كتاب : ما يجب أن يعرفه المسلم عن دينه
المؤلف : عبد الله عبد الغني الخياط
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .{ وَالْعَصْرِ }{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ }{ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } .
بهذة السورة الكريمة التي توحي بضرورة وحدة المؤمنين في الخير والتواصي بالحق .
وبهذه السورة الكريمة التي أقام الله بها الحجة على الخلق ، كما قال الإمام الشافعي - رحمه الله - : ( لو لم ينزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم ) .
أجل بهذه السورة نقدم هذه التوجيهات الإسلامية راجيا أن ينفع الله بها إنه أكرم مسؤول .
وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه .
عبد الله عبد الغني الخياط
الحلقة الأولى
واقع الحاج ووضعه :
أيها الحاج الكريم :
يا
من تركت الدنيا وراءك ، ونبذت فتنتها وأطرحت كل متاع ولذة وضحيت بكل غال
في سبيل الله - ضحيت بمالك والمال عزيز على النفوس ، ولكنك تبذله طيبة به
نفسك في سبيل الله ، ومن أجل الحج إلى بيت الله الحرام وإقامة ركن الإسلام
، ضحيت براحتك فأنت منذ أن فارقت وطنك بدأت تحس بمتاعب السفر وأخذت في
الحل والترحال على متن الطائرة أو الباخرة أو على الرواحل (1) والزوامل
(2) والسفر مهما كان مريحا لا يسلم من عناء ومشقة وضياع فرص الراحة ،
ولكنك لم تبال بذلك وضحيت براحتك في سبيل الله ومن أجل الحج إلى بيت الله
المشرف .
ضحيت بوطنك الغالي ، ولفراق الوطن في النفوس وحشة وألم ،
ولكنك استعذبت فراقه مقدما حب الله على حب الوطن وأداء فريضة الله وحج بيت
الله المعظم على أداء واجباتك .
ضحيت بأهلك وولدك ، والأهل والولد زينة
الحياة ومتعتها ، وفضلت المتعة الروحية والاجتماع بإخوانك المسلمين في
رحاب بيت الله والاشتراك معهم في ذكر الله وأداء فريضة الله على المتعة
والأهل والولد .
_________
(1) الرواحل : من الإبل - جمع راحلة ، القوي منها على الأحمال والأسفار.
(2) الزوامل : مؤنث الزامل - الدابة من الإبل وغيرها يحمل عليها.
فأنت
أيها الحاج في هذه الراحلة ، وفي زيارتك بيت الله في هجرة إلى بيت الله ،
وقد تكفل الله لمن يهاجر في سبيله ، إما أن يرجعه إلى بلده سالما غانما أو
يدخله الجنة إن توفاه الله في حجه .
ومن حق الضيافة والوفادة أن يعطيك
الله سؤالك إذا سألته ويستجيب دعاءك إذا دعوته ، ويخلف عليك في النفقة ،
كما جاء في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - : « الحجاج والعمار وفد الله ، إن سألوه أعطوا ، وإن
دعوا أجيبوا ، وإن أنفقوا أخلف عليهم » .
الحلقة الثانية
فضل مكة والحرم:
أيها الحاج إلى بيت الله المشرف:
إنك
في جوار بيت الله المعظم ، البيت الذي بناه خليل الله إبراهيم - عليه
السلام - بأمر من الله تعالى ، وأمره الله أن يؤذن للناس بحجه وأن يطهره
للطائفين والقائمين والركع السجود .
كما قال تعالى : { وَإِذْ
بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي
شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ
السُّجُودِ } .
وأنت في حرم الله المقدس الآمن ، الذي تأمن فيه على
نفسك وأهلك ومالك ، وتأمن فيه حين تقبل على عبادة ربك لا يصدك صاد ولا
يصرفك صارف تأمن فيه أمنا مطلقا ، أمنا نفسيا وروحيا لا مثيل له ولا يشبهه
أمن في أي بلد من البلدان . كما قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا
جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } وقال
أيضا : { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ
ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا } .
أيها الحاج الوافد على الله :
أنت
في بلد الله مكة ، التي سماها الله ( أم القرى ) كما قال تعالى - مخاطبا
رسوله المصطفى محمدا - صلى الله عليه وسلم - { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا
} .
وأشاد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بها وأوضح فضلها حيث يقول :
« والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلي ، ولولا أني أخرجت منك ما
خرجت » . وفي رواية أخرى : « وما أطيبك من بلد وأحبك إلي ، ولولا أن قومي
أخرجوني منك ما سكنت غيرك » .
أيها الحاج الوافد على الله :
إن زيارتك لهذه البقاع المقدسة هي فرصة العمر وإذا ذهبت الفرصة فقد لا
تعود .
الصلاة في المسجد الحرام يضاعف أجرها إلى مائة ألف صلاة ، وصوم رمضان في
البلد الحرام يعدل صيام ألف شهر رمضان فيما سواه .
كما
جاء عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا : « من أدرك رمضان
بمكة فصامه وقام ما تيسر كتب الله له ألف شهر رمضان فيما سواه » .
والأعمال الصالحة يضاعف أجرها لشرف الزمان والمكان ، غير أن الواجب المفروض في أدائها - الذي يترتب عليه القبول ونيل الأجر العظيم والثواب الجزيل - : الإخلاص ، كما قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } .
الحلقة الثالثة
العبادة:
عليك
أن تنتهز هذه الفرصة الذهبية التي أتاحها الله لك لحج بيته وزيارة هذه
البقاع المقدسة وتحرص كل الحرص على أن لا تضيع منك ساعة لا تشغلها بعبادة
ربك وطاعته .
فلقد خلقك الله وأوجدك من العدم ولم تكن شيئا قبل ذلك ، قال تعالى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } ، وأسبغ عليك من نعمه الظاهرة والباطنة ، كما قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } ، أي سخر السفن لتسير في البحر لمصالحكم وتحمل أرزاقكم وتبلغكم غاياتكم . { وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } يسيران بنظام دقيق دائم لا يختل ولا يختلف . { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } ، أي سخر لكم الليل راحة لأبدانكم من عناء العمل وسخر لكم النهار لمعاشكم { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } ، أي أعطاكم ما تطلبونه مما فيه مصلحة لكم في أمر معاشكم ومعادكم { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } كل هذه النعم التي أسبغها على العباد ، وفي طليعتها إيجاد الإنسان من العدم ، كلها لشيء واحد ، هو عبادة الله تعالى وحده دون سواه ، كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }{ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ
وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ }{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو
الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } .
الإخلاص في العبادة :
والعبادة هي شعور
بعظمة الخالق جل وعلا ، يبعث على الذل وغاية الخضوع له ، فإذا وقف العبد
أمام ربه في الصلاة فعليه أن ينسى الدنيا ويتذكر بتكبيرة الإحرام ( الله
أكبر ) أن الله أعظم وأجل وأرفع من كل شيء ، فلا ينصرف عنه في صلاته بل
يخشع ويتذلل أمام ربه ، ولا يفكر في شيء إلا أنه أمام من ذل لعظمته كل شيء
، وخضع له كل شيء ، وكل شيء في قبضته ، { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } ، وذلك هو
معنى الإخلاص في الصلاة وخضوع القلب وخشوع الجوارح .
والصلاة فرع من فروع العبادة التي يشترط فيها الإخلاص ، وهناك فروع أخرى للعبادة يشترط فيها الإخلاص أيضا منها الدعاء . . لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « الدعاء مخ العبادة » أي خالص العبادة ولبها فيجب أن يتجه المسلم إلى ربه متضرعا في دعائه موقنا بالإجابة ، كما جاء في الحديث : « ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة » . وقال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } ، وقال تعالى : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } . فالإخلاص المطلوب المشروط في الدعاء ، أن يدعو العبد ربه وحده ، لا يدعو معه غيره ، مهما ارتفع مقام ذلك الغير ، فالدعاء حق الله ، ولا يجوز صرفه لغير الله . . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ } ، ومعنى الآية : أن الله يضرب المثل لمن يدعو غيره أن ما يدعونه من دون الله عاجز عن أن يخلق ذبابا وإن سلبه الذباب شيئا لا يستطيع أن
يسترده منه فكيف يصح أن يدعى هذا العاجز من دون الله ، أو يقصد
بأي توع من أنواع العبادة .
والعبادة
لا تقتصر على الدعاء فقط ، بل الاستعانة - وهي طلب العون - عبادة ، فلا
يجوز للعبد أن يطلب العون من أحد غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ،
وقد أرشد الله عباده إلى ذلك بقوله في سورة الفاتحة ، التي يقرأها العبد
في صلاته مرارا بقوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ،
أي لا نعبد إلا أنت يا رب ولا نستعين إلا بك وحدك ، وذلك هو الإخلاص
المطلوب .
وكذلك الاستغاثة عبادة ، وهي طلب الغوث وإزالة الشدة ، فلا
يجوز للمسلم أن يطلب الغوث إذا نزلت به الشدة أو ابتلي بالمصائب إلا من
الله .
فإذا ابتلي بالأمراض المستعصية مثلا أو خشي على نفسه الغرق في
البحر أو السقوط من الطائرة فليرفع يديه إلى السماء وليقل : يا رب أغثني ،
يا رب فرج عني . وعندئذ يستجيب الله دعاءه كما وعد بذلك .
قال تعالى
مخبرا عن صفوة الخلق صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استغاثوا
الله سبحانه وتعالى عندما أحدق بهم الخطر في بعض حروبهم مع المشركين : {
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } .
وكذلك ذبح
القرابين على اسم الله تعظيما لجلاله وتقربا إليه عبادة ، فلا يجوز للمسلم
أن يذبح قربانه متقربا به إلى غير الله من الأولياء والصالحين فضلا عن
غيرهم ، قال تعالى - مخاطبا أكرم رسله سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -
: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي } ، أي ذبيحتي التي أذبحها {
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ لَا شَرِيكَ لَهُ
وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } وإلى جانب الدعاء
والاستعانة والاستغاثة وذبح القربان أنواع أخرى للعبادة ، كالتوكل على
الله والخوف والخشوع من الله وغير ذلك من ضروب العبادة وألوانها التي
يشترط فيها الإخلاص والتوجه بها إلى الله وحده دون سواه لأنها محض حق الله
، والتوجه بها لغير الله شرك مناف للتوحيد .
قال تعالى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } .
الحلقة الرابعة
أركان الإسلام:
أيها الحاج المتطلع لمعرفة دينه :
كل
بناء لا يرتفع ولا يستقيم إلا إذا اعتمد على أسس ثابتة وأركان راسخة تحفظه
من السقوط ، والإسلام هو ذلك البناء الشامخ والدين القويم ، الذي رضيه
الرب جل جلاله لعباده ، وأكمله لخلقه ، كما قال تعالى : { الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ
لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } .
فالركن الأول من أركان الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا
رسول الله .
وشهادة أن لا إله إلا الله تتطلب :
الإخلاص في توحيد الله جل جلاله وذلك بأن يتجه المسلم في العبادات كلها
على مختلف ألوانها لله وحده .
وشهادة أن محمدا رسول الله تتطلب :
الإخلاص
في الإقرار للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة ، وذلك بالاعتقاد
الجازم أنه رسول الله إلى الناس كافة ، كما قال تعالى : { قُلْ يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } .
ومحبته
- صلى الله عليه وسلم - أكثر من محبة الوالد لولده والولد لوالده كما جاء
في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « لا يؤمن أحدكم
حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين » .
وطاعته - صلى الله
عليه وسلم - في كل أمر واجتناب كل ما نهى عنه كما قال تعالى : { وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } .
والإيمان
بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين ، فلا نبي ولا رسول بعده ، كما قال تعالى :
{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ
اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } .
الركن الثاني :
والركن الثاني
من أركان الإسلام : إقام الصلاة . ويتطلب الإخلاص في إقام الصلاة أن
يؤديها المسلم على الوجه الأكمل المشروع ، وأن يحافظ عليها في الحضر
والسفر وفي المرض أيضا ، لا يتهاون بها ولا يكسل عن أدائها في أوقاتها ولا
يرائي بها ولا يترك الخشوع فيها .
قال تعالى : { إِنَّ الصَّلَاةَ
كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } ، وقال تعالى : {
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ }{ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ
خَاشِعُونَ } ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « خمس صلوات كتبهن
الله على العباد في اليوم والليلة ، من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا
ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا
نجاة ، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف » اهـ . أي :
أنه مع أئمة الكفر في نار جهنم ، وكفى بذلك وعيدا يحفز إلى إقام الصلاة
والعناية بها وعدم التشاغل عنها .
منزلة الصلاة من الدين :
منزلة الصلاة من الدين منزلة رفيعة لا تعدلها أية عبادة أخرى ، فهي عمود الدين ، أي كمثل العمود للخيمة وهل تبقى الخيمة قائمة بدون عمود ؟ فكذلك لا يستقيم الإسلام بدون صلاة ، وهي أول فريضة فرضها الله على العباد بعد التوحيد ، وأول ما يحاسب عليه العبد من أعماله يوم القيامة الصلاة ، كما جاء في الحديث : « أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن صلحت - أي قبلت - صلح سائر عمله وإن فسدت - أي لم تقبل - فسد سائر عمله » . رواه الطبراني .
وهى آخر وصية وصى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أمته عند مفارقته الدنيا حيث أخذ يقول وهو في آخر مرحلة الحياة : « الصلاة
وما ملكت أيمانكم » ، أي احرصوا على الصلاة والزموها ولا تفرطوا فيها .
وقد بلغ من عناية الإسلام أن أمر بالمحافظة عليها حتى في أحرج المواقف عند
اشتداد الخوف حين يكون المسلمون في المعركة أمام العدو . قال تعالى : {
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ }{ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } أي : في حالة
اشتداد الخوف صلوا راجلين أو راكبين ، وشدد الله النكير على من يفرط فيها
أو يضيعها فقال : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } أي خسارة .
وقال تعالى : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ }{ الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } ، أي لاهون غافلون .
الحلقة الخامسة
ما يشترط للصلاة من طهارة:
أيها الحاج الحريص على صحة صلاته :
لو
أن أحدا من الناس دعاه ملك من ملوك الدنيا لمقابلته ماذا يصنع ؟ أو ليس من
اللائق به أن يظهر أمام الملك في أحسن هيئة ويلبس أحسن لباس ؟ فكيف بمن
يدعوه ملك الملوك للوقوف بين يديه في كل يوم خمس مرات ؟ ولله المثل الأعلى
، أو ليس من المتحتم عليه أن يتنظف ويتطهر ويظهر بالمظهر اللائق للوقوف
بين يدي ملك الملوك ؟ لذلك شرع الإسلام للمسلم قبل أن يدخل في الصلاة ويقف
بين يدي ربه شرع له الطهارة ، وتشتمل على ما يلي :
أولا : أن يذهب أثر
النجاسة إذا ذهب لقضاء حاجته من بول أو غائط بأن يستنجي بالماء أو يستجمر
بالحجارة ( وكل شيء طاهر منق إلا العظم وروث البهائم ونحوهما وكذلك كتب
العلم وغيرها مما له حرمة ) .
ثانيا : إن كان عليه جنابة أي خرج منه
المني بشهوة ، أو جامع أهله ، يجب عليه أن يغتسل ويعمم جميع بدنه بالماء ،
ويوصل الماء إلى كل جزء من أجزاء بدنه .
ثالثا : إذا لم تكن عليه
جنابة بل عليه حدث أصغر ، وهو ما يوجب الوضوء مثل خروج الريح أو أي خارج
من موضع البول أو الغائط ، أو النوم الذي يستغرق فيه النائم ولا يبقى معه
إدراك أو وعي أو مس الرجل المرأة أو الفرج .
في كل هذه الأحوال يجب على
المرء أن يتطهر ، أي يتوضأ أو يغتسل بالماء قبل أن يدخل في الصلاة ، فلو
صلى بدون غسل وعليه جنابة أو لم يكن متوضئا لم تقبل صلاته ، يتوضأ عند
وجوب الوضوء ويغتسل عند وجوب الغسل كما قال تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا
يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ » .
صفة الوضوء :
وصفة الوضوء الكامل أن ينوي المتوضئ في قلبه أنه يريد التطهر ورفع الحدث ، ثم يقول بسم الله ، ويغسل كفيه ثلاثا ، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا بثلاث غرفات ، أي يدخل الماء في فمه وأنفه ويخرجه ، ثم يغسل وجهه ثلاثا ، ويغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا - والمرفقان هما العظمان الناتئان في نهاية الذراع - ، ثم يمسح رأسه من مقدمه إلى قفاه بيديه ، ثم يعيد يديه إلى المحل الذي بدأ منه ، يفعل ذلك بالماء مرة واحدة ، ثم يدخل سبابته ( الأصبع الثاني في اليد اليمنى جهة الشمال ) ، يدخلها في أذنيه يمسح بها باطن الأذنين بالماء ويمسح ظاهرهما بإبهامه ( الأصبع الأولى في اليدين اليمنى جهة الشمال واليسرى جهة اليمين ) ، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ثلاثا ، وهذا أكمل وضوء فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( الكعبان هما العظمان الناتئان في مؤخر الرجل ) . قال تعالى في صفة الوضوء وفرضه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } ولا يقدم غسل عضو متأخر أو يؤخر غسل عضو متقدم ، ولا
يفصل بين غسل الأعضاء بفاصل كبير بحيث يجف العضو ثم يبدأ في غسل
الآخر .
فضل الوضوء :
لقد
ورد في فضل الوضوء قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إذا توضأ العبد فمضمض
خرجت الخطايا من فمه فإذا استنشق خرجت الخطايا من أنفه فإذا غسل وجهه خرجت
الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا
من يديه حتى تخرج من تحت أظافر يديه ، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من
رأسه حتى تخرج من أذنيه ، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج
من تحت أظافر رجليه ، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة ، أي : زيادة
في أجره » . رواه مالك والنسائي وابن ماجه والحاكم .
ما يشترط للمصلي من طهارة البدن والثوب والمكان :
كم يجب أن يتطهر المسلم من الحدث عند ما يقصد الوقوف بين يدي الله للصلاة .
كذلك يجب عليه أن يتطهر من الخبث ، وهو النجاسة ويتلخص ذلك فيما يلي :
أولا
: تطهير الثوب الذي يريد أن يصلي فيه فلا تصح الصلاة في ثوب نجس ولو كانت
النجاسة قليلة ، قال تعالى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } .
ثانيا :
تطهير المكان من النجاسة ، فلا يصح لمن يريد الصلاة والوقوف بين يدي الله
أن يكون على بدنه نجاسة فقد جاء في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « تنزهوا من البول فإن عامة عذاب
القبر منه » .
ثالثا : تطهير المكان الذي يريد أن يصلي فيه المصلي فلا
تصح الصلاة في مكان نجس ، فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه
- قال : « قام أعرابي فبال في المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به ، أي
يشتموه أو يزجروه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " دعوه وأريقوا
على بوله ذنوبا من الماء » ، أي دلوا كبيرا من ماء ، وقد ذهب جمهور
العلماء إلى وجوب تطهير البدن والثوب والمكان للصلاة .
الحلقة السادسة
ستر العورة واستقبال القبلة:
أيها
المسلم المقيم على طاعة الله والحاج إلى بيت الله : يقول الله سبحانه في
محكم كتابه مخاطبا بني آدم ممن أسلم وجهه لله وقام لطاعة الله : { يَا
بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ، والمراد
بالزينة ما يستر العورة والمراد بالمسجد الصلاة ، ومعنى الآية يا بني آدم
استروا عوراتكم عند ما تريدون الصلاة والوقوف بين يدي الله .
ويكشف هذا
التوجيه القرآني أن ستر العورة في الصلاة شرط لصحتها فمن صلى وبعض عورته
مكشوفة لا تصح صلاته ، ولكن ما هو حد العورة التي يجب أن يسترها المصلي ؟
وهل يستوي في سترها الرجال والنساء أم أن الستر خاص بالنساء دون الرجال ؟ .
والجواب : أن الأمر بستر العورة عام للرجال والنساء دون تفريق ، فإن الخطاب في الآية يشمل الجنسين ، وأما حد العورة بالنسبة للرجال والنساء فإنه يختلف اختلافا كبيرا ، فحد عورة الرجل الذي يجب أن يستره في الصلاة ما بين السرة والركبة بخلاف النساء فإن المرأة كل جسدها عورة يجب أن تستره وخاصة في الصلاة إلا الوجه والكفين ، لحديث أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - « أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار ؟ قال - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كان الدرع سابغا يغطي صدور قدميها » ، والدرع هو القميص ، والخمار ما تغطي المرأة به رأسها ، والإزار ما يستر العورة ، وفي الحديث دليل على وجوب ستر المرأة لجميع بدنها في الصلاة .
أما كشف الرجل رأسه في الصلاة فلا يترتب
عليه شيء . واستقبال القبلة في الصلاة شرط لصحتها ، قال تعالى : { فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } ، أي اتجه في صلاتك جهة مكة {
وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } ، فإذا كان المصلي
في المسجد الحرام أمام الكعبة يشترط أن يستقبل الكعبة لا يميل عنها ولا
ينحرف ، وإذا كان بعيدا عنها بأن كان خارج المسجد أو في بلده فعليه أن
يستقبل جهة الكعبة ، ولا تصح الصلاة بدون ذلك .
فعلى حجاج بيت الله
الحرام ، إذا كانوا في المسجد الحرام أن يتحروا استقبال الكعبة في صلاتهم
فرضا كانت الصلاة أو نفلا ، وكثير من الحجاج لا يهتم بهذا الأمر بل يقوم
للصلاة فيتجه يمينا وشمالا عن الكعبة وفي ذلك فساد صلاته وضياع مجهوده
الذي بذله في الوضوء والسعي إلى المسجد وانتظار الصلاة .
بقي أن
نعرض لشرط من شروط صحة الصلاة قد لا يخفى على أحد إلا إذا كان في الصحراء
أو في بلد غير إسلامي : وهو العلم بدخول وقت الصلاة ، ففي البلدان
الإسلامية يتعرف المسلم إلى أوقات الصلاة بالأذان إذا سمع المؤذن يؤذن لها
، وفي الصحراء ، وفي المواضع التي ليس فيها مساجد ، ولا مآذن يجتهد في
التعرف على الوقت حتى يتيقن أو يغلب على ظنه دخول الوقت ثم يصلي .
أوقات الصلوات المكتوبة :
وقد
عين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أوقات الصلوات المكتوبة وحدها بعلامات
لا يخطئها المتعرف عليها كما جاء في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله
عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « وقت الظهر إذا زالت
الشمس أي مالت عن وسط السماء وكان ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر ، ووقت
العصر ما لم تصفر الشمس - أي من بعد خروج وقت الظهر يدخل وقت العصر ويستمر
إلى قبيل المغرب - ووقت صلاة المغرب من بعد غروب الشمس إلى ظهور الحمرة في
السماء - وهي الشفق ، فإذا غربت الحمرة خرج وقت المغرب - ووقت صلاة العشاء
من غروب الشفق الأحمر إلى نصف الليل - اختيارا أو إلى ما قبل الفجر ضرورة
ويحرم تأخيرها إلا ما بعد نصف الليل - ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر
ويستمر إلى قبل طلوع الشمس » والمراد بالفجر النور الذي يظهر معترضا في
الأفق فلا تصح الصلاة قبل هذه الأوقات ، والأفضل تعجيل الصلوات في أول
الوقت فأول الوقت رضوان الله .
النوم عن الصلاة والنسيان حتى يخرج الوقت :
المرء بحكم بشريته معرض للخطأ والنسيان والغفلة ، وقد يكون الخطأ غير متعمد وقد ينشأ عن النسيان ، وقد تصرف المرء صوارف الحياة ومشاغلها عن القيام بالواجب الديني المفروض عليه كأن ينسى الصلاة أو ينام عنها فلا يستيقظ إلا بعد خروج وقت الصلاة فليس عليه حرج في ذلك ، فالإسلام دين السماحة واليسر وإقالة العثرة ، وقد رخص لمن نسي الصلاة ونام عنها أن يصليها إذا ذكرها أو حين يستيقظ من نومه ، كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك » ، رواه البخاري ومسلم ، ولحديث أبي قتادة قال : ذكروا أي الصحابة - رضوان الله عليهم - نومهم عن الصلاة فقال : « إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة ، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها » ، رواه النسائي والترمذي وصححه .
ويجب أن لا
يتخذ المسلم النوم عن الصلاة عادة وخاصة صلاة الفجر وصلاة العشاء اللتين
تشهدهما الملائكة ، فإن ذلك يدخله في عداد الغافلين أو الساهين الذين ذمهم
الله وتوعدهم بقوله : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ }{ الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } عدد الصلوات المكتوبة وركعاتها :
ليس من شك أن
المسلم أول ما يعنى به من دينه صلاته فهي أول ما يسأل عنه من أعماله وأول
ما يحاسب عنه ، قال الصحابي الجليل أنس بن مالك - رضي الله عنه - : « فرضت
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به خمسين ، ثم نقصت
حتى جعلت خمسا ، ثم نودي أي في السماء ليلة أسري برسول الله - صلى الله
عليه وسلم - وعرج به إلى السماوات العلا : " يا محمد إنه لا يبدل القول
لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين » ، أي أجر خمسين صلاة لقاء هذه الصلوات
الخمس وذلك فضل من الله تفضل به على هذه الأمة المرحومة ، أمة محمد - صلى
الله عليه وسلم - ، يقبل منها القليل ويعطيها عليه الأجر الكثير .
أما عدد ركعاتها فهي كما يلي :
1 - الصبح ركعتان .
2 - الظهر أربع ركعات .
3 - العصر أربع ركعات .
4 - المغرب ثلاث ركعات .
5 - العشاء أربع ركعات .
هذه
هي الصلوات المكتوبة المفروضة وعدد ركعاتها ، أما ما عداها مما اعتاد
المسلم أن يصليها عقب هذه الفروض فهي نوافل يؤجر عليها العبد وتجبر ما
لعله أن يحدث في الفروض سهوا لا يشعر به المرء أو خللا .
ملحوظة : في
الركعة الأولى من صلاة الفجر يوم الجمعة ، يسن أن يقرأ الإمام سورة ( ألم
) السجدة ويسجد عند قراءة آية السجدة وهي : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ
بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا } الآية ،
ثم ينهض لقراءة بقية السورة ، ولا تعتبر هذه السجدة زيادة في عدد الركعات
كما يظن ذلك بعض الناس .
ويقرأ في الركعة الثانية سورة : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ
مِنَ الدَّهْرِ } .
الحلقة السابعة
صفة الصلاة بطريقة عملية:
أيها المسلم الواعي ، أيها الحاج اللبيب :
من
براهين الحب للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - اتباع سنته والعمل على ما
رسمه للمسلمين في أبواب الطاعة والعبادة ، وأفضل ما يتقرب به العبد إلى
ربه فرائضه التي فرضها عليه ، وفي مقدمتها الصلاة .
ولقد أوضح الرسول -
صلى الله عليه وسلم - الطريق السديد في أداء الصلاة وأمر أمته أن يقتدوا
به في هذا الأداء فقال : « صلوا كما رأيتموني أصلي » ، وإذا لم يحظ آخر
هذه الأمة بشرف رؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فقد نقل الأئمة -
رحمهم الله - من السلف - رضوان الله عليهم - عن الصحابة صفة صلاته ، حتى
كأننا نراه فيها فنؤديها كما كان يؤديها ويأمر بأدائها ، ونحظى بشرف
الاقتداء والاهتداء بهديه - صلى الله عليه وسلم - .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فدخل رجل - وفي رواية : دخل رجل كالبدوي - فصلى ، ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فرد - عليه السلام - وقال : " ارجع فصل فإنك لم تصل " - ثلاثا - أي صنع الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الرجل ذلك ثلاث مرات ، فقال الرجل ، أي بعد الثالثة : ( والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني ) ، طلب الرجل من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمه صفة الصلاة كاملة تامة . فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء " - أي : إذا أردت الصلاة فتوضأ وضوءا تستوعب فيه غسل جميع أعضاء الوضوء " ثم استقبل القبلة فكبر " - أي كبر تكبيرة الإحرام وهي مفتاح الصلاة - " ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن » - أي اقرأ بالفاتحة وما تحفظ من القرآن .
كما ورد في حديث آخر موضحا ذلك فقال : « إذا أردت أن
تصلي فتوضأ فأحسن وضوءك ، ثم استقبل القبلة ، فكبر ، ثم اقرأ بأم القرآن ،
ثم اقرأ بما شئت ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا - أي انتظر في ركوعك بقدر ما
تسبح تسبيحة واحدة على الأقل أو ثلاثا ، - ثم ارفع حتى تعدل قائما - ، أي
اطمئن في قيامك من الركوع ، وانصب ظهرك - ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا - أي
اطمئن في سجودك بقدر تسبيحة واحدة على الأقل ، أو ثلاثا - ، ثم افعل ذلك
في صلاتك كلها » أي في كل الركعات والسجدات ، سواء كانت الصلاة ثنائية
كالصبح أو رباعية كالظهر والعصر ، أو ثلاثية كالمغرب ، وسواء كانت الصلاة
فرضا أو نفلا يشترط لها الوضوء ، واستقبال القبلة ... إلخ .
ومن أركانها :
قراءة الفاتحة ، والطمأنينة في الركوع والاعتدال من الركوع والسجود ،
والرفع من السجود .
ومن
لم يكن معه شيء من القرآن أو لا يحسن القراءة فليحمد الله ويكبره ويهلله .
لحديث رفاعة بن رافع « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم رجلا الصلاة
فقال : إن كان معك قرآن فاقرأ ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع . »
على أن الواجب أن يحفظ المسلم سورة الفاتحة وما تيسر من سور القرآن الكريم
، ليصلي بها وأن يعلمها لأولاده ذكورا وإناثا ليحفظوها من الصغر فإن هذا
مطلوب وحق علينا .
وفي حالة السجود يجب أن يمكن المصلي أعضاء السجود في
الأرض ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على
الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين » .
وبعد
صلاة ركعتين يجلس المصلي لقراءة التشهد الأول سواء أكانت الصلاة ركعتين أو
ثلاث ركعات أو أربع ، ثم ينهض للإتيان ببقية الصلاة ، ويجلس في الركعة
الأخيرة لقراءة التشهد مع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ،
وبذلك تتم صلاته لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث المسيء صلاته : «
فإذا رفعت رأسك من آخر سجدة وقعدت قدر التشهد ثم سلمت فقد تمت صلاتك » .
التشهد
: أصح ما ورد في التشهد تشهد ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - : « إذا جلس أحدكم ، - أي للتشهد - فليقل : التحيات لله
والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين - فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في
السماء والأرض - أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله » .
صفة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير :
روي
عن الصحابي الجليل بشير بن سعد قال : « يا رسول الله : أمرنا الله أن نصلي
عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ فسكت ، ثم قال : " قولوا : اللهم صلى على محمد
وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما
باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد » .
وبذلك يختم المصلي
صلاته ويدعو بما أحب من الأدعية من خيري الدنيا والآخرة لقوله - صلى الله
عليه وسلم - : « ثم ليتخير من المسألة ما شاء » . والدعاء مستحب سواء كان
مأثورا أو غير مأثور شريطة أن لا يكون فيه بدعة أو منكر .
صلاة الجماعة وفضلها :
الإسلام
دين الجماعة يحث عليها ويعمل على دعمها ، والصلاة التي هي عمود الدين
ويتحد المسلمون في أقاصي الدنيا لأدائها كل يوم خمس مرات في وقت واحد ،
وعلى شكل واحد - شرع لها الجماعة لتعطي فكرة للمسلمين في اتحاد الكلمة
وليقفوا أبدا صفوفا متراصة ، لا تختلف على بعضها فتتوثق روابطهم ويستقيم
بنيانهم . وقد شجع الإسلام على صلاة الجماعة وحث عليها ورغب في المحافظة
على أدائها بأمرين :
الأمر الأول :
مضاعفة أجرها ، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا » أي يضاعف الله أجر صلاة الجماعة وتفضل على صلاة المنفرد بخمس وعشرين درجة . والحاذق اللبيب والعاقل الرشيد يسعى للربح في أعماله ولو كان يسيرا ، فكيف بهذا الربح العظيم ، وتمام الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - : « وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة ، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ، ما لم يحدث - أي ما لم ينتقض وضوءه ، بناقض من نواقض الوضوء - اللهم صل عليه اللهم ارحمه - أي تدعو له الملائكة بذلك ويا لسعادة من دعت له الملائكة - ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة » أي يكتب له أجر الصلاة طوال المدة التي يلبث في المسجد لانتظار الصلاة .
وإنه لفضل عظيم سابغ للمحافظين على
صلاة الجماعة الذين تعلقت قلوبهم بالمساجد ، فهم ممن يظلهم الله بظل عرشه
، فقد ورد في الحديث : « سبعة يظلهم الله بظله » - أي يتفضل الله عليهم
بالاستظلال بظل العرش - وعد منهم الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد ، أي
لأداء الصلوات فيها مع الجماعة ولذكر الله عز وجل . فهنيئا له ثم هنيئا له
.
. الأمر الثاني في الحث على الجماعة :
الترهيب والتخويف والوعيد
الذي توعد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتخلف عن صلاة الجماعة
حيث يقول : « والذي نفسي بيده : لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ، ثم آمر
بالصلاة فيؤذن لها ، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ، ثم أخالف إلى رجال - وفي
رواية : لا يحضرون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم » متفق عليه ، ورسول الله -
صلى الله عليه وسلم - لا يتوعد إلا على شيء عظيم ، وعن أبي الدرداء - رضي
الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « ما من
ثلاثة في قرية وبدو لا تقام فيهم الصلاة - أي جماعة - إلا استحوذ عليهم
الشيطان ، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية » - أي
البعيدة - رواه أبو داود .
وصلاة الجماعة خاصة بالرجال دون النساء ، أما النساء فصلاتهن في البيوت أفضل ، صونا لهن ولعدم الافتتان بهن لقوله - صلى الله عليه وسلم - لمن رغبت في الصلاة معه في المسجد : « صلاتك في حجرتك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة » - أي كلما استترت المرأة بصلاتها كان أفضل .
الحلقة الثامنة
يوم الجمعة وفضله:
أيها
المسلم الاجتماعي ، أيها الحال في منازل الرضوان إن دين الإسلام دين
اجتماعي ، يعنى بأمر الجماعة ، ويهيئ الفرص للمسلمين لاجتماعات تتكرر
بتكرر اليوم والأسبوع والعام .
أما الاجتماع اليومي ففي المساجد لصلاة الجماعة وتفقد شؤون الأسر
الإسلامية في الأحياء المتجاورة .
وأما الاجتماع الأسبوعي أو عيد الأسبوع فهو اجتماع يوم الجمعة ، بشكل أوسع
في الجوامع الكبيرة التي تضم أكبر عدد من مساجد الأحياء .
ويجتمع
فيها القاصي بالداني ممن تباعدت أحياؤهم وتناءت مساكنهم يجتمعون في
المساجد لسماع التوجيه الإسلامي الذي يشجع صالحهم للمضي في خط سيره الراشد
، ويصلح فاسدهم ويأخذ بيده لانتشاله من وهدة الرذيلة ويهديه إلى التي هي
أقوم .
ويوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع كما جاء في الحديث عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمها عند الله تعالى من يوم الفطر ويوم الأضحى وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا إلا آتاه إياه ، ما لم يسأل حراما » - أي أن الله يستجيب للعبد في هذه الساعة كل ما يدعو به شريطة أن لا يدعو الله بشيء محرم يأثم به ، مثل أن يسأل الله أن يمكنه من عمل المعاصي ، وقيل : إن هذه الساعة التي يستجيب الله فيها الدعاء هي آخر ساعة من يوم الجمعة ، وقيل غير ذلك .
والحكمة
في إخفائها ليعنى المسلمون بكل أوقاتها ، بحيث لا يضيعون فرصة في يوم
الجمعة عن الاشتغال بالعبادة والدعاء والصلاة على النبي - صلى الله عليه
وسلم - ففي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا اليوم مزية
خاصة ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة
وليلة الجمعة » . وهو - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنام ، ويوم الجمعة
سيد الأيام ، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره ، ويستحب لمن تجب
عليه الجمعة أي من كان حرا بالغا مقيما أن يتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه
ويبكر إليها ويقترب من الإمام ليستمع للوعظ ويتذكر .
روى الصحابي
الجليل سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه
وسلم - : « لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن - أي
يزيل شعث الرأس ويتجمل - أو يمس من طيب بيته ، ثم يروح إلى المسجد ولا
يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له - أي من الوقت الذي يصل فيه المسجد
حتى يصعد الإمام إلى الخطبة - ثم ينصت للإمام إذا تكلم - أي إذا وعظ وذكر
في خطبته - إلا غفر له من الجمعة إلى الجمعة الأخرى » . رواه الإمام أحمد
والبخاري .
الوعيد في ترك الجمعة :
وحيث قد جعل الإسلام ليوم
الجمعة هذا الفضل العظيم ، وخص صلاة الجمعة بمزيد من التذكير والتوجيه
والحث على المسارعة إليها كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } : كان للمحروم من هذا الفضل العظيم ، المعرض عن
أداء فريضة الجمعة وعيد صارخ يقض مضجعه وينذره بسوء المصير ، روي عن أبي
هريرة وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنهما سمعا النبي - صلى الله
عليه وسلم - يقول على أعواد منبره - أي في الخطبة - : « لينتهين أقوام عن
ودعهم الجمعات - أي عن تركهم لصلاة الجمعات - أو ليختمن الله على قلوبهم
ثم ليكونن من الغافلين » . رواه مسلم وغيره .
النهي عن الكلام والإمام يخطب وتخطي الرقاب :
ولما
كانت حصيلة المسلم من حضور الجمعة والتبكير إليها والقرب من الإمام هو
سماع الخطبة والانتفاع بها ، حظر الإسلام كل ما يشغل المسلم عنها ووجهه
إلى الاستماع والإنصات حتى ولو كان بعيدا عن الإمام لئلا يشوش على غيره .
روي عن أبي عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال : « من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا ، والذي
يقول لصاحبه أنت - أي والإمام يخطب - لا جمعة له » أي لا جمعة كاملة له .
وصح
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال : « يحضر الجمعة ثلاثة نفر ، فرجل حضرها يلغوا فهو حظه منها ، - أي
نصيبه من الجمعة اللغو دون الأجر - ورجل يدعو - أي يدعو الله ساعة الخطبة
- إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة
مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تلها وزيادة ثلاثة أيام - أي
تكفر ذنوب عشرة أيام - وذلك أن الله عز وجل يقول : { مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }» .
رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد .
بم تدرك الجمعة وكم عدد ركعاتها :
قد
تصرف المسلم عن التبكير إلى الجمعة صوارف الحياة أو يكون له عذر قاهر
للتأخر فلا يدرك الإمام إلا وهو راكع أو ساجد أو في التشهد . فماذا يصنع
هل يتم صلاته جمعة أم ظهرا ؟ .
والجواب : أن أكثر أهل العلم يرى أن من
أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فهو مدرك الجمعة ، فعليه أن يضيف إلى
الركعة التي أدركها مع الإمام ركعة أخرى فتتم له جمعة ؛ لأن الجمعة ركعتان
وتدرك الركعة بالركوع لا بعده ، فإن أدرك المأموم إمامه بعد الرفع من
الركوع في الركعة الثانية كأن أدركه في السجود أو التشهد مثلا فقد فاتته
الجمعة . وعليه أن يتم صلاته ظهرا إذا كان نوى الظهر وقد دخل وقتها وذلك
قول أكثر العلماء .
نقل عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي
الله عنه - قال : ( من أدرك من الجمعة ركعة واحدة فليضف إليها أخرى ، ومن
فاتته الركعتان فليصل أربعا ) . رواه الطبراني بسند حسن .
وقال عبد
الله بن عمر - رضي الله عنهما - : ( إذا أدركت من الجمعة ركعة فأضف إليها
أخرى ، وإن أدركتهم جلوسا فصل أربعا ) رواه البيهقي .
ويرى الإمام
أبو حنيفة - رحمه الله - وصاحبه أبو يوسف أن من أدرك التشهد مع الإمام فقد
أدرك الجمعة ، فيصلي ركعتين بعد سلام الإمام ، وقد تمت جمعته .
الصلاة في زحام الناس :
من
المعلوم بداهة أن كل صاحب عقل سليم بعد أن يطرق سمعه أفضلية صلاة الجمعة
والجماعة وما وعد الله عليها من الأجر العظيم ، يحرص الحرص كله على حضور
الجماعة ، وخاصة في المسجد الحرام الذي تضاعف فيه أجر الصلاة إلى مائة ألف
صلاة ، فيحدث من ذلك تزاحم الناس حتى لا يجد المصلي موضعا لسجوده فماذا
يصنع ؟
لقد أغنى المسلمين إجابة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي
الله عنه - حيث قال وهو يخطب : ( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنى
هذا المسجد ، - يعني مسجد المدينة - ، ونحن معه ، المهاجرون والأنصار ،
فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر أخيه ) . ورأى قوما يصلون في
الطريق فقال : ( صلوا في المسجد ) .
متابعة الإمام ومسابقته :
يقول
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنما جعل الإمام ليؤتم به - أي
ليكون قدوة يقتدي به المصلون - فلا تختلفوا عليه ، فإذا كبر فكبروا وإذا
ركع فاركعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد ،
وإذا سجد فاسجدوا » ، الحديث رواه البخاري ومسلم . وفي رواية أخرى مزيد من
الإيضاح حيث يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنما جعل الإمام
ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، ولا تكبروا حتى يكبر ، وإذا ركع فاركعوا ولا
تركعوا حتى يركع ، وإذا سجد فاسجدوا ، ولا تسجدوا حتى يسجد » . وفي ذلك
إشعار بضرورة أن تكون انتقالات المأموم في الصلاة بعد إمامه لا قبله ولا
معه .
أما مسابقة الإمام بمعنى التكبير قبله ، والركوع والسجود قبله ،
فهي محرمة بدليل الوعيد الوارد في ذلك ، حيث يقول رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - : « أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله
رأسه رأس حمار أو يحول صورته صورة حمار ؟ » .
وعن أنس قال : قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - : « أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني
بالركوع ولا بالسجود ، ولا بالقيام ولا بالقعود ، ولا بالانصراف » أي
بالتسليم . رواه مسلم .
الحلقة التاسعة
صلاة النوافل:
أيها
المسلم القانت لله ، أيها الحاج الدائب على عبادة الله ، كم قد أتاح لك
الإسلام من فرص تزدلف فيها إلى ربك ، وكم قد أعانك على نفسك بأعمال البر
والخير يشرعها لك لتنال عليها أجر القانتين وثواب البررة الصالحين ، تعمل
العمل القليل فيعطيك الله عليه الأجر الكثير ، ولم يقف الإسلام في فرض
الفرائض بل أردفها بنوافل العبادة ؛ لتجبر نقص الفرائض ولتلتئم بها الفتوق
في الواجبات ، وإلى جانب كل فريضة نوافل مشروعة يقوم بها العبد ابتغاء
رضوان الله ، وطلبا للأجر من الله .
فالصلوات المكتوبة مثلا ، شرع إلى
جانب كل صلاة نوافل ، حدد الشرع عدد ركعاتها ، وحث عليها ورغب فيها لدرجة
أنها إذا فاتت المسلم شرع له قضاءها ، وهي ما سميت بالسنن الراتبة .
صح
عن أم حبيبة زوج النبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من صلى في
يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة » ، أربعا قبل الظهر
وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل
صلاة الفجر وهما آكد السنن بدليل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر
بقضائها ، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - قال : « من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما » .
رواه البيهقي .
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : « لم يكن رسول -
صلى الله عليه وسلم - على شيء من النوافل أشد معاهدة - أي مواظبة - من
الركعتين قبل الصبح » . رواه البخاري ومسلم .
أما نافلة الجمعة فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « من كان
منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا » . رواه مسلم .
وصح
أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بعد الجمعة ركعتين في بيته ، وللجمع بين
الحديثين قال العلماء : إن صلى في المسجد صلى أربعا ، وإن صلى في بيته صلى
ركعتين .
وهناك نوافل غير مؤكدة كصلاة ركعتين أو أربع كعات قبل
العصر ، لورود أحاديث بها ، وصلاة ركعتين قبل المغرب لقوله - صلى الله
عليه وسلم - : « " صلوا قبل المغرب ، صلوا قبل المغرب ، صلوا قبل المغرب "
ثم قال في الثالثة : " لمن شاء » كراهية أن يتخذها الناس سنة ، وكصلاة
ركعتين قبل العشاء لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « بين كل أذانين صلاة »
- أي نافلة - في كل النوافل أجر مضمون إن شاء الله والأجر على قدر المشقة .
وأفضل صلاة النافلة ما كان في البيت لما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - :
« صلاة الرجل في بيته تطوعا نور ، فمن شاء نور بيته » .
وقال أيضا : « اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا » - أي
كالقبور لا يصلى فيها .
صلاة الوتر :
من
النوافل التي حث عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( الوتر ) فقد صح
عن الإمام علي - رضي الله عنه - أنه قال : ( إن الوتر ليس بحتم - أي ليس
بلازم - ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوتر ثم قال : « يا أهل
القرآن أوتروا ، فإن الله وتر يحب الوتر » .
ووقت الوتر بعد صلاة
العشاء ، ويمتد إلى الفجر ، لما روي من حديث أبي بصرة - رضي الله عنه - أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن الله زادكم صلاة ، - وهي الوتر -
فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر » .
ويستحب تعجيل صلاة
الوتر أول الليل لمن خشي أن يغلبه النوم ويستغرق فيه ، ولا يستيقظ آخر
الليل ، وعلى العكس من وثق من نفسه القيام آخر الليل فيستحب له تأخيره ،
لحديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من
ظن منكم أنه يستيقظ آخره فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل محضورة - أي
تحضرها الملائكة - وهي أفضل » - رواه مسلم والترمذي .
عدد ركعات الوتر وصفته :
روي
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - « الوتر بثلاث عشرة ركعة وإحدى عشرة ركعة
، وتسع ، وسبع ، وخمس ، وثلاث ، وواحدة . وأقله ثلاث ركعات بسلامين »
ويجوز أداء الوتر ركعتين ، ركعتين ، يسلم المصلي على رأس كل ركعتين ثم
يصلي ركعة . ويتشهد ويسلم ، ويجوز غير ذلك مما صح به النقل عن النبي - صلى
الله عليه وسلم - . ولا يجوز التعصب لأداء الوتر على طريقة معينة
والتزامها دون غيرها من الطرق الواردة تعصبا لمذهب من المذاهب ، فكل
المذاهب ملتمسة السداد والصواب من هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،
وسنته هي المورد العذب ، فما صح منها يجب أن يؤخذ به دون تردد أو تعصب ،
والاختلاف في الدين رأس الخطايا .
وقد ذم الله عليه بعض الأمم السابقة
تحذيرا من صنيعهم فقال تعالى : { فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ
مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } .
دعاء القنوت وموضعه :
روى
الإمام أحمد وأهل السنن وغيرهم من حديث الحسن بن علي - رضي الله عنهما -
قال : « علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في الوتر :
" اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك
لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل
من واليت ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت وصلى الله على النبي
محمد » .
ويجوز أن يدعو المصلي في القنوت بما شاء .
أما موضع القنوت
فقد نقل أهل العلم جواز القنوت قبل الركوع وبعد الرفع من الركوع . سئل بعض
السلف عن ذلك فقال : نفعل قبل وبعد . أي نقنت قبل الركوع وبعده .
صلاة التراوح :
من
السنن المشروعة في رمضان صلاة التراويح يقوم المسلمون بأدائها جماعة في
المساجد والدور أو منفردين ، يحيون بها جزءا من أول الليل من بعد صلاة
العشاء ، ويستمر وقتها إلى آخر الليل لأنها في الواقع من قيام الليل ،
وقيام الليل لا يقتصر على جزء معين منه .
أما عدد ركعاتها فصح عن أم
المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ما
كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ) » .
ونقل أن الناس كانوا يصلون على عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب
وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - عشرين ركعة .
صلاة المريض :
دين
الإسلام هو دين السماحة واليسر كما قال تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وقال - صلى الله عليه وسلم - : « بعثت
بالحنيفية السمحة » .
ومن يسر الإسلام وسماحته ورفعه الحرج عن الأمة أن
رخص للمريض في الصلاة كيف ما تيسر له ، وعلى قدر استطاعته ، فله أن يصلي
قاعدا إذا عجز عن القيام ، وله أن يصلي على جنبه يومئ بالركوع والسجود
ويجعل سجوده أخفض من ركوعه .
روي عن الصحابي الجليل عمران بن حصين -
رضي الله عنه - قال : « كانت بي بواسير ، فسألت النبي - صلى الله عليه
وسلم - عن الصلاة فقال : " صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع
فعلى جنب » . وفي رواية للنسائي : « فإن لم تستطيع فمستلقيا - قال تعالى :
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }» . وإذا جاز هذا في
الفرض فجوازه في النفل مطرد .
وفي حديث علي - رضي الله عنه - عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - : « فإن لم تستطع فعلى جنب » وفي رواية
النسائي : « فإن لم يستطع صلى قاعدا فإن لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه ،
وجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى
مستلقيا رجلاه مما يلي القبلة » رواه الدارقطني .
صلاة العيدين وصفتهما :
سبق
أن عرضنا في إحدى الحلقات لعناية الإسلام بأمر الجماعة ودعمها ، وتهيئة
الفرص للمسلمين لاجتماعات يومية وأسبوعية ، لإشاعة التضامن وبذل التعاون ،
وأخذ فكرة بالوقوف أمام الله صفا واحدا لوحدة الصف واجتماع الكلمة وإلى
جانب الاجتماعات اليومية والأسبوعية اجتماع سنوي هيأه الإسلام لمحتضنيه
لإظهار الفرحة والبهجة ، وشكر النعمة على التوفيق للطاعة والتمكين من
العبادة - أحدهما عقب الفراغ من صيام شهر رمضان المبارك ، وهو اجتماع عيد
الفطر ، وفي الصحراء يخرج إليه المسلمون رجالا ونساء ، شيوخا وأطفالا ،
حتى الحيض شرع أن يحضرن هذا الاجتماع كما جاء في حديث أم عطية قالت : «
أمرنا أن نخرج العواتق (1) والحيض إلى المصلى يشهدن الخير ودعوة المسلمين
، ويعتزل الحيض المصلى » . رواه البخاري ومسلم . قال تعالى : {
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
والاجتماع الثاني : اجتماع عيد الأضحى بالطريقة نفسها التي يتم بها
الاجتماع لعيد الفطر إلا أن الحاج قد يشتغل عنه بأعمال النسك .
وقت صلاة العيد :
وقت صلاة العيد من حين ترتفع الشمس قيد رمح أي بقدر ستة أذرع .
_________
(1) العواتق : البنات الأبكار.
صفتها وعدد ركعاتها :
وصلاة
العيد ركعتان كصلاة الجمعة إلا أنه يسن فيها أن يكبر المصلي قبل قراءة
الفاتحة في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية بعد القيام من السجود
خمس تكبيرات ، يرفع يديه مع كل تكبيرة ، وليس لصلاة العيدين سنة لا قبلها
ولا بعدها لحديث أبي داود قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « ليس
لصلاة العيدين سنة لا قبلها ولا بعدها » . ولما روى البخاري عن ابن عباس -
رضي الله عنهما - : « خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر فصلى
ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ومعه بلال » .
وسن أن يخطب الإمام للعيد
خطبتين كالجمعة ، إلا بعد الصلاة لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -
: « كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى
وأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على
صفوفهم يعظهم ويوصيهم ويأمرهم » ، الحديث .
صلاة الجنازة :
لقد
عني الإسلام بكرامة المسلم حيا وميتا - قال تعالى { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ
مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلًا } .
ولقد كان من تكريم المسلم ميتا أن شرع للمسلمين غسله
وتكفينه وحمله والصلاة عليه ثم دفنه ، وبالدفن تنتهي الصلة بينه وبين عالم
الأحياء ويقدم على ما قدم من عمل ، يقدم على رب كريم يعفو عن السيئة
ويتجاوز عن الذنب العظيم .
أما صفة صلاة الجنازة أو الصلاة على
الميت فهي أن يقف المصلون صفوفا ثلاثة على الأفضل يتقدمهم الإمام ،
فيكبرون على الميت أربع تكبيرات يقرءون بعد التكبيرة الأولى الفاتحة ،
ويقرءون بعد التكبيرة الثانية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
التي تقرأ في التشهد الأخير ، ويقرءون بعد التكبيرة الثالثة الدعاء للميت
ومنه ( اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ،
وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته منا فاحيه على الإسلام والسنة ، ومن
توفيته منا فتوفه عليهما ، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه ، وأكرم
نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا
كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا
من أهله وزوجا خيرا من زوجه ، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر وعذاب
النار ) . ثم يكبرون التكبيرة الرابعة ويسلمون .
والصلاة على الميت شفاعة من الأحياء في الميت ، جاء في الحديث « أن الميت
إذا صلى عليه أربعون من المسلمين شفعهم الله فيه » .
وإذا كان الميت صغيرا قال المصلي في دعائه بعد قوله : ( ومن توفيته منا فتوفه عليهما ، اللهم اجعله ذخرا لوالديه ، وفرطا وأجرا ، وشفيعا مجابا ، اللهم ثقل به موازينهما ، وأعظم به أجورهما ، وألحقه بصالح سلف المؤمنين ، واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم ) ثم يسلم المصلي عن يمينه تسليمة واحدة .
الحلقة العاشرة
الركن الثالث من أركان الإسلام ( إيتاء الزكاة ):
أيها
المسلم الحريص على إقامة دينه ، أيها الحاج المتتبع لأركان الإسلام : إن
ثالث أركان الإسلام التي لا يقوم الإسلام إلا باستكمالها ( فريضة الزكاة )
وهي فريضة اجتماعية تعبدية تشعر بسمو أهداف الإسلام ، من عطف ورحمة وحدب
وتعاون إنها حق المال ، تنميه وتباركه وترتفع بأهله من رذيلتي الشح
والأثرة .
يقول الله تعالى مخاطبا أشرف خلقه : { خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وقد قرن
الله سبحانه الزكاة بالصلاة في آيات كثيرة من القرآن مما يشعر بمكانتها في
الإسلام . من ذلك قوله سبحانه : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وقال تعالى
في وصف عباده المؤمنين :
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ } .
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تقترن فيها الزكاة بالصلاة لعظم شأنها
والتنويه بأهميتها .
أما من أحجم عن إخراج الزكاة بعد أن وجبت عليه فقد
توعده الله بسوء المصير ، وبالاصطلاء بالنار ، نار الآخرة ، وهي تزيد عن
نار الدنيا حرارة ومرارة بمراحل كثيرة ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }{ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي
نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ
هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ
} .
وعندما توفي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولحق بالرفيق الأعلى
منع بعض قبائل العرب زكاة أموالهم ، فقاتلهم الخليفة الراشد أبو بكر
الصديق - رضي الله عنه - وقال : ( والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه ) .
وقال : ( والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فالزكاة حق المال ) .
وصح
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « أمرت أن أقاتل الناس حتى
يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا
الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دهاءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم
على الله » .
وتجب الزكاة على المسلم الحر الذي يملك نصابا من أي نوع من أنواع المال
يشترط فيها :
أولا
: إن كان المال من الذهب أو الفضة أو عروض التجارة أن تبلغ قيمته نصابا
وإن لم يكن المال ذهبا أو فضة أو عروض تجارة بل كان للقوت أو القنية فلا
زكاة فيه .
ثانيا : أن يحول على النصاب منذ ملكه حول ، أي يمضي عليه
عام وهو في يد المالك وتحت تصرفه . وهذا الشرط لا يشترط في الحبوب والثمار
لأن زكاتها يوم الحصاد كما قال تعالى : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ
حَصَادِهِ } ومن مات وعليه زكاة لم يخرجها تخرج من ماله . وعلى المسلم أن
يبادر بإخراج الزكاة ويحرم عليه تأخيرها إلا إذا لم يتمكن من أدائها لقوله
- صلى الله عليه وسلم - : « ذكرت وأنا في الصلاة تبرا - أي ذهبا - عندنا
فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته » .
الأصناف التي يجب فيها الزكاة:
أولا
: الذهب والفضة : وفيهما ربع العشر إذا بلغ الذهب عشرين مثقالا ، وإذا
بلغت الفضة مائتي درهم - أي يخرج المزكي ( 2.5 % ) اثنين ونصف في كل مائة
بما في ذلك الأوراق المالية وسندات الديون لأنها وثائق بديون مضمونة فيجب
فيها الزكاة إذا قبضها .
ثانيا : عروض التجارة : تقوم السلع فإذا بلغت قيمتها نصابا من الذهب أو
الفضة يخرج منها الزكاة .
ثالثا : زكاة الحبوب والثمار : لا زكاة فيها حتى تبلغ خمسة أوسق - والوسق
ستون صاعا ، والصاع قدح وثلث تقريبا .
المقدار الواجب إخراجه في زكاة الحبوب والثمار :
يختلف المقدار الذي يجب إخراجه باختلاف السقي .
فإن
سقي الزرع بدون استعمال آلات ، أي بالمطر والعيون والسيل يخرج منه العشر ،
وإن سقي تارة بالالآت والكلفة وأخرى بالمطر والعيون يخرج منه ثلاثة أرباع
العشر (1) .
ولا تجب الزكاة في الحبوب والثمار إلا إذا اشتد الحب وبدأ صلاح الثمر ،
ويخرج نصف العشر فيما سقي بالآلات والكلفة .
رابعا
: زكاة السائمة من بهيمة الأنعام : وهي الإبل والبقر والغنم ( ومعنى
السائمة هي التي ترعى العشب أكثر الحول ) أما الأنعام المعلوفة فلا زكاة
فيها .
أوائل الأنصبة في زكاة السائمة من بهيمة الأنعام :
أ - أول نصاب للإبل خمس - فلا زكاة فيها قبل ذلك وتخرج عنها شاة .
ب - أول نصاب البقر ثلاثون - فلا زكاة فيما دون ذلك وفي الثلاثين تبيع أو
تبيعة عمرها سنة .
جـ
أول نصاب الغنم ويشمل الضأن والمعز - أربعون وفيها شاة . ويؤخذ الجذع من
الضأن وهو ما بلغ عمره ستة أشهر ، والثني من المعز وهو ما بلغ عمره سنة .
ما لا يجوز أخذه في الزكاة :
_________
(1)
قال في شرح المنتهى 1 / 39 : ( ويجب فيما يشرب بهما أي بكلفة وغير كلفة
نصفين أي نصف مدته بلا كلفة ونصفها بكلفة بثلاثة أرباعه أي العشر نصفه
لنصف العام بلا كلفة وربعه للآخر.
لا يؤخذ في الزكاة خيار المال ولا
الحيوان المعيب عيبا ينقص من قيمته ، ولا المهازيل ولكن يؤخذ من أوسط
المال . ولا زكاة في الخيل والبغال والحمير إلا إذا أعدت للتجارة .
أهل الزكاة :
أهل
الزكاة الذين لا يجوز صرفها إلى غيرهم نظمهم القرآن في آية واحدة قال
تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ
وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ } . وهذه
الأصناف المنصوص عليها في كتاب الله تعالى تعطى من الزكاة لسد حاجتهم أو
لضرورات تبيح لهم أن يعانوا من الزكاة بقسط .
ولا يجوز أن تصرف للآباء والأجداد ولا للأبناء وأبناء الأبناء ولا يجوز أن
تدفع للزوجة لأن نفقتها واجبة على الزوج .
وإذا كان للمسلمين إمام يدين بدين الإسلام يجوز دفع الزكاة إليه وتبرأ ذمة
رب المال بذلك .
ولا
يجوز للمسلم أن يشتري زكاته حتى لا يرجع فيما تركه لله ، وإذا كان للزوجة
مال تجب فيه الزكاة فلها أن تعطي لزوجها المستحق من زكاتها ، وكذلك
الأقارب المحتاجون يعطون من الزكاة - ففي ذلك بر وصلة شرعها الإسلام لقوله
- صلى الله عليه وسلم - « الصدقة على المسكين صدقة - أي فيها أجر - وعلى
القرابة اثنتان - صلة وصدقة » ، رواه أحمد والنسائي والترمذي .
ونص
العلماء - رحمهم الله - على جواز نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر إذا
استغنى عن الزكاة أهل بلد المزكي ولم يوجد منهم من يستحق الزكاة . أما إذا
لم يستغن قوم المزكي عن الزكاة فلا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد ؛ لأن
الغرض من الزكاة إغناء الفقراء من كل بلد بما يخرج من زكاة أغنياء بلدهم
كما جاء في حديث معاذ - رضي الله عنه - : « فإن الله اقترض عليهم صدقة
تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم » .
زكاة الفطر :
من أنواع
الزكاة ، زكاة الفطر . وهي طهرة للصائم وجبر لصيامه مما لعله أن يكون قد
وقع فيه من اللغو ، ولتكون خير عون للفقراء يوم العيد لقوله - صلى الله
عليه وسلم - : « أغنوهم بها عن السؤال هذا اليوم » .
ودين الإسلام
دين التعاطف والتراحم ويوم العيد هو يوم فرحة وسرور ؛ لذا حرص الإسلام أن
يمسح البؤس عن الفقراء في يوم فرحة المسلمين ليكون السرور عاما شاملا .
وزكاة
الفطر فريضة على المسلم إذا بقي عنده من القوت ما يزيد عن كفايته وكفاية
عياله يوم العيد وليلته ، فيخرج مما زاد عن قوته وقوت عياله صاعا من
الأصناف الآتية : البر ، الشعير ، التمر ، الزبيب ، الأقط - وهو اللبن
المتجمد - فإذا عدم هذه الأصناف أخرج زكاة الفطرة من سائر قوت أهل بلده ،
كالأرز والذرة وغير ذلك . يخرج القدر المنصوص عليه عن نفسه وعمن تلزمه
نفقته وتجب على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد .
روي عن
أي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : « ( كنا إذا كان معنا رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - نخرج زكاة الفطر عن كل صغير وكبير ، حر ومملوك ،
صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب ، وأفضل وقت لإخراجها
يوم العيد قبل الصلاة ) » .
وتجب زكاة الفطر بعد غروب الشمس آخر يوم من رمضان ، ويجوز إخراجها قبل
العيد بيوم أو يومين .
الحلقة الحادية عشرة
الركن الرابع من أركان الإسلام ( صوم رمضان ):
أيها
المسلم الصلب في دينه ، أيها الحاج المتمسك بشرائع الإسلام : من محاسن دين
الإسلام وفضائله أنه جمع للمسلم بين الروحانيات والماديات ليجمع له بين
سعادة الدنيا والدين . فالأخذ بالماديات وحدها يطغي ويلهي عن الآخرة ،
ويبعد عن منازل الصالحين . والأخذ بالروحانيات وحدها يفقد المسلم قدرته
على العمل لعمارة الكون الذي أراد الله عمارته ، وتصرف جهوده كلها إلى
العمل للآخرة دون أن يكون له نصيب في عمارة الدنيا كما قال تعالى : {
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ
نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } . وقال تعالى حكاية عن المؤمنين من صالحي
العباد : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } .
والصوم
تدريب على الروحانيات وكبح لجماح النفس عن الملذات والشهوات المباحة مدة
من الزمن يأخذ المسلم فيها دروسا عملية لمعاجة الروحانيات والأخذ في
مضمارها لكيلا تطغى المادة على نفسه وليخلص من صومه وقد بلغ مستوى أرفع في
تعشق المثل العليا والسير على مناهج الصالحين والأخذ في دوربها .
والصوم
بطبيعته يحد من طغيان المادة ويعطي للبدن فرصة للتخلص من أوضارها ويرتفع
بنفسية الصائم وروحه لكي تصبح أشبه بملاك من حيث الطهر والعفاف والتصون عن
الإسفاف .
وصوم رمضان تجربة عملية للأخذ في مدارج التكمل الذاتي والروحي شهرا كاملا
من مجموعة شهور العام الاثنى عشر شهرا .
وخص
شهر رمضان بالصيام لأنه كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « سيد
الشهور » ، ولما اقترن به من مزايا أفضلها نزول القرآن كتاب هداية وإرشاد
وهو دستور عالمي صالح لكل زمان ومكان . قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ
الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } .
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يبشر به أصحابه ويقول : « قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله
عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار ، وتغل فيه
الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم » . وفي حديث
أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
« من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » . رواه أحمد
وأصحاب السنن .
وجاء في الترهيب عن الفطر في رمضان استهتارا ولغير عذر
، في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- قال : « عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة ، عليهن أسس الإسلام من ترك
واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة
المكتوبة وصوم رمضان » .
وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة
رخصها الله لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه » . رواه أبو داود وغيره .
ذلك لأن رمضان ليس له مثيل في فضله وشرفه ومزاياه .
فصل الصيام :
ورد في فضل الصيام أحاديث كثيرة نذكر منها ما يأتي :
أولا
: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
« قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فانه لي ، وأنا أجزي به
، والصيام جنة - بضم الجيم ، أي وقاية من المعاصي - فإذا كان يوم صوم
أحدكم فلا يرفث - أي لا يفحش في القول - ولا يصخب - أي لا يرفع صوته حتى
بالكلام المباح أدبا مع الصيام - ولا يجهل - أي لا يتجنى على أحد بسباب أو
قتال - ، فإن شاتمه أحد ، أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم ، والذي نفس
محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك - والخلوف تغير
رائحة الفم بسبب الصوم - للصائم فرحتان يفرح بهما : إذا أفطر فرح بفطره ،
وإذا لقي ربه فرح بصومه » . أي بالجزاء العظيم الكريم على الصيام ، رواه
أحمد والنسائي ومسلم .
ثانيا : حديث عبد الله بن عمر أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال : « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول
الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه . ويقول القرآن
: منعته النوم فشفعني فيه فيشفعان » . رواه أحمد .
ثالثا : حديث أبي
أمامة قال : « أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : مرني بعمل
يدخلني الجنة . قال : " عليك بالصوم ، فإنه لا عدل له " . ثم أتيته ثانية
فقال : " عليك بالصوم لا مثل له » .
رابعا : حديث سهل بن سعد أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - قال : « إن للجنة بابا يقال له الريان . يقول يوم
القيامة أين الصائمون فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب » . رواه البخاري
ومسلم .
ثبوت هلال رمضان :
ويثبت هلال رمضان برؤية شخص واحد عدل ،
فإن لم تكن رؤية فبإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما ، لقوله - صلى الله عليه
وسلم - : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان
ثلاثين يوما » رواه البخاري ومسلم .
على من يجب الصوم :
يجب
الصوم على المسلم العاقل البالغ الصحيح المقيم . قال تعالى : { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } أي فرض عليكم
الصيام { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ }{ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا
أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فالمريض والمسافر بنص
هذه الآية رخص الله لهما في الفطر لعذر السفر والمرض مع قضاء الصوم من
سائر أيام العام ، على أن لا يؤخر القضاء حتى يأتي رمضان آخر لغير عذر .
ويجب
الفطر حتما والقضاء من أيام أخر على الحائض والنفساء ، فالصوم منهما لا
يصح ، لحديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت : « كنا نحيض على
عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء
الصلاة » .
صوم الحبلى والمرضع :
أما صوم الحبلى والمرضع فصحيح ،
إلا أن الشرع رخص لهما في الفطر مع القضاء والفدية إن خافتا على ولديهما .
وقيل عليهما القضاء ولا فدية سواء خافتا على ولديهما أو على نفسيهما .
من يسقط عنه الصوم وتجب عليه الكفارة :
يسقط
الصوم وتجب الكفارة على الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لعجزهما عنه ، وفي
حكمهما المريض الذي لا يرجى برؤه . ويجب على هؤلاء الكفارة وهي إطعام
مسكين عن كل يوم طعاما يشبعه ، وكان أنس بن مالك - رضي الله عنه - عندما
كبر وعجز عن الصوم يصنع ذلك . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : « رخص
للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوما مسكينا ولا قضاء عليه » .
الأيام التي يحرم صيامها :
الأيام
التي يحرم صيامها هي يوما العيدين ، عيد الفطر وعيد الأضحى لقول عمر - رضي
الله عنه - « إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام هذين
اليومين . أما يوم الفطر ففطركم من صومكم ، وأما يوم الأضحى فكلوا من
نسككم » . رواه الإمام أحمد .
الأيام المنهي عن صيامها :
نهى الشارع عن صيام أيام عينها ، وأوضح السبب والحكمة في النهي عن صيامها
وهي :
1
- أيام التشريق ، وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد النحر لما روى أبو
هريرة « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن حذافة يطوف
في منى : ألا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله » .
2
- إفراد يوم الجمعة بالصوم لأنه عيد الأسبوع ، والنهي عن صيامه للكراهة لا
للتحريم . ففي الصحيحين من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال : « لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم
» .
3 - النهي عن صوم يوم السبت لأن اليهود يعظمونه .
4 - النهي عن
صوم يوم الشك لقول عمار بن ياسر - رضي الله عنه - : « من صام اليوم الذي
يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم » - ) . ويوم الشك هو
اليوم الذي لا يعلم أهو من رمضان أم من شعبان .
وقت الصيام :
يبدأ
وقت الصيام من طلوع الفجر الثاني وينتهي بغروب الشمس قال تعالى : {
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } أي حتى يبدو نور النهار في
ظلمة الليل { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } أي أكملوا صوم
النهار إلى أن يبدو ظلام الليل بغروب الشمس .
الصوم في البلاد التي يطول فيها النهار ويقصر فيها الليل :
الصوم
في البلاد التي يطول فيها النهار عن الأيام المعتادة ويقصر فيها الليل
كبلاد القطبين ، أو العكس التي يقصر فيها النهار ويطول فيها الليل ، تقدر
ساعات الصوم على أقرب بلاد إليهم ، فإذا كان نهار الصوم فيها مثلا سبع
ساعات أو أكثر يصوم أهل القطبين هذه الساعات ثم يفطرون ويحسبون ليوم آخر .
تبييت نية الصوم :
يشترط
للصيام تبييت النية من الليل ، أي قبل أن يطلع فجر يوم الصيام كل ليلة من
رمضان ، لحديث صفية قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من
لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له » . ومعنى يجمع الصيام أي يحكم
العزم عليه . وتصح النية في أي جزء من أجزاء الليل . والنية عقد القلب لا
دخل للسان فيها . وحقيقتها قصد الفعل فمن تسحر بالليل قاصدا الصيام تقربا
إلى الله وقياما بفريضة الله فقد نوى وصح صيامه .
السحور : يستحب
للصيام السحور ، وهي الأكلة التي يتناولها من يعتزم الصيام وقت السحر
لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « عليكم بالسحور فإنه الغذاء المبارك » .
وأثره تقوية الصائم وتهوين الصيام عليه . ويكفي في السحور ولو جرعة ماء
لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « السحور بركة فلا تدعوه ، ولو أن يجرع
أحدكم جرعة ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين » .
ويسن تأخير السحور وتعجيل الفطور لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا
تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور » .
ولو
شك من يريد الصيام في طلوع الفجر فله أن يأكل أو يشرب حتى يستيقن طلوع
الفجر . قال رجل لابن عباس - رضي الله عنهما - ، تسحرت فإذا شككت أمسكت ؟
فقال ابن عباس : ( كل ما شككت حتى لا تشك ) ، أي حتى يستقر في نفسك أنك
متيقن لا شاكا في طلوع الفجر .
ما يبطل الصيام :
يبطل الصيام ما يأتي :
1 - الأكل والشرب عمدا .
2
- القيء عمدا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من ذرعه القيء - أي غلبه -
فليس عليه قضاء . ومن استقاء - أي تعمد القيء واستخرجه عمدا - فليقض » .
3 - الحيض والنفساء .
4 - الاستمناء بأي وسيلة من الوسائل يبطل الصوم ويوجب القضاء .
5
- والأكل والشرب والجماع مع الظن في غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر مفسد
للصوم وموجب للكفارة والكفارة على الترتيب ، إما عتق رقبة فإن عجز فصيام
شهرين متتابعين فإن عجز فإطعام ستين مسكينا . فعن أبي هريرة - رضي الله
عنه - قال : « جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هلكت يا
رسول الله ، قال : " وما أهلكك ؟ " قال : وقعت على امرأتي في رمضان . قال
: " هل تجد ما تعتق رقبة ؟ " قال لا . قال : " فهل تستطيع أن تصوم شهرين
متتابعين ؟ " قال : لا . قال : " فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ " قال :
لا » . الحديث .
الواجب والمستحب للصائم :
يجب على الصائم صيانة
صيامه باجتناب الغيبة والنميمة والكذب ، والشتم، وقول الزور ، وشهادة
الزور لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من لم يدع قول الزور والعمل به
فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه . فإن شاتمه أحد أو خاصمه فليقل إني
صائم » .
ويسن له كثرة قراءة القرآن وذكر الله والصدقة والاجتهاد في
العبادة وخاصة في العشر الأواخر من رمضان لقول أم المؤمنين عائشة - رضي
الله عنها - : « كان يجتهد - وتعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره » . وروى البخاري ومسلم عنها
- رضي الله عنها - « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل العشر
الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر » أي تفرغ للعبادة ؛ لأن في
ليالي العشر الأخيرة وأوتارها تطلب ليلة القدر التي تفضل العبادة فيها
عبادة ألف شهر كما قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ }{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }{ لَيْلَةُ
الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ }{ سَلَامٌ هِيَ
حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : « من قام ليلة القدر - أي أحياها في
العبادة - غفر له ما تقدم من ذنبه » .
الاعتكاف : الاعتكاف مسنون كل وقت بنية غير أنه في العشر الأواخر من رمضان آكد وهو لزوم المسجد لطاعة الله وذكر الله والاشتغال بالقرب وقطع الصلة بالناس ، ويبدأ زمن الاعتكاف في أولى ليالي العشر وينتهي بانتهاء آخر يوم من رمضان ليلة العيد .
الحلقة الثانية عشرة
الركن الخامس من أركان الإسلام ( حج بيت الله الحرام ):
أيها المسلم المعتز بدينه ، أيها الحاج بين جموع الوافدين:
إنها
لنعمة عظيمة أن من الله عليك بتلبية دعوة أبيك إبراهيم الخليل - عليه وعلى
نبينا المصطفى أفضل الصلاة والتسليم - لحج بيت الله المقدس . فكم من مؤمل
ذلك حال دون أمله قصر الأجل ، وكم من مستشرف لمشاهدة هذه الرحاب المقدسة
والوقوف على مشاعر الحج المعظمة لم يظفر ببغيته ولم يصل إلى غايته .
فهنيئا لك هذا القرب والوصال ، وهنيئا لك بالسعادة وبلوغ الآمال .
والحج
أيها المسلم فريضة تأتلف فيها مصالح المسلمين ، وتجتمع منافعهم وتجدد
الروابط بينهم ، وتصدق العزائم عند اللقاء الكريم لقاء الأخ بأخيه في رحاب
البلد الأمين ، وذلك ما تشير إليه الآية الكريمة التي يخاطب الله بها
خليله إمام الحنفاء حين بنى البيت المعظم قال تعالى : { وَأَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ
مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } .
وفرض
الحج على المسلم في العمر مرة رحمة به ودفعا للحرج عنه . ففي حديث أبي
هريرة - رضي الله عنه - قال : « خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فقال : " يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا " . فقال رجل أكل
عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ، أي ردد الرجل السؤال على
الرسول ثلاث مرات . ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : " لو قلت نعم لوجبت
ولما استطعتم » . الحديث .
ومنه أنه في العمر مرة لا يجب إلا على البالغ العاقل الحر المستطيع ،
والاستطاعة تتحقق بما يأتي :
1
- صحة البدن والقدرة على الركوب . فإن كان من يعتزم الحج مريضا أو شيخا
كبيرا لا يستطيع الركوب ومشقات السفر ، أو مريضا مرضا لا يرجى برؤه أقام
من يحج عنه .
2 - أمن الطريق بحيث يسير فيه الحاج آمنا على نفسه وماله .
3 - الحصول على الزاد والراحلة الصالحة لمثله ، وأن يكفي أهله ومن يعولهم
مؤونة النفقة حتى يعود من أداء الحج .
فإذا
تيسر كل ذلك فعليه أن يبادر بالحج خشية أن يعتريه ما يشغله من مرض وحاجة .
كما جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قال : « من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة » .
ويشترط
لحج المرأة أن يصحبها محرمها وهو زوجها ، أو من تحرم عليه أبدا كالأب
والابن والأخ وغيرهم من محارمها ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا
يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم . ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم » .
ويشترط
لمن يحج عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام لحديث ابن عباس - رضي
الله عنهما - « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يقول : لبيك
عن شبرمة . فقال : " أحججت عن نفسك ؟ " قال : لا . قال : " فحج عن نفسك ثم
حج عن شبرمة » .
فضل الحج والعمرة :
روي في فضل الحج والعمرة أحاديث
عن خير الورى - صلى الله عليه وسلم - نجتزئ منها بذكر اليسير ليكون حافزا
للقيام بهما والمتابعة بينهما كسبا لأجرهما فمن ذلك :
أولا : حديث
عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال : « تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي
الكير خبث الذهب والفضة . وليس للحجة المبرورة جزاء إلا الجنة » . رواه
النسائي والترمذي .
ثانيا : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما
، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة » . رواه البخاري ومسلم .
ثالثا
: حديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
« هذا البيت ، أي بيت الله ، دعامة الإسلام . فمن خرج يؤم هذا البيت من
حاج أو معتمر كان مضمونا على الله إن قبضه أن يدخله الجنة ، وإن رده بأجر
وغنيمة » .
رابعا : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول -
صلى الله عليه وسلم - : « من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه »
رواه البخاري ومسلم .
ما يجب للنفقة في الحج :
ويجب أن تكون نفقة
الحج من مال حلال ؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا . وأن يقصد الحاج بحجه
لا الرياء والسمعة فإنهما يتنافيان مع الإخلاص في العبادة .
المواقيت
للحج
مواقيت زمانية ، وهي مواعيد يفد الحاج فيها على الله ولبلد الله للحج ،
فلا يصح الحج في غيرها - أوضحها الله سبحانه بقوله : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُومَاتٌ } أي وقت أعمال الحج أشهر معلومات وهي شهر شوال وشهر ذي
القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة . أو شهر ذي الحجة بتمامها على قول لبعض
الأئمة - رحمهم الله - .
أما المواقيت المكانية فهي المواضع التي يمر
عليها الحاج ويحرم منها للحج أو العمرة ومن كان بعيدا عنها أو طريقه لا
يأتي عليها أحرم إذا حاذاها ، وقد أوضحها ابن عباس فيما يرويه عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول : « وقت رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - لأهل المدينة ( ذا الحليفة ) ولأهل الشام ( الجحفة ) ، ولأهل نجد (
قرن المنازل ) ، ولأهل اليمن ( يلملم ) » .
وقال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - : « هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج
والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون منها » أي من كان
بمكة وأراد الحج فميقاته من منزله . وإن أراد العمرة فميقاته أن يخرج إلى
الحل وأدنى الحل التنعيم .
وقت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي
الله عنه - لأهل العراق ( ذات عرق ) وفي رواية عن أم المؤمنين عائشة - رضي
الله عنها - : « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ( ذات
عرق ) » . رواه أبو داود والنسائي .
حج الصغير :
تقدم في شروط وجوب
الحج البلوغ - أي بلوغ الحلم وهو سن التكليف - ومن كان دون ذلك فليس عليه
حج ، وإن حج صح منه ، إلا أنه لا يجزئ عن حجة الإسلام ؛ لقول ابن عباس -
رضي الله عنهما - : ( أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى )
وبلوغ الحنث أن يصبح مكلفا يكتب عليه ما أثم فيه .
الإحرام :
الإحرام هو أن ينوي من يريد الحج الدخول في نسك الحج والعمرة ولا يصح الحج
أو العمرة إلا بهذه النية ، والنية محلها القلب .
ويتجرد
من يريد الحج أو العمرة إذا وصل إلى الميقات من ثيابه ويتنظف ويتطيب
ويغتسل ويلبس رداء - وهو ما يلف به النصف الأعلى من البدن دون الرأس -
وإزارا ، وهو ما يلف به النصف الأسفل منه . فإذا لم يجد إزارا فليلبس
السراويل ، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين ، بذلك خطب النبي - صلى
الله عليه وسلم - بعرفة كما جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في
البخاري ومسلم .
ويسن أن يكون لباس الإحرام عقب صلاة ، ولو صلى من
يريد الإحرام ركعتين بهذه النية كان أفضل ، لقول ابن عمر - رضي الله عنهما
- : « كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يركع بذي الحليفة ركعتين » ، وذو
الحليفة هو المكان الذي أحرم منه النبي صلى الله عليه وسلم .
وإحرام
المرأة كالرجل ، إلا أنه يباح لها لبس المخيط ، وعدم التجرد وتجتنب تغطية
وجهها لقول بعض السلف ، إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها ،
فتضع الثوب فوق رأسها وتسدله على وجهها ، لمرور الرجال قريبا منها ،
وتجتنب الطيب والنقاب والقفازين لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء
في إحرامهن من القفازين والنقاب ، وما مس الورس والزعفران من الثياب .
ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب والحرير والحلي والسراويل
والأقمصة والخفاف . أنواع الإحرام : الإحرام - أي الدخول في النسك ثلاثة
أنواع :
أولا : الإفراد .
ثانيا : التمتع .
ثالثا : القران .
وكلها
جائزة مشروعة لقول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - : « خرجنا مع رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ومنا من
أهل بحج وعمرة ، ومنا ومن أهل بالحج » . الحديث .
القران :
القران
فهو أن يحرم من يريد الحج من الميقات بالحج والعمرة معا - ويقول عند
التلبية : لبيك بحج وعمرة . ويقتضي ذلك أن يبقى القارن بإحرامه إلى أن
يفرغ من العمرة والحج ، وهذا إذا ساق الهدي لقوله - صلى الله عليه وسلم -
: « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة » .
أما
إذا لم يسق الهدي فله أن يتحلل من إحرامه أسوة بأصحاب رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - الذين قدموا معه في حجة الوداع قارنين ولم يسوقوا هديا .
وإذا أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف فهو قارن أيضا .
الإفراد :
أما
الإفراد فهو أن يحرم من يريد الحج من الميقات بالحج ، ويقول تلبيته : لبيك
بحج . ويبقى محرما إلى ما بعد الحج ، ثم يحرم بالعمرة بعده إن شاء ، إن لم
يكن قد أدى عمرة الإسلام وإن كان سبق له أداؤها فهو مخير إن شاء أتى بعمرة
نافلة وإن شاء انصرف إلى أهله .
التمتع :
أما التمتع فهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، ثم يحج في ذلك العام وعليه
دم للتمتع - ذبيحة يذبحها يوم العيد بمنى أيام التشريق .
وأهل
المسجد الحرام ، أي سكانه ومن كانوا في حدود الحرم ، إذا خرجوا من مكة ثم
دخلوها معتمرين في أشهر الحج فليس عليهم دم متعة ، لقوله تعالى : { ذَلِكَ
لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } .
والقارن
كالمتمتع في وجوب الدم ، فإن لم يجداه أو صاما ثلاثة أيام في العشر الأول
من ذي الحجة وسبعة إذا رجعا إلى بلدهما ، لقوله تعالى : { فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ } أي الهدي أو ثمنه - { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ
وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } .
طواف القارن والمفرد :
نقل
الإجماع عن جمهور العلماء أنه يكفي القارن طواف واحد وسعي واحد للحج
والعمرة ، ومثله المفرد لقول جابر - رضي الله عنه - : « قرن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - الحج والعمرة وطاف لهما طوافا واحدا » . رواه
الترمذي .
أما المتمتع فعليه أن يطوف طوافين ، ويسعى سعيين ، خروجا عن
الخلاف ، يطوف ويسعى للعمرة أولا ثم يطوف طواف الإفاضة بعد الحج ويسعى سعي
الحج .
التلبية :
وشعار الحج التلبية فقد جاء في الحديث : « أفضل
الحج العج والثلج » أما العج فهو رفع الصوت بالتلبية ، وأما الثج فإراقة
دماء الهدي ، ولفظها : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد
والنعمة لك ، والملك لا شريك لك .
روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله
عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ما من محرم يضحي
يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمه » . ويستحب
رفع الصوت بها إلا للنساء فتلبي المرأة بقدر ما تسمع جارتها .
ويبدأ
المحرم بالتلبية من حين يدخل في الإحرام إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم
النحر ، « فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي في حجه حتى
بلغ جمرة العقبة » .
محظورات الإحرام :
المحظور هو الممنوع فعله في
الإحرام ، ويكاد ينحصر في تسعة أشياء : حلق الشعر من الرأس أو من جميع
البدن لغير عذر ، وتقليم الأظافر ، وتغطية رأس الرجل بملاصق ، ولبس المخيط
، والطيب في البدن ، وقتل صيد البر أو اصطياده ، وعقد النكاح ولا يصح لما
روى مسلم عن عثمان - رضي الله عنه - مرفوعا : « لا ينكح المحرم ولا ينكح »
، والجماع والمباشرة دون الفرج .
فيخير مرتكب المحظور في الإحرام في
حلق الشعر وتقليم الأظافر والتطيب وتغطية الرأس ولبس المخيط بين صيام
ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة « لقوله - صلى الله عليه
وسلم - لكعب بن عجرة : " لعلك آذاك هوام رأسك ؟ " فقال : نعم يا رسول الله
. فقال : " أحلق رأسك ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو أنسك
شاة » .
وفي قتل الصيد - يخير بين ذبح مثله إن كان له مثل من النعم أو
يقوم المثل بدراهم يشتري بها طعاما فيطعم به المساكين ، أو يصوم عن كل مد
من البر يوما لقوله تعالى : { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ
} الآية ، وكذلك الذي لا مثيل له يقوم بدراهم ويشتري بها طعاما يتصدق به
على فقراء الحرم .
أما التطيب فإن تطيب عامدا ذاكرا لحجه فعليه الفدية ، أما إذا كان ناسيا
أو جاهلا بحرمته على المحرم فلا تلزمه الفدية .
ومثل
التطيب في الحكم تغطية الرأس ولبس المخيط دون حلق وتقليم ففيهما الفدية
مطلقا سواء عامدا أو ناسيا أو جاهلا ، والصحيح أنها تسقط الفدية في الجهل
والنسيان كفدية الطيب وتغطية الرأس ، قاله بعض محققي العلماء لحديث « عفي
لأمتي عن الخطأ والنسيان » واختاره ابن تيمية .
ويفسد الحج بالجماع
إن وقع ولو بعد الوقوف وقبل جمرة العقبة والحلق أو التقصير ويمضيان فيه ،
أي الرجل والمرأة في الحج الفاسد وعليهما ذبح بدنة لكل منهما إلا أن
المرأة المكرهة ليس عليها فدية ، والبدنة بعير أو بقرة ويقضيان الحج
الفاسد من عام قابل .
أما لو وقع الجماع بعد رمي جمرة العقبة ، والحلق أو التقصير ، فلا يفسد
الحج . ولكن على كل من الرجل والمرأة فدية وهي ذبح شاة .
أما
المباشرة دون الفرج فلا يفسد بها الحج وهي محرمة كسائر المحرمات ، إلا أن
على المباشر بدنة إن وقع منه إنزال وإن لم يقع فعليه ذبح شاة .
وفي حكم المباشرة التقبيل واللمس وتكرار النظر بشهوة والاستمناء .
أيها المسلم المستشعر في قرارة نفسه عظمة الله :
أيها
الحاج الوافد إلى حرم الله : الرحاب الطاهرة ، والبلد المقدس ، والبيت
العتيق ، ومشاعر الحج المعظمة كل أولئك مما يفرض على المسلم إذ يفد إليها
أن يعد العدة ليوم لقائها ويأخذ الأهبة لشرف القدوم عليها والحظوة برؤيتها
. إن يوم اللقاء يوم هناء وانشراح للصدر وتفتح للنفس وبهجة للقلب ، وأن من
إعداد العدة ليوم اللقاء وأخذ الأهبة لشرف القدوم إلى الرحاب الطاهرة
البلد المقدس ومشاهدة البيت العتيق والكعبة المشرفة التي جعلها الله قياما
لأمر الدين ورمزا لعبادة الله رب العالمين أن يغتسل القادم من بئر طوى (1)
المعروفة بهذا الاسم حتى الآن - وهي بئر بطرف المحلة المسماة ( جرول ) ثم
يدخل المسجد الحرام من جهة المعلاة لو تيسر لك ذلك ، وإلا فلا حرج عليه أن
يدخل من أي ناحية تيسر له الدخول منها . ويدخل من باب السلام وباب بني
شيبة في خشوع وخضوع ، ودعاء وتضرع ، فإذا وقع نظره على البيت ، بيت الله
رفع يديه إلى السماء قائلا : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما
ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا ،
اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام .
_________
(1) إن تيسر ذلك وإلا دخل المسجد الحرام ولا شيء عليه .
نقطة البدء في الطواف :
ثم يقصد الحجر الأسود فيقبله إن تيسر ، وإلا استلمه بيده ، فإن عجز عن ذلك
أيضا أشار إليه بيده .
والحجر
الأسود نقطة البدء في الطواف ، ثم يستقبله ويجعل البيت عن يساره . فإذا
أخذ في الطواف استحب له أن يرمل في الثلاثة الأشواط الأول ، أي يسرع في
المشي ويقارب بين خطاه - ويمشى مشيا كالمعتاد في بقية الأشواط الأربعة .
فإذا
لم يتمكن من الرمل لكثرة الزحام فليطف كيفما تيسر ولو بعيدا عن البيت ،
ويستحب له أن يستلم الركن اليماني بيده ، ويقبل الحجر الأسود أو يشير إليه
في كل شوط ، ويكثر من الدعاء والتضرع إلى الله وسؤاله من خيري الدنيا
والآخرة ، إذ ليس للطواف دعاء مخصوص يلزم الطائف أن يدعو به ونقل من
الدعاء المأثور بين الركنين : الركن اليماني والحجر الأسود { رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ } .
فإذا فرغ من الأشواط السبعة - يبدأ كل شوط من
الحجر الأسود وينتهي إليه - أتى المقام مقام إبراهيم وصلى خلفه ركعتين (1)
لقوله تعالى : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } وهذا
الطواف يسمى طواف القدوم للمفرد والقارن وطواف العمرة للمتمتع ، ويشترط
للطواف الطهارة من الحدث الأصغر .
الاضطباع والرمل في الطواف :
والاضطباع
هو جعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن ، وطرفيه على الكتف الأيسر . وهو سنة
في طواف العمرة ، وفي كل طواف يعقبه سعي في الحج . والاضطباع والرمل خاص
بالرجال دون النساء .
الشرب من ماء زمزم :
فإذا فرغ الحاج من طوافه
استحب له أن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه ، لما ثبت في الصحيحين « أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - شرب من ماء زمزم وقال : " خير الطعم وشفاء
السقم » . رواه الطبراني .
السعي بين الصفا والمروة :
_________
(1) إن تيسر له ذلك وإن لم يتيسر له صلى في أي مكان من الحرم .
فإذا فرغ الحاج أو المعتمر من طوافه خرج إلى الصفا لأداء السعي ، ولا يشترط الصعود على جبل الصفا بل يجب أن يتأكد الساعي أنه في طرف الجبل بصعود بعض أجزاء من المدرج الموضوع عليه . فإذا خرج من باب الصفا ودنا من المشعر قرأ : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } . أبدأ بما بدأ الله به ، فإن تيسر له صعود المدرج حتى يرى البيت ويتجه إليه فهو أفضل ، ثم يوحد الله ويكبر ويهلل ويدعو ، ويفعل ذلك ثلاث مرات ، ثم يهبط إلى الوادي ويمشي فيه داعيا الله تعالى . وقد نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله في السعي : « رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم » . فإذا حاذى الميلين المنصوبين بعد أن تنصب قدماه في الوادي قليلا هرول . أي أسرع في مشيه قليلا ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمل حتى أن مئزره ليدور من شدة السعي . والرمل خاص بالرجال دون النساء . ويحتسب الذهاب من الصفا إلى المروة بشوط واحد ومن المروة إلى الصفا كذلك ، فإذا تم السعي على هذا المنوال سبعة أشواط فقد فرغ الحاج والمعتمر من أعمال النسك ، ويتحلل من إحرامه بالحلق أو التقصير إن كان متمتعا ويبقى على إحرامه إن كان قارنا أو مفردا .
ولا يحل إلا يوم النحر . ويكفيه هذا السعي عن السعي بعد
طواف الإفاضة بعد الحج إن كان قارنا أو مفردا ، ويسعى مرة أخرى للحج إن
كان متمتعا ثم يبقى بمكة إلى يوم التروية مشتغلا بالعبادة ، والطواف وعمل
القرب إلى الله ، ويحرص على الصلاة جماعة في المسجد الحرام لمضاعفة الأجر
ولانتهاز الفرصة التي قد لا تتاح له مرة أخرى .
الخروج إلى منى يوم التروية :
يوم
التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة ، يسن للوافدين من حجاج بيت الله
أن يقصدوا منى في ضحوة اليوم الثامن ، القارن والمفرد يتوجه بإحرامه .
والمتمتع يحرم بالحج من الموضع الذي هو نازل فيه ، ويستحب الإكثار من
الدعاء والتلبية عند التوجه إلى منى ، بل في كل أوقات الحج ، وعند أداء
المناسك يستحب الذكر والتضرع إلى الله لقبول الحج وجعله مبرورا . فالحج
المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
والحج المبرور هو الحج البعيد عن
المآخذ والمحظورات ، والبعيد عن الرياء والسمعة ، الذي أخلص فيه الحاج لله
طلبا للجزاء الكريم الذي وعد به الرب جل جلاله المخلصين في عبادتهم الذين
قصدوا وجهه بأعمالهم ، ويصلي الحاج بمنى الصلاة الرباعية قصرا ، الظهر
والعصر والمغرب والعشاء يوم التروية ويصلي أيضا بها الفجر يوم عرفة ، ولا
يخرج من منى إلا بعد طلوع الشمس في اليوم التاسع ، ولو خرج الحاج من مكة
قبل أو بعد يوم التروية إلى منى أو قصد عرفة دون أن يلبث بمنى فلا حرج
عليه في ذلك . فإن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - لم تخرج من مكة
يوم التروية حتى دخل الليل ومضى ثلثه .
التوجه إلى عرفات :
ويقصد الحاج صباح اليوم التاسع عرفة ، يقطع الطريق في التلبية والتهليل والتكبير . « سئل أنس بن مالك - رضي الله عنه - وهو مع رفاقه في الحج ، كيف كنتم تصنعون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أي في ارتحالكم من منى إلى عرفات ؟ قال : كان يلبي الملبي فلا ينكر عليه ، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه ، ويهلل المهلل فلا ينكر عليه » . رواه البخاري وغيره . ويستحب النزول ( بنمرة ) والاغتسال عندها للوقوف بعرفة ودخول الحاج عرفة بعد الزوال وبعد صلاة الظهر والعصر قصرا وجمعا مع الإمام .
الحلقة الرابعة عشرة
يوم عرفة وفضله:
أيها المسلم المشفق من الذنوب والآثام .
أيها الحاج الراجي للمغفرة والرحمة والرضوان .
إنك
اليوم في ساحة الغفران وفي ضيافة ملك الملوك ، وحسبك به من رب كريم يعطي
الجزيل ويتجاوز عن الذنب العظيم . لبيك يا ربنا لبيك . إن يوم عرفة يوم
الغفران ، يوم التجليات والنفحات والرضوان ، يوم ينزل الرحمن فيه إلى سماء
الدنيا فيباهي بأهل الموقف ملائكته ويشهدهم سبحانه بالمغفرة والرحمة
لعباده ، وتلك هي أعظم ضيافة للحجيج وأعظم جائزة من الرب العظيم قديم
الإحسان .
في هذه الساحة الكبرى ، ساحة عرفات ، تسكب العبرات ، وتقال
العثرات ، ويجبر الكسر ، وتمحى السيئات ، فيا لعظيم من أخلص التوبة وأقبل
على الله في هذا اليوم ضاجا من الحوبة مستغفرا نادما على التفريط ويا
لعظيم من حظي بهذا الموقف فحظي بالغفران والرضوان ، إنها سعادة الأبد ليس
بعدها شقاوة إلا لمن عاود العصيان ، واغتر بحلم الملك الديان .
روى
الصحابي الجليل جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - : « ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة ، وما
من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء
الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ويقول - أي لملائكته - انظروا إلى
عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين ، جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا
عذابي ، فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة » .
وفي رواية لأم
المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
« ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عددا من النار من يوم عرفة ، وإنه
ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة » .
بدء وقت الوقوف بعرفة :
يبدأ
وقت الوقوف من الزوال في اليوم التاسع يوم عرفة إلى طلوع فجر اليوم العاشر
يوم العيد ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر مناديا ينادي : الحج عرفة من
جاء ليلة جمع - أي ليلة المزدلفة - إلى عرفات قبل طلوع الفجر فقد أدرك ،
أي أدرك الحج . وهو ، أي الوقوف بعرفة أعظم أركان الحج .
ويجزئ
الوقوف في أي جزء من حيث يبتدئ الزوال إلى طلوع فجر يوم العيد ، غير أنه
لو وقف الحاج بالنهار وجب عليه أن يستمر في وقوفه إلى ما بعد المغرب ،
اقتداء بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وخروجا من الخلاف ، فإن
بعض الأئمة - رحمهم الله - يبطل حج من نفر من عرفة نهارا ولم يعد للوقوف
جزءا من الليل .
والمقصود بالوقوف الحضور . فلو حضر الحاج إلى عرفة وقت
الوقوف ولو نائما أو مريضا أو كان قاعدا أو مضجعا أو ماشيا صح حجه حتى
الحائض والنفساء والجنب .
استحباب الوقوف عند الصخرات :
صح « أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف عند الصخرات أسفل جبل الرحمة وقال :
وقفت ههنا ، وعرفة كلها موقف » أي لا يشترط الوقوف عند الصخرات . ففي أي
جزء من عرفة وقف الحاج أجزأه ، ومن ثم تبدو سماحة الدين وواقعيته ويسره
ورفعه الحرج عن هذه الأمة المرحومة ، إذ لو كان الوقوف عند الصخرات من
شروط الحج لما وسع هذا الحيز عموم الحجيج ولأضحى على الأمة من الحرج
والعنت والمشقة ما يعجزهم ويكرثهم . وحتى صعود جبل الرحمة ليس بسنة ولا
يترتب عليه فضل أو مزيد من الأجر ، ولو تيسر للحاج الاغتسال قبل الوقوف
كان أفضل فهو سنة .
ويقف الحاج في عشية عرفة ، تلك العشية المباركة متضرعا خاشعا
ملبيا مستغفرا داعيا لنفسه ولمن يحب بخيري الدنيا والآخرة .
وليس لعرفة دعاء مخصوص ، بل يدعو الحاج بكل ما جال في نفسه ودار في خلده
مما يشعر بحاجته إليه وفيه صلاح حاله ومآله .
ولقد
كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة : « لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير » . وصح عنه -
صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « خير ما قلت أنا والنبيون قبلي لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير » .
ووردت أدعية مأثورة لو دعا بها الحاج لكان فيها خير وبركة بالإضافة إلى
التلبية والتهليل والاستغفار .
الإفاضة من عرفة :
إذا غربت الشمس
يوم عرفة أفاض الحجيج إلى مزدلفة في سكينة ووقار لقوله - صلى الله عليه
وسلم - عندما لحظ سرعة الناس في المسير : « أيها الناس عليكم السكينة فإن
البر ليس بالإيضاع » أي بالإسراع .
وتستحب التلبية والتكبير
والتهليل وذكر الله تعالى لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي
حتى رمى جمرة العقبة . فإذا وصل الحاج إلى المزدلفة صلى بها المغرب
والعشاء ركعتين بأذان واحد وإقامتين ، لا يفصل بينهما بنافلة ، ويبيت بها
حتى يصلي الفجر أول وقتها لحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - « أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى المزدلفة صلى المغرب والعشاء ثم
اضطجع حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر ثم ركب القصواء - أي ناقته - حتى أتى
المشعر الحرام ، ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، ثم دفع - أي إلى منى - قبل
طلوع الشمس » ، أي لم يزل واقفا يدعو الله تعالى ويذكره في موقفه .
وأفضل
الوقوف ما كان بجوار المشعر الحرام ، وفي أي بقعة وقف الحاج من مزدلفة
أجزأه ذلك ، فعن علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - « أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - لما أصبح بجمع ، أي بالمزدلفة ، أتى قزحا - وهو الجبل الذي في
المشعر الحرام - ووقف عليه وقال : " هذا قزح ، وهو الموقف وجمع كلها موقف
» . أي المراد بالوقوف الحضور . قال تعالى : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ
عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } .
وللحاج
أن يدفع من المزدلفة إلى منى بعد نصف الليل وإن كان من أهل الأعذار ، لقول
ابن عباس - رضي الله عنهما - : « ( كنت فيمن قدم النبي - صلى الله عليه
وسلم - في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى ) » متفق عليه ، ويلتقط الحاج
الحصى من المزدلفة لفعل ابن عمر - رضي الله عنهما - ، ويصح التقاطه من أي
مكان ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابن عباس : هات التقط لي .
ولم يعين له الموضع .
وقبل طلوع الشمس يدفع الحاج من المزدلفة قاصدا
منى مارا في طريقه بوادي محسر . وهو الوادي الذي أهلك الله فيه أصحاب
الفيل الذين قدموا من الحبشة لهدم الكعبة ، فكانوا عبرة إلى الأبد ، يمر
الناس بموضع هلاكهم فيتعظون بمصيرهم ، ويسرع قليلا في هذا الوادي بقدر
رمية حجر ، ثم يسلك الطريق الوسطى التي توصله إلى جمرة العقبة ، فيرميها
بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة رافعا يده اليمنى قائلا : الله أكبر ، اللهم
اجعله حجا مبرورا ، وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا .
ويقطع التلبية إذا شرع
في الرمي ، ووقت الرمي لجمرة العقبة بعد طلوع الشمس ؛ لأن النبي - صلى
الله عليه وسلم - رماها ضحى ، ورخص للضعفة وذوي الأعذار في الرمي بعد
منتصف ليلة النحر .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - « أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - رخص لرعاة الإبل أن يرموا بالليل » . وهكذا كل صاحب
عذر يسعه ذلك .
أما مقاس الحصى التي ترمى به الجمار فهو مثل حصى الخذف
متوسط الحجم بين حجم حبة الفول والحمص ، « لقول رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - عندما التقط له ابن عباس الحصى قال : بأمثال هؤلاء - أي فارموا -
وإياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين » .
ذبح الهدي :
فإذا
فرغ الحاج من رمي جمرة العقبة قصد المنحر ونحر هديه أو ذبحه أو ينيب من
ينحره أو يذبحه عنه . وليس للذبح مكان مخصوص بل كل منى منحر غير أن النحر
في جهة مخصوصة أضمن للانتفاع بما يذبح ، أكلا وتصدقا ؛ لئلا يذهب اللحم
دون جدوى ، وتنبعث منه الروائح الكريهة فتقض مضاجع الحجيج ، وذلك ما
يتنافى مع حكمة الإسلام في ذبح الهدي أو الضحايا والتوسعة بها على فقراء
الحرم ، ويتنافى أيضا مع شرعة الإسلام من النظافة للمسلم فالإسلام دين
النظافة .
الحلق أو التقصير :
وبعد الفراغ من نحر أو ذبح الهدي
يحلق الحاج أو يقصر رأسه والحلق أفضل لما روي أن « النبي - صلى الله عليه
وسلم - دعا للمحلقين ثلاثا فقال : رحم الله المحلقين » - ويقتصر النساء
على التقصير .
وبرمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير يتم للحاج التحلل
الأول أو التحلل الأصغر ، ويباح له ما كان محظورا عليه بإحرامه من تغطية
الرأس ولبس الثياب والطيب وغيرها من المحظورات إلا النساء لقوله - صلى
الله عليه وسلم - : « إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا
النساء » .
طواف الإفاضة :
ثم يقصد الحاج مكة لطواف الإفاضة ، وهو
ركن من أركان الحج . ثم يصلي ركعتي الطواف خلف المقام . فإن كان مفردا أو
قارنا ولم يكن سعى مع طواف القدوم فعليه أن يسعى بين الصفا والمروة .
وإن كان قد سعى أول قدومه أجزأه سعيه الأول وإن كان متمتعا سعى أيضا ،
وبطواف الإفاضة يباح للحاج كل محظور حتى النساء .
العودة إلى منى والمبيت بها :
ثم
يعود إلى منى من يومه ، فيبيت بها ليالي أيام التشريق . فإذا زالت الشمس
من وسط السماء أي بعد دخول وقت الظهر للأيام الثلاثة ، أيام التشريق أخذ
في رمي الجمار الثلاث الصغرى والوسطى وجمرة العقبة .
أما الجمرة
الصغرى فهي التي تلي مسجد الخيف ، ويبدأ بها الرمي فيرميها بسبع حصيات ،
يكبر مع كل حصاة ، ثم يتأخر عنها قليلا ويستقبل القبلة ويدعو الله سبحانه
بما أراد . ثم يتقدم إلى الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات ويتأخر ويدعو
مستقبلا القبلة . ثم يذهب إلى جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات أيضا وينصرف
ولا يقف عندها للدعاء ، وكذلك يفعل في الأيام الثلاثة الحادي عشر والثاني
عشر والثالث عشر .
ويصلي الصلوات المكتوبة في أيام منى جماعة قصرا اتباعا للسنة .
فإن
تعجل في النفر من منى إلى مكة في اليوم الثاني عشر فلا إثم عليه وإن تأخر
إلى اليوم الثالث عشر فهو أفضل وأكمل . قال تعالى : { فَمَنْ تَعَجَّلَ
فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ
عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى } .
وبانتهاء الحديث عن الركن الخامس من
أركان الإسلام أيها المسلم والحاج الذي وفقه الله لأداء فريضة الإسلام
وتفضل عليه بزيارة بيته المعظم وشرفه بالوقوف على المشاعر المعظمة . .
بانتهاء الحديث عن الحج تنتهي هذه التوجيهات الإسلامية التي كتبتها إليك
الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد قياما
بواجب النصح والإرشاد ، إذ من حق المسلمين عليها ذلك ، وتذكيرا بما افترضه
الله على العباد من العلم بأصول الدين وقواعده التي لا يعذر الجاهل بها ،
وعليه أن يجتهد في معرفتها وتعلمها ، فهي رأس مال المسلم . وإذا خسر المرء
رأس ماله فقد ضاع منه كل شيء .
نسأل الله أن ينفع بها وأن يتقبل من
الحجيج حجهم ويجعله حجا مبرورا إنه أكرم مسؤول ، وصلى الله على صفوة الخلق
سيدنا محمد نبي الرحمة وعلى آله الطيبين وصحبه البررة الكرام ، والحمد لله
رب العالمين .
تتمة
طواف الوداع:
أيها الحاج الذي برح به
الشوق إلى بلاده والحنين إلى أهله وأولاده بعد أن من الله عليه بأداء نسكه
والقيام بحج البيت الحرام ركن الإسلام الذي يمحص الله به الذنوب والآثام ،
أرأيت لو أنك وفدت على ملك من ملوك الدنيا - ولله المثل الأعلى - فأكرم
وفادتك وأصبت من نواله الشيء الكثير ، أوليس من الأدب معه إذا رغبت في
مبارحة رحابه أن تستأذن منه في الانصراف ، وتتلطف في الاستئذان ؟ .
إن
رب العباد وملك الملوك قد أسبغ عليك نعمه ، وأفاض عليك من فضله ووصلك وأقر
عينك برؤية بيته ، فعليك أن لا تغادر مكة بلد الله إلا بعد توديع بيته
وسؤاله ألا يجعل حجك وعمرتك آخر العهد به وعليك أن تتلطف في الاستئذان
بالانصراف عن هذه الرحاب الطاهرة وتضرع إلى الله في طوافك بالبيت طواف
الوداع أن يرضى عنك ويردك إلى بلدك ويصحبك العافية في بدنك والصحة في جسمك
والعصمة في دينك وأن يحسن منقلبك وأن يجمع لك بين خيري الدنيا والآخرة .
وليكن طواف الوداع آخر ما تصنعه فلا تشتغل بعده بشيء من أمور الدنيا بل
امض إلى سبيلك واستأنف سيرك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا ينفرن
أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت » .
فإن عدت إلى الدار أو اضطرتك
الظروف للتخلف بعد طواف الوداع فعليك أن تعيده ، وقد رخص للحائض والنفساء
إذا طافتا طواف الإفاضة أن تنفرا دون أن تطوفا طواف الوداع .
ويستحب
الدعاء في طواف الوداع بالدعاء المأثور عن ابن عباس - رضي الله عنهما -
ومنه : ( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من
خلقك وسترتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك ، وأعنتني على أداء
نسكي فإن كنت رضيت عني فازدد رضا ، ولا فمن الآن فارض عني ، قبل أن تنأى
عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا
راغبا عنك ولا عن بيتك ) .
اللهم فاصحبني العافية في بدني ، والصحة في
جسمي ، والعصمة في ديني وأحسن منقلبي ، وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي
خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير .
حجة الوداع :
حجة الوداع
هي الحجة التي ودع فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وهو يؤدي
المناسك ويقول : « خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا » وكانت
سنة عشر من الهجرة .
وقد ابتدأ المرض برسول الله - صلى الله عليه
وسلم - في أواخر شهر صفر سنة إحدى عشر وتوفي - صلى الله عليه وسلم - يوم
الإثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول .
وقد وردت أحاديث
كثيرة في وصف حجته - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع ، ومن أجمع الأحاديث
فيها حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وفيه شمول لا يوجد في غيره
لذلك آثرنا أن نسرده في ذيل هذه التوجيهات ليكون مسك الختام .
عن جابر
بن عبد الله - رضي الله عنهما - « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حج
فخرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس . فقال النبي -
صلى الله عليه وسلم - : " اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي " . وصلى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به على
البيداء أهل بالتوحيد " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك لك " .
حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم أتى مقام إبراهيم فصلى ورجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } أبدأ بما بدأ الله به " فرقى الصفا حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو كل شيء قدير لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده " ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات ثم نزل من الصفا إلى المروة حتى انصبت قدماه قي بطن الوادي حتى إذا صعد مشى إلى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وركب - صلى الله عليه وسلم -فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس فجاز حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصل العصر ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل
واقفا حتى
غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ودفع وقد شنق للقصواء الزمام
حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله . ويقول بيده اليمنى : " يا أيها الناس
السكينة " فكما أتى جبلا أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى إذا أتى المزدلفة
فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم
اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب
حتى أتى المشعر الحرام . فاستقبل القبلة فدعا وكبر وهلل فلم يزل واقفا حتى
أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك
الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند
الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها - كل حصاة منها مثل حصى
الخذف - يرمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر » . رواه مسلم .
رمي الجمار في أيام التشريق :
عن
جابر - رضي الله عنه - قال : « رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
الجمرة يوم النحر ضحى ، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس » رواه مسلم .
وضعية رمي الجمار في أيام التشريق :
«
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات
يكبر على أثر كل حصاة ثم يتقدم فيسهل ويقوم مستقبلا القبلة ثم يدعو ويرفع
يديه ويقوم طويلا ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبلا
القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن
الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول : هكذا رأيت رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يفعله . » رواه البخاري .
وبهذا القدر المختصر من حديث جابر وابن عمر - رضي الله عنهم - نكتفي في
حكاية حجة الوداع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
الكعبة بيت الله المشرف :
لئن
اعتزت الأمم بتراث أسلافها وافتخرت بالآثار التي تصور عظمتها ، فإن من حق
الأمة الإسلامية أن تعتز بالتراث العظيم الذي خلفه إمام الحنفاء إبراهيم
خليل الله ، والأثر الخالد الذي يبقى بمرور الزمان يصور عظمة الإسلام رمزا
لعبادة الواحد الديان ، إنه بيت الله المشرف ، مركز الإشعاع الديني بناه
الخليل بأمر ربه ورفع قواعده على الإخلاص وطهر رحابه من الأرجاس كما قال
تعالى : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا
تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } .
أدوار بناء البيت :
لقد قص الله في
القرآن خبر قيام الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل ببناء البيت المشرف في
حرارة وإيمان وإخلاص وابتهال إلى الله ، بأن يتقبل منهما ما بذلاه من جهد
في بناء بيته قال تعالى : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ
مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
وعندما ارتفع البناء إلى القدر الذي لم
يعد في استطاعة إبراهيم أن يرفعه عنه جاءه إسماعيل بحجر ليقوم عليه ويأخذ
في رفع البناء ، وكان ينقل هذا الحجر من جهة إلى أخرى حتى انتهى البناء ،
وسمي هذا الحجر بمقام إبراهيم لقيامه عليه في دور البناء .
وعندما
انتهى الخليل إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل : ائتني بحجر يكون للناس
علما أي يبتدئون منه الطواف بالبيت فكلما أتاه بحجر قال : ائتني بأحسن منه
، وتقص بعض الروايات أن الحجر الأسود كان على جبل أبي قبيس جبل بمكة
المكرمة فجاء به جبريل ووضعه الخليل في موضعه اليوم .
وقد كان البناء
بناء الخليل للكعبة رضما بالحجارة فقط مرتفعا إلى السماء تسعة أذرع ، ليس
له غير ركنين فقط ، أحدهما الركن اليماني والثاني الركن الذي فيه الحجر
الأسود أما ناحية إسماعيل فقد كان على شكل نصف دائرة ولم يجعل للبيت سقفا
وجعل له بابين ملاصقين للأرض أحدهما من الجهة الشرقية والآخر من الجهة
الغربية .
تجديد قريش لبناء البيت :
جددت قريش بناء البيت المشرف
قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين ، وقد كان الرسول - صلى
الله عليه وسلم - يعمل فيه مع قومه وينقل الحجارة واحتكمت إليه قريش في
وضع الحجر الأسود ، وكاددت أن تنشب بينهم فتنة كل قبيلة تحرص أن يكون لها
فضل وضع الحجر ، فطلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - رداء وضع فيه الحجر
وأمر كل رئيس قبيلة أن يمسك بطرف الرداء ، ثم أخذ الحجر بيده الشريفة
ووضعه في موضعه .
وزادت قريش في بنائها للبيت سقفا وجعلت ارتفاعه
ثمانية عشر ذراعا واختصرت من عرضه أذرعا جعلتها في الحجر حجر إسماعيل
ورفعت بابه وكبسته بالحجارة وأقامت داخله على ست دعائم في صفين ثلاث في كل
صف من الجهة التي تلي الحجر إلى الشق اليماني وجعلوا في ركنها الشامي من
الداخل درجة يصعد منها إلى سطح البيت وجعلت له ميزابا يصب في الحجر .
بناء عبد الله بن الزبير للبيت :
في
أوائل سنة ست وأربعين من الهجرة هدم عبد الله ابن الزبير الكعبة لتزعزع
بنيانها وجدد بناءها على قواعد إبراهيم ، وأدخل ما أخرجته قريش منها في
الحجر وزاد في طولها على بناء قريش تسعة أذرع فصار طولها سبعة وعشرين
ذراعا وجعل لها بابين ملتصقين بالأرض أحدهما الباب الموجود حاليا والآخر
مقابل له .
ترميم بناء البيت على عهد بني أمية :
بعد استتب الأمر
لبني أمية في الحجاز نصب الخليفة عبد الملك بن مروان الحجاج واليا عليه
وأمره أن يهدم ما زاده ابن الزبير في عرض البيت وهي ستة أذرع وشبر مما يلي
الحجر ، وبناه على أساس قريش وسد الباب الغربي الذي كان في ظهر الكعبة وما
تحت عتبة الباب الشرقي وهو أربعة أذرع وترك بقية بنائها لم يغير فيه شيئا
وذلك سنة أربع وسبعين من الهجرة .
واستمر بناء الكعبة بعد زمن
الحجاج إلى عام ( 1039 ) هجرية حيث دهم مكة سيل عظيم اقتحم المسجد الحرام
وملأ جوانبه ودخل الكعبة المشرفة وغمر نصف جدرانها حتى سقط الجدار الشامي
وبعض الجدار الشرقي والغربي وتصدعت الكعبة من كل جوانبها وذلك في عهد
السلطان مراد العثماني . فهدم السلطان كل ما وهي من بنيانها وأصلحه وانتهى
البناء في نهاية شهر رمضان سنة ( 1040 ) هجرية وقد تم البناء على الوضع
الذي أقامه الحجاج دون زيادة أو نقص .
وفي عام 1377 هجرية اكتشف أن
الأكلة نخرت في أعواد سقف الكعبة لتقادم العهد فأمرت الحكومة السعودية
بتجديد سقف الكعبة واستبدل ما نخرته الأكلة من الأعواد بغيره إلى جانب
إصلاحات أخرى جرت فيها من الداخل والخارج .
خاتمة
تتفاوت الأيام والليالي والشهور وكذا البقاع بحسب ما ركز فيها من فضل وما اختص الله به بعضها من مزايا ، فيوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع لما صح في الحديث « أفضل الأيام يوم الجمعة » وليلة القدر تمتاز على غيرها من الليالي بأنها خير من ألف شهر ورمضان كما جاء في الحديث « هو سيد الشهور » ، والمحرم شهر الله .وكذلك البقاع - فمكة ، والمدينة ، وبيت المقدس ، ترتفع في الفضل والشرف على سائر الدنيا وكذا المساجد الثلاثة فهي تمتاز على غيرها من المساجد بفضائل ومزايا تحفز أولي الهمم العالية من عباد الله على اغتنام الفرص لشد الرحال إليها وكسب الوقت لقضاء فترة روحية في رحابها ، إما لأداء فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام أو لقضاء نسك العمرة والطواف بالبيت المعظم بيت الله في مكة أو لزيارة المسجد النبوي والصلاة والسلام على المصطفى - صلى الله عليه وسلم - والصلاة في الروضة المباركة ، أو لزيارة المسجد الأقصى لمضاعفة أجر الصلاة فيه .
ومما ورد
في فضل المساجد الثلاثة وامتازت به على غيرها من المساجد قوله - صلى الله
عليه وسلم - : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ،
ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى » رتبها - صلى الله عليه وسلم - في الذكر
بحسب ترتيبها في الفضل .
وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في
فضل مضاعفة أجر الصلاة في هذه المساجد : « صلاة في مسجدي هذا خير من ألف
صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة
في مسجدي بمائة صلاة » أي أنها تضاعف إلى مائة ألف ضعف .
والصلاة في المسجد الأقصى ورد أنها تضاعف على النصف من مضاعفة أجر الصلاة
في المسجد النبوي أي إلى خمسمائة صلاة .
زيارة المسجد النبوي
والسلام على المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فيه
زيارة المسجد النبوي والصلاة على المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قربة من أجل القرب وطاعة مشروعة يبلغ بها الزائر مراده وغاية أمله لأنها وسيلة صالحة للنجاة من هول يوم القيامة وخاصة إذا التزم في زيارته الوضع المشروع واستشعر في نفسه نعمة الله عليه ، حيث قد أبلغه مدينة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ومسجده المشرف الذي كان منارا للهدى ومدرسة للنبوة ومعقلا للدين ، واستشعر أيضا عندما يقف للسلام على البشير النذير - صلى الله عليه وسلم - وقد ضم جسده الشريف القبر جريا على سنة الله - أن الدوام لله سبحانه كما قال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }{ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } . { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ } . { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } .
عندئذ تكون لزيارته للمسجد النبوي وصلاته وسلامه على
المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أعظم جدوى ، إذ يضم إلى ما ربحه من الأجر
عليها أخذ العبرة بالمصير المحتوم ، وإذا كان أشرف الخلق وأكرمهم على الله
قد واراه التراب فمن دونه من البشر - وكل الخلق دونه ولن يبلغ أحد مقامه -
سوف يكون له نفس المصير ، ولعل في أخذ العبرة الماثلة من سيد البشر وقد
واراه التراب ما يدفع إلى التطامن والتكفير عن الماضي ، ماضي الهفوات
والنزوات فيكبح جماح النفس عن السقطات والتورط في المعاصي ويلجأ إلى
التوبة منها والإقبال على الله بدلا من الإعراض عنه .
آداب الزيارة :
من
آداب الزيارة إذا بلغ الزائر رحاب ( المدينة المنورة ) ودخل المسجد النبوي
الشريف أن يقصد الروضة المباركة التي قال عنها الرسول الكريم - صلى الله
عليه وسلم - : « ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة » ليصلي فيها
ركعتين تحية المسجد اقتداء بالرسول الكريم وأصحابه خيار الأمة حيث كانوا
إذا قدموا من سفر أول ما يقصدون المسجد للصلاة فيه ، وإذا لم يتمكن الزائر
من الوصول إلى الروضة فليصل في أي موضع من المسجد تيسر له أن يصلي فيه ،
فمضاعفة أجر الصلاة لا تقتصر على الروضة .
ثم يقصد الزائر الحجرة الشريفة للسلام على خير الورى - صلى الله عليه وسلم - ويقف في مواجهتها بأدب ويسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - بدون إحداث جلبة أو رفع صوت فإن الله سبحانه قد أدب المؤمنين إذا كانوا بحضرة النبي الكريم وأمرهم باحترامه وخفض الصوت عند مخاطبته فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ } وامتدح من يخفض صوته عندما يكون بحضرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تأدبا معه وتوقيرا له فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } .
والتأدب بحضرته - صلى الله عليه وسلم - بعد موته كالتأدب بحضرته في حياته ، وكيفما صلى وسلم الزائر على خير الورى فهو حسن ولا بأس أن يقول : الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ، ويا أكرم خلق الله ويا شفيع المذنبين إلى الله بعد إذن الله صلى الله عليك وعلى آلك وأزواجك وذرياتك أجمعين ، وما شاء الزائر أن يذكره من المحامد والفضائل لرسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - ويثني به عليه فليذكره فهو - صلى الله عليه وسلم - أهل لذلك ، شريطة عدم الإطراء والغلو فيه أو دعائه وطلب الحوائج منه فذلك حق الله لا يجوز أن يصرف لغيره ، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن إطرائه والغلو فيه فقال : « لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم » الحديث .
وبعد السلام على الحبيب - صلى الله عليه وسلم -
يتجه الزائر قليلا إلى اليمين فيسلم على صاحب رسول الله وخليفته وصديق هذه
الأمة أبي بكر - رضي الله عنه - ويقول : السلام عليك يا أبا بكر الصديق يا
صفي رسول الله وصاحبه في الغار جزاك الله عن الإسلام وأمة خير الأنام خيرا
، ثم يميل قليلا إلى يمينه ويسلم على الخليفة الراشد أبي حفص عمر ابن
الخطاب - رضي الله عنه - ، ثم ينصرف ويستقبل القبلة ويدعو بما شاء الله أن
يدعو به من خيري الدنيا والآخرة متوسلا بزيارته لمسجد الرسول - صلى الله
عليه وسلم - وصلاته وسلامه عليه فهي عمل صالح مبرور ، والتوسل بالعمل
الصالح مشروع مشكور فحري أن يستجاب له ، نسأل الله القبول .
زيارة مسجد قباء :
من
السنة المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيارة مسجد قباء لمن
قصد المدينة أو كان من أهلها والمجاورين بها دون شد الرحل إليه ، فهو مسجد
فاضل ذكره الله في كتابه مشيدا به وشرف أهله بالثناء عليهم بقوله : {
لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ
تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } .
وصلى الله على خاتم رسله سيدنا محمد البشير النذير وعلى آله وصحبه