضرر إلا مدفوع شهر
السيئات فيه مغفورة والأعمال الحسنة فيه موفورة والتوبة فيه مقبولة
والرحمة من الله لملتمسها مبذولة والمساجد بذكر الله فيه معمورة وقلوب
المؤمنين بالتوبة فيه مسرورة
وأنشدوا
أين أهل القيام لله دأبا
بذلوا الجهد في رضا الجبار
أنتم الآن في ليال عظام
قدرها زائد على الأقدار
فاستزيدوا من العبادة فيها
تأمنوا اليوم من عذاب النار
أين من يركب الذنوب اغترارا
لا يخافون سطوة القهار {
قد أهل الهلال من رمضان شهر زلفى وتوبة وادكار
فاذكروا الله فيه ذكرا كثيرا واستجيروه من عذاب النار
وارجعوا عن ذنوبكم بمتاب صادق واقلعوا عن الإصرار
رب من كان مسرفا مستمرا في خطاياه مكثر الأوزار
ثم إن الإله تاب عليه فاقتضى حمده سبيل الخيار
فاعملوا أيها المسيئون وادعوا ربكم جهرة وفي الإسرار
واحذروا غفلة القنوط وداووا داءها بالرجوع للغفار
تجدوا الله في المعاد كريما ماحيا للذنوب والإصرار
إخواني هذا شهر ليس مثله في سائر الشهور ولا فضلت به أمة غير هذه الأمة في
سائر الدهور الذنب فيه مغفور والسعي فيه مشكور والمؤمن فيه محبور والشيطان
مبعد مثبور والوزر والإثم فيه مهجور وقلب المؤمن بذكر الله معمور وقد أناخ
بفنائكم وهو عن قليل راحل عنكم شاهد لكم وعليكم مؤذن بشقاوة أو سعادة أو
نقصان أو زيادة وهو ضعيف مسئول من عند رب لا يحول ولا يزول يخبر عن
المحروم منكم والمقبول
فالله الله أكرموا نهاره بتحقيق الصيام واقطعوا ليله بطول البكاء والقيام
فلعلكم أن تفوزوا بدار الخلد والسلام
مع النظر إلى وجه ذي الجلال والإكرام ومرافقة النبي عليه الصلاة والسلام
وأنشدوا
ألا داع إلى الله المجيب
بقلب من معاصيه معيب
ألا باك لأيام تقضي
بلا عمل ولا قول مصيب
ألا باك على أمد بعيد
يؤديه إلى أجل قريب
فإن الموت يندبنا ويبغي
نفوسا ليس تألم للذنوب
تنادي للترحل كل يوم
ولا تصغي إلى الداعي القريب
كأن يقننا بالموت شك
ونلغي الحق بالإفك المريب
وشهر الصوم شاهده علينا
بأعمال القبائح والذنوب
فيا رباه عفوا منك وألطف
بفضلك للمحير والكئيب
وهذا الصوم لا تجعله صوما
يصيرنا إلى نار اللهيب
سلام الله ما هبت عليه
قبول أو شمال أو جنوب
عباد الله هذا أول الصوم قد أقبل عليكم بالمغفرة والرحمة فلا تصرفوه عنكم
بالسخط والنقمة
لأنه شهر عظيم زكي مبارك كريم من أطاع فيه الملك الجبار واتبع
فيه السنة والآثار غفر الله له ما قد سلف من الذنوب والأوزار وخاصة برحمته
من عذاب النار وأباحه بلطفه دار الرحمة والقرار مع مجاورة النبي محمد
المختار صلى الله عليه وعلى آله السادة الأخيار ومن عصى فيه الملك القهار
وخالف القرآن والآثار وعمل بأعمال الفجار ولم يوقر شهرا عظمه الإله الستار
غضب عليه مقدر الأقدار ولعنه كل شيء يختلج بالليل والنهار هكذا روي عن
الصادق المصدوق محمد المختار قال الله الملك الجبار
343 تقسيم الصوم
{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون } البقرة 183 الصيام ينقسم على أحد عشر ضربا صيام الفرض وصيام
الظهار وصيام النقل وصيام الوطء في رمضان وصيام كفارة اليمين
وصيام فدية الأذى وصيام التمتع والقرآن وصيام إفساد الحج وصيام كفارة قتل
الصيد وصيام النوافل وصيام النذر
والأيام المنهي عن صيامها ستة يوم الفطر ويوم الأضحية وثلاثة أيام بعد
أيام التشريق ويوم الشك
344 الصوم اللغوي
} يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام { البقرة 183 الصوم ضربان صوم
لغوي وصوم شرعي فالصوم في اللغة هو الإمساك وكل ممسك عن شيء فهو صائم
وذم أعرابي قوما فقال يصومون عن المعروف ويفطرون على الفواحش
قال الله تعالى إخبارا عن مريم عليها السلام { فقولي إني نذرت للرحمن صوما
} مريم 26 يعني صمتا
يقال صام النهار إذا ارتفعت الشمس ويقال صامت الخيل وهو قيامها من غير علف
ولا حركة
قال الشاعر
} خيل صيام وخيل غير صائمة
تحت العجاج وخيل تعلك اللجما {
أي خيل تصهل وخيل لا تصهل
345 صيام الجوارح
وكذلك حقيقة الصيام ترجع إلى اللغة لأن ما من جارحة في بدن
الإنسان إلا ويلزمه الصوم في رمضان وفي غير رمضان فصوم اللسان ترك الكلام
إلا في ذكر الله تعالى وصوم السمع ترك الإصغاء إلى الباطل وإلى ما لا يحل
سماعه وصيام العينين ترك النظر والغض عن محارم الله تعالى لأن النبي {صلى
الله عليه وسلم} قال } من نظر إلى امرأة نظرة حراما حشا الله عينيه يوم
القيامة بمسامير من نار حتى يقضي الله بين الخلق ثم يؤمر به إلى النار إلا
أن يتوب { وعلى كل نظرة لفحة من لفحات جهنم
346 عقاب نظرة في الحرام
ذكر عن بعض الصالحين أنه نظر على وجهه لمعة سوداء فسئل عنها فقال نظرت
يوما إلى امرأة فتابعت النظرة بأخرى فرأيت في المنام كأن القيامة قد قامت
وقد نشر الخلائق في صعيد واحد وجيء بجهنم ونصب الصراط على متنها وقال الله
تعالى لي جز يا عبدي فاقتحمت الصراط فخرج لسان من نار جهنم فأحرق وجهي
فأثر فيه هذه اللمعة فقال الله تعالى يا عبدي نظرة بنظرة ولو زدت لزدناك
هذا في المنام من نظرة فكيف بمن تابع النظر ولم يغض البصر وصيام اليدين أن
تقبضهما عما ليس لك بحق ولا ملك وأن لا تبسطهما إلا بما هو لله عز وجل
رضى
وصيام البطن أن تخمصه عن أكل الربا والحرام وعن أكل أموال اليتامى ظلما
وصيام القدمين أن لا تسعى بهما في غير طاعة الله عز وجل لأنه قد قال رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} } من مشى في إفشاء عيب أو كشف عورة لمسلم كان
أول خطوة يخطوها يضعها الله في النار وكشف الله عورته يوم القيامة على
رؤوس الإشهاد ثم يؤمر به إلى النار {
وصيام الفرج القعود عن الفواحش لأن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال
347 عقوبة الزنا
} من زنى بأمرأة يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو مسلمة أو كائنة
من كانت من النساء فتح الله في قبره ثلاثمائة باب من جهنم يخرج عليه منها
حيات وعقارب من نار جهنم وشهب من نار فهي تحرقه وهو معذب مما يلقى من حيات
جهنم وعقاربها ويبعث يوم القيامة وهو يتأذى به الناس من ريح فرجه ثم يؤمر
به إلى النار وهو يؤذي أهل النار مع ما هم فيه من شدة العذاب { وقال {صلى
الله عليه وسلم} } من زنى بحليلة جاره المسلم لم يرح رائحة الجنة وإن
ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام { وقال {صلى الله عليه وسلم} } عفوا تعف
نساؤكم { من فسد به وما من رجل زنى بامرأة إلا جلد بين يدي الله تعالى يوم
القيامة ثمانين سوطا من نار من بين يديه ومن خلفه ثم هو في مشيئة الله عز
وجل
348 آفات الزنا
وقال {صلى الله عليه وسلم} } الزنا يورث صاحبه ست خصال ثلاث معجلات يعني
في الدنيا وثلاث مؤخرات يعني في الآخرة فأما التي في الدنيا فإنها تذهب
بالبهاء وتورث الفقر وتقصر العمر وأما التي في الآخرة فإنها توجب سخط الله
وسوء الحساب والدخول في النار {
وقال {صلى الله عليه وسلم} } مررت ليلة أسري بي على أناس أمامهم موائد
حسان وعليها لحم مشوي كأحسن ما يكون من الشواء وحولهم جيف أنتن ما يكون من
الجيف وهم يأكلون في الجيف ويتركون الشواء فقلت حبيبي جبريل من هؤلاء قال
الزناة من أمتك يا محمد تركوا ما أحل الله لهم واقبلوا على ما حرم عليهم
فاليوم يطعمون بما يكرهون ويحرمون ما يشتهون ألا وإنه لا أحد أغير من الله
ومن غيرته حرم الفواحش وحد الحدود وكذلك من عمل عمل قوم لوط حشره الله يوم
القيامة أنتن من الجيف يتأذى به أهل الجمع ثم يؤمر به إلى النار فإذا دخل
النار أمر به فأدخل تابوت من نار فيسمر عليه مسامير فوق صفائح التابوت حتى
يشد في تلك المسامير فلو وضع ما على عرق من عروقه من الآلام والأوجاع على
أربعمائة ألف أمة لماتوا جميعا وهو أشد من في النار عذابا
ومن تاب ورجع في حياته فإن الله يغفر له ولا يسأله عن ذلك بعد وفاته
فهذا صيام الجوارح وهو فرض على كل مسلم أبد الدهر في رمضان وفي
غيره
فالله الله عباد الله صوموا جوارحكم عن المنكرات واستعملوها في الطاعات
تفوزوا بنعيم الأبد في قرار الجنات والتمتع بالنظر إلى جبار الأرض والسموات
349 الصوم الشرعي
والصوم الشرعي هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع بنية من قبل الفجر
ويجوز صوم رمضان بنية في أوله
فهذا حد الصيام في اللغة والشريعة
قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين
من قبلكم } البقرة 183 فيه أقوال كثيرة وأصحها إن المعنى فرض عليكم الصيام
كما فرض على الأمم الماضية التي سلفت من قبلكم قال مجاهد هم أهل الكتاب
روي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى { كما كتب على
الذين من قبلكم } البقرة 183 أنه كان كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل الأكل
ولم يطعم شيئا إلى الليلة المقبلة وحرم عليهم أن يقربوا النساء تلك الليلة
ورخص الله تعالى في ذلك لهذه الأمة
وقيل إشارة الله تعالى بقوله { كما كتب على الذين من قبلكم } البقرة 183
إلى الأمم الخالية وهذه الآية مدح لأمة محمد {صلى الله عليه وسلم} لأن ما
من أمة ولا نبي إلا وقد فرض الله تعالى عليه وعلى أمته صيام شهر رمضان
فآمنت به هذه الأمة وكفرت به سائر الأمم
وقيل إشارة الله تعالى بهذا إلى النصارى وكانوا قد فرض عليهم إذا نام
أحدهم من بعد غروب الشمس حرم عليه الطعام والشراب وكان وطء النساء عليهم
حرام حتى بعث الله محمدا {صلى الله عليه وسلم} رحمة لهذه الأمة وفرض عليهم
شهر رمضان فبقي الأمر على تحريم الطعام والشراب بعد النوم وكذلك تحريم وطء
النساء حتى وقع
أربعون رجلا في الأمر منهم عمر بن خطاب رضي الله عنه جامعوا نساءهم بعد
النوم
350 حكاية الأنصاري
وجاء رجل من الأنصار يكنى أبا قيس واسمه صرمة بن قيس من بني
النجار فصلي مع رسول الله صلاة المغرب والعشاء ثم أتي منزله فقالت امرأته
علي رسلك حتى أسخن طعاما صنعته فذهبت ثم عادت إليه وقد نام من تعبه فقالت
له الخيبة الخيبة حرم عليك الله الطعام والشراب فبات طاويا واصبح صائما
وعمل في أرضه فأصابه من التعب ما غشي عليه فرآه رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} يهادي بين رجلين فقال له مالي أراك أبا قيس طليحا والطليح هو الضعيف
وفي لغة أخري هو التمايل فأخبره بخبره فرق له رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} حتى دمعت عيناه وكانت قصة الأنصاري أولا وكانت قصة عمر والأربعين
رجلا رضوان الله عليهم آخرا فأنزل الله تعالى في قصة عمر وبدأ بها لأن
الجناح في الوطء هو أكثر منه في الأكل
351 قصة عمر بن الخطاب وغيره
فأنزل الله في قصة عمر رضي الله عنه وفي الأربعين رجلا الذين وقعوا في
الوط هذه الآية { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } البقرة 187 إلى
قوله { وابتغوا ما كتب الله لكم } البقرة 187 وقال الله تعالى في قصة صرمة
بن قيس { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من
الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } البقرة 187 وهذه رحمة من الله تعالى
لأمة محمد {صلى الله عليه وسلم}
وقيل إن الأنصاري فرض عليهم صيام شهر رمضان في الإنجيل فكانوا يصومون شهرا
فمرض ملك من ملوكهم فجعل عليهم إن أفاق أن يزيدوا فيه عشرة أيام فبرأ
فزادوا فيه عشرة أيام فكانوا يصومون أربعين يوما فهلك ذلك الملك وجاء ملك
آخر فأكل لحما فأوجع فاه فاشتكى فجعل عليه إن برئ يزيد في سبعة أيام فبرأ
فزادوا فيه ثم إنه هلك وجاء بعده ملك آخر فقالوا اجعلوه في حين لا حر ولا
قر فحجبهم الله تعالى عن فضل الشهر العظيم للإله الكريم الحكيم وجعلهم من
أصحاب الجحيم وجعل ثوابهم لأمة النبي الرؤوف الرحيم
352 الأعرابي المجتهد
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه جاءه رجل من أهل نجد ثائر
الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } خمس صلوات في اليوم والليلة { فقال
هل علي غير هذا فقال لا إلا أن تطوع قال رسول الله وصيام شهر رمضان قال هل
علي غيره قال لا إلا أن تطوع وذكر له رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
الزكاة فقال له هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول
والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه
فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} } أفلح وإن صدق
353 ثواب الصيام
وروي عنه {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صام رمضان إيمانا واحتسابا
غفر له ما تقدم من ذنبه { فارغبوا رحمكم الله في هذا الثواب العظيم والملك
الجسيم وصوموا واحتسبوا ثوابه عند الرب الرحيم فإنه شهر أنزل فيه القرآن
من عند الملك الرحمن على النبي محمد عليه الصلاة والسلام
فارغبوا في فضله وسارعوا إلى القيام بحقه يا أولي العقول والألباب ولا
تعملوا أعمال من خالف السنة والكتاب فما تدرون أترون غيره أم لا
354 فضل الصلاة على النبي
وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أخبرني جبريل عليه السلام قال يا
محمد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فلم يغفر الله له فدخل النار أبعده
الله
فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} آمين ثم قال جبريل عليه السلام من أدرك
والديه أو أحدهما فلم يغفر له فيه فدخل النار أبعده الله فقال رسول الله
{صلى الله عليه وسلم} آمين ثم قال جبريل يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات
فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قلت آمين
فالله إياكم والموت أن يفاجأكم وقد حيل بينكم وبين صيام غيره وقد فاز
العاملون وخسر المبطلون
355 صيام الدهر
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صام رمضان وأتبعه بست من
شوال فكأنما صام الدهر كله { وفقنا الله وإياكم لأعمال البر برحمته
قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب
على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } البقرة 183 سماهم باسمه ورسمهم برسمه
وشرفهم حين عرفهم فقال { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } سهل
عليكم بذلك وارد الخطاب
فلما أراد الله جل جلاله أن يكفلهم الصيام الشاق عليهم بدأ الله بأخص
أسماء المؤمنين وأجل صفات العارفين وأعلا مقام المحبين فقال { يا أيها
الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } ثم زاد بيانا فقال { أياما } ثم زاد بيانا
فقال { معدودات } ثم زاد بيانا فقال { شهر } ثم بين أي شهر فقال { شهر
رمضان } ثم بين ورقق ويسر فقال { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } البقرة 187 ثم بين تمامه فقال { ثم
أتموا الصيام إلى الليل } فكأنه سبحانه قال كتب عليكم الصيام أياما في
السنة ووعدتكم عليها المقام في الجنة كتب عليكم الصيام شهرا ووعدتكم
الثواب دهرا
كتب الله الصيام على عبيده وكتب الرحمة على نفسه كتب الصيام أياما معدودات
وكتب لكم على نفسه الحصول في الدرجات كتب عليكم أن تصوموا شهرا وكتب لكم
بالحسنة عشرا
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صام رمضان في إنصات وسكوت
وكف سمعه وبصره ولسانه ويده وجوارحه عن الحرام والكذب والغيبة والأذى
اقترب من الله تعالى يوم القيامة حتى تمس ركبته ركبة إبراهيم الخليل ولم
يكن بينه وبين العرش إلا فرسخ أو ميل { شك عطاء بن يسار في هذا الحديث
وروي عنه {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لو أذن الله عز وجل للسماوات
والأرض أن تتكلما لشهدتا لمن صام رمضان بالجنة { الإشارة في قوله تعالى {
أياما معدودات } البقرة 184 كأنه سبحانه يقول فريضتي عليكم معدودة وعطيتي
لكم غير محدودة عبادتكم لي بارة ونعمتي عليكم بارة طاعتكم من الحين إلى
الحين وثابت لكم أبد الآبدين صيامكم لي من العام إلى العام وإباحتي لكم من
الجنة أحسن المقام
اعلموا عباد الله أن مولاكم جل جلاله حياكم بشهر الصيام وشرفكم
بملة الإسلام وجعلكم من خير أمة أخرجت للأنام بمحمد عليه أفضل الصلاة
والسلام
فلا تدنسوا شهركم بالإفك والزور وأطيعوا مولاكم الكريم الغفور تفوزوا في
الجنان بالولدان والحور
الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون {
البقرة 183 سماهم باسمه ورسمهم برسمه وشرفهم حين عرفهم فقال { يا أيها
الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } سهل عليكم بذلك وارد الخطاب
فلما أراد الله جل جلاله أن يكفلهم الصيام الشاق عليهم بدأ الله بأخص
أسماء المؤمنين وأجل صفات العارفين وأعلا مقام المحبين فقال { يا أيها
الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } ثم زاد بيانا فقال { أياما } ثم زاد بيانا
فقال { معدودات } ثم زاد بيانا فقال { شهر } ثم بين أي شهر فقال { شهر
رمضان } ثم بين ورقق ويسر فقال { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } البقرة 187 ثم بين تمامه فقال { ثم
أتموا الصيام إلى الليل } فكأنه سبحانه قال كتب عليكم الصيام أياما في
السنة ووعدتكم عليها المقام في الجنة كتب عليكم الصيام شهرا ووعدتكم
الثواب دهرا
كتب الله الصيام على عبيده وكتب الرحمة على نفسه كتب الصيام أياما معدودات
وكتب لكم على نفسه الحصول في الدرجات كتب عليكم أن تصوموا شهرا وكتب لكم
بالحسنة عشرا
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صام رمضان في إنصات وسكوت
وكف سمعه وبصره ولسانه ويده وجوارحه عن الحرام والكذب والغيبة والأذى
اقترب من الله تعالى يوم القيامة حتى تمس ركبته ركبة إبراهيم الخليل ولم
يكن بينه وبين العرش إلا فرسخ أو ميل { شك عطاء بن يسار في هذا الحديث
وروي عنه {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لو أذن الله عز وجل
للسماوات والأرض أن تتكلما لشهدتا لمن صام رمضان بالجنة { الإشارة في قوله
تعالى { أياما معدودات } البقرة 184 كأنه سبحانه يقول فريضتي عليكم معدودة
وعطيتي لكم غير محدودة عبادتكم لي بارة ونعمتي عليكم بارة طاعتكم من الحين
إلى الحين وثابت لكم أبد الآبدين صيامكم لي من العام إلى العام وإباحتي
لكم من الجنة أحسن المقام
اعلموا عباد الله أن مولاكم جل جلاله حياكم بشهر الصيام وشرفكم بملة
الإسلام وجعلكم من خير أمة أخرجت للأنام بمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام
فلا تدنسوا شهركم بالإفك والزور وأطيعوا مولاكم الكريم الغفور تفوزوا في
الجنان بالولدان والحور
356 التوبة في رمضان
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } للجنة ثمانية أبواب كلها
تفتح وتغلق إلا باب التوبة فإن الله تعالى قد وكل به ملائكة لا يغلقونه ما
دام الصائمون يصومون
357 أحاديث عدة في فضل رمضان
وروي عنه {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } للجنة باب يقال له باب الريان
يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون
فيقومون فإذا دخلوا غلق فلم يدخل منه أحد {
وروي عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } إذا دخل
شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ونادى مناد
يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر {
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن لله ملكا رأسه تحت العرش
عرش رب العالمين ورجلاه في تخوم الأرضين له جناحان أحدهما بالمشرق والآخر
بالمغرب أحدهما من ياقوتة حمراء والآخر من زبرجدة خضراء ينادي كل ليلة من
شهر رمضان هل من تائب فيتاب عليه هل من مستغفر فيغفر له هل من طالب حاجة
فيسعف بحاجته
يا طالب الخير أبشر ويا طالب الشر أقصر وأبصر {
فأين أنتم يا إخواننا من هذا النعيم المقيم وهذا الثواب العظيم
من عند الإله الكريم ثم اجتهدوا في هذا الشهر تسعدوا في باقي الدهر
واجتهدوا في هذه الأيام القليلة تفوزوا بالنعم الجزيلة والراحة الدائمة
الطويلة
اجتهدوا في شهر رمضان تفوزوا بجنات الرضوان مع الحور الحسان
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } أتاكم شهر رمضان شهر خير
وبركة يغشيكم الله فيه بالرحمة ويغفر فيه الخطايا ويستجيب فيه الدعاء
وينظر فيه إلى تنافسكم
ويناهى بكم الملائكة فأدوا فيه أنفسكم خيرا فإن الشقي كل الشقي من حرم فيه
رحمة الله تعالى { فالله الله عباد الله إياكم والحرمان وابلتمادي في
العصيان ولا ترضوا في أديانكم بالنقصان في الشهر الفاضل شهر رمضان
358 عظيم فضل رمضان
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لو يعلم الناس
مالهم في شهر رمضان لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان فقالوا يا رسول الله
حدثنا به فقال } إن الجنة لتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان فإذا
كانت أول ليلة من رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة فتصفق ورق
الجنان وخلق المصارح فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه فتتزين
الحور العين ثم يقفن بين شرف الجنة فينادين هل من خاطب لنا إلى الله
فيزوجه ثم يقلن يا رضوان ما هذه الليلة فيجيبهن بالتلبية يا خيرات حسان
هذه أول ليلة من شهر رمضان فتفتحت أبواب الجنان للصائمين والقائمين من أمة
محمد {صلى الله عليه وسلم} ويقول الله تعالى يا رضوان افتح أبواب الجنان
للصائمين والقائمين من أمة محمد {صلى الله عليه وسلم} ولا تغلقها حتى
ينقضي شهرهم هذا فإذا كان اليوم الثاني أوحى الله تعالى إلى مالك خازن
النار يا مالك أغلق أبواب النيران عن الصائمين والقائمين من أمة محمد عليه
أفضل الصلاة والسلام ولا تفتحها حتى ينقضي شهرهم هذا فإذا كان في اليوم
الثالث أمر الله جبريل عليه السلام أن أهبط إلى الأرض فصفد مردة الشياطين
وعتاة الجن وغلهم في الأغلال ثم اقذف بهم في لجج البحار كي لا يفسدو على
أمة محمد حبيبي صيامهم فإذا غلقت في شهركم أبواب النيران وفتحت أبواب
الجنان وصفد فيه الملعون الشيطان فأولى أن لا يسكنكم مولاكم دار العقوبة
والهوان وأن يمنحكم بمنه وفضله دار الخلود والرضوان كما فضلنا بشهر
التجاوز والغفران وهو الكريم المتفضل المنان
359 الصيام والقرآن شفيعان
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } الصيام والقرآن يشفعان للعبد
يوم القيامة يقول الصيام رب عبدك منعته الطعام والشراب والشهوات بالنهار
شفعني فيه ويقول القرآن رب عبدك منعته النوم بالليل وتلاني وحرم النوم من
أجلي فشفعني فيه فيشفعان {
ويا أخي إذا كان شهر رمضان في القيامة شفيعا فكن لمولاك فيه عبدا سامعا
مطيعا وليكن قلبك عن معصيته رفيعا
360 الصيام باب العبادة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لكل شيء باب وباب
العبادة الصيام { وإذا كان الصيام لعبادة الرحمن بابا فأولى أن يكون بينكم
وبين النار حجابا
أين من يدل على طريق السعادة عسى أصل بعد النقصان إلى الزيادة وألزم نفسي
الاجتهاد في العبادة
وأنشدوا
} ألا خيرا لمقترح النواح
أطير إليه منشور الجناح
} فأسأله وألطفه عساه سيسلي ما بقلبي من جراح {
} ويجلو ما دجا من ليل جهلي بنور هدى كمنسلخ الصباح {
} سأصرف همتي بالكل عما
نهاني الله من أمر المزاح {
} إلى شهر الخضوع مع الخشوع إلى شهر العفاف مع الصلاح {
} يجازي الصائمون إذا استقاموا بدار الخلد والحور الملاح {
} وبالغفران من رب عظيم
وبالملك الكبير بلا براح {
} فيا أحبابنا اجتهدوا وجدوا لهذا الشهر من قبل الرواح {
} عسى الرحمن أن يمحو ذنوبي ويغفر زلتي قبل افتضاحي
361 فضل السحور
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } تسحروا فإن الله يحب
المتسحرين والملائكة تصلي على المتسحرين وتستغفر لهم {
وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لا تزال أمتي بخير ما عجلوا
الفطر وأخروا السحور {
ذكر في بعض الأخبار أن العبد المؤمن إذا قام في رمضان إلى السحور فتوضأ
وصلى ركعتين جعل الله تعالى خلفه سبع صفوف من الملائكة فإذا فرغ ودعا
آمنوا على دعائه ويكتب الله تعالى له بعددهم حسنات ويرفع له في الجنة
بعددهم درجات ويمحو عنه بعددهم سيئات ثم لا يزالون يدعون ويستغفرون له إلى
يوم القيامة
فالله الله اغتنموا في هذا الشهر المكرم هذا الثواب المعظم ولا تقطعوا
نهاره بالغيبة وقبح الكلام وتغفلوا في ليله عن طول القيام وتفطروا فيه على
السحت والحرام
وتصوموا بجارحة واحدة وتهملوا سائر جوارحكم في المعاصي والآثام فاتقوا
الله إن الله عزيز ذو انتقام
وأنشدوا
أتعصي بعد شيب الراس جهلا
كما قد كنت تعصيه غلاما
أراك من التهاون لا تبالي
ولا ترعي الصلاة ولا الصياما
وتفرح بالفطور ولا تبالي
حلالا كان كسبك أم حراما
عباد الله اغتنموا بركة هذا الشهر العظيم المخصوص بالتفضيل
والتكريم الذي بلغنا الله إليه في صحة من الأجسام وسلامة من عوارض الأسقام
فالواجب على من عرف قدر هذه النعمة التي سوغها وفضل هذه الأيام التي بلغها
أن يحفظها من التخليط والالتباس وأن يكف أذاه عن جميع الناس وأن يحذر لغو
الكلام ولا يبطل فضل الصيام عند الملك العلام
362 شدة العقوبة في رمضان
وفي الحديث عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من سرق في رمضان أو
زنا أو غصب أو انتهك حراما أو شرب خمرا أو تعدى ظلما لم يتقبل الله منه
صرفا ولا عدلا ولعنه هو وملائكته إلى مثله من الحول
فكل من يؤذي في رمضان ويظلم على مثل ما يقدم ويندم حيث لا ينفعه الندم
فكم من صائم عن الطعام مفطر بالكلام دائب على القيام مؤذ للأنام فهو من
لسانه وفعله موزور وعلى صيامه وقيامه غير مأجور
أين من زاغ عن الهدى ودال على سبيل الردى بل أين من رانت الذنوب على قلبه
ولم يبادر بالتوبة من ذنبه ولم يخف من عذاب ربه ويحك يا مسكين اغتنم شهر
رمضان المتضمن بالرحمة والغفران وانظر لنفسك يا مسكين قبل أن تصل إلى حلقك
السكين وانتبه من نومك يا مغرور فإن ربك كريم غفور
إلى أي وقت تعانق حوبتك
ولأي يوم تؤخر توبتك إلى حول حائل أو إلى عام قابل كلا والله ما إليك
الأقدار ولا بيدك المقدار لعلك إذا انقضى عنك شهر الصوم لم يبق من عمرك
إلا يوم يا هذا إذا أنت صمت فلتصم جوارحك كلها بطنك من الحرام ولسانك من
قبح الكلام وبصرك ويدك وسمعك من الإجرام واكتساب الآثام
363 كف الجوارح عن الشرور
عباد الله ينبغي لمن أصبح صائما أن يقول للسانه إنك اليوم صائم
من الكذب والنميمة وقول الزور والباطل والغيبة ولعينيه إنكما اليوم
صائمتان عن النظر إلى ما لا يحل لكما وللأذنين إنكما اليوم صائمتان من
الاستماع إلى ما يكره ربكما ولليدين إنكما اليوم صائمتان من البطش فيما
حرم عليكما من الغش في البيع والشراء والأخذ والعطاء وللبطن إنك اليوم
صائمة عن المطعم فانظري على ماذا تفطري وتجنبي المطعم الخبيث الذي تدعين
إليه فإن الله طيب ولا يقبل إلا الطيب وللقدمين إنكما اليوم صائمتان من
السعي إلى ما يكتب عليكما وزره ويبقى قبلكما تباعته وإثمه
ومن وقف لهذا وصبر عليه فقد أوفى بعهد نبيه {صلى الله عليه وسلم}
ومخاطبة ابن آدم لجوارحه بما تقدم وصفه يجب على العبد استعماله أيام صومه
وغيرها ما دام حيا وهكذا كلما أصبح صباح أو أقبل مساء وفقنا الله وإياكم
لاستعمال ذلك وأمثاله بتوبة صادقة مخلصة عاجلة بكرمه
فالله الله عباد الله امتثلوا في هذا الشهر المكرم وفي غيره لأوامر الله
تعالى وانتهوا عن نواهيه
364 أصل رمضان في اللغة
قال الله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من
الهدى والفرقان } البقرة 185 فما جعله هدى فلا يكون ضلالة وما جعله بيانا
فلا يكون جهالة وما ضعف فيه الأجر فلا تجعلوه بطالة
شهر رمضان قيل سمي شهر رمضان لشدة الحر فيه وقيل أخذ من حرارة الحجارة لما
يأخذ القلوب من حرارة الموعظة والفكرة والاعتبار بأمر الآخرة
قال الخليل الرمضاء الحجارة الحارة ورمض الإنسان إذا مشى على الرمضاء فسمي
رمضان بذلك لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها وقيل سمي بذلك لأنه شهر يغسل
الأبدان غسلا ويطهر القلوب تطهيرا
وهو مأخوذ من الرمض وهو مطر يأتي قبل الخريف
وقيل رمض ورفض بمعنى واحد وهو من الحروف المتعاقبة يرفض قوما إلى محل
القربة والزلفى ويرفض آخرين إلى محل البعد والسخطة
وقيل سمي شهرا لشهرته
وهو شهر الإيقان وشهر القرآن وشهر الإحسان وشهر الرضوان وشهر
الغفران وشهر إغاثة اللهفان وشهر التوسعة على الضيفان
وشهر تفتح فيه أبواب الجنان ويصفد فيه كل شيطان وهو شهر الأمان والضمان
شهر يخفف فيه عن المملوك
تزهر فيه القناديل وينزل فيه بالرحمة جبريل ويتلى فيه التنزيل ويسمح فيه
للمسافر والعليل شهر رمضان للعباد مثل الحرم في أم البلاد الحرم يمنع منه
الدجال اللعين ورمضان يصفد فيه مردة الشياطين
شهر رمضان في الدنيا مثل الجنان في العقبى سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود
ومكله خلود متصل ليس يبيد وفي رمضان بذل المجهود ورضى طلب المعبود وحفظ
الحدود وإظهار الكرم والجود
أقبل الصوم يا مسكين وكلنا مساكين وأنت عاكف على ما يسخط الجبار مصر على
الآثام والأوزار عامل بأعمال أهل النار متشبه بالنساك والأخيار وأنت في
جملة الفساق والفجار وقد أطلع على سرك وضميرك عالم الضمائر والأسرار
وشهر الصوم شاهد عليك والملائكة تلعنك والله لا ينظر إليك وهو جل جلاله
بإعراضك عن الطاعة معرض عنك غاضب عليك فلا تجعل أيها الصائم شهرك هذا
كسائر الشهور
والله سبحانه ينظر من عبده إذا لم ير أثرا لشهر رمضان من ملكه لجوارحه
يقول جل جلاله هذا عبدي لا يعرف لشهري هذا فضلا وأنا لا أعلم الآن له عندي
فضلا
365 عظة بليغة
افق يا ذا الغي والمحال واستيقظ يا ذا السهو والإغفال وانتبه من السكرات
الطوال
أترضى يا مسكين أن يرد صومك في وجهك من غير قبول من الله أتستحسن
أن تكون جائعا عطشان وليس لك جاه عند الله أين النية المجردة أين التوبة
المجددة أين الندامة المؤكدة أين الحلال من الطعام أين اجتناب الطعمة
الحرام أين حجر الأوزار والآثام أين الرحمة لذوي الفقر والضعفاء والأيتام
أين الإخلاص للملك العلام أين التزام شريعة الإسلام أين الأسوة بالنبي
عليه الصلاة والسلام انظر يا مسكين إذا قطعت نهارك بالعطش والجوع وأحييت
ليلك بطول السجود الركوع إنك فيما تظن صائم وأنت في جهالتك جازم وفي صلاتك
دائم وفي بحار سكراتك هائم
أين أنت من التواضع والخشوع أين أنت من الذلة لمولاك والخضوع أتحسب أنك
عند الله من أهل الصيام والأمان الفائزين في شهر رمضان كلا والله حتى تخلص
النية وتجردها وتطهر الطوية وتجودها
وتجتنب الأعمال الدنية ولا تردها وتكثر البكاء والحسرة وتسيل الدموع
والعبرة وتلزم الفكرة والعبرة وتسأل مولاك إقالة العثرة فحينئذ يكون صيامك
لك من الذنوب شفاء ومن العيوب سترة وجلبابا
أين الصائمون أين القائمون أين الطائعون أين العاملون أين السابقون أين
الخاشعون أين الذاكرون أين القانتون أين الصادقون أين الصابرون أين
المتصدقون أين الآمرون بالمعروف أين المغيثون الملهوف أين التهاون عن
المنكر أين المستشعرون للفكر أين السامعون للعبر بادوا والله مع الصالحين
وانقلبوا مع المؤمنين ونزلوا مع النبيين وسكنوا مع الصديقين وبقينا والله
مع الجاهلين وسكنا مع الفاسقين وتأسينا بالغافلين واصطلحنا على معصية رب
بالعالمين
فصيامك يا مسكين في وجهك مردود وأنت عن رشدك مغيب مفقود وعن صلاحك ونجاحك
غير موجود وأنت عن باب مولاك مبعد مطرود وأعمالك بالفسق موصولة وجوارك
للعصيان مبذولة وألفاظك في الغيبة مجعولة وعزيمتك للطاعة محلولة وعبادتك
في هذا الشهر غير مقبولة وفرائض مولاك بالمعاصي مهمولة
وأنشدوا
الصوم جنة أقوام من النار
والصوم حصن لمن يخشى من النار
والصوم ستر لأهل الخير كلهم
الخائفين من الأوزار والعار
والشهر شهر آله العرش من به
رب رحيم لثقل الوزر ستار
فصام فيه رجال يربحون به
ثوابهم من عظيم الشأن غفار
فأصبحوا في جنان الخلد قد نزلوا
من بين حور وأشجار وأنهار
فهنيئا لمن أطاع الملك الرحمن في شهر الرحمة شهر رمضان لقد فاز بالحور
والولدان في دار السلام والرضوان
صبروا الأيام القليلة فأعقبهم الراحة الطويلة والنعمة الجزيلة كلما تعودت
من الخير وما تعمل في هذا الشهر جوزيت إلى آخر العمر فإن الخير عادة والشر
لجاجة
أين أنت يا صائم يا قائم اقبل على الخير تفوز بسرور دائم
تاجر مولاك فإنك تربح وعامله فإنك تفلح واعتذر إليه فإنه يقبل عذرك
واستغفره فإنه يغفر ذنبك وارغب إليه فإنه يكشف كربك واسأله من فضله فإنه
يوسع رزقك وتب إليه فإنه يعظم حظك يا أخي هذا شهر تستر فيه القبائح
والعيوب وتلين فيه النفوس والقلوب وتغفر فيه الأوزار
والذنوب وينفس الله عن الحزين المكروب يقول المولى جل جلاله لملائكته يا
ملائكتي انظروا إلى الألسن اليابسة كيف تبتل بذكري انظروا إلى الأحداق
الصلبة كيف تدمع من خوفي انظروا إلى الأقدام المنعمة تنصب في المحاريب
ابتغاء وجهي يا أخي متى أطعمت في هذا الشهر لله رب الأرض والسموات رفعت
إلى الدرجات العالية في قرار الجنات وحصلت مع مولاك مكسيا من الحسنات
عريانا من السيئات
366 تقسيم الصوم والصائمين
والصوم ثلاثة صوم الروح وهو قصر الأمل وصوم العقل وهو مخالفة الهوى
وصوم الجوارح وهو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع
يا أخي من صام عن الطعام والشراب فصومه عادة ومن صام عن الربا
والحرام وأفطر على الحلال من الطعام فصومه عدة وعبادة ومن صام عن الذنوب
والعصيان وأفطر على طاعة الرحمن فهو صائم رضي ومن صام عن القبائح وأفطر
على التوبة لعلام الغيوب فهو صائم تقي ومن صام عن الغيبة والبهتان وأفطر
على تلاوة القرآن فهو صائم رشيد ومن صام عن المنكر والإغيار وأفطر على
الفكرة والاعتبار فهو صائم سعيد ومن صام عن الرياء والانتقاص وأفطر على
التواضع والإخلاص فهو صائم سالم ومن صام على خلاف النفس والهوى وأفطر على
الشكر والرضا فهو صائم غانم ومن صام عن قبيح أفعاله وأفطر على تقصير آماله
فهو صائم مشاهد ومن صام عن طول أمله وأفطر على تقريب أجله فهو صائم زاهد
قال الله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر }
البقرة 184 يا أخي هذه رحمة مولاك رضي أن ينقص من حقه لئلا ينقص من نفسك
وهذه غاية اللطف من مولاك
رخص لك أن تفطر الأيام الطوال بالعذر ورخص لك أن تفطر متتابعا وتقضي إن
شئت متفرقا ليسهل عليك وتصوم الأيام القصار عوضا عن الأيام الطوال وهذا
الرفق
367 تمثيل الشهور كأخوة يوسف
قبل الشهور الإثني عشر كمثل أولاد يعقوب عليه وعليهم السلام
وشهر رمضان بين الشهور كيوسف بين إخوته فكما أن يوسف أحب الأولاد إلى
يعقوب كذلك رمضان أحب الشهور إلى علام الغيوب
368 نكت في ذلك
نكتة حسنة لأمة محمد {صلى الله عليه وسلم} إن كان في يوسف من الحلم والعفو
ما غمر جفاهم حين قال { لا تثريب عليكم اليوم } يوسف 92 فذلك شهر رمضان
فيه من الرأفة والبركات والنعمة والخيرات والعتق من النار والغفران من
الملك القهار ما يغلب جميع الشهور وما اكتسبنا فيه من الآثام والأوزار
نكتة حسنة الإشارة فيه جاء إخوة يوسف معتمدين عليه في سد الخلل وإزاحة
العلل بعد أن كانوا أصحاب الخطايا وزلل
فأحسن لهم الإنزال وأصلح لهم الأحوال وبلغهم غاية الآمال وأطعمهم
في الجوع وأذن لهم في الرجوع وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم
يعرفونها فسد الواحد خلل أحد عشر
كذلك شهر رمضان واحد والشهور أحد عشر وفي أعمالنا خلل وأي خلل وتقصير وأي
تقصير وتفريط في طاعة العليم الخبير
ونحن نرجو أن نتلافى في شهر رمضان ما فرطنا فيه في سائر الشهور ونصلح فيه
فاسد الأمور ويختمه علينا بالفرح والسرور ونعتصم فيه بحبل الملك الغفور
إن شاء الله تعالى بمنه وإحسانه وعفوه وغفرانه إنه سميع بصير وهو نعم أولى
ونعم النصير
369 أولاد يعقوب ورمضان
وإشارة أخرى كان ليعقوب أحد عشرا ولدا ذكورا وبين يديه حاضرين ينظر إليهم
ويراهم ويطلع على أحوالهم وما يبدوا من أفعالهم ولم يرتد بصره بشيء من
ثيابهم وارتد بقميص يوسف بصيرا وصار بصره منيرا وصار قويا بعد الضعف بصيرا
بعد العمى فكذلك المذنب العاصي إذا شم روائح رمضان وجلس فيه مع المذكرين
وقرأ القرآن وصحبهم بشرط الإسلام والإيمان وترك الغيبة وقول البهتان يصير
إن شاء الله مغفورا له بعد ما كان عاصيا وقريبا بعد ما كان قاصيا ينظر
بقلبه بعد العمى ويسعد بقربه بعد الشقا ويقابل بالرحمة بعد السخط ويرزق
بلا مؤونة ولا تعب ويوفق طول حياته ويرفق بقبض روحه عند الوفاة ويفضل
بالمغفرة عند اللقاء ويحظى في الجنان بدرجات الالتقاء
فالله الله اغتنموا هذه الفضيلة في هذه الأيام القليلة تعقبكم النعمة
الجزيلة والدرجة الجليلة والراحة الطويلة إن شاء الله
هذه والله الراحة الوافرة
والمنزلة السائرة والحالة الرضية والجنة السرية والنعمة الهنية والعيشة
الرضية لا تنال إلا بالوقار لهذا الشهر الذي عظمه الجبار وفضل به محمد
المختار ومن لا يوقره كان مصيره إلى النار
370 رمضان في القيامة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال بمنى } إذا كان يوم
القيامة بينما أنا واقف عند الميزان فيؤتى بشاب من أمتي والملائكة يضربونه
وجها ودبرا فيتعلق بي ويقول يا محمد المستغاث المستغاث بك فأقول يا ملائكة
ربي ما ذنبه فيقولون أدرك شهر رمضان فعصى الله فيه ولم يتب فأخذه الله
فجأة فأقول هل قرأت القرآن فيقول تعلمته ونسيته فأقول بئس الشاب أنت فلا
هو يتركني ولا الملائكة يتركونه ثم أشفع له من الله تعالى فأقول إلهي شاب
من أمتي فيقول الله تعالى إن له خصما قويا يا أحمد فأقول ومن خصمه يا رب
حتى أرضيه فيقول الله تعالى خصمه شهر رمضان فأقول أنا بريء ممن خصمه شهر
رمضان
ومن يشفع لمن لم يعرف حرمة رمضان فيقول الله تعالى وأنا بريء ممن أنت بريء
منه فينطلق به إلى النار فالله الله عباد الله لا تهونوا شهرا أعظم الله
حرمته وأوجب حقه وقد فضلكم به عن سائر الأمم وهو هدية من الله تعالى إليكم
وكرامة تفضل بها عليكم ليغفر لكم ذنوبكم ويستر عن النار عيوبكم ويغشيكم
منه الرحمة ويرفع عنكم فيه النقمة
ويفضلكم بجزيل النعمة ويشرح صدوركم بنور الحكمة
371 خسران العاصي في رمضان
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال 0 سمعت جبريل يقول سمعت الله
عز وجل يقول يؤتى بشاب يوم القيامة باكيا حزينا والملائكة تسوقه بمقامع من
حديد ومن نار وهو يقول الأمان الأمان ألف سنة ولا أمان له ثم يساق فيوقف
بين يدي الله تعالى فيأمر الله ملائكة العذاب أن تسحبه على وجهه إلى النار
قلت يا جبريل من هو قال شاب من أمتك قلت وما ذنبه قال أدرك شهر رمضان فعصى
الله فيه ولم يستغفر الله ولم يتب إليه كي يغفر الله فأخذه الله بغتة
فالله الله عباد الله اسمعوا بآذانكم وتدبروا بقلوبكم فلعل الله يبلغكم
مرغوبكم ويغفر العظيم من ذنوبكم
هذا شهر كريم وثوابه كريم والموقر له عند الله كريم يكرمه الله بجنات
النعيم والمستخف بحقه عند الله لئيم مأواه في قرار الجحيم مع الشيطان
الرجيم
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } يؤتى يوم القيامة
بشهر رمضان والناس في الموقف فيقولون من هذا نبي أم رسول أم ملك ما رأينا
مثل هذا ولا مثل جماله وحسنه فيقوم بين يدي الجبار جل جلاله فيقول من كان
له قبلي حق فليقم فيقولون من أنت فيقول أنا رمضان قال النبي {صلى الله
عليه وسلم} فتقوم أمتي إليه وبيده قضبان من نور تضيء ما بين المشرق
والمغرب فمنهم من يعطي قضيبا يضيء له مسيرة شهر وآخر يضيء له مسيرة جمعة
وآخر مسيرة يوم وآخر مسيرة ساعة وآخر موضع قدميه فمن شاء فليوقره ومن لا
يوقره فيسام عذابا يصيبه عند الأنوار من الحسرة والندامة فيا معشر أهل
رمضان وقروا شهرا تنعموا فيه دهرا ووقروا الخطر اليسير تجاوزا بالملك
الكبير ووقروا الأيام القلائل تصيروا إلى الكرامة والفضائل وقروا اليسير
من الأيام تنظرون إلى وجه ذي الجلال والإكرام
372 موعظة للحسن البصري
روي أن الحسن البصري مر بقوم يضحكون فوقف عليهم وقال إن الله تعالى قد جعل
شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته فسبق أقوام ففازوا وتخلف أقوام
فخابوا فالعجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه
الباطلون أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته
فالله الله عباد الله اجتهدوا أن تكونوا من السابقين ولا تكونوا من
الخائبين في شهر شرفه رب العالمين
فالله الله اصرفوا ضيفكم رمضان بالكرامة واحرصوا فيه على طلب طريق
الاستقامة إلى أن يقضي بكم إلى دار الكرامة والخلد والمقامة وسرمد العز
والكرامة وينجيكم من هول يوم الطامة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } أحب الصلاة إلى الله عز وجل
صلاة داود عليه
الصلاة والسلام وأحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود عليه السلام كان
ينام من الليل نصفه ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما
373 الصيام باب العبادة
روي عن كعب الأحبار رضي الله عنه أنه قال ليس في العبادات أفضل من الصيام
لأنه باب العبادة
وقد جعل الله تبارك وتعالى هذا الشهر العظيم كفارة للذنب وليس في
الذنوب إلا عظيم لأننا إنما نعصي بها الرب العظيم
وقد قالوا لا تنظر إلى صغير ذنبك ولكن انظر من عصيت تاب الله علينا حتى لا
نعصيه
فالله الله عباد الله غضوا أبصاركم في هذا الشهر العظيم وفي غيره عن النظر
إلى المحظورات واحبسوا ألسنتكم عن أخذ أعراض المسلمين والمسلمات وأكثروا
فيه من الصدقة على أهل المسكنة من ذوي الحاجات وقوموا في لياليكم فيه
بكثرة الصلوات واسكبوا من أعينكم واكف العبرات وتضرعوا إلى الله في إقالة
العثرات
عساه يبدل سيئاتكم بالحسنات
فإن قيل ما الحكمة في فرض شهر رمضان ففيه أقوال أحدها أن الله تعالى أمرنا
أن نصوم فيه ونجوع لأن الجوع ملاك السلامة في باب الأديان والأبدان عند
الأطباء والحكماء
وقيل ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه والحكمة ملك لا يسكن إلا في بيت خال
374 فضل الجوع
روي عن يحيى بن معاذ رضي الله عنه أنه قال من شبع من الطعام عجز عن القيام
ومن عجز عن القيام افتضح بين الخدام وإذا امتلأت المعدة رقدت الأعضاء عن
الطاعات وقعدت الجوارح عن العبادات
وأنشدوا
تجوع فإن الجوع يورث أهله
عواقب خير عمها الدهر دائم
ولا تك ذا بطن رغيب وشهوة
فتصبح في الدنيا وقلبك هائم
وروي عن ذي النون المصري رحمه الله تعالى عليه أنه قال تجوع بالنهار وقم
بالأسحار تر عجبا من الملك الجبار
وروي عن يحيى بن معاذ رضي الله عنه أنه قال لو كان الجوع يباع في
السوق لكان المريد محقوقا إذا دخل السوق أن لا يشتري شيئا غيره والله
تعالى قد فضلكم بدين الإسلام ومن عليكم بشهر الصيام والله أعلم
وأنشدوا
وربك لو أبصرت يوما تتابعت
عزائمهم حتى لقد بلغوا الجهدا
لأبصرتم قد حاربوا النوم وارتدوا
بأردية السهاد واستعملوا الكدا
وصاموا نهارا دائما ثم أفطروا
على بلغ الأقوات واستقربوا البعدا
أولئك قوم حسن الله فعلهم
وأورثهم من حسن فعلهم الخلدا
قيل أمرهم المولى جل جلاله بالصيام لأنه ليس على أهل النار شيء
أشد من الجوع وذلك أن الله تعالى يلقي عليهم حتى ينسوا كل العذاب من شدة
الجوع
فيستطعمون مالك خازن النار فيأتيهم بطعام الغصة كما قال الله تعالى { إن
لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما } المزمل 12 فيعبر في
حلوقهم فيقولون إنا كنا نبتلع الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون المهل كما
قال تعالى { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل } الكهف 29 الآية
فأمر الله تعالى أمة محمد {صلى الله عليه وسلم} بصيام هذا الشهر ليصرف
عنهم ذلك الجوع وكذلك أمر الله تعالى بصيامه سائر الأمم فآمنت به هذه
الأمة وكفرت به سائر الأمم وهذا من لطف الله تعالى على أمة محمد {صلى الله
عليه وسلم}
وأنشدوا
إذا المرء لم يترك طعاما يحبه
ولم يعص قلبا غاويا حيث يمما
قضى وطرا منه يسيرا وأصبحت
إذا ذكرت أمثاله تملأ الفما
وقيل فرض عليهم صيام شهر رمضان لأن الزهد زهدان زهد في الحلال وزهد في
الحرام وأشرفها الزهد في الحلال فأمرهم الله تعالى بصوم هذا الشهر حتى
يعطيهم ثواب زهد الحلال والحرام
وقيل أراد الله تعالى بذلك انتباه الأغنياء ليعلموا حال الفقراء فيصوموا
معهم وقيل حتى يذكروا بشدة الصوم شدة القيامة لأنه ليس على أهل القيامة
أشد من الجوع وليعلموا أنه إذا كانت في طاعة الله تعالى شدة فإن الجوع في
النار أعظم شدة
فالله الله عباد الله اجتهدوا في حفظ هذا الشهر العظيم يوم يقوم الناس لرب
العالمين يوم يفوز فيه الصائم ويحشر فيه المتأني المتهاون الظالم إذا عرضت
عليه الأوزار والجرائم وانتهاك المحذورات والمحارم
375 سبب فريضة الصيام
فإن قيل لم فرض رمضان ثلاثين يوما فالجواب أنه قيل إن الوقوف على الصراط
ثلاثين سنة فإذا صمت ثلاثين يوما أعانك الله في الموقف بالعافية والسلامة
والسعادة والكرامة ثلاثين سنة
فالله الله جدوا واجتهدوا في هذا الشهر بلا إفراط وخذوا لأنفسكم بالاحتياط
واحذروا من المكث الطويل على الصراط
376 رمضان رسول من الله
قيل مثل هذا الشهر كمثل رسول أرسله سلطان إلى قوم فإن أكرموا شأنه وعظموا
مكانه وشرفوا منزلته وعرفوا فضيلته رجع الرسول إلى السلطات شاكرا لأفعالهم
مادحا لأحوالهم راضيا لأعمالهم فيحبهم السلطان على ذلك فيحسن إليهم كل
الإحسان
وإن استخفوا برعايته وهونوا لعنايته ولم ينزلوه منزلته من الإكرام وفعلوا
به فعل اللئام فيرجع الرسول إلى السلطان وقد غضب عليهم من قبيح أفعالهم
وسيء أعمالهم فيغضب السلطان لغضبه
كذلك يغضب الله سبحانه وتعالى على من استخف بحرمة شهر رمضان
فيا أيها الإنسان هذا شهر رمضان شهر التوبة والغفران وهو رسول من عند
الملك الديان فمن أكرمه منكم حقيقة الإكرام وحفظ فيه لسانه من قبيح الكلام
وبطنه من أكل الربا والحرام وأموال الأرامل والأيتام غفر له الملك العلام
وأدخله الجنة مع محمد عليه الصلاة والسلام
377 أحاديث في فضل الصيام
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ما من مؤمن يصبح صائما إلا
فتحت له الجنة واستغفر له أهل السماء الدنيا حتى يتوارى بالحجاب فإن صلى
ركعتين تطوعا أضاءت له السموات نورا وإن سبح وهلل تلقاه سبعون ألف ملك
يكتبون تسبيحه إلى أن يتوارى بالحجاب {
فالله الله عباد الله يا أهل الذنوب يا أهل المعاصي والعيوب يا من عصى
مولاه علام الغيوب اعملوا في بقية شهركم ليوم وفاتكم وفقركم إذا وقفتم بين
يدي ربكم
روى أن النبي {صلى الله عليه وسلم} كان يقول إذا دخل شهر رمضان } إن الله
فرض عليكم
شهر رمضان وسننت لكم قيامه فمن صامه وأقامه إيمانا واحتسابا خرج من الذنوب
كيوم ولدته أمه { وقال في حديث آخر ومن صامه وأقامه إيمانا واحتسابا وجبت
له الجنة فالله الله ارغبوا فيما رغبكم فيه نبيكم وما عرفكم به من ثواب
ربكم ورحمته عسى أن يغفر لكم ربكم ويتقبل منكم سعيكم
وروي أن النبي {صلى الله عليه وسلم} كان يقول إذا دخل رمضان
مرحبا بالمطهر قالوا يا رسول الله وما المطهر قال مطهر من الذنوب والخطايا
اللهم اكتب لنا فيه براء من النار وشريعة من الإيمان
فالله الله تطهروا من ذنوبكم للحلول في جوار ربكم واحفظوا العهود في صيام
شهركم فأدوا زكاة فطركم
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال من صام رمضان ولم يؤد زكاة
الفطر كان صيامه معلقا بين السماء والأرض حتى يؤديها فالله الله عباد الله
اتبعوا ما أمركم به النبي الرسول وأطيعوا ربا لا يحول ولا يزول ولا تغيره
الأيام ولا الدهور لا إله إلا الله هو العزيز الغفور
14 مجلس في تحريم الخمر وما جاء فيها
378 قال عبد الملك بن حبيب رحمه الله ذكر الله سبحانه وتعالى الخمر في كتابه في ثلاث آيات فذمها في الإثنتين وحرمها في الثالثةفالإثنتان الأولتان منسوختان والثالثة الناسخة وذلك أنها كانت تشرب في أول الإسلام حتى نزل تحريمها بالمدينة وبعد الهجرة فالناسخة قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } المائدة 90 فهذا تحريم وكذلك نهى الله في كتابه كله تحريم في كل ما نهى عنه كما كل ما أمر به فرض مفترض ألا ترى أنه قرن تحريم الخمر بالأنصاب وهي الأصنام التي كانت تعبد من دون الله وقد قال تعالى في آية أخرى { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } الحج 30 فقد قرن في نهيه بين الخمر والأصنام التي كانت تعبد من دون الله تعالى فلما نزل تحريمها بعث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مناد ينادي في المدينة ألا إن الله قد أنزل تحريم الخمر إن الله ورسوله يحرمان الخمر
فقال بعضهم وهم يشربونها صه صه حين سمعوا المنادي
يقول اسكتوا حتى تسمعوا ما يقول هذا المنادي فلما تبينوا منه قوله قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير
فكفوا عنها وأهريقوا ما بقي عندهم منها ثم ندموا على ما شربوا
منها وتخوفوا أن يكون الله عز وجل قد سخط عليهم فأنزل الله سبحانه { ليس
على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا
وعملوا الصالحات } المائدة 93
379 تحريم الخمر
اعلموا أن أول ما عاب الله تبارك وتعالى الخمر في سورة النحل في قوله
سبحانه { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا }
النحل 67 قال الشيخ وهذا ظاهره تعداد النعمة وباطنه تعيير وتقريع وتوبيخ
يقول الله تعالى رزقتكم ثمرات النخيل والأعناب فاتخذتم منه السكر وعدلتم
عن الرزق الحسن
فالمفهوم من هذا القول أن الله تبارك اسمه عرفكم بمنه ونعمه عليكم ووبخكم
بتغييركم لنعمه فكأنه تبارك وتعالى قال { ومن ثمرات النخيل والأعناب
تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } النحل 67 فالمعنى تتخذون من الرزق الحسن
سكرا وبدلتم الطيب بالخبيث وهذه غاية الكفر بنعم الله تعالى أن تستعمل في
معاصي الله تعالى فلما نزلت هذه الآية وقد أعاب الله تعالى في الخمر ثم
امتنع ناس من شربها وبقي على شربها الأكثرون حتى هاجر رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} إلى المدينة
380 حمزة عم النبي والخمر
فخرج حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وقد شرب الخمر حتى سكر منها فلقيه
رجل من الأنصار وبيده ناضح له والأنصاري يتمثل ببيتين من شعر لكعب بن مالك
في مدح قومه وذكر مفاخرهم وهما
جمعنا مع الإيواء نصرا وهجرة
فلم يرج حي مثلنا في المعاشر
} فأحياؤنا من خير أحياء من مضى
وأمواتنا من خير أهل المقابر
381 حمزة والأنصاري
فقال حمزة رضي الله عنه أولئك المهاجرون فقال الأنصاري بل نحن الأنصار
فتنازعا فجرد حمزة سيفه وعدا على الأنصاري فلم يمكن الأنصاري أن يقوم به
فانهزم وترك ناضحه فقصد حمزة إلى الناضح فضربه بالسيف فقطعه ومضى الأنصاري
مستعديا إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأخبره بخبر حمزة وفعاله
بالناضح فأعطى النبي {صلى الله عليه وسلم} الأنصاري ناضحا
382 عمر بن الخطاب والخمر
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أما ترى ما نلقى من أمر الخمر يا رسول
الله إنها مذهبة للعقل متلفة للمال فأنزل الله تعالى بالمدينة { يسألونك
عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } البقرة 219 وقرئ كثير والمعنيان
متقاربنا { ومنافع للناس } البقرة 219 وعلى هذا معارضة لقائل أن يقول أين
المنفعة وقد قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } إن الله لم يجعل شفاء
أمتي فيما حرم عليها { فالجواب عن ذلك أنهم كانوا يتبايعونها من الشام
بالثمن اليسير ويبيعونها بالحجاز بالثمن الكثير وكانت المنافع التي فيها
من الأرباح
وكذلك قال الله سبحانه وتعالى { قل فيهما إثم كبير } البقرة 219 فانتهى عن
شربها قوم وبقي قوم على شربها حتى دعا محمد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري
قوما فأطعمهم وسقاهم الخمر حتى سكروا فلما حضر وقت الصلاة قدموا رجلا منهم
يصلي بهم
383 ابن أبي جعونة والخمر
وكان أكثرهم قرآنا رجل يقال له أبو بكر بن أبي جعونة وكان حليف الأنصار
فقرأ فتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون فمن أجل سكره خلط فقرأ قل يا أيها
الكافرون أعبد ما تعبدون وخلط أول السورة بخاتمتها حتى ختم السورة على ذلك
فبلغ ذلك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فشق عليه ذلك
فأنزل الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى
حتى تعلموا ما تقولون } النساء 43 فكانوا يشربونها بعد صلاة العشاء الآخرة
ثم ينامون ثم يقومون عند صلاة الفجر فيصحون منها ثم يشربونها بعد صلاة
الصبح فيصحون منها عند صلاة الظهر ثم لا يشربون بعد ذلك حتى يصلون العشاء
الآخرة
384 سعد بن أبي وقاص والخمر
حتى دعا سعد بن أبي وقاص الزهري رجلا لوليمة عملها على رأس جزور
فدعا أناسا من المهاجرين فأكلوا وشربوا الخمر حتى سكروا منها فافتخروا
فعمد رجل من الأنصار إلى أحد لحيى الجزور فضرب به أنف سعد ففزه فجاء
مستعديا إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأنزل الله تعالى { يا أيها
الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان
فاجتنبوه لعلكم تفلحون } المائدة 90 الآية فاختلف العلماء من أهل التفسير
في موضع التحريم هل وقع في قوله تعالى { فهل أنتم منتهون } المائدة 91 أو
في غير هذا الموضع
وقال قوم من المفسرين إن التحريم وقع في قوله تعالى { فاجتنبوه } المائدة
90 وقال الأكثرون منهم بل وقع في قوله تعالى { فهل أنتم منتهون } المائدة
91 واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في سورة الفرقان في قوله تعالى } أتصبرون
{ الفرقان 2 والمعنى اصبروا وكذلك في الشعراء { قوم فرعون ألا يتقون }
الشعراء 11 والمعنى اتقوا
وكذلك في سورة يوسف {صلى الله عليه وسلم} وعلى نبينا محمد وسلم قوله {
تزرعون سبع سنين دأبا } يوسف 47 والمعنى ازرعوا
وفي سورة الواقعة قوله { فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها } الواقعة 89
يعني الروح والمعنى ارجعوها وكذلك قوله في الخمر { فهل أنتم منتهون }
المائدة 91 والمعنى انتهوا فقالوا عند ذلك انتهينا انتهينا يا رسول الله
وهذه من الأخبار التي معناها الأمر
وقال بعض أهل العلم إن تحريم الخمر في الآية التي في الأعراف قوله تعالى {
إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم } الأعراف 33 والإثم هي
الخمر قال الشاعر
شربت الإثم حتى ضل عقلي
كذاك الإثم يذهب بالعقول
وقال آخر
نشرب الإثم بالكؤوس جهارا
نترك الهتك بيننا مستعارا
والهتك الأترج
فهذه جمل تحريم الخمر وانتقاله في مواطنه وأما تحريمها في
الأنعام في قوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه
إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير } الأنعام 145 فإنه رجس
والدم رجس والميتة رجس والخمر بل الخمر أكثر رجسا بل الميتة أحلت للمضطر
ولم تحل الخمر لأحد والخمر ما خامر العقل فغطاه وإذا غاب العقل حضر الجهل
وإذا حضر الجهل كفر العبد ولا يبالي
وأما قول الله تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }
الحشر 7
385 أحاديث في تحريم الخمر
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال كل مسكر حرام وما أسكر كثيره
من جميع الأشربة فقليله حرام
وفي حديث آخر قال {صلى الله عليه وسلم} كل شراب أسكر فهو حرام واعلموا أن
أمكن ما يكون الشيطان من العبد إذا شرب المسكر فإذا تمكن الشيطان من العبد
أمره بالكفر وصده عن الإيمان وعن طاعة الرحمن وأغلق في وجهه أبواب الخير
كله
وأنشدوا
الخمر داعية إلى العصيان
والخمر قائدة إلى النيران
والخمر شاربها يصد عن الهدى
ويبدل الطاعات بالعصيان
والخمر شاربها حليف ضلالة
ويبدل الإيمان بالكفران
شرب المدامة للإله عداوة
ومحبة للمارد الشيطان
فبادروا التوبة يا أهل الزنا
وتقربوا للواحد الديان
وتباعدوا عن شرب مفتاح الردى
ومغالف الخيرات في الإيمان
فهي المحرمة التي تحريمها
في محكم الآيات والقرآن
روي عن رسول الله أنه قال } الخمر جماع الإثم { وهذا الحديث يخرج منه قول
النبي {صلى الله عليه وسلم} ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة { وشارب
الخمر لا يقبل منه صلاة فإذا لم يقبل الله منه حسنة واحدة واجتمعت عليه
الآثام فهي جامعة للآثام قائدة إلى الحرام قاطعة عن طاعة الملك العلام
386 الخمر شر كله
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } الخمر مفتاح كل شر وأن
خطيئتها تعلو كل الخطايا كما أن شجرتها تعلو كل الشجر { فهنا قد قال رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} } الخمر مفتاح كل شر { وما كان مفتاحا للشر كله
كان مغلاقا للخير كله
فإذا شربتم القهوات وعصيتم رب الأرضين والسموات وانغلقت عنكم
أبواب الخيرات وانفتحت لكم أبواب المنكرات وحلت بكم عظائم المصيبات وغضب
عليكم رب الأرباب وسيد السادات عاقبكم بأشد العقوبات في دار المصائب
والحسرات ومحل العذاب والبليات
وأنشدوا
} أهل الخمور من الرحمن قد بعدوا
وفي العذاب على الخسران قد وردوا {
} بشربهم من إله العرش قد بعدوا وفي الصدور مع الشيطان قد قعدوا {
} دع المدامة لا تسلك طريقتها فأهلها لنعيم الرب قد جحدوا {
} وقد تواعدهم رب السماء على
شرب الخمور بنار جمرها يقد {
} غدا ترى أهل شرب الخمر كلهم بدار ويل على النيران قد وردوا
387 قول ابن عباس في السكران
روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال من بات سكرانا بات للشيطان عروسا
وللعروس حبيبا فإذا كنت بيب الشيطان فأنت عدو الرحمن وإذا كنت
عدو الرحمن فأنت من أهل الهوان وفي سموم النيران
عباد الله مولاكم قد أمركم بأمره ونهاكم بنهيه ومن عليكم برفقه ووسع عليكم
من سعة رزقه
وجعلكم من خير الأمم وأسبل عليكم جزيل النعم فلا تستعينوا بنعمه على
معاصيه فإنه ذو انتقام وعذاب ورحمة وثواب فأطيعوا مولاكم في جميع الأمور
ولا تهتكوا أستاركم بشرب الخمور ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم
بالله الغرور
وأنشدوا
يا شارب الخمر ترجو أن تنال به
عفو الإله وأنت اليوم مطرود
وأنت تشرب طول الدهر منهمكا
وأنت عن طاعة الرحمن مفقود
شربتم الخمور وعصيتم الرب الغفور وهتكتم الستور وركبتم الفواحش والفجور
وتهاونتم بصعاب الأمور ولم تفكروا في العرض والنشور والوقوف بين يدي من
يعلم ما تخفي الصدور
388 ثمن الخمر خسارة
ذكر في بعض الأخبار ما من عبد أنفق درهما في الخمر إلا محق الله
تبارك وتعالى من رزقه سبعين درهما وجعل الله كل درهم ينفقه في الخمر سلسلة
في عنقه من نار جهنم وجعله تعبانا يأكله في قبره إلى يوم القيامة فإذا خرج
من قبره خرج معه الثعبان فلا يفارقه حتى يلقيه في نار جهنم وأعظم من هذا
أن شارب الخمر لا يكتب له صاحب اليمين حسنة واحدة ولا ينظر الله إليه
وإنما يكتب له صاحب الشمال لأن رأس العبادات هي الصلاة ولا يقبل من أحد
حسنة حتى تقبل صلاته وصاحب الخمر لا تقبل صلاته فإذا تاب تاب الله عليه
ومحا الله من صحيفته كل ذنب عمله في حال شربه وكتب له بكل حسنة عملها ولم
تقبل منه يثبتها الله تعالى وإذا مات من ساعته مات ولا ذنب عليه ويكون
أفضل ممن لم يشربها في الدنيا وأنشدوا
لا تشرب الخمر يا مغرور إن لها
وزرا عظيما لدى الرحمن في الحشر
الخمر تبعد عن حق الإله وعن
شرع االرسول الذي في محكم الذكر
إن الذي قطع الأيام يشربها
له عذاب شديد كاشف الستر
روي أن النبي {صلى الله عليه وسلم} أعار عليا بعيرين ليأتي عليهما بأذخر
يستعين به على زفاف
فاطمة رضي الله عنها فجاز بهما علي رضي الله عنه فأناخهما عند باب حمزة بن
عبد المطلب رضي الله عنه واستأجر يهوديا ليخرج معه ويأتي بالأذخر وكان
حمزة يشرب وغنت المغنية غناء تذكر في أكباد الإبل فخرج حمزة فوجد البعيرين
على بابه فنحرهما ودخل بأكبادهما فجاء علي رضي االله عنه فوجد البعيرين
نحيرين فمضى إلى النبي {صلى الله عليه وسلم} فشكا إليه فجاء معه صلوات
الله عليه فلما رأى حمزة النبي {صلى الله عليه وسلم}
389 كيف سكر حمزة
وكان حمزة رضي الله عنه قد أخذت فيه الخمر قال ألستم عبيدي فتأخر
رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقال لست بعبد لأبيك فقال عمر رضي الله
عنه اللهم إن الخمر مفسدة للعقل مذهبة للمال فأنزل اللهم لنا في الخمر
بيانا فأنزل الله سبحانه { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير
ومنافع للناس } البقرة 219 إثم أي في تناولها ومنافع للناس في ترك تناولها
فإذا تركها عبد من عباد الله غفر الله له ما قد سلف
390 قراءة السكران
فقال قوم نشربها لما فيها من المنفعة فحانت وقت الصلاة فقدم رجل سكران
فصلى بأصحابه فقرأ يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون وختم السورة على هذا
فبلغ ذلك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فشق عليه فقال عمر رضي الله عنه
اللهم أنزل علينا بيانا في الخمر فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } النساء 43 فكانوا
يشربونها في غير وقت الصلاة حتى كان من أمر سعد بن أبي وقاص ما كان مع
الأنصاري وقد تقدم ذكره فقال عمر رضي الله عنه اللهم أنزل علينا في الخمر
بيانا فأنزل الله عزل وجل { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر
والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } المائدة 90 إلى آخر الآيتين إلى
قوله { فهل أنتم منتهون } المائدة 91 فقالوا بأجمعهم انتهينا يا رسول الله
انتهينا فعند ذلك بعث النبي {صلى الله عليه وسلم} مناديا ينادي في المدينة
ألا إن الخمر قد حرمت
قال أنس بن مالك فسمعت النداء وأنا أسقي طلحة في رهط من الأنصار الفضيخ
والبسر والرطب فوالله ما انتظروا حتى قالوا يا
أنس أخرجها عنا فأهريقت في الحين فانتهوا
فإذا فعل هذا أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وبادروا إلى التوبة
وأطاعوا مولاهم ونبيهم {صلى الله عليه وسلم} فمالكم لا تتأسوا بأفعالهم
وتقتدوا بأعمالهم وتقفوا آثارهم وتسمعوا أخبارهم وتتركوا الخمر لوجه الله
الكريم فعساه يجعل الجنة مأواكم ويكرم الآخرة مثواكم فراقبوه فإنه يراكم
ويعلم سركم ونجواكم والله أعلم
وأنشدوا
لا يشرب الخمر إلا فاجر بطر
قد خالف الله والقرآن والرسلا
بئس الشراب وبئس الشاربون لها
لا يسلكونه إلى دنياهم سبلا
هي الدليل إلى دار الجحيم غدا
بئس الدليل ولا يرجى لهم حولا 9
} إلا يتوب عسى الرحمن يقبله فتب من الذنب لا تيأس وإن ثقلا
391 من مات يدمن الخمر
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من مات وهو يشرب الخمر لم
يشربها في الآخرة
وهي والله من ألذ نعيم الجنة كما قال تبارك وتعالى { وأنهار من خمر لذة
للشاربين } محمد 15 يا عدو نفسه يا مسكين حرمت نفسك اللذات وفي قرار
الجنات وعصيت رب الأرضين والسماوات بشربك القهوات المحرمات في محكم الآيات
ولم تستح من عالم السرائر والخفيات وأنشدوا
أكثرت الخمر من عيوبي وزاد حزني مع الكروب
جل مصابي وضاق ذرعي واسود قلبي من الذنوب
يا ليتني تبت باجتهاد لعالم الجهر والغيوب
} الخمر مفتاح كل شر لكل عاص لها شروب
392 عذاب شارب الخمر
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } بعثني الله تعالى رحمة وهدى
للعالمين وأقسم ربنا بعزته وجلاله لا يشرب عبد من عبيده جرعة خمر إلا
سقيته مكانها من حميم جهنم معذبا أو مغفورا له ولا يدعها عبد من مخافتي
إلا سقيته إياها من حظيرة
الفردوس فيا معشر الإسلام أطيعوا مولاكم الملك العلام ولا تخالفوا القرآن
والأحكام واقبلوا نصيحة نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام يدخلكم ربكم
برحمته دار السلام وأنشدوا
إلى الله أشكو ضيق صدري من الضر
وعظم خطايا كالجبال وكالقطر
لعل إلهي أن يجود بعفوه
وينقذ عبدا عام في غمرة السكر
ظلموا غشوما لا يفارق محرما
لا يستفيق الدهر من فتنة الخمر
فيا طول حزني ثم يا طول حسرتي
لئن لم يجد لي عالم السر والجهر
393 شارب الخمر في القيامة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } والذي بعثني بالحق
إن شارب الخمر يأتي يوم القيامة فيقول الله سبحانه وتعالى لملائكته خذوه
فيبتدرون له سبعون ألف ملك فيسحبونه على وجهه فتستقبله الملائكة معها
السلاسل فيضربون وجهه فيفتح فاه فيلقى فيه طعام مثل رؤوس الشياطين ولا
يكاد يسيغه فيخرج الدود منه فيتلعق بلسانه ثم يقع في بطنه فهي تجري فيه
مثل الوحوش في البرية أيها المصرون على الجراع والآثام المسرفون في شراب
المسكر الحرام أفنيتم أعماركم في الكذب والزور وضيعتم أيامكم في الجهل
والغرور وقطعتم أوقاتكم في الفسق والفجور واستعننتم على معصية الله بشرب
الخمور أما علمتم أن الخمر متلفة للمال مذهبة للبهاء والجمال عاقبتها إلى
وبال ويؤول شاربها إلى شر مآل الخمر أولها لهو ومزاح وآخرها بكاء ونياح
امرأة شارب الخمر في كل وقت مطلقة وثيابه في كل حين ممزقة
شارب الخمر خليل الشيطان شارب الخمر عدو الرحمن شارب الخمر بعيد من
الإيمان شارب الخمر قريب من الضلال والخسران شارب الخمر في بحار السخط
عائم شارب الخمر على عذاب النار حائم شارب الخمر مخالف للتنزيل شارب الخمر
مخالف لسنة الرسول عدو للملك الجليل شارب الخمر ملعون على لسان سيد
المرسلين شارب الخمر مخالف لسنة خاتم النبيين
أما علمت يا من بعد من الإحسان وتقرب من الفسوق والعصيان وحل في سخط
المهيمن الديان أن الخمر موقعة للعداوة والشقاق قاطعة للخير والأرزاق
قائدة إلى أليم العذاب يوم التلاق
أما علمت أنها تحول بين شاربها وبين الرشاد وتلقيه في الضلال والفساد
وتوقع العداوة والبغضاء بين
العباد وتقود إلى العذاب الشديد يوم التناد
وأنشدوا
الخمر ولادة للشر أجمعه
ومن ولادتها العصيان والكفر
تعصي الإله إذا ما عشت تشربها
وتبعد الخير والإحسان والشكر
العبد يشربها واللعن تابعه
والخزي شامله والويل والعسر
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
لعن الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومبتاعها
وحاملها والمحمول إليه وآكل ثمنها والدال عليه يا أخي قد لعن الله كل من
نسب إلى الخمر واللعنة هوانا للعبد وإذا أبعد الله العبد من جواره أصلاه
عذابه وحر ناره فبادر يا شاربها إلى المتاب فإن الله قد حرمها في الكتاب
وتواعد عليها أشد النكال والعذاب
وأنشدوا
} يا من يبيت على شرب الخمور ولا يخشى الإله ولا يخشى من النار
تعصي الإله ولا تقضي فرائضه
عار عليك وما في التوب من عار
فتب من الخمر للرحمن خالقنا
وكل ذنب قديم العهد أوتار
394 الخمر جريمة عظيمة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من شرب شربة من مسكر لم يقبل
الله له صلاة أربعين يوما فإن تاب تاب الله عليه والذي بعثني بالحق من شرب
من الخمر ثلاث شربات لا يقبل الله تعالى صلاته مائة وعشرين يوما وكان حقا
على الله تعالى أن يسقيه من الخبال قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه هو
صديد أهل النار وقيحهم
وفي بعض الأخبار لو أن قطرة من الخبال ألقيت من السماء السابعة لمات أهل
السماوات والأرض من النتن فإن لله وإنا إليه راجعون على من شرب الخمور
وهتك الستور وعصى الملك الغفور وبذل مهجته لعذاب الويل والثبور وغره بالله
عدوه الغرور
وأنشدوا
تعصي الإله وتأتى الخمر تشربها
وترتجي من إله العرش غفرانا
وأنت تحوي فعال الخير أجمعها
وقد جمعت من العصيان ألوانا
فتب ولا تتمادى في الضلال عسى
تلقى إلها كثير العفو رحمانا
عباد الله أما تستحون ممن أخرجكم من بطون الأمهات وأسبغ عليكم جزيل النعم
والخيرات وهداكم بفضله إلى الصوم والصلوات ووعد من أطاعه
بالخيرات في الجنات العاليات وتواعد من عصاه بالخيبات وشدائد العقوبات
أما علمتم أن الخمر أم الجرائم والسيئات ومفتاح الكبائر والخطيات وباب
المصائب والرزيات وموجبة لغضب رب الأرضين والسموات ومخربة الديار بوقوع
الشتات
فلا تدنسوا أعمالكم بشرب الخمر الحرام فإنها أم الكبائر ولآثام
ومن شربها فقد خالف القرآن والأحكام وحل في سخط الملك العلام أما تستحي يا
مطرود من باب الله يا مخالفا لحدود الله يا مؤالفا لأعداء الله من رب من
عليك بنعمة الإسلام وجعلك من خير أمة أخرجت للأنام وفضلك بمحمد عليه افضل
الصلاة والسلام فعصيت يا مغرور مولاك واتبعت غيك وهواك ونسيت النعم التي
أولاك ولم تنته عما عنه نهاك
أهذا جزاء من أحسن إليك وسترك وأنعم عليك بئس ما صنعت يا من ظل في المعاصي
سرا وجهرا يا من بدل نعمه الله كفرا يا من هتك بعصيانه حجابا وسترا يا من
حرم بذنيه توفيقا ويسرا يا من أورثه العصيان شرا وعسرا
أما تستحي يا مطرود يا من هو عن باب مولاه مردود يا من خالف الأحكام
والحدود من رب أخرج لك من العدم إلى الوجود عنبا حلالا أخرجه من العود
تعصر منه خمرا تعصي به الملك المعبود ما أجهلك بطريق المتقين ما أبعدك عن
سيرة خير المرسلين يا قليل الدين يا ضعيف الإيمان واليقين يا خليل الشيطان
اللعين ستعلم غدا إذا وقفت بين يدي أسرع الحاسبين وأمر بك إلى العذاب
المهين فحينئذ تقول بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين اللهم تب علينا
حتى لا نعصيك برحمتك يا أرحم الراحمين
15 مجلس في فضل يوم عاشوراء وما جاء فيه
395 وفي صيامه من الفضل العظيماعلموا عباد الله أن الله سبحانه وله الحمد والمنة قد فضل هذه الأمة بفضائل خص بها أمة محمد {صلى الله عليه وسلم} من سائر الأمم
الحكمة في ذلك أن الله تعالى لما جعل أمة محمد أقصر الأمم أعمارا جعل لهم هذه الفضائل وهذه الدرجات ورفع لهم بذلك الدرجات والمنازل في الجنة وهي كالأيام البيض من كل شهر وكيوم عرفة ورجب وشعبان والستة أيام بعد الفطر ومثلها كثير
فهذه أمة قد رفق الله بها وجعل لها من اليسير كثيرا ووعد لها على
ذلك في الآخرة أجرا كبيرا فيوم عاشوراء يوم تغفر فيه الذنوب والخطيات
ويتقرب فيه بالصدقات وأفعال الخيرات إلى عالم الخفيات وصومه سنة مستحبة
لما روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
396 ثواب صيامه
من صام يوم عاشوراء أعطاه الله تعالى ثواب عشرة آلاف ملك وثواب عشرة آلاف
شهيد وثواب كل حاج ومعتمر في ذلك العام وثواب تسبيح ملائكة السبع سموات
ومن فيهن {
وروي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صام يوم عاشوراء كتب
الله له عبادة ستين سنة صيام أيامها وقيام لياليها وكأنما حج واعتمر سبعين
مرة {
فالله الله عباد الله تقربوا إلى الله في يوم عاشوراء أيما استطعتم من
نوافل الخير وسبل البر فإن يوم عاشوراء يوم يوصل فيه الرحم ويضاعف الأجر
للمؤمن السخي الكريم ومجزي الله جل جلاله معطي الزكاة جنات النعيم ويبذل
فيه السخط على الشقي اللئيم
الذي يمنع الزكاة المفروضة في القرآن الحكيم
فالله الله معشر المؤمنين وجماعة الموحدين ارغبوا في هذه الفضيلة الجزيلة
تفوزوا بالنعمة الدائمة الطويلة التي ليس لها زوال ولا انقطاع ولا لصاحبها
عنها صد ولا امتناع
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من أفطر عنده
مؤمن في يوم عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمد {صلى الله عليه وسلم}
وأشبع بطونهم ومن مسح على رأس يتيم في يوم عاشوراء رفع الله له بكل شعرة
على رأسه درجة في الجنة ومن كسا فيه مسكينا فكأنما كسا مساكين أمة محمد
{صلى الله عليه وسلم} وكساه الله سبعين حلة من حلل الجنة { فقال عمر بن
الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله صلى الله عليك لقد فضلنا الله عز وجل
بيوم عاشوراء فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } نعم يا عمر خلق الله
السموات والأرض في يوم عاشوراء وخلق الشمس والقمر في يوم عاشوراء والنجوم
كمثله وخلق العرش والكرسي في يوم عاشوراء وخلق القلم في يوم عاشوراء
واللوح كمثله وخلق جبريل في يوم عاشوراء وملائكته كمثله وخلق آدم في يوم
عاشوراء وحواء كمثله وخلق الجنة في يوم عاشوراء وأسكن آدم الجنة في يوم
عاشوراء وولد إبراهيم عليه السلام في يوم عاشوراء ونجاه الله من النار في
يوم عاشوراء وهداه الله في يوم عاشوراء وأغرق الله فرعون في يوم عاشوراء
ورفع عيسى في يوم عاشوراء ورفع الله إدريس في يوم عاشوراء وولد عيسى بن
مريم في يوم عاشوراء وتاب الله على آدم في يوم عاشوراء وغفر ذنبه في يوم
عاشوراء واستوت سفينة نوح على الجودي في يوم عاشوراء وأخرج يوسف من السجن
في يوم عاشوراء وتاب الله على قوم يونس في يوم عاشوراء وأعطى سليمان الملك
يوم عاشوراء ويوم القيامة يوم عاشوراء
ويروى أن أول مطر ينزل من السماء يوم عاشوراء
397 الغسل يوم عاشوراء
وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض إلا
مرض الموت ومن اكتحل بالاثمد يوم عاشوراء لم ترمد عيناه في تلك السنة كلها
ومن عاد مريضا يوم عاشوراء فكأنما عاد جميع ولد آدم عليه السلام وعلى جميع
الأنبياء الكرام ومن سقى مؤمنا شربة من ماء يوم عاشوراء فكأنما سقى جميع
ذرية آدم وكانوا عطاشا ومن صلى يوم عاشوراء أربع ركعات ويقرأ في كل ركعة
بفاتحة
الكتاب وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة غفر الله له خمسين عاما
ماضيا وخمسين عاما مقبلا وبنى له الله ألف منبر من نور الله عباد الله
ارغبوا في فضل هذا اليوم المرغوب فعسى الله أن يغفر لكم ما أسلفتم من
الأوزار والذنوب ويستر عليم ما أتيتم من القبائح والعيوب
روي أن موسى عليه السلام قال مكتوب في التوراة من صام يوم عاشوراء فكأنما
صام الدهر كله ومن تصدق يوم عاشوراء فكأنما لم يترك سائلا إلا أعطاه ومن
كسا فيه عريانا فكأنما كسا جميع خلق الله ومن مسح على رأس يتيم فكأنما مسح
رؤوس اليتامى وغرس الله له بكل شعرة على رأسه سبعمائة شجرة تحمل من الحلي
والحلل عدد نجوم السماء ومن أرشد فيه ضالا دفع الله عنه ظلمة القبر وملأ
قلبه نورا ومن كظم غيظا كتب من الراضين بقسم الله تبارك وتعالى ومن شهد
جنازة يوم عاشوراء فله بكل شيء خلقه الله وهو خالقه درجات في الجنة ومن
ترك فيه شهوة وأطعمها أخاه المسلم لم يقبض روحه ملك الموت حتى يطعمه من
طعام الجنة ويسقيه من شرابها ومن اغتسل في يوم عاشوراء كان عند الله طاهرا
ومن قرأ آية في كتاب الله في ليلة عاشوراء أو في يومها أعطي من الثواب مثل
ما أعطي لإدريس عليه السلام ومن أحيا ليلة عاشوراء فكأنما عبد الله بعبادة
الملائكة المقربين ومن بكى يوم عاشوراء أو ليلة عاشوراء أو فاضت عيناه من
خشية الله تعالى كتب الله له نصيبا في عبادة الخائفين ومن أتى عالما في
يوم عاشوراء ليسمعه أو يتعلم منه مسألة في دينه وما ينفعه لآخرته أعطي مثل
ثواب المهاجرين والأنصار وأوجب الله له الجنة ويكتب له الملكان الحسنات
إلى يوم عاشوراء من العام الذي يأتي ومن صام يوم عاشوراء محتسبا عالما
بفضله سخر الله له بكل ساعة من ليله ونهاره من ذلك اليوم الذي صامه مائة
ألف ملك يدعون له إلى يوم القيامة ومن أراد صيام يوم عاشوراء وأصبح فيه
آكلا وهو لا يعلم فليمسك عن الأكل في بقيته وله فضله كاملا إن شاء الله
تعالى
398 النفقة على العيال
وتستحب النفقة في ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء رجاء فضل الله وطلبا لمرضاته
ولوجوب البركة فيه فإنه روي أن من أنفق فيه درهما أخلف الله له
سبعمائة
وكل درهم ينفقه فيه في طاعة الله فهو عند الله تعالى أثقل من السموات
والأرضين السبع
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول أكثروا خير بيوتكم في ليلة عاشوراء
ويومه ووسعوا فيه على أهاليكم فيما يحل ويجمل فمن لم يجد فليسوع خلقه أظنه
مع قرابته وليعف عمن ظلمه
399 بنو إسرائيل وعاشوراء
وكان يوم عاشوراء يصومه بنو إسرائيل ويعظمونه وكانت قريش تصومه في
الجاهلية فلما قدم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} المدينة صامه وأمر
بصيامه إلى أن فرض شهر رمضان فجعل الله تعالى هذا الخير كله لأمة محمد
{صلى الله عليه وسلم}
فيوم عاشوراء يوم يتقبل الله فيه الحسنات وترفع فغيه الدرجات المرتفعات
وتخلف فيه النفقات وتكثر فيه البركات
ويفرح فيه أهل الفاقة والحاجات
يوم عاشوراء يوم تظهر فيه الأعمال ويوسع فيه على العيال وتزكوا فيه
الأفعال والأقوال ويرحم فيه عبيده ذو الإكرام والجلال
يوم عاشوراء يوم توصل فيه الأرحام وتربح فيه الكرام وتخسر فيه اللئام
لمخالفتهم القرآن والأحكام وعصيانهم الملك العلام
يوم عاشوراء تفرح فيه الأرامل والأيتام ويرحم فيه ذو الجود والأنعام ويغفر
فيه السيئات والإجرام ويوجب لمن أطاعه دار الخلد والسلام فالله الله عباد
الله إياكم أن يضرب الشيطان على قلوبكم الأقفال ويصدكم عن سبيل الكريم
المتعال ويفتح في قلوبكم أبواب الفقر لتمنعوا الزكاة من أموالكم ويؤول بكم
إن أطعتموه شر مآل يا أخي البخيل صاحب الشيطان الذليل يمنع الزكاة ويقل
النفقات ويفوت نفسه جميع الخيرات
فعيشه في الدنيا عيش الفقراء وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء فيا
معشر المؤمنين كونوا كراما ولا تكونوا لئاما فإن الكرام في جنة الخلد
والنعيم واللئام في عذاب الجحيم فتقربوا إلى الله في هذا اليوم بأداء
الزكاة وتطوعوا فيه بالنوافل من الصلوات
فعسى الله أن يغفر لكم ما أسلفتم من الأوزار والسيئات
400 صيامهم له
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن الله تعالى افترض على بني
إسرائيل صوم يوم في السنة وهو يوم عاشوراء العاشر من المحرم فصوموه ووسعوا
فيه على عيالكم وأهليكم فمن وسع على أهله من ماله يوم عاشوراء وسع الله
عليه سائر سنته فمن صام هذا اليوم كان له كفارة أربعين سنة وما من أحد
أحيا ليلة عاشوراء أو اصبح صائما إلا مات ولم يذق طعم الموت يا أخي إن
العجوز لتغزل يوم عاشوراء لتبقي بركة غزلها إلى العام القابل فاعمل أنت في
هذا اليوم من الطاعات لتبقي بركتها عليك إلى ليوم القيامة وما من عبد مؤمن
أنفق في يوم عاشوراء درهما أو مثقالا إلا أخلف الله تعالى عليه في دنياه
سبعين ضعفا مثل ما أنفق وجعل نفقته زاده إلى الجنة فالله الله يا عباد
الله اصنعوا في هذا اليوم المعروف وأعينوا الضعيف وأغيثوا الملهوف يغيثكم
الرب الرحيم الرؤوف
401 كل معروف صدقة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } كل معروف صدقة والمعروف يقي
سبعين نوعا من البلاء ويقي ميتة السوء { والمعروف والمنكر منصوبان للناس
في المحشر يوم القيامة فالمعروف لازم لأهله يقودهم ويسوقهم إلى الجنة
والمنكر لازم لأهله يقودهم ويسوقهم إلى النار
أعاذنا الله وإياكم من النار
فالله الله احرصوا أن تكونوا من أهل الجنان ولا تكونوا من أهل النيران
واجتهدوا في الخير والزيادة ولا ترضوا بالنقصان
402 أهل المعروف
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن الله تبارك
وتعالى جعل للمعروف وجوها من خلقه حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله
ووجه طلاب المعروف إليهم ويسر عليهم إعطاءه كما يسر الغيث إلى الأرض
المجدبة ليحييها ويحيي أهلها وإن الله
تبارك وتعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه بغض إليهم المعروف وبعض إليهم
فعاله وحظر على طلاب المعروف الطلب إليهم وحظر عليهم إعطاءه كما حظر الغيث
عن الأرض المجدبة ليهلكها ويهلك أهلها وما يغفر الله عز وجل أكثر فالله
الله يا أولياء الله يا أهل المعروف
فكونوا من أهل المعروف وأعينوا الفقير وأغيثوا الملهوف فعسى الله أن
يغيثكم يوم البعث إنه رحيم رؤوف
403 إخراج الزكاة
وهذا اليوم المبارك الشريف يوم عاشوراء لما جعل الله فيه من الخلف
والخيرات واعلموا أنه لما عظم الله تعالى يوم عاشوراء وجعل فيه الخلف
والخيرات استحب للمؤمنين فيه إخراج الزكاة وما من أحد من المؤمنين
والمؤمنات لم تجب عليه زكاة ماله فأعطى في يوم عاشوراء أو تصدق من اليسير
الذي معه رغبة في فضل يوم عاشوراء إلا كتب من أهل الزكاة ولم يخرج من
الدنيا حتى يعطي مالا حلالا يزكي عليه
فإياكم يا معشر المؤمنين والمؤمنات أن يخدعكم الشيطان اللعين لأنه قد جاء
في الخبر أن العبد إذا هم بإخراج درهم لوجه الله تعالى فتح الشيطان في
قلبه سبعين بابا من الفقر حتى يحول بينه وبين إخراجه فإن من الله تعالى
على العبد وأعانه حتى يغلب عدوه وشيطانه كان كمن هزم عسكرا من المشركين
وقتلهم
ويدل على صحة هذا القول أن عليا بن أبي طالب رضي الله عنه كان
إذا آن أوان الزكاة وعزم على إخراجها لبس درعه وتقلد بسيفه وأخذ رمحه وركب
فرسه فتقول الصحابة رضي الله عنهم مالك يا أبا الحسن لبست آلة حربك فيقول
أنا خارج إلى محاربة الشيطان أخاف أن يمنعني إخراج الزكاة فجهاد الشيطان
هو الجهاد الأكبر والشيطان لعنه الله يريد أن يردك إلى فقر نفسك ويصدك عما
وعدك ربك جل جلاله حين قال عز وجل { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء
والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم } البقرة 268 والله واسع
العطاء لأنه جل وتعالى لا ينقص من ملكه ما يخلف على العبد المؤمن الذي
يؤدي الزكاة ويتصدق من فضل ماله
وقوله تعالى { عليم } أي عليم بما يفعله العباد من الخير والشر فمن أنفق
من مال الله ووسع منه على عياله وعباد الله كان له الخلف من الله تعالى
يقول المولى جل جلاله { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين }
سبأ 39 فالله الله عباد الله ثقوا بمولاكم
جل جلاله في الخلف ولا تطيعوا الشيطان الذي يعدكم الفقر والتلف
404 اللعنة على مانع الزكاة
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ينزل من السماء
في كل يوم اثنان وسبعون لعنة على مانعي الزكاة من هذه الأمة وقد سماهم
الجليل جل جلاله كفارا في قوله تعالى { وويل للمشركين الذين لا يؤتون
الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون } فصلت 6 وقد ذكر بعض العلماء أن الله تعالى
لما أخرج الذرية من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام عزل منهم الأغنياء من أهل
البدو الحضر وعزل أموالهم ثم قال جل جلاله هذه أموال أعطيتها لكم وجعلتكم
عليها أمناء فلا تشتغلوا بها عن أداء فرائضي وحقوقي ثم قال عز وجل للفقراء
من أهل البدو والحضر وحرر أرزاقهم على قدر آجالهم وأخرها وجعلها وديعة في
أموال الأغنياء وقال لهم عز وجل هذه أرزاق الفقراء من عبادي وديعة في
أموالكم إياكم أن تقتروا وتمسكوا عنهم أموالهم وأرزاقهم فيحل عليكم غضبي
وسخطي فإني قد ائتمنتكم عليها
وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } ما من يوم إلا وملكان يناديان تحت
العرش المال مال الله والعباد عباد الله فإن جاع الفقراء عذب الله
الأغنياء {
فالله الله عباد الله أوفوا لديه بالعهود وارغبوا في دار النعيم والخلود
ومجاورة الملك المعبود
405 من شبع وجاع جاره
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ما آمن بالله واليوم
الآخر من بات شبعانا وجاره جائعا { وقد جاء في الحديث إن الجار الفقير
يتعلق بجاره الغني يوم القيامة ويقول يا رب سل هذا الغني لم منعني معروفه
وسد بابه دوني وفي حديث آخر يقول يا رب سل هذا لم بات طاعما وبت إلى جنبه
طاويا
ومما يصدق هذا أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال لأسامة بن زيد في
وصيته يا أسامة
إياك وكل كبد جائعة تخاصمك عند الله فإنه يقول ما آمن بي من بات شبعانا
وجاره طاويا إلى جنبه
وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } أيما رجل كان له جار مسلم
بات جائعا وهو يعلم بجوعه وعنده فضل ولم يشبعه فقد برئ من ذمة الله تعالى
وذمة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فيا لها من خسارة لم نتدبرها بعقولنا
فكم بين أظهرنا من مسكين وضعيف وزمن لا يمتلكون قيمة رغيف فالله الله لا
تغتروا بالعز والمال وتضيعوا للفقراء وأهل الإقلال فإن غاية كل شيء
الانقلاب والانتقال والنفاد والزوال
وقد ذكر في تفسير هذه الآية { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } البقرة 61 قيل
يحرص العبد على جمع الحطام والسحت والحرام وكل من أدى زكاة ماله فهو كريم
قد برئ من وعد الشيطان الرجيم ووثق بوعد العزيز الرحيم ونجا من العذاب
الأليم
406 حديث في ذم الشح
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } اتقوا الشح فإنه أهلك من
كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم { وأنشدوا
} صافي الكريم فخير من صافيته
من كان ذا كرم وكان عفيفا {
} إن الكريم وإن تضعضع حاله فالفعل منه لا يزال شريفا {
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه كان يطوف بالبيت فإذا هو برجل
متعلق بأستار الكعبة وهو يقول بحرمة هذا البيت إلا غفرت لي
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ما ذنبك صفه لي فقال الرجل هو أعظم
من أن أصفه لك يا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} } ذنبك أعظم أم الأرضون قال بل ذنبي يا رسول الله قال رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} ذنبك أعظم أم الجبال قال بل ذنبي يا رسول الله
قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ذنبك أعظم أم السموات قال بل ذنبي يا
رسول الله قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ذنبك أعظم أم الله قال بل
الله أعظم وأجل فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } ويحك فصف لي ذنبك
قال يا رسول الله إني ذو ثروة من المال وإن السائل ليأتيني يسألني شيئا
فكأنما يستقبلني
بشعلة من نار قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
إليك عني لا تحرقني بنارك والذي بعثني بالهدى والكرامة لو أقمت
بين الركن والمقام ثم صليت ألف عام وألف عام حتى تجري من دموعك الأنهار
وتسقي بها الأشجار ثم مت وأنت لئيم لأكبك الله في النار ويحك أما علمت أن
البخل كفر والكفر في النار وويحك أما علمت أن الله تعالى قال { ومن يوق شح
نفسه فأولئك هم المفلحون } الحشر 9
وأنشدوا
} إن البخيل إذا ما مات يتبعه سوى الثناء ويحوي الوارث الإبلا
} يرى البخيل سبيل المال واحدة
إن الجواد يرى في ماله سبلا
407 عظة في الحض على الزكاة
فالله الله يا معشر المؤمنين كونوا من الأسخياء الصالحين ولا تكونوا من
البخلاء الفاسقين فالبخيل هو شريك الشيطان اللعين قال الله تعالى {
وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } الإسراء
64 فكل مال لا تؤدي زكاته فصاحبه خازن الشيطان وكل مال أخرجت زكاته فصاحبه
عدو الشيطان حبيب الرحمن وعمل بالسنة والقرآن وناج من عذاب النيران وداخل
في نعيم الجنان
فكل من مات وترك مالا قد أدى زكاته فإن صاحبه لا تزال الملائكة تكتب له
الحسنات إلى يوم القيامة وكل من مات وترك مالا لم يؤد زكاته فلا يزال وزره
يجري عليه إلى يوم القيامة وإن وصله وقع المال عند من يزكيه وما من عبد
أدى زكاة ماله بطيب من نفسه إلا جعل الله ذلك المال يوم القيامة طوقا من
نور الجنة يضيء لأهل الجمع من المؤمنين حتى يجوزوا الصراط ويدخل به الجنة
وما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا طوقه الله يوم القيامة بطوق من نار جهنم
لو أن ذلك الطوق وضع في الدنيا لاحترقت الدنيا كلها وتقطعت جبالها وجفت
بحارها
فوالله لو لم يكن فخر الكريم السخي إلا ذكر الله تعالى له في كتابه لكفي
في قوله تعالى { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } الحشر 9 فاغتنموا
هذا اليوم الفاضل فهو يوم تعرف فيه الكرام وتفضح في اللئام
وهذا يوم عاشوراء يوم تواترت فيه الأخبار عن رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} وهو يوم النفقة في الله فيه مخلوفة
والنفقة فيه في غير الله متلوفة
فإذا كان هذا اليوم تخلف فيه النفقات فأولى أن تغفر فيه الخطيئات وتتضاعف
فيه الحسنات وينجي الله فيه المؤمنين من العذاب والعقوبات يوم تبدل الأرض
غير الأرض والسموات وتظهر فيه السرائر والخفيات
وأنشدوا
يا جامع المال يرجو أن يدوم له
كل ما استطعت وقدم للموازين
ولا تكن كالذي قد قال إذ حضرت
وفاته ثلث مالي للمساكين
روي أن النبي {صلى الله عليه وسلم} سئل أي الصدقة أفضل فقال } أن تتصدق
وأنت صحيح حريص شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت
الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا
408 من خلف ثروة لبيت المال
ذكر أن رجلا مات بالمدينة من أهل اليمن وخلف مالا كثيرا فأخبر بخبره رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} فقال هل من وارث فقالوا لا يا رسول الله فقال
{صلى الله عليه وسلم} } من لا وارث له فماله لبيت مال المسلمين { فأمر
رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أن يحضر المال فيجيء بالمال إلى المسجد
فوضع حتى غاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من الجانب وغاب الناس من
الجانب الآخر من حلي وذهب وورق وثياب
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } ارفعوا المال إلى بيت مال المسلمين
{ فرفع كما أمر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فالتفت عبد الله بن عمر
رضي الله عنه في المسجد فوجد فرصة من ذهب فيها قيراط فقال يا رسول الله
هذه من ذلك المال فأخذها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ووضعها في كفه
وجعل يقلبها في يده ثم قال {صلى الله عليه وسلم} } لو تصدق بها في حياته
حين كان صحيحا شحيحا يأمل العيش ويخشى الفقر كانت أحب إليه من هذا المال
كله يعطي من بعده في سبيل الله فالله الله عباد الله اسمعوا صواب المقال
وبادروا إلى حسن الفعال ولا تغتروا بالعز والمال
فإن المال يذهب والدنيا تخرب ونفسك تموت والمرد غدا إلى الحي
الدائم الباقي الذي لا يموت واعلم يا أخي أنك مرتهن بالذنوب وأنت محاسب
مطلوب مسئول بين يدي علام الغيوب فاستعد للسؤال وتهيأ للجدال في يوم تشيب
فيه الرؤوس وتضيق من فظاعة هولة النفوس ذلك يوم هائل عبوس
يوم تضع فيه الحوامل أحمالها وتزلزل الأرض زلزالها وتخرج
بأمر الله بعد ذلك أثقالها
يا مغرور يا مسكين ظلمت الفقراء والمساكين وتركت مالك للوارثين ولم تخف من
عقوبة رب العالمين يوم يقتص للمظلومين من الظالمين
وأنشدوا
ولا تكن كالذي قد قال إذ حضرت
وفاته ثلث مالي للمساكين
روي أن النبي {صلى الله عليه وسلم} سئل أي الصدقة أفضل فقال } أن تتصدق
وأنت صحيح حريص شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت
الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا {
} يا جامع المال لأولاده
يخشى عليهم شمت حساده {
} ولا يبالي كيف كان الغني يغتر بالله وإيعاده {
} اسمع مقالا سوف تحظى به إن أنت لم تعمل بأضداده {
} بنوك إن لاذوا بمولاهم
وتابعوا منهاج إرشاده {
} فالله يكفيهم ويحميهم والله لا خلف لميعاده {
} وإن يحيدوا عن سبيل الهدى وقابلوا الدين بإفساده {
} فقد يكن مالك عونا لهم
في طاعة اللهو وأجناده {
قيل وقف رجل في حلقة منصور بن عمار في يوم عاشوراء فقال أيها الناس رحم
الله من تصدق من فضل وأنفق من كفاف وآثر في فاقة
فقال لهم منصور معشر الناس ما ترك منكم أحدا
فلم يكن أحد في المجلس إلا واساه قال منصور بن عمار اللهم عجل لهم بالخلف
في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة قال منصور فلقد افتقدت أهل مجلسي كلهم
واحدا بعد واحد بعد ذلك بعام فما منهم إلا من قال أخلف الله علي سبعين
ضعفا مما أعطيت
قال منصور فأخذتني عيناي فنمت فرأيت قائلا يقول أبشر يا منصور قد
غفر الله لجميع من كان في ذلك المجلس فأخبرهم بذلك وقد غفرت لك فأنت الذي
دللتهم على الخير فالله الله يا عباد الله تفضلوا على أنفسكم بأموالكم
فليس أحد منكم أحق بها من نفسه
409 تحذير من البخل
ذكر في بعض الأخبار أن ملكا ينادي كل يوم تحت العرش الويل ثم الويل لمن
ترك عياله بخير وقدم على الله بشر
وأنشدوا
لا تؤثرن بما جمعت سواكا
الموت لا تدري متى يغشاكا
إن البنين مع البنات رأيتهم
يتطلعون ويشتهون فناكا
من كان يعلم أن مالك ماله
بعد الممات فلا يحب بقاكا
فالله الله عباد الله اجتهدوا وارغبوا في ثواب يوم فضله الرحمن ووعد من
أدى زكاة ماله جنة الرضوان وأناب مؤدي الزكاة إخلاص الإيمان وذم مانع
الزكاة وجعله من أهل الكفر والخذلان وبين ذلك في القرآن
وأنشدوا
يا جامع المال في الدنيا لوارثه
هل أنت بالمال بعد الموت تنتفع
} قدم لنفسك قبل الموت في مهل
فإن حظك بعد الموت ينقطع
410 من أقرض الله فضاعفه له
ذكر أن رجلا دخل بعض الأسواق في يوم عاشوراء فسمع سائلا يقول {
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم } الحديد 11 قال
فقام إليه رجل من التجار فأعطاه عشرة دنانير فلما كان العام القابل إذا
بالرجل السائل قد جاء وحوله فقراء يتبعونه وهو يفرق عليهم الصدقة فقال
الرجل الذي رآه حين أعطاه الرجل العشرة دنانير يا أخي أقسمت عليك أما أنت
الذي أعطاك فلان التاجر العشرة دنانير عام أول في يوم عاشوراء قال نعم قال
قلت ألم تك فقيرا ذلك اليوم قال بلى قال قلت له فما أغناك قال لما علم
الله صدق نيتي وأني ما أخذت الصدقة إلا وأنا محتاج وعلم الله تعالى طيب
نفس المتصدق بإعطائها بارك لي في تلك العشرة دنانير وأنماها لي حتى وجبت
علي اليوم عشرة دنانير زكاة في مالي قال فلما سمعت منه ذلك مضيت إلى الرجل
الذي كان تصدق عليه بالعشرة دنانير فقلت صف لي قصتك في العام الماضي في
يوم عاشوراء إذ جاء الرجل الذي قال { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا
فيضاعفه له وله أجر كريم } الحديد 11 فقال الرجل المتصدق إنه لما قرأ هذه
الآية وقع في نفسي أن الله سبحانه سيخلف علي في الدنيا ويوفيني في الآخرة
الأجر الكريم فبت على هذه النية فرأيت ربي جل جلاله في منامي وهو يقول يا
عبدي قد أنجزت الأمرين وقد أوجبت لك الجنة
411 يوم عاشوراء وقتل الحسين
فالعجب كل العجب من بعض جهلة الناس الذي يذمون يوم عاشوراء ويسمونه يوم
النحس لقتل الحسين رضي الله عنه فيه وهذه غاية السخافة في الجهالة وفي
معاندة الأخبار عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ومبالغة في الرد على
صاحب الشريعة في قوله بفضائل يوم عاشوراء ولولا البغي والعداوة لعدوا ذلك
من فضائل الحسين رضي الله عنه إذا استشهد في مثل هذا اليوم الشريف كما أن
الواحد منا يموت له قريب في ليلة الجمعة أو ليلة القدر أو يستشهد يوم
الجمعة أو يوم عرفة فيكون من فضائله أو يعد من مناقبه فكذا الحسين
هذا ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} أخبره جبريل عليه السلام
بقتله
412 الحسين وجده
قالت أم سلمة رضي الله عنها كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مع الحسين
في منزلي إذ دخل عليهما فطالعتهما من الباب فإذا الحسين على صدر رسول الله
{صلى الله عليه وسلم} يلعب وفي يد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قطعة من
طين ودموعه تجري على خديه فلما خرج الحسين دخلت إليه وقلت له بأبي أنت
وأمي يا رسول الله اطلعت عليك وفي يدك طينة والصبي على صدرك وأنت تبكي
فقال لها النبي {صلى الله عليه وسلم} إني لما فرحت به وهو على صدري يلعب
إذ أتاني جبريل عليه السلام وناولني الطينة التي يقتل عليها الحسين فلذلك
بكيت
413 رؤيا ابن عباس لمقتل الحسين
وقيل رأى ابن عباس رضي الله عنه في منامه يوم قتل الحسين رسول الله {صلى
الله عليه وسلم} وبيده قارورة وهو يلتقط شيئا من الأرض قال فقلت له ما هذا
يا رسول الله قال قتل ولدي الحسين ولم أزل منذ ذلك اليوم ألتقط دمه من
الأرض وأجمعه في القارورة وأرفعه إلى الله تعالى
فكان كما رأى رضي الله عنه
وقيل لما خرج الحسين إلى العراق خوفه أهله وجزعوا فلما رأى جزعهم أنشأ يقول
سأمضي فما في الموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقا وحارب مجرما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه
وخالف مثبورا ووافق مسلما
وجاهد في الرحمن حق جهاده
كفى بك ذلا أن تعيش فتغرما
فلما قدم الكوفة استقبله الفرزدق فقال له الحسين ما وراءك يا أبا فراس قال
أصدقك أم لا قال الصدق أريد قال أما القلوب فمعك وأما السيوف فمع بني أمية
عليك
قال له الحسين ما أراك إلا صدقت إن الناس عبيد للمال فالدين نفق على
ألسنتهم يحوطونه ما ردت به معائشهم فإذا تحولوا للإبتلاء قل الديانون
ثم التفتت إلى أصحابه وقال على الخبير سقطنا
414 آيات ظهرت لمقتل الحسين
وقال الحسن لم نر هذه الحمرة في السماء إلا حين قتل الحسين ووجد على حائط
قسطنطين
أترجو أمة قتلت حسينا
شفاعة جده يوم الحساب
ويقال ناحت الجن على قتل الحسن سبعة أيام حتى سمعت من تحت السبع أرضين
وأبكت الملائكة أجمعين
415 حكاية غريبة
وقال الحذاء بن رباح القاضي رأيت رجلا مكفوفا قد شهد قتل الحسين
وكان الناس يأتونه ويسألونه عن ذهاب بصره قال فكان يقول شهدت قتل الحسين
ولكني لم اضرب بسيف ولم أرم بسهم فلما قتل الحسين رجعت إلى المنزل وصليت
العشاء الأخيرة ونمت فأتاني آت في منامي فقال لي أجب رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} فقلت ما لي وله فأخذني وجذبني جذبة شديدة وانطلق بي إليه فإذا
رسول الله {صلى الله عليه وسلم} جالسا في المحراب مغتما حاسرا عن ذراعيه
آخذا بخده وبين يديه نطع وملك قائم بين يديه وبين يدي الملك سيف من نار
وكان لي تسعة من الأصحاب فقتل أصحابي التسعة كلما ضرب الملك أحدا التهبت
نفسه نارا فكلما قام الملك صاروا أحياء فقتلهم مرة بعد أخرى حتى قتلهم سبع
مرات فدنوت من النبي {صلى الله عليه وسلم} وحبوت إليه فقلت السلام عليك يا
رسول الله والله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم فقال لي صدقت
ولكن كثرت السواد أدن مني فدنوت منه فإذا طشت مملوء دما من دماء الحسين
فكحلني من ذلك الدم فانتبهت أعمى لا أبصر شيئا
416 حكاية عن قتلة الحسين
وقال الفضل بن الزبير كنت قاعدا عند السدي فجاءه رجل فجلس إليه فإذا منه
ريح قطران فقال له السدي أتبيع قطرانا فقال لا
قال له ما هذه الرائحة قال شهدت عسكر عمر بن سعد فكنت أبيع منهم الأوتاد
الحديد فلما قتل الحسين يوم عاشوراء بت في العسكر فرايت رسول الله {صلى
الله عليه وسلم} في النوم والحسين وعلي معهم وهو يسقي الماء من قتل من
أصحاب الحسين فاستسقيته فأبى أن يسقيني قال فقال لي ألست ممن أعان علينا
فقلت بل كنت أبيعهم أوتاد الحديد قال فقال لعلي أسقه قطرانا قال فناولني
قدحا فشربت منه فكنت ثلاثة أيام أبول القطران ثم ذهب ذلك عني وبقيت هذه
الرائحة علي
قال فقال له السدي كل خبز البر وكل من كل النبات واشرب من ماء الفرات فما
أراك تعاين الجنة ولا محمدا أبدا
417 من استخف بالحسين
حكي أن رجلا ممن شهد قتل الحسين يوم عاشوراء قال وعلى وجهه
الاستخفاف ما أكثر ما يكذب أهل العراق ويقولون إنه لم يشهد قتل الحسين أحد
إلا أصيب ببلاء وإني حضرت يوم قتله ولم يصبني بلاء ولا شيء قال وكان ضيفا
عند قوم فقام ليصلح السراج فتعلقت به شرارة من المصباح فاشتعل نارا ومات
على المكان
418 بر سليمان بن عبد الملك للحسين
وحكي عن الحسن البصري أنه قال رأى سليمان بن عبد الملك في النوم أنه يبره
ويلاطفه فسأل الحسن عن ذلك فقال لعلك فعلت إلى أهل بيته معروفا قال نعم
إني وجدت راس الحسين في خزانة يزيد بن معاوية فكسوته خمسا من الديباج
وصليت عليه في جماعة من أصحابي وقبرته
فقال الحسن إن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قد رضي عنك بسبب ذلك فأحسن
إلى الحسن البصري وأمر له بالجوائز
فعليكم بحفظ مقام الأشراف ولو كانوا في غاية الإسراف
419 في قتل الحسين
ورأيت في كتاب التعازي والعزاء من وضع أبي محمد عبد الله بن محمد البللوري
أن الحسين رضوان الله عليه استسقى ماء حين قتل فمنع منه وقتل وهو
عطشان وأتى الله حتى سقاه من شراب الجنة وذبح ذبحا وسبيت حرمه وحملن
مكشفات الرؤوس على الأكف بغير وطاء حتى دخلن دمشق ورأس الحسين بينهن على
رمح إذا بكت إحداهن عند رؤيته ضربها حارس بسوطه ووقف أهل الذمة لهن في سوق
دمشق يبصقون في وجوههن حتى وقفن بباب يزيد فأمر براس الحسين فنصب على
الباب وجميع حرمه حوله ووكل به الحرس وقال إذا بكت منهن باكية فالطموها
فظللن ورأس الحسين بينهن مصلوب تسع ساعات من النهار وإن أم كلثوم رفعت
رأسها فرأت رأس الحسين فبكت وقالت يا جداه تريد رسول الله {صلى الله عليه
وسلم} هذا رأس حبيبك الحسين مصلوب وبكت فرفع يده بعض الحرس ولطمها لطمة
حصر وجهها وشلت يده مكانه وفي هذا يقول الأزدي
لقد ضل قوم أصبحوا في تلدد
سباياهم في الحرب آل محمد
كما ضل سعي الناكبين بعجلهم
فأعقبهم لعنا بدين التهود
وموسى وعيسى بشرا بمحمد
عليه سلام الله من متهجد
أيا أمة الإسلام يا أمة الذي
هدى الله منا بالنبي كل مهتد
وثوب لأبناء النبي فلو ترى
بنو اللعن إذ عنوا لهم بالتهدد
بسوق دمشق يبصقون وجوههم
فداء لها نفسي وما ملكت يدي
} فما جرى دمعي يا حبيبي بناضب
ولا زند ودي للحسين بمصلد
420 عمرو بن الليث
وقيل إن عمرو بن الليث عرض عليه جنوده يوما فرأى كثرة عسكره وكان يحمل بين
يديه إثنا عشر ألف عمود من ذهب تحت كل عمود قائد من حشمه تحت يده ألف فارس
فلما رأى ذلك اغرورقت عيناه بالبكاء وقال في نفسه يا ليتني وقت قتل الحسين
بن علي مع هؤلاء فكنت أفديه بنفسي ومالي وحشمي فرأى بعض الصالحين في منامه
رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال له قل لعمرو بن الليث أطلعنا على ما
خطر بقلبك وقبلنا منك وأعطاك الله تعالى على نيتك وقولك الثواب الجزيل
فجاءه فأخبره فبكى بكاء شديدا
421 من فضائل عاشوراء
ومن فضائل يوم عاشوراء ما ذكره وهب بن منبه قال وهب بن منبه أنزل
الله سبحانه وتعالى خاتم سليمان عليه الصلاة والسلام في يوم عاشوراء وذلك
أن الله تعالى أسكن آدم الجنة وختمه بخاتم العز وقال يا آدم هذا خاتم عهدي
فإذا نسيت عهدي يا آدم اخلعه منك ثم ألبسه من أنبيائي من لا ينسى عهدي
وأورثه خلافتك ففزع آدم وقال يا ربي من هذا الذي تورثه خلافتي قال الله
تعالى ولدك سليمان أسلمه من الكبر وأجعله مثلا للمردة من ولدك الذين
يفسدون في أطراف الأرض ويسمون أنفسهم ملوكا في أكنافها
فأخذه آدم عليه السلام فتختم به فكان يضيء لنوره أشجار الجنة
وتضحك حور الجنان وتميل الخزنة لرؤيته عجبا منه ومن حسنه وجماله فسبحان من
أكرمه واصطفاه {صلى الله عليه وسلم} حتى عصى ربه ونسي عهده طار الخاتم من
أصبعه طيرانا فزعا مذعورا حتى استجار بركن من أركان العرش وأنطق الله
الخاتم فقال إلهي وسيدي هذا آدم قد رفضني وأنت قد طهرتني به وجعلتني لأهل
الطهارة فقال الله جل جلاله استقر فلك الأمان وسنجعلك لمن نسلمه من الكبر
ونعزه بك على أن لا يملكك أحد بعده أبدا فلما اصطفى الله سبحانه سليمان
عليه السلام بالخلافة والولاية وأحب أن يرى عباده قدرته جعل عن سليمان
عليه الصلاة والسلام في ذلك الخاتم وأنزله الله سبحانه إليه يوم عاشوراء
صبيحة يوم الجمعة وسليمان قائم في محرابه وخلفه إثني عشر سبطا في كل سبط
إثني عشر ألفا من العلماء والحكماء والقضاة من أهل التوراة والزبور ودراسة
الكتب إلا أصحاب البرانيس والعكاكيز فقد أظلهم الطير من فوقهم فبينما
سليمان عليه السلام في قراءة الزبور إذا ناداه جبريل عليه السلام
422 خاتم سليمان
وقال له السلام عليك يا سليمان هذه هدية الله إليك خذ هذا الخاتم فتختم به
فسجد سليمان لله رب العالمين شكرا وسجد من خلفه من أول النهار إلى آخره
تعظيما لله عز وجل وتحميدا له حتى إذا رفع رأسه صعد كرسيه واستقبل الناس
بوجهه ورفع إليهم الخاتم فلمع في يده كالبرق الخاطف فقال لهم هذا خاتم جمع
الله لي فيه سلطاني وعزتي وفضلني به على العالمين وهو خاتم الطاعة لا يمسه
إلا عزيز تقي نقي قالوا له قد أدينا لك طاعتنا وأنت العزيز التقي النقي
الأمين وكان على تربيع الخاتم مكتوب على الجانب الأول أنا الله لم أزل
وعلى الثاني أنا الله الحي القيوم وعلى الثالث أنا الله العزيز لا عزيز
غيري وعزيز من
ألبسته إياه وعلى الرابع آية الكرسي محيط به لا إله إلا الله محمد رسول
الله خاتم الأنبياء
فهذه صفة خاتم سليمان عليه السلام
423 كيف نجا أسير
وحكى أن أسيرا كان بأيدي الكفار وكانوا يعذبونه فلما كان في يوم
عاشوراء قال اللهم بحرمة هذا اليوم عليك إلا ما فرجت عني قال فلطف الله به
وعطف عليه قلوب الكفار حتى خلصوه وأفرجوا عنه وقيل خرج أسير في يوم
عاشوراء من بلد الكفار فطلبوه فلما رأى الفرسان خلفه وأيقن أنه مأخوذ مدرك
رفع رأسه إلى السماء وقال إلهي وسيدي ومولاي بحرمة هذا اليوم أسألك أن
تنجيني وتحفظني منهم فأعمى الله أبصارهم عنه فنجا وصام ذلك اليوم فلم يجد
شيئا يفطر عليه عند الليل فنام وأطعم وسقى في النوم لفضل يوم عاشوراء
فعاش بعد ذلك عشرين سنة لم يكن له حاجة إلى الطعام والشراب
وهذا رحمكم الله من فضل يوم عاشوراء فاعرفوا حقه وارغبوا في فضله لا حرمنا
الله فضله وغفر لنا فيه ما أسلفنا من الأوزار والذنوب وستر علينا ما أتينا
من القبائح والعيوب
424 دعوات صالحة
اللهم كما تبت على آدم في عاشوراء فتب علينا وكما نجيت عيسى من الأعداء
فنجنا وكما رفعت إدريس مكانا عاليا فارفعنا وكما لعنت فيه إبليس فأعذنا من
سخطك وجنبنا معاصيك برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم ارزقنا الشهادة والسعادة كما فعلت بهابيل واجعلنا يا رب من أحبابك
كما فعلت بالخليل
اللهم برد علينا نار الآخرة كما بردت النار على خليلك إبراهيم وأهلك
أعداءنا كما أهلكت أعداء موسى في اليم
اللهم نجنا من طوفان الشهوات والهوى وانزل علينا السكينة والوقار في دار
الدنيا
اللهم اكشف الضر عنا والبلوى ورد علينا أبصار القلوب بعد التحير والعمى
اللهم وإذا أخرجتنا من سجن الدنيا فأكرمنا بملك البقاء ورد علينا ما فات
منا من طيبات التقى
اللهم اغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر وما أعلنا وما أسررنا وما أنت
أعلم به منا برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم يا عماد من لا عماد له ويا ذخر من لا ذخر له ويا حرز من لا
حرز له ويا ناصر من لا ناصر له يا مؤيد قلوب العارفين ويا مستراح مذاهب
المتوكلين ويا شاهد مجالس الخائفين ويا مقيل عثرة العاثرين ويا أرحم
الراحمين أجب دعاءنا ولا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا
اللهم اجعلنا ممن شملته رحمتك وناله عفوك وعد على ما تعلم من ذنوبنا
برحمتك وعلى ما سلف من تقصيرنا عن طاعتك ما وعدتنا من الإحسان من نفسك يا
ذا الجلال والإكرام
اللهم يا سيدنا كرمت أفعالك بنا فعصيناك ووجدناك كريما فدعوناك ولقيناك
رحيما فسألناك
اللهم فكما مننت علينا بالستر والعافية في حال الذنب والمعصية لا تحرمنا
المغفرة والرحمة في حال التضرع والاستكانة سيدنا ومولانا ارحم في هذه
الدنيا غربتنا وارحم عند الموت صرعتنا وآنس في اللحود وحشتنا وارحم بين
يديك ذل موقفنا واغفر لنا ما خفي على الناس من أعمالنا
اللهم انظر إلينا النظرة الرضا وأعذنا من نظرة الخزي والعلل
اللهم لا تجعلنا ممن صرفت عنه وجهك ومحوت عنه عفوك وأغلقت عنه باب التوبة
وقطعت من يديه أسباب العصمة وطبعت على قلبه وأعميته لذنبه ووكلته إلى نفسه
إنك على كل شيء قدير
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم يا ربنا وسيدنا ومولانا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين واحفظنا واحفظ
علينا ما رزقتنا وبارك لنا فيما أعطيتنا ولا تجعل لأحد من خلقك علينا
سلطانا ولا سبيلا يا ارحم الراحمين
اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا للعسرى
اللهم إنا نسألك من فضلك وعطياك رزقا طيبا مباركا فيه
اللهم إهدنا للهدى وقنا بالتقوى واغفر لنا مغفرة واقية في الدنيا والأخرى
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا دينا إلا قضيته ولا
هما إلا فرجته ولا مريضا إلا شفيته ولا غائبا إلا أدنيته ولا حاجة من
حوائج الدنيا والآخرة مما يصلحنا ويرضيك إلا قضيتها
اللهم أد دين المدينين وفرج عن المهمومين والمكروبين واكتب سلامة
المسافرين في البر والبحر أجمعين وجاز اللهم خير المحسنين
اللهم إن نواصينا بيدك وقلونا في قبضتك تعلم منقلبنا ومثوانا وسرنا
ونجوانا إليك مردنا ومصيرنا أنت فوق العباد بعزتك أنت الخالق ونحن
المخلوقون وأنت المالك ونحن المملوكون أنت الرب ونحن العبيد أنت الغني
ونحن الفقراء إسمع دعاءنا ولا تقطع منا في كل ما سألناك ورغبنا إليك
رجاءنا فإن ذلك عليك يسير وأنت نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله
على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين
وهو حسبنا ونعم الوكيل وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
16 مجلس في قوله تعالى { الله نور السماوات والأرض }
425 مثل ضربه الله المولى البصير السميع لقلب العبد المؤمن المطيع وما أودعه من الإيمان والمعرفة في القرآن من نور الملك الرحمنفقال خالق الطول والعرض الذي عبد بالنوافل والفرض { الله نور السماوات والأرض } النور 35 أي بنوره جل جلاله يهتدي من في السماوات والأرض
ثم قال تبارك وتعالى { مثل نوره } النور 35 يعني النور الذي جعل
في قلب المؤمن وهذا قول جمهور المفسرين { كمشكاة } النور 35 يعني قلب
المؤمن والمشكاة هي الكوة غير نافذة وذلك أن الكوة إن كانت غير نافذة وكان
فيها قنديل الزجاج ولا يقال للزجاجة قنديل حتى يكون فيها مصباح وهو السراج
فإذا كان المصباح في زجاجة صافية في كوة غير نافذة انضم النور واجتمع ولم
يجد له منفذا فتكون الكوة أكثر نورا مما لو كانت نافذة وهذه مبالغة من
الله في وصف قلب المؤمن ثم إن الله تعالى خلق الخلق ضروبا مختلفة فإذا
كانت أنوار المعرفة والإيمان في قلب العبد استدل ونظر بنور الله تعالى
وأخذته الفكرة في خلق السماوات والأرض وفي عظمة الله تبارك وتعالى فإذا
كان العبد كذلك تمكن من قلبه الخوف فعند ذلك يتبع القرآن والأحكام ويتجنب
الفواحش والآثام من كثرة النور الذي جعله في قلبه الملك العلام
فهذا الصنف الذي أثنى عليه الله في كتابه العزيز
فقال الله تعالى { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات
لأولي الألباب } آل عمران 190 ثم نعتهم المولى بالتذكير والتفكير فقال
تعالى { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق
السماوات والأرض } آل عمران 191 إلى قوله { عذاب النار } فلما جعل الله
تبارك وتعالى نور الإيمان في قلوبهم أيقنوا أن الله عز وجل خلق السماوات
والأرض والليل والنهار والشمس
والقمر وعلموا بنور الهدى إنما خلق الله ذلك ليطاع ولا يعصى وعلموا أن
الجنة جزاء لمن أطاعه والنار جزاء لمن عصاه
فاستعملوا قلوبهم بالفكرة وجالت أبصارهم في مصنوعات الله بالعبرة فلا يقدر
واحد منهم أن يباشر شيئا من المنكرات ولا يضيع شيئا من الطاعات
426 النور هو الهدى
قال بعض أهل العلم أراد الله تبارك وتعالى بهذا النور الهدى وليس
المراد به نور شعاع ولا ضياء لأن الله تبارك وتعالى لا يوصف بلون من
الألوان ولا يشبه بملك ولا إنسان { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }
الشورى 11 وقال بعض العلماء هذا مثل ضربه الله بارك وتعالى في وصف نور
محمد {صلى الله عليه وسلم} الذي هدى به المؤمنين واستنقذهم به من موارد
الهالكين لأن الله تعالى رحم بمحمد {صلى الله عليه وسلم} العباد وأنقذهم
به من جهنم وبئس المهاد
وأوجب لهم الاقتداء بنور الجنة وأعظم عليهم به المنة
ثم قال تعالى { فيها مصباح } النور 35 أي ولو لم يسرج به من شدة صفائه تم
الكلام ثم ابتدأ تعالى فقال { نور على نور } النور 35 يعني سراجا {
المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا
شرقية ولا غربية } النور 35 الآية
فشبه الله تعالى القنديل في شدة بياضه وتلألؤه بكوكب دري يوقد ذلك المصباح
بزيت من شجرة لا شرقية ولا غربية أي لا بارزة للشمس كل النهار فتحرقها
الشمس بحرها ولا غربية أي ولا مستترة بالظل فيؤذيها الظل ببرده كل النهار
ولكنها شرقية غربية تصيبها الشمس بعض النهار وإذا كانت الشجرة كذلك فهو
أنضر لها وأجد لحملها وأنور لزيتها
ثم قال تعالى { يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار } النور 35 يعني نور
المصباح على نور الزجاجة وصفاء الزيت
وهذا مثل ضربه الملك الجبار لقلوب المؤمنين الأبرار قال سبحانه وتعالى {
أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } الزمر 22 فنور الهدى إذا
دخل القلب انفسح وانشرح وزالت عنه الأسباب المانعة عنه الضلالة والمعصية
فعند ذلك ذكر الجوارح بالأعمال الموجبة لدار
القرار والمنجية من سخط الملك الجبار ومدار ذلك كله على القلب
والقلب هو سلطان البدن فإذا صلح صلح جميع الجسد وإذا فسد فسد جميع الجسد
وصلاحه إنما هو بنور الإيمان وبنظر الملك الرحمن وفساده إنما هو بظلمة
العصيان ووسواس العدو الشيطان ولذلك ورد الخبر عن سيد البشر إن في ابن آدم
لمضغة إذا صلحت صلح الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب
427 شجرة الزيتون
وقال الله تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } المائدة 15 وقال عز
وجل { وأنزلنا إليكم نورا مبينا } النساء 174 وقال سبحانه { ولكن جعلناه
نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } الشورى 52 وقوله تعالى { زيتونة لا
شرقية ولا غربية } النور 35 لا شرقية تطلع عليها الشمس كل النهار فتحرقها
ولا غربية يصيبها الظل كل النهار فيظلها وهي أفضل ما يكون من الشجر
وهذا مثل ضربه الله تعالى في وصف نبيه محمد {صلى الله عليه وسلم} والنور
الذي أنزل عليه هو القرآن
فالله تعالى قد وصف الشجرة بأنه سبحانه وتعالى حفظها من الشمس والظل فكذلك
حفظ لنا القرآن فلم يقع فيه تحريف ولا بهتان ولا زيادة ولا نقصان ولو جعل
الله حفظه إلينا وقع فيه التحريف والتبديل كما وقع في الكتب المتقدمة قال
الله تعالى { بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء } المائدة 44
ثم أخبرنا عنهم عز وجل أنهم حرفوا وبدلوا فقال تعالى { يحرفون الكلم عن
مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به } المائدة 13 وقال سبحانه { فويل للذين
يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله } البقرة 79 فاخبرنا
الملك الرحمن في محكم القرآن أنهم أوقعوا في كتبهم الزيادة والنقصان
والتحريف والبهتان
وخبرنا مولانا عن القرآن أنه الحافظ له بقوله { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا
له لحافظون } الحجر 9 وما حفظ الملك الديان فلا يقع فيه زيادة ولا نقصان
ولا تحريف ولا بهتان
فكتابنا قد حفظه الملك الجليل فسلم من التحريف والتبديل وكذلك
حفظ نبيه محمدا {صلى الله عليه وسلم} وعصمه وهداه فقال تعالى في عصمته
لنبيه حبيبه وصفيه { والله يعصمك من الناس } المائدة 67 وقال تبارك وتعالى
في هدايته لنبيه { ويهديك صراطا مستقيما } الفتح 2 فأخبرنا مولانا العزيز
الحكيم عن
محمد النبي الرؤوف الرحيم أنه قد هداه إلى الصراط المستقيم وأعاذه من
الشيطان الرجيم وحفظه الملك الرحمن من الشرك والكفران والعوج والبهتان
فقال له الديان في محكم القرآن { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا
قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين } الأنعام 161 فهداه الله
تبارك وتعالى إلى الحق المعلوم وعلمه ما لم يكن يعلم من دقائق العلوم فأدى
رسالة ربه غير مقصر ولا مذموم ولا مفرط ولا ملوم فأخبرنا الحي القيوم عن
النبي الصادق المرحوم أنه قد بلغ كتاب ربه المعلوم وقال له { فتول عنهم
فما أنت بملوم } الذاريات 54 وقد أخبرنا الملك الجبار أنه أمر نبيه
المختار بتبليغ الرسالة ليستنقذ المؤمنين من النار فقال تعالى { يا أيها
الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } المائدة 67 فأمره تعالى بالتبليغ وأخبر
عنه أنه قد بلغ
وما حفظ الملك القهار لقلوب المؤمنين الأبرار فقوله تعالى { إن عبادي ليس
لك عليهم سلطان } الحجر 42 فصار المؤمن في عصمة الله تبارك وتعالى وحفظه
لما دخل نور الهدى في قلبه
فهذا مثل ضربه الله العزيز الحكيم المنان المتفضل الكريم لنبيه الصادق
الأمين ولكتابه النور المبين
ثم قال تعالى { ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم } النور 35
فهو تعالى عالم بما كان وما يكون وما لم يكن ولا يكون أن لو كان كيف كان
يكون
ثم إن الله تبارك وتعالى أثنى على المؤمنين المحافظين على أداء
الصلوات الذاكرين لله في المساجد في جميع الآناء والأوقات الخائفين من
عقوبة رب الأرضين والسموات فقال رب الأرباب وسيد السادات في محكم الكتاب {
بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها } النور 36 الآية
أي يذكر فيها جميع ما أنزل المولى من أسمائه الحسنى وصفاته العلى لا يذكر
فيها زور ولا بهتان ولا غيبة ولا عصيان ولا نميمة على اللسان وإنما جعلها
الله تعالى للسنة والقرآن وعبادة الملك الديان لا يذكر فيها لغو ولا تأثيم
لأنها إنما جعلت لأداء فرض العزيز الحكيم
428 المساجد لذكر الله
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إذا سمعتم الأصوات قد
علت في المساجد في غير ذكر الله فلا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة {
وروي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إذا علت الأصوات في
المساجد في ذكر
الدنيا تقف عليهم الملائكة فيقولون لهم اسكتوا يا أولياء الله اسكتوا يا
أعداء الله اسكتوا عليكم لعنة الله وقوله { ويذكر فيها اسمه } النور 36
يذكر فيها جميع ما أنزل العليم الخبير في كتابه المبين وجميع ما أمر به
الصادق البشير النذير
قال الله مولانا الذي بيده ضلالنا وهدانا { وما آتاكم الرسول فخذوه وما
نهاكم عنه فانتهوا } الحشر 7 وقد نهانا محمد {صلى الله عليه وسلم} عن فضول
الكلام في كل مكان
فإذا كان فضول الكلام وبالا على العباد في غير المساجد فأولى أن يتحفظ
العبد عن الكلام في غير ذكر الله في المساجد
429 كلمة السوء
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن العبد ليتكلم بالكلمة
فينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب {
فهذا ثناء من أسرع الحاسبين على عمار المساجد المؤمنين
وقد أثنى عليهم الملك الرحمن في محكم القرآن حيث أوجب لهم الإيمان { إنما
يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم
يخش إلا الله } التوبة 18
وجاء في الخبر عن سيد البشر {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إذا
كان يوم القيامة يقول الجبار تبارك وتعالى أين جيراني فتقول الملائكة
مولانا ومن ينبغي أن يكون جارك فيقول الله تبارك وتعالى يا ملائكتي أين
عمار المساجد في الدنيا {
وأنشد يحيى بن معاذ بعرفات
} إليك جئنا وانت جئت بنا
وليس شيء سواك يغنينا {
} فناك رحب وأنت ذو كرم تدعو إلى بابك المساكينا {
قال الله تعالى { يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار } النور 37 يريد
أن القلوب يوم القيامة تعرف أمره يقينا فتتقلب وما كانت عليه من الكفر
والشك في الحساب والبعث والثواب والعقاب والنعيم والعذاب فترى الأبصار
يومئذ ما كان عنها مغطى بقوله تعالى { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك
غطاءك فبصرك اليوم حديد } ق 22 وقيل تتقلب الأبصار من الكحولة إلى الزرقة
ومن البصر إلى العمى ومن بياض الوجه إلى السواد والقلوب تتقلب من الشك إلى
اليقين ومن الأمن إلى الخوف ثم لم يوقنوا بالبعث حتى عاينوه ولم
يصدقوا بالعذاب حتى شاهدوه
ثم ضرب الله تبارك وتعالى مثلا للكافرين فقال تعالى { والذين كفروا
أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء } النور 39 يراه من البعد { حتى إذا
جاءه لم يجده شيئا } النور 39 كذلك الكافر بحسب ما قدم من عمله في الدنيا
ينفعه بل وجده بلاء وحسرة عليه لأن الله تبارك وتعالى محقه وأبطله بالنفاق
والكفر لأنه عمل لم يعمله لوجه الله تبارك وتعالى ولا ينفع من الأعمال
كلها إلا ما كان لوجه الله خالصا والكافر والمنافق لم يرد بعمله وجه الله
تعالى فنعوذ بالله من النفاق والكفر بعد الإيمان ومن زوال النعمة بعد
الإحسان ومن القطيعة والحرمان ومن ترك الزيادة ولزوم النقصان ومن ترك العز
واتباع الهوان وترك المولى الكريم وصحبة الشيطان
ثم وصف الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه الرجال الذين يسبحون له
بالمساجد فقال تبارك وتعالى { يسبح له فيها } النور 36 يعني المساجد {
بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } النور 36
فسبحان من لو سجدنا له على جمر الغضا وحرارة الرمضاء ما بلغنا جزءا واحدا
من فناء الأعداء من حق الملك الجواد الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام وفضلنا
بمحمد عليه الصلاة والسلام خير نبي وأكرم إمام شاهدا علينا في جميع
الأحكام وجعل هذه الأمة شهداء يوم القيامة على الناس يوم تشقق فيه السماء
بالغمام
فمن كانت هذه النعمة من بعض نعمه عليهم كيف تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر
الله وتجارتهم مع الله رابحة ومحاسنهم لذوي الألباب لائحة
ثناؤهم عطر الأنام فهو بين لناس كالأعلام بهم يستمطرون الغيث إذا حجب وفي
جملتهم يحشر السعيد والنجيب ومن فاخرهم يخب ومن حاربهم نكب ومن أقلع إليهم
بغير ريح عطب بدعائهم يستمطر الغمام فهو دواء الآلام وشفاء الأسقام وبهم
يستنقذ المغلوب وبهم يفرج الله عن المكروب كروبهم كشف العمى عن القلوب
وبهم تغفر الخطايا والذنوب ومن اقتدى بهم تجنب الآثام والذنوب وأقلع عن
القبائح والعيوب وبلغ من رحمة مولاه المنى والمرغوب وبهم يتوصل إلى غاية
المحبوب
وأنشدوا
وربك لو أبصرت يوما تتابعت
عزائمهم حتى لقد بلغوا الجهدا
لأبصرت قوما جانبوا النوم وارتدوا
بأردية التسهاد واستقربوا البعدا
وصاموا نهارا دائما ثم أفطروا
على بلغ الأقوات واستعملوا الكدا
أولئك قوم حسن الله فعلهم
وأورثهم من حسن فعلهم الخلدا
رجال جالت قلوبهم في الملكوت رجال تفكروا في العظمة والجبروت رجال
استقاموا على عبادة الحي الذي لا يموت رجال خطرت على قلوبهم الأشجان
وأتعبوا النفوس والأبدان وتسربلوا الخوف والأحزان وأقبلوا على مولاهم
كورود الظمآن
شربوا بكأس الزلال مع اليمين وتأسوا بسيد المرسلين وعملوا أعمال
الصالحين وأتبعوا سيرة المؤمنين واستقاموا على طريق الهدى والدين
رجال شربوا بكأس الوداد والحب فكشف لهم حجب الغيب وغفر لهم ما عملوا من
ذنب فأشعلوا في قلوبهم نيران خوف الملك الرب
رجال أقلقهم خوف الوعيد وأنحل أجسامهم التفكر الشديد رجال تجنبوا الفواحش
والآثام ولذيذ الشراب والطعام رجال ليلهم قيام ونهارهم صيام يطلبون رضا ذي
الجلال والإكرام
وأنشدوا
سقوا كأس المحبة فاطمأنت
قلوبهم وهيجها اليقين
إلى ملك تحن إليه شوقا
وليس لها إلى أحد حنين
يميل بهم هبوب القرب ميلا
كما مالت مع الريح الغصون
رجال كحلوا أعينهم بالسهر وغضوها عما لا يحل من النظر وشغلوا خواطرهم
بالفكر وأشغلوا قلوبهم بالعبر رجال أزعجوا أنفسهم عن الأوطان ولزموا مساجد
الملك الرحمن وجالت قلوبهم في علوم القرآن وما واعدهم وتواعدهم به الماجد
الديان
وأنشدوا
اختصم الطرف مع فؤادي
في وصارا إلى عناد {
فقال طرفي أن ابتليت بطول ليلي وبالسهاد
وقال قلبي أنا المقلا بالكرب الصعبة الشداد
} فقال جسمي قتلتماني أنا الذي ذبت في الجهاد
430 الزهاد
رجال قد نحلت منهم الأبدان وتغيرت منهم المحاسن والألوان وخوف العذاب
والنيران وشوقا إلى نعيم الجنان
رجال صحبوا القرآن بحسن العمل ولم
يغتروا بطول الأمل ونصبوا لأعينهم تقريب الأجل وسمت هممهم إلى الرفيع من
المحل واشتاقت نفوسهم إلى الملك الأعلى الأجل فلو رأيتهم لرأيت قوما يتلون
كتاب الله بشفاه ذابلة ودموع وابلة وزفرات قاتلة وأجسام ناحلة وعقول زائلة
وخواطر في عظمته جل جلاله جائلة
وأنشدوا
لله قوم شروا لله أنفسهم
فأتعبوها بزجر الله أزمانا
أما النهار فقد وافوا صيامهم
وفي الظلام تراهم فيه رهبانا
أبدانهم أتعبت في الله أنفسهم
وأنفس أتعبت في الله أبدانا
ذابت لحومهم خوف العذاب غدا
وقطعوا الليل تسبيحا وقرآنا
رجال إذا نظروا اعتبروا وإذا سكتوا تفكروا وإذا ابتلوا استرجعوا
وإذا جهل عليهم حلموا وإذا علموا تواضعوا وإذا عملوا رفقوا وإذا سئلوا
بذلوا عونا للوارد وتفضيلا للقاصد حلفاء صدق وكهوف ودق قد عملوا بالسنة
والكتاب ونطقوا بالحكمة والصواب وحاسبوا أنفسهم قبل يوم الحساب وخافوا من
عقوبة رب الأرباب
رجال لزموا البكاء والعويل ورضوا من الدنيا بالقليل فأزمعوا إلى الآخرة
التحويل ورغبوا في ثواب الملك الجليل وحنوا إلى النعيم الدائم الجزيل
وتمسكوا بالسنة والتنزيل ومنعوا أنفسهم التسويف والتعليل وأشفقوا من هول
اليوم العبوس الثقيل الهائل المنظر الطويل
وأنشدوا
لله قوم لدار الخلد أخلصهم
وخصهم بجزيل الملك مولانا
فلو تراهم غدا في دار ملكهم
قد توجوا من حلي الكون تيجانا
وقد دعاهم إلى الفردوس سيدهم
إلى الزيارة والتسليم ركبانا
على نجائب دركى تطير بهم
والخيل من جوهر والسرج مرجانا
حتى إذا جاوزوا دار السلام وقد
أبدى لهم وجهه الرحمن سبحانا
خروا سجودا فناداهم بعزته
إني رضيت بكم قربا وجيرانا
إني خلقت لكم دار النعيم فلا
ترون بؤسا ولا تخشون أحزانا
هذا النعيم الذي لا ينقضي أبدا
ولا تغيره الأزمان ألوانا
وهو الجزاء لكم مني على عمل
أخلصتموه وكنتم في إخوانا
رجال ركبوا فلك السلامة وجروا بريح الاستقامة فقطعوا بحار العطب
277 والندامة ونجوا من الأهوال يوم القيامة فحظوا في دار المقامة وأرسوا
في سرمد الكرامة
431 خيار الأمة
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } خيار أمتي الملأ الأعلى
في الدرجات العلى { قوم ضحكوا جهرا من سعة رحمة الله وبكوا سرا من خوف
عذاب الله
هم بالغداة والعشي في بيوت الطيبة يدعون بألسنتهم رغبا ورهبا ويسألونه
بأيديهم خفضا ورفعا ويشتاقون إليه بقلوبهم غدوا وعشيا
مؤنتهم على الناس قليلة وعلى أنفسهم ثقيلة يدبون على الأرض حفاة أقدامهم
دبيب النمل بغير مرح ولا ميل ولا ترح
يمشون بالسكينة والوقار ويتقربون بالوسيلة إلى الملك الجبار
يلبسون الخلقان ويعبدون الرحمن ويتلون القرآن ويشفقون من عذاب النيران
ويخافون يوما يكثر فيه الويل والأحزان قد تجنبوا كل ريبة وبهتان ولم
يأمنوا مكر الملك الديان رجال تعوقوا ريب المنون وجزعوا من السابقة في
الغيب المكنون فحال بينهم وبين ما يشتهون ينتظرون الخاتمة كيف تكون أولئك
أولياء الله الصالحون { أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون }
المجادلة 22 رجال المساجد مأواهم والله جل جلاله معبودهم ومولاهم تركوا
المعاصي خوفا من الحساب والسؤال وبادروا إلى الطاعة وحسن الأعمال وتنزهوا
عن الغي واللهو والمحال وحادوا عن طريق كل مطرود بطال وأشفقوا من عقوبة ذي
المجد والجلال وعملوا ليوم لا بيع فيه ولا خلال
وأنشدوا
} لله قوم أخلصوا في حبه
اختصهم ورضى بهم خداما {
} قوم إذا هجم الظلام عليهم قاموا فكانوا سجدا وقياما {
} يتلذذون بذكره في ليلهم ونهارهم لا يفترون صياما {
} خمص البطون من الحرام أعفة
لا يعفرون سوى الحلال طعاما {
} فسيفرحون بورد حوض محمد وسيسكتون من الجنان خياما {
رجال تحولوا عن الدنيا تحويلا وبدلوها تبديلا ولم يشتروا بعهد الله ثمنا
قليلا وعلموا أن وراءهم يوما عبوسا هائلا ثقيلا وأن أمامهم من الموت خطبا
جليلا وبدلت عيونهم وقلوبهم بكاء ونوحا وعويلا حين سمعوا مولاهم يقول {
كان وعده مفعولا } المزمل 18 رجل قطعوا الأيام والليالي بالتفكير وخافوا
من هول يوم عبوس قمطرير وجالت قلوبهم خوف العلي الكبير فعما قليل
ينجون من الفزع الهائل الخطير ويجاورون السيد النذير البشير في جنة ليس
فيها شمس ولا زمهرير رجال اطمأنت قلوبهم بذكر الرحمن ولزموا الطاعة
وتجنبوا العصيان وحفظوا ألسنتهم من العيب والبهتان واتبعوا السنة وأحكام
القرآن ولم يقبلوا من خدع العدو الشيطان وطلبوا الزيادة ولم يرضوا
بالنقصان فأثابهم الجبار بجنة الرضوان ومتعهم بالحور الغنجات الحسان كأنهن
الياقوت والمرجان فأخبرنا الجليل جل جلاله في محكم القرآن عما أتاهم به من
الجود والامتنان فقال تعالى { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } الرحمن 60
فالإحسان من العبد في الدنيا قول لا إله إلا الله والإحسان من الله في
الآخرة الجنة
فمن أحسن الرضا عن الله جل ثناؤه جازاه الله بالرضا عنه فقابل الرضا
بالرضا وهذا غاية الجزاء ونهاية العطاء
432 صفة المؤمنين
روي أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لطائفة من المؤمنين ما أنتم قالوا
نحن المؤمنون فقال ما علامة إيمانكم قالوا نصبر عند البلاء ونشكر عند
الرجاء ونرضى بمواقع القضاء
فقال مؤمنون ورب الكعبة وقيل أحسن الأشياء أن يكون العبد رقيبا على باطنه
وظاهره لأن الله تعالى رقيب عليه وهو قوله تعالى { أفمن هو قائم على كل
نفس بما كسبت } الرعد 33 فتكون أنت أيها العبد تراقبه في سرائرك وعلانيتك
وظاهرك وباطنك وحركاتك وسكناتك وتعلم أنه رقيب عليك وتستحي ممن هو معك ولا
تستحي ممن هو أقرب إليك من حبل الوريد
وقيل المحمود من الدنيا المساجد والمحاريب وذلك أن شركاءك فيها الملائكة
والنبيون والصديقون وحسن أولئك رفيقا
والمذموم من الدنيا البطن والفرج والكنيف والمزابل وشركاؤنا فيها اليهود
والنصارى والمجوس والمشركون والزنادقة وغيرهم
فيدعوك الرب جل جلاله وهو قوله تعالى { والله يدعو إلى دار السلام } يونس
25 الآية
وتأبى أنت عليه فيقول الله سبحانه يا عبدي لا تذنب في الدنيا
رأفة منه لعبده فيقول العبد لا بد لي من الذنوب فيقول الرب جل جلاله عبدي
فتب إلي أقبلك على ما كان منك فيقول العبد لا أفعل لأنني مبتلي بالأهل
والبطن والفرج فيقول الرب جل جلاله عبدي فكن مكانك حتى أوتيك
فيقول العبد ربي أي شيء تؤتين فيقول الله عز وجل الجوع والفقر والعرى
والمرض فيقول العبد لا حاجة لي في هذا
ثم يدعو ويتضرع ويصرخ إذا نزل به ذلك
قال فتقول الملائكة عند ذلك يا رب أما اتستجيب لعبدك هذا أما ترحمه فيقول
الله عز وجل سوف يحمدني عبدي إذا أدخلته الجنة
قال فإذا قبض روح العبد على ذلك أدخله الجنة
فيقول العبد { الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا
الله } الأعراف 43 { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } فاطر 34 الآية
فيقول الرب جل جلاله الآن يحمدني عبدي وكان في دار الدنيا يلومني ويشكو
إلي نظري إليه وكان أصلح له مما كان يريده لنفسه
فالآن قد أبحت له الجنة وأدنيته مني ووصلته جنتي فادن مني يا عبدي بلا
نهاية وعلى المزيد بمشاهدتي له والنظر إلى وجهي
لا أحرمنا الله النظر إلى وجهه الكريم وأدخلنا برحمته جنات النعيم
17 مجلس في قوله تعالى { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }
433 اعلموا عباد الله وأحباب الله رحمكم الله أن الله تبارك
وتعالى لطف بعباده المؤمنين وأمرهم بالصلاة على سيد المرسلين ليستنقذهم
بها من العذاب الدائم المهين فصلى عليه ربنا ومولانا تشريفا وتكريما وصلت
عليه ملائكته تفضيلا وتعظيما وأمر عباده أن يصلوا عليه ليبيح لهم من الجنة
مقاما كريما فقال من لم يزل سميعا عليما عليا عظيما { إن الله وملائكته
يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } الأحزاب
56 فاجتهدوا بنا يا معاشر الإسلام في الصلاة والسلام على محمد خير الأنام
فعسى أن يشفعه فينا يوم تشقق السماء بالغمام
ذكر في بعض الأخبار أن ما من ملك ولا نبي ولا ولي ولا صفي ولا صديق ولا
شهيد ولا تقي ولا سعيد إلا وهو يقول يوم القيامة بحرمة محمد أن تنجيني من
عذابك وما من عبد سأل {صلى الله عليه وسلم} وسأل الله مولاه حاجة له فيها
رضي الله عنه إلا قضى الله حاجته وصرف عنه عند صلاته على محمد {صلى الله
عليه وسلم} سبعين نوعا من البلاء في بدنه وفي دينه وفي ماله وفي أهله
ورفع له سبعين درجة
اللهم صل على النبي محمد المختار وسيد الأنبياء والأبرار وزين المرسلين
الأخيار وأكرم من أظلم عليه الليل وأشرق النهار أبي القاسم الأواب المختار
أنشدوا
صلى الإله وكل عبد صالح
والطيبون على السراج الواضح
المصطفى خير الأنام محمد
الطاهر العلم الضياء اللائح
زين الأنام المرتضى علم الهدى
الصادق البر الوفي الناصح
صلى عليه الله ما هبت صبا
وتجاوبت ورق الحمام النائح
وذكر في بعض الأخبار أن ما من بقعة يكثر فيها الصلاة على محمد {صلى الله
عليه وسلم} إلا تصير روضة من رياض الجنة وحصنا وحجابا بين المصلين وبين
حجاب النار
فاجتهدوا في الصلاة على محمد يا معشر المؤمنين والمؤمنات وتحصنوا بها من
العذاب الشديد
434 الصلاة على النبي وشفاعته
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
أكثروا من الصلاة علي فإني أشفع لكم على قدر ذلك
وأنشدوا
} صلى الإله على قدر الحبيب ومن وسط المدينة يعلو فوقه النور
رفعت قريش هنالك نعش سيدها
فثم ثكل التقى والبر مقبور
وثم خير عباد الله كلهم
وثم أكرم خلق الله محبور
عباد الله تحصنوا من العذاب والوبل بإكثار الصلاة على نبينا محمد في
النهار والليل
ذكر في بعض الأخبار أن على ساق العرش مكتوبا من اشتاق إلى رحمتي رحمته ومن
سألني أعطيته ومن لم يسألني لم أنسه ومن تقرب إلي بقدر محمد {صلى الله
عليه وسلم} غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر
فالله الله يا أمة محمد ويا أحباب محمد من أصابته نائبة أو وقع في شدة
فليتضرع إلى مولاه ويسأله بقدر محمد وبحرمة محمد {صلى الله عليه وسلم}
فإنه قدره عند الله عظيم
فأكثروا عباد الله الكريم يا معشر من آمن بالله العظيم الصلاة على محمد
الكريم والنبي السيد الرؤوف الرحيم ينجيكم الله بها من العذاب الأليم
ويدخلكم جنات الخلد والنعيم إنه هو الحكيم العليم
435 الصلاة عليه في يوم الجمعة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صلى علي في يوم الجمعة
مائة مرة غفر الله له خطيئة ثمانين سنة {
فالله الله يا معشر المؤمنين والمؤمنات أكثروا من الصلاة على حبيبكم محمد
في جميع الأيام والأوقات والأحايين والساعات عسى الله أن يخلصكم من
الأهوال والآفات والعذاب والعقوبات ويدخلكم الجنات العاليات يوم تبدل
الأرض والسموات
وأنشدوا
صلوا على المصطفى زلفى تقربكم
إن الصلاة عليه خير ما اكتسبا
أعلا الأنام على في جلالته
واشرف الخلق منسوبا إذا انتسبا
وأسرع الناس يوم العرض مغفرة
إذا العقاب بدا للخلق وانتصبا
حكي عن الشبلي رحمه الله تعالى أنه قال مات رجل من جيراني فرايته في
المنام فسألته عن حاله
فقال يا شبلي مرت بي أهوال عظام وذلك أنه لما سئلت تلجلج لساني
عند السؤال منه جاءني الملكان وأراد أحدهما أن يبادرني بالعذاب إذا أنا
بشخص جميل ما رأيت أجمل منه وجها فحال بيني وبينهما فقلت له من أنت من بعد
ما لقنني حجتي فقال أنا ملك خلقني الله من ثواب الصلاة على محمد وأنت كنت
تكثر الصلاة على محمد {صلى الله عليه وسلم} لأخلصنك بإذن الله من جميع
الأحزان ومن عذاب النيران ولا ابارحك حتى أدخلك الجنة برحمة الله
فالله الله عباد الله لا تملوا من الصلاة على محمد {صلى الله عليه وسلم}
زين العباد الذي خلصنا به من حر جهنم وبئس المهاد
وأنشدوا
من كان يكثر بالصلاة
مؤملا فضل النبي
أعطاه رب محمد
عونا من اللطف الخفي
أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى {صلى الله عليه وسلم} يا موسى إن أردت أن
أكون إليك أقرب من لسانك إلى كلامك ومن نور بصرك إلى عينك ومن سمعك إلى
أذنك فأكثر من الصلاة على حبيبي محمد {صلى الله عليه وسلم}
وأنشدوا
صلى الإله على النبي محمد
خير الأنام وجاءه التنزيل
وبفضله نطق الكتاب وبينت
بصفاته التوراة والإنجيل
ذاك النبي الهاشمي المصطفى
قد جاءه الترفيع والتفضيل
} أسرى به المولى إلى أفق السما
فوق البراق وعنده جبريل
436 عجيبة
روي عن محمد بن النعمان رضي الله عنه أنه قال كنا عند النبي {صلى الله
عليه وسلم} فجاءه فتى من الأنصار في حاجة فوسع له رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} بينه وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال له رسول الله {صلى
الله عليه وسلم} يا أبا بكر لعلك يشق عليك أن أجلست
هذا الفتى بيني وبينك فقال أبو بكر رضي الله عنه أي والله يا رسول الله
إنه ليشق علي أن يكون بيني وبينك أحد
437 فضل المصلي وأبو بكر
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يا أبا بكر إن هذا الفتى
يصلي علي صلاة ما يصليها علي أحد من أمتي فقال أبو بكر رضي الله عنه كيف
يقول يا رسول الله فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول اللهم صل على
محمد عدد من صلى عليه وصل على محمد عدد من لم يصل عليه وصل على محمد كما
أمرت بالصلاة عليه وصل على محمد كما تحب أن يصلى عليه وصل على محمد كما
ينبغي أن يصلي عليه واعلم يا أخي علما يقينا لا شك فيه أنه ليس أحد أحظى
عند نبينا محمد {صلى الله عليه وسلم} ولا عند ربنا سبحانه بعد النبيين من
أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر بعده كذلك عثمان ثم علي رضي الله عنهم
أجمعين وصلوات الله ورحمته عليهم وعلى العشرة وجميع الصحابة لكن خص النبي
{صلى الله عليه وسلم} الفتي بإقعاده بينه وبين أبي بكر لما ألهمه الله من
تلك الصلاة فأكرمه النبي كذلك صلوات الله وسلامه عليه ما حن مشتاق إليه
438 حكاية الشافعي عن مؤمني الجن
فما يقوي ما ذكرناه من فضل الأركان الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين ما
روي عن محمد بن إدريس قال رأيت بمكة أسقفا وهو يطوف بالكعبة فقلت له ما
الذي رغب بك عن دين آبائك فقال تبدلت خيرا منه فقلت كيف ذلك قال ركبت
البحر فلما توسطنا انكسر بنا المركب فعلوت لوحا فلم تزل الأمواج تدفعني
حتى رمتني في جزيرة من جزائر البحر فيها أشجار كثيرة ولها ثمر أحلا من
الشهد وألين من الزبد وفيها نهر جار عذب فحمدت الله على ذلك وقلت آكل من
هذا الثمر وأشرب من هذا النهر حتى يأتيني الله بالفرج فلما ذهب النهار خفت
على نفسي من الدواب فعلوت شجرة من تلك الأشجار فنمت على غصن منها فلما كان
في جوف الليل فإذا بدابة على وجه الماء تسبح الله وتقول لا إله إلا الله
العزيز الجبار محمد رسول الله النبي المختار أبو بكر الصديق صاحبه في
الغار عمر الفاروق مفتاح الأمصار عثمان القتيل في الدار علي سيف الله على
الكفار فعلى
مبغضيهم لعنة الجبار ومأواهم جهنم وبئس القرار
فلم تزل تكرر هذه الكلمات حتى إذا طلع الفجر قالت لا إله إلا
الله الصادق الوعد والوعيد محمد الهادي الرشيد أبو بكر الصديق الموفق
السديد عمر بن الخطاب سور من حديد عثمان القتيل الشهيد علي ذو البأس
الشديد فعلى مبغضيهم لعنة الرب المجيد فلما وصلت البر فإذا رأسها رأس
نعامة ووجهها وجه إنسان وقوائمها قوائم بعير وذنبها ذنب سمكة فخشيت على
نفسي هالكة فهربت بنفسي أمامها فوقفت فقالت ما دينك قلت النصرانية فقالت
ويلك ارجع إلى الحنيفية فقد حللت بفناء قوم من مؤمني الجن لا ينجو منهم
إلا من كان مسلما قلت وكيف الإسلام قالت تشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله فقلتها فقالت أتم إسلامك بالترحم على أبي بكر وعمر وعثمان
وعلي رضوان الله عليهم أجمعين
قلت ومن أتاكم بذلك فقالت قومنا حضروا عند رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
فسمعوه يقول
إذا كان يوم القيامة تأتي الجنة فتنادي بلسان طلق يا إلهي قد وعدت أن تشد
أركاني فيقول الجليل جل جلاله قد شددت أركانك بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي
وزينتك بالحسن والحسين ثم قالت الدابة المقام تريد أم الرجوع إلى أهلك قلت
لها الرجوع فقال اصبر حتى تجتاز مركب وإذا مركب تجري فأشرت إليهم فدفعوا
إلي زورقا فلما علوت معهم فإذا في المركب إثني عشر رجلا كلهم نصارى
فأخبرتهم خبري فأسلموا عن آخرهم
فالله الله عباد الله اشكروا الله على نعمة الإسلام وعلى هدايتكم لسنة
محمد {صلى الله عليه وسلم} عليه أفضل الصلاة والسلام ومحبتكم لأصحابه
البررة الكرام فقد فضلكم على جميع الأنام قال الله ذو الجلال والإكرام
والطول والإنعام { إن الدين عند الله الإسلام } آل عمران 19 ونرجع إلى ما
كنا فيه من الصلاة على خير الأنام محمد رسول الملك العلام
وأنشدوا
} لهجت بذكرك مهجتي ولساني وحللت من قلبي بكل مكان
فأنا بذكرك في البرية كلها
علم وحبك آخذ بعناني
سلطان حبك في الهوى عين الهوى
وبه تعزز في الهوى سلطاني
أنت النبي الهاشمي محمد
صلى الإله عليك في القرآن
أنت الحبيب لأهل دينك كلهم
يوم المعاد وموقف الخسران
أنت الشفيع لمن عصى رب العلا
أنت الدليل لجنة الرضوان
فلأذكرنك ما بقيت معمرا
حتى الممات ولا يمل لساني
فصلاة ربي ماجد ومهيمن
ترى عليك تعاقب الملوان
439 أوتاد المجالس
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن المجالس أوتادا
جلساؤهم الملائكة إذا جلسوا لذكر الله حفت بهم الملائكة من لدن أقدامهم
إلى عنان السماء بأيديهم قراطيس الفضة وأقلام الذهب يكتبون الصلاة على
النبي {صلى الله عليه وسلم} يقولون أكثروا رحمكم الله فإذا استفتحوا في
الذكر فتحت لهم أبواب الجنة واستجيب لهم الدعاء وتطلع عليهم الحور العين
وأقبل الله تعالى عليهم بوجهه الكريم ما لم يخوضوا في حديث غيره ويتفرقوا
وأنشدوا
} إذا طيب الناس المجالس بينهم مداما وريحانا فذكرك طيبنا
ولو كانت الدنيا نصيبا لأهلها فحبك من كل الأماني نصيبنا
وإن كان حب الخلق بعضا لبعضهم فأنت من الخلق الجميع حبيبنا
إخواننا طوبى لمن رزق لسانا بذكر الله والصلاة على محمد رسول الله طوبى
لمن رزقه مولانا لسانا مشغولا بذكر الإله الكريم
وبالصلاة على الرؤوف الرحيم
440 صيغة الصلاة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال لرجل من أصحابه ما قلت البارحة
من قول الخير قال الرجل يا رسول الله صلى الله عليك قلت اللهم ثل على محمد
وعلى آل محمد حتى لا يبقى من الصلوات شيء ويبارك على محمد وعلى آل محمد
حتى لا يبقى من البركات شيء وارحم محمدا وآل محمد حتى لا يبقى من الرحمات
شيء
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } لذلك رأيت البارحة الملائكة يحفون
بأزقة المدينة { فأكثروا من الصلاة على سيد الأنبياء وأفضل الأحباء وأكرم
الأصفياء وأجل من ولدت النساء صلى الله عليه صلاة دائمة بلا انقضاء في
الليل إذا يغشى وفي النهار إذا تجلى وفي الآخرة والأولى
وأنشدوا
} صلى الإله على خير الأنام ومن نرجو النجاة به في موضع العطب {
فهو الشفيع لمن يرجو شفاعته
عند الحساب وعند اللهو والكرب
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن أولى الناس
بي أكثرهم علي صلاة { فأكثروا من الصلاة عليه يا معشر الإسلام وتحصنوا بها
من العذاب الغرام واطلبوا بها رضا الملك العلام وأنشدوا
} يا خير مولود تعاظم فخره
وأتى بأشرف ملة وكتاب {
} صلى الإله عليك يا خير الورى ما أنهل في الآفاق قطر سحاب {
} يا خير مبعوث إلى خير أمة وأكرم من يدعو لسبل صواب
441 ثلاثة تحت ظل العرش
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ثلاثة يوم القيامة تحت
عرش الله يوم لا ظل إلا ظله قيل من هم يا رسول الله قال من فرج عن مكروب
أمتي ومن أحيا سنتي ومن أكثر الصلاة علي { فاجتهدوا رحمكم الله في التفريج
لهموم المكروبين وفي إحياء سنة خاتم النبيين وفي الصلاة على سيد المرسلين
وأكرم الخلق على رب العالمين
وأنشدوا
} صلوا على خير الأنام كرامة وجلالة يا معشر الإسلام {
} فهو النبي المصطفى علم الهدى
وأدل من يدعو لسبل قوام {
} نطق الكتاب بفضله وجلاله وبفضله ننجو من الأسقام {
} صلوا على خير البرية كلها ما لاح بدر تحت جنح ظلام {
} فهو السبيل لدار كل كرامة
وهو الدليل لجنة وسلام {
} وهو الشفيع لمن يدين بدينه ولمن يلوذ بملة الإسلام
442 للصلاة رائحة طيبة
روي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أنهم قالوا ما من مجلس يصلي فيه
على النبي {صلى الله عليه وسلم} إلا نمت له رائحة طيبة حتى تبلغ عنان
السماء فتقول الملائكة هذه رائحة مجلس صلي فيه على النبي محمد {صلى الله
عليه وسلم}
اللهم صل عليه كما تحب أن يصلى عليه {صلى الله عليه وسلم}
وأنشدوا
} تتعطر الأنفاس ما ذكرت أخباره في المجلس العطر {
سبحان باريه وخالقه
نورا تصور أجمل الصور
المسك منحدر ببردته
والوجه منه طلعة القمر
يا صادقا فيما يخبرنا
بشهادة الأسماع والنظر
سبحان من أنشاك من بشر
يا سيدا للخلق والبشر
القول تتبعه شواهده
والخير مقرون مع الخبر
أنت النبي بلا مدافعة
والمصطفى من خيرة البدر
443 الإمام الشافعي
روي عن أبي جعفر الطحاوي أنه قال قال عبد الله بن عبد الحكم رأيت
الشافعي رضي الله عنه في المنام فقلت ما فعل الله بك فقال رحمني وغفر لي
وزففت إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها فقلت له ما الذي بلغك هذه
المنزلة قال لي بما في آخر كتاب الرسالة من الصلاة على محمد {صلى الله
عليه وسلم} فقلت له وكيف ذلك فقال لي وصلى الله على سيدنا محمد ما ذكره
الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
قال فلما أصبحت طلبت كتاب الرسالة فوجدت الأمر كما ذكر
وأنشدوا
} صلوا على خير الأنام ومن به تنجو العباد بموقف الأهوال
إن الصلاة على النبي حبيبنا من أفضل الأفعال والأعمال
فهو النبي المصطفى علم الهدى الطيب الأقوال والأفعال
معشر المسلمين تحصنوا من عذاب النار وخففوا عن ظهوركم ثقل الأوزار بكثرة
الصلاة على النبي المختار
444 أبخل الناس
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } حسب المؤمن من البخل إذا
ذكرت عنده فلم يصل علي { أعوذ بالله من اللئيم البخيل
الذي يبخل بالصلاة على رسول الملك الجليل الذي خصه الله بالكرامة والتفضيل
وائتمنه على الإيضاح عن بيان التأويل في جميع التنزيل
وأنشدوا
صلوا على القمر المنير إذا بدا
في موكب من حسنه وجماله
لم يخلق الرحمن خلقا مثله
في فضله وبهائه وكماله
ختم النبوة طيبه فختامه
مسك تكون من نسيم جلاله
صلوا على العلم الذي من أمه
نال المنى وجرى السرور بباله
صلوا على بدر التمام محبة
وكرامة وجلالة لجلاله
إن الصلاة على النبي سلامة
وتفضل وتوسل بجماله
وتودد وتحنن وتشوق
وتوسل وتقرب لنواله
عباد الله صلوا على رسول الله صلوا على سيدنا وحبيبنا محبة وكرامة فهو
الشفيع لنا يوم القيامة
445 أنجاكم أكثركم صلاة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومن مواطنها أكثركم علي صلاة عباد الله
الملك الديان يا أهل الإسلام والإيمان صلوا بنا على سيدنا محمد رسول الملك
الرحمن لعله يخلصنا من عذاب النيران
وأنشدوا
} صلوا على ماجد جلت مآثره وأكثر الخلق إفضالا وإحسانا
أتى العباد وقد ضلت مسالكهم
فأوضح الحق تبيانا وبرهانا
وبين الدين بالتذكير مجتهدا
وأظهر الشرع أحكاما وقرآنا
وأنقذ الخلق من نار السموم لظى
وأورد الناس جنات ورضوانا
لا تبغ طيبا إذا ما كنت ذاكره
ولا ترد بعده روحا وريحانا
فيه الجنان وفيه الحسن مجتمع
والنبل والظرف أشكالا وألوانا
} فالحمد لله إذ كنا له تبعا
لقد تفضل بالخيرات مولانا
446 ثمرة الصلاة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صلى علي صلاة تعظيما لحقي
خلق الله تعالى من ذلك القول ملكا جناحه بالمشرق والآخر بالمغرب ورجلاه
مغروزتان في الأرض السابعة السفلى وعنقه ملوي تحت العرش يقول الله تعالى
له صل على عبدي كما صلى على نبيي محمد فهو يصلي عليه إلى يوم القيامة
أحبابي تحصنوا
من أليم العذاب وارغبوا في جزيل الثواب بالصلاة على النبي الصادق الأواب
اعلموا عباد الله أن الله تبارك وتعالى لما اتخذ محمدا {صلى الله عليه
وسلم} حبيبا أقسم بحياته فقال تعالى { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون }
الحجر 72 فهذه غاية المحبة
ولما أحب الله تعالى أن يصلي العباد على محمد النبي الحبيب بدأ بالصلاة
عليه الملك القريب ثم ثنى بملائكته البعيد منهم والقريب ثم عرف عباده
المؤمنين أنه يصلي على محمد هو وملائكته ثم أمر بالصلاة عليه أهل الإيمان
لينجيهم بها من عذاب النيران فقال الملك الرحمن في محكم القرآن { إن الله
وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }
الأحزاب 56 فكأنه قال جل وتعالى عبدي قد أعلمتك أني أصلي على محمد حبيبي
وملائكتي تصلي عليه فمن أكثر الصلاة على محمد الحبيب جعلت له من الجنة
أوفر نصيب وكان رفيقا وجارا لأبي القاسم الحبيب
وأنشدوا
صلى الإله بعظمه وجلاله
ثم الملائكة الكرام على النبي
فهو الحبيب لربنا رب العلا
وهو الدليل لجنة لا تختبي
447 الملائكة تستغفر للمصلي
ذكر في بعض الأخبار أن العبد المؤمن أو الأمة المؤمنة إذا ابتدأ
بالصلاة على محمد {صلى الله عليه وسلم} فتحت له أبواب السموات السبع
والسرادقات حتى العرش فلا يبقى ملك في السموات أإلا صلى على محمد {صلى
الله عليه وسلم} ويستغفرون لذلك العبد أو الأمة ما دام العبد أو الأمة
يصلي على النبي {صلى الله عليه وسلم} وأنشدوا
} صلوا بنا يا معشر الإسلام على النبي الواضح الأحكام
} نطق الكتاب بفضله وجلاله وبفضله ننجوا من الإجرام
448 مقام الشبلي
حكي عن بعضهم أنه قال كنت عند أبي بكر بن مجاهد جالسا إذ أقبل الشبلي فقام
أبو بكر إليه فعانقه وقبل بين عينيه فقلت يا سيدي تفعل هذا بالشبلي وأهل
بغداد يقولون عنه إنه مجنون فقال قد فعلت به كما رأيت رسول الله {صلى الله
عليه وسلم} يفعل به وذلك أني رأيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في
المنام وقد أقبل الشبلي فقام النبي {صلى الله عليه وسلم} فعانقه وقبله بين
عينيه فقلت له يا رسول الله تفعل هذا بالشبلي فقال {صلى الله عليه وسلم}
نعم
لأنه يقرأ في آخر كل صلاة { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } التوبة 128 الآية
ثم يتبعها بالصلاة علي
وأنشدوا
صلاة رب كريم ماجد صمد
على النبي الذي قد نال تفضيلا
صلى عليه إله العرش خالقنا
جاء الكتاب بذا وحيا وتنزيلا
فهو الدليل لأهل الخير كلهم
لمن أراد إلى الفردوس تحويلا
ومن أراد فرارا عن تمرده
ومن أراد له الرحمن توصيلا
هذا بيان لأهل الفضل كلهم
يعجلون لدار الخلد تعجيلا
عباد الله ارغبوا في هذا الملك الجليل والنعيم الدائم الطويل بإكثار
الصلاة على محمد الأصيل النبي السيد النبيل الذي جاء بالوحي والتنزيل
وأوضح بيان التأويل وجاءه الأمين جبريل بالتكريم والتفضيل وأسرى به الجليل
في الليل البهيم الطويل كشف له عن أعلا الملكوت وأراه أسنى الجبروت ونظر
إلى قدرة الحي الذي لا يموت
فلقد رأى في ليلة الإسراء من آيات ربه الكبرى وانتهى إلى سدرة المنتهى
وأنشدوا
صلوا على خير الأنام محمد
فهو الدليل إلى السبيل المرشد
} صلى عليه الرب ما دام الدجى
ومضى النهار وفي الظلام الأسود
449 إبلاغ الصلاة إلى الله
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن الله تبارك
وتعالى أعطى ملكا من الملائكة أسماء الخلائق فهو قائم على قبري إلى يوم
القيامة فليس أحد من أمتي يصلي علي إلا قال ذلك الملك يا محمد فلان بن
فلان يصلي عليك صلى الله عليك وضمن لي الرب عز وجل أن من صلى علي صلاة صلى
الله عليه بها عشرا وإن زاد زاده الله فأين أنت يا من أراد النجاة من سموم
الحميم والفوز والخلد في جنات النعيم فأكثروا من الصلاة على النبي الكريم
والرسول الرؤوف الرحيم
450 صلاة الملائكة
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صلى علي صلت عليه
الملائكة ومن
صلت عليه الملائكة صلى عليه ربه فليقل العبد أو ليكثر واعلموا أن الفاجر
الشقي الذي يسمع هذه الفضائل على الصلاة على النبي {صلى الله عليه وسلم}
وقد حبس لسانه عنها فيجب أن يتعوذ بالله منه
نعوذ بالله من لسان جامد عن الصلاة على النبي {صلى الله عليه وسلم} رسول
الملك الماجد العزيز الفرد الصمد الواحد
وأنشدوا
صلوا على النور البهي محمد
إن الصلاة عليه تنجي من لظى
فهو الدليل إذا اهتديت بنوره
وهو الرسول فذاك مصباح الهدى
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
إن الله تعالى وهب ذنوبكم عند الاستغفار فمن استغفر الله تعالى بنية صادقة
غفر له ومن قال لا إله إلا الله رجح ميزانه ومن صلى علي كنت شفيعه يوم
القيامة عباد الله ارغبوا في الشفاعة وتمسكوا بالصلاة على شفيع المذنبين
يوم قيام الساعة وارغبوا إلى مولاكم أن يوفقنا إلى أعمال أهل السنة
والجماعة
وأنشدوا
} من كان يعلم أن الله خالقه ومحمدا قد جاء بالقرآن
فليكثر التسليم بعد صلاته
للطيب المبعوث بالتبيان
الهاشمي الأبطحي محمد
خير الأنام وزين كل مكان
451 من كتب الصلاة في كتاب
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صلى علي في كتاب لم تزل
الملائكة تصلي عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب فيا معشر المسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات أطيعوا رب الأرضين والسموات بالصلاة على
سيد السادات
وأنشدوا
} جد بالصلاة على خير الوري كرما ذاك النبي الذي قد جاء بالنور
فهو الإمام لأهل الحق كلهم وهو الدليل على الولدان والحور
452 الصلاة تبلغه عن العباد
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } تباهوا بالصلاة علي فإنها
تبلغني
فبلغوا
صلاتكم على سيدكم ونبيكم وصفيكم وارغبوا إلى مولاكم أن يتوفاكم على سنته
وأن يجعلكم من أمته وأن يجعله شفيعكم من النار وقائدكم إلى دار الراحة
والقرار إلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال
إن الله تعالى وكل بي ملكين فلا اذكر عند عبد مسلم فيصلي علي إلا قال
الملكان مجيبين آمين فيقول الله تعالى جوابا للملكين آمين ولا أذكر عند
أحد فلا يصلي علي إلا قال الملكان لا غفر الله لك فيقول الله تعالى
وملائكته جوابا لقول الملكين آمين فما خلق الله تعالى أعجز ولا أذل ولا
أبخل ممن يسمع ذكر محمد النبي الفاضل الزكي ولا يصلي عليه {صلى الله عليه
وسلم} وملائكته وبلغ سلامنا إليه
وأنشدوا
} صلوا بنا في الليل والنهار على النبي الصادق المختار
أسرى به الرحمن في جنح الدجى
قد جاء في القرآن والآثار
الهاشمي المصطفي خير الورى
الطائع الأواب للجبار
صلوا على المبعوث يا أهل النهي
من جاء بالتنزيل والأخبار
453 حسنات الحرم
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صلى علي من أمتي كتبت له
عشر حسنات من حسنات الحرم قيل يا رسول الله وما حسنات الحرم قال الحسنة
بسبعمائة حسنة يا أخي هذا والله قول يسير وثواب كثير
454 الصلاة صلة تعارف
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ليردن علي أقوام يوم القيامة
عند حوضي ما أعرفهم إلا بكثرة الصلاة علي عباد الله أنتم ترون نبيكم
وحبيبكم وصفيكم فأكثروا من الصلاة عليه فعسى يعرفكم بكثرة الصلاة عليه لأن
الصلاة عليه نور لصاحبه يوم القيامة فعلى قدر الصلاة على الهاشمي القرشي
التهامي الأمي الأبطحي يكون النور المضيء الذي يعرف به المؤمن التقي ومن
لا يكثر الصلاة على هذا النبي فهو مبعد مطرود شقي
يا إخواني في الله صلوا على شجرة غرسها الملك الجليل وجعل أصلها
الخليل وجعل خلالها التفضيل وزينها بالتنزيل وجعل رقيقها جبريل وخضع لها
كل كثير وكل عزيز وذليل
أصولها عربية وأغصانها
مضرية وأوراقها قرشية وثمرتها تهامية غرسها الملك الديان وأخضع لها جميع
الإنس والجان فصلوا عليه يا معشر الإخوان وأنشدوا
الله فضل خير الخلق بالكرم
وأفضل الناس من عرب ومن عجم
هو النبي الذي فاقت فضائله
وخصه الله بالتنزيل والحكم
اختصه بكتاب بين علم
هدي العباد به من غمة الظلم
الله فضله الله أكرمه
الله أرسله من جملة الأمم
صلوا عليه عباد الله كلكموا
إن الصلاة له تنجي من النقم
عباد الله طيبوا بنا مجالسنا بالصلاة على سيدنا محمد {صلى الله عليه وسلم}
455 طيب مجلس صلي فيه عليه
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } ما جلس قوم مجلسا فتفرقوا عن
غير صلاة علي إلا تفرقوا عن أنتن من جيفة حمار { فإذا كان المجلس الذي لا
يصلى فيه على النبي {صلى الله عليه وسلم} تفرق أهله عن أنتن من جيفة حمار
فلا غرو أن يتفرق المصلون عليه من مجلسهم عن أطيب من خزانة العطار
وذلك أن النبي {صلى الله عليه وسلم} كان أطيب الطيبين وأطهر الطاهرين وكان
إذا تكلم امتلأ المجلس بريح المسك فكذلك مجلس يذكر فيه النبي {صلى الله
عليه وسلم} نمت فيه رائحة تخترق السموات السبع حتى تنتهي إلى العرش ويجد
كل من خلق الله ريحها في الأرض غير الإنس والجن فإنهم لو وجدوا تلك
الرائحة اشتغل كل منهم بلذته عن معيشته ولا يجد تلك الرائحة ملك أو خلق من
خلق الله تعالى إلا استغفر لأهل المجلس ويكتب لهم بعدد هذا الخلق كلهم
حسنات ويرفع لهم درجات سواء كان في المجلس واحد أو مائة أو ألف كل واحد
يأخذ من الأجر مثل هذا العدد وما عند الله تعالى أكثر
فيا أحباب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} صلوا على حبيب غذي بماء الوصال
وكسي ثوب الجمال والكمال وزين بكتاب الكريم المتعال
456 حكاية نساخ أكثر من الصلاة
ذكر عن بعض الصالحين أنه قال كان لي جار نساخ فمات فرايته في
المنام في حالة حسنه فقلت له ما فعل الله بك فقال غفر لي على ما كان مني
فقلت له بم كان ذلك فقال كنت إذا كتبت اسم النبي {صلى الله عليه وسلم}
صليت عليه {صلى الله عليه وسلم} فغفر لي بذلك وأعطاني ما لا عين رأت ولا
أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فأكثروا من الصلاة عليه {صلى الله عليه
وسلم} تسليما كثيرا
وأنشدوا
نور النبي علا على الأنوار
فهو الدليل لسبل دار قرار
صلوا عليه لعلكم تنجوا به
يوم الحساب وكشفة الأسرار
صلوا على القمر المنير إذا بدا
فهو الحبيب لربنا الجبار
صلوا على نور تكون بالهدى
فهو الشفيع لصاحب الأوزار
عباد الله ارغبوا يما رغبكم فيما الملك القهار من فضل الصلاة على نبيه
محمد المختار ولا تغفلوا عن الصلاة عليه بالليل والنهار فإن الله ينجيكم
بها من عذاب النار ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار
الصلاة على النبي فضيلة جزيلة والصلاة على أصحابه سنة وفضيلة والصلاة على
الملائكة قربة ووسيلة صلوا رحمكم الله على النبي الرفيع والنور البديع
والحبيب الشفيع
أكرم من ولد وأعز من فقد
وأنشدوا
صلاة رب ماجد وهاب
على النبي الصادق الأواب
صلوا على المختار أنوار الهدى
صلوا عليه معشر الأحباب
} صلوا على النور البهي محمد
صلوا عليه جماعة الأصحاب
457 عدد الصلاة عليه
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صلى علي مرة صلى الله
عليه بها عشرا ومن صلى علي عشرا صلى الله عليه مائة مرة ومن صلى علي مائة
صلى الله عليه بها ألفا ومن صلى علي الفا حرمه الله على النار وأدخله
الجنة وثبته بالقول الثابت في القبر عند المسألة وجاءت صلاته علي نورا
يضيء له الصراط مسيرة خمسمائة
عام وبنى الله له بكل صلاة صلاها علي قصرا في الجنة قل ذلك أو أكثر وأنشدوا
صلوا على المختار من آل هاشم
وخير نبي خصه بالمكارم
ومن بين الرحمن في الذكر فضله
وأوضح نور العدل بعد التظالم
وأرسله الجبار للناس كافة
مبين محض الحل بعد المحارم
فذاك لدين الله حصن وملجأ
وذاك على الأعداء ليث بصارم
عباد الله خففوا عن ظهوركم الذنوب الثقال وفكوا رقابكم من السلاسل
والأغلال وارغبوا في نعيم دار الخلد والجلال بصلاتكم على محمد رسول الكبير
المتعال
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صلى علي ألف مرة لم يخرج
من الدنيا حتى يبشر بالجنة { فارغبوا عباد الله أن تكونوا من أهل الجنان
بإدمان الصلاة على محمد رسول الملك الرحمن فعسى الله أن يكفر عنكم ما سلف
من الذنوب والعصيان
نعوذ بالله من لسان يابس من الصلاة على محمد وإذا أراد الله بعبد خيرا بل
لسانه بذكره وبالصلاة على محمد حبيبه ونبيه ووليه وصفيه صلى الله عليه
صلواتنا على محمد المبعوث من تهامة الآمر بالمعروف والاستقامة الشفيع لأهل
الذنوب في عرصات القيامة
اللهم صل على محمد الزاهد رسول الملك الصمد الواحد صلى الله عليه صلاة
دائمة منتهى الآباد طيبة باقية بلا انقطاع ولا نفاد صلاة تنجينا بها من
جهنم وبئس المهاد
وأنشدوا
} صلوا على هذا النبي الأوضح
الهاشمي الأبطحي الأفصح {
} إن الصلاة على الشفيع محمد تبدي الفلاح مع النجاح الأنجح {
} فتكثروا من ذكره أهل النهى لا تبتغوا بدلا بذكر الأرجح {
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من عسرت عليه حاجة من
أمر دينه أو دنياه فليكثر من الصلاة علي فإن الله يستحي أن يرد عبده في
حاجة إذا كان دعاءه بين صلاتين علي صلاة قبل السؤال وصلاة بعد السؤال وهذا
والله غاية الجاه والحب لنبينا محمد {صلى الله عليه وسلم}
اللهم صل على محمد صلاة تزلف بها مثواه وتشرف بها عقباه وتبلغه بها يوم
القيامة من الشفاعة رضاه ومناه
458 صفة الرسول والثناء عليه
قال بعض السادة في قوله تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } التوبة 128
كأنه يقول من خيركم نفسا وأطهركم قلبا وأصدقكم قولا وأزكاكم فعلا وأثبتكم
أصلا وأوفاكم عهدا وأمكنكم مجدا من أكرمكم طبعا وأحسنكم صنعا وأطيبكم فرعا
وأكثركم طاعة وسمعا
من أعلاكم مقاما وأحلاكم كلاما وأوفاكم زماما وأزكاكم سلاما
من أجلكم قدرا وأعظمكم فخرا وأكثركم شكرا وأرفعكم ذكرا وأعلاكم
أمرا وأجملكم صبرا وأحسنكم خبرا وأقربكم بشرا من أبعدكم مكانا وأعظمكم
شأنا وأرجحكم ميزانا وأولكم إيمانا وأوضحكم بيانا وأفضلكم لسانا وأظهركم
سلطانا وأبينكم برهانا
من أرسخكم قدما وأبينكم علما وأوصلكم رحما وأبركم قسما وأبعدكم كرما
وأرعاكم ذمما
من أسطعكم نورا وأنوركم سرورا وأجملكم حبورا وأفضلكم حيا ومقبورا
459 صيغة للصلاة
اللهم صل على من انتخبته من أشرف قبيلة وجعلته إليك أكبر وسيلة وجعلت
الصلاة عليه أكرم فضيلة وأعليته إلى المرتبة الجليلة وجعلته بينك وبين
عبادك وسيلة
اللهم صل عليه صلاة تجعلها بيننا وبين عذابك حجابا وتجعلها لنا إلى كرامتك
مثابا وتفتح لنا بها إلى الجنة العالية بابا
اللهم صل على محمد عدد قطر الأمطار وعدد رمال الأودية والقفار وعدد ورق
الأشجار وعدد زبد البحار وعدد مياه الأنهار وعدد مثاقيل الجبال والأحجار
وعدد أهل الجنة وأهل النار وعدد الأبرار والفجار وعدد ما يختلج في الليل
والنهار واجعل اللهم صلاتنا عليه حجابا من عذاب دار البوار وسببا لإباحة
دار القرار
اللهم صل على محمد النبي المختار وسيد الأبرار وزين المرسلين الأخيار
وأكرم من أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار أبي القاسم النبي الصادق
المختار
اللهم صل عليه عدد من صلى عليه وعدد من لم يصل عليه كما أمرت بالصلاة عليه
وصل عليه كما تحب أن يصلي عليه وصل عليه كما ينبغي أن يصلى عليه
اللهم صل على النبي الصادق الأواب وعلى ذريته وعلى جميع القرابة والأصحاب
وتوفنا اللهم على سنته واجعلنا من أهل ولايته وانفعنا بهدايته وعنايته
وأدخلنا الجنة مع صحابته الأبرار الطيبين الأخيار آمين آمين يا أرحم
الراحمين
18مجلس ثاني في قوله تعالى { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }
460 إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم خليلا وموسى كليما ومحمد
{صلى الله عليه وسلم} وليا وحبيبا ونبيا وصفيا وذلك أن الله تعالى بدأ
بالصلاة عليه وهو الملك العلام وصلت ملائكته عليه وهم الأصفياء الكرام
فصلوا بنا معشر الأنام على محمد عليه السلام رسول ذي الجلال والإكرام
ينجيكم الله من العذاب الدائم الغرام
واعلموا أنه ما من عبد مسلم أكثر الصلاة على محمد عليه الصلاة والسلام إلا
نور الله قلبه وغفر ذنبه وشرح صدره ويسر أمره فأكثروا من الصلاة لعل الله
يجعلكم من أهل ملته ويستعملكم بسنته ويجعله رفيقنا جميعا في جنته فهو
المتفضل علينا برحمته
461 في الصلاة عشر كرامات
واعلموا رحمكم الله أن في الصلاة على سيدنا محمد {صلى الله عليه وسلم} عشر
كرامات إحداهن صلاة الملك الجبار والثانية شفاعة النبي المختار والثالثة
الاقتداء بالملائكة الأبرار والرابعة مخالفة المنافقين والكفار والخامسة
محو الخطايا والأوزار والسادسة قضاء الحوائج والأوطار والسابعة تنوير
الظواهر والأسرار والثامنة النجاة من عذاب دار البوار والتاسعة دخول دار
الراحة والقرار والعاشرة سلام الملك الغفار
أما ولم يقسم الله بحياة أحد إلا بحياة محمد {صلى الله عليه وسلم} وقوله
تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس } آل عمران 110 تقدير الآية أنتم خير
أمة أخرجت
462 أحاديث في فضل الصلاة
وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} } وافيتم سبعين أمة أنتم أكرمها
وأفضلها عند الله { فأخبر الله تعالى أنه قال { وقولوا للناس حسنا }
البقرة 83 يعني محمدا {صلى الله عليه وسلم} فمن صلى على محمد فقد خالف
المنافقين والكفار ووافق أمر الجبار وأما محو الخطايا والأوزار
فما روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال { من صلى علي في يوم جمعة
مائة مرة غفرت له ذنوب ثمانين سنة }
وقال {صلى الله عليه وسلم} } من صلى علي مرة واحدة أمر الله حافظيه أن لا
يكتبا عليه ذنبا ثلاثة أيام
وأما قضاء الحوائج والأوطار
فما روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال { الدعاء بين الصلاتين
لا يرد }
وروي أن رجلا قال يا رسول الله أي الدعاء أفضل قال الصلاة علي
قال أجعل ثلث عبادتي الصلاة عليك فقال {صلى الله عليه وسلم} إذا هديت قال
أجعل ثلثي عبادتي الصلاة عليك فقال {صلى الله عليه وسلم} إذا كفيت قال
أجعل جميع عبادتي الصلاة عليك قال من جعل جميع عبادته الصلاة علي قضى الله
له جميع حوائج الدنيا والآخرة وهذا كله مع أداء الفرائض
وأما تنوير الظواهر والأسرار
463 الصلاة تنور القلب
فقد روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من أكثر الصلاة علي
نور الله قلبه { وذلك أن الذنوب تسود القلوب لأن العبد إذا عمل ذنبا صار
نكتة سوداء في قلبه فإذا تمادى على الذنوب نمت تلك النكتة حتى يسود بها
القلب كله وإذا رطب الله لسان العبد بالصلاة على محمد {صلى الله عليه
وسلم} غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل وزن الجبال فإذا غفرت ذنوبه زال
السواد عن قلبه وبدا فيه النور لأن الإسلام لا يتم إلا بالصلاة على النبي
{صلى الله عليه وسلم} وذلك أنه لو قال عبد لا أرى الصلاة على النبي {صلى
الله عليه وسلم} واجبة
لكان كفارا ورادا على الله وخرج عن دين الإسلام وزال نور الهدى عن قلبه
قال الله تعالى { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } الزمر
22 فهذا بيان واضح من الله
وأنشدوا
} نور القلوب يزيد عند صلاتنا
للهاشمي فنوره لا ينجلي
فضياؤنا من ضوء نور محمد
صلوا على ذاك النبي الأفضل
464 حكاية في كثرة الصلاة على النبي
روي عن عبد الواحد بن زيد أنه قال خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام
فصحبني رجل في الطريق كان لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب ولا يأكل
ولا يشرب ولا يتطهر ولا ينام ولا يتصرف في شيء إلا أكثر من الصلاة على
محمد {صلى الله عليه وسلم} فسألته عن ذلك فقال أحدثك بعجب عجيب خرجت مرة
إلى مكة معي والدي فنزلنا منزلا في موضع من منازل الطريق فنمت فإذا أنا
بهاتف يهتف بي وهو يقول يا فلان قم فقد أمات الله والدك وقد سود وجهه
فانتبهت فزعا مرعوبا مما سمعت فإذا هو راقد وقد غطي وجهه فكشفت الثوب عن
وجهه فإذا هو ميت ووجهه أسود فاشتد حزني لذلك وتحيرت في أمره فغلب علي
النوم فإذا أنا بأربعة سودان عند رأسه وأربعة عند رجليه بأيديهم أعمدة من
حديد من نار وهم يريدون عذابه فبينما أنا أنظر فيما يكون من أمر والدي مع
السودان إذا برجل قد جاء فأشرق من نور وجهه الموضع كله الذي كنا فيه وأقبل
على السودان فانتهرهم وقال تنحوا عنه فتنحى السودان عنه من ساعتهم وغابوا
عني فلم أرهم ثم أقبل على والدي فمسح بيده على وجهه فإذا هو أشد بياضا من
الثلج والنور قد علا وجهه ثم أقبل علي فقال لي بيض الله وجه أبيك وزال عنه
السواد فقلت له من أنت فجزاك الله عنه خيرا قال أنا محمد رسول الله فقلت
له يا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ما كان السبب في مجيئك إليه فقال
{صلى الله عليه وسلم} أما والدك فكان مسرفا على نفسه غير أنه كان يكثر من
الصلاة علي فلما نزل به ما نزل استغاث بي وأنا غياث لمن أكثر الصلاة علي
فقمت من نومي فكشفت الثوب عن وجهه فإذا هو قد ابيض فأخذت في أمره وشرعت في
دفنه فما تركت الصلاة على النبي {صلى الله عليه وسلم} بعد ذلك
فإذا كانت الصلاة على النبي {صلى الله عليه وسلم} تورث تنوير الوجه بعد
الممات فأولى ان تورث تنوير القلوب في الحياة وذلك أن الله تعالى جعل شخصه
{صلى الله عليه وسلم} نورا
وقد سماه في كتابه سراجا منيرا ووصف من اتبع أمره وسنته وأحبه
بنور القلب قال الله تعالى { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من
ربه } الزمر 22 ووصف من خالف دينه ومن لم يؤمن به بظلمة القلب قال تعالى {
ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } النور 40 فمالكم عباد الله
غافلون عن هذه الفضيلة والنعمة الدائمة الجزيلة وأنشدوا
صلوا على نور تزايد فخره
يعلو على الأنوار والألباب
محمد زين الخلق شرقا ومغربا
وخير شفيع ناطق بصواب
وخير حبيب للإله نبينا
وخير رسول عامل بكتاب
أتى الخلق والأصنام تعبد جهرة
وبوأهم إبليس شر مآب
فأنقذ بالنور البهي عباده
وبوأهم بالد ين حسن مآب
فصلوا على خير الخلائق كلهم
لتستوجبوا يا قوم خير ثواب
عباد الله تعاهدوا الصلاة على حبيبنا محمد {صلى الله عليه وسلم} لأن الله
تعالى إذا أراد بعبده خيرا يسر لسانه للصلاة على محمد {صلى الله عليه
وسلم} وإذا أراد بعبده شرا حبس لسانه عن الصلاة على محمد {صلى الله عليه
وسلم} فيكون ذلك سببا لسواد وجهه كما أن الصلاة لتنوير القلب
وأما قضاء الحوائج والأوطار
465 الصلاة تحل العقد
فما روي أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال } من عسرت عليه حاجة
فليكثر من الصلاة علي فإنها تحل العقد وتكشف الهم والحزن وتكثر الأرزاق {
وأنشدوا
} كم بالصلاة عليه فاز من رجل
وكم رأيت بها في الشدة الفرجا {
وأما النجاة من عذاب دار البوار
466 الصراط والصلاة
فما روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } الصلاة علي نور على
الصراط { ومن كان على الصراط من أهل نور الإيمان وكثرة الصلاة على رسول
الله {صلى الله عليه وسلم} رسول الملك الرحمن فلا يكون من أهل الهوان في
سموم النيران بل يكون من أهل الأمان في نعيم الجنان وأما دخول دار الراحة
والقرار
فما روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من ترك الصلاة علي فقد
أخطأ طريق الجنة { فالله الله عباد الله يا إخواني تثبتوا واجتهدوا في
الصلاة على خير العباد وفخر البلاد وزين الحشر والمعاد فعسى الله أن
يجيرنا من العذاب الذي ليس له انقطاع ولا يرجى له نفاذ
ولا تغفلوا عن الثواب الجزيل والملك الدائم الجليل بالصلاة على
النبي الأصيل الذي نعته في التوراة والإنجيل واحمدوا الله الذي فضلكم
بالنبي الرؤوف الرحيم الذي جاء بالقرآن الواضح الحكيم المهيمن القديم من
عند الملك العزيز الكريم فلعل مولانا أن يتفضل علينا بجنات النعيم وينجينا
من العذاب الأليم في سواء الجحيم مأوى كل كفار أثيم ومنزل كل شيطان رجيم
وعدو فاسق فاجر لئيم
467 جهنم والصلاة على النبي
ذكر في بعض الأخبار أنه إذا كان في يوم القيامة أمر الجبار جل جلاله أن
يؤتى بجهنم فإذا جيء بها وكنات من الموقف مسيرة خمسمائة عام ونظرة إلى أهل
المعاصي اشتد غضبها وتقلب بعضها على بعض وغلا بعضها على بعض وأخنى بعضها
على بعض زفرت زفرة فلا يبقى غل ولا قيد ولا سلسلة ولا حية ولا عقرب إلا
ألقت الكل على ظهرها وأكبت الزبانية على وجوههم وانهزم مالك عليه السلام
من بين يديها فعند ذلك لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي ولا صفي إلا
جثا على ركبتيه وفر الناس كلهم هاربين ونبينا {صلى الله عليه وسلم} قائم
عليه حلة خلقها الله تعالى من قبل قبل أن يخلق الخلق بمائة ألف عام وهو
{صلى الله عليه وسلم} يلوح إليها بكمه ويقول
} كفي عن أمتي كفي عن أمتي فعند ذلك يتعلق العبد المذنب به {صلى الله عليه
وسلم} وهو يقول يا نبي الله أنقذني من عذاب الله فيقول له {صلى الله عليه
وسلم} } ألم أبلغك رسالة ربي فلم عصيت فيقول يا رسول الله غلبت علي شقوتي
فيقول {صلى الله عليه وسلم} } لا شقوة على أحد ممن أكثر الصلاة علي فيشفع
له عند الله تعالى فإذا رأت جهنم نور وجه المصطفى محمد {صلى الله عليه
وسلم} خمدت وكفت
فإذا كانت جهنم أخمدها الجبار من نور وجه النبي المختار فكيف لا تطفئ
الصلاة عليه عن صاحبها جميع الخطايا والأوزار وإذا كان نور المصطفى أخمد
عظيم النيران فكيف لا توجب الصلاة عليه لصاحبها جزيل الغفران وإذا كان نور
وجه محمد النبي {صلى الله عليه وسلم} أخمد سموم الجحيم فكيف لا
تورد الصلاة عليه المقام الكريم والنظر إلى وجه الحكيم العليم وأنشدوا
يا من تمرد في الأيام منهمكا
صلوا على المصطفى يا أكرم الأمم
صلوا عليه لعل الله يرحمكم
يوم الحساب ويوم الكرب والزحم
إن الصلاة على المختار قارئة
لقلب صاحبها جزءا من الحكم
فهو الشهيد لأهل الجمع كلهم
وهو الدليل إلى الفردوس والنعم
468 الصلاة بشارة بالجنة
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من صلى علي ألف مرة لم
يمت حتى يبشر بالجنة وابخل الناس رجل ذكر عنده محمد {صلى الله عليه وسلم}
أو سمع بذكره فلا يصلي عليه
وأكسل الناس من سمع المؤذن فلم يقل مثل ما يقول وأعجز الناس من لم يدع
لنفسه دبر كل صلاة
فإذا كان العبد عاجزا لنفسه فهو لغيره أعجز
وأما سلام الرحيم القهار فهو أن كل من كان مصليا على النبي {صلى الله عليه
وسلم} فهو من أهل الجنة
سلم عليه ربنا مولانا وهو قوله تعالى { سلام قولا من رب رحيم } يس 58
وقوله تعالى { وتحيتهم فيها سلام } يونس 10 وقوله { ويلقون فيها تحية
وسلاما } الفرقان 75 { تحيتهم يوم يلقونه سلام } الأحزاب 44
469 ما للمصلي عند الله
وروي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال قال الله تعالى لرسوله محمد {صلى الله
عليه وسلم} من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه قال فيسجد لله
شكرا
فالعبد يجزي بالسلام على النبي المختار سلام الملك الجبار
وأنشدوا
يا راكبا نحو المدينة قاصدا
بلغ صلاتي للنبي محمد
وقل السلام عليك يا علم الهدى
فهو الدليل إلى الشفيع الأجود
} إن الذي ورث النبوة والهدى فهو الدليل لكل عبد مرشد
صلى عليه الله ما هبت صبا وترنمت ورقا بصوت تغرد
470 نكت في فوائد الصلاة عليه
واعلموا رحمكم الله أن في الصلاة على نبي الهدى محمد {صلى الله عليه وسلم}
إشارات جميلة ونكتا كثيرة وذلك أن الله تعالى أجرى الصلاة على النبي
الرشيد السيد السديد مجرى شهادة التوحيد قال تعالى { شهد الله أنه لا إله
إلا هو والملائكة } آل عمران 18
وهكذا قال رب القريب والبعيد في الصلاة على النبي {صلى الله عليه وسلم}
الصادق الرشيد { إن الله وملائكته يصلون على النبي } الأحزاب 56 إشارة
حسنة ونكتة مليحة
قال الله تعالى { فاذكروني أذكركم } البقرة 152 ولم يقل أذكركم
عشر مرات وقال تعالى وجل علا { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا } الحشر 7 وقد قال {صلى الله عليه وسلم} } من صلى علي مرة صلى
الله عليه عشرا { فكأن الله سبحانه وتعالى يقول عبدي إذا أثنيت علي مرة
أثنيت عليك مرة وإذا أثنيت على حبيبي مرة أثنيت عليك عشرا لأنه أكرم الخلق
علي وأجلهم عندي
ثانية قال الله تبارك وتعالى { إن الله وملائكته يصلون على النبي }
الأحزاب 56 وقال في المؤمنين { هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من
الظلمات إلى النور } الأحزاب 43 بصلاتكم على النبي المحبوب
وأنشدوا
} فأكثروا التسليم بعد صلاتكم
للسيد المختار ذاك الأمجد {
} ومن يك ذا بخل شديد بذكره فذاك عن الحق المنير مبعد
471 كاشفة الكرب
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } من عسر عليه شيء فليكثر من
الصلاة علي فإنها تحل العقد وتكشف الكرب { في دار الامتحان فأولى أن تنجي
في الآخرة من النيران في الدار الباقية
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال < من صلى علي مائة
مرة تزحزحت النار عنه مسيرة خمسمائة عام > فأكثروا من الصلاة عليه
يا أهل ملته
{صلى الله عليه وسلم} صلاة مقرونة بالكمال والحسن والجمال والخير والإفضال
روي عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } أكثركم علي صلاة أكثركم
أزواجا في الجنة { فالله الله يا معشر المؤمنين أكثروا من الصلاة على سيد
المرسلين
وخاتم النبيين وارعوا في المقام الأمين والتمتع بالحور العين والنظر إلى
وجه مولانا رب العالمين
472 من أكثر الصلاة عليه
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } أكثركم علي صلاة
أقربكم مني مجلسا { وفي هذا الحديث إشارة حسنة وهي أن من قرب في الآخرة من
النبي نظر إلى وجه العزيز الجبار ومن نظر إلى وجه العزيز الجبار وقرب من
النبي المختار زحزح جسمه عن النار وأسكن دار الراحة والقرار في جنات عدن
تجري من تحتها الأنهار لا يذوقون فيها طعم الحمام ولا يجدون ضر الأسقام
ولا تلحقهم فتور الآلام قد أمنوا من الزوال والانتقال ورضي عنهم الكبير
المتعال سبحانه وتعالى جل ذلك الجلال
وأنشدوا
} صلى الإله ومن يحف بعرشه
والطيبون على المبارك أحمد {
} فما حملت من ناقة فوق رحلها أبر وأوقى ذمة من محمد {
} ولا طلعت شمس النهار على امرئ تقي نقي كالنبي محمد {
} ولا لاحت الجوزاء شرقا ومغربا
بأطيب من طيب النبي محمد {
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } أكثروا من الصلاة علي فإنها
تطفئ غضب الجبار { فأولى أن تطفئ عن المصلي عليه {صلى الله عليه وسلم} في
الدنيا كيد الشيطان الفرار
عباد الله الزموا هذه الفضائل وارغبوا في هذه المنازل وتقربوا إلى الله
بهذه الوسائل بالصلاة على النبي المختار من أشرف القبائل الذي أوضح الله
به الدلائل وجعله إليه أكبر الوسائل وأنشدوا
} حب النبي على الأنام فريضة ولا تنس ذكر الهاشمي الأكرم {
} إن الصلاة على النبي وسيلة فيها النجاة لكل عبد مسلم {
} صلوا على القمر المنير فإنه
نور تبدى في الغمام المظلم {
} رحم العباد به عزيز قادر فالشكر لله العلي المنعم {
473 الصلاة والدعاء
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } إن العبد يسأل الحاجة فلا
يصلي علي عقيب سؤاله فترجع الحاجة على سحابة فإذا صلي علي قضيت حاجته
واستجيبت دعوته وتفتحت له أبواب السماء { فإذا كانت الصلاة عليه {صلى الله
عليه وسلم} تقضي في الدنيا الحاجات فالأولى أن تنجي صاحبها في الآخرة من
العذاب والعقوبات وتدخل الجنات العاليات
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } كل دعاء محجوب دون
السماء فإذا جاءت الصلاة علي صعد الدعاء { يا أحبائي والله إذا صعد الدعاء
ارتفع البلاء ورضي الإله الأرض والسماء
474 كيف تدعو
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } لا تجعلوني كقدح الراكب فإن
الراكب إذا أراد أن ينطلق علق معاليقه وملأ قدحه فإن كانت له حاجة في أن
يتوضأ أو يشرب شرب وإلا أهراقه فاجعلوني في وسط الدعاء وفي أوله وفي آخره
وإنما معنى الحديث أن يكون الإنسان أبدا لا يفتر عن الصلاة على النبي {صلى
الله عليه وسلم} فإذا أصابته شدة وصلى على محمد عرف صوته ودعاءه فاستجيب
له وكشف عنه الهم والكرب
فيجب على من هو أهل ملة محمد {صلى الله عليه وسلم} أن لا يغفل عن الصلاة
على النبي {صلى الله عليه وسلم}
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال } أكثروا من الصلاة علي فإنها
تهن كيد الشيطان { فأولى أن تدفع عن المصلي عليه آفات الزمان وتحول بينه
وبين عذاب النيران وتوجب له دار الخلد والأمان وجنة النعيم والرضوان
وأنشدوا
} امدح نبي الهدى يا أيها الرجل
واذكر فضائله والدمع منهمل {
} وصل دهرا على المختار مجتهدا تحت الظلام وداجي الليل منسبل {
}
} عساك تحظى بدار لا نفاذ لها نعيمها دائم والظل والأكل
475 فائدة الصلاة على النبي
توسلوا بالصلاة على النبي الرفيع والحبيب الشفيق يغفر لكم مولاكم ما عملتم
من الآثام ويدخلكم برحمته دار الخلد والسلام
توسلوا بالصلاة على النبي
المختار يكن شفيعكم من عذاب دار البوار وينجيكم مولاكم من سموم النار
ويدخلكم برحمته جنات تجري من تحتها الأنهار
توسلوا بالصلاة على النبي الصادق الأواب ينجيكم مولاكم من أليم العذاب
ويدخلكم الجنة وحسن المآب توسلوا بالصلاة على النبي الرشيد ينجيكم مولاكم
من العذاب الشديد ويدخلكم برحمته النعيم الذي لا يبيد
توسلوا بالصلاة على النبي البر الرؤوف الرحيم يدخلكم مولاكم جنات النعيم
وينجيكم برحمته من سموم الجحيم
روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال الصلاة على النبي
{صلى الله عليه وسلم} أمحق للذنوب من الماء البارد للنار
والصلاة علي النبي {صلى الله عليه وسلم} أفضل من عتق الرقاب فاسمعوا وعوا
يا أولي العقول والألباب
وأنشدوا
تواترت الخيرات شرقا ومغربا
بذكر رسول الله في السر والجهر
فذكرك للمختار فخر ورفعة
وذكرك للمختار من أفضل الذكر
ذكر في بعض الأخبار أنه إذا كان يوم القيامة وضعت حسنات بعض المؤمنين
وسيئاتهم في الميزان فترجح سيئاتهم على حسناتهم فيشفق المؤمنون لذلك فتنزل
صحائف بيض من عند الله تبارك وتعالى على حسناتهم فترجح حسناتهم على
سيئاتهم فيقول الرب جل جلاله هذه صلاتكم على النبي محمد {صلى الله عليه
وسلم} ثقلت بها موازينكم وجعلتها لكم ذخيرة وقربة
فهذا يا إخواني فضل الله العظيم بالصلاة على الرسول الرؤوف الرحيم
476 ثبوت الشفاعة
ومن رحمة النبي {صلى الله عليه وسلم} بأمته ما روي عنه {صلى الله عليه
وسلم} أنه كان في بعض الأيام جالسا فقرأ هذه الآية { إن تعذبهم فإنهم
عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } المائدة 118 فبكى رسول الله
{صلى الله عليه وسلم} فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال له يا محمد مم
بكاؤك فقال {صلى الله عليه وسلم} } فكرت في أمتي { فقال جبريل يا محمد
الله يقرئك السلام ويقول لك أنا أسترضيك في أمتك
يا أحبابي نبيكم عند مولاكم مكين ومولاكم ذو القوة المتين وإنك يا أخي عبد
مهين فهل رأيتم مهينا يعذب بين مكين ومتين مولاكم عظيم ونبيكم كريم فهل
يضيع من يخاف العذاب الأليم بين عظيم وكريم فصلوا عليه كما أمركم مولاكم
في القرآن الحكيم
يا أمة
محمد {صلى الله عليه وسلم} مولاكم لطيف ونبيكم سيد شريف وأنت يا مؤمن عبد
ضعيف فهل رأيتم ضعيفا يضيع بين لطيف وشريف وأنشدوا
يا إلهي عسى تكون مجيري
بصلاتي على البشير النذير
إنني خائف كئيب حزين
أن أصلي بحر نار السعير
أيها الناس بادروا ثم جدوا
بصلاة على السراج المنير
ذاك خير الأنام جاء بصدق
وكتاب من السميع البصير
فيه أمر وفيه نهي وفيه
ما يؤدي إلى النعيم الكبير
لا تملوا من الصلاة عليه
سوف تنجوا من حر نار الزفير
} ثم تحظوا بها بدار نعيم
ليس تبلى من عند رب قدير
477 المداومة على الصلاة عليه
واعلموا عباد الله أن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن لا يدع الصلاة على
النبي {صلى الله عليه وسلم} حينا ولا وقتا ولا يذكرها في الشدائد ويدعها
في الرخاء فيكون كمن يعمل للدنيا دون الآخرة إنما يجب عليك أن تصلي عليه
في صلاتك وعند قيامك وقعودك ولباسك وأكلك وشرابك وسائر تصرفاتك فتعود عليك
بركتها وتقبل عليك خيراتها وتقضي بذلك حق نفسك وحق نبيك محمد رسول الله
{صلى الله عليه وسلم} ولا تقدر أن تبلغ حق نبيك أبدا ولو كان لك ألف لسان
تصلي بها كلها عليه لأن الله تبارك وتعالى جعله سببا لخلاصك من النار
ولمعرفتك بمولاك العزيز الجبار
478 مهر حواء أم البشر
ذكر في بعض الأخبار أن آدم عليه الصلاة والسلام رفع رأسه فنظر على ساق
العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فقال آدم يا رب من هذا الذي كتبت
اسمه مع اسمك فقال الله تعالى يا آدم هو نبيي وصفيي وهو حبيبي ولولاه ما
خلقتك ولا خلقت جنة ولا نارا فلما خلق الله سبحانه حواء نظر آدم إليها
فقال يا رب زوجني منها فقال الله تعالى وما مهرها يا آدم فقال يا رب ما
أعلم قال الله تبارك وتعالى يا آدم صل على محمد عشر مرات فصلى آدم عليه
كما أمره الجبار جل جلاله فزوجه الله سبحانه منها وكان صداقها الصلاة على
محمد المختار مهرا لأمة الملك الجبار فكيف لا تكون صلاتنا عليه مهرا للحور
العين في دار القرار ومن
دخل دار القرار نجا من عذاب النار لأنه قال {صلى الله عليه وسلم} } أكثركم
علي صلاة أكثركم أزواجا في الجنة
479 إشارات وبشارات
غشارة حسنة
وذلك أن الصلاة من الملك الجبار رحمة ونجاة من عذاب النار لأن الله تعالى
إذا صلى على المؤمنين فقد رحمهم
أخرى
قال الله تعالى { مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء
فاختلط به نبات الأرض } يونس 24 وقوله { كأن لم تغن بالأمس } يونس 24 فإذا
جاءت الساعة بعذابها وأهوالها ذهب نبات الأرض وتلاشى في جنب العذاب حتى
تبقى الأرض كأن لم يكن فيها نبات قط وإذا كان هذا فعل العذاب فرحمة الله
أولى وأكثر إذا جاءت تلاشت ذنوب المؤمنين في جنبها كأن لم تكن قط
هذا في رحمة الله الكريم مرة واحدة فكيف في عشر مرات لأن النبي {صلى الله
عليه وسلم} قال { من صلى علي مرة واحدة صلى الله بها عليه عشر مرات { فهذه
بشارة حسنة للمؤمنين والمؤمنات بكثرة صلاتهم على سيد السادات وخير البريات
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله
تعالى ولم يذكروا النبي {صلى الله عليه وسلم} إلا كان ذلك المجلس عليهم
وبالا وحسرة يوم القيامة فتزينوا يا أمته وزينوا مجالسكم بالصلاة على
نبيكم {صلى الله عليه وسلم}
480 مكفرات الذنوب
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه صعد ذات يوم المنبر فوضع قديمه في
مرقاة من المنبر فقال آمين وقال آمين في الدرج الثاني وقال آمين في الدرج
الثالث ثم قال {صلى الله عليه وسلم} جاءني جبريل عليه السلام فقال يا محمد
من أدرك أحد والديه أو كلاهما ومات ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله
فقلت آمين ثم قال يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فدخل النار
فأبعده الله قلت آمين ثم قال يا محمد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فلم
يغفر له فدخل النار فأبعده الله فقلت آمين
روي عن النبي {صلى الله عليه وسلم} المختار } من صلى علي لم يلج النار {
اللهم صل على محمد ما اتصلت عين بنظر وتزخرفت أرض بمطر وحج حاج واعتمر
ولبى ونحر وحلق وقصر وطاف بالبيت وقبل الحجر
اللهم صل عليه وعلى آله صلاة لا نفاذ لها ولا انقطاع صلى الله عليه عدد من
يصلي عليه وعدد من لم يصل عليه إلى يوم القيامة وصل عليه عدد الذاكرين
وغفلة الغافلين واحشرنا وجميع المسلمين في زمرته يوم الدين ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم