كتاب : ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب
المؤلف : لسان الدين بن الخطيب
بسم الله الرحمن الرحيموصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الحمد لله الذي أقسم بالقلم تفضيلا وتشريفا واستخدمه من فوق الطباق السبع فأسمع من أسرى به إلى حضرة الجمع صريفا وعلم الإنسان ما لم يعلم فأحله بذلك محلا شريفا وصرفه في كتابة الوحي تصريفا وجعله نايب اللسان بيانا للأمور الغايبة عن البيان وتعريفا ومقيدا لما يذهب بذهاب الزمان تدوينا وتصنيفا فلولاه لم ندر شرعا ولا تكليفا ولا اجتلينا خبرا طريفا ولا استطلعنا لعلم تأليفا سرا غريبا ومعنى لطيفا يحار فيه الإدراك وإن لم يكن بليدا كثيفا ويموج بحر الاعتبار محيطا بذوي الاستبصار مطيفا والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله الذي كيف أسباب السعادة تكييفا وهدى به صراطا قويما ودينا حنيفا وجعله أمينا كي لا يستدعى توهم الاكتساب لما جاء به من النبوة والكتاب قولا سخيفا وما أوهم الالتباس بالأمر الشريف كان شريفا والرضى عن آله وأصحابه الذين كتبوا الوحي بأقلامهم وجودوا نقله عن أعلامهم لا يقبل تبديلا ولا تحريفا وكفى بذلك للكتابة والكتاب فخرا لزيما أليفا فأني وما أولى أنيتي بالمجاز عند الاختصاص بمعرفة نفسي والامتياز لما كبح السن عناني وعمر التشمير للرحيل عن الربع المحيل جناني واستقر على الزهد فيما يجمع ويؤلف ويدون ويصنف شاني وإن عذل العاذل ورغم الشاني بقيت في لفتيات البيان البديع الأثر والعيان عقايل نظرة وبقايا هوى لا يبرح من بعد المشيب عشاق بني عذره
وغيرة تدعو إلى صون ما مهد له حجر والتمس في حسن كفالته أجر وتلقى في مراودته وصل وهجر وارتقب لاجتلابه في ليل الحبر فخر وإن كان ذلك مما لا يحجب فالغيرة فيه أعجب وفيما فوقه أوجب وأنف لرياضة الأنف أن يقتطعها الإغفال ولخزاينه أن تصدأ فوق مصاريعها الأقفال ولجياده العتاق أن تلتبس منها بالهوادي المشرفة الأعناق والأعجاز والأكفال وعلى ذلك فألفيت عند الافتقاد عقب الرقاد بدايع الأدب النثر قد ضاعت وتملكتها أيدي الذهول عنها فوهبت وباعت بعد ما أظمأت وأجاعت وإذا فلم يبق إلا ثمرات من أوقار عير وشعرات من جلد بعير إذ كنت قبل الاعتماد من الدولة النصرية بالمشاورة والموازرة والمعاونة والمظاهرة والحرص على خدمتها بوظيفة الأقلام والمثابرة إذ العمر جديد وظل النشاط مديد أكل مسوداتها المجتلبة إلى حفظ الكتبة وأرمى بعقودها البذخة إلى الأنامل المنتسخة مشتغلا عن الشيء بما يتلوه غافلا عن منحطه بالغرض الذي يعلوه والولد في الغالب المختبر لا يقدر قدره إلا مع الكبر فلما بت بهمه وتقت إلى جمعه وضمه وتوهمت الثراء بجمه راعني صفور ناديه وقد عادته عواديه ونضوب واديه من بعد إمداد غواديه وانخفاض ناديه وصمات مناديه بعد حذق شاديه والتقاء حاضره وباديه فأدميت الأنامل ندما أن صار وجوده عدما إلا ورقات تشبثت بما أسأرته الحادثة على الدولة من سقط المتاع وشلو مختلس من براثن سباع سميته عند الاستقرار بمدينة سلا حرسها الله وقد اخترتها موادعا لفرق الدهر متمتعا بصبابة العمر كناسة الدكان بعد انتقال السكان وأضفت إليه من بعد ما خبأته وجادة أو ذخرته استجادة
وما استلحق من بعد الأوبة وبعد أن أظهر الدهر التوبة ولو سلم جمه لزخر يمه بما يلزم حمده أو ذمه ويتوجه إلى الإجادة أو ضدها مامه فالإكثار مظنة السقط وطرق السهو والغلط من لوازم اللغط إذ كنت قد تعدد عن الدولة النصرية إملاءي وتردد في مناضلة أضدادها ومجاملة أولى ودادها إمراري وإحلاءي مما تنوء مفاتيح كنوزه بالعصبة أولى القوة وتضيق منصات محافله عن مواقف عقايله المجلوة فرضيت منها بما حضر مضطرا وقنعت بالذي تيسر إذ أصبحت قانعا معترا وأثبته في الأوراق من بعد الافتراق حفيا برا وإن لم أكن به مغترا وأنى لمثلي من بعد البياض بأزهار الرياض وعلى مشاورة الارتياض بارتشاف تلك الحياض فقد كان أولى بى الإضراب عما زوره السراب والاقتراب إلى من تنال بقربه الأراب قبل أن يستأثر بعده الجوارح المعارة التراب والإطلال على الطية والإشراف وخلط الافتراق بالاعتراف والسداد بالإسراف فجاء موضوعه ميدان أغراض وموقف نزاع وتراض كم تضمن من مثير اعتبار ومشير إلى أخبار وذم للدهر جبار وضراعة جبار وظفر صبار وأمر كبار وآداب تستفز السامع وتشنف دررها المسامع فسئل الذي حرك به عذبة اللسان أن يتغمد سيئة بالإحسان والذي بث داعيتها في الجنان المغرى بدلالتها خدمة البيان أن يكن
على نكيرها بعادة الامتنان فعلى فضله تقف الآمال وبهدايته تستقيم الأقوال والأعمال وهو الذي لا ينبغي إلا له الكمال وسميته لتنوع بساتينه المشوقة وتعدد أفانينه المعشوقة ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب وقسمته إلى حمدلة ديوان وتهنئة إخوان وتعزية في حرب للدهر عوان وأغراض ألوان وفتوح يجليها السلوان ومخاطبات إخوان ومقامات آنق من شعب بوان وغير ذلك من أغراض ألوان صنوان وغير صنوان والآن فلنأت بما وعدت ونحل عقال ما اقتعدت وتتنوع أغراض هذا الريحان المنتشق الذكية العبق إلى تحميد ثبت في صدور بعض ما ينسب إلى من المصنفات وما ألفى من الصدقات والبيعات ثم إلى كتب الفتوحات ثم إلى التهاني بالمكيفات ثم إلى التعازي عن النايبات ثم إلى كتب الشكر على الهدايا الواردات ثم إلى الاستظهار على العدو واستنجاز العدات ثم إلى كتب الرسائل والشفاعات ثم إلى تقرير المودات ثم إلى جمهور الأغراض السلطانيات ثم إلى مخاطبة الرعايا والجهات ثم إلى ظهاير الأمراء والولاة ثم إلى مخاطبت به عن نفسي أرباب المناصب الرفيعة والهيئات وعن غيري من الابناء والأذيال والحرمات ثم إلى جمهور الإخوانيات ثم إلى رسايل الفكاهات والدعابات ثم إلى المقامات في الإغراض المختلفات ثم إلى بعض من أوصاف الناس في الأغراض والصلات ثم إلى الزواجر والعظات والمذكرات والموقظات
التحميدات التي صدرت بها بعض التواليف المصنفات وهي بعض من كل ويسير من جل
ثبت من ذلك في صدر الكتاب المتعدد الأسفار المسمى ببستان الدول الذي أذهبت الحادثة عينه وشعثت الكاينة زينه أما بعد حمد الله الذي قدر تدبير الوجود بمقتضى الغنا المحض والجود على حسب مشيئته ومراده وفاضل بين ضروبه المتشابهة الأشكال في إقطاع حصص الكمال كل بحسب قبوله واستعداده فبدت مزية ناطقه على صامته وظهر فضل حيه على جماده وأتم على نوعٍ الإنسان جزيل الإحسان لما أهله ببيان اللسان لقبول إلهامه وإمداده وخصه بمزبة الإنافة لما نصب له كرسي الخلافة بين عباده وأحكم سياسة وضعه عند اختراع صنعه فجعل فكره وزير عقله ولسانه ترجمان فؤاده وجبله على الافتقار إلى أبناء جنسه والعجز عن تناول مؤنة نفسه وتحصيل مصالحه مع استبداده فكان مضطرا إلى التآلف والاجتماع متمدنا بحسب الطباع لا يقوم أمره مع انفراده ثم ضم نشره براع يحوط سوائمه أن تتناطح وتتردى ويحفظ عوايده أن تتجاوز وتتعدى ويحمله على مصالح دنياه ومعاده فسبحان الحكيم العليم مقدر الشيء قبل إيجاده الذي لا معقب لحكمه ولا مقدر لعلمه ولا مفلت عن معاده والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي فضله على الأنبياء برفعة شأنه وعلو مكانه على تأخر زمانه وقرب ميلاده وأثنى على خلقه وصفاته وأقسم ببلده وحياته إعلاما بشرف ذاته وكرم بلاده ووقف علىمظهره درجات الكمال وأبان بلسانه العربي أحوال الحرام والحلال وأقامه لإقامة قسطاس الحق والاعتدال ورفع عماده {صلى الله عليه وسلم} وبارك وترحم من صادع بالله أفاد روح الحياة الساطعة الإفادة لكل حي وطوي بساط العدوان بسلطانه المنصور الأعوان أي طي وقرر في ملته رتب السياسة الإلاهية فكان يعلم كل شيء وقابل زخرف الدنيا باقتصاره واقتصاده والرضى عن آله وأصحابه وخلفائه ألسنة جداله وسيوف جلاده المستولين من الكمال الأقصى والشرف الذي لا يحصى على نهاياته وآماده صلاة لا انقضاء لغاياتها ورضى لا نهاية لأعداده ما أرسل البرق سفر جياده وخطب الطير على أعواده وهذا الكتاب انفرد بترتيب غريب لاشتماله على شجرات عشر أولها شجرة السلطان وآخرها شجرة الرعايا واستلزام الكلام في أصناف الموجودات وتعدد إلى ما يقارب ثلاثين سفرا ضاعت عند الحادثة إلا مالا عبرة به وثبت أيضا في الكتاب المسمى بتخليص الذهب المرفوع إلى خزانة السلطان المقدس المجاهد أبي الحجاج ابن نصر
رحمة الله عليه أما بعد حمد الله الذي قصر وصف الكمال المحض على ذاته وجعل الألسن تتفاوت في رتب البيان ودرجاته والثناء عليه بما به على نفسه أثنى من أسمائه الحسنى وصفاته والاعتراف بالقصور عما لا تدركه قوى الأذهان من كنه سلطانه العظيم الشأن فكثيرا ما كان عجب الإنسان من آفاته والصلاة على سيدنا ومولانا محمد الصادع بآياته المعجز ببيناته الذي اصطفاه لحمل أمانته العظمى وحباه بالقدر الرفيع والمحل الأسمى والله يعلم حيث يجعل رسالاته والرضى عن آله وأصحابه وأحزابه نجوم الدين وهداته وأنصار الحق وحماته وثبت أيضا في الكتاب المسمى بجيش التوشيح من تأليفي وهو المرفوع للسلطان المذكور رحمة الله عليه الحمد لله الذي انفرد بالكمال المحض في ملإ السموات والأرض وصفا ونعتا ولم يخص بالفضائل الذاتية والمواهب اللدنية بلدا ولا وقتا مطلع شمس البلاغة والبيان تتجلى من اختلاف أغراض اللسان في مطالع شتى وجعل مراتب حاملي رايتها متباينات في التماس غاياتها فواصلا ومنبتا والصلاة على سيدنا ومولانا محمد الذي حاز المجد صرفا والشرف نعتا ونال من الكمال البشري غاية لا تحد بإلى ولا حتا وخير من ركب ومشى وصاف وشتا صلاة يجعلها اللسان هجيراه كيفما يتمكن له أو يتأتى والرضا عن آله وصحبه الذين اقتدوا به هديا وسمتا وسلكوا من اتباعه طريقا لا ترى
فيها عوجا ولا أمتا ما علل الغمام نبتا وتعاقبت الأيام أحدا وسبتا وما وافق سعى بختا وآثرت أمهات القريحة نبتا ورتبت هذا الكتاب ترتيبا لا يخفي أحكامه وبوبته تبويبا يسهل فيه مرامه كلما ذكرت حرفا قدمت أرباب الإكثار وأولى الاشتهار من بعد الاختيار والبراة من عهدة النسبة اتهاما للأخبار ثم أتيت بالمجهول منها على الآثار حتى كمل على حسب الوسع والاقتدار فإن وافق الإرادة فشكرا لله وحمدا وإن ظهر التقصير فخديم استنفد جهدا ومن الله نسئل أن يتغمد الزلل ويتدارك الخلل ويبلغ من مرضاته الأمل فما خاب لديه من سأل وثبت أيضا من تأليفي في الكتاب المسمى باللمحمة البدرية في الدولة النصرية الحمد لله الذي جعل الأزمنة كالأفلاك ودول الأملاك كأنجم الأحلاك تطلعها من المشارق نيرة وتلعب بها مستقيمة أو متحيرة ثم تذهب بها غابرة أو متغيرة السابق عجل وطبع الوجود مرتجل والحي من الموت وجل والدهر لا معتذر ولا خجل بينما ترى الدست عظيم الزحام والموكب شديد الالتحام والوزعة تشير والأبواب يقرعها البشير والسرور قد شمل الأهل والعشير والأطراف تلثمها الأشراف والطاعة يشهرها الاعتراف والأموال يحوطها العدل أو يبيحها الإسراف والرايات تعقد والأعطيات تنقد إذ رأيت الأبواب مهجورة والدسوت لا مؤملة ولا مزورة والحركات قد سكنت وأيدي الإدالة قد تمكنت فكأن لم يسمر سامر ولا نهى ناه ولا أمر آمر ما أشبه الليلة بالبارحة والغادية بالرايحة إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه
من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح فالويل لمن يترك حسنة تنفعه أو ذكرا جميلا يرفعه فلقد عاش عيش البهيمة النهيمة وأضاع جواهر عمره الرفيعة القيمة في السبل غير المستقيمة وبدد أمانته سبحانه في المساقط العقيمة وطوبى لمن عرف المصير وغافص الزمن القصير في اكتساب محمدة تبقى بعده شهابا وتخليد منقبة تبقى بعده ثناء وثوابا فالذكر الجميل كلما تخلد استدعى الرحمة وطلبها واستدنى المغفرة واستجلبها فلمثله فليعمل العاملون وغايته فليأمل الآملون والدار الآخرة خير لو كانوا يعلمون والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي أوضح حقارة الدنيا عند الله وبين وحد البلاغ منها وعين وخفض الكلمة وبين وحسن الدار الآخرة وزين وخفض أمر هذه الدار الغرور وهين وقال صلوات الله عليه أكثروا من ذكر هادم اللذات كيلا تتشبث بها يد ولتنظر نفس ما قدمت لغد والرضا عن آله الذين جازوا على ظهر جسرها الممدود ومروا ولقوا الله وهم لم يغتروا فكانوا إذا عاهدوا بروا وإذا تليت آيات الله عليهم خروا وكانوا عند حدود الله لا يبرحون وبسوى مذاهبه الباقية لا يفرحون أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون
وثبت في صدرالرجز المشروح المسمى برقم الحلل في نظم الدول الحمد لله الذي ملكه الثابت لا يدول وعزه الدايم لا يزول وأحوال ما سواه تحول وإليه وإن طال المدا الرجوع وبين يديه المثول الذي جعل الدنيا جسرا عليه للآخرة الوصول ومتاع الحياة القصيرة ابتلاء يتعقبه النكير أو القبول فمهما طلع في دول الأيام شان أعقبه الأفول أو متع في أجوايها ضحى تلاه الطفول والصلاة على سيدنا محمد رسوله المصطفى ونعم الرسول الذي باتباعه يبلغ من رضى الله السول ويسوغ المأمول أنصح من بين قدر الدنيا بما كان يفعل ويقول وغبط بالآخرة التي في مستقرها الأبدي الحلول والرضا عن آله وأصحابه سيوف دينه التي بها يصول إذا فرقت النصول وهداة أمته وإذا تنودى الصحيح المنقول والصريح المعقول فإن الدنيا ظهر قلق ومتاع خلق وسراب مؤتلق هذا يعد الجميل فيصرع وهذا يرى الجدة فيتمزق ويتصدع وهذا يؤم السراب فيخدع والمعاد الملتقى والمجمع ومن خسر الله ففيم يطمع ولا أجلب للاعتبار من استطاع الإخبار ولا أبت في عضد الاغترار من الاستبصار في وقايع الليل والنهار وتحول الأحوال وتطور الأطوار وثبت في الكتاب المسمى أيضا بالسحر والشعر من تأليفي ما نصه الحمد لله الذي راش أجنحة الأفهام بالإمداد والإلهام فمضت إلى أغراضها
مضى السهام وأنشأت في آفاق العقول سحب الخواطر ما بين المخلف والماطر والصيب والجهام والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد خير الأنام الذي جعله في روض هذا الوجود المجود بسحاب الجود زهرة الكمام وختم ديوان الأنبياء من دعوته الحنيفية السمحة بمسكة الختام والرضا عن آله البررة الأعلام أولى النهى والأحلام ما قذفت بشهد الحكمة نحل الأقلام وسلم تسليما كثيرا وبعد فإني لما يسر الله مني للآداب جالي سماتها وناشر رممها بعد مماتها وصاقل صفحاتها وقد محا محاسنها الصدا بعد بعد المدا وموضح طريقتها المثلى وقد أضحت طرائق قددا والغاشي لضوء نورها لعلي أجد على النار هدى بذلت فيها من كل دن ولم أقتصر من فنون غرايبها على فن فجعلت عقايلها تتزاحم علي تزاحم الحور على ساكن جنات الحبور فقيدت من شواردها بالكتاب ما لا تقله ذوات الأقتاب وأتيت بيوتها من الأبواب فكان ما قيدته من الغرر وانتقيته من نفايس تلك الدرر أناشيد لو تجسدت للعيون لكانت ياقوتا أو استطعمت لكانت للقلوب قوتا ولو ورد الأمر في الخبر المنقول بحفظ نتايج القرائح والعقول لكانت على المؤمنين كتابا موقوتا من كل عراقية المنتمى مترددة بين الرصافة ومحراب الدمى ماء الرافدين على أعطافها يسيل وسر من رأى ما انجلى عنه خدها الأسيل وشامية تقلبت بين الجابية والبلاط أي منقلب وبقية مما ترك آل حمدان في حلب وحجازية ورى لها في الفصاحة الزند وتضوع من
أذيالها الشيح والرند ويمنية تعلمت صنعاء منها وشى برودها وخراسانية غار سحبان ببرودها ومصرية ضرب على محاسنها الفسطاط وهاجرت بسببها الأنباط وسكنت مدينة الإسكندرية حيث الرباط وإفريقية تفرق النفوس لتوقع فراقها وتغار الشموس عند إشراقها وغربية حطت لها العصم وطلعت آياتها من المغرب فبهت الخصم وأندلسية لها الشفوف أولياؤها الكموت وشهودها الصفوف وخدورها البنود وظلالها السيوف وبيوتها الثغور وغروسها الجهاد المعروف وهو على ترتيب معلوم ووصف موسوم من المدح وما يقاربه والنسيب وما يناسبه والوصف وإن تشعبت مذاهبه والملح وفيها محاسن الشيء ومعايبه والحكم والزهد وما اشتمل عليه واجبه فجاء تمامه نسك وختامه مسك ليكون أجمع للفكر وأسهل للذكر وقسمت ما تضمنه قسمين سحر وشعر وربما عوجلت بالاستفهام عن هذا الإبهام فنقول إن الشعر ليس في أمة من الأمم محصور ولا على صنف من البشر مقصور وهو فيها يوجد الأوايل ويلفي أعم من أن يشمله الوزن المقفى أو يختص به عروض يكمل وزنه فيه ويوفى فمن الشعر عندهم الصور الممثلة واللعب المخيلة وما تأسس على المحاذاة والتخييل ببناه ككتاب كليلة ودمنة وما في معناه إلا أنه في سجية العرب أنهر وهم به أشهر ولذلك يقول بعض حكماء الفرس الشعر حلية اللسان ومدرجة البيان ونظام للكلام مفهوم غير محظور ومشترك غير مقصور إلا أنه في العرب جوهري وفي العجم صناعي ومتى يخلى الكلام عن هذا الغرض وعدل عن واجبه المفترض وخاض في الأمور الشايعة والمقدمات الزاهية ولم يعدل عن المشهور في مخاطبة الجمهور بعد ترك الشعر وتعداه وأفضى به إلى باب الحكاية مداه ولكل منها في الكتب المنطقية باب يضبط أصوله ويبين خواصه وفصوله ثم إن العرب لم
تعتبر هذا التنصيص وعممت فسمت الشعر كل كلام يحضره الوزن والقافية ويقوم الروي لجنابه مقام الخافية ويختص به من الأعاريض المتعارفة فروض ويقوم به نظام معروف ووزن مفروض وعددها حسبما نقل وأشتهر خمسة عشر ويقتضي أكثر من ذلك التقسيم والتفعيل لكن نبا بهم عن لسانهم المقيل ولم يركب منجها القيل واضطرد على هذه الوتيرة الشعر فطما منه البحر الزاخر وتبعت الأوايل الأواخر وثبتت في ديوانه الوقايع والكواين والمكارم والمفاخر ومات الحي وحيي العظم الناخر فما جنح إلى التخييل منه والتشبيه وحل محل الاستعارة بالمحل النبيه لم ينم عنه عرق أبيه وأغرق في باب الشعر أتم الإغراق وكان شعرا على الإطلاق وما قعد عن درجه ولم يعرج على منعرجه فهو عندها شعر تستحسنه وترتضيه ويوجبه لساننا ويقتضيه وإذا تقرر هذا التقسيم وتضوع من روض البيان النسيم وبهر الحق الوجه الوسيم فلنرجع إلى غرضي الذي اعتمدته ومطلبي الذي قصدته ولما كان السحر قوة ظهر في النفوس انفعالها واختلفت بحسب الوارد أحوالها وتراءى لها في صورة الحقيقة خيالها ويبتدى ء في هيئة الواجب مجالها وكان الشعر يملك مقادتها ويغلف عادتها وينقل هيئتها ويسهل بعد الاستصعاب جيئتها ويحملها في قده على الشيء وحده وإذا عضد بما يناسبه وتفضى إليه مذاهبه وقرنت به الألحان عظم الأثر وظهرت العبر فشجع وأقدم وسهر ونوم وأضحك وأبكى وكثير من ذلك يحكى وهذه قوى سحرية ومعان بالإصابة إلى السحر حرية فمن الواجب أن يسمى الصنف من الشعر الذي يخلب النفوس ويفزها ويستثنى الأعطاف ويهزها باسم السحر الذي ظهرت عليه آثار طباعه وتبين أنه نوع من أنواعه وما قصر عن هذه الغاية القاصية والمزية الأبية على المدارك المتعاصية سمى شعرا تختلف أحواله عند الأعتبار ويتبين شبهه من النظار
فمنه ما يلفظ عندما به يلفظ فلا يروي ولا يحفظ ومنه ما يبعث به ويسخر ولا يقتنى ولا يدخر ومنه اشتمل على لفظ فصيح ومعنى صحيح وقافية وثيقة ومثارة أنيقة واشتمل على الحكم والأمثال ومعظم الشعر على هذا المثال ولكل قسم بيت مشهور وشاهد مذكور وإذا قلت شعرا فعلى هذه المقاصد المنوية وإذا قلت سحرا فالتخصيص والمزية بمعنى الأولوية وظهر بعد استمرار هذا الترتيب برهة من نظم هذين السمطين واختيار هذين النمطين أن الفرق بينهما كثير الدقة واللطافة وأن الاختيار من باب القافية وأن التحسين والتقبيح من باب الإضافة إذ أشخاص المحبوبات تقع بينها وبين النفوس التي تكلف بها وتتعلق بسببها علاقات لا تدرك ومناسبات تعجز عي المدارك عنها فتترك وكثيرا ما عشق العقل من الجمال لهذا السبب وأخلاق نفوس البشر مثار العجب وتركت الاختيار بعد أن أشرقت مطالعه ووكلته لمن يقف عليه أو يطالعه فإنني إذ أغفلت الاختيار حزت على الأس الخيار فيظن الناظر فيه بعد تحكيم ذوقه واستنزال روحانية التمييز من فوقه أن نظري موافق لنظره وأن أثرى حذو أثره ورتبته على الحروف ليكون أنسب للترتيب وأليق بالمعنى العجيب فجاء مجموعا قلما اتفق أو تأتي ومصنوعا لا ترى فيه عوجا ولا أمتا ريحانة الأنوف الشم وخبيئة الجيب والكم لم يقع غيري على مثاله ولا نسج بهذا الصقع سواي على منواله وهذا حين ابتدى والله ولي المرشد في هذا القصد
وثبت أيضا في صدر كتابي الذي يشتمل على تاريخ غرناطة في إثني عشر سفرا ما نصه أما بعد حمد الله الذي أحصى الخلائق عددا وابتلاهم اليوم ليجزيهم غدا وجعل جيادهم تتسابق في ميادين الآجال إلى مدا وباين بينهم في الصور والأخلاق والأعمال والأرزاق فلا يجدون عما قسم محيصا ولا فيما حكم ملتحدا ووسعهم علمه على تباين أفرادهم وتكاثف أعدادهم والدا وولدا ونسبا وبلدا ووفاة ومولدا فمنهم النبيه والخامل والحالي والعاطل والعالم والجاهل ولا يظلم ربك أحدا وجعل لهم الأرض ذلولا يمشون في مناكبها ويتخذون من جبالها بيوتا ومن متاعها عددا وخص بعض أقطارها بمزايا تدعو إلى الأغتباط والأعتمار وتحث على السكون والاستقرار متبوءا فسيحا وهوءا صحيحا وماء نميرا وإمتناعا شهيرا ورزقا رغدا فسبحان من جعل التفاضل في المساكن والساكن وعرف العباد عوارف اللطف في الظاهر والباطن ولم يترك شيئا سدا والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي ملأ الكون نورا وهدى وأوضح سبيل الحق وقد كان طرايق قددا أعلى الأنام يدا وأشرف الخلق ذاتا وأكرمهم محتدا الذي أنجز الله به من نصر دينه الحق
موعدا حتى بلغت دعوته ما زوى له من هذا المغرب الأقصى فرفعت بكل هضبة معلما وبنت بكل قلعة مسجدا والرضا عن آله وأصحابه الذين كانوا لسماء سنته عمدا ليوث العدا وغيوث الندى ما أقل ساعد يدا وعمر بكر خالدا وما صباح بدا وأورق شدا فإن الله عز وجهه جعل الكتاب لشوارد العلم قيدا وجوارح اليراع تثير منه في سهول الرقاع صيدا ولولا ذلك لم يشعر آت في الخلق بذاهب ولا اتصل شاهد بغايب فماتت الفضايل بموت أهلها وأفلت نجومها من أعين مجتليها فلم يرجع إلى خبر ينقل ولا دليل يعقل ولا سياسة تكتسب ولا أصالة إليها ينتسب فهدى سبحانه وألهم وعلم الإنسان بالقلم علم ما لم يعلم حتى ألفينا المراسم بادية والمراشد هادية والأخبار منقولة والأسانيد موصولة والأصولة محررة والتواريخ مقررة والسير مذكورة والآثار مآثورة والفضايل من بعد أهلها باقية خالدة والمآثر ناطقة شاهدة كأن نهار الطرس وليل المداد ينافسان الليل والنهار في عالم الكون والفساد فمهما طويا شيئا ولعا بنثره أو دفنا ذكرا دعوا إلى نشره ولو أن لسان الدهر نطق وتأمل هذه المناقضة وتحقق لأتي بما شاء من عتب ولوم وأنشد أعلمه الرماية كل يوم ولما كان هذا الفن التاريخي فيه مأرب البشر وداع إلى ترك الأثر ووسيلة إلى ضم النثر يعرفون به أنسابهم وفي ذلك شرعا وطبعا ما فيه ويكتسبون به عقل التجربة في حال السكون والترفيه ويستدلون ببعض
الجسوم ما أكذب رايدها المطري وأخبث زخرفها المغرى وأقصر مدة استمتاعها وأكثر المساوى تحت قناعها
على وجه مي مسحة من ملاحة
وتحت الثياب العار لو كان باديا
ما ثم إلا أنفاس تردد وتخبث وعلل تنشأ ثم تحدث وزخارف حسن تعهد ثم تنكث وتركيب يطلبه التحليل بدينه ويأخذ أ ثره بعد عينه وأنس يفقد واجتماع كأن لم يعقد وفراق إن لم يكن فكأن قد
ومن سره أن لا يرى ما يسوء
فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا
آخر
منغص العيش لا يأوي إلى دعة
من كان ذا بلد وكان ذا ولد
والساكن النفس من لم ترض همته
سكنى مكان ولم يسكن إلى أحد
وقلت وقد فات سكن عزيز على أيام تغريبي بمدينة سلا حرسها الله عظم عليه جزعى
يا قلب كم هذا الجوى والخفوت
ذماءك استبق لئلا يفوت
فقال لا حول ولا قول لي
قد كان ما كان فحسبي السكوت
فارقني الرشد وفارقته لما تعشقت بشيء يموت
والزمان لا يعتبر وحاصله خبر والحازم من نظر في العواقب نظر المراقب وعرف الإضاعة ولم يجعل الحلم بضاعة إنما الحب الحقيقي حب يصعدك ويرقيك ويخلدك ويبقيك ويطعمك ويسقيك ويخلصك إلى فئة السعادة
ممن يشقيك ويجعل لك الكون أرضا ومشرب الحق حوضا ويجنبك زهر المنى ويغنيك عن أهل الفقر والغنى ويخضع التيجان للنعلك ويجعل الكون متصرف فعلك ليس إلا الحب ثم الوصل ثم القرب ثم الشهود ثم البقا بعد ما اضمحل الوجود فشفيت اللآلام وسقط اللام وذهبت الأضغاث والأحلام واختصر الكلام ومحيت الرسوم وعفيت الأعلام ولمن الملك اليوم والسلام فالحذر الحذر أن تعجل النفس سيرها ويفارق القفص طيرها وهي بالعرض الفاني متشبطة وبثاء الثقيل مرتبطة وبصحبة الفاني مغتبطة فالمرء مع من أحب يموت المرء على ما عاش عليه ويحس على ما مات عليه أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين وفي مثل ذلك قلت
أعشاق غير الواحد الصمد الباق
جنونكم والله أعيت على الراق
جننتم بما يفني ويبقي مضاضة
تعذب بعد البين مهجة مشتاق
وتربط بالأجسام نفسا حياتها
مباينة الأجسام بالجوهر الراق
فلا هي فازت بالذي ظفرت به
ولا رأس مال كان ينفعها باق
فراق وقسر وانقطاع وظلمة
قنا البعد عن نيل السعادة ياواق
كأني بها بعد ما كشف الغطا
صريعة أحزان لربقة أشواق
تقلب كفيها بخيط موصل
وثيقته من دون سبعة أطباق
فلا تطعموها السم في الشهد ضلة
فذلك سم لا يداوي صحيح درياق
بما اكتسبت تسعى إلى مستقرها
فإما بوفر محسب أو بإملاق
وليس لها بعد التفرق حيلة
سوى ندم يزري مدامع آماق
ولو كان مرمى الحزن منها إلى مدى
لهان الأسى ما بين وخد وأعناق
فجدوا فإن الأمر جد وشمروا
بفضل ارتياض أو بإصلاح أخلاق
ولا تطلقوا في الحس ثنى عنانها
وشيموا بها للحق لمحة إشراق
ودسوا لها المعنى رويدا وأيقظوا
بصيرتها من بعد نوم وإغراق
وعاقبة الفاني اشرحوا وتلطفوا
بإخلاقها المرضى تلطف إشفاق
ومهما أفاقت فافتحوا لاعتبارها
مصاريع أبواب وأقفال أغلاق
فإن سكرت واستشرفت عند سكرها
لماهية السقيا ومعرفة الساق
أطيلوا على روض الجمال خطورها
إلى أن يقوم الحب فيها على ساق
وخلوا لهيب الشيب يطوي بها الفلا
إلى الوجد في مسرى رموز وأذواق
فما هو إلا أن تحط رحالها
بمثوى التجلي والشهود بإطلاق
وتفنى إذا ما شاهدت عن شهودها
وقد فنى الفاني وقد بقي الباق
هنالك تلقى العيش تضفو ظلاله
وتنعم من روض الحياة برقراق
وما قسم الأرزاق إلا عجيبة
فلا تطرد السؤال يا خير رواق
وثبت في صدر كتابي المسمى باستنزال اللطف الموجود في أسرار الوجود وهو مما جمعته لهذا العهد الحمد لله الذي خلق الإنسان مهيضا جناحه بالافتقار لما فيه صلاحه كسيرا وقدر عمره وإن طال المدا وسالم الردى يسيرا وأقامه عانيا في أيدي الأقدار وحكم الليل والنهار أسيرا وجعل مرام الخلاص من قيود الوجود عليه إلا بلطف الموجود عليه عسيرا وملك ناصية فضا لايجد فيه مراعا ولا يستطيع عنه مسيرا ومزاجا محتاجا إلى المراعاة مع الساعات فقيرا وتكليفا يأخذ بأطواقه عن تراضي أشواقه فلا يملك لنفسه قبيلا إلا بإذنه ولا دبيرا وسياسة يطيع فيها مرعاه راعيا ويتبع مأموره منها أميرا ومعاشا يضطر فيه إلى إمداد حياته وصلاح ذاته اضطرارا كبيرا ومعاشرة بأبناء جنسه تكون السلامة لأجله منهم وإدراك الكفاف من أيديهم حظا أثيرا وابتلاه بما يلحق هذه الملكات علاوة على أحماله المهلكات فلا تجد غيره وليا ولا نصيرا وخياله المكروه في المحبوب ابتلاء وتطهيرا والمحبوب المكروه في المكروه إخفاء لسيره المحجوب في استعار الغيوب وتدبيرا فقال وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ثم أتاح الراحة منهم لمن اصطنعه وأنشأه من الحضيض الأوهد ورفعه فجلل قامه تنويرا ومهد له التوفيق سريرا وجعل الفكر السديد بهدايته لنفسه الناطقة وزيرا واتصال عقله المستفاد بالعقل البري من لواحق الكون والفساد كمالا أخيرا والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بعثه مبشرا ونذيرا ودليلا إلى حضرة الحق من أقرب المآخذ على الخلق تنبيها وتحذيرا وإرشاد وتبصيرا وأنيط بسعيه في هذا الوجود الأول والحلم المسلول عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا والرضا عن آله وصحبه الذين أوسعوا هديه بيانا وتفسيرا ما أطلع الروش من روح السماء في عذير الظلماء وجها منيرا ولمع برق الغمام في السحب السجام سيفا طريرا
أما بعد فإنه جرى ببعض هذه المجالس التي نجعلها لكلال الأحباب جماما ولعلل المتلومين عن العلل غماما وفي أوقات التذكير التي لا تخلق والمنة لله محن مع الساعات لبسكب وسبيل إلى الخلاص يركب وحكمة يطارد شاردها حتى يلقى المقادة ويمتاح مواردها حتى تملأ مزاد السعادة ذكر ما يعتور الإنسان في هذا العالم من القواطع المساجلة والعوايق عن آماله العاجلة والآجلة ويحف به في هذه الأحلام من ضروب الآلام ويناله من القسر في هذا الآسر وما الحيلة في تسليس قيوده الثقال وتوسعة محابسه الضيقة الاعتقال إلى أن تقع رحمة الافتكاك والانتقال وتوسعة الصدا بإدالة الصقال ويصح المقام من بعد المقال فوعدت من له عناية بنفسه وارتقاب لمطلع شمسه من الأصحاب المتعلقين بأهداب النظر والمتشوقين إلى الخبر من بعد الخبر والحرص على قطع هذه المرحلة الحلمية بحال السلامة وارتفاع عتاب وملامة واستشعار جنة المكاره ولامه أعلن في ذلك مقالة تخفض البث وتعمل في طلب الخلاص الحث فتخف لأجلها العلائق ويأخذ بحظه منها المبتدي والفايق والله ولي الهداية في كل سبيل والوقاية من كل مرعى وبيل ولما تحصل الوعد وقع في الاقتصاد الإلحاح والاستنجاز الصراح ولم يقع الإعفا ولم يسع إلا الوفا وتبث في صدر تأليفي المسمى بالوصول لحفظ الصحة في الفصول الحمد لله الذي فصل الفصول بحركات الشمس وجعل الحس مدينة لتلك النفس واستخدم له فيها حركة الحواس الخمس بين السمع والبصر والشم والذوق واللمس وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد شرف النوع والجنس بسعادة الجن والإنس والرضا عن آله وأصحابه الذين أمنت حقائق فضلهم
من اللبس ما تعاضد الظن بالحدس وتعاقب اليوم مع الأمس وبعد فإن الصنايع إن تشرفت بغاياتها وتميزت عند التعامل براياتها فعلوم الأديان والأبدان صادعة في الفضل بآياتها متوصلة إلى النفوس الناطقة بإفادة كمالها وحفظ حياتها ولذلك ما صرفت إليهما الأنظار والأفكار أعنة عناياتها وربما كانت علوم الأبدان لسواها أصولا ولم يرج الراجي لعلم الأديان قبل علم الأبدان حصولا فإن مقاصد الشرع صلوات الله عليه وسلامه إنما تنال الصحيح السوي والمطبق القوي وهذه الحالة حسية في الغالب عن سياسة الجسم بحفظ الصحة وإزالة السقم فوضح فضل صناعة الطب وتبين وتقرر غناؤها وتبين ولما كان غرضها المهم وغايتها التي بالفصل إليها تتم حفظ الصحة إذا حصلت وردها إلى معتادها كلما انتقلت وارتحلت وكانت النفس لا تقدر قدر الحاصل المصاحب ولا تسير من إيجاب حقه على السنن اللاحب شأنها في الصحة والشباب والتمتع بالأحباب والغنى والأمان ومساعدة الزمان حتى إذا ذهب واسترجع الله منه ما وهب قدر حنين قدره وأعظم أمره وكثر عليه الأسف واللهف وأمل العود ورمى الخلف على هذا تبع السلف الخلف إلا من بان لديه بالحكمة الكلف كانت العناية باسترجاع نعمة الصحة أشد والكلام فيها أمد والتدوين قد جاوز الحد فكثرت كنانيش العالم ودواوينه وتعددت أغراضه وأفانينه وألفى القول في حفظ الصحة المستقرة وصون حماها من طرق الغرة تافها من كثير ولفظة من نثير ولو حكم الأنصاف لكان حفظ الصحة أولى بالعناية وأحق بالإفصاح والكناية إذ لو حفظ منها العرض لقل أن يروع سربها المرض فظهر لي أن نعتني بما أغفل وأهمل واعتبر وتؤمل وأن أفصل وأجمل وأتمم وأكمل وأدون فيه كتابا يعظم في الخلق نفعه وجدواه ويحق الافتقار لما سواه وأرجو به إحسان الله ولكل امرى ء ما نواه
وكتبت عن السلطان أبي الحجاج ابن السلطان أبي الوليد بن نصر رحمه الله إلى التربة المقدسة تربة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهي من أوليات ما صدر عني في هذه
إذا فاتني ظل الحمى ونعيمه
كفاني وحسبي أن يهب نسيمه
ويقنعني أني به متكيف
فزمزمه دمعي وجسمي حطيمه
يعود فؤادي ذكر من سكن الفضا
فيقعده فوق القضا ويقيمه
ولم أر يوما كالنسيم إذا سرى
شفى سقم القلب المشوق سقيمه
نعلل بالتذكار نفسا مشوقة
يدير عليها كاسه ويديمه
وما شفني بالغور قد مرنم
ولا شاقني من وحش وجدة ريمه
ولا سهرت عيني لبرق ثنية
من الثغر يبدو موهنا فأشيمه
براني شوق للنبي محمد
يوم فؤادى بحده ما يسومه
ألا يا رسول الله ناداك ضارع
على البعد محفوظ الوداد سليمه
مشوق إذا ما الليل مد رواقه
تهم به تحت الظلام همومه
إذا ما حديث عنك جاءت به الصبا
شجاه من الشوق الحديث قديمه
أيجهر بالنجوى وأنت سميعها
ويشرح ما يخفي وأنت عليمه
وتعوزه السقيا وأنت غياثه
وتتلفه البلوى وأنت رحيمه
بنورك نور الله قد أشرق الهدى
فأقماره وضاحة ونجومه
ومن فوق أطباق السما بك اقتدى
خليل الذي أوطأ لها وكليمه
لك الخلق الأرضي الذي جل ذكره
ومجد في الذكر الحكيم عظيمه
يجل مدى علياك عن مدح مادح
فهو سر در القول فيك عديمه
ولي يا رسول الله فيك وراثة
ومجدك لا ينسى الذمام كريمه
وعندي إلى أنصار دينك نسبة
هي الفخر لا يخشى انتقالا مقيمه
وكان بودي أن أزور مبوأ
بك افتخرت أطلاله ورسومه
وقد يجهد الإنسان طرف اعتزامه
ويعوزه من بعد ذاك مرومه
وعذري في تسويف عزمي ظاهر
إذا ضاق عذر العزم عمن يلومه
عدتني بأقصى الغرب عن تربك العدا
جلالقة الثغر الغريب ورومه
أجاهد منهم في سبيلك أمة
هي البحر يعني أمرها من يرومه
فلولا اعتناء منك يا ملجأ الورى
لريع حماه واستبيح حريمه
فلا تقطع الحبل الذي قد وصلته
فمجدك موفور النوال عميمه
وأنت لنا الغيث الذي نستدره
وأنت لنا الظل الذي نستديمه
ولما نأت داري وأعذر مطمعي
وأقلقني شوق يشب جحيمه
بعثت بها جهد المقل معولا
على مجدك الأعلى الذي جل خيمه
وكلت بها همي وصدق قريحتي
فساعد في هاء الروى وميمه
فلا تنسني يا خير من وطى ء الثرى
فمثلك لا ينسى لديه خديمه
عليك صلاة الله ما در شارق
وما راق من وجه الصباح وسيمه
إلى رسول الحق إلى كافة الخلق وغمام الرحمة الصادق البرق والحايز في ميدان اصطفاء الرحمن قصب السبق خاتم الأنبياء وإمام الملائكة السماء ومن وجبت له النبوة وآدم بين الطين والماء شفيع أرباب الذنوب وطبيب أدواء القلوب ووسيلة الخلق إلى علام الغيوب نبي الهدى الذي طهر قلبه وغفر ذنبه وختم به الرسالة ربه وجرى في النفوس مجرى الأنفاس حبه المشفع يوم العرض المحمود في ملأالسموات والأرض صاحب اللواء المنشور والمؤتمن على سر الكتاب المسطور ومخرج الناس من الظلمات إلى النور المؤيد بكفاية الله وعصمته الموفور حظه من عنايته وحرمته الظل الخفاق على أمته من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا أو كانت للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقا فآيته الكون ومعناه وسر الوجود الذي يبهر الوجود سناه وصفى حضرة القدس الذي لا ينام قلبه إذا نامت عيناه البشير الذي سبقت له البشرى ورأى من آيات ربه الكبرى ونزل فيه سبحان الذي أسرى الأنوار من عنصر نوره مستمدة والآثار تخلق و آثاره مستجدة من طوى بساط الوحي لفقده وسد باب النبوة والرسالة من بعده وأوتي جوامع الكلم فوقفت البلغاء حسرى دون حده الذي انتقل
في الغرر الكريمة نوره وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره وطفقت الملائكة تحييه وفودها وتزوره وأخبرت الكتب المنزلة على الأنبياء بأسمائه وصفاته فجاء بتصديق الخبر ظهوره وأخذ عهد الإيمان به على من اتصلت بمبعثه منهم أيام حياته المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر والسند المعتمد في أهوال المحشر ذو المعجزات التي أثبتتها المشاهدة والحس وأقر بها الجن والأنس من جماد يتكلم وجذع لفراقه يتألم وقمر له ينشق وحجر يشهد أن ما جاء به هو الحق وشمس بدعايه عن مسيرها تحبس وماء من أصابعه يتفجر وغمام باستسقايه يصوب وركية بصق في أجاجها فأصبح ماؤها وهو العذب المشروب المخصوص بمناقب الكمال وكمال المناقب المسمى بالحاسر العاقب ذو المجد البعيد المراقي والمراتب أكرم من بعثت إليه وسيلة المعترف المغترب ونجحت لديه قربة البعيد المغترب سيد الرسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي فاز بطاعته المحسنون واستنقذ بشفاعته المذنبون وسعد باتباعه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون {صلى الله عليه وسلم} ما لمع برق وهمع ودق وطلعت شمس ونسخ اليوم أمس من عتيق شفاعته وعهد طاعته المعتصم بسببه المؤمن بالله ثم به المستثفى بذكره كلما تألم المفتتح بالصلاة كلما تكلم الذي يمثل طلوعه بين أصحابه وآله وإن هب النسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله وإن سمع الآذان تذكر صوت بلاله وإن ذكر القرآن تردد جبريل بين معاهدة وجلاله لاثم تربه ومؤمل
قربه ورهين طاعته وحبه المتوسل به إلى رضى الله وربه يوسف بن إسماعيل ابن نصر كتبه إليك يا رسول الله والدمع ماح وخيل الوجد ذا جماح عن شوق يزداد كلما نقص الصبر وانكسار لا يتاح له إلا بدنو مزارك الجبر وكيف لا يعي مشوقك الأمر وتوطى على كبده الحجر وقد مطلت الأيام بالقدوم على ترتبك المقدسة اللحد ووعدت الآمال ودانت بإخلاف الوعد وانصرف الرفاق والعين بإثر ضريحك ما اكتحلت والركايب إليك ما ارتحلت والعزايم قالت وما فعلت والنواظر في تلك المشاهد الكريمة لم تسرح وظهور الآمال عن ركوب العجز لم تبرح فيا لها من معاهد فاز من حياها ومشاهد ما أعطر رياها بلاد نيطت بها عليك التمايم وأشرقت بنورك منها النجود والتهايم ونزل في حجراتها عليك الملك وانجلى بضيا فرقانك فيها الحلك مدارس الآيات والسور ومطالع المعجزات السافرة الغرر حيث قضيت الفروض وحتمت وافتتحت سور الوحي وختمت وأبدئت الملة الحنيفية وتممت ونسخت الآيات وأحكمت أما والذي بعثك بالحق هاديا وأطلعك للخلق نورا باديا لا يطفي غلتي إلا شربك ولا يسكن لوعتي إلا قربك فما أسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك وأصبح بعد أداء ما فرضت عن الله ضيف كرمك وعفر الخد في معاهدك ومعاهد أسرتك وتردد ما بين داري بعثتك وهجرتك وإني لما عاقتني عن زيارتك العوايق وإن كان شغلي عنك بك وصدتني الأعدا فيك عن وصل سببي يسببك وأصبحت
بحر تتلاطم أمواجه وعدو تتكاثف أفواجه ويحجب الشمس عند الظهيرة عجاجه في طايفة من المؤمنين بك وطنوا على الصبر نفوسهم وجعلوا التوكل على الله وعليك لبوسهم ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم واستعذبوا في مرضاة الله ومرضاتك نفوسهم يطيرون من هيعة إلى أخرى وينفلتون والمحاربون عن يمنى ويسرى ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعا كجموع قيصر وكسرى لا يبلغون من عدو هو الذر عند انتشاره معشار معشاره قد باعوا من الله الحياة الدنيا لأن تكون كلمة الله هي العليا فيا له من سرب مروع وصريخ عنك ممنوع ودعاء إليك وإلى الله مرفوع وصبية حمر الحواصل تخفق فوق أوكارها أجنحة المناصل والصليب قد تمطى يمد ذراعيه ورفعت الأطماع بضبعيه وقد حجبت بالقتام السما وتلاطمت أمواج الحديد والبأس الشديد فالتقى الماء ولم يبق إلا الذما وعلى ذلك فما ضعفت البصاير ولا ساءت الظنون وما وعد به الشهدا تعتقده القلوب حتى تكاد تشاهده العيون إلى أن أتلقاك غدا إن شاء الله وقد أبلينا العذر وأرغمنا الكفر وأعملنا في سبيل الله وسبيلك البيض والسمر استنبت رقعتي هذه إليك لتطير بجناح خافق وتشعر نيتي التي تصحبها برفيق مرافق فيؤدي عن عبدك ويبلغ ويعفر الخد في تربك ويمرغ ويطيب بريا معاهدك الطاهرة وبيوتك ويقف وقوف الخشوع والخضوع تجاه تابوتك ويقول بلسان التملق عند التشبث بأسبابك والتعلق منكسرة الطرف حذرا بمرجها من عدم الصرف يا غياث الأمة وغمام الرحمة ارحم غربتي وانقطاعي وتغمد بطولك قصر باعي وقو على هيئتك خور طباعي فكم جزت من لج مهول وجبت من حزون وسهول وقابل بالقبول نيابتي
وعجل بالرضا إجابتي ومعلوم من كمال تلك الشيم وسخاء تلك الديم أن لا يخيب قصد من حط بفنايها ولا يظمأ وارد أكب على ما يها اللهم يا من جعلته أول الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصورة وأعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن دونه تحت ظلاله المنشورة وملكت أمته ما زوى له من زوايا البسيطة المعمورة وجعلتني من أمته المجبولة على حبه المؤملة لقربه المفطورة وشوقتني إلى معاهده المبرورة ومشاهده المزورة ووكلت لساني بالصلاة عليه وقلبي بالحنين إليه ورغبتني في التماس ما لديه فلا تقطع عنه أسبابي ولا تحرمني في حبه أجر ثوابي وتداركني بشفاعته يوم أخذ كتابي هذه يا رسول الله وسيلة من بعدت داره وشط مزاره ولم يجعل بيده اختياره فإن لم تكن هذه للقبول أهلا فأنت للإغضاء ٌ والسمح أهل وإن كانت ألفاظها وعرة فجنابك للقاصدين سهل وإذا كان الحب يتوارث كما أخبرت والعروق تدس حسبما إليه أشرت فلى بانتسابي إلى سعد عميد أنصارك مزية ووسيلة أثيرة خفية فإن لم يكن لي عمل أرتضيه فلي نية فلا تنسني ومن بهذه الجزيرة التي افتتحت بسيف كلمتك على أيدي خير أمتك فإنما نحن وديعة تحت بعض أقفالك نعوذ بوجه ربك من إغفالك ونستنشق من ريح عنايك نفحة ونرتقب من محيا قبولك لمحة ندافع بها عدوا طغى وبغى وبلغ من مضايقتنا ما ابتغى فمواقف التمحيص قد أعيت من كتب وأرخ والبحر قد أصمتت بواعث لججه من استصرخ والطاغية في العدوان
مستبصر والعدو محلق والمولى منصر وبجاهك نستدفع ما لا نطيق وبعنايتك نعالج سقيم الدين فيفيق فلا تفردنا ولا تهملنا وناد ربك فينا ربنا لا تحملنا وطوايف أمتك حيث كانوا عناية منك تكفيهم وربك يقول وقوله الحق وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم والصلاة والسلام عليك يا خير من طاف وسعى وأجاب داعيا إذا دعا وصلى على جميع آحزابك وآلك بما يليق بجلالك ويحق لكمالك وعلى ضجيعيك وصديقيك وحبيبيك ورفيقيك خلفيتك في ملتك وفاروقك المستخلف بعده على ملتك وصهرك ذو النورين المخصوص ببرك وتجلتك وابن عمك سيفك المسلول على حلتك بدر سمايك ووالد أهلتك والسلام الكريم عليك وعليهم كثيرا ورحمة الله تعالى وبركاته وكتب بجزيرة الأندلس غرناطة صانها الله ووقاها ودفع عنها ببركتك كيد عداها وكتبت لهذا العهد عن ولده أمير المسلمين أبي عبد الله إلى ضريح رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وضمنت ذلك ما فتح الله به عليه وساقه من الفتوحات السنيات إليه وفي أوائل عام أحد وستين وسبعمائة
دعاك بأقصى المغربين غريب
وأنت على بعد المزار قريب
مدل بأسباب الرجا وطرفه
غضيض على حكم المحيا ويهيب
يكلف قرص البدر حمل تحية
إذا ما هوى والشمس حين تغيب
لنرجع من تلك المعالم غدوة
وقد ذاع من ورد التحية طيب
ونستودع الريح الشمال شمايلا
من الحب لم يعلم بهن رقيب
ويطلب في جيب الجنوب جوابها
إذا ما أطلت والصباح منيب
ويستفهم الكف الخضيب ودمعه
غراما بحناء النجيع خضيب
ويتبع آثار المطي مشيعا
وقد زمزم الحادي وحن نجيب
إذا آثر الأحباب لاحت محاربا
يخد عليها راكعا وينيب
ويلقى ركاب الحج وهي قوافل
طلاح وقد لبا للنداء لبيب
فلا قول إلا أنه وتوجع
ولا حول إلا زفرة ونحيب
غليل ولكن من قبولك منهل
عليل ولاكن من رضاك طبيب
ألا ليت شعري والأماني ضلة
وقد تخطى ء الآمال ثم تصيب
أينجد نجد بعد شط مزاره
ويكتب بعد البعد منه كثيب
وتقضي ديوني بعد ما مطل المدا
وينفذ بيعي والمبيع معيب
وهل اقتضى دهري فيسمح طالعا
وأدعو بحظي مسمعا فيجيب
ويا ليت شعري هل لحومي مورد
لديك وهل لي في رضاك نصيب
ولكنك المولى الجواد وجاره
على أي حال كان ليس يخيب
وكيف يضيق الذرع يوما بقاصد
وذاك الجناب المستجار رحيب
وما هاجني إلا تألق بارق
يلوح بفود الليل منه مشيب
ذكرت به ركب الحجاز وجيرة
أهاب بها نحو الحبيب مهيب
فبت وجفني من لآلى ء دمعه
غنى وصبري للشجون سليب
تريحني الذكرى ويهفو بي الجوى
كما مال غصن في الرياض رطيب
وأحضر تعليلا لشوقي بالمنى
ويطرق وجد غالب فأغيب
مناي لو أعطيت الأماني زورة
يبث غرام عندها ووجيب
فقول حبيب إذ يقول تشوقا
عسى وطن يدنو إلي حبيب
تعجبت من سبقي وقد جاوز الفضا
وقلبي فلم يسكبه منه مذيب
وأعجبت أن لا يورق الرمح في يدي
ومن فوقه غيث الشوق سكيب
فياسرح ذلك الحي لو أخلف الحيا
لأغناك من صوب الدموع صبيب
ويا هاجر الجو الجديب تلبثا
فعهدي رطب الجانبين خصيب
ويا قادح الزند الشجاح ترفقا
عليك فشوقي الخارجي شبيب
أيا خاتم الرسل المكين مكانه
حديث الغريب الدار فيك غريب
فؤادي على جمر البعاد فيك مقلب
يماح عليه للدموع قليب
فوالله ما يزداد إلا تلهفا
لأبصرت ماء ثار عنه لهيب
فليلته ليل السليم ويومه
إذا شد للشوق العصاب عصيب
هداي هوى فيك اهتديت بنوره
ومنتسبي للصحب منك نسيب
وحسبي علا أني لصحبك منتم
وللخزرجيين الكرام نسيب
عدت عن مغانيك المشوقة للعدا
عقارب لا يخفي لهن دبيب
حراص على إطفاء نور قدحته
فمستلب من دونها ونسيب
فكم من شهيد في رضاك مجدل
يظلله نسر ويندب ديب
تمر الرياح الغفل فوق كلومهم
فتعبق من أنفاسها وتطيب
بنصرك عنك الشغل من غير منة
وهل يتساوى مشهد ومنيب
فإن صح منك الحظ طاوعت المنا
ويبعد مرمى السهم وهو مصيب
ولولاك لم تعجم من الروم عودها
فعود الصليب الأعجمي صليب
وقد كانت الأحوال لولا مراغب
ضمنت ووعد بالظنون تديب
فما شيت من نصر عزيز وأنعم
آثاب بهن المؤمنين مثيب
منابر عز أذن الفتح فوقها
وأفصح للعضب الطرير خطيب
تقود إلى هيجائها كل صاهل
كما ريع مكحول اللحاظ ربيب
ونجتاب من سود اليقين مدارعا
يكيفها من يجتني ويثيب
إذا اضطرت الخطى حول غديرها
يروقك منها لجة وقضيب
فعذرا وإغضاء ولا تنس صارخا
بعزك يرجو أن يجيب مجيب
وجاهك بعد الله نرجو وإنه
لحظ حلى بالوفاء رغيب
عليك سلام الله ما طيب الفضا
عليك مطيل بالثناء مطيب
وما اهتز قد للغصون مرنح
وما افتر ثغر للبروق شنيب
إلى حجة الله المؤيد ببراهين أنواره وفايدة الكون ونكتة أدواره وصفوة نوع البشر ومنتهى أطواره إلى المجتبى وموجود الوجود لم يغن بمطلق الجود عديمه والمصطفى من ذرية آدم قبل أن يكسو العظام أديمه المختوم في القدم وظلمات العدم عند صدق القدم تقديمه وتفضيله إلى وديعة النور المنتقل في الجباه الكريمة والغرر ودرة الأنبياء التي لها الفضل على
الدرر وغمام الرحمة الهامية الدرر إلى مختار الله المخصوص باجتبايه وحبيبه الذي له المزية على أحبايه من ذرية أنبياء الله آبايه إلى الذي شرح صدره وغسله ثم بعثه واسطة بينه وبين العباد وأرسله وأتم عليه إنعامه الذي أجزله وأنزل عليه من النور والهدى ما أنزله إلى بشرى المسيح والذبيح وملهم التجر الربيح المنصور بالرعب والريح المخصوص بالنسب الصريح إلى الذي جعله في المحول غماما وللأنبياء إماما وشق صدره لتلقي روح أمره غلاما وأعلم به التوراة والإنجيل إعلاما وعلم المؤمنين صلاة عليه وسلاما إلى الشفيع الذي لا ترد في العصاة شفاعته والوجيه الذي قرنت بطاعة الله طاعته والرؤوف الرحيم الذي خلصت إلى الله في أهل الجرايم ضراعته صاحب الآيات التي لا يسع ردها والمعجزات التي أربى على الألف عدها فمن قمر يشق وجذع يحن له وحق وبنان يتفجر بالماء فيقوم بري الظماء وطعام يشبع الجمع الكثير يسيره وغمام يظلل به مقامه ومستقره خطيب المقام المحمود إذا كان العرض وأول من تشق عنه الأرض ووسيلة الله التي ما أقرض القرض ولا عرف النفل والفرض محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف المحمود الخلال من ذي الجلال الشاهدة بصدقه صحف الأنبياء وكتب الإرسال وآياته التي أثلجت القلوب ببرد اليقين السلسال صلى الله عليه ما در شارق وأومض بارق وفرق بين اليوم الشامس والليل الدامس فارق صلاة تتأرج عن شذا الدهر وتنبلج عن سنا
الكواكب الزهر وتتردد بين السر والجهر وتستغرق ساعات النهار وأيام الشهر وتدوم بدوام الدهر من عبد هداه ومستقري مواقع نداه ومزاحم أنصاره في منتداه وبعض سهامه المفوقة إلى نحور عداه مؤمل العتق من النار بشفاعته ومحرز طاعة الجبار بطاعته الآمن باتصال رعيه من إهمال الله وإضاعته متخذ الصلاة عليه وسايل نجاة وذخاير في الشدايد أي مرتجاة ومتاجر بضايعها غير مزجاة الذي ملأ بحبه جوانح صدره وجعل فكره هالة لبدره وأوجب قدره على قدر العبد لا على قدره محمد بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي نسيب سعد بن عبادة من أصحابه وبوارق سحابه وسيوف نصرته وأقطاب دار هجرته ظلله الله يوم الفزع الأكبر من رضاك عنه بظلال الأمان كما أنار قلبه من هدايتك بأنوار الهدى والإيمان وجعله من أهل السياحة في فضاء حبك والهيمان كتبه إليك يا رسول الله واليراع يقتضي مقام الهيبة صفرة لونه والمداد يكاد أن يحول سواد جونه وورقة الكتاب يخفق فؤادها حرصا على حفظ اسمك الكريم وصونه والدمع يقطر فتنقط به الحروف وتفصل الأسطر وتوهم المثول بمثواك المقدس لا يمر بالخاطر سواه ولا يخطر عن قلب بالبعد عنك قريح وجفن بالبكاء جريح كلما هب من أرضك نسيم ريح وانكسار ليس له إلا جبرك واغتراب لا يونس فيه إلا قربك وإن لم يقض فقبرك وكيف لا يسلم في مثلها الأسى ويوحش الصباح المسا ويرجف جبل الصبر بعد ما رسى لولا ولعل وما وعسى فقد سارت الركاب إليك ولم يقض مسير وحومت الأسراب عليك والجناح كسير ووعدت الأملاك فأخلفت وحلفت العزايم
فلم تف بما حلفت ولم تحصل النفس من تلك المعاهد ذات الشرف الأمثل إلا على التمثيل ولا من المعالم الملتمسة التنوير إلا على التصوير مهبط وحي الله ومتنزل أسمايه ومتردد ملايكة سماية ومرافق أوليائه وملاحد خيرة أصحاب أنبيائه رزقني الله الرضى بقضايه والصبر على جاحم البعد ورمضايه من حمراء غرناطة حرسها الله دار ملك الإسلام بالأندلس قاصيه سبلك ومسلحة رجلك يا رسول الله وخيلك وأنأى مطارح دعوتك ومساحب ذيلك حيث مصاف الجهاد في سبيل الله وسبيلك قد ظللها القتام وشهبان الأسنة أطلعت منه الإعتام وأسواق بيع النفوس من الله قد تعدد لها الأيامي والأيتام حيث الجراح قد تحلت بعسجد نجيعها النحور والشهداء تحف بها الحور والأمم الغريبة قد قطعتها عن المدد البحور حيث المباسم المفترة تجلوها المصارع البرة فتجيبها بالعدا ثغور الأزاهر وتندبها المفترة تجلوها المصارع البرة فتجيبها بالعدا ثغور الأزاهر وتندبها صوادح الأدواح برنات تلك المزامر وتحلى السحاب أشلاؤها المعطلة من طلها بالجواهر حيث الإسلام من عدوه المكايد بمنزلة قطرة من عارض غمام وحصاة من نثير أو سمام وقد سدت الطريق وأسلم للفراق الغريق وأغص الريق ويئس من الساحل الغريق إلا أن الإسلام بهذه الجهة المستمسكة بحبل الله وحبلك المهتدية بأدلة سبلك سالم والحمد لله من الانصداع محروس بفضل الله من الابتداع مقدود من جديد الملة معدوم فيه وجود الطوايف المضلة إلا ما يخص الكفر من هذه العلة والاستظهار على جمع
الكثرة من جموعه بجمع القلة ولهذه الأيام يا رسول الله أقام الله أوده برا بوجهك الوجيه ورعيا وإنجازا بوعدك وسعيا وهو الذي لا يخلف وعدا ولا يخيب سعيا وفتح لنا فتوحات أشعرتنا برضاه عن وطننا الغريب وبشرتنا منه تعالى بتغمد التقصير ورفيع التثريب ونصرنا وله المنة على عبدة الصليب وجعل لألفنا الرديني ولامنا السردي حكم التغليب وإذا كانت الموالى التي طرقت الأعناق مننها وقررت العوايد الحسنة سيرها وسننها تبادر إليها نوابها الصرما وخدامها النصحا بالبشاير والمسرات التي تشاع في العشاير وتجلو لديها نتايج أيديها وغايات مباديها وتتاحفها ونهاديها بمجابى جناتها وأزاهر غواديها وتطرف محاضرها بطرف بواديها فبابك يا رسول الله أولى بذلك وأحق ولك الحق الحق والحر منا عبدك المسترق حسبما سجله الرق وفي رضاك من كل من يلتمس رضاه المطمع ومثواك المجمع وملوك الإسلام في الحقيقة عبيد سيرتك المؤملة وخول مثابتك المحسنة بالحسنات المحملة وشهب تعشى إلي بدورك المكملة ومحض سيوفك المقلدة في سبيل الله المحملة وحرسة مهادك وسلاح جهادك وبروق عهادك وإن مكفول احترامك الذي لا يخفر وربي إنعامك الذي لا يكفر وملتحف جهادك الذي بمجاذيته بشفاعتك إن شاء الله ويغفر يطالع روضة الجنة المفتحة أبوابها بمثواك ويفاتح رضوان القدس الذي أحبك وحواك وينشر بضايع الصلاة عليك بين يدي الضريح الذي طواك وبعرض جنى ما غرست
وبذرت ومصداق ما بشرت به لما بشرت وأنذرت وما انتهى إليك طلق جهادك ومصب عمادك لتقر عين نصحك الذي أنام العيون الساهرة هجوعها وأشبع البطون ورواها ظمأها من الله وجوعها وإن كانت الأمور بمرأى من عين عنايتك وغيبها متعرف بين إفصاحها وكنايتك ومحملة يا رسول الله صلى الله عليك وبلغ وسيلتي إليك وهو أن الله سبحانه لما عرفني لطفه الخفي في التمحيص المقتضى عدم المحيص ثم في التخصيص المغنى بعيانه عن التنصيص ووافق ببركاتك السارية رحماها في القلوب ووسايل محبتك العايدة بنيل المطلوب إلى استفادة عظة واعتبار واغتنام إقبال بعد إدبار ومزيد استبصار واستعانة بالله واستنصار فسكن هبوب الكفر بعد إعصار وحل مخنق الإسلام بعد حصار وجرت على سنن السنة بحسب الاستطاعة والمنة السيرة وجبرت بجاهك القلوب الكسيرة ويسرت المآرب العسيرة ورفع بيد العزة الضيم وكشف بنور البصيرة الغيم وظهر القليل على الكثير وباء الكفر بخطة التعثير واستوى الدين الحنيف على المهاد الوثير فاهتبلنا يا رسول الله غرة العدو وانتهزناها وشمنا صوارم عزة العدو وهززناها وأرحنا علل الجيوش وجهزناها فكانء
ما ساعد عليه القدر والحظ المبتدر والورد الذي حسن منه الصدر أننا عاجلنا مدينة برغة وقد جدعت الأختين مالقة ورندة من مداين دينك وخزاين ميادينك أكواس الفراق وأذكرت مثل من بالعراق وسدت طرق التزاور على الطراق وأسالت المسيل بالنجيع المراق في مراصد المراد والمذاق ومنعت المراسلة مع هدى الحمام لا بل مع طيف المنام عند الإلهام فيسر الله اقتحامها وألحمت بيض الشفار في رؤوس الكفار ألحامها وأزالت بشر السيوف من بين تلك الحروف أقحامها فانطلق المسرى واستبشرت القواعد الحسرى وعدمت طريقها المخيف مصارع الصرعى ومثاقب الأسرى والحمد لله على فتحه الأسنى ومنحه الأسرى ولا إله إلا الله هو منفل قيصر وكسرى وفاتح مغلقاتها المنيعة قسرا واستولى الإسلام منها على قرار جنات وأم بنات وقاعدت حصون وشجرة غصون طهرت مساجدها المغتصبة المكرمة وفجع فيها الفيل إلا فيل أبرهة وانطلقت بذكر الله ألسنة المذرهة وفاز بسبق ميدانها جياده الفرهة هذا وطاغية الروم على توفر جموعه وهول مرئيه ومسموعه قريب جواره بحيث يتصل خواره وقد عرك إليها الحين حواره ثم نازل المسلمون بعدها شجا الإسلام الذي أعيا النطاسي علاجه وكر هذا القطر الذي لا يطاول أعلامه ولا يصاول أعلاجه وركاب الغارات
التي تطوي المراحل إلى مكايدة المسلمين طي البرود وجحر الحيات التي لا تخلع على اختلاف الفصول جلود الزرود ومنغص الورود في العذب البرود ومقض المضاجع وحلم الهاجع ومجز الخطب الفاجي الفاجع ومستدرك فاتكة الراجع قبل هبوب الطاير الساجع حصن أشر حماه الله دعاء لا خبرا كما جعله للمتفكرين في قدرته معتبرا فأحاطوا به إخاطة القلادة بالجيد وأذلوا عزته بعزة ذي العرش المجيد وحفت به الرايات يسمها وسمك ويلوح في صفحاتها اسم الله واسمك فلا ترى إلا نفوسا تتزاحم على موارد الشهادات أسرابها وليوثا يصدق طعناها في الله وضرابها وأرسل الله عليها رجزا إسرايليا من جراد السهاد تشذ آياته عن الأفهام وسدد إلى جبل النفوس القابلة للإلهام من بعد الإستغلاق والاستبهام وقد عبئت جوارح صخوره في قنايص الهام وأعيا صعبه على الجيش اللهام فأخذ مسايفة النقض والنهب ورغا فوق أهله الصقب ونصبت المعارج والمراقي وفرغت المناكب والتراقي واغتنم الصادقون من الله الحظ الباقي وقال الشهيد المسابق يا فوز استباقي ودخل البلد فألحم السيف واستلب البحت والزيف ثم استخلصت القصبة فعلت أعلامك في أبراجها المشيدة وظفر ناشد دينك منها بالنشيدة وشكر الله في قصدها مساعي النصايح الرشيدة وعمل ما يرضيك يا رسول الله في سد ثلمها وهون مستلمها ومداواة ألمها حرصا على الاقتداء في مثلها بأعمالك والاهتداء بمشكاة كمالك ورتب فيها الحماة تشجي
العدو وتواصل في مرضاة الله و مرضاتك الرواح والغدو ثم كان الغزو إلى مدينة إطريرة بنت حاضرة الكفر إشبيلية التي أظلتها بالجناح الساتر وأنامتها في ضمان الأمان للحسام الباثر وقد وتر الإسلام من هذه المومسة البايسة فوتر الواتر وأحفظ منها بادي الوقاح المهاتر لما جرته على أسراره من عمل الخاتر الخاتر حسب المنقول المقبول لا بل المتواتر فطوى إليها المسلمون المدا النازح ولم يشك المطي الروادح وصدق الجد جدها المازح وخفقت فوق أوكارها أجنحة الأعلام وغشيتها أفواج الملايكة المسومة وظلل الغمام وصابت من السهام ودق الرغام وكاد يكفي السماء على الأرض ارتجاج جوانحها بكلمة الإسلام وقد صم خاطب عروس الشهادة عن الملام وسمح بالعزيز المصون فبايع الملك العلام وتكلم لسان الحديد الصامت وصمت إلا بذكر الله لسان الكلام ووقت الأوتار بالأوتار ووصل بالخطا ذرع الأبيض البتار وسلطت النار على أربابها وأذن الله في تبار تلك الأمة وتبابها ونزلوا على حكم السيف آلافا بعد أن أتلفوا بالسلاح إتلافا واستدعيت المقاتلة كثافا ونزلوا في الجول أكتافا أكتافا وحملت العقايل والخرايد والولدان والولايد إركابا من فوق الظهور وإردافا وأقلت منها أفلاك الحمول بدورا تضيء من ليالي المحاق أسدافا وأمتلأت الأيدي من المواهب والغنايم بما لا يصوره حلم النايم وتركت العوافي تتداعى إلى تلك الولايم وتتفتك من مطامعها
في الملايم وشنت الغارات على حمص فجللت خارجها مغارا وكست كبار الروم بها صغارا وأحجرت أبطالها إحجارا واستاقت من النعم ما لا يقبل الحصر استبحارا ولم يكن إلا أن عدل القسم واستقل بالقبول العزيز الرسم ووضح من التوفيق الوسم وكانت الحركة إلى قاعدة جيان قيمعة الظل الأبرد ونسيجة المنوال المفرد وكناس القيد الخرد وكرسي الإمارة وبحر العمارة ومهوى هوى الغيث الهتون وحزب التين والزيتون حيث خندق الجنة المعروف تدنو لأهل النار مجانيه وتشرق بشواطي الأنهار إشراق الأزهار وزهر مبانيه والقلعة التي تختمت بنان شرفاتها بخواتم النجوم وهمت من دون سحابها البيض سحايب الغيث السجوم والعقيلة التي أبدى الإسلام يوم طلاقها وهجوم فراقها سمة الوجوم لذلك الهجوم فرمتها البلاد المسلمة بأفلاذ أكبادها الوادعة وأجابت منادي دعوتك الصادقة الصادعة وحيتها بالفادحة البارعة فغصت الربا والوهاد بالتكبير والتهليل وتجاوبت الخيل بالصهيل وانهالت الجموع المجاهدة في الله انهيال الكئيب المهيل وفهمت النفوس المجاهدة في الله حق الجهاد معاني التيسير من ربها والتسهيل وسفرت الرايات عن المرأى الجميل وأربت المحلات المسلمات على التأميل ولما صبحتها النواصي المقبلة الغرر والأعلام المكتتبة الطرر برز حاميتها مصحرين وللحوزة المستباحة مستنصرين وكاثرهم من سرعان الأبطال رجل
الدبا وبنت الوهاد والربا فأقحموهم من وراء السور وأسرعت أقلام الرماح في بسط عددهم المكسور وتركت صرعاهم ولائم للنسور ثم اقتحموا ربض المدينة الأعظم ففرعوه وجدلوا من دافع عن أسواره وصرعوه وأكواس الحتوف جرعوه ولم يتصل أولى الناس بأخراهم وكمل بمخيم النصر العزيز سراهم حتى خذل الكفار الصبر وأسلم الجلد ونزل على المؤمنين النصر فدخل البلد وطاح في السيل ( الجارف الوالد والولد والتهم المطرف والمتلد فكان هولا بعيد الشناعة وبعثا كقيام الساعة أعجل المجانيق عن الركوع والسجود والسلالم عن مطاولة النجود والأيدي عن ردم الخنادق والأغوار والأكبش عن مناطحة الأسوار والنفوط عن إصعاق الكفار وعمد الحديد ومعاوز الباس الشديد عن نقب الأبراج ونقض الأحجار فهيلت الكثبان وأبيد الشيب والشبان وكسرت الصلبان وفجع بهذا الكنايس والرهبان وأهبطت النواقيس من مراقيها العالية وصروحها المتعالية وخلعت ألسنتها الكاذبة ونقل ما استطاعته الأيدي المتجاذبة وعجزت عن الأسلاب ذوات الظهور وجلل الإسلام شعار الغزو و الظهور بما خلت عن مثله سوالف الأعوام والشهور وأعرست الشهداء من النفوس المبيعة من الله نحل الصدقات الصادقة والمهور ومن بعد ذلك هدم السور ومحيت من مختطه المحكم السطور وكاد يسير ذلك الجبل الذي اقتعدته المدينة ويدك ذلك الطور ومن بعدها خرب الوجار وعقرت الأشجار وعقر المنار وسلطت
على بنات التراب والماء النار وارتحل عنها المسلمون وقد عمتها المصايب وأصمى لبتها السهم الصايب وظللها القشاعم العصايب فالذياب في الليل البهيم تعمل والضباع من الحدب البعيد تنسل وقد ضاقت الجدل عن المخانق وبيع العرض الثمين بالدانق وسبكت إسورة الأسوار وسويت الهضاب بالأغوار واكتسحت الأحواز القاصية سرايا الغوار وحجبت بالدخان مطالع الأنوار وتخلفت قاعتها عبرة للمعتبرين وعظة للناظرين وآية للمستبصرين ونادى لسان الحمية يالثارات الإسكندرية فأسمع آذان المقيمين والمسافرين وأحق الله الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين ثم كانت الحركة إلى أختها الكبرى ولدتها الحزينة عليها العبرى مدينة أبدة دار العمران المستبحر والربض الحري المحصر والمباني الشم الأنوف وعقايل المصانع الجمة الحلى والشنوف والغاب الأنوف وبلد التجر والعسكر المجر وأفق الضلال الفاجر الكذب على الله الكاذب الفجر فجدل الله حاميته التي يعي الحسبان عددها وشجر بحورها التي لا يرام مدها وحقت عليها كلمة الإسلام فلا يستطاع ردها فدخلت لأول وهلة واستوعب جمعها والمنة لله في نهلة ولم يك للسيف من عضب عليها ولا مهلة فلما تناولها العفاء والتخريب واجتاحها الفتح القريب وأسند عن عواليها حديث النصر الحسن القريب
وأقعدت أبراجها من بعد القيام والانتصاب وأضرعت مسايغها لهول المصاب انصرف عنها المسلمون بالفتح الذي عظم صيته والعز للذي سما طرفه واشرأب ليته والقصر الذي حمد مسراه ومبيته والحمد لله ناظم الأمر وقد رأب شتيته وجابر الكسر وقد أفات الجبر مفيته ثم كان الغزو إلى أم البلاد ومثوى الطارف والتلاد قرطبة وما أدراك ما قرطبة المدينة التي على عمل أهلها في القديم بهذا الإقليم كان العمل والكرسي الذي بفضله أرعى الهمل والمصر الذي له في خطة المعمور الناقة والجمل والأفق الذي هو لشمس الخلافة العبشمية الحمل فخيم الإسلام بعنوتها المستباحة وأجاز نهرها المعيي على السياحة وعم دوحها الأشف بوارا وأدار المحلات بسورها سوارا وأخذ بمخنقها حصارا وأعمل النصر بشجر نصلها اجتناء ما شاء الله واهتصارا وجدل من أبطالها من لم يرض الحجار فأعمل إلى المسلمين إحصارا حتى فرع بعض جهاتها غلابا جهارا ورفعت الأعلام إعلاما بعز الإسلام وإظهارا فلولا استهلال الغوادي وإن أتى الوادي لأفضت إلى فتوح الفتوح تلك المبادى ء وأمضى تفئة العاكف والبادي فاقتضى الرأي ولذنب الزمن بفضل الله في اغتصاب الكفر إياها متاب تعمل ببشراه اقتاد واقتاب ولكل أجل كتاب أن يراض صعبها حتى يعود ذلولا وتعفى معاهدها الآهلة فتترك طلولا فإذا فجع الله بمارج النار طوايفها المارجة وأباد نجارجها الطايرة والدارجة خطب السيف منها أم خارجة فعند ذلك أطلقنا بها ألسنة النار ومفارق الهضاب بالهشيم قد شابت والغلات المستغلات قد دعا بها أهل الفضل فما ارتابت
وكأن صفيحة نهرها لما أضرمت النار خفافي ظهرها ذابت وحية فرت أمام الحريق وانسابت وتخلفت لغمايم الدخان عمايم تلويها برءوس الجبال أيدي الرياح وتنثرها بعد الركود أيدي الاجتياح وأغرينا بأقطارها الشاسعة وجهاتها الواسعة جنود الجوع وتوعدت بالرجوع فسلبت أهلها لتوقع الهجوم منزور الهجوع فأعلامها خاشعة خاضعة وولدانها لثدي البؤس راضعة والله يوفد بخبر فتحها القريب ركاب البشري وينشر رحمته قبلنا نشرا ولهذا العهد يا رسول الله صلى الله عليك وبلغ وسيلتي إليك بلغ عز هذا القطر المرتدي بجاهك الذي لا يذل من ادرعه ولا يضل من اهتدى بالسبيل الذي شرعه إلى أن لاطفنا ملك الروم بأربعة من البلاد كان الكفر قد اغتصبها ورفع التماثيل ببيوت الله ونصبها فانجاب عنها بنورك الحلك ودار بإدالتها إلى دعوتك الفلك وعاد إلى مكاتبها القرآن الذي نزل به على قلبك الملك فوجبت مطالعة مقرك النبوي بأحوال هذه الأمة المكفولة في حجرك المفضلة بإدارة تجرك المهتدية بأنوار فجرك وهل هو إلا ثمرات سعيك ونتائج رعيك وبركة حبك ورضاك الكفيل برضا ربك وغمام رعدك وإنجاز وعدك وشعاع من نور سعدك وبر رعي رعيه من بعدك ونصر رايتك وأثر حمايتك ورعايتك واستنبت هذه الرسالة مانحة بحر الندى الممنوع ومفاتحته بإبداء الهدى بفتح الفتوح وقارعة المظاهر والصروح وباقية الرحل بمتنزل المليكة والروح لتمد إلى
قلبك يد استمناح ويطير إليك من الشوق الحثيث بجناح ثم تقف موقف الانكسار فإن كان تجرها آمنا من الخسار وتقدم بأنس ويحجم بوحشة الغربة ويحبس لطول الغيبة وتقول أرحم بعد داري وضعف اقتداري وانتزاح أوطاني وعلق أعطاني وقلة زادي وفراغ مزادي وتقبل وسيلة اعتراف وتغمد صفوة اقترافي وعجل بالرضا انصراف تحملي لا انصرافي فكم جبت من بحر زاخر وقفر بالركاب ساخر وحاشى لله أن يخيب قاصدك أو يتخطاي معاضدك أوتطردني موايدك أو تضيق عني عوايدك ثم تمد اليد مقتبضة من يد رحمتك مستدعية دعاء من حضر من أمتك وأصحبتها يا رسول الله عرضا من النواقيس التي كانت بهذه البلاد المفتتحة تعين الإقامة والأذان وتسمع الأسماع الضالة والأذان مما قبل الحركة وسالم المعركة ومكن من نقله الأيدي المشتركة واستحق بالقدوم عليك والإسلام بين يديك السابقة في الأزل والبركة وما سواه فكانت جبالا عجز عن نقلها الهندام فنسخ وجودها الإعدام وهي يا رسول الله جنى من جنانك ورطب من أفنانك وأثر ظهر عليها من مسحة حنانك هذه هي الحلل والانتحال والعايق أن تشد الرحال ويعجل الترحال إلى أن نلقاك في عرصات القيامة شفيعا ونحل بجاهك إن شاء الله محلا رفيعا ونقدم في زمرة الشهداء الدامية كلومهم من أجلك الناهلة غللهم في سجلك ونبتهل إلى الله أطلعك في سماء الهداية سراجا وأعلى لك في السبع الطباق معراجا وأم الأنبياء منك بالنبي الخاتم وقفي على آثار نجومها المشرقة بقمرك العاتم ألا يقطع عن هذه الأمة الغريبة أسبابك ولا يسد في وجوهها أبوابك ويوفقها لاتباع هداك ويثبت أقدامها على جهاد عداك وكيف نعدم ترفيها أو نخشى بسخا وأنت موفيها أو يعذبها الله وأنت فيها وصلاة الله تحيط بفنايك رحال طيبها وتبذر في ناديك شقايق خطيبها ما أذكر الصباح
الطلق هداك والغمام السكيب نداك وما حن مشتاق للثم ضريحك وفليت نسيمات الأسحار عما أشرقت من ضريحك وكتب في كذا
الصدقات والبيعات
صدر عني في ذلك صداق منعقد على أخت السلطان أبي الحجاج بن نصر للرئيس أبي الحسن علي بن نصر ما نصه الحمد لله مانح أسباب الهبات ومسديها وفاتح أبواب الآمال البعيدة المنال ومدنيها وجاعل البركات الظاهرة منوطة باتباع أوامر هذه الشريعة الطاهرة واجتناب نواهيها حمدا يصل المنن بالمنن ويربط المواهب بالمواهب الذي أنشأ الإنسان من نفس واحدة وجعل العالم صفات حدوثها بعرمه شاهدة وجاد على الخلايق من نعمه وعواطف رحماه بأفضل صلات وأكرم عايدة وأوردهم من موارد لطفه كل عذب المشارب هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ومنهى عباده إلى ما سبق فيهم من سوابق الإرادة وجاعلهم قسمين فمنية إلى الشقاء ومنية إلى السعادة لا اعتراض على حكمه الفصل وأمره الغالب تقدس عن لواحق الحوادث والأغيار وتعلى عن هواجس الخواطر وخطرات الأفكار ووسع الأكوان ظاهرها وباطنها باللطف الخفي والجود المدرار فشملت نعمته الهامية السحاب أوجر العالم ليعبدوه وألزمهم أن ينزهوه ويمجدوه وعرفهم وجوده الضروري ولولاه ما عرفوه ولا وجدوه وخلفهم في بطون أمهاتهم خلقا من بعد خلق في ظلمة الغياهب شرع لنا الإسلام سبيلا واضحا وأطلع لنا من مراشده الباهرةنورا لامحا وبعث إلينا نبيه الكريم رسولا أمينا وهاديا ناصحا فعرفنا برسالته المستحيل من الجايز والمحظور من الواجب والحمد لله الذي تنزه في عظمته وتوحد في كبريائه وتعلى ملكه القديم وسلطانه الكريم في أرضه وسمايه وأحاط علما بأسباب كل أمر وأحواله وانبعاثه ومآله وابتدايه وانتهايه وصور نوع الإنسان بحكمته من الطين اللازب نحمده سبحانه على ما أجزل من إحسانه وخول من رفده ونسبحه آناء الليل وأطراف النهار وأن من شيء إلا يسبح بحمده ونعترف بأن كل عارفة ونعمة واكفة ومنة تالدة أو طارفة فإنما هي من عنده ونبرأ من المجادلة والمناصب ونشكره عز وجهه على ما أسبغ من الإنعام ونقر له بالوحدانية المنزهة عن الانتهاء والانصرام ونستزيد من مواهبه الفياضة وعوارفه الجسام وآلايه المحسبة المآرب ونسله أن يمدنا بالتوفيق والعصمة ويصل لنا أسباب العناية والنعمة وينور أبصارنا بنور هداه الذي يشفي من العما ويذهب بالظلمة ويحملنا من رضاه على أوضح المذاهب ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو الغني عن الأنداد المبرأ عن الاتصال و الانفصال والصاحبة والأولاد المنفرد بالقبض والبسط والإعدام والإيجاد الملك الذي لا تفيض خزاينه على كثرة المسترفد والراغب ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الطيب العناصر ونبيه العميم المكارم العظيم المفاخر وأمينة المحرز فضل الأول والآخر وصفيه الطاهر المناسب الكريم الضرايب تخيره من أشرف القبايل محتدا ومنتسبا
وأتاه من كل الفضايل سببا واختار له البطون الطاهرة والأصلاب الفاخرة أما فأما وأبا فأبا واختصه من شرف الأخلاق وكريم المناسب وألبسه من المفاخر الرايقة الطرر والمحامد المتألقة الغرر أشرف اللباس وأتاه من كمال والخصايص وخصايص الكمال كل مضطرد القياس وجعل أمته التي كرمها باتباعه والاستضاء بنور شعاعه خير أمة أخرجت للناس وملكها بعز دعوته ما زوى له من المشارق والمغارب فشرع {صلى الله عليه وسلم} النكاح ذريعة إلى النماء وحفظ الأنساب ومألفة لمفترقات الأهواء وصلة لمتباعدات الأسباب ورفعها لما يهجس من الشك ويختلج من الأرتياب وصونا لبيوت الشرف عن الأوشاب والشوايب وخطب عليه السلام وخطب إليه في الأحياء وقبل الخطبة للدعاء وجدع بالحلال أنف الغيرة والأباء وأمر بالتحيز للنطف والارتياد لعقايل الشرف تكريما للمناسب وتنزيها للمناصب فسعد باتباعه كل سالك الطريقة وأوى إلى جناب الله كل آو لحزبه المفلح وفريقه وبان المبتدع من المتبع بتمييز الحق وتعريفه ليميز الله الخبيث من الطيب وما الأخابث كالأطايب فصلوات الله وسلامه وتحيته وإكرامه تستلم شريف ترابه وتزاحم الوفود على بابه وتعرس ركايبها بين روضته الطاهرة ومحرابه وتحدو جوانبها أيدي الصبا والجنايب صلاة نجدها زلفى في المعاد وقربة إلى رب العباد وذخرا يوم قيام الأشهاد ووسيلة تنال بها
من رضاه أسنى الرغايب والرضا عن آله وأصحابه نجوم الأقتدا والإتمام وسيوف دين الإسلام السادة البررة القادة الأعلام أحلاس الخيل ورهبان الليل وأسد الكتايب ونستوهب من الله للمقام العلي المولوى السلطاني الكريم اليوسفي النصري سعدا ضافية حلله وعزا يضاعف به الدين الحنيف أمله وتمهيدا يتوفر لجميل صنع الله فيه جذله وعناية آلهية يدل حاضرها على الغايب ولا زال نظره الجميل يعم الأقارب و الأباعد وعطفه وشفقته يعذبان للخلق الموارد وخلاله الكريمة تقيد الأمداح الشوارد ولا زال الزمان يتحلى من حلاه ومآثر علاه بأنفس من عقود الترايب أما بعد هذه المقدمة التي كرمت اختتاما وافتتاحا ووجدت في ميدان الرضا والسعد وبلوغ الأمل وإحراز القصد مغدا ومراحا وأوسعت العيون قرة والصدور إنشراحا فإن من المعلوم الذي لا يحتاج إلى دليل والمسلم الذي لا يتطرق إليه بتعليل ولا يخاف على محكمه وارد مسخ ولا عارض تأويل فقد صح منه كل سبيل ما خول الله هذه الدولة النصرية كتب الله نصر كتابها وجعل مآثرها قلايد تجعلها الايام قلايد فوق نحورها وترايبها من الكمال الذي وردت به غير مدافعة حياطة والمجد اهذي تفيأت رياضه والعدل الذي رفعت فوق العباد ظلاله والفضل الذي استشعرت شيمته
وخلاله والجهاد الذي تلقت رايته بالاستحقاق وقامت بعرضه كفاية عمن دونها من ملوك الآفاق وإن الله سبحانه نصر الدين الحنيف بسلفها في القديم ثم تداركه بخلفها في هذا الأقليم فضاء بنورهم صبح الليل البهيم وأينع روض العز فليس بالمصرح ولا بالمشيم وتواترها صدرا عن صدر وهلالا عن بدر وولدا عن أب وراثة حق ونسب من كل ملك صادح بالحق مبرز في حلبة السبق مراقب لله في الخلق وهمام يحيل جياد النصر ويطلع شمس السعادة في العصر كلما أفل شهاب ثاقب طلع بدرا فلاكه مفاخر ومناقب صانوا حلل العليا عن ابتذالها وحفظوا على الأيام رونق جمالها وعالجوا الملة الحنيفة من اعتلالها وماذا عسى أن يبلغ القول وإن اضطرد أو ينتهى المدح وإن شرد في أنباء صحابة الرسول وأنصاره وسلالة سعد بن عبادة وزيره الذي لا يضاهى في رفعة شأنه وعلو مقداره ووليه الذي أعلن بإجلاله في قومه الأنصار وإكباره وقال لهم لما أطل قوموا لسيدكم تسجيلا لعقد فخاره إلى أن ألبس الله طوق هذه الخلافة النصرية أشرفها في العشيرة جيدا وأكرمها أبا وجدودا وجعل زمامها في أولى الناس بمقادتها وأخصهم عند إحالة القداح بسهم سعادتها وأطولهم باعا في توفير الخلال التي يقتضيها والمحامد التي يختارها ويرتضيها مولانا السلطان
الكبير الشهير الخطير العادل الفاضل الماجد الكامل الأروع الباسل المجاهد الحافل الماضي الصفاح في ذات الله والذوابل هضبة الثبات إذا هفت من الروع الهضاب وسيف الله الماضي الشبا إذا كهمت السيوف العضاب الذي اشتمل بالطهارة يافعا وكهلا وكان مذ كان لخلافة المسلمين أهلا المجاهد الكذا السعيد الشهيد أبو الوليد ابن مولانا الهمام الأخطر العلم الأشهر عنصر المجد اللباب وبحر النوال الفياض العباب وطود الرياسة العالي الجناب وصارف عنان الدولة إلى أبنايه بالعزم الماضي الشبا الثاقب الشهاب والرأي المصمى بعزة الصواب ومستحقها بالاكتساب والانتساب ومخلدها منهم في الأعقاب إن شاء الله وأعقاب الأعقاب أبي سعيد فرج بن إسماعيل ابن يوسف بن نصر المضاهي من نضار الانتساب الرفيع بغير الرايق ولا البهرج المنتهى في ذؤابة كرام الخزرج جدد الله عليه ملابس الرحمة وجزاه أفضل ما جزا به الصالحين من ملوك هذه الأمة فلله من سنة أحياها وسيرة عدل أطلع محياها وسبيل بر أوضحها وأحاديث مجد عن سلفة من صحابة رسول الله أثبتها وصححها وصير الله ملكه إلى قرارة رضاه واختياره وخلاصة حبه من بين ساير بنيه وإيثاره بدر أقماره وندرة نضاره وعنوان سعده وبركة داره الذي أعلى عماد ملكه ورفعه وضم شمل المسلمين من بعده وجمعه وبني على أساسه وأثبج الكمال من مقدمات
قياسه مولانا وعمدة ديننا ودنيانا الواحد المعدول بآلاف الملوك الصيد درة السلك وبيت القصيد الجامع لما تفرق من محاسن الدهر كفو الخلافة المليء لها بالمهر ذي العزم الأمضى والسعي الأرضي والسياسة التي أقرت العيون المرهى والنفوس المرضى الشهير الحلم والأناة في معمور الأرض شرقه وغربة الميمون النقيبة في سلمه وحربه والمصنوع له في أعدايه عناية من ربه أمير المسلمين أبو الحجاج يوسف أبقاه الله وأيامه عن غرر السعد سافرة وأقسامه من النصر والفضل وافرة وكتايبه ظاهرة ظافرة والحوادث عن مقامه شاردة نافرة فمن له مجد كمجد هذه الدولة التي لها الفخر الحقيق والنسب الصريح العريق والسبب المتين الوثيق واقتدى بهذه الشجرة النصرية الشماء التي أصلها ثابت وفرعها في السماء فروعها من الأقارب والرؤساء فكانوا نجوما أمدتهم شمسها المنيرة بالثناء والسناء فلم يألوا في الاهتداء بهم والاقتداء فضلا منشور اللواء وعدلا مديد الأنباء ومجدا كريم الأبناء وجهادا قامعا للأعداء يقوم منهم الأبناء في ذلك بحقوق الآباء ويتوارثون كابرا عن كابر مذخور ذلك العلاء فأصبحوا صوارم جلادها وولاة بلادها وظهراء سلطانها وزين أوطانها حفظ الله عليهم من عز هذه الإيالة النصرية اليوسفية مادة سعدهم وعنصر مجدهم وإن من أفضل من أنجبته هذه البيوت الرياسية من أبنايها الرييس الكذا الكذا أبي فلان وصل الله سعده وحرس
مجده فإنه نشأ والعفاف يظله والمجد ينهله ويعله والطهارة تضفي عليه سوابغ أذيالها والآصالة تورده عذب زلالها والسعادة تأخذ بضبعيه صعدا وتفسح له من بلوغ الآمال مدا لم يعلق بأثواب شبيبته ما يريبها ويشينها ولا تلبس بما ينافيه فضلها ودينها وأسندت إليه الولاية فسلك فيها سيرة العدل وتحلى بحلى النزاهة والفضل وإنه أعزه الله ترقت إلى الغاية القصوى آماله وانفسح له في التماس العز الأقعس مجاله من الشرف العد وتشوفت نفسه إلى إحراز الوسيلة التي لو طمعت فيها الكواكب الزهر لتزحزت عن مراكزها استلطافا وهشت من آفاقها استنزالا واستعطافا وسأل الله أن يكيف له من المقام اليوسفي مصاهرة يزيد بها فخره العالي أضعافا فوافقت دعوته من الله إجابة ووافقت رغبته من خليفته اسعافا وأجابه وما برح يستخير الله سبحانه ونعم المستخار ويمد يد الضراعة إليه والله يقضي ما يشاء ويختار وعرض على المقام المقتدى بالرسول الذي خطب إليه صلوات الله عليه وسلامه عليه ما توجهت إليه آماله وتوسل بالقربى الذي يتوسل بها أمثاله فلما اتصلت رغبته وانثالت وتمادت وتوالت وورى بالسعادة زنده وخفق بالظفر بنده ورأى مولانا أيده الله وأعز نصره وأعلاه أن وصل سببه وزكى حسبه وأوضح في الإنعام عليه مذهبه وأوجب له العهد
السني والإملاك السني في أخته الحرة الجليلة الطاهرة المعظمة السعيدة إبنة والده مولانا أمير المسلمين أبي الوليد وصل الله لهما عوايد اليمن والسعد وعرفها في انتقالها أضعاف ما عرفته من منشإ المجد إيجابا حالفته السعود وأنجزت له الآمال الوعود وأسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه الذي تؤسس عليه العقود الدينية والعهود فعرف الرييس الأجل أعزه الله قدر هذه النعمة التي لا تقاس بها النعم إلا وترفعت عن أجناسها وخرجت عن حكم قياسها وتلقاها بما يجب من الشكر الذي يقابل جلايل النعم وتستزاد به عوارف الكرم وانعقد بينهما الإملاك السعيد في الحرة الجليلة المخطوبة المسماة على صداق أوجبت السنة تعيين مقدمه وتاليه وتبيين نقده وكاليه وأجرى قبوله المقام الكريم اليوسفى حرس الله له أسباب معاليه فجرى رفده الذى يصله وإحسانه الذى يواليه مبلغه ما بين نقد حاضر وكالي مستأخر ألفا دنير إثنان من دنانير الذهب العين وكذا وكذا على هذا انعقد النكاح وتم بسببه وكمل ولو كان هذا القدر يكافي مقدارا أو يوازي منصبا ملوكيا ونجارا لم يكن لهذا المنصب في عروض الدنيا ونقودها على اختلاف أقطارها وتباين حدودها ما يكافي قدرا ويوفي مهرا لا كنها سنة الإسلام واقتفاء مذاهب الشرع الواضحة الإعلام وسبيل العقود الشرعية فيما يخصها من الأحكام وتزوجها بكلمة الله التي علت على جميع
الكلم وعلى سنة سيدنا ومولانا محمد رسوله المبتعث إلى العرب والعجم الماحي بنور هداه أسداف الظلم وبما أخذه الله عز وجل للزوجات على أزواجهن في كتابه العزيز الذي أوضح لأولى الألباب قصده من الإمساك بالمعروف وما بعده فليعاملها بما يجب لمنصبها الكبير ومجدها الشهير من المكارمة المتكفلة باستخلاص الضمير وهي وصل الله لها أسباب السعادة تعامله بما يقتضيه حالها وتعرف له الدرجة الني لا ينكرها أمثالها عقد عليها الأملاك هذا السعيد وكيل المولى أخيها وهو فلان بما بيده من قبل مقامه من التفويض العام الذي من فصول النكاح من يرجع إلى نظره أيده الله بسبب أو ملك أو ولاء حسبما يعرفه شهوده وهي بكر في حجر المقام المولوي ونحت ولاية نظره العلى وبعد تقديم الاستمار واقتضاء الإذن من مقامها الرفيع المقدار وتحصيل ما يجب في هذا الباب شرعا على حسب الاختيار والله تعالى يجعل هذا العقد مباركا قد جادت البركات الهامية أرجاه وأجابت السعادة نداه ويبقي عليهما من عناية هذا المقام الكريم المولوي ما يحمدان إعادته وأبداه بفضل الله شهد على الرييس الكذا والوكيل بما فيه عنهما من أشهداه به وهما بحال كمال الإشهاد في الرابع والعشرين لصفر عام اثنين وخمسين وسبعماية
ومما صدر عني في ذلك صداق انعقد للأمير الأجل أبي علي منصور ابن السلطان أبي سعيد ابن السلطان أبي يوسف بن عبد الحق مع بنت الشيخ الجليل المجاهد أبي سرحان مسعود بن الشيخ أبي عثمان بن أبي العلي رحمهما الله تعالى الحمد لله الذي ارتضى الإسلام دينا قويما وشرح لنا منه منهاجا واضحا وسبيلا مستقيما وأسبغ علينا بسابغه كنتم خير أمة أخرجت للناس فضلا عميما عجزت العقول عن كنه ذاته فضلت في بيدائه الأوهام وحارت الأفكار في تعدد صفاته فأصبحت طائشة السهام وسددت الأفهام الثاقبة والأذهان المراقبة إلى هدف الأحاطة بعلمه فكان القصور قصارى تلك الأفهام فوقفت مواقف الانقطاع عن بلوغ ذلك المرام لا تستطيع تأخيرا ولا تقديما تقدس في ربوبيته الواجبة عن النظراء والأنداد وتنزه بوحدانيته عن الصاحبة والأولاد وتعلى في كبريائه عن لواحق الكون والفساد وأحاط علمه بالكاينات على تباين الأنواع وتنافر الأضداد لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات والأرض إنه كان عليما حكيما وتبارك الذي أنشأ الإنسان وسواه بيده ونفخ روح الحياة في جسده ورسم قبول النهى والأمر في خلده وحفظ نوعه بعقبه وولده وأحسن خلقه في ظلمة الأرحام تقويما ثم لما أوجده بعد أن لم يكن شيئا مذكورا وشق سمعه وبصره فكان سميعا بصيرا وأودع قلبه من هداية الحق نورا وألهمه طريق النظر والاستدلال
فعلم ببديهة عقله أن له صانعا قديما قديرا يسر له المآرب تيسيرا وتمم له المصالح تتميما ثم أطاف به من الشريعة حمى حصينا وبوأه به من عصمة النفس والمال حرما أمينا وأسلكه من رفقه ولطفه سبيلا مبينا وأورده من هدايته وإرشاده مشرعا معينا وألزمه من وظايف التكليف مفروضا ومسنونا ومحظورا ومحتوما والحمد لله الذي لا تحصى ضروب نعمه المترادفة ولا تنفد خزاين رحمته مع اتصال سحايبها الواكفة ولا يتجهم وجوه وجوده على كثرة الأكف المستمدة من فيض بحورها الغارقة ولا يعدم من لجأ إليه وتوكل عليه فضلا جسيما فبأي مواهبه العميمه يغرى لسان التحميد وفي أي باب من أبواب آلايه الكريمة يحط ركاب التمجيد أبنعمة الخلق أم بنعمة الرزق أم بنعمة التوحيد لقد بهرت آلاء ذي العرش المجيد خصوصا وعموما ومن عنايته جل جلاله بهذا النوع الذي فضله بالعقل على كثير من خلقه وشرفه لما عرفه طريق القيام بحقه أن جعل الآخر منه كالأول في سلوك سبيل الخير واتباع طرقه وجعل له بمقتضى لطفه ورفقه حدودا يقتفي آثارها ورسوما فسكن بما شرع له من الإحصان بعضه إلى بعض وهيأ له بالتناسل بقاء النوع وعمران الأرض وجعل له التعاون على وظايف الدنيا والإعداد إلى يوم العرض فحفظت رسوم المصالح الدينية والدنيوية بالمثابرة عليها والحض وأينعت أدواح الرشد بعد أن كانت هشيما نحمده سبحانه حمد معترف بتقصيره عاجز من حقه الواجب على أداء كبيره ملق زمام التفويض إلى لطيف تدبيره مستزيد من مواهب هدايته وتبصيره
مستسق من ألطاف لطفه الخفي وفضله الحفي نسيما ونشكره أن ألهمنا شكره الذي يستدعي المزيد من النعم ويضمن من الآلاء أوفى الحظوظ وأوفر القيم وعلى أن سددنا إليه وصرفنا في الثناء عليه شبا اللسان والقلم شكرا يكون بتضاعف هبات الجود والكرم زعيما ونشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له شهادة يذهب نورها بالشك والالتباس ويتأرج منها رياض الصدق عاطر الأنفاس وتثنى نفحات البسط من مهبات الإيناس وتطلع وجه التحقيق لأبصار بصاير الناس وضاحا وسيما ونشهد أن سيدنا ومولانا محمد النبي العربي القرشي الهاشمي عبده ورسوله الذي اختاره واصطفاه ووفاه من مخصوص اعتنايه وما وفاه وأبرأ به الوجود من علته المعضلة وشفاه وأثنى عليه في محكم كتابه الحكيم وكفاه فخرا عظيما انتخبه من سلالة إبراهيم وإسماعيل وأنزل بشارة ببعثه في التوراة والإنجيل وأثبت بهدايته الحق ومحا برسالته الأضاليل وكرم بولادته الذبيح والخليل وجعله أزكى الخلايق عنصرا وأطهرهم خيما النور الذي تضاءلت الأنوار لطلوعه ونفث روح القدس في روعه وتفجرت يناييع الخيرات والبركات من ينبوعه واحتفل الشرف العد بين أصوله الطاهرة وفروعه حديثا وقديما ابتعثه والشرك قد أظلت آفاقه والعدوان قد قامت أسواقه والبغي قد أتلعت أعناقه
وحق الله قد نكث عهده وميثاقه والعقايد زايفة عن الحق تثليثا وتجسيما فدعا الخلق على بصيرة ممن خصه بختم الرسالة ومحا بنور الحق ظلمة الجهالة وشمل الخلق بالبركات الهامية المنثالة وبين المآخذ والمتارك تبيينا أنقذ من العماية والجهالة وأوضح المذاهب عن الله تحليلا وتحريما فكان مما ندب إليه النكاح الذي أخذ بحكمتى الطبع و الشرع وجمع بينهما أحسن الجمع وأمره بالاختيار للنسل والزرع فتطابقت دلالتا العقل والسمع منطوقا ومفهوما ونصلى عليه عدد الحصاد والتراب ونهدي من كريم التحية ما يغرس بين تلك الروضة الطاهرة والمحراب ونعفر الخدود في مواطنه الكريمة بالوهم قبل القدوم على لحده الرفيع الجناب ونهدي إليه بالنفوس التي أنقذها هديه وخلصها سعيه على حال الاغتراب ونسلم تسليما ونرضى عن آله وقرابته وأوليائه وعصابته وأنصاره الكرام وصحابته المستوجبين من الله عز وجل بنصره وإجابته مزية قوله ويدخلهم مدخلا كريما ما ركضت جياد الألسن في ميادين ثنايهم ولجأت الآمال الضاحية إلى ظلالهم وأفيائهم واهتدت السراة بأنوار سمايهم واقتدت الأمة في آداب الدين والدنيا بمآثر عليائهم انتفاعا بها وتعليما ونستوهب من الله سبحانه لهذا المقام العلي السعيد السلطاني اليوسفي سعدا تبهر العقول عجايبه وعزا لا يراع حماه ولا يذعر
جانبه وصنعا إلهيا لا تلتبس مذاهبه ونصرا تجوس خلال الديار كتبه أو كتايبه وفخرا ينتظم منه لبات الزمان وترايبه درا نظيما ولا زال ملكه مثوى العفاة ومحط الآمال ومقامه السعيد فذلكة حساب الكمال وبابه العلي كعبة الجلال فكلما رام أمرا بعيد المنال كان له السعد خدينا والدهر خديما أما بعد هذا الفاتحة التي فتحت من النجح كل باب ومتت إلى التوفيق بوسائل وأسباب فقد علم من مذاهب أهل السنة وتقرر وتردد وتكرر وتخلص بالبراهين الأشعرية وتحرر أن التحسين والتقبيح لا يحبان بالعقل ولا بالطبع وإنما المرجع فيهما إلى حكم الشرع وإن العقل إذا شد لحكم من الأحكام عقدا وتناوله قبولا أو ردا فحقه أن يعرض على سلطان الشرع توقيعه ويلقى في يد ذلك المسيطر الناقد جميعه فما كتب بامضائه أنفذ وأعمل وما لم يجزه طرح وأهمل ولا خفاء أن النكاح مما اقتضاه الشرع والعقل وتعاضد فيه السمع والنقل وأن الرسول الذي أعطى كل شيء حقه وأوضح من الهدى طرقه ندب إليه بالفعل والقول وبين حكم مستطيع الطول وغير مستطيع الطول حتى كاد ندبه إليه أن يكون وجوبا وإلى تلك الصيغ منسوبا فمن أوتي رشدا وسلك من الاتباع قصدا اقتدى بما شرعه {صلى الله عليه وسلم} وبينه وفتح ما فتحه وحسن ما حسنه واستمع
القول فاتبع أحسنه ولا أبهى من حلل المجد إذا كانت عليها من التقوى طرر مذهبه وقلايد من طاعة الله ورسوله منتخبة فإن تقوى أولى الرياسة والمجد عز الدين وظهور السنة في هذه الميادين وهذا القرب من المعمور وإن نأي حسا لا معنى عن مطالع ذلك النور مستمسك بحبل السنة والجماعة لا يزال أهله على الحق كما قال عليه السلام إلى قيام الساعة ولما جعل الله بعدوتيه الدولتين الساهرتين النصرية والمرينية على هدى ومنح الخلق منهما ناس وندا فاستولتا من الكمال على مدا وجعلتا التعاون في سبيل الله دينا وسبيلا مبينا بأن أتحف الدولة المرينية بالإمداد والإنجاد وأتحفتها الدولة النصرية بأجر الجهاد ومرضاة رب العباد فضفى الستر والحمد لله على البلاد واتصلت الأيدي على الدفاع والجهاد ولما كانت أحوال هاتين الإيالتين لم تزل على مر الأيام وكبارهما كأنهما حال واحدة وضمايرهما على الصفات متعاقدة تنتقل بينهما من ظل إلى ظل وتجنح بحسب الدواعي من محل كريم إلى محل كأنما ينتقلون من يد إلى يد ويترددون بين قلب وكبد فورد على هذه الأبواب الجهادية منهم صدور ميادين وأعلام فضل ودين وآساد عرين وأهلة من مطالع سماء بني مرين تلقاهم الرتب بانشراح صدورها وتحلهم الأملاك بين شموسها وبدورها وتستظهر منهم على أعدايها بكريم أودايها فربعها بهم عامر وآهل وبيوتهم فيها يدل عليه سنان حايل وجواد
كاهل إن تحركت المراكب كانوا آساد سروجها وأن نصبت المراتب كانوا نجوم بروجها وإن أحضرت بساتين الكتايب كانت عمايمهم البيض أزهار مروجها يلقون عصا التسيار بهذا الوطن اعتباطا ويوسعون العدد استكثارا والجهاد ارتباطا ويطيرون إلى الجهاد بأجنحة السمر الحداد ارتياحا ونشاطا من كل همام غذاه الملك بدره وبوأه الملك في مستقره وإن من أرفع من ورد على هذه الإيالة النصرية قدرا واستحق من موكب جيادها قلبا ومن مجلس أمجادها صدرا من استولى من الشرف العد على أتمه وتوسل إلى الملك المريني بأبيه وجده وعمه وابن عمه ذلك الشيخ الأجل الأعز الأرفع الأمجد الأحفل الأسعد الأوحد الأطهر الأصيل المعظم أبو علي منصور ابن السلطان الأجل الأعز الأطول الأفضل الأحفل الأسعد الأطهر الأمجد الباسل الفاضل الكامل المعظم المبرور المقدس أبي علي عمر ابن السلطان الجليل الأعلى الأمجد الأحفل الأسعد الأوحد الأرضي المجاهد الأسمى الحافل الكامل الجواد الباذل علم الأعلام ناصر دين الإسلام العادل الفاضل المؤيد المعان المعظم المقدس أمير المسلمين أبي سعيد ابن السلطان الجليل المعظم المقدس أمير المسلمين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق من ملوك المغرب الأقصى وأولى المآثر التي لا تحصى مجالسهم بالعلماء معمورة ومكارمهم في الآفاق مشهورة ووقايعهم بالكفر مذكورة وموالاتهم لأملاك الجهاد بهذه البلاد في صحف
البر مسطورة وأبوابهم بالوسايل مقصودة وألويتهم في نصر الدين معقودة تغمد الله من سلف من ملوك هاتين الدولتين برضاه ورحمته وشمل من ولى وخلف بمزيد فضله ونعمته وأنه لما قدم على هذه البلاد النصرية الآن وقد ازدهت بالإيالة اليوسفية أقطارها وأضاءت بنور العدل ديارها وصفا بها مورد اليمن وضفى ستر الأوان وأشرقت الأرض بنور الرحمن واعتدل بعدل سلالة الأنصار وأبناء صحابة النبي المختار فيها وزن الرهان تلقاه روح حياتها وبدر إمامها ومعنى معانيها وولى المسلمين فيها مولانا وعصمة ديننا ودنيانا السلطان الجليل الظاهر الطاهر العادل المجاهد الفاضل ثمال الأمة وسلالة كرام الأيمة الداعي للوسايل والأذمة أمير المسلمين أبو الحجاج أيده الله تلقاه بالرحب والسهل وخلطه بالعشير والأهل فمهد له الكرامة قبل الوساد وتكلفت له الغاية بتقليل النظراء وتكثير الحساد وخبر عنه بحضرته أفضل ما خبر من منتقل من مشابه من العقل والدين والعمل على شاكلة أبناء السلاطين وأنه ذهب إلى تحصين دينه بالإحصان وجمع شمله بكفو من أهله في هذه الأوطان واختار في بيوت المجد بيتا يوافق أصالته الراسخة البنيان فأداه اختياره الذي شهد توقله بالسداد والرجحان إلى البيت الرفيع المستولى في ميدان جلالة الشأن على الأمد مقاسمه في بحبوحة الحسب وملاقيه في ذروة النسب حيث العز مرفوعة قباقبه والفخر موصولة أسبابه والجهاد دامية عضابه جليس الضراغم الضارية وميدان الجياد المتسابقة إلى الفضل المتبارية ذلك بيت الشيخ الأجل الأعز الأرفع الأسنى الكذا أبي سرحان مسعود ابن الشيخ الجليل الأغر الأرفع المعظم الأسنى
ظهير الدولة الإسماعيلية ذي السابقة لدعوتها والأولية والاختصاص بتشييد أركانها والمزية أسد الحروب إذا اضطرمت نارها وفار تيارها وبدر دجاها إذا احتجبت بالنقع أقمارها الكريم المآثر في الدفاع عن الدين حسام كبير السلاطين أسد العرين شيخ المجاهدين من مشايخ بني مرين المقدس الأرضي المعظم أبي سعيد عثمان ابن الشيخ الجليل الكبير الشهير الخطير المعظم الأوحد الأظهر الأطهر الأمجد المعظم المقدس الأرضي أبي العلاء إدريس بن عبد الحق النسب المعروف والمعدن الذي تنسب إليه هذه السيوف والعنصر الذي تشمخ به هذه المعاطير الأنفة و الأنوف فحين ظهر بهذا البيت الذي هيأ له التوفيق اتفاقه ومد عليه السعد رواقه شديد الظنين على ذخره وثابر منه على مرجح فخره وعرض غرضه على المقام الكريم اليوسفي الذي أوى إلى إيالته واستظل بظل جلالته ملتمسا بركة إشارته وراجيا أثر استخارته فاسترجع أيد الله نظره واستحسن مأخذه في ذلك وشكره ورأى أنها وشايج على مظاهرة مقامه تلتحم وعقود مجد في لبة دولته الرفيعة تنتظم وقلوب على محبته تأتلف وألسن بحقه الواجب تعترف وشآجيب مجد ببابه إن شاء الله تقف كافأ الله مقامه ببلوغ الأمل وإنجاح العمل حتى يودي حقه من صنايعه هؤلاء الحفدة والبنون وتجنى من غرس الخير في أهله ووضعه في محله ما تقر العيون فخطب للشيخ الأجل الأغر الأرفع الماجد المعظم أبي الحسن علي ابن الشيخ الكذا ابي سرحان مسعود ابن أبي سعيد المذكور قبل أخته الحرة الماجدة الفاضلة مسعودة وصل الله سعدها وحرس مجدها خطبة قابلها
السعيد بوجهه المشرق الأسرة وضاحكة اليمن بالثغور المفترة وانعقد بينهما في الخطوبة المسماة الأملاك السعيد الذي يسير به الأمل البعيد على صداق أوجبت السنة تعيين حده وتبيين كاليه ونقده مبلغه بين نقد عجلته يد الإحضار وكالي أجلته مكارم الاختبار مشتمل على خدم وعروض من الأثواب الرفيعة وحلى النضار بحسب حسبها الرفيع المقدار وذلك أربعة من خلاخل الذهب قيمتها أربعماية دنير من الذهب العين وتاج من الذهب قيمته كذا إلى كذا تزوجها بكلمة الله التي علت الكلمات العليا وعلى سنة سيدنا ومولانا محمد رسول الله الذي علم آداب الدين والدنيا وبما أخذه الله للزوجات على أزواجهن من الدرجة الرفيعة المقررة بلسان الشريعة حسبما بينه الله سبحانه وحده من الإمساك بالمعروف وما بعده فليتجاريا في ميدان المكارمة تجاري الجياد العتاق ويعملا على شاكلة ما لهما من طهارة الأحساب وكرم الأعراق عقد عليها هذا الأملاك السعيد فلان وهي بكر عذراء صحيحة الجسم والعقل محمولة من الحلية على أوضح السبيل وبعد تقدم الاستيمار وتحصيل ما يجب في هذه الحال شرعا على الأختيار شهد عليهما بما فيه عنهما من أشهداه وهما بحال كمال الإشهاد والله عز وجل يجعل هذا العقد أيمن عقد يسر السعد أسبابه وفتح اليمن أبوابه وسحب التوفيق أثوابه ورسم النجح كتابه ويبقى هذا المقام اليوسفي ظلا لمن قصد جنابه وثمالا لمن أمل ثوابه ولا أعدمه مودة صادقة ومدحة رائقة ودعوة مجابة بمنه وكتب في كذا
ومما صدر عني أيضا صداق منعقد على بنت سيد الشرفاء الجلة وعلم أعلام هذه أعلام هذه الملة أبي عبد الله بن عمران لولد الشيخ الفقيه الخطيب الكبير الشهير أبي عبد الله محمد بن مرزوق أعزهما الله بعد أن صدر الأمر من سلطان المغرب أمير المسلمين أبي سالم أن يكون الصداق المذكور من إملائي على كتاب بابه فأمليت في اليوم الذي صدر لي الأمر العلي بذلك ما نصه بعد سطر الافتتاح الحمد لله الذي له الحكمة البالغة والنعمة السابغة والملك الكبير وبيده الخلق والأمر والإنشاء والفضل يؤتيه من يشاء وهو الحي الحليم المريد القدير الواحد الأحد الذي لا يحول بقاؤه وإن حال الزمان وطال الأمد الفرد الذي استحال عليه العدد والصاحبة والولد فلا يدركه في ذاته بتعدد صفاته التكثير الملك الحق الذي غنى بعز جبروته في عظيم ملكوته عن الأعوان والظهراء والصاحبة والوزراء والأمثال والنظراء فلا ينجده المعين ولا يرشده النصيح ولا يشاركه الوزير الحكيم الذي فتق رتق الأكوان على اختلاف الصور والألوان وقد تعاقب الملوان وأعطى كل شيء خلقه من الجماد والنبات والحيوان فأذعن له الإبداع وانقاد له الاختراع وأطاعه التصوير أضل وهدى وتفرد بالوحدانية فلم يتخذ
صاحبة ولا ولدا وأحصى مدارج الحركات ومدارك اللحظات فيعينه ما يظن وظهر وراح وغدا وحصر شوارد الأنفاس وأشخاص الأجناس فأحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير تجلى الأبصار البصاير نور جلاله فاض على السموات والأرض عميم جوده وكريم نواله وامتن على الوجود بمنحه قبل استمناحه وسؤاله فهو الغني المحض ومن سواه فهو الفقير والحمد لله الذي فضل نوع الإنسان وخصه بمزيد الإنعام والإحسان وحباه بفضل العقل وفضل اللسان فأمكنه الإفصاح عن مقاصده الحسان والتعبير وابتداه بجزيل نعماية واعتمده بعميم آلايه وصوره من الطين اللازب بيد إنشايه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملايكة سمايه واختار منه صفرة أوليايه ونخبة أنبيايه وجعله محلا لقبوله وأهلا لاصطفايه وأعد لأجله داري جزايه وحسبك فخارا يشير إليه المشير والحمد لله الذي رفع بنية السماء والقبة الشماء ما اتخذ لها عمادا وجعل الأرض فراشا لها ومهادا والجبال الراسية أوتادا وأنشأ البشر لما درأ ونشر من نفس واحدة بث منها أعدادا وضرب لهم من بعد الحياة ميعادا فمنه النشأة وإليه المصير وتبارك الله رب العالمين الذي نطق الحي والجماد من تعظيمه بلسان واعترف الخلق أنه الحق وكل من عليها فان وثبت ببديهة الحق وجوده من غير اعتبار مكان ولا بسبوق زمان وألقت الموجودات إلى حكم قدرته يد الإذعان فإن من شيء إلا يسبح بحمده ما بين سر وإعلان ونعوذ بالله من سخطه ونستجير وسبحان من
أنشأ النفوس البشرية وسواها وأدار على من اصطفى منها واختار كؤوس معرفته حتى رواها وأرشدها بنور الإلهام في ظلمات الأرحام إلى الوقوف بربوع توحيده والإلمام وقد مال بها عن الجادة هواها وعظم الأرحام إلى جعل تقواه مقترنة بتقواها فوضح حقها الأكيد وظهر قدرها الكبير ونحمده وله الحمد في الأولى والآخرة ونثني عليه بما على نفسه اثنى من صفاته العلي وأسمايه الحسنى ونشكره على ونعمه الباطنة والظاهرة ونعترف لملكه الحق بعجز العقول الذاهلة والنفوس القاهرة فكلما بهرت الألباب منته الوافرة وآلاؤه المتوافرة فشأننا العجز وصفتنا التقصير ونشهد أنه الله الذي لا آله إلا هو ثبت في بالبديهة وجوده فلا يسع جهله ليس في الوجود إلا فعله بيده الخلق والأمر وإليه يرجع الأمر كله عين المقاسم والمواهب جوده وفضله وأجرى الأقدار على حسبما اقتضاه واختاره حكمه وعدله يحط ويرفع ويعطي ويمنع لا يسل عما يفعل ولا يعترض فيما يصنع بما اقتضته الحكمة البالغة والتدبير شهادة تتأرج نفحات الإخلاص من أزهارها وتتخلق أكوان الأردان من شذا معطارها وتسفر غرر التوحيد من مطالع أسرارها وتضيء أرجاء الوجود أشعة نجومها وأقمارها وتستفاد كنوز اليقين من مكامن أسرارها ونجدها عتادا إذا زخرفت الجنان وسعرت السعير ونشهد أن محمدا عبده الذي شرح صدره ورفع ذكره ورسوله الذي
بلغ نهيه وأمره ونجيه الذي أدنى محله وأسنى قدره ونوره الذي أمن من المحاق بدره ومختاره الأمين المكين البشير النذير أكرم ولد آدم عليه وأرفعهم منزلة لديه ومصطفاه الذي جعل الفضل طوع يديه ومجتباه الذي مدحه في القرآن الحكيم بالخلق العظيم وأثنى عليه ونبيه الذي له شرف الأقصى والفضل الشهير نكتة العالم وفايدة الأكوان والمتقدم بفضل السابقة وإن تأخر بالزمان وحجة الله المؤيدة بالبرهان وخاتم النبين وناسخ الأديان المحرز من شأن الكمال وكمال الشأن مالا يحصره العد ولا يأخذه التقدير أرسله سبحانه بالحق لجميع الخلق بشيرا بلسان الصدق بشيرا ونذيرا وداعيا إليه بإذنه لإنس الكون وجنه وسراجا منيرا ونصره بالحرب والمجال الصعب بجيوش الرعب يسير بين يديه شهورا وأذهب عن أهل بيته الرجس وطهرهم تطهيرا واختار له من دوحة الفخر قبيلا ومن عنصر المجد عشيرا فنعم القبيل ونعم العشير وأضفى عليه ملابس التكريم ووصفه بالرؤف الرحيم وافترض على المؤمنين فرض الصلاة عليه والتسليم وجعله فذلكة الحساب وبيت القصيد ويتيمة العقد النظيم درجة ييس منها المثيل وعجز عنها النظير وأفرده بالفخر الأجلى والقدر الأعلى والكمال الأقصى ونص عليه في صحف أنبيائه نصا وأولاه من مواهب عنايته ولطايف ولايته مالا يعد ولا يحصى وأسرى به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ووثر له ظهر البراق لاختراق السبع
الطباق فما استصعب ولا استعصا فعرف فضله الملأ الأعلى والفلك الأثير ابتعثه الله والجاهلية الجهلا تصول والعدوان تشام منه النصول وحرمات الله تجتث منها الفروع والأصول والمعروف يقطع بسببه الموصول والسعادة لا يتأتى عليها الحصول ودماء الضعفاء تطل وأيدي الأقويا تطول فقر الرجفان وارتفع العدوان وسهل العسير وانتصف الغريم ووضح النهج الكريم وثبت التحليل والتحريم وطلع الصبح وانصرم الصريم واستقر الحق فلا يبرح ولا يريم وأخذ الأحكام عن الله التمهيد والتقرير فكان مما سنه صلوات الله وسلامه عليه النكاح الذي ندب إليه ندبا كاد يلحق بالإيجاب وخطب إليه تهمما بهذا الباب فكانت سنة وافقت هواً وقصداً جمع بين الضرورية البشرية والثواب وذريعة إلى صون الأنساب وحفظ الأحساب وننزيها للدين من شوايب الإرتياب وغرضا كريما يكل في ميدانه وتعظيم شأنه البيان والتعبير ولم يزل صلوات الله عليه يحض عليه بإفصاحه وتبيينه وقوله من تزوج فقد كمل نصف دينه ويجلي وجه النصح يروق نور جبينه ويحض ذات الدين والشرف بتعيينه ليرجح الأمم في المعاد ويقوم قيام الإشهاد العدد الكثير {صلى الله عليه وسلم} وشرف وكرم وقدس وعظم وبارك ورحم ما أظلم الليل البهيم وأشرق الصبح المنير ورضى عن آله وصحابته وعترته وقرابته نجوم الهدى المشرقة وبحور الندى المغرقة والعصابة المومنة بالغيب المصدقة والأسرة الملتفة في الرعب المحدقة التي كانت تهدي بهديه
فيما يشير وتسري بأنوار مراشده وتسير ونستوهب من الله لهذا المقام العلي المولوي الإمامي السعيد السني الإبراهيمي المستعينى سعدا يتكفل بعز السلطان وتمهيد الأوطان ونصرا يعلي أعلام الإيمان ويرفع رواق اليمن والإيمان وصنعا يخلد آيات الفخر في صفحات الأزمان وعدلا يكف أكف البغي والعدوان وتوفيقا يقود إلى القبول من الله والرضوان ويمنا تلوذ به الآمال فيحالفها البشير فهو الذي جدد الرسم بعد ما درس وحاط الأمة بسيف الله وحرس وجنى من ثمرات الملك الأصيل ما ازدرع سلفه الأرضي بالعزم الأمضى واغترس فغفر الله ليث البغي لما افترس واستخلص أمر الله من يد غاضبه فهو الأحق به والجدير فأشرقت الأرض بنور ربها وأفاقت النفوس من كربها ودارت أفلاك الأمر العزيز على قطبها وألقت الفتنة أوزار حربها وابتهج المنبر والسرير ولا زال جامع شمل الدين بعد شتاته وواصل سبب الحق بعد انبتاته وحافظ كلمة الله والله لا مبدل لكلماته ومخيف الزمان العادي بعزماته وطارد شدايده وأزماته يطلع بدرا في ظلماته ويسطع فجرا في مدلهماته حتى يأمن به الخايف ويجبر الكسير ودام مستعينا بالله في جميع أحواله مستزيدا بذكره من نواله متوكلا عليه في حركاته وسكنانه وأقواله وأعماله فالله نعم المولى ونعم النصير أما بعد هذه الفاتحة التي تجلت وجوه المسرات المستمرات خلال اختتامها وافتتاحها وتأرجت أزهار تحميد الله وتمجيده من بين أدواحها ووضحت في ليل الحبر تباشير صباحها والمقدمة التي تكفلت للأعمال بنجح
آمالها وللآمال بفوز قداحها فإن السعادة في الأقتداء بسنن خاتم الأنبياء حاصلة وآيات الكتاب العزيز بين الحق والباطل فاصلة وصنعة الله وإن أبت المناصل غير ناصلة فمن وفق للسعادة المعادة اقتدى واتبع وثوى بربع الهدى وربع والشرع قد قرر الآداب ورتبها ورفض الفواحش واجتنبها وانتقى المراشد وانتخبها وله الحكم على العقل بسيوف النقل الرايقة الصقل مهما حسن أو قبح وإن وازن العقل ورجح ونأى بصنعة القياس وتبحح والنكاح من الأغراض التي حسنها الشرع وزينها وأوضح تضافر المصالح الشرعية والطبيعية فيه وبينها ونفق الفضل وحرم العضل وأرشد من الحيرة وأرغم بالحلال أنف الغيرة فتعاضدت الأنساب والأصهار وأمكن بالتآلف والاستظهار وبان الحق ووضح النهار سنة الله التي قر بها القرار وعمرت المنازل والديار وتنافس فيها الأخيار وامتدت إليها الأيدي والأبصار وحكمته التي لطفت منها الأسرار ووجب فيها الاعتبار وكان أولى بالمثابرة على هذه المراشد وتتميم ما قرر من الأغراض الشرعية والمقاصد والمسارعة إلى هذه المشارع الروية والموارد والمبادرة إلى اقتناء هذه المحامد أولو العلم الذين يتقون الله حق تقاته ويحرصون على التماس مرضاته فهم أقطاب سنته ومفترضاته وورثة أنبيائه ودعاته وأشرف الملة الذين يحافظون على المناسب الرفيعة وياخذون ويدعون بقسطاس الشريعة فهنالك تزدان حلل العلم والشرف بحلى العمل وتطلع شمس الآداب الدينية أبهى من الشمس في الحمل وتستبشر النفوس النفيسة من إحراز مزايا الدين والدنيا ببلوغ الأمل وإن هذا
المغرب الأقصى الذي عدمت فيه والحمد لله الفرق والأهواء وسطعت من فضايل أهله الأضواء ولاح من حسن اقتدايهم بإمام دار الهجرة رضى الله عنه السبيل السواء تشرف قديما ببضعة من رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وجعلها بين سحره ونحره وتبعة من إحدى ريحانتي الجنة اتخذها إكليلا لمفرق فخره فاستوى على الأمد القصي وأصبح كرسيا لأهل الوصي واسعا آل عباس بدايل ذي بأس ونايل لولا أنه اغتبط لتوقد ذروة الشوق وفرعها وعجل الكرة وأبدعها واستخلص الجنة التي بذرها جده وزرعها فصرف لفاس عمرها الله بالإسلام حلته وأورث منها بالبقعة الزكية سراته وجلته فتبوؤا منها بالدور المعشب الروض الأرج النور قرارة السعد ومثوى عشير سبط وبأس جعد ودست وعيد ووعد وفق برق ورعد يتناقلون رتب الشرف الصريح كابرا عن كابر ويروي مسلسل بيتهم الرفيع العمد كل حريص على عوالي المعالي مثابر فالكف عن صلة والأذن عن حسن والعين عن قرة والقلب عن جابر حيث الأنوف الشم والوجوه الغر والعزة القعساء والنسب الحر والفواطم في صدف الصون من لدن الكون كأنهن الدر قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ونعم الآل والموارد الصادقة إذا كذب الآل ومن إذا لم يصل عليهم في الصلاة حبطت منها الأعمال طيبة الركب ونشيدة الطالب وسراة لؤي بن غالب وملتقى نور الله ما بين فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب والأدارسة الذين سيف جدهم بالمأذنة العظمى والمرقب
الأسمى منتضى مشهور قد سالمته أفلاك ودهور وتجافت عنه أعوام وشهور فله إذا حذفت المعالم وطمست للفخر المواسم ظهور ولم تزل الملوك الكرام تستدعيهم إلى صدور المجالس وتزين عقود المحافل بدررهم النفايس وتشركهم في المآكل والمشارب والملابس وتجعل توفيرهم إلى استخلاص ضماير المسلمين ذريعة وتقديمهم دينا وتجلتهم شريعة وتبرزهم في المحول إذا شكا الناس نازلهم وجهدهم وتستسقي بهم غيث السما كما استسقى عمر رضي الله عنه بجهدهم إلى أن تلا الدهر سورة آل عمران فياشد ما أعجز ووعد أن يحيي بآيتها البينة الشرف وآثار من مضى من والسلف فوفى وأنجز فتوفرت رغبات الأعلام على التعلق بعروتهم الوثقى وسمت منهم الهمم إلى المحل الأرقى وتبادر الفضلاء والأعوان ركضا إلى المنافسة في قربهم وسبقا ابتغاء لما عند الله فما عند الله خير وأبقى واغتباطا بذرية رسوله الذي من ظفر بقربها أحرز الفخر حقا أبقى الله أعلامهم سامية وبركاتهم هامية وآمال العلماء ورثة جدهم إلى غاية مجدهم مترامية وإن السيد الفقيه الجليل الكبير الشهير الخطير رييس الفئة العلمية العديدة الوافرة وصدر كتبتها الغانمة الظافرة وجواد هذه الحلبة الكريمة وفارق هذه الديمة تاج المفرق وفخر المغرب على المشرق على الحلة السيرا وبركة الدولة الغرا ممهد الأقاليم برماح الأقلام وآسى الكلوم الرعيبة برقى الكلام وعلم الأعلام والمؤتمن على أسرار ملوك الإسلام الذي أصبحت مدينة الملك بيمن نقيبته وفضل
ضريبته مدينة السلام وانجلت بنور تدبيره غياهب الظلام وهيأته لسعادة الخلق وإبانة طرق الحق عناية الملك العلام العالم العلا الأوحد الطاهر الظاهر الأسعد الإمام اذي يقدمه الملوك والأمراء ونسيج وحده الذي عدمت له النظراء وتقاصرت عن مدى شاوه النظراء مسند حديث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} غضا أعمل فيه ركضا وقطع جوا فجوا وأرضا فأرضا يرى نقله من معدنه فرضا حتى لفظ من أدواح المشاهد النبوية أزهاره وأنفد ليله في اقتناء الفضايل والجلائل ونهاره وأسمع بلفظه من فوق المراقي السامية مشايخه وكباره وقفل عن حج بيت الله وزيارة الرسول الذي اختاره قفول النسيم عن الروض بعد ما زاره وأودعه أسراره توجب ملوك الإسلام إيثاره وتجلو عن منصات منابرها أفكاره صدر الصدور وبدر البدور وعلم المرقب المشهور ومؤمل الخاصة والجمهور الفاضل الكامل والحافظ المحافظ العالم العلم المتقن المصنف أبا عبد الله محمدا ولي الله الذي ظهرت بركاته وتقيدت بالكتاب والسنة سكناته وحركاته المعمور الزمن بالأحباب والإنابة المخصوص الدعوة بالإجابة الذي واصل في مجاورة حرم الله شتاء وصيفا وأخذته به أكف الاختبار فلم يك عند الاعتبار زيفا حتى أم بالمسجد الكريم وإن كان ضيفا وتقدم مصلاه اختبارا لم يجر حيفا وحسبك بها فضيلة سلت عليها عناية الله سيفا واختار بذلك البقيع الكريم لحده منقطعا إلى الله وحده فأصبحت تربته مزورة مقصودة وكرامته مشهورة مشهودة وفضايله ليست خافية ولا محجوبة الشيخ الفقيه الجليل الطاهر
الظاهر القانت العابد الزاهد المتصوف الصالح المعظم المقدس المرحوم أبو العباس أحمد ابن ولي الله الرفيع الدرجة لديه والرتبة الكريم اللحد الزكي التربة الذي تذممت بجاه جواره ملوك وطنه واستنارت بملحده بين أحداثها ومدفنه ابتغاء الوسيلة إليه والقربة الشيخ الكذا أبو عبد الله محمد بن مرزوق سلالة أولياء الله الذين شهرت أحوالهم وقصرت على مواهب السعادة آمالهم وأشرقت بإدامة ذكر الله خلالهم جيران تاج العارفين ومشايخ القايمين بمقام تربته والعاكفين وعماد العباد المتسمين بولاية الله المتصفين أبقاه الله للعلم والعمل وبلوغ الأمل وتدبير الدولة التي لها الفخر على الدول وحجة فضل العصور المتأخرة عن العصور الأول لما كان له في مضمار الفضل المشرق الأنوار بالتقديم والتبريز والكمال الذي خلص منه الإبريز ونشأ في حجره فرع مجده ونير سعده سلالة الكرامة والولاية والمؤمل لوراثة فضله وعلمه بعد بلوغ عمر النهاية وهلال سمايه الذي حكمت له بالإبدار والعصمة من السرار مخايل البداية وتوهم إمتطاؤه كتد المنبر وهو في كتد الر اية الفقيه الكذا أبو القاسم بلغه الله فيه غاية الآمال وحفظ عين كماله من عين الكمال فهو عين الكمال نظر له النظر الذي يتكفل بحسن العواقب ويجمع شتات المناقب ورشحه إلى أعلى المراقى والمراقب وولي فيه وجه
اجتهاد الملاحظ المراقب شطر النجم المصاقب للنجم المثاقب وأمد له الوسيلة إلى الحاشر العاقب وذهب إلى أن يصون شبابه بإحصانه في ريعانه ويلبسه ثوب العفاف يسحب في ميدانه ذيل أردانه فجالت منه في هذا الغرض الذي يسمح في اقتناء جوهره بالعرض الخواطر المقدسة والأفكار وقرع باستخارته باب من يخلق ما يشاء ويختار حسبما كان يفعله في أموره المهمة النبي المختار فانبعث لخطاب واعتبرت الأعيان في المدينة التي عظم منها الشان وأقرت بفضلها البلدان واستحضرت الأقطاب وتنخل الطاب فوقف أمله على هذا البيت الذي عقد عليه الخنصر والفخر الذي سمعه السامع وأبصره المبصر واختار وهو السديدة أفكاره وعنوان عقل الفتى اختياره البيت الذي لا يعدل الأختيار عن جنابه شرفا وتجلة وإعظاما أصبحت رسومه مستقلة خير بيت طلعت عليه الشمس وتفرعت من قواعده القواعد الخمس وشهد بفخره اليوم والأمس وصمتت لهيبته الشفاه فشأنها الإشارة والهمس بيت الشرف الذي تعرفه الخيام والحلل لا بل النجد والملل ومعدن الفخر الذي يضرب به المثل ويعمل في تعزيزه وتوقيره أمر الله الممتثل ورمى إلى ذلك الجبل المنيف بهمته وأغرا أمله باختطاطه بناء هذا البناء السعيد في ذروته وقمته ومت إليه بوسايله التي لا ترد وأذمته فخطب منهم السيد الشريف الطاهر الظاهر الأسعد الأصعد الأوحد الأمجد
الأعدل الأفضل الأكمل المعظم لباب لبابهم وعنوان كتابهم وواصل أسبابهم وبركة شيبهم وشبابهم ذي القدر المنيف والحسب الغني عن التعريف الذي تذكر بالغرر الفاطمية عزته ويدل على نفاسة ذلك العقد الثمين درته جليس الخلافة وأثيرها وعميد العصابة العلوية وكبيرها أبو عبد الله محمد ابن علم الأعلام وكبير الشرفاء الكرام والمعتمد بالإجلال والإعظام المتميز بقدم الرسوخ ورسوخ الأقدام والمتمسك من مثوى جده بمحط الرحل ومحل الالمام المخصوص بميزات الملوك العظام المعتمد منهم بالإحظاء والإكرام المتبرك به وبولده من أهل بلده عند اللقاء والسلام الشريف الكبير الجليل التقي الأواب الأسعد الأرضي المقدس المرحوم أبي عبد الله محمد بن عمران ابن عبد الواحد بن أحمد بن علي بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن علي بن حمود بن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى الحوطي الذي جبر البيت وأحيا الحي وخلف الميت ابن القاسم بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبقاه الله علم أعلام وركن استلام وشهاب هدى يجلو كل الإظلام ووسيلة إلى الله في كشف ضر أو استنزال غمام على ولده الأسعد أبي القاسم بنت أخيه السيد الشريف الأجل الظاهر الأسنى الأعدل الأزكى قسيمه في نسبه وما تقرر من حميد مذهبه فرع الشجرة الشماء والسرحة الهاشمية التي أصلها ثابت وفرعها في السماء الذي توشح بالطهارة والعفاف يافعا ووليدا واحرز الفخر طريفا وتليدا الصالح الفاضل التقي الخاشع المتبرك به المقدس المرحوم أبي فلان قدس الله تربته ورفع في الملاء الأعلى مع سلطة أولى الفضل الذي تتلى رتبته وهي الشريفة
السعيدة الفاضلة الطاهرة كريمة شرفه وبكر حجابه ودرة صدفه فاطمة جعلها الله خير خلف من أمهاتها اللأى طال ما اهتدى بهن الرجال وإن كن نسا ونقل عنهن إلى أبنايهن وهم المؤمنون حكم الله صباحا ومسا خطبة كان السعد قايد زمامها واليمن مقرر أحكامها والرضى والقبول ضامني تمامها فتلقى الشريف الطاهر أبو عبد الله عنها بالقبول والرضا خطبته وأسعف رغبته ورأى أنه كما قيل في أولهم فحل لا يقدح أنفه وكفؤ يقتضي العدل والعلمية أن يمنع صرفه وعلم لا يجهل اسمه ولا ينكر فعله ولا يحذف حرفه فكان الارتياح والنشاط والرضا والاغتباط ثم الالتزام والارتباط وانعقد بينهما النكاح في الخطوبة المسماة على بركة الله الباهرة الآيات وعلى صداق مبلغه ما بين نقد معجل وكالي مؤجل كذا وكذا النقد من ذاك كذا وكذا والكالى وقدره كذا وكذا وسعت المكارمة أنظاره إلى كذا وكذا من الآن تحمل والد الزوج حرس الله أسباب معاليه وبلغه من سعادة الزوجين ما يرتضيه جميع ما ذكر من نقد الصداق وكاليه تحمل حمل لا مدخل للحمالة كحكم فيه وعلى ذلك انعقد النكاح وتمت معانيه وبسببه استقلت مبانيه وهي متصفة بالأوصاف التي تبيح كمال الإشهاد وتسنيه تزوجها بكلمة الله التي علت الكلمات وفاقتها وبهرت الأبصار وراقتها وتقدمت الأعمال الصالحة فما حدتها الموانع ولا عاقتها وعلى سنة سيدنا ومولانا محمد رسوله التي انتخبتها المراشد وانتقتها ونظمت الميامن ونسقتها وعلى ما أخذه الله سبحانه للزوجات على أزواجهن وللأزواج على الزوجات من حسن العشرة
وإيجاب الدرجات وكلاهما غني عن الوصاة بالآداب الكريمة والخلال المرتضاة حتى تتكفل المكارمة بقرة العيون وانشراح الصدور وتسعد الشموس بالبدور وتزين نجوم سلالة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} آفاق المنازل المباركة والدور وتنتظم في لبة المجد انتظام الشذور شهد على السيد الفقيه الخطيب والد الزوج وولده السيد الشريف المعظم أبي عبد الله بن عمران بما ذكر عنهم في هذا الكتاب وحضر إشهاد الزوج من أشهدوه به على أنفسهم وهم بحال صحة كمال الإشهاد وعلى أتم الأحوال المسوغة لهذا المراد كذا والله عز وجل يجعل هذا العقد أسعد عقد حضرت لمرعاه الجلة وسرت بتأتي مثله الملة وأنارت بسعادته البدور والأهلة وثبتت من سنيه وأمانيه وكونه مؤسسا على تقوى الله ورضوانه العقود المستقلة ويبقيهما في العيشة الرغد واتصال السعد وتحت بركة من لهما من الأب الصالح والجد ويضفى عليهما من العصمة درعا حصينا ويجعلهما من أهل السعادة دنيا ودينا ويسلك بهما من التوفيق سبيلا مبينا وصلاة الله على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بوأنا من السعادة مكانا مكينا وأجلانا وجه الفوز يروق جبينا وسلم تسليما كثيرا
ولما توفي السلطان أبو الحجاج رحمه الله وولي ولده رضى الله عنه الأمر من بعده كان مماصدر عني البيعة المنعقدة عليه من أهل الحضرة العلية والإيالة الكريمة النصرية نصا بعد الفاتحة الحمد لله الذي جل شانا وعز سلطانا وأقام على ربوبيته الواجبة في كل كل شيء خلقه برهانا الواجب الوجود ضرورة إذ كان وجود ما سواه إمكانا الحي القيوم حياة أبدية منزهة عن الابتداء والانتهاء فلا تعرف وقتا ولا تستدعي زمانا العليم الذي يعلم السر وأخفى فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا أحاط بها علما وأدركها عيانا القدير الذي ألقت الموجودات كلها إلى عظمته يد الخضوع إسلاما له وإذعانا المريد الذي بيده تصريف الأقدار واختلاف الليل والنهار فإن منع منع عدلا وإن منح منح إحسانا شهد تدول الملك بزمام ملكه ودل حدوث ما سواه على قدمه وأثنت ألسنة الحي والجماد على مواهبه وقسمه وفاض على عوالم السما والأرض بحر جوده العميم النوال من قبل سؤاله وكرمه فمامن شيء إلا يسبح بحمده ويثني على نعمه سرا وإعلاما فهو الله الذي لا إله إلا هو ليس في الوجود إلا فعله ألا له الخلق والأمر وإليه يرجع الأمر كله وسع الأكوان على تباينها فضله وقدر المواهب والمقاسم عدله منعا ومنحا
وزيادة ونقصانا والحمد لله الذي بيده الاختراع والإنشاء ملك الملوك يؤتي الملك من يشا ويعز من يشا ويذل من يشا سبق في في مكنون غيبه القضا وخفيت عن خلقه الأسباب وعميت عليهم الأنباء وعجزت عقولهم عن أن تستكشف منها كنها أو تدرك منها بيانا والحمد لله الذي رفع قبة السماء ما اتخذ لها عمادا وجعل الأرض فراشا ومهادا وخلق الجبال الراسية أوتادا ورتب أوضاعها أجناسا متفاضلة وأنواعا متباينة متقابلة فحيوانا ونباتا وجمادا وأقام فيها على ربوبيته حكمة الأبداع والآثار باهرة الشعاع وإشهارا وجعل الليل والنهار والشمس والقمر حسبانا وقدر لسياسة سياجا لعالم الإنسان يضم منه ما انتثر ويطوي من تعديه ما نشر تحمله على الآداب التي ترشده إذا ضل وتقيمه إذا عثر وتجبره على أن لتزم السنن ويتبع الأثر لطفا منه شمل البشر وحنانا ولما عمر الأرض بهذا الجنس الذي فضله وشرفه ووهب له العقل الذي يفكر به في حكمته حتى عرفه وبما يجب لربوبيته الواجبة وصفه جعلهم درجات بعضها فوق بعض فقرا وغنا وطاعة وعصيانا واختار منهم سفرة الوحي وحملة الآيات وأرسل لهم الرسل بالدلايل والمعجزات وعرفهم بما كلفهم من الأعمال المفترضات ليجزي الذين أساءوا بما عملوا وليجزي الذين أحسنوا بالحسنى يوم اختبار
الأعمال واعتبار الحسنات ونصب العدل والمجازات في يوم العرض عليه قسطاسا وميزانا نحمده وله الحمد في االأولى والآخرة ونثني على مواهبه الجمة وآلايه الوافرة ونمد يد الضراعة في موقف الرجا والطاعة إلى المزيد من مننه الهامية الهامرة ونسله دوام ألطافه الخافية وعصمته الظاهرة واتصال نعمه التي لا تزال نتعرفها مثنى ووحدانا ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له شهادة نجدها في المعاد عده وافية ووسيلة بالأعمال الصالحة إليه راقية وذخيرة باقية ونورا يسعى بين أيدينا ويكون على الرضا والقبول فينا عنوانا ونشهد أن سيدنا ومولانا محمد النبي العربي القرشي الهاشمي عبده ورسوله الذي اصطفاه واختاره ورفع بين النبيين والمرسلين مقداره وطهر قلبه وقدس أسراره وبلغه من رضاه اختياره وأعطاه لواء الشفاعة يقفو آدم ومن بعده من الأنبياء الكرام آثاره وجعله أقرب الرسل مكانة وأرفعهم مكانا رسول الرحمة ونور الظلمة وإمام الرسل الإيمة الذي جمع له بين مزية السبق ومزية التتمة وجعل طاعته من العذاب المقيم أمانا صاحب الشفاعة التي تؤمل والوسيلة التي بها إلى الله يتوسل والدرجة التي لم يؤتها ملك المقرب ولا النبي المرسل والرتبة التي لم يعطها الله سواه إنسانا انتخبه من أشرف العرب أما وأبا وأزكى البرية طينة وأرفعها نسبا وابتعثه إلى كافة الخلق عجما وعربا وملأ بنور دعوته البسيطة جنوبا وشمالا ومشرقا ومغربا وأنزل عليه كتابه الذي آمنت به الجن لما سمعته وقالوا إنا سمعنا قرآنا
عجبا تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شئ وتبيانا فصدع {صلى الله عليه وسلم} بأمر من اختار ذاته الطاهرة واصطفاها وأدى أمانة الله ووفاها ورأى الخلايق على شفا المتالف فتلافاها وتتبع أدواء الضلال فشفاها ومحا معالم الجهل وعفاها وشاد الحق للخلق بنيانا مؤيدا بالمعجزات التي حججها تقبل وتسلم فمن جذع لفراقه يتألم وجماد بتصديق نبوته يتكلم وجيش شكا له الظمأ ففجر لريه المعين منه بنانا وأي معجزة ككتاب الله الذي لا تنقضي عجايبه فهو اليم والعلوم النافعة كلها مذانبة وأفق الحق الذي تهدي في ظلمات البر والبحر كواكبه والحجة البالغة التي أصبحت بين الحق والباطل فرقانا فأشرقت الأرض بنور ربها وآياته وتمت كلمة الله صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وبلغ ملك أمته ما زوى له من أقطار المعمور وجهاته حتى عمر من أكناف البسيطة وأرياف البحار المحيطة وهادا وكثبانا ونقلت كنوز كسرى بعز دعوته الغالبة وظفرت بفلح الحسام عزايمها المطالبة وأصبح إيوان فارس مجر رماح العرب العارية وقذفت جنود قيصر من دواليها بالشهب الثاقبة حتى فر عن مدرته الطيبة آيبا بالصفقة الخايبة وخلصت إلى فسطاط مصر بكتايبها المتعاقبة فلا تسمع الآذان في مقاماتهم إلا إقامة وأذانا ولا دليل أظهر من هذا القطر الأندلسي الغريب الذي خاضت إليه بسيوفها أثباج البحار على بعد المراحل ونزوح الديار وتكاثف العمالات واختلاف الأمصار ومنقطع العمارة بأقصى الشمال ومحط السفار طلعت عليه كلمة الله طلوع النهار واستوطنته قبايل العرب الأحرار وأرغمت به أنوف الكفار ضرابا سبيل الله وطعانا ولما استقام الدين وتممم معالم الإيمان الرسول الأمين وظهر الحق المبين وراق من وجه الملة الحنيفية السمحة الجبين وأخذ المسالك والمآخذ والإفصاح
والتبيين وتقررت المستندات المعتمدات سنة وقرأنا أسرة الوحي بالرحلة عن هذه الدار والانتقال إلى محل الكرامة ودار القرار وخير الملك فاختار الرفيق الأعلى موفقا إلى أكرم الاختيار وجد صحبه رضي الله عنهم في الاستخلاف بعده والإيثار حججا مشرقة الأنوار أطلقت بالحق يدا وأنطقت بالصدق لسانا صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وأسرته الطاهرة وعصابته وأصهاره وقرابته الذي كانوا في معاضدته إخوانا وعلى إعلاء أمره الحق أعوانا نجوم الملة وأقمارها وغيوثها الهامية وبحورها وسيوف الله التي لا تنبو شفارها وأعلام الهدى التي لا تبلى آثارها ودعايم الدين التي وقفت على البر والتقوى أركانا وحيا الله وجوه حى الأنصار بالنعم والنضرة أولي البأس عند الحفيظة والعفو عند المقدرة الرضوان أن يذهب الناس بالشاة والبعير ويذهبون برسول الله فنعمت المنقبة والأثرة الحائزون ببيعة الرضوان فضلا من الله ورضوانا ووزراؤه وظهراؤه في كل أمر وخالصة يوم أحد وبدر لم يزالوا صدرا في كل قلب وقلبا في كل صدر يعدونه كل حمد ويصلون بنفوسهم في كل سر وجهر ويعملون في إعلاء دينه بيضا عضابا وسمرا لدانا صلاة لا تزال سحايبها ثرة وتحية دائمة مستمرة ما لهجت الألسن بثنايهم ووقفت المفاخر على عليائهم وتعلمت المواهب على آلايهم وقصرت المحامد على مسمياتهم وأسمايهم وكان حثهم على الفوز بالجنة ضمانا ونسلك اللهم لهذا الأمر النصر الذي سببه بسببهم موصول وهم لفروعه السامية أصول فيا لها من نصول خلفتها نصول أنجزت وعد النصر وهو ممطول وأحيت
ربوع الإيمان وهي طلول نصرا عزيزا وفتحا مبينا وتأييدا على أعدائك وتمكينا وملكا يبقى في الأعقاب وأعقاب الأعقاب وسلطانا وأعنا اللهم على ما أوجبت من حسن الطاعة وتأدية الحق بجهد الاستطاعة وأعصمنا بإيالته العادلة من الإضاعة واحملنا من مرضاته على سنن السنة والجماعة واجعلها كلمة باقية في عقبه إلى قيام الساعة واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا أما بعد ما افتتح به من تحميد الله وتمجيده والثناء الذي تتعطر الأندية بترديده فإن من المشهور الذي يعضده الوجود ويؤيده والمعلوم الذي هو كالشمس ضل من ينكره أو يجحده والذائع بكل قطر ترويه رواة الأنباء وتسنده ما عليه هذا الملك النصري الحمى الأنصاري المنتمي الذي يصيب شاكلة الحق إذا رمي ويعم العباد والبلاد غيثه مهمي همي من أصالة الأعراق وكرم الأخلاق والفضل الباهر الإشراق والجهاد الذي هو سمر الكواكب وحديث الرفاق وإن قومه الملوك الكرام إن فوخروا بنسب ذكروا سعد بن عبادة ومجده أو كثروا بعدد غلبوا بالله وحده أو استنصروا فرجوا كل شدة واستظهروا من عزهم الموهوب وصبرهم على الخطوب بكل عدد وعدة دارهم الثغر الأقصى ونعمت الدار وشعارهم لا غالب إلا الله ونعم الشعار زهاد إذا ذكر الدين أسود إذا حميت الميادين جبال إذا زحفت الصفوف بدور إذا أظلمت الزحوف غيوث إذا منع المعروف أفراد إذا ذكر الألوف إن بويعوا فالملايكة وفود وحملة العلم وحملة السلاح شهود وإن ولدوا فالسيوف تمايم والسروج مهود وإن أصحروا للعدو فالظلال بنود وجنود السبع السما جلود وإن أظلم الليل أسهروا جفونهم في حياطة المسلمين والجفون رقود وإن هذا
القطر الذي انتهى سبيل الفتح الأول إلى قاصيته وأجيلت قداح الفوز بالدعوة الحنيفية على الإسلام فأخذ الأسلام بناصيته كان من فتحه الأول ما قد علم حسبما سطر ورسم وأن موسى بن نصير وفتاه حل من فرضة مجازه ما حل موسى وفتاه وحل الإسلام منه دار قرار وخطة حقيقة بارتياد واختيار وبلد لا يحصى خيره ولا يفضله بشيء من المزية ما عدى الحرمين غيره وامتدته الأيام حتى تأنس العدو لروعته وخف عليه ما كان من صرعته وقدح فأورى وأعضل داؤه فاستشرى وصارت الصغرى التي كانت الكبرى فلولا أن الله دعم الدين منهم بالعمد الوثيقة حماة الحقيقة وأيمة الخليقة وسلالة مفتتحي اليمامة ومقتحمي الحديقة لأجهز النصل وأجتث من الدين الأصل لا كنهم انتدبوا إلى إمساك الدين بها انتدابا ووصلوا بالإسلام أسبابا وتناولها منهم صقر قبيل الخزرج ذو الحسام المضرج والثناء المؤرج أبو عبد الله محمد بن يوسف بن نصر أمير المسلمين المنتدب لإقامة سنة سيد المرسلين قدوة الملوك المجاهدين نضر الله وجهه وتقبل جهاده وشكر دفاعه عن حوزة الإسلام وبلاده فأقشعت الظلمة وتماسكت الأمة وكف العدو وأقصر ورأى الإسلام بمن استنصر واستبصر في الطاعة من استبصر وهبت بطاعته لله العزايم وكرت على العدو الهزايم وتوارثوا ملكها ولدا عن أب مستندين إلى عدل وبذل وبسالة وجلالة وحسب تتضح في أفق الجلال نجوم سيرهم هادية للسايرين وتفرق من سطوتهم في الله أسد
العرين إلى أن قام بالأمر وسطى سلكهم وبركة ملكهم الخليفة الواجبة طاعته على الخلق الشهير الجلالة والبسالة في الغرب والشرق أمير المسلمين بواجب الحق صاحب أذيال العفاف والطهارة السعيد الإيالة والإمارة البعيد الغارة من ذعر العدو لبارق حسامه وذخر الفتح السني لأيامه صدر الملوك المجاهدين وكبير الخلفاء العادلين البعيد المدا في حماية الدين السعيد الشهيد أبو الوليد ابن المولى الهمام الأوحد الرفيع الممجد الطاهر الظاهر الأعلى الرييس الكبير الجليل المقدس الأرضي أبي سعيد بن نصر فأحيا رحمه الله معالم الكتاب والسنة وجلى بنوره غياهب الدجنة وأعز الإسلام وحماه ورمى ثغر الكفر فأصماه قدس الله روحه الطيب وسقى لحده من الرحمة والغمام الصيب وأورث الملك الجهادي من ولده خير ملك قبلت منه كف واستدار به موكب للجهاد ملتف وشمخ بخدمته أنف وسما إلى مشاهدته طرف وتأرج من ذكره عرف وحدي إلى بابه حرف مولانا الخليفة الإمام الملك الهمام من أشرق بنور إيالته الإسلام وتشرفت بوجوده الليالي والايام بدر الملك وشمسه وسر الزمان الذي قصر عن يومه أمسه الذي شهر عدله وبهر فضله وظهرت عليه عناية ربه وكان المصنوع له في سلمه وحربه مولانا أمير المسلمين وقدوة الملوك المجاهدين والأيمة العادلين السعيد الشهيد الطاهر الظاهر الأوحد الهمام الخليفة الإمام أبو الحجاج رفع الله درجتة في أوليائه وحشره مع الذين أنعم الله عليهم من أنبيائه وشهدائه
فوضحت المسالك وبانت وأشرقت المعاهد وازدانت وشمل الصنع الإلهي واللطف الخفي أقطار هذه الأمة حيث كانت ولما اختار الله له ما عنده وبلغ الأجل الذي قدره سبحانه لحياته وحده وقبضه إليه مطمئنا مستغفرا من ذنبه في الحالة التي أقرب ما يكون العبد فيها من ربه كأنما تأهب للشهادة فاختار زمانها ومكانها وطهر بالصوم نفسه التي كرم الله شأنها وطيب ريحها وريحانها فوقفت إزاء أرباب الشورى التي تصح الإمامة باتفاقها وتنعقد بعقد ميثاقها من أعلام العلم بقاعدة ملكه غرناطة حرسها الله التي غيرها لها تبع وحماة الإسلام الذين في آرائهم للدين والدنيا منتفع وخلص الثقات ووجوه الطبقات على مبايعة وارث ملكه بحقه الحايز في ميدان الكمال وإحراز ما للإمامة من الشروط والخلال خصل سبقه كبير ولده وسابق أمده ووارث ملكه ووسطى سلكه وعماد فسطاطه وبدر الهالة من بساطه مولانا قمر العليا ودرة الخلفا وفرع الشجرة الشما التي أصلها ثابت وفرعها في السماء الذي ظهرت عليه مخايل الملك ناشيا ووليدا واستشعرت الأقطار به وهو في المهد أمانا وتمهيدا واستبشر الدين الحنيف فأتلع جيدا واستأنف شبابا جديدا ناصر الحق وغياث الخلق الذي تميز بالسكينة والوقار والحياء المنسدل الأستار والبسالة المرهبة الشفار والجود المنسكب الامطار والعدل المشرق الأنوار وجمع الله فيه شروط الملك على الاختيار مولانا وعمدة ديننا ودنيانا السلطان الفاضل والإمام العادل والهمام الباسل
الكريم الشمايل شمس الملك وبدره وعين الزمان وصدره أمير المسلمين وقرة عين المؤمنين أبو عبد الله وصل الله أسباب سعده كما حلى أجياد المنابر بالدعا لمجده وجعل جنود السماء من جنده ونصره بالنصر العزيز فما النصر إلا من عنده ورأوا أن قد ظفرت بعروة الحق أيديهم وأمن في ظل الله رايحهم وغاديهم ودلت على حسن الخواتم مباديهم فبادروا وانثالوا وتبختروا في ملابس الأمن واختالوا وهبوا إلى بيعته تطيرهم أجنحة السرور ويعلن أنطلاق وجوههم بانشراح الصدور واجتمع منهم طوايف الخاصة والجمهور ما بين الشريف والمشروف والروسا أولى المنصب المعروف وحملة العلم وحملة السيوف والأمنا ومن لديهم من الألوف وساير الكافة أولى البدار لمثلها والخفوف فعقدوا له البيعة الوثيقة الأساس السعيدة بفضل الله على الناس البرى عقدها من الأرتياب والألتباس الحايزة شروط الكمال الماحية بنور البيان ظلم الإشكال الضمينة حسن العقبي ونجح المآل على ما بويع عليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ومن له من الصحابة والآل وعلى السمع والطاعة وملازمة السنة والجماعة فأيديهم بالسلم والحرب رد ليده وطاعتهم إليه خالصة في يومه وغده وأهواؤهم متفقة حالي الشدة والرخاء وعهودهم محفوظة على تداول السراء والضراء أشهدوا عليها الله وكفى به شهيدا وأعطوا صفقات إيمانهم تثبيتا للوفاء بها وتأكيدا وجعلوا منها في أعناقهم ميثاقا وثيقا وعهدا شديدا والله عز وجل يقول فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجرا عظيما ومن أصدق من الله وعدا أو وعيدا وهم قد بسطوا أيديهم يستنزلون رحمة الله بالإخلاص والإنابة وصرفوا وجوههم إلى من أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة يسألون له خير ما يقضيه والسير على
ما يرضيه اللهم بابك عند تقلب الأحوال عرفنا ومن بحر نعمك الكريمة اغترفنا وعفوك ستر عيوننا كلما اجترحنا السيئات واقترفنا من فضلك أغنيتنا وبعينك التي لا تنام حرستنا وحميتنا فانصر حينا وارحم ميتنا وأوزعنا شكر ما أوليتنا واجعل لنا الخير والخيرة فيما إليه هديتنا اللهم إن قطرنا من مادة الإسلام بعيد وقد أحدق بنا بحر زاخر وعدو شديد وفينا أيم وضعيف وهرم ووليد وأنت مولانا ونحن عبيد اللهم من بايعناه في هذا العقد فأسعدنا بمبايعته وطاعته وكن له حيث لا يكون لنفسه بعد استنفاد جهده في التحفظ واستطاعته وكف عنا كف عدوك وعدوه كلما هبت به رياح طماعته يا من يفرده العبد بضراعته ونعوذ بحفظه من إضاعته اللهم أد عنا حقه فإنا لا نقوى على أدايه وتول عنا شكر سيرته وما حمدنا من سير آبايه واحمله من توفيقك على سوايه اللهم إنا إليه ناظرون وعن أمره صادرون ولإنجاز وعده في نصر من ينصرك منتظرون فأعنه على ما قلدته وأنجز لديننا على يديه بما وعدته فما فقد شيئا من وجدك ولا خاب من قصدك ولا ضل من اعتمدك آمين آمين يا رب العالمين وكتب الملأ المذكورن أسماءهم بخطوط أيديهم في هذا الكتاب شاهدة عليهم بما التزموه دينا ودنيا وسلكوا منه سبيلا مبينا في الثاني والعشرين لشوال من عام خمسة وخمسين وسبعماية
الفتوحات الواقعة والمراجعات التابعة
صدر عني كتاب عن أمير المسلمين أبي الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد ابن نصر إلى ملك المغرب السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن نصه بعد الفاتحة المقام الذي مآثره العلية لا تحصى ومكارمه السنية عمت الأدنى والأقصى وأحكام مجده ثبتت في كتاب الفخر نصا وبدور سعده لا تخاف بفضل الله نقصا وعزايمه في نصر دين الإسلام تروض من صرف الأيام ما استعصا وتقضي للدين دينه الممطول مستقصا مقام محل أخينا الذي نجحت آمال الإسلام في الاستعانة بجلاله وصدقته مخيلته في في كرم خلاله وخلصت في سبيل الله زاكيات أعماله وابتدر إلى الإصراخ والإنجاد والجهاد فيه حق جهاده بمواعيده الصادقة وعزايمه المتلاحقة وأمواله السلطان الكذا أبقاه الله يجلو بنور سعده كل خطب ويحيي بوعده ميت الرجا في كل قلب ويروض بيمن نقيبته كل صعب وينسى بمكارمه ذكر حاتم وكعب ويسحب أذيال عزه في كل سلم وحرب ويضرب قداح النصر في مأزق كل طعن وضرب موفى ما يجب لمقامه من البر المفروض المحتوم وإمحاض الود الذي لا يعى الظاهر منه بالمضمر ولا المكنون منه بالمكتومالمثنى على فضله المشهور ومجده المعلوم فلان سلام كريم طيب عميم كما طلع وجه الصباح المشرق وقرع أشهب الفجر ثنية المشرق وهب نسيم الصباح مشقق الجيب مخلق المفرق ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد حمد الله ولي المحامد على اختلاف الأنواع منها والأجناس ومسنى الصنايع الكافية والألطاف الخافية تجل مسالكها عن القياس ومطلع بوارق الرجا على هذه الأرجاء عند اعتكار ظلام الياس و منجد كلمة التوحيد في هذا القطر الغريب الوحيد بكل موازر من أوليائه ومواس فمواهب عنايته سبحانه لأهل هذه الأمصار على مر الأعصار ضافية اللباس ورحمته لمن بها من المسلمين كفيلة بانسكاب النعمى وذهاب الباس والصلاة على سيدنا محمد رسوله أكرم الرسل من شيت إلى إلياس المبتعث من خير أمة أخرجت للناس هادي الخلق إلى سبيل الحق في ليل الشك والالتباس والرضا عن آله وأصحابه وأسرته وأحزابه غيوث الندى وليوث لباس الذين رفعوا معالم سنته من بعده على أوثق أساس وخلفوه في أمته بالنصر الماضي الصوارم والجود الهامي الغمايم والعدل القايم القسطاس والدعاء لمقامكم الأسمى بعز يذل مصاعب الأماني من بعده مصاعب الشماس ونصر تهب به ريح الصبا بين سحايب القتام وبوارق الظبا متأرجة الأنفاس وتتبارى في ترديد وصفه وتجويد رصفه جياد اليراع في ميدان القرطاس فإنا كتبناه إليكم كتب الله لسلطانكم العلي سعدا وثيق المباني ونصرا كريم الألفاظ والمعاني وصنعا كفيلا للإسلام وأهله بنيل الأوطار وبلوغ الأماني وعزا تخفق ظلاله على الأقاصي والأداني من حمراء غرناطة حرسها الله ومسرة اتصال اليد بسلطانكم الأسعد للصدور
شارحة وفي عوالم الأرواح سارية بارحة ولآيات السعادة والصنايع المعادة قارحة في القلوب إلى ظلالها الوارفة جانحة والعيون لأنوارها البادية لامحة والألسن بشكرها مادحة والنفوس في انتشاق رياها ومعاطاة محياها تصل اليوم الغادي بالليلة البارحة والحمد لله كما هو أهله فلا فضل إلا فضله وعندنا لمقامكم العلي ود صفت موارده العذبة ومشارعه وإخلاص كأنه الصبح أشرقت مطالعه وثناء تأرج في الأرجاء ذايعة فنحن نعتد بذلك الملك الكريمة في الدين صنايعه وتؤمل أصراخه إذا راع الإسلام رايعه ونلتمس منه علاج هذا القطر إذا اضطربت طبايعه وإلى هذا وصل الله لكم عوايد النصر على أعدايه وجعل عزمكم كفيلا للدين ببرء دايه وإجابة ندايه فإننا ورد علينا كتابكم الذي موقعه عند العدو موقع الكتايب وخطابكم المشتمل على المواعد الصادقة والعزايم المتلاحقة والمكارم الغرايب فاجتلينا منه سحابة جود صابت على الأرجاء وتألقت من خلالها بروق الرجاء وردنا منه روضة تعاهدتها الغمايم وتفتحت عن أزهارها الصفراء والبيضاء منها الكمايم فأهلا به من خطاب تباري في ميدان الكمال قوله وفعله واشتمل بحلة الفضل الذي أنتم أهله وشهدت أغراضه بما لكم من الملك الرفيع محله والعز المديد ظله ونطق بإجابة داعي الله ورسوله مضمنه كله أعاد في شرح مكارمكم الحافلة وأبدى وأسدى من كرم الخلة ما أسدى وأهدى من نفايس الموالاة والأموال وصدق الأفعال والأقوال ما أهدى فكلما تدبرنا فصوله
وتأملنا معانيه التي شرح الفخر بها محصوله واجتلينا منه معاني أضاء سواد الحبر نورها وحروفا تحمل المداد ظهورها أنفسح لنا في إنجاز تلك المواعد ميدان الأمل وراقنا تظافر النية في تلك المخاطبة السنية والعمل ولله ما تحليتم به من كرم الذات وكمال الصفات وسعادة السمات ومضاء العزمات وما هيأ الله لكم من القبول في القلوب والمحبة هي عنوان العناية من علام الغيوب وما أنطق به الألسنة من الثناء على رفدكم الموهوب وفضلكم الذي اعترف الموجود به والوجوب ومجدكم الذي تعاضد منه الموروث بالمكسوب زادكم الله من فضله المرغوب وسنى لكم من نصر دينه أقصى المطلوب فصدعنا بذلك الكتاب في الحفل المجموع وأشدنا بفضله المرءى والمسموع وبثثنا أنس حديثه بين هذه الأقطار والربوع ليثوب الولي منه بالخير المشفوع واليسر المعين الينبوع وينقلب العدو بالروع المروع وبحكم مسموعة بتنِكير المعارف وتكسير الجموع إن شاء الله وألقى إلينا رسولكم الشيخ القايد أبو مهدي ابن الزرقا وصل الله سعادته وحرس مجادته ما قصرتموه على المشافهة من ألطاف البر ومكنون الود الكريم السر فأبلغ في أحكام نقله بمقتضى دينه وعقله واستوعب ما تحمله عنكم بما يليق بمثله وخرج عن مضمن تلك الرسالة الكريمة كله وبسط لنا القول إرسالنا الآيبون صحبته من بابكم الكريم أعزهم الله فيما وردوا عليه من السهل والرحب والمكارم الهامية السحب وما تلقوه من
عزايمكم التي تقذف العدو بالرعب فتقرر لدينا امتعاض مقامكم الكبير الجلالة الشهير البسالة واستنبطنا أحكام النصر من ذلك التلقين المبين وتلك الرسالة وهذه البلاد أيدكم الله إنما استمسكت بأسباب تلك الإبالة واستركبت بركات مكارمها المنثالة فأكف سكانها على اختلاف أزمانها إلى تلك العزايم الماضية تشير وبتلك الهمم العالية مهمي طرقها الهم تستجير وقلوب المسلمين فيها إلى عوايد سلفكم الأرضين تجنح ونفوسهم لا تزال تلوذ منهم بمن يمنع ويمنح فإذا كيف الله لها مثلكم من لباب ذلك العنصر الطاهر وخلاصة الملك العالي الظاهر فقد جبر القلوب وبلغ المطلوب أمتعنا الله بعصمة مجدكم وعرف الإسلام بركة سعدكم وإنجاز وعدكم ومن الاتفاق الذي عددناه من سعادة هديتكم وحسبناه من آثار نيتكم ما كان من مشاهدة رسولكم أعزه الله قفول الجيش بحضرتنا من غزوة أغزيناه إياها إلى جهات عدو الشرق أبعد فيها المغار وسام من بها من الروم الصغار وأطلق في أوطانها السيف والنار واستباح جملة من القرى بأحواز مدينة الكرس ركبت إليها سراياه ظهر الليل وأطلعت بمطالع فجرها قبل غرة الصباح غور الجبل وباكرت أبكارها وعونها بالويل ونالت من حماتها أعظم النيل وأدارت على متدبريها أكواس المنايا واستاقت النساء والحريم سبايا ودوخت أرضا خطب القدوم عليها شديد وعهدها بسيوف المسلمين بعيد كل ذلك بقوة الله سبحانه وحوله وفضله السابغ وطوله وبركة الاعتداد بمقامكم الأسمى شكر الله مكارم قوله
وفعله فإن العدو أهلكه الله يرهب صولة سلطانكم العزيز الأنصار ويفرق من عزايمكم الماضية الشبا والشفار ويعلم أن اتصال اليد باليد سبب الدمار له والثبار على بعد الدار ونزوح الأقطار فبمقامكم نتوعده إذا تعدى نصد عزمه إذا تصدى على مر الأعصار حفظ الله علينا إعانة مللكم الأسمى وأجرى للإسلام عوايد دولتكم العظمى ومن لدنا أوفدنا على بابكم العلي إرسالنا وأعلقنا بمقامكم المرضى آمالنا أغزينا الجيش غزوات عظمت في العدو بها النكاية وصحبت المسلمين من الله الوقاية إحداها وقف الجيش فيها بياض يومه على باب مدينة إستجة إحدى المدن الخطيرة والقواعد الشهيرة ودار الحامية ومثوى شوكة الطاغية وضيق عليها بالقتال وأذاقها أليم النكال وبآخره لاكت النار زروعها وسكنت حلة البوار ربوعها وانصرف عنها المسلمون وقد تخلف من بها في عداد الأموات لما سامهم من إهلاك الغلات وانتساف الأقوات وأخرى قصد بها مدينة قيجاطة وهي أيضا من قواعد الثغر وأماته ومقر شرار رماته وركاب حماته فرمى غرضها واستباح ربضها ودوخت سراياه ما وراءها من الحصون العلايم والقلاع والأقطار الزارعة الأصقاع وسلطت النار على ما دنا ونآ من تلك البقاع والعدو دمره الله شديد التحذير لأرضه مما يلي هذه البلاد وفرسانه المعدة لحماية ثغوره
كثيرة كثيفة الأعداد فما يفارق الحضرة إلا على توقع مضرتها واستدفاع محذور غرتها هذا ما عندنا شرحناه إليكم وألقيناه عليكم وإعانتكم التي لسبيل الله عينتموها واقعة من الله سبحانه بمكانه ومكان رجاله منه محل رضوان شكرنا لمقاصدكم الكريمة وفواضلكم العميمة لو استظهرنا عليه بلسان سحبان لما جلى عن غرضنا ولا أبان وإلى الله نكل جزاءكم ونسله أن يصل اعتناءكم ويحرس سناءكم ويذيع في الخافقين ثناءكم ورسولكم القايد الأجل الريس أبو مهدي أعزه الله يقرر لديكم ما حملناه ويعرض بين يديكم ما من الله أملناه وفضلكم بالإصغاء إليه كفيل ونظركم جميل والسلام
وصدر عني أيضا في مخاطبة السلطان بالمغرب أمير المسلمين أبي عنان المتقدم ذكره معرفا عن أمير المسلمين أبي الحجاج بن نصر بفتح حصن قنيط المقام الذي لأنباء النصر اهتزازه وارتياحه وفي سبيل الله عزمه وبأسه وسماحه ولجهاد أعدائه تحن جياده وتميل رماحه ومن أفقه الأعلى تنشأ سحابة وتهب رياحه مقام محل أخينا الذي نعظمه ونجله ونثني عليه بما هو أهله السلطان الكذا أبقاه الله ومقدمات رفده صادقة الإنتاج ودليل سعده غير معارض في مناط الاحتجاج وحرم عزه ممنوع الحمى مرفوع السياج وعقبان راياته تظلل من حماته أسود الهياج معظم مجده المعتد بوده الداعي إلى الله في اتصال سعده الأمير عبدالله يوسف بن أمير المسلمين أبي الوليد بن إسماعيل بن فرج بن نصر سلام كريم عليكم سلاما يوده البدر وشما في غرته ويكتبه الصباح الطلق معودة في طرته يخص مقامكم الأسمى ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد حمد لله الذي يسر لنا من لطفه الخفي سبيلا واضحا ومنهاجا وجدد علينا ملابس الإقبال بسعادة ملككم السامي الجلال وقد كادت ترق انهاجا فاتح أبواب الأمل إذا سامتها الشدايد أرتاجا ومسخر ضروب الأيام وقد
أعيت جماحا ولجاجا والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسوله الذي أطلع منه في أفق المهدى سراجا وهاجا وأقام به عماد الحق لا يعرف اعوجاجا وعقد عليه من جاه الشفاعة العامة تاجا وأيده بنصره وبالمؤمنين وأمده في الأرض بملايكته المسومين أفواجا والرضا عمن شملته حرمة جواره ووسعته رحمة قربه وحبه وإيثاره صحابة وقرابة وأزواجا الذين لم يألوا في شد أزره وإعلا أمره التحاما وامتزاجا وإلجاما في مجاهدة عداه وإسراجا فكانوا غيوثا كلما باشروا احتياجا وليوثا كلما حضروا هياجا فانبلج بهم صباح الحق انبلاجا ولم يدع هديهم في النفوس ريبا ولا في الصدور اختلاجا والدعاء لمقامكم الأعلى أبقاه الله بحرا بأمواج الكتايب الناصرة عجاجا وغماما لغيوث المواهب الهامرة ثجاجا واطلع عليه من أنباء الصنع الجميل على يديه ما يهز عطفه الكريم ارتياحا وابتهاجا ولا زالت كواكب يمنه أسعد أبراجا وأدلة سعده أوفى حظوظا في حدودها وأوفر أدراجا وجعل عزمه الأمضى وسعيه الأرضي لعلل الدين والدنيا علاجا فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم صنعا يسحب من أذيال المسرات المستمرات عصبا وديباجا وعزا يطوف بمقامه وفود البشاير حجاجا من حمراء غرناطة حرسها الله وعندنا من الثقة بالله عقود لا يتطرق إليها انفصام ومن التوكل عليه حصن حصين إليه في الشدايد والاعتصام وجنابكم بعد الله هو الملجأ الأحمى والمقام ولمدونة كتايبه القول إذا اشتد العدو والخصام فلا نزال بيمن الاعتداد لمقامكم الأعلى نجتلي وجوه السعادة عيانا ونعرف ضروب الإعانة والتيسير حالي المقام والمسير مثنى ووحدانا ونجد فيها مدلول قوله سبحانه سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا وإلى هذا وصل الله سعدكم وسنى في أعدايه قصدكم وإنه تقدمت
مطالعة مقامكم بما سناه الله لجيش المسلمين في الغزوات المنصوصة عليكم من الصنع الكريم وأنهم تعاهدوا ما بينهم من ديار الكفار معاهدة الغريم وأذاقوا من حلوا بساحتهم من أحزاب الظلال طعم الوبال بين إحراق الغلات وسبي الحريم كل ذلك من غير قوة ولا حول ولا بفعل منا ولا قول بل بقوة الله التي لا تضير معها قلة عدد وإعانته التي هي خير مدد وبركة نيتكم التي هي بعد الله أسنى معتمد ورأينا الآن أن نصل فيهم النكاية الماضية بالآتية ونقرن الغزاة الصايفة بالشاتية ولا نقصر العزم على الفصول المواتية فأغزينا بالجيش خاصتنا الحظي لدينا القايد أبا النعيم رضوانا أعزه الله وأسعده ووفقه وأرشده فنهد لقصده ونهض بما نعلمه من جده وتبعه الجيش يكافحه جيش المزن وقد فرق قباله وطور بأعلام البروج جباله وصمم لوجهه أنفة من حل العزم المعقود وثقة باشتمال المكروه على المودود وقع التفاوض في الوجه المقصود والتماس الأثر المحمود وروعيت في طريق الترجيح ضمايم الوجود فتخلص العزم على قصد الحفرة الغربية لتكون المرفقة أسوغ ونكاية العدو فيما يراه مستخلص قهره أبلغ ولأن الجهة التي لإيالتكم هي علينا أهم والفايدة فيما يختص بهم أعم فنازل بعد أن تلاحقت الجيوش الغربية حصن قنيط وهو من أشهر تلك الحصون الأطيبية ذكرا وأعظمها نكرا وأشدها امتناعا وأمدها في نكاية المسلمين باعا ووافق قصده ورود الميرة على سكانه فانحصر فيه من أوصلها من رجال العدو وفرسانه وحماة
طغيانه فشرعت العزايم المسلمة في قتاله وسالت جداول السيوف إلى إطفاء نار ضلاله وفوقت السهام إلى برج سوره وجلاله وأخذ أمر الله من عن يمينه وشماله والجو مع هذه الحال مرعد مبرق والنهار قد تجهم وجهه المشرق وعارض الوبل قد خالط عارض النبل والحيلة في افتتاحه لا تهدي لسلوك ما تعرفه من السبل ثم أذن الله في كف أكف المطر لتيسير الأمل وإحراز الوطر فسفرت الشمس من نقابها وبرزت مخدرتها من حجاب سحابها كأنما أعانت على تكميل المراد لما تطلعت لمشاهدة الطراد فرشفت البلل ونقعت الغلل وأزاحت الكسل واستانفت الفعلة العمل وعاودت المقاتلة الأمل وحكمت آلات النقب في شارة سوره فقعدت وخرم أساسها فاتكأت على دعايم الخشب واعتمدت ثم تليت عليها آية النهار فخشعت ثم سجدت ودخل المسلمون جفنه عنوة بعد حرب أداروا كاسها وموافقة راض النصر سماتها واعتصم حماته بقصبته وقد أحيط بهم إحاطة القلادة بالجيد وراع تثليثهم تجاوب كلمة التوحيد وكاتبتهم صروف المنايا بمرنات الجنايا على المرمى البعيد فأذعن عميدهم عند ذلك إذعان العميد ولجوا في طلب الأمان إلى الركن الشديد فظهر أن إجابة سؤالهم تسهيل على أمثالهم ومن يجاورهم من أشكالهم من العمل الأكيد والرأي السديد فتسلم المسلمون اليوم الثاني قصبته وأورث الله دينه الذي حجب عصبته وتسنمت رايات النصر هضبته وحلت كلمة الإسلام من بعد العطل لبته وهذا المعقل أيدكم الله إليه تنسب الحفرة
القنيطية وفي ساحته لمرتاد الخصب منتهى الطية ومناخ الطية وما يجاوره من الحصون بسببه إن شاء الله ينتثر سلكها ويتيسر ملكها فإنما هو دين اقتضيت منه دفعة وحق مشترك استخلصت بعضه شفعة وباب تفتحت منه فرجة وخصام وضحت منه حجة وعما قريب إن شاء الله بمعاهدتكم الكريمة نستوفي من العدو الديون وتقر باستخلاص ذلك الحق العيون ويفتح الباب وتتقطع بالخصم الألد الأسباب وموقع هذا الحصن من طاغية العدو قصمه الله الموقع الذي ينغص أنسه ويوحش نفسه وقد رتب فيه الحماة واختير له الرجال و الرماة بخلال ما يقع نظركم في إضافته إلى ما يرجع لرندة حرسها الله من الثغور وتعرف نكرته بالإضافة إلى علمكم المنصور فهو طليعة الفتوح التي في إيالتكم العالية ترتسم ومبدأ الحصون التي في سلككم الرفيع بحول الله تنتظم وانصرف الجيش المبارك عنه حميد السعي سديد الرمي واستنزل منه من الأعداء أولى القوة والبأس والنفوس الحمية الأنفاس جملة تناهز الماية لو لم يكن في هذا الفتح إلا أن العدو تكل دفاعهم عن حوزته وكفى الله الإسلام شرهم بعزته وتخلص من كان به من أسرى المسلمين ولحقوا بأهليهم سالمين ولما كيف الله هذا الصنع قابله معظم مقامكم بالشكر الذي يستدعي المزيد ويقرب الأمل البعيد وعرف به مقامكم الأسمى ليأخذ من ذلك بالحظ الأوفى والشكر الذي يقرب إلى الله زلفى
فإن نسب هذا الفتح إلى عمود ملككم نسب صحيح وشاهده في الانتماء إلى معاليكم عربي فصيح فإنما هو ثمرة إمدادكم عرض على مقامكم الأسمى ليأخذ من ذلك بالحظ الأوفى ولا خفاء بما هو عليه الإسلام في هذه الأقطار الغريبة من انقطاع المدد وتعذر العدد والقلة التي ليس بينها وبين عدوها نسبة من نسب العدد فجميع ما يسنى الله له من الظهور فإنما هو بركة سلطانكم الأسعد وما تحققته أمة الكفر من اتصال اليد بملككم وأنتم عدة الإسلام وذخره وكنزه الذي به فخره أبقاكم الله تخلدون الآثار الكريمة في نصره وتعاملون الله على إظهار دينه وإعلاء أمره هذا ما تزيد عندنا أردنا به إعلامكم وخاطبنا بمضمنة مقامكم والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام الكريم عليكم ورحمة الله
وصدر عني أيضا في مخاطبة المذكور عند إقلاع ملك قشتالة عن جبل الفتح ما نصه المقام الذي أنارت آيات سعده في مسطور الوجود وتبارت جياد مجده في ميدان البأس والجود وضمنت إيالته لمن بهذه الأقطار الغريبة تجديد السعود وإعادة العهود واختلفت كتايب تأييده لوقته المشهور فينا ويومه الموعود مقام محل أخينا الذي نعظمه ونجله ونوجب له الحق الذي هو أهله السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن أبي سعيد أبن السلطان أبي يوسف بن عبد الحق أبقاه الله يتهلل للبشرى جنابه ويفتح لوارد الفتح الالآهي بابه وتعمل في سبيل الله مكارمه وعزايمه وركابه ويتوفر بالجهاد فيه مجده وسعده وفخره وثوابه معظم مقامه الأمير عبد الله يوسف
ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسمعيل بن فرج بن نصر أيده الله ونصره وسني له الفتح المبين ويسره وسلام كريم مشفوع بالبشاير والتهاني محفوف الركايب ببلوغ الأماني ورحمة الله وبركاته أما بعد حمد الله مطلع أنوار الصباح العجيبة متألقة الغرر ومنشى سحايب الألطاف الكريمة الأوصاف هامية الدرر الكريم الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وما أمره إلا واحدة كلمح البصر حجب مكامن العافين فوق الفطن ومدارك الفطر فما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله ذي المعجزات الباهرة والآيات الكبر الذي بجاهه الحصين نمتنع عند استشعار الحذر وبنور هداه نستضي عند البتاس الورد والصدر فنحصل على الخير العاجل والمنتظر والرضا عن آله وأصحابه الكرام الأثر الذين جنوا من أفنان الصبر في الله ثمار الظفر وفازوا من إنجاز الوعد بأقصى الوطر وانتظموا في سلك الملة الرفيعة انتظام الدرر والدعاء لمقامكم الأعلى باتصال المسرات وتوالي البشر والسعد الذي تجري بأحكامه النافذة تصاريف القدر والصنع الذي تجلى عجائبه في أجمل الصور فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم من حظوة فضله وإحسانه أجزل الأقسام وعرفكم عوارف نعمة الثرة وآلايه الجسام من حمراء غرناطة حرسها الله واليسر بفضل الله طارد الأزمات بعد ما قعدت وكاشف الشدايد بعد ما أرعدت وأبرقت ثم بما عندنا من الاعتداد بإيالتكم التي أنجزت لنا في الله ما وعدت ومددنا إليها يد الانتصار على إعدايه فأسعدت آلاء الصنع
العجيب واليسر الذي أتاح ألطافه السميع المجيب واليمن الذي رفع عماده التيسير الغريب وضرب رواقه الفرج القريب وإلى هذا أيدكم الله على أعدايه وأجزل لديكم مواهب آلايه وحكم للإسلام على يديكم بظهوره واعتلايه وعرفكم من أخبار الفتح المبين الموقع وأنبايه كل شاهد برحمته واعتنايه فإننا كتبناه إليكم فحقق لديكم البشرى التي بمثلها تمضي الركايب ويخاض العباب ونعرض عليكم ثمرة سعدكم الجديد الأثواب المفتح الأبواب علما بما عندكم من فضل الأعراق وكرم الأخلاق وأصالة الأحساب والمعرفة بمواقع نعم الله التي لا تجري لخلقه على حساب والعناية بأمور هذا القطر الذي يتعلق بأذيال ملككم السامي الجناب وقد تقرر لدى مقامكم الأسمى ما كانت الحال آلت إليه بهذا الطاغية الذي غره الإمهال والإملاء وأقدمه على الإسلام التمحيص المكتوب والابتلاء فتملأ تيها وعجبا وارتكب من قهر هذه الأمة المسلمة مركبا صعبا وسام كلمة الإسلام بأسا وحربا بكتايب بره توسع الأرجاء طعنا وضربا وكتايب بحره تأخذ كل سفينة غصبا والمخاوف قد تجاوبت شرقا وغربا والقلوب قد بلغت الحناجر غما وكربا وجبل الفتح الذي هو باب هذه الدار وسبب الاستعدا على الأعدا والانتصار ومسالك الدين الحنيفي إلى هذه الأقطار قد رماه ببوايقه وصير ساحته مجر عواليه ومجرى سوابقه واتخذه دار مقامه وجعله شغل يقظته وحلم منامه ويسر الله له ما يجاوره من المعاقل إملاء من الله لأيامه
فاستقر به القرار واطمأنت الدار وطال الحصار وعجزت عن نصر الجبل الأنصار ووجمت الظنون وساءت الأفكار وشجر نظار القلوب الاضطرار إلى رحمة الله والافتقار فجبر الله الخواطر لما عظم بها الانطسار ودار بإدالة الإسلام الفلك الدوار وتمخض عن عجايب صنع الله الليل والنهار وهبت نواسم الفرج عاطرة الأرج عمن يخلق ما يشاء ويختار لا إله إلا هو الواحد القهار وبينما نحن نخوض من الشفقة عى ذلك المعقل العزيز على الإسلام لجة مترامية الغارب ونقتعد منه صعبا لا يلين لراكب ولولا التعلق بأسبابكم في ارتداد تلك الغياهب وما خلص إلى هذه البلاد من مواهبكم الهامية المواهب ومواعيدكم الصادقة ومكارمكم الغرايب وكتبكم التي تقوم عند العدو مقام الكتايب وإمدادكم المتلاحق تلاحق الصبا و الجنايب لما نآ الكفر بصفقة الخايب إذا تجلى النور من خلال تلك الظلمة وهبت سحايب الرحمة و النعمة على هذه الأمة ورمى الله العدو بجيش من جيوش قدرته أغنى من العديد والعدة وأرانا رأى العيان لطايف الفرج بعد الشدة وأهلك الطاغية حتف أنفه وقطع به عن أمله قاطع حتفه وغالته أيدي المنون في غيله وانتهى إلى حدود القواطع القوية والأشعة المريخية تصير دليله فشفى الله منه داء وأخذه أشد ما كان اعتدادا واعتداء وحمى الجزيرة الغريبة وقد صارت نهبة لحماته وأشرقه بريقه وهي مضغة في لهواته سبحانه لا مبدل لكلماته فانتثر سلكه الذي نظمه واختل تدبيره الذي أحكمه ونطقت بتبار محلته ألسنة النار وعاجلت انتظامها أيدي الانتثار وركدت ريحه
الزعزع من بعد الإعصار وأصبح من استظهر به من الأشياع والأنصار يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار وولوا به يحثون التراب من فوق المفارق والترايب ويخلطون تبر السيال الصعب بذوب الذوايب قد لبسوا المسوح حزنا وأرسلوا الدموع مزنا وشقوا جيوبهم أسفا وأضرموا قلوبهم تلهفا ورأوا أن حصن إستبونه لا يتأتى لهم به امتناع ولا يمكنهم لمن يرومه من المسلمين دفاع فأخذوه من سكانه وعاد فيه الإسلام إلى مكانه وهو ما هو من طيب البقعة وانفساح الرقعة ولو تمسك به العدو لكان ذلك الوطن بسوء جواره مكدودا والمسلك إلى الجبل عصمة الله مسدودا فكان الصنع به طرازا على عاتق تلك الحلة الضافية ومزيدا لحسنى عارفة الله الوارفة فلما استجلينا غرة هذا الفتح الهني والمنح السني قابلناه بشكر الله تعالى وحمده وضرعنا إليه في صلة نعمه فلا نعمة إلا من عنده وعلمنا أنه عنوان على يمن ملككم الأعلى وعلامة على سعده وأثر نيته للإسلام وحسن قصده وفخر ذخره الله لأيامكم لا نهاية لحده فإنكم صرفتم وجه عنايتكم إلى هذا القطر على نأى المحل وبعده ولم تشغلكم الشواغل عن إصلاح شانه وأجزل رفده وأما البلد المحصور فظهر فيه من عزمكم الأمضى ما صدق الآمال والظنون وشرح الصدور وأقر العيون من حلة الإمداد على الخطر وتعدد السابلة البحرية على هذا الوطن وتعذر الوطر واختلاف الشواني التي تسري إليه سري الطيف وتخلص سهامها إلى غرضه بعد أتى وكيف
حتى لم تعدم فيه مرفقة يسوء فقدانها ولا عدة يهم شأنها فجزاؤكم عند الله موفور القسم وسعيكم لديه مشكور الذمم كافأ الله أعمالكم العالية الهمم وخلالكم الزاكية الشيم فقد سعد الإسلام والحمد لله بملككم الميمون الطائر وسرت أنباء عنايتكم بهذه البلاد كالمثل الساير وما هو إلا أن يستتب اضطراب الكفار واختلافهم وتنازع الأمر بين أصنافهم فنغتنم إن شاء الله فيهم الغرة التي ترتقبها العزايم الشريفة والهمم المنيفة وتجمع شيمكم العليا بين فخر الآخرة والدنيا وتحصل على الكمال الذي لا شرط فيه ولا ثنيا فاهنئوا بهذه النعمة التي حباها الله إليكم والتحفة التي بعثها السعد إليكم وإنما هي بتوفيق الله ثمرة إمدادكم وعقبا جهادكم أوزعنا الله وإياكم شكرها وألهمنا ذكرها عرفناكم بما ورد من البشاير علينا عملا بما يجب لمقامكم من الإعلام بالمتزيدات والأحوال الواردات ووجهنا إليكم بكتابنا هذا من ينوب عنا في هذا الهنا ويقرر ما عندنا من الولاء وما يزيد لدينا من الأنباء خالصة أنعاما المتميز بالوسيلة المرعية إلى مقامنا الحظي لدينا المقرب إلينا القايد أبا الحسن عبادا وصل الله عزته ويمن وجهته ومجدكم ينعم بالإصغاء إليه فيما أحلنا فيه من ذلك عليه والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام الكريم عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وكتب في اليوم الثالث من شهر الله المحرم عام أحد وخمسين وسبعمائة
وصدر عني في أول الحركة الجهادية لهذا العهد وقد تحرك السلطان أعزه الله إلى حصن أشر القريب الجوار لأرض النصارى بأهل حضرته وما يجاورها من الأماكن الغربية وكان إملاء هذا الكتاب قبل أعمال الحركة بيوم فلم تبدل منه لفظة واحدة إلهام من الله عز وجل وافق ما وقع في ذلك الفتح القريب وقعدت نايبا عن السلطان بدار ملكه على عادتي فكتبه عنه كاتب إنشايه معرفا بذلك صاحب المغرب المقام الذي يحيى بعز الدين الحنيف وجهه ويطرب بخبر الفتح على أهل لا إله إلا الله سمعه ويشرح بنصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة صدره مقام محل أخينا الذي ينجدنا بفضل الله وعزمه ويمدنا سعده ويؤخرنا وعده ويحسن بإعانتنا بالقول والعمل قصده السلطان الكذا أبقاه الله عميما فضله رفيعا مجده ماضيه عزمه من معظم قدره وملتزم بره المطنب في حمده وشكره الأمير عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر سلام كريم عليكم ورحمة الله وبركاته
ٍ أما بعد حمد الله القوي العزيز المبدي المعيد الولي النصير كافي المتوكلين وولي المؤمنين والصلاة على سيدنا ومولانا محمد قدوة المجاهدين وإمام الصابرين والرضا عن آله وأصحابه المهتدين بهديه السالكين في جهاد عدو الله على نهجه حتى استقام عمود المسلمين من بعده وبلغ التخوم القاصية نور دعوته فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم أجر من ساهم وأعان وأنجد وقوى وشمر في جهاد الكافرين عن الساعد الأقوى وعامل من إليه الرجعى وأخذ بالحظ الرغيب من السرور بما يسر الله وسنى من منزلنا السعيد على المسلمين بظاهر حصن أشر حماه الله ولا زايد إلا الفتح والمنح والظهور الذي احتفل به الصقع وجم اللطف والحمد لله الذي بيده الأمر مجزل المنن ومخول الآلاء والنعم الملهم المنعم الولي النصير سبحانه لا إله إلا هو وقدكنا عرفناكم ما أنعم الله به على المسلمين ببركتكم من فتح برغة واتصال سببهم من إخوانهم من بعد الانبتات والانقطاع وتبر جرثومة الإسلام من تلك الأحواز المسلمة والأصقاع فأصبح الشمل جميعا والمنثور منظوما والسبيل قصدا والفرقة جمعا وما استضيف إلى ذلك من فتح كمل النعمة وتمم العارفة ثم أننا رأينا أن الإسلام لا يقر به قرار مع كون حصن أشر ركابا لعدوه وسلما لكيده ودربا إلى غارات الكافرين وفرضة إلى مسارب أعداء الدين إذ لا تضبط ما بينه وبين الحدود الإسلامية الرتب ولا تغني المسلحة ولا يجدي الحذر فإنه الجارح المحلق والبازي المطل واليد المحكمة والداء الدفين مقض المضاجع وفالي مكامن المسارح ومصمى أهداف السواحل فأهمنا وشأنه وحمانا الرقاد بثه ونغص علينا العيش شبحه
واستخرنا الله في قصده وسألناه الإعانة على فتحه وتيسير صعبه فخلق الله سبحانه عندنا النهود إليه ضربة لازب من غير أن نريح الجيش ولا نعيد الرأي وأشعنا للحين نفير الجهاد ولم نستدع لمأدبة هذا الفتح إلا الأولياء من أهل وادي آش وسندها وأقليم الحضرة وما اتصل بحوزها وخيمنا من الغد بظاهرها في عفو من الإحتشاد ونقاوة من الرجل وخف إلا من آلات الحرب حرصا على كتمان القصد واستصحبنا أعجالا تحمل جوالقات السهام وآلات الهدم وماعون النقب من الدبابات والستاير الخشبية والنفوط والترسة والدرق إلى الحصاصيد والسلالم وألقت الحضرة بأفلاذها فلم يتخلف عنها محتلم فمن فوقه وبرزوا في رحل الربا زادهم الله نماء وكثرة وصبحنا ليوم الثلاثاء فجر أولى مظنات ليلة القدر من هذا الشهر المبارك فصكت أسماع من به طبول الجهاد التي قدم بها العهد وانتثرت حواليه رايات الصبر التي راق منها الجيش ورف عليها الغر ودارت بها المقاتلة المسلمة التي لا يخامرها الرعب ولا يداخلها الذعر وهو مصام منيع ومعقل شهير وبلا مبين قد صرف إليه الكفر لما ملكه عزمه وأغرى به همه فسد ثلمه وأصلح خلله ونظر إلى عوراته فأوسعها تحصينا حتى قطع الأطماع وتبر الآمال وكان به عدد جم من رماة الشعرا ومساعير الحرب وأولى الشهرة من السلاح والعدة كل محسب في الحاجة ومغن في الشدة إلا أن الله لا تغالب قدرته ولا تطاول
عزته ولا يرد عن القوم الكافرين بأسه فتعلق به المسلمون يخوضون غمار الشهادة ويتزاحمون على مراتب المنية ويسمحون في مبايعة الله بالنفوس الزكية فاقتحمت المايدة المتصلة به ولجأ إلى الحصن من كان به من الحامية فخلفهم المسلمون وهي أولى علامات الظهور ومبدأ الفتح المسطور وقاتلوا ذلك العقاب المروم من جهاته وأوسعوا أسواره المنيعة نقبا وحفايره العميقة ردما وصبروا صبر الأبلج فكرا ولا يعطي مقادة التصور وهما كأنما هو آثار من آثار عناية الله قدم بها للدين عهدا وأحمد الله بها للإسلام صنعا ورأى الأعداء من قدرة الله ما راع أفئدتهم وأذهل عقولهم وفشت فيهم الجراح وعجزت منهم الحيل فأشاروا إلى طلب الأمان بعد أن بالغوا في الأعذار وبلغوا أبعد مبالغ الصبر فقوبلوا بانبعاث القصد وتتميم الرغبة وأنزلوا عن الأبلق الفرد لا بل عن مركز النجم وعلت فوق أبراجه رايات الإسلام وارتفعت بكلمة التوحيد وأخذ بيوت عباد الله التطهير وتناول بمثاله التثمير وأنزل ناقوسه إنزال التهوين وحلت به على المسلمين عوارف الفتح وللحين شرعنا في سد ما ثلم من أسواره وهتم من شرفاته وبقر من بطون مسافاته فعملنا بيدنا في سبيل الله اقتداء بنبينا صلوات الله وسلامه عليه نقلا للآلة وعملا بالمواعين نسله جل وعلا أن يجعل ذلك خالصا لوجهه وذريعة إلى قربه وأن يجعل غباره لنا أمانا من
دخان ناره وأن يسهمكم في أجره فلو أبصرتم جد هذه الأمة الغريبة لغلبتكم دموع الرقة وإستفزتكم بواعث الحمية وفازت يد الإسلام من هذا المعقل العزيز عليه بقرار القلوب وقرة العيون وشفى منه داء عضال وكفى بلاء لا يطاق والعدو في أثناء هذا حسبما نتعرفه من ألسن أسراه متمهد بإشبيلية يعزز قواعد ما صار إليه ويمهد جوانب ما انثال من الدنيا عليه وقد بث تلك الأمة المتلاحقة من الشرقي بين بلاده وحد لهم ارتقاب أمره والتماح إشارته ولا شك في أن هذ القروح يصل وخزها إلى قلبه ويثير نكاياتها من عزمه وبالله تدرأ في نحره وبحزب الله نستعين على حزبه وبربنا الله نستظهر على ربه المنصوب وإلاهه المنحوت وقد سبقناه بانتهاز الفرصة وعاجلناه في سبيل الله بالغرة وبوءنا لله بالقدرة ومع اليوم غد ومجمل الصنايع لطايفه خفية وجنوده كثيرة وما قل من كان الله معه ولا ذل من كان الله ناصره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين طيرنا لكم هذا الخبر لتسروا به أنتم ومن لنظركم من المسلمين ونحن نتراءى فيما يكون عليه العمل من قصد غيره ومصادقة سواه ونشرع في اختيار من يعمره من الفرسان والحماة وحذاق الرماة ونستكثر به من الأقوات والله المستعان وأنتم عمدتنا في الله الذي نبشره عند اجتلاء السرور ونستصرخه عند اشتداد الأمور وأن يسر الله في إنجاز ما به وعدتم من إشاعة الحركة إلى سبتة تعيين حصة تبتغون بها وجه الله وتنجدون بها الإسلام فأثرها كبير وسماعها شهير وهي الأخبار تأخذها الزياد
إذا تنوقلت ويبعدها الإرجاف إذا سمعت والكلمة واحدة وكل معروف صدقة وظنون الإسلام فيكم جميلة والله يحملكم على ما يرشدكم ويسعدكم ويوالي عزتكم ويحرس مجادتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولما وصل السلطان أيده الله من غزاة أطريره بعد استفتاح حصن أشر المتقدم الذكر صدر عني في التعريف بذلك لسلطان المغرب وهو من الكلام المرسل الذي قلما ألوى على سجع ولا وقف على قافية لشفوف هذا الغرض في هذه الأقطار المقام الذي تيمنت البلاد بولايته وتعرفت ببركته بفضل الله وعنايته وادخرت الاعتداد برأيه في سبيل الله ثم برايته وتوعدت الكفر بقيام قيامته فطلوع شمسه من المغرب أكبر آيته مقام محل أخينا الذي ثغور نصره بواسم وأيامه للإسلام مواسم وتتوفر لها من صنع الله المقاسم السلطان الكذا أبو فارس ابن السلطان الكذا أبي الحسن معظم سلطانه ومجل شأنه العارف بأصالة مجده ورفعة مكانه فلان أما بعد حمد الله الملهم المنعم العلي الكبير الولي النصير محرك العزايم بباعث الإسلام ومكيف الصنايع الخفية على الأذهان الموفق للخير المعين عليه الولي الحميد الذي لا ملجأ منه إلا إليه ناصر المؤمنين ومظهر دينه على رغم الجاحدين وكره الكافرين والصلاة على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله مجاهد الأنبياء المنصور في الأرض بملايكة السماء نبي الملاحم ومسوغ الغنايم والرضا عن آله وأصحابه أسود الروع ونجوم الهدى وأعلام الصبر وسيوف الحق والدعاء لمقامكم بتوالي العز واتساق الصنع
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم سني الحظ وهنى الفتح بعد الاعتراف لدولتكم بيمن الطير ونصبة السعد ونفاق سوق الصنع بهذا القطر والله متمم الفضل ومجدد عادة اللطف لا إله إلا هو الفتاح العليم وإلى هذا فإننا كنا قد عرفناكم بما أضفي عليه الرأي من مظاهرة ملك قشتالة على أخيه مجليه على مدرته والمستحوذ على مملكته تعريف يوصل به دوام الفتنة واشتعال نار الإحنة وتميز المسلمين بخطة العافية وتبريزا في ميدان حسن المكافأة وإقامة لحسن المجازاة وتمهيدا لرعي قديم الجوار وبراءة من التقصير في استصراخ كريم قوم أو معرض حسن سعى فخاطبنا بلاد الفرنتيرة نضمن لأهلها اتصال السلم عند صدق الفتنة واستدراك القلة فأهطع منهم السواد الأعظم وتغاضى أمة من البلاد تقفها زعماء وضبطها قواميس أسلفوا ما أساء بالدليل ظنونهم وقطع في عدوه آمالهم وإذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم فأثبتوا منها في مستنقع الموت أرجلهم ليوثقوا منه الحيلة وكنا قبل هذه البنوة بسلطان ملك قشتالة المذكور قد عملنا مضضا طوينا الجوانح على مثله وأغرينا الجزع ببثه في الحادثة على ما يناهز الألف من أسرى المسلمين المقرنين في الأصفاد بدار الصنعة من إشبيلية إلا ذمار الحماة فلول الوقايع وأسار الحتوف وحيات الأودية الضنينة بهم يد الكفر من لدن سنين عدة إذا كان المجعجع به بين طراده والجهر بخلعانه وانتهاب قصره قد أطلقهم نكاية لقومه وعاقبة سوء يرتادها للبلد الخاين بعهده فانطلقوا أظعان المسغبة
وأضر بالأداهم وقد لفقوا علالة من مستهجن السلاح وذي الآلة يهبون إلى تحصيل النجاة ولات حين مناص وقد تأذن الله سبحانه بكر ظهور الشهادة على ما رسب من أوزارهم وختم به صحايف بوساهم وشظفهم واعترضهم أهل أطريرة من بنيات هذه الأمم الممتنعة إشبيلية وعلى نصف بريد من بيضتها وأهلها أشهر أكلب الكفر عن ناب شره وأسطاهم بنفس مومنة وأخفرهم لذمة وأسوأهم معارضة لملتمس تجر أو نجعة أو مضايقة بسفير رسالة يرومهم التحرج من انصرافهم بجلال تلك الأسلحة وجعلوا في إسلامها إليهم شرطا وبذلوا لهم على ذلك عهدا فلما صفر منه أيديهم تناولوهم بالإبادة وهم لحم على وضم لم يرقوا لطول بلواهم ولا أنفذوا فيهم عهد مولاهم وتركوهم صرعى بقرا البيوت الكافرة والفرضاة الغادرة وأثكلوا منهم الثغور بجملتها ومفرجي أزماتها وأسبوا المسلمين بوعي موقف الصبر وشهدوا مأزق الذل يتلونهم للجباه والأذقان وينحرونهم نحر إبل القربان كتب الله لهم أوفر أجور المحسنين ونفعهم بما محصهم به يوم الدين فلما قامت هذه السوق ولمعت في سماء الفتنة القشتالية البروق ثار لدينا ولم يكن خافيا كامن الحمية لله على بعد المرمى وخطر المسرى كتبه الله لنا من مسعى يوم تدان النفوس وتجزى فتوفرنا على قصدهم مصمت الهام ونقل الأوهام توفرا لم تطل به الأيام ولا فسحنا لتدبير الآماد وكأن الله عز وجل أطلع قلوب المسلمين من ذلك على خباه وكشف لهم عما نويناه فخفوا كثر الله جمعهم خفوفا لم يذمر بموعد ونفروا عن غير مزعج مهيب في الرجل الربا كثرة وأسود الشرى نجدة ويعاسيب الكور سلاطة وحمية وخرجنا نجد السير والنجح قايد والتوفيق مواكب والسعد للفرض كافل والقصد
المبرور ضامن واحتللنا رندة مرسها الله واثقين بقوة الله وحوله متمسكين بسببه القوي في الأمر كله ومن يتوكل على الله فهو حسبه ومن فوض الأمر إليه نجح قصده وعلا كعبه ثم انتقلنا بالمحلات المجتمعات ضفة وادي لكه محلة الفتح الأول ومحول النصر المتاح المخول ومنها صبحنا أولئك الكافرين فشاحت وجوههم وأحاط بهم سوء كسبهم وحاق بهم وبال أمرهم فقالوا على الربض صلينا ولما كاثرهم أولياء الله يعلو بالكلمتين نداؤهم ويكاثروا أزهار البطحاء المختلفة الألوان راياتهم فحاش سرعان من انتثر بذلك السهل العريض من الأمم الكافرة والنسم الغادرة إلى مسور الحصن وقد كانوا في هذه المدد القريبة أو سعوه تحصينا وناصحوا عوراته رما وتسديدا وتخلفوا المنازل مالية بالنعم والأقوات والأمتعة والآلات فخافهم المسلمون عليها انتهابا لكثيرها واستلابا لخطيرها حتى لم تبق يد إلا ملثت ولا نعمة إلا سبيت وتحصنوا بالقصبة والسيوف تتخطفهم والرماح تنوشهم والسهام تبعجهم بعد موافقات صعبة وحملات مرة ومدافعات تجاه بابها استوعب لفيفهم معها التحصن واستكملوا التصنع وهم ألوف حذر الموت يحضرون وإلى المحيا يتسابقون ويهرعون وصدقوهم المسلمين الضمة فأجحروهم صابرين وتسنموا العرصة ظاهرين بعد إثخان القتل وإعمال السيف وبعد أن سدت المسالك جثث القتلى وملأت الرحاب أشلاء الصرعى ثم عاطوا من تحصن بالقصبة كؤوس القتال وأرسلوا عليهم حواصب النبال وتعلقوا بأسوارهم يقرعون الثنايا ويطلعون عليهم وجوه المنايا واستجدت آلات النقب وظهرت إلى ذلك المعتصم المحبور من ذمة الله حجارة الرجز وأسفوا الله فانتقم منهم وعتوا على عباد الله المطهرين فجعل لأوليائه وأوليائهم نصيرا
لهم فصابروا الشدة عامة يوم الهجوم عليهم وهو اليوم الذي سفكوا فيه دماء أسرى المسلمين وعتوا على رب العالمين ليلة مستهل الشهر الكريم متقبل الأعمال ومتنزل القرآن وحثهم الليل فأضرمت النيران فيما استبحر من ديارهم المتحرقة الأوضاع الغاصة بالآلات فغشيتهم السماء بدخان مبير وعذاب أليم وضغطهم صهاب من عذاب شديد ولمنتصف اليوم بعده ألقوا بالإذعان إلى حكم المسلمين فأنزلوا عامة الليل بعد أن علت بنور الإسلام في أبراجهم الحصينة وقصبهم المبتناة لهذا العهد المشيدة ومن الغد عمت ردفا سباياهم الظهور والأكفال وتجاذبت مقاتلتهم وجلداؤهم الجزل والحبال وصلصلت إلى إمتطاء نبهائهم الأصفاد والأكبال وقد أضرمت النار في بيوتهم التي تأذن الله بخرابها فعادت قاعا لا يعمر ويبابا لا يسكن بعدها ولا يتدبر قد جلله من رفع مستنجز الإثارة متواكف العمارة مناخ السيارة سخط من أهل الغربي لما بطرت معيشتها وأدال الأمم لما ركبت بغيها سبحانه لا مبدل لكلماته ولا دافع لنقماته فأصمت ألسن نواقيسه المصطحبة ومزقت أشلاء تماثيله المتبرجة وسفكت دمائهم فوق دما من قتلوه وجزوا جزاء الضعف بما فعلوه فيابردها على كبد إلاسلام من نيران مشبوبة وأوثان مطروحة وأغلاق مفضوضة وفروش وثرت من زغب الطيور حشاياها ومهدت للمترفين ولا ياها نفضت فخالطت الهباء وعمت الهواء وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وقفل الجيش يجلب نصرا لا كفاء له وصنعا لا عهد بمثله وقد رفعت ألويته الخافقة ألوية الفخر وفازت سيوفه الماضية بإدراك ور وإن كانت ترايب الإسلام أقدام من هذا
الحق وقد كللت محل الصيحة ومتنزل النقمة ومصرع الفئة الكافرة الباغية أفواج من عصايب الطير تتداعى الجفايا وتتنادب للوليمة العظمى ولحقت عمد الدخان لأعنان السماء ونادت ألسنة الحمية في تلك العرصات يالثارات الأسرى واستباحت سيوف الله من النسم آلافا عدة ومن الحماة أولى بأس وشدة أعيا حديثها النقل فاثتمنت علية النار وأعجزت طعمتها الظهر يوكل بها الانتساف و التبار وألصقت جدرانها بوجه الثرى وأهلك ما خرب من زرعها و نأى والخير لا ينوب عنة كل المناب عن المرأى أوزع الله شكر النعمى وكتب للإسلام حسن العقبى وظهر المسلمون من البقر على آلاف ملأت السروج وغصت ببراذنها ومراقدها الحزون والسهول وأما سايمة الغنم فعاثوا منها فيما لا يكتب ولا يحصى ولا يعد وباء المسلمون بشفاء الصدور وسرور القلوب وقرة العيون وقد للأخذ بترابهم من لا ينام عن الدمنة ن ولا يصانع في رعى الذمة وجاست خيل الله من أحواز حمص أعادها الله بإمدادكم ومؤمل جهادكم الجو الذي لم يطرق لهذا الوقت حماه ولا عرف اسمه فرضا عن مسماه سوق عصية السوايم وتكتسح المسارح فلا تترك لسع هجمة ولا نافخ ضرمة وتذعر غاراته المشعلة الأسراب وتتخلل عمرته وسواده الشعاب ومن بها من الفرسان والأعيان أولى القدور الراسبات والزغب الكاسيات والأتباع والأشياع والرطانة و الجعجاع قد لاذوا على وفور عددهم بالأسوار وأيقنوا بالبوار وطرقتهم الغارة
اتسعوا في عقر الدار ولولا أن الفضل لم يأن إدراك غلاته ولم يستدرك خصايص مطعوماته ومقضوماته لاتخذها الناس مجرى السوابق ومجر العوالق على التوالي ولو صلوا في انتساف النعم وموالات النقم أيامهم بالليالي والعزم على التعقيب بفضل الله متوفر والعمل على العود إن شاء الله متجدد وعند المسلمين حاطهم الله وأنجدهم من المبادرة إلى الدعوة والمنوب إلي الهيعة والاغتباط في سبيل الله والروحة ما يرجي أن يكون سببا لظهور ما تضمنت محجوبه ألواح الغيب وأسرار المشيئة والقوة بالله والعزة لله وما النصر إلا من عند الله ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله ومن جعل مقامكم الكريم رده في سبيل الله وتوعد الكفر بحميتكم في سبيل الله ومن أجلة فقدحه أن شاء الله المعلى وحظه بالخير أجدر وأولى حفظ الله منكم على المسلمين عنصر كلمتهم ومقدر قوتهم ومهب ريح نصرهم ومفزع شدتهم وطية ركاب منشرايهم ولما عدنا إلى حضرتنا بادرنا تعريفكم بهذا الصنع من قبل أن تنفض غبار الغزو من العمايم واللمم ونريح الجياد من اللبود و اللجم وكأننا ننظر من حسن موقعهم من نواديكم الغاصة بالأحراز الهافية لإدراك الثار وإجمال الآثار فإن لمحركات الحمية من بين القبايل المزية وإدراك التراث ترتاح إليه الهمم الأبية لا سيما الهمم المرينية وذمام الإسلام و الحمد لله غير واهن السبب ولا دارس المذهب وأكد حبورنا لسرورنا ما شهد به العيان من يمن دولتكم وظهور سعادتكم فلم يعدم معها والحمد لله حضب
وظهور وخير مشهور والله عز وجل يصل لنا ولكم ما عود ويمتع بما حول ويعين على ما قلد وأنتم وجهة تعريفنا بالمتزيدات والمنن الوافدات فمتى استجلينا منه شيئا جلوناه عليكم أو استطلعنا وافدا أهديناه إليكم والله يصل بقاكم ويعتمد بالصنايع الباهرة علاءكم والسلام الكريم عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وكتب في كذا من رمضان المعظم من عام ثمانية وستين وسبعماية
وكانت الحركة الكبرى إلى مدينة جيان إحدى دار الملك وكرسي دار الإمارة ولدات الشهرة وافتتحها المسلمون عنوة في أواخر شهر الله المحرم من عام تسعة وستين وسبعماية فصدرت مخاطبة سلطان المغرب من إملائي ما نصه المقام الذي نبادر أبوابه بالبشرى مردفة أولاها بالأخرى ونستظهر بعزيمته الكبرى متى أعضل الداء واستشرى فهو أولى بالحالتين والأخرى مقام محل أخينا الذي أقامت دولته أسواق البشاير والتهاني وتكلفت سعادته للإيمان بتسني الأمان وتأتى الأماني السلطان الكذا أبو فارس ابن السلطان الكذا أبي الحسن ابن السلطان الكذا أبي سعيد ابن السلطان الكذا أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق أبقاه الله بالصنايع الجميلة مسرورا وبر كايب البشاير العجايب مزورا وفي الفضايل الجليلة علما منشورا ولا أعدمه فتحا وظهورا معظم قدره وملتزم بره الداعي إلى الله باتصال سعده واتساق نصره الأمير عبد الله محمد ابن أمير المسلمين أبي الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر أيد الله أمره وأعز نصره سلام كريم طيب برعميم ينم بفتح الفتوح المؤيدة بالملائكه والروح عرفه ويبدي أنفاس ريحان الجنان فيعي عبارة اللسان وموارد علم الإنسان وصفه يخص مقامكم الأعلى ومثابتكم الفضلى ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله كافي من اسنكفاه وهادي من استهداه الذي نصر الحق وأعلاه ودحض الباطل وأرداه ووعد من توكل عليه وفوض أمره إليه بحسنى عقباه وأخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر فاظنتتم أن يخرجوا وظنوا أن حصونهم ما نعتهم من الله فما أوسع رحماه وأسبغ نعماه والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله سر الوجود ومعناه وموحد الكمال ومثناه ومختار الله من الخليقة ومجتباه نبي الملاحم الذي نصر بالرعب على عداه وزوى له الأرض فرأى ملك أمته بلغ ما جمع له منها وزواه والرضا عن آله وأصحابه وعترته وأحزابه المخصوصين بمزية قربه ومنقبة حبه في مماته ومحياه الذادة عن حماه النزعة في الهدى إلى هدى مرماه مزعجي الكفر عن مثواه ووارثي الأرض من بعده بذريعة رضي الله وتقواه والدعا لمقامكم حرس الله جوانب علاه وأعانه وتولاه فيما ولاه وحفظ عليه ما أولاه كما جعل أوصاف الكمال حلاه وعرفه عوارف السعد الرايق مجتلاه وذخر له الفتح المبين وسناه بتوالي العز المشرف سناه والنصر الداني من غصون الرماح الملد جناه والصنع الذي ينال به الدين الحنيف ما يتمناه فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم فخرا رايقا رياه وسعدا مشيدا مبناه وأطلع من غرر الفتوح كل وافد بشر محياه ووارد مهما تلقاه روح الحياة بوأه وحياه من حمراء غرناطة أمنها الله والدين قد ساعدته بما يرضيه دنياه ونور الله الذي وعد بإتمامه وإن كرهه الكافر وأباه قد دعا
بوعد الصادق فلباه والإسلام بهذا القطر قد استمنح منه سبحانه عادة اللطف به والنصر فحياه والحمد لله مبدأ كل أمره ومنتهاه وآخر كل كدح وأولاه فما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ومقامكم عدة الإسلام الذي يكشف جلاه ونساهمه في المسرات التي تهز نواسمها منتداه والمبشرات التي تفوز بقدحها يداه وإلى هذا أوزعنا الله وإياكم شكره من منح أعلت معالم الإيمان وأعلنت برضى الرحمن وعودة الزمان وأعربت عن إتاحة الكرة وهبوب الريح وإطلاق الإدالة فإنا نجلو عليكم خبر الفتح المخبو لزمننا وزمنكم المذخور من الله سبحانه فضلا علينا وعليكم المعرب عما بعده إن شاء الله عن ديون في الكفر تقتضي ومعارج للذكر الجميل ترتضي وسبل السلف الصالح تقتفي ومساع في الجهاد تقرب إلى الله زلفى وتعود منه بالجزاء الأوفى فتح الفتوح الذي سمى اسمه الرفيع ومسماه أن يحيط النظم والنثر بمعناه إلا أن الإشارة تنزع إلى مرماه وشرح المجمل الذي تقصر عنه ألسن العبارة ويستدل على كنهه بملامح الإشارة هو أننا اتصل بنا والحي خلوف وحكم السلم مألوف أن مدينة جيان بلغاء الشهرة وغاب البسالة ومنبت الشوكة وعقاب القواعد المغتصبة للمسلمين ومختط طائفة العرب الشاميين من كورة قنسرين والأمم العديدة البنات المستبحرة المنا والجنات حيث الزياتين منها تمتار البلاد والعباد مدد الوقود والكروم التي استثمرتها الروم تعبق لها الخوابي الجوب بدم العنقود والجنات الأشب والوضع المنبت المعجب حجر الأراقم المختالة في جلود الزرود والليوث الباطشة فوق فيول الخيول ومصرخ النواقيس الصايلة ونصب التماثيل الهايلة ولدة دار الخلافة قرطبة
بدا لأهلها في مخالفة سلطانهم الذي جددنا عهده وأبرمنا سلمه وأكدنا عقده وأوجبنا لتوفر البواعث نصره فأهنبلنا للحين غرة وانتهزناها فرصة وحللنا إليها عقال الفتك الذي كان قد قيده الإيمان وسللنا عليها سيف الله الذي أغمدته الموادعة والآمال بعد أن استخرنا الله الولي في الغربة الناصر في الشدة الذي بيده القدرة والعزة والحول والقوة لا إله إلا هو خير الناصرين ومظهر دينه على كره الكافرين ونوينا أن نرفع بها هضم الإسكندرية ونقوم بفرض الكفاية عن الكافة فأثمرت استخارة الله لدينا والقوة به والتوكل عليه الإستهانة بأسوارها المشيدة وحماتها البئيسة وشهرتها الجامحة فأبرمنا الحزم الذي شحذ التوكل غربه وسدد الاستبصار سهمه وأضفى الصبر جنته وسهلت الثقة بالله حزبه واستدعينا أهل الجهاد لتصير الجهاد ونفضنا أطراف البلاد عن أولى الجلادة على الجلاد وعينا أمدا أضاف الانحفاز مدته وتحيفت البدار فسحته وعلى ذلك فاستكثرنا من آلات القتال ورفعنا المجانيق على أفلاك الأعجال وأفضنا العطا الذي تجاوز شهور الأستحقاق إلى ما وراءها مما لم يستهل جنين هلاله ولا وسمت خيلان الليالي صفحة جماله وأوصلنا الجيوش إلى المطوعة الغازين والمرتزقة المدونين إلى حقوقها في الغنم المتقدم والنفل المبارك المتيقن فتضاعفت الارتياش وأزيحت العلل وأخلصت الضماير النصفة وأطابت القلوب المعدلة ولما تكاملت الجموع
وتوالت الحشود وتعددت بظاهر حضرتنا الرايات والبنود برزنا نهتدي من الرأي الذي تعودنا يمنة بمصباح وذبال اسصباح لا بل بفلق صباح وخيمنا على بريد من الحضرة ترفيها على السيقة ونظرا للفذ والجملة مخيما جمع مقادة من النسم لا يحصيهم إلا من كتب خطاهم في طاعته وأحصى أنفاسهم المطيبة بذكراه واستحفظ بقع الأرض شهادتهم بتوحيده وكان إطلالنا عليه ثالث يوم البروز وهو يوم الأثنين الثالث والعشرين من شهر الله المحرم مفتتح هذا العام السعيد في أحسن التعبية وأكمل وأحكم الأهبة وأمحرت الينا حامية العدو ذابة عن الحوزة مبلية من دون العرصة متمرسة بسرعان المقدمات ورواد منازل المحلات فلما كاثرهم السواد الأعظم والبحر الذي لا يزحم استجنوا بحمى الأبراج المشيدة وفرج الأبواب العديدة وتلاحق أوايل الأمم المحشودة المحشورة من الجموع المنصورة الموفورة تموج بهم عرفات موقف الجهاد وتعرضهم ساهرة نشر البلاد ويتراكم منهم وفرهم الله رجل الجراد وكان الغرض يستكمل محمل الطريق ويتدارك جمهور النفير ويجري حربا على مقرر الترتيب ومحكم التدبير فشره الناس إلى العدو ووجهوا إلى حومة الحرب خفوفا لم يلو فيه المتقدم على المتأخر ولا انتظر المسرع لحاق المتلوم فانهارت منهم الهضاب وانهالت وتدافعت الأودية وسالت وجنحت الرايات إلى حومة الربض الأعظم ومالت كأنهم سحايب الخريف حركتها الزعازع وخربت آباط ركابها البروق الخواطف وأحاطوا به من قبل أن توزع عليهم الآلات وتبوأ مقاعد القتال كماة الحماة وفره الرماة فقرعوا للحين سوره واقتحموا منازله ودوره
وصدموا حاميته الضخمة ووالوا عليها الشدة حتى أزعجوهم عنها عنوة واستلحموا منه جملة وشمل الربض النهب ورغا فوق أهله العذاب الصعب وتعلقوا بعده بسور البلد وبادرنا الهيعة وقد هزت رياح النصر عذبات الرايات وسد ما بين الخافقين علو كلمة الشهادات باختلاف الأصوات وصكت الأسماع رعود الطبول واستنجز المؤمنون الصابرون من ربهم ميقات الوعد المفعول فلا ترى إلا هاويا من ذرى شرفة تخلفه جملة أو شهيدا يتزاحم على مواقفه لمة أو ثنية تفرع أو شعارا يسمع ونزل الصبر وأنجز الوعد وقذف الله الرعب في قلوب الكافرين وأمد أولياه بالملايكة المسومين ففرعت أسوار المدينة ضربة ودخلت والحمد لله عنوة وجاز فرسانها في السكك يطيرون من ضيقة إلى أخرى والمسلمون يأخذون عليهم الفوهات ويسوقونهم إلى المتمنعات وقد شرهت السيوف وتخارقت الرماح وحق عليهم القول وأخذتهم الرجفة واختار لمة منهم ميتة الإيجاز والإعذار لأنفسهم بالفرار على الميتة بين الديار ففتحوا بعض أسوارها وألهبوا الخيل ركضا وأجهدوها خضا وركب المسلمون أكتاف مدبرهم واعترضوا وجوه مقبلهم فبهروهم بالسيوف وعاجلوهم بالحتوف واستولوا على أقطار المدينة استيلاء أعجل المجانيق عن الركوع وصواعق الصخر عن الوقوع وجبل الحرب عن الإحكام والاعتدال عنها بالهندام وانطلقت الأيدي على مالا يناله ولا يدركه الكسب من الأموال الدرة والأمتعة الثرة والذخاير المصونة وآنية الزينة الثقيلة والأسلحة المستجادة وعاثت في الخزاين الطامية والأقوات الهايلة ودنان الأدهان
المدخرة والخمور المقدمة إبادة ونهبا وإراقة ونقلا إلا ما يكاثر الحصى واجزاء الهبا من الحيوان المختلفة الأجناس صواهل ضامرة وسواجع بادية ويعافير فارهة وغصت الأضبان ووهنت الأكثاد بما فيه يرغب من الماعون والسقط والخرئي وجلال الأسباب حتى القسى والسرج الدني وما يشنفه الغنى وأخذت الدور والقصور والبيع وهياكل العبادة والرباع الشهيرة والحانات والديرة المقصودة والقياسر الميسورة أيدي الإثارة والإبادة فسلطت النار على أعاليها والهدم على ما يليها وجللها الدخان وظللها الخسران ونادى بها لسان الحمية في مرضاة رب البرية بالثارات الإسكندرية وقيدت نواقسها بالحبل التي حركت جبالها وقلقلت هضابها فأبرزت خاسئة صاغرة وتركت بعد ثل ألسنتها دامية فاغرة وجنب من الأسرى وهم الفل الذي تخطاه الأجل المكتوب والقدر المحتوم أوشفع فيه الحسن المرموق طوايف غصت بقطارهم السبل العريضة وضاقت بواردهم المناهل المفرقة وهلك بين جدرانها من النسم الكافرة والطوايف المجانبة للحق المنافرة بين بهم مقدم وشجاع معلم وفارس مغوار ومنتجع فلاحة ومعاني صناعة وملتمس تجر وقنية ومقيم ملة ما لم تستأصله الهزايم الشهيرة والوقايع المبيرة كفى الله شرهم ودفع ضرهم سبحانه لا دافع لنقمته الحانقة بالمعتدين ولا راد لبأسه عن القوم المجرمين وتخلص من أسرى المسلمين جملة طرقهم الفرج الذي لا يحتسب واللطف الذي تنجاب به الكرب ولجأ الفل المحروب من جمهرها وهم معشار المعشار من صريعها
ومأسورها أزوادا تنشر عليها عصي سمر الرماح وأسرابا تخفق فوقها أجنحة الجراح من بيض الصفاح إلى حمى القلعات المشيدة فنراكموا بالقنة القايمة بأعلى الندوة وقد جنح الأصيل وجاذب القرص المسيل فرتبنا عليهم المسالح والأحراس ووكلناهم إلى غيب الزحام وسوء المقام وبرح الظما ورجز السما وتربصناه بالإجهاز عليهم انقشاع الظلماء وباكرناهم وطبول العزة بالله هادرة وكلمة الحق قايمة صاعدة وعزايم الصدق ماضية فعاطينا تلك القلعة الشما في السكك المزاحمة لشهب الأفلاك الحرب الضرسة التي لم يعهد بمثلها في زمان سالف ودهر غابر بلغ فيها الصبر أغياما تتجاذبه مطولات القصاص وغرايب الأسمار ويجمع فيها ألسنة الأخبار فدخلت القصبة الأولى وارتفعت في أبراجها البنود وانتقل من بها إلى الثانية ولما افتقر أمرها من بعد المحاولة إلى المطاولة ورأينا بعد ذلك أن لا مطمع في استبقاء المدينة إذا استخلصنا القصبة الشاهقة وفتحنا القلعة السامية لمكان العقد مع ولي قاعتها ومستحق خربتها ضنا بالنفوس المسلمة أن تفيض من دونها لجاجا أو تبيد عليها مجانا وأن من تحصل بها أشبه شيء بالعدم قلة وذلة وارتيابا وأشتاتا وقد أثبتهم الرماة وفشت فيهم الجراح ونبا بهم الوطن واقتطعتهم المحن أجبناهم إلى ما بذلوا في جماجمهم من الفدا على الإفراج عنهم والإقلاع عن ساحتهم فتم ذلك في يوم الجمعة الخامس من يوم المنازلة بعد أن توثقنا في شأنهم واقتضينا مائة من متخير
رهائنهم هذا بعد أن جهر المنادي بعقر الأشجار وانتساف تلك الأقطار فأمسى الجناب الأخضر لا يظل ضاحيا ولا يقل فراشا هافيا وتناولت الأقواس جراثيم العقار فعقرتها وقرأت ألسنة النار سورة التين والزيتون فجرفتها وحالت أيدي البوار واستؤصلت عاديات الأشجار وفجع بخندق الجنة أهل النار وطاف عليها طايف من الله و أصبحت كالصريم وطلعت عليها بالصليم لكتاد غرة اليوم العصيب وتقاسمت الأيدي تخريب أسوارها فهشمت أسنان الشرفات وجدعت آناف الأبراج المشرفات فهي اليوم اليباب البلقع ووهيها الوهي الذي لا يرقع واتفق من تمام الصنع أن تلاحق بمحلتنا عليها وزير السلطان صاحب قشتالة في كتيبة خشنة من قومه وعددهم من أتباعه مستجيرا بنا من مطالبة سلطانه طارحا نفسه علينا في تكفل أمانه فرأى من وفور محلات المسلمين ما بلد فكره وحير لحظه وشاهد من عظيم أثرهم في البلد المستباح الذي دمروه وعدد من استرقوه وأسروه ما ضاعف حسرته وأذرف عبرته فكان ذالك طرازا على الحلة السيراء وتماما للنعمة النعمى وأملا في ظهور الدين والحمد لله تكيف وتأتى وقفلنا بالمسلمين هنأهم الله بما وهبهم وقد وسم وجوههم الاستبشار وحلل قتالهم في سبيل الله النقع للثار وقد فجعوا الكفر بأم من أماته وكرسي الملك مستقل بذاتة وتركوها أوحش من القفر وأخلى من جوف القبر مرصوفة السكك بالجثث والأشلاء مظللة بأعنان تبلغ أعنان السماء مرفرفة فوقها عصايب القشاعم متزاحمة على شعابها ونقابها الضباع الصرامح والعواسل والكواسر قد شاه مرآها الجميل وأوحش
مربعها الأنيس قفولا ملأ بلاد الكفر رعبا وجاسها ذعرا وأقام للإسلام وأهله فيها وزنا ويالها من شوكة خضدها الله وأبادها وأذهب كيادها ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره وعرجنا في هذا الإياب العزيز على مدينة باغة الحجرة من بنات تلك الأم البائسة وفروع تلك الشجرة المجتثة فصارت سحيرا للسيل وملتهم الويل ومنتهب الرجل والخيل وألفينا قاطنها قد ولى هربا واتخذ الليل جملا وبيوتها مشحونة أثاثا و أقوتا ونعما أشتاتا فأخذها النهب وفشا في عيصها الأشب العيث وتعلقت النار بزياتينها لمكان العلاقة وأغرت بها لأجل السلبط ألسنة السلاطة فقلب الدمار أعيانها رمادا و ألبسها الحريق للثكل حدادا وانصرفنا عنها و العمل إن شاء الله على التعقيب مستوفر والعزم إن شاء الله على العود إلى أبدة الذاهبة مذهبها متجدد نسأل الله أن يتم علينا النعم ويجزل من فضله المواهب والقسم ويلهمنا الشكر المستدعي للمزيد فهو الولي الحميد وبادرنا تعريف مقامكم بما سناه الله قبل حط البنود عن الجياد والحمايل عن الأكتاد علما بموقع هذا الصنع من دينكم الأصيل و مجدكم العزيز وملككم الكبير فهو دينكم و جواركم ووطنكم الثاني وداركم وقد كانت هذه المكيفات بشاير ولي الله السلطان المقدس والدكم الذي لا يتحف بأسنى منها خطرا ولا يهدي أجل منها قدرا وأنتم وارث خلاله الصالحة وشيمه البرة الطاهرة ونرجو الله أن يكون هذا الفتح تمهيدا لمذخور نصركم وإرهاصا بين يدي جهادكم ولتتحققوا أنه لو جمع الله جمع الإسلام على الجهاد لعاد الفتح الأول
جدعا وتقهقر الكفر جزعا وراجع حدوده هربا وبيده الخلق والأمر وما أمرنا إلا بواحدة وما ذالك على الله بعزيز وهو سبحانه يهيء لكم ولنا من أمرنا رشدا ويوفقنا كما يقربنا الله زلفى بفضله ورحمته والسلام الكريم البر العميم يعتمد كم كثيرا أثيرا ورحمة الله وبركاته كتب فى آخر شهر الله المحرم من عام تسعة وستين وسبعماية تم السفر الأول
وكانت الحركة بعدها في أوايل شهر ربيع الأول المبارك من عام تسعة وستين وسبعمائة إلى مدينة أبدة فاحتل السلطان بمن لنظره من جيش المسلمين بظاهرها فافتتحها عنوة واستولى على مساكنها التدمير والتئبير وعفت آثارها وهدمت كنائسها وأسوارها وقفل إلى حضرته العلية بجنب نصرا لا كفاء له وصدرت عنه مخاطبة سلطان المغرب من إملائي بما نصه بعد سطر الأفتتاح المقام الذي نعاطيه أكواس المسرات دراكا ونجعل له في الفتوح وثوابها الممنوح اشتراكا ونتحفه بالأنباء الشاهدة بخلوص الولاء على الولاء سكونا أو حراكا مقام محل أخينا الذي شأنه السرور بما يفتح الله به على المسلمين والإسلام والابتهاج بما اجتلاه الدين الحنيف من سعادة الأيام والمساهمة التي تليق بمثله من الملوك الأعلام السلطان الكذا أبي فارس ابن السلطان الكذا أبي الحسن ابن السلطان الكذا أبي سعيد ابن السلطان الكذا أبي يوسف يعقوب ابن عبد الحق أبقاه الله وبابه بالبشاير مقصود وسعده في الأفق الأعلى مرصود وملكه بالله معصوم معضود وشمله باتصال الأمان ورضي الرحمن منضود وظل عدله وفضله ممدود وآثاره في الآثار الصالحة الباقية محسوب معدود معظم قدره العالي الاقتدار المسرور لهلاله السعيد لصفة الأبرار واستقامة الدار الداعي له في حالي الإيراد والإصدار بالزلفى وعقبي الدار الأمير عبد الله محمد ابن أمير المسلمين أبي الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد
ابن نصر سلام كريم ينم في جو الخلوص منه نسيم ويتجلى في مظهره الود المرصوص له محيا وسيم ورحمة الله وبركاته أما بعد حمد الله معرف العوايد الجميلة ومعدد العوارف ومصرف الألطاف الحسنة ومحسن المصارف مجدد اليمن المتعاقب المترادف ومؤيد العز التالد بالطارف الجواد الذي أخلصت آراؤه العميمة ومننه الكريمة وصف الواصف ناصر حزب الإسلام على معاند دعوته السامية الأعلام والمخالف ومظهر دينه الحق على الأديان إنجازاً لوعده السابق في الزمن السالف والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله أمان العباد عند اشتداد المخاوف والظل الظليل الوارف وغمام الرحمة الواكف المنقذ بنور هداه من المتالف والرضا عن آله الشم الأنوف الغطارف سحاب العوارف وبحار الغوارف الذين نصروه في حياته بالبيض المواضي والسمر الرواعف وقاموا بسنته قيام الواصل العاكف والمناصح الملاطف حتى دنت الغصون للقاطف واختالت الملة من ثياب العز في أبهى المطارف والدعاء لمقام أخوتكم أبقاه الله مثابة البادي والعاكف بالصنع المساعد المساعف واليمن المتزايد المتضاعف والنصر الذي تشهد به ألسنة المارق من الجهادية والمواقف فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم سعدا يتكفل بإسعاد الراضي وتمهيد الراجف وعدلا تمضي فيه أوراق المطالب حكم أوراق المصاحف والسعد بر المتاحف والحمد لله كثيرا كما هو أهله فلا فضل إلا فضله ومقامكم العلي وجهة التعريف بما يتزيد من منح أو يفتح الله جل جلاله من فتح تكل في بحر تفسيره الأقلام عن فسح وإسهاب وشرح إذ الخلوص المجدد والحق الذي لا يجحد والود المتوارث الذي عقوده تشهد
تأبى أن يقطع منه الإغفال جنابا أو تفقد منه منابا أو تسد الشامتة منه بابا أو يكدر صفوا أو يشرب لبابا وبحسب ذلك ينهي إليكم كل راجعة تتبعها رادفة وسالفة تعقبها خالفة إشاعة لمنن الله بين عباده وإشادة في الجهاد بثمر جهاده وعلما بمواقع ذلك من مقامكم الذي يعلم صدق وداده وجميل اعتقاده وسيره في المقاصد البرة على سنن الكرام أجداده وقد كنا عرفناكم في هذا الكتاب قبل هذا أننا على ركاب جهاد واستيناف احتشاد إلى مدينة أبدة لنهيض منها ثاني جنحي الكفر ونؤمن الجهات الشرقية بفضل الله عادية الضر ونفجع الشرك بحبيبته ونصيبه من بعد يسراه بيمينه فاستعنا بالله القوي المعين واستنجدناه على فتح معقلها وهو خير الفاتحين واستدعينا كافة أهل الإسلام لمأدبة الجهاد الواضح الإشهاد فهموا طايعين وفي فوز أيديهم بإحدى الحسنيين طامعين واستكثرنا من الآلات والأسباب واستبحرنا من معارج التسورات وخزاين النشاب ولم ندع حيلة تبقر سورا ولا تهويلا يذعر محصورا ولا آلة تحط وقاية منصوبة ولا نكاية تكظم بلدة مخروبة إلا استزدنا من أنواعها وأجناسها وتممنا ما نقص من قياسها بعد أن اعتقدنا أن لا غالب إلا الله وحده وأنه الذي يظهر دينه وينجز وعده وإلا فما يغني العدد إذا لم يكن منه الإعانة والمدد لا إله إلا هو خالق الخلق وما يعملون ومتمم نوره ولو كره الكافرون
وأفضنا العطاء في المرتزقة وفتحنا الدواوين الملتحفة وحملنا من نفق في سبيل الله جواده وأعنا من قصر عن مؤنته زاده وخرجنا والتوكل على الدليل والمواكب الظن الجميل ومتعود الصنع للظل الظليل وكلمة الله العليا العلم الذي لا يميل فخيمنا على أميال من الحضرة مخيما بادي الوفور محفوفا بالعز المشهور والنصر الرايق الشعور ثم دخلنا بعد مراحل ضفة الوادي الكبير من أحوازها المستباحة وعمالتها المخروبة الساحة والعدو بعرصة جسر عال مثل فوقه حصن حصين يمنع العابر ويصد الوارد والصادر فألفيناه وقد قد ضابط دربه وقيوم سلمه وحربه فأغنانا الله عن فض غلقه واقتحمناه تجري فوقه سيول الحشود ونشر النمل غير المحصور ولا الممدود لا بل قطايع الليوث الغلب والأسود ولما صبحنا ساحتها وأزمعنا بعزة الله استباحتها نظرنا إلى مدينة هايلة عمارتها في الأرض الفضاجايلة وأدواحها الأشبة مايلة ومحاسنها متبرجة متخايلة ومنعتها دون من اعتصم بها إلا من الله حايلة بنت جبان في ملأتها سعة جناب وتبحر فلح وأعناب بلد التجارة التي يعمل إليها سير الرفاق من نازح الآفاق والمآرب الآمنة مساعيها من الإخفاق والمصر الشهير العمارة الفسيح الإثارة فإذا ذكرت الأمات فإليها يشار وإذا تشوقت المعاطن فلها تحن العشار فقلنا اللهم سهل صعبها وأسفل كعبها واجعلها لعبادك أنفالا واترك معالمها إغفالا لرمي النصر ثقالا واقطع عمالتها ليدي الخراب واصرع آناف مبانيها السامية في التراب وصيرها عبرة لأولي الألباب ثم نهدنا فأدرنا الجموع بالأسوار دور السوار بعد أن عممنا بكتايب الدار ظهور النجادة وبطون الأغوار وأرسلنا إليها طيور المنيات من أوكار الحيات ورجعنا بذوات الأدراج إلى الأبراج وعاطينا حربا تبرجت لأبطالها
الحور وتحلت بشذور النجيع منها النحور وعلت بالشهادة الأصوات وحامت عن موارد الكماة وبيعت من الله النفوس ودارت للآجال الكؤوس حتى أثمر النصر ثمراته المعهودة فافترعت الشرفات المفترشات وأصبحت المسافات تطأها الآفات ودخلت المدينة والقدرة لله غلابا وتقسمتها أيدي الإسلام قتلا واستلابا فأخذت جذل الرماح على كفارها بوجه الأزقة واقتطعوا بين عياث الأيدي المستهلكة والمسترقة فاستبيحت المقاصير والقصور واقتحمت الديرة والدور وخسفت في مطالع بروجها الكافرة البدور وانتسفت الأقوات وأوقع بالكفر الفوات وأخليت من سروج فرسانهم الصهوات وأيمت من آبايها الإخوان والأخوات وكان مسورها الذي تعاصي عن الذرع والمساحة فوره وتعدى حدود المدينة الرحيبة طوره قد استودعت أقصيته تعم مسارحها التي أخافها الخلاف وأمم فحوصها الفيح التي يخشى عليها الإتلاف فألفاها المسلمون ألوفا لا تحصى وحملا عسر إبرازه على الجبل واستعصى فتناولها الانتهاب والاقتسام وأمهلت هضابها الجسام وأقيمت لها في هذا الميلاد الكريم المواسم الوسام وأما الأموال الموصلة والخزاين المجملة المفصلة فأعيا نقلها الظهور واستغرق الأيام بل الشهور ولجأ الفل من أهلها إلى القصبة التي تسع الجملة وتوهم المعتصم بها العطف والمهلة واستماتوا من وراء سورها العاصي البناء وأبلوا من دون الحريم والأبناء وزحف إليهم الرجال حتى ضاق بهم المجال ورشقتهم السهام بمالا تتصوره الأوهام وأمطرت عليهم السماء حجارة القذف وشرعت إلى أسمائهم عوامل الحذف وأسفوا على المتالف ورأوا في أنفسهم
مواقع الرماح من النحور والسيوف من السوالف إلا أننا رأينا أنها قصبة مستعدة قد تحصل بها من الناشبة والرامحة عدة فلا يتوصل إلى افتتاحها إلا بمهج ونفوس من المسلمين عليها تسيل وحماة لها في الإسلام الغناء الجميل وفي سلامتها التأميل وأن البلد قد استوصل معموره وألصقت بالرغام دوره وسد دكه ودك سوره وتعدد قتيله ومأسوره بحيث لا يفيق أبدا من بواره ولا يجبر كسره إلا بعد انقضاء أدوار وأن القصبة لا تبدي في اعتماره ولا تعيد وأين يقع ساكنها مما تريد وشرعنا في الإياب والسكك بالأوقار قد ضاقت والأيدي قد حملت فوق ما أطاقت والمناصل قد أنهرت وأراقت ونقمة الله بعدوه قد حاقت ونعمه قد بهرت لدينا وراقت وتخلفنا قصورها السامية قيعانا وكنايسها الحافلة أثرالاعيانا وقد أخذ الله صلبانها واستعجل النيران رهبانها وأتى الله بيوتها من القواعد فخرت وزلزل مصانعها العالية فاستوت على وجه الصعيد واستقرت فما أظن أن مدينة بلغ من معمورها واستأصل العفا من حجرات دورها ما بلغ في هذه البايسة البائدة والغوية المكايدة غير الله محاسنها وشرد قاطنها ولما فرغت الأيدي المجاهدة من داخلها الهايل تدميرا وتخريبا وتهيأت هنات الله جل جلاله نصرا عزيزا وفتحا قريبا انطلقت على ما بخارجها عقرا للأشجار وتعفية للآثار وتغويرا للأنهار وتسليط ألسنة النار وأغرينا بهذا العياث أياما سبعة تسبي النعم وتبث في جهاتها النقم فتركنا مرابع البيت الأوانس أوحش من الرمس ومغاني الغانيات كأن لم تغن بالأمس قد أذل الله بعز الإسلام طغيانها وكف بكف القدرة عدوانها وشان بالدمار شأنها فكم أجلبت على ثغور الإسلام بخيلها ورجلها وكم عظم الفرح في
الدين لأجلها ووفاه الله وله الحمد بمحلها وقفلنا والأولوية بالنصر خافقة وأسواق الظهور نافقة وألسنة الحمد والشكر ناطقة والظنون في فضل الصادق صادقه والكفر قد ذل واستكان ودخل ثغره في خبر كان وعز الإسلام قد ظهر واستبان ورسى كما رسى رضوى وأبان والخيل تلاعب الطلال مرحا ونشاطا والوجوه تتلألأ اغتباطا والجياد الجرد تتدافع وتمطر والأسال السمر تتهاود وتتأطر والجهات بشذا الفتح تتعطر وقد أقفر هذا الصقع العظيم من عمرانه وأطاع الاشتمال بالمنحسة حكم قرانه وأناخ عليه العفا بجرانه ومن الله نسل أن يصل الإسلام عوايد النعم الجسام ويلهمنا الشكر المستدعي للمزيد من هذه الأقسام وإن كان هذا الموطن الذي يغبط من الكفار يدفعه الله ويكتبه ويعلق الثواب الجزيل ويرقبه فكيف لا نحمد الله على تخريب هذا المصر الشهير والقطر الخصيب الخطير بحيث تمضي الأحقاب وهو عبرة للمعتبرين وواعظ للمبصرين وحديثه لسان صدق في الآخرين ومقامكم وجهة المبشرات مهما يسرها الله وكيفها والصنايع إذا أولاها جل جلاله وعرفها عليكم نجلو صورها ولديكم نتلو سورها علما من دينكم الذي علمت مساهمته ونصحه وأشرق في أفق الفضل صبحه ولما لسلفكم من أثر بهذه البلاد لا يخفي وإعانة حقوقها المرعبة لا تخفي وأجورها عند الله توفي وأنتم وارث خلدا بهذه البلاد إلا عن كلالة وولى ما تخلفه من مجد وجلالة وإنا لنرجو أن يكون لكم في الجهاد بهذه البلاد القدح المعلي والأثر الذي يتلي فيمن نقيبتكم قد أشرف وتجلى وعلى ميادين الظهور قد استولى والله يحقق الآمال وينجح الأعمال وأوجب تعجيل التعريف به
ود في سبيل الله أطيب من العذب الزلال وخلوص يتضاعف على مر الأيام والليال ونحن نشرع في إعمال الحركة إلى قرطبة دمرها الله واثقين بذي العزة والجلال مستظهرين بنيتكم الكريمة الكفيلة بسعادة المنال ودعاء من لديكم من المسلمين بما يقضي ببلوغ وإجابة السؤال والله يصل لكم سعدا مديد الظلال بامتداد البكر والآصال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وكتبت لصاحب تونس بمجموع هذه الفتوح عن السلطان رضي الله عنه وقد أهدي خيلا وعتاقا وأصنافا من الرقيق والفتيان وغير ذلك صحبة الرسول الفقيه أبي الحسن البنا وبتاريخ اليوم الثالث من شهر ربيع الآخر من عام سبعين وسبعمائة الخلافة التي ارتفع في عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف واستقلت مباني فخرها الشائع وعزها الذائع على ما أسسه الأسلاف ووجب لحقها الجازم وفرضها اللازم الاعتراف ووسعت الآملين لها الجوانب الرحيبة والأكناف فامتزاجنا بعلائها المنيف وولائها الشريف كما امتزج الماء والسلاف وثناؤنا على مجدها الكريم وفضلها العميم كما تأرجت الرياض الأفواف لما زارها الغمام الوكاف ودعاؤنا بطول بقائها واتصال علائها يسمو به إلى قرع أبواب السموات العلا الاستشراف وحرصنا على توفية حقوقها العظيمة وفواضلها العميمة لا تحصره الحدود ولا تدركه الأوصاف وإن عذر في التقصير عن نيل ذاك المرام الكبير الحق والإنصاف خلافة وجهة تعظيمنا إذا توجهت الوجوه ومن نوثره إذا أهمنا ما نرجوه ونفديه ونبيديه إذا استمنح المحبوب واسترفع المكروه الخليفة الكذا أبو إسحق ابن الخليفة الكذا أبي يحيى أبي بكر ابن السلطان أبي زكريا ابن السلطان الكذا أبي إسحاق ابن
الخليفة المستنصر بالله أبي عبد الله بن أبي زكريا بن عبد الواحد ابن أبي حفص أبقاه الله ومقامه مقام إبراهيم رزقا وأمانا لا يخص جلب الثمرات إليه وقتا ولا يعين زمانا وكان على من يتخطف الناس من حوله مؤيدا بالله معانا معظم قدره العالي على الأقدار ومقابل داعي حقه بالابتدار المثنى على معاليه المخلدة الآثار في أصونة النظام والنثار ثناء الروضة المعطار على الأمطار الداعي إلى الله ببقائه في عزة منسدلة الأستار وعصمة ثابتة المركز مستقيمة المدار وأن يختم له بعد بلوغ غايات الآجال ونهايات الأعمار بالزلفى وعقبى الدار سلام كريم كما حملت نسمات الأسحار أحاديث الأزهار وروت ثغور الأقاحي والبهار عن مسلسلات الأنهار وتجلي على منصة الاشتهار وجه عروس النهار يخص خلافتكم الكريمة النجار العزيزة الجار ورحمة الله الله وبركاته أما بعد حمد الله الذي أخفى حكمته البالغة عن أذهان البشر فعجزت عن قياسها وجعل الأرواح كما ورد في الخبر تحن إلى أجناسها منجد هذه الملة من أوليائه الجلة بمن يروض الآمال بعد شماسها وييسر الأغراض قبل التماسها ويعني بتجديد المودات في ذاته وابتغاء مرضاته على حين إخلاق
لباسها الملك الحق واصل الأسباب بحوله بعد انتكاب أمراسها ومغني النفوس بطوله بعد إفلاسها حمدا يدر أخلاف النعم بعد إبساسها وينثر رمم الآمال من أرماسها ويقدس النفوس بصفات ملائكة السموات بعد إيلاسها والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله سراج الهداية ونبراسها عند اقتناء الأنوار واقتباسها مطهر الأرض من أوضارها وأدناسها ومصطفى الله من بين ناسها وسيد الرسل الكرام ما بين شيثها وإلياسها والآتي مهيمنا على آثارها في حين فترتها ومن بعد استياسها مرغم الضراغم في أخياسها بعد افترارها وافتراسها ومعفر أجرام الأصنام ومصمت أجراسها والرضا عن آله وأصحابه وعترته وأحزابه حماة شرعته البيضاء وحراسها وملقحى غراسها ليوث الوغى عند احتدام مراسها ورهبان الدجا تتكفل مناجاة السميع العليم في وحشة الليل البهيم بإيناسها وتفاوح نواسم الأسحار عند الاستغفار بطيب أنفاسها والدعاء لخلافتكم العلية المستنصرية بالصنايع التي تشعشع العزة القعساء من أكواسها ولا زالت العزة الإلهية كفيلة باحتراسها وامتراسها وأنباء الفتوح المؤيدة بالملائكة والروح ريحان جلاسها وآيات المفاخر التي ترك الأول للآخر مكتتبة على الأسطار بأطراسها وميادين الوجود مجالا لجياد جودها وبأسها والعز والعدل منسوبين لفسطاطها وقسطاسها وصحيفة النصر العزيز تفيض كفها المؤيدة بالله على رياسها عند اهتياج أضدادها وسرة انتكاسها لانتهاب البلاد وانتهابها وهبوب رياح رياحها وتمرد مرداسها فإنا كتبناه
إليكم كتب الله لكم من كتايب نصره أمدادا تذعن أعناق الأيام لطاعة ملككم المنصور الأعلام عند إحساسها وأتاكم من آيات العنايات آية تضرب الصخرة الصماء ممن عصاها بعصاها فتبادر بانبحاسها من حمراء غرناطة حرسها الله وأيام الإسلام بعناية الملك العلام تحتفل وفود الملائكة الكرام لولايمها وأعراسها وطواعن الطعان في عدو الدين المعان تجدد عريدها بعام عمواسها والحمد لله حمدا معادا يقيد شوارد النعم ويستدر مواهب الجود والكرم ويؤمن من انتكاب الجدود وانتكاسها ولي الآمال ومكاسها وخلافتكم هي المثابة التي تزهي الوجود بمحاسن مجدها زهو الرياض بوردها وآسها ونستمد أضواء الفضائل من مقياسها وتروي رواة الإفادة والإبادة عن ضحاكها وعباسها وإلى هذا أعلى الله معارج قدركم وقد فعل وأنطق بحجج مجدكم من احتفى وأنتعل فإنه وصلنا كتابكم الذي حسبناه على صنائع الله تميمة لا تلتمع بعدها عين وجعلناه على حلل مواهبه قلادة لا يحتاج معها زين ودعوناه من جيب الكنانة آية بيضاء للكتابة لم يبق معها شك ولا مين وقرأنا منه وثيقة ود هضم فيها عن غريم الزمان دين ورأينا منه إنشاء خدم اليراع بين يديه مشاء وسيل عن معانيه الاختراع فقال إنا أنشأناهن إنشاء فأهلا به من عربي أبي يصف السانح والبانة ويبين فيحسن الإبانة أدى الأمانة وسيل عن حيه فانتهى إلى كنانة وأفصح وهو لا ينبس وتهللت قسماته وليل حبره يعبس وكأن خاتمه المقفل على صوانه المتحف بباكر الورد في غير أوانه رعف من مسك عنوانه ولله من قلم دبج تلك الحلل ونقع بمجاج الدواة
المستمدة من عين الحياة الغلل فلقد تخارق في الجود مقتديا بالخلافة التي خلد فخرها في الوجود فجاد بسر البيان ولبابه وسمح في سبيل الكرم حتى بماء شبابه وجمح لفرط بشاشته وفهامته بعد شهادة السيف بشهامته فمشى من الترحيب في الطرس الرحيب على أم هامته وأكرم به من حكيم أفصح بملغوز الإكسير في اللفظ اليسير وشرح بلسان الخبير سر صناعة التدبير كأنما خدم الملكة الساحرة بتلك البلاد قبل استنجاز الجلاد فآثرته بالطارف من سجرها والتلاد أو غير بالمعلقة وتلك القديمة المطلقة من قنية دار أو كنز تحت جدار أو ظفر لمباني الحنايا قبل أن تنقطع به عن أمانيه المنايا ببديعه أو خلف جرجير الروم قبل منازلة القروم على وديعه أو أسهمه ابن أبي سرح في نشب للفتح وسرح أو ختم له روح بن حاتم ببلوغ المطلب أو غلب الحظوظ بخدمة آل الأغلب أو خصه زيادة الله بمزيد أو شارك الشيعة في أمر أبي يزيد أو سار على منهاج في مناصحة بني صنهاج وفضح بتخليد أمداحهم كل هاج وأعجب له وقد عزز منه مثنى البيان بثالث فجلب سحر الأسماع واسترقاق الطباع بين مثاني الإبداع ومثالث كيف اقتدر على هذا المحيد وناصح مع التثليث مقام التوحيد نستغفر الله ولي العون على الصمة والصون فالقلم هو الموحد قبل الكون والمتصف من صفات السادة أولى العبادة بضمور الجسم وصفرة اللون إنما هي كرامة فاروقية وإشارة من حديث سارية وبقية سفر وجهها في الأعقاب
بعد طول الانتقاب وتداول الأحقاب ولسان مناب عن كريم جناب وإصابة السهم لسواه محسوبة وإلى الرامي الذي سدده منسوبة ولا تنكر على الغمام بارقة ولا على المحققين بمقام التوحيد كرامة خارقة فمن شاء الفضل من غرايب بر وجد ومحاريب خلق كريم ركع الشكر فيها وسجد حديقة بيان استثارت نواسم الإيداع من مهبها واستنارت غمايم الطباع من مصبها فأتت أكلها مرتين بإذن ربها لا بل كتيبة عز طاعنت بقنا الألفات سطورها فلا يرومها النقد ولا يطورها ونزعت عن قسي النونات خطوطها واصطفت من بياض الطرس وسواد النفس فلق تحوطها فما كاس المدير على الغدير بين الخورنق والسدير تغامر ببرد الحباب عقول أولي الألباب وتغرق كسرى في القباب وتهدي وهي الشمطا نشاط الشباب وقد أسرج ابن سريح وألجم وأفصح للقريض بعد ما جمجم وأعرب الناي الأعجم ووقع معبدا بالقضيب وشرعت في حساب العقد بنان الكف الخضيب وكأن الأنامل فوق مثالث العود ومثانيه وعند إغراء الثقيل بثانيه وإجابة صدا الغناء بين مغانيه المراود تشرع في الوشي أو العناكب تسرع في المشي وما المخبر بنيل الرغايب أو قدوم الحبيب الغايب لا بل إشارة البشير بكم المشير على العشير بأجلب للسرور من زايرة الملتقى بالبرور وأدعى للحبور من سفيره المبهج للسفور فلم ير مثله من كتيبة كتاب تجنب الجرد تمرح في الأرسان وتتشوف مجالي ظهورها إلى عرايس الفرسان وتهز معاطف الأرتياح من صهيلها الصراح بالنغمات الحسان إذا أوجست الصريخ بارحت إثناء الأعنة وكاثرت بأسنة آذانها
مشرعة الأسنة فإن ادعى الظليم إثكالها فهو ظالم أو نازع الظبي هواديها وأكفالها فهو هاد أو حالم وإن سئل الأصمعي عن عيوب الغرر والأوضاح قال مشيرا إلى وجوهها الصباح جلدة بين الأنف والعين سالم من كل عبل الشوى مسابق النجم إذا هوى سامي التليل عريض ما تحت الشليل ممشوقة أعطافه بمنديل النسيم البليل من أحمر كالمدام تجلي على الندام عقب الفدام أتحف لونه بالورد في زمن البرد وحيا أفق محياه بكوكب السعد وتشوف الواصفون إلى عد محاسنه فأعيت عن العد بحر يساجل البحر عند المد وريح تباري الريح عند الشد بالذراع الأشد حكم له مدبر الفلك باعتدال فصل القد وميزه قدره المميز يوم الاستباق بقصب السباق عند اعتبار الجد وولد مختط غرته أشكال الجمال على الكمال بين البياض والحمرة ونقا الخد وحفظ رواية الخلق الوجيه عن جده الوجيه ولا تنكر الرواية عن الحافظ بن الجد وأشقر ذهبي الخلق والوجه الطلق أن يحقر كأنما صيغ عن العسجد وطرف بالدر وأنعل بالزبرجد ووسم في الحديث بسمة اليمن و البركة واختص بفلج الخصام عند استنجاز المعركة وانفرد بمضاعف السهام المنكسرة على الهام في الفرائض المشتركة واتصل فلك كفله بحركتي الإدارة والطبع من أصناف الحركة أصغي إلى السما بإذن الملهم وأغرى لسان الصميل عند التباس معاني المهمز والتسهيل ببيان المبهم وفتنت العيون من ذهب جسمه ولجين نجمه بحب الدنير والدرهم فإن انقض فرجم أو ريح لما هجم اعترض فشفق لاح به للنجم نجم واصفر
قيد الأوابد الحرة وأمسك المحاسن وأطلق الغرة وسيل من أنت في قواد الكتايب وأولى الأخبار العجايب فقال أنا المهلب بن أبي صفرة نرجس هذه الألوان في رياض الأكوان تحيا به محيا الحرب العوان أغار بنخوة الصايل على معصفرات الأصايل فارتداها وعمد إلى خيوط شعاع الشمس عند جانحة الأمس فألجم منها حلته وأسداها واستعدت عليه تلك المحاسن فما أعداها فهو أصيل تمسك بذيل الليل عرفه وذيله وكوكب يطلعه من القتام ليله فيحسده فرقد الأفق وسهيله وأشهب سني من لونه مفاضة وتسربل منه لامة فضفاضة قد احتفل زينه لما رقم بالنبال لجيه فهو الأشمط الذي حقه لا يغمط والدارع المسارع والأعزل الذارع وراقي الهضاب الفارع ومكتوب الكتيبة البارع وأكرم به من مرتاض سالك ومجتهد على غايات السابقين متهالك وأشهب يروي من الخليفة ذي الشيم المنيفة عن مالك وحباري كلما سابق وبارى استعار جناح الخبارى فإذا أعملت الحسبة قيل من هذا جاءت النسبة طرد النمر لما عظم أمره وأمره فنسخ وجوده بعدمه وابتزه الفروة ملطخة بدمه وكأن مضاعف الورد نثر عليه من طبقه أو الفلك لما ذهب الحلك مزج بياض صبحه بحمرة شفقه وقرطاسى حقه لا يجهل متى ما ترقى العين فيه تسهل إن نزع عنه جله فهو نجم كله انفرد بمادة الألوان قبل أن تثريها الأكوان وتمزقها أقلام الملوان تتقدم منه الكتيبة المقفلة لواء ناصع أو أبيض مماصع
لبس وقار الشيب في ريعان العمر القشيب وأنصتت الآذان من صهيله المطيل المطيب لما ارتدى بالبياض إلى نغمة الخطيب وإن تعتب منه التأخير المقتب قلنا الواو لا ترتب ما بين فحل وحرة وبهرمانة ودرة ويالله من ابتسام غرة ووضوح يمن في طرة وبهجة للعين وقرة وإن ولع الناس بامتداح القديم وطمح إلى رتبة المخدوم طرف الخديم وقورن المثرى بالعديم وبخس في سوق الكسد الكيل ودجا الليل وظهر في فلك الإنصاف الميل لما تذوكرت الخيل فجيء بالوجيه والخطار والزايد وذي الحمار وداحس والسكب والأبحر وزاد الركب والجموح واليحموم والكميت ومكتوم والأعوج والحلوان ولاحق والغضبان وعفروز والزعفران والمحبر واللعاب والأغر والغراب وشقلة والعقاب والفياض واليعبوب والمذهب واليعسوب والصحون والقطيب وهيدب والصبيب وأهلوب وهداج والحرون والحراج وعلوي والجناح والأحوى ومحاح والعصا والنعامة والمبلقا والحمامة وسكاب والجرادة وخبوصا والعرادة وكم بين الشاهد والغايب والفروض والرغايب وفرق ما بين الأثر والعيان غني عن البيان وشتان ما بين الصريح والمشتبه ولله در القايل خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به والناسخ يختلف به الحكم وشر الدواب عند التفضيل الصم والبكم إلا ما ركبه نبي أو كان له يوم الافتخار برهان مرعى ومفضل ما سمع على ما رأى غبي فلو أنصفت محاسنها التي وصفت لأقضمت حب القلوب علفا وأوردت ماء الشبيبة نطفا وتخذت لها من عذر الخدود الملاح عذر موشية وعللت بصفير ألحان القيان كل عشية وأهلت بالأهلة وغطيت بالرياض بدل الأجلة إلى
الرقيق الخليق بالحسن الحقيق تسوقه إلى مثوى الرعاية روقة الفتيان رعاته وتهدي عقيقها من سبحه أشكالا تشهد للمخترع سبحانه بإحكام مخترعاته وقفت ناظر الاستحسان لا يريم لما بهرها منظره الكريم وتحامل الظليم وتضاءول الريم وأخرص مفوه اللسان بملكة التبيان الحفيظ العليم وناب لسان الحال عن لسان المقال عند الاعتقال فقال يخاطب المقام الذي أطلعن أزهارها غمايم جوده واقتضت اختيارها بركة وجوده لو علمنا أيها الملك الأصيل الذي كرم منه الإجمال والتفصيل أن الثناء يوازيها لكلنا لك بكيلك أو الشكر يعادلها أو يجازيها لتعرضنا بالوشل إلى نيل نبلك أو قلنا هي التي أشار أشار إليها مستصرخ سلفك المستنصر بقوله أدرك بخيلك حين شرق بدمعه الشرق وانهزم الجمع واستولى الفرق واتسع فيه والحكم لله الخرق ورأى أن مقام التوحيد بالمظاهرة على التليث وحزبه الخبيث هو الأولى والأحق والان قد أغنى الله بتلك النية عن الأمداد اتخاذ الطوال الردينية وبالدعاء من تلك المثابة الدينية إلى رب البنية عن الأمداد السنية و الأجواد تخوض بحر الماء لى بحر المنية و عن الجرد العربية في مقاود الليوث الأبية فجدد برسم هذه الهدية مراسم العهود الودية والذمم الموحدية لتكون علامة على الأصل ومكذبة لدعوى الوقف والفصل وإشعارا بالألفة التي لاتزال ألفها بحول الله ألف الوصل لامها حراما على النصل وحضر بين يدينا رسولكم فلان فقرر من فضلكم ما لا ينكره من عرف علو مقداركم وأصالة داركم وفلك أبداركم وقطب مداركم واجبنا عنه بجهد ما كنا لنقنع من جناه المهتصر بالمقتضب المختصر ولا لنقابل طول طوله بالقصر لولا طروء الحصر وقد كان بين الأسلاف رضوان الله عليهم ود أبرمت من أجل الله
معاهدة ووثرت للخلوص الجلى المنصوص مضاجعه القارة ومراقده وتعاهد بالجميل توجع لفقده فيما سلف فاقده أبى الله إلا أن يكون لكم الفضل في تجديده والعطف بتوكيده فنحن الآن لا ندري أي مكارمكم تذكر أو أي فواضلكم تشرح أو تشكر أمفاتحتكم التي هي عندنا في الحقيقة فتح أم هديتكم وفي وصفها للأقلام سبح ولعدو الإسلام بحكمة حكمتها كبح إنما نكل الشكر لمن يوفي جزاء الأعمال البرة ولا يبخس مثقال ذرة ولا أدنى من مثقال الذرة ذى الرحمة الثرة والألطاف المستمرة لا إله إلا هو وإن تشوفتم إلى الأحوال الراهنة وأسباب الكفر الواهنة فنحن نطرفكم بطرفها وهو أننا كما أعادنا الله من التمحيص إلى مثابة التخصيص من بعد المرام العويص كحلنا بتوفيق الله بصر البصيرة ووقفنا على سبيله مساعي الحياة القصيرة ورأينا كما نقل إلينا وكرر من قبلنا و علينا أن الدنيا وإن غر الغرور وأقام على سرر الغفلة السرور فلم ينفع الخطور على أجداث الزمان و المرور جسر يعبر ومتاع لا يغبط من حبى به ولا يجبر إنما هو خبر فيه يخبر وأن الأعمار أحلام و أن الناس نيام و وربما رحل الراحل عن الخان قد جلله بالأذى وبالدخان أو ترك بعده طيبا وثنا يقوم بعده للآتي خطيبا فجعلنا العدل في الأمور ملاكا والتفقد للثغور مسواكا وضجيع المهاد حديث الجهاد وأحكامه مناط الاجتهاد وقوله ( ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم ) دليل الإشهاد وبادرنا رمق الحصون المضاعة وجنح
التقية دامس وعوراته لا ترد يد لامس وساكنها بايس والأعصم في شعباتها من العصمة آيس فرتبنا ببيض الشرفات ثناياها وأفعمنا بالعذب الفرات ركاياها وغشينا بالصفيح المضاعف أبوابها واحتسبنا عند موفي الأجور ثوابها وبيضنا بناصع الكلس أثوابها فهي اليوم توهم حسن العيان أنها قطع من بيض العنان تكاد تناول قرص البدر بالبنان متكفلة للمؤمن من قرع الدنيا والآخرة بالأمان وأقرضنا الله قرضا وأوسعنا مدونة الجيش عرضا وفرضنا أنصافه مع الأهلة فرضا واستندنا من التوكل على الله الغني الحميد إلى ظل لواء ونبذنا إلى الطاغية عهده على سواء وقلنا ربنا أنت العزيز وكل جبار لعزك ذليل وحزبك هو الكثير وما سواه فقليل أنت الكافي ووعدك الوعد الوافي فأفض علينا مدارع الصابرين واكتبنا من الفائزين بحظوظ رضاك الظافرين وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فتحركنا أولى الحركات وفاتحة مصحف البركات في خف من الحشود واقتصار على من بحضرتنا من العساكر المظفرة والجنود إلى حصن أشر السامي المطل وركاب العدو الضال المضل ومهدي نفثات الصل على لمتناعه وارتفاعه وسمر يفاعه وما بذل العدو فيه من استعداده وتوفير أسلحته وأزواده وانتخاب أنجاده فصلينا عليه بنفسنا ناره وزاحمنا عليه الشهداء نصابر أواره ونلقى بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة وجلاسده الملومة وأحجاره حتى فرعنا بحول الله
من لا حول ولا قوة إلا به أبراجه المنيعة وأسواره وكففنا عن العباد والبلاد أضراره بعد أن أضفنا إليه حصن السهلة جاره ورحلنا عنه بعد أن شحناه رابطة وحامية وأوسعناه أزوادا نامية وعملنا بيدنا في رم ما ثلم القتال وبقر من بطون مسابقه الرجال واقتدينا بنبينا صلوات الله وسلامه عليه في الخندق لما حمى ذلك المجال ووقع الارتجاز المنقول خبره والارتحال وما كان ليقر الإسلام مع تركه القرار وقد كتب الجوار وتداعي الدعوة وتعاون الشرار وقد كنا أغزينا الجهة الغربية من المسلمين مدينة برغة التي سدت بين القاعدتين رندة ومالقة الطريق وألبست ذل الفراق ذلك الفريق ومنعتهما أن يسيغا الريق فلا سبيل إلى الإلمام لطيف المنام إلا في الأحلام ولا رسالة إلا في أجنحة هدى الحمام فيسر الله فتحها وعجل منحها بعد حرب انبتت فيها النحور وتزينت الحور وتبع هذه الأم بنات شهيرة وبقع للزرع والضرع خيرة فشفى الثغر من بوسه وتهلل وجه الإسلام بتلك الناحية بعد عبوسه ثم أعملنا الحركة إلى مدينة أطريرة على بعد المدا وتغلغلها في بلاد العدا واقتحام هول البلا وغول الردى مدينة تبنتها حمص فأوسعت الدار وأغلت الشوار وراعت الاستكثار وبسطت الاعتمار رجح إلينا قصدها على البعد والطريق الجعد ما أسفت به المسلمين من استيصال طايفة من أسراهم مروا بها آمنين وبظاهرها المشئوم متيمنين قد أنهكهم الاعتقال والقيود الثقال وأضرعهم الأسار وجللهم الانكسار فجدلوهم في
مصرع واحد وتركوهم عبرة للرائي والمشاهد وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواجد وثرة الماجد فكبسناها كبسا وفجأناها بإلهام من لا يضل ولا ينسى فصبحتها الخيل ثم تلاحق الرجل كما جن السيل وحاق بها الويل فأبيح منها الذمار وأخذها الدمار ومحقت من مصانعها البيض الآهلة وخسفت الأقمار وشفيت من دما أهلها الضلوع الجرار وسلطت على هياكلها النار واستولى على الآلات العديدة من سبيها الأسار وانتهى إلى إشبيلية الثكلى المغار فجلل وجوه من بها من وجوه كبار النصرانية الصغار واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقله الأوقار وعدنا والأرض تموج سبيا لم تترك بعفرين شبلا ولا بوجرة ظبيا والعقايل حسرى والعيون يبهرها الصنع الأسرى وصبح السرى قد حمد من بعد بعد المسرى فسبحان الذي أسرى ولسان الحمية ينادي في تلك الكنائس المخربة والنوادي بالثارات الأسرى ولم يكن إلا أن نقلت الأنفال ووسمت ورسمت بالإيضاح الأغفال وتميزت الهوادي والأكفال وكان إلى غزو مدينة جيان الاحتفال قدنا إليها الجرد تلاعب الظلال نشاطا والأبطال تقتحم الأخطار رضي بما عندالله واغتباطا والمهندة الدلق تسبق إلى الرقاب استلالا واختراطا والردينية السمر تسترط حياتها النفوس استراطا واستكثرنا من عدد القتال احتياطا وأرحنا العلل عمن أراد جهادا منجيا غباره من نار جهنم ورباطا ونادينا الجهاد الجهاد يا أمة النبي الهاد الجنة الجنة تحت ظلال السيوف الحداد فهز النداء إلى الله
كل عامر وغامر وائتمر الجم من دعوة الحق إلى أمر آمر وآتى الناس من الفجوج العميقة رجالا وعلى كل ضامر وكاثرت الرياض أزهار البطاح لونا وعدا وسدت الحشود مسالك الطرق العريضة سدا ومد بحرها الزاخر مدا فلا يجد لها الناظر ولا المناظر حدا وهذه المدينة هي الأم الولود والجنة التي في النار لسكانها الخلود وكرسي الملك ومجنبته الوسطى من ذلك السلك باءت باالمزايا العديدة ونجحت وعند الوزان بغيرها من أمات البلاد رجحت غاب الأسود وجحر الحيات السود ومنصب التماثيل الهائلة ومعلق النواقيس الصايلة وأدنينا إليها المراحل وعينا ببحار المحلات المستقلات منها على الساحل ولما اكتسبنا جوارها وكدنا نلتمح نارها تحركنا ووشاح الأفق المرقوم بزهر النجوم قد دار دايره والليل من خوف الصباح على سرحه المستباح قد شابت غدايره والنسر يرفرف باليمن طايره والسماك والرماح يثأر بعز الإسلام ثائره والنعايم راعدة فرائص الجسد من خوف الأسد والقوس يرسل سهم السعادة بوتر العادة إلى أهداب النعم المعادة والجوزاء عابرة نهر المجرة والزهرة تغار من الشعرى العبور بالضرة وعطارد يسدي في حبل الحروب على البلد المحروب ويلحم ويناظر أشكالها الهندمية فيفحم والأحمر يبهر والعلم الأبيض يفري وينهر والمشتري يبدي في فضل الجهاد ويعيد ويزاحم في الحلقات على ما للسعادة من الصفات ويزيد وزحل عن الطالع منزحل وفي زلق السقوط وحل والبدر يطارح حجر المنجنيق كيف يهوى إلى النيق ومطلع الشمس يرقب وجدار الأفق يكاد بالعيون عنها يرقب
ولما فشا سر الصباح واهتزت أعطاف الرايات لتحيات مبشرات الرياح ٍ أطلنا عليها إطلال الأسود على الفرايس والفحول على العرايس فنظرنا منظرا يروع بأسا ومنعة ويروق وضعا وصنعة تلفعت معاقله الشم للسحاب ببرود ووردت من عذر المزن في برود وأسرعت لاقتطاف أزهار النجوم والذراع بين النطاق معاصم رود وبلد يعي الماسح والدراع وينتظم المجاني والأجارح فقلنا اللهم نفله أيدي عبادك وبلادك وأرنا فيه آية من آيات جهادك فنزلنا بساحتها العريضة المتون نزول الغيث الهتون وتيمنا من فحصها الأفيح بسورة التين والزيتون متبرية من أمان الرحمن للبلد المفتون وأعجلنا الناس بحمية نفوسهم النفيسة وسجية شجاعتهم البييسة عن أن نبوي للقتال المقاعد وندني بأسماع شهير النفير منهم الأباعد وقبل أن يلتقي الخديم بالمخدوم ويركع المنجنيق ركعتي القدوم فدافعوا من أصحر إليهم من الفرسان وسبق الى حومة الميدان حتى أحجروهم في البلد وسلبوهم لباس الجلد في موقف يذهل الوالد عن الولد صابت السهام فيه غماما وطارت كأسراب الحمام تهدي حماما وأضحت القنا قصدا بعد أن كانت شهابا رصدا وماج بحر القتام بأمواج النصول وأخذ الأرض الرجفان لزلزال الصباح الموصول فلا ترى إلا شهيدا تظلل مصرعه الحور وصريعا تقذف به الى الساحل تلك البحور ونواشب تبأى بها الوجوه الوجيهة عند الله والنحور فالمقضب فوده يخصب والأسمر غصنه يستثمر والمغفر حماه يخفر وظهور القسى تفصم وعصم الجند الكوافر تفصم ودرق اليلب في المنقلب يسقط
والبتر يكتب والسمر تنقط فاقتحم الربض الأعظم لحينه وأظهر الله لعيون المبصرين والمستبصرين عزة دينه وتبرأ الشيطان من خدينه وبهت الكفار وخذلوا وكل مصرع جدلوا ثم دخل البلد بعده غلابا وجلل قتلا واستلابا فلا تسل إلا الظبا والأسل عن قيام ساعته وهول يومها وشناعته وتخريب المبايت والمباني وغنى الأيدي من خزاين تلك المغاني ونقل الوجود الأول إلى الوجود الثاني وتخارق السيف فجار بغير المعتاد ونهلت القنا الردينية من الدما حتى كادت تورق كالأغصان المغترسة والأوتاد وهمت أفلاك القسى وسحت وأربت حتى بحت ونفذت موادها فشحت بما ألحت وسدت المسالك جثت القتلى فمنعت العابر واستأصل الله من عدوه الشأفة وقطع الدابر وأزلف الشهيد وأحسب الصابر وسبقت رسل الفتح الذي لم يسمع بمثله في الزمن الغابر تنقل البشرى من أفواه المحابر إلى أذان المنابر أقمنا بها أياما نعقر الأشجار ونستأصل بالتخريب الوجار ولسان الانتقام من عبدة الأصنام ينادي يا لثارات الإسكندرية تشفيا من الفجار ورعيا لحق الجار وقفلنا وأجنحة الرايات برياح العنايات خافقة وأوفاق التوفيق الناشية من خطوط الطريق وأسواق العز بالله نافقة وحملاء الرفق مصاحبة والحمد لله مرافقة وقد ضاقت ذروع الجبال عن أعناق الصب السيال ورفعت على الأكفال ردفا كرايم الأنفال وقلقلت من النواقيس أجرام الجبال بالهندام والاحتيال وهلكت بهلاك هذا الأم بنات كن يرتضعن ثديها الحوافل ويستوثرن حجرها الكافل وشمل التخريب أسوارها وعجلت النار بوادرها
ثم تحركنا بعدها حركة الفتح وأرسلنا الأدلاء قبل المنح فبشرت بالمنح وقصدنا مدينة أبدة وهي ثانية الجناحين وكبرى الأختين ومساهمة جيان في ذي الحين مدينة أخذت عريض الفضا الأخرق وتمشت فيه أرباضها تمشي الكتابة الجامحة في المهرق المشتملة على المتاجر والمكاسب والوضع المتناسب والفلح المعي عده على الحاسب وكورة الدير اللاسب المتعددة اليعاسب فأناخ العفا بربوعها العامرة ودارت عقار كؤوس عقار الحتوف ببنان السيوف على متديرها المعاقرة وصبحتها طلائع الفاقرة وأغريت ببطون أسوارها عوج المعاول الباقرة ودخلت مدينتها عنوة السيف في أسرع من خطرة الطيف ولا تسل عن الكيف فلم يبلغ العفا من مدينة حافلة وعقيلة في حلل المحاسن رافلة ما بلغ من هذه البائسة التي سجدت لآلهة النار أبراجها وتضاءل بالرغام معراجها وضفت على أعطافها ملابس الخذلان وأقفر من كنائسها كناس الغزلان ثم تأهبنا لغزو أم القرى الكافرة وخزاين المداين الوافرة وربة الشهرة السافرة والأنباء المسافرة قرطبة وما أدريك ماهية ذات الأرجاء الحالية الكاسية والأطواد الراسخة الراسية والمباني المباهية والزهراء المزاهية والمحاسن غير المتناهية حيث هالة بدر السما قد استدارت من السور المشيد البناء دارا ونهر المجرة من نهرها الفياض المسلول حسامه من غمد الفياض قد لصق بها جارا وفلك الدولاب المعتدل الانقلاب قد استقام مدارا ورجع
الحنين اشتياقا إلى الحبيب الأول واد كارا حيث الطود كالتاج يزدان بلجين العذب المجاج فيزري بتاج كسرى ودارا حيث قسى الجسور المديدة كأنها عوج المطى الغزيرة تعبر النهر قطارا حيث آثار العامري المجاهد تعبق من تلك المعاهد شذا معطارا حيث كرايم السحايب تزوره عرايس الرياض الحبايب فتحمل لها من الدر نثارا حيث شمول الشمايل تدور على الأدواح بالغدو والرواح فترى الغصون سكارى وما هي بسكارى حيث أيدي الافتتاح تفتض من شقايق البطاح أبكارا حيث ثغور الأقاصي البواسم تقلبها بالسحر زوار النواسم فتخفق قلوب النجوم الغيارا حيث المصلى العتيق قد رحب مجالا وطال منارا وأزرى ببلاط الوليد احتقارا حيث الظهور المثارة بسلاح الفلاح تجب عن مثل أسنمة المهارا والبطون كأنها لتدميث الغمايم بطون العذارى والأدواح العالية تخترق أعلامها الهادية بالجداول الحيارا فما شيت من جو صقيل ومعرس للخنس ومقيل ومالك للعقل وعقيل وخمايل كم فيها للبلابل من قال وقيل وخفيف يجاوب بتثقيل وسنابل تحكى من فوق سوقها وقضب بسوقها الهمزات فوق الألفات والعصافير البديعة الصفات فوق القضيب المؤتلفات تميل لهبوب الصبا والجنوب مالية الجيوب وبطاح لا تعرف بدرر الحبوب عين المحل فتطلبه بالدحل ولا يصرف في خدمة بيض قباب الأزهار عند افتتاح السوسن والبهار غير العبدان من سودان النحل وبحر الفلاحة الذي لا يدرك ساحله ولا يبلغ القبة البعيدة راحله إلى الوادي وسمر النوادي وقرار دموع الغوادي المتجاسر على تخطيه عند تمطيه الجسر
العادي والوطن الذي ليس من عمرو ولا زيد والفرا الذي في جوفه كل الصيد أقل كرسيه خلافة الإسلام وأغار بالرصافة والجسر دار السلام وما عسى أن تطنب في وصفه ألسنة الأقلام أو تعبر به عن ذلك الكمال فنون الكلام فأعملنا إليها السرى والسير وقدمنا إليها الخيل قد عقد في نواصيها الخير ولما وقفنا بظاهرها المبهت المعجب واصطففنا بخارجها المنبت المنجب والقلوب تلتمس الإعانة من منعم مجزل وتستنزل الملائكة من منجد منزل والركايب واقفة من خلفنا بمعزل نتناشد في معاهد الإسلام وقفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل برز من حاميتها المحامية ووقود النار الحامية وبقية السيف الوافرة على الحصاد النامية قطع الغمام الهامية وأمواج البحار الطامية واستجنت بظلال أبطال المجال أعداد الرجال الناشبة والرامية وتصدى للنزال من صناديدها الصهب السيال أمثال الهضاب الراسية يجنها جنن السوابغ الكاسية ونواميسها المفادية للصلبان يوم بوسها بنفوسها الواسية وخنازيرها التي عدتها عن قبول حجج الله ورسوله ستور الظلام الغاشية وصخور القلوب القاسية وكان بين الفريقين إمام جسرها الذي فوق البحر وحلا بلجينه ولآلئ زينه منها النحر حرب لم ينسج على منوالها ولا أتت الليالي الحبالي بمثل أجنة أهوالها من قاسيها بالفجار أفك وفجر أو مثلها بحفر الهباءة خرف وهجر ومن شبهها بداحس والغبراء فما عرف الخبر فليسأل من جرب وخبر من نظرها بيوم شغب جبله وهو ذو بلة أو عادلها ببطن عاقل فهو غير عاقل أو أحتج بيوم ذي قار فهو إلى المعرفة ذو افتقار أو ناضل بيوم الكديد فسهمه غير السديد إنما كان مقاما غير معتاد ومرعى نفوس لم يفت بوصفه لسان مرتاد وزلازل جبال أوتاد ومتلف مذخور
لسلطان الشيطان وعتاد أعلم فيه البطل الباسل وتردد الأبيض الباتر وتأود الأسمر العاسل ودوم الجلمد المتكاسل وابتعث من حدب الحنية إلى هدف الرمية الناشر الناسل ورويت لمرسلات السهام المراسل ثم أفضى أمره الرماح إلى التشاجر والأرتباك وتشبثت الأسنة في الدروع تشبث السماك في الشباك ثم اختلط المرعى بالهمل وعزل الرديني عن العمل وعادت السيوف من فوق المفارق تيجانا بعد أن شقت غدر السوابغ خلجانا واتخذت جداول الدروع فصارت بحرا وكان التعانق فلا ترى إلا نحرا يلازم نحرا عناق وداع وموقف شمل ذي أنصداع وإجابة مناد إلى فراق الأبد وداع واستكشفت منال الصبر الأنفس الشفافة وهبت بريح النصر الطلائع المبشرة الهفافة ثم أمد السيل ذلك العباب وصقل الاستبصار الألباب واستخلص العزم صفوة اللباب وقال لسان الصبر ادخلوا عليهم الباب فأصبحت طوايف الكفار حصايد مناجل الشفار فمغافرهم قد رضيت حرماتها بالإخفار ورؤوسهم محطوطة في غير مقام الاستغفار وعلت الرايات من فوق تلك الأبراج المستطرفة الأسوار ورفرف على المدينة جناح البوار لولا الانتهاء إلى الحد والمقدار والوقوف عند اختفاء سر الأقدار ثم عبرنا نهرها وسددنا بأيدي الله قهرها وضيقنا حصرها وأدرنا بلآلي القباب البيض خصرها وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما ونرمى الأدواح ببوارها ونسلط النار على أقطارها فلولا عوايق المطر لحصلنا من فتح ذلك الوطن على الوطر فرأينا أن نروضها بالاجتثاث والانتساف
ونوالي على زروعها وربوعها كرات رياح الاعتساف حتى يتهيأ للإسلام لوك طعمتها ويتهيأ بفضل الله إرث نعمتها ثم كانت عن موقفها الإفاضة من بعد نحر النحور وقذف جمار الدمار على العدو المذعور وتدافعت خلفنا السيقات المتسعات تدافع أمواج البحور وبعد أن ألححنا على جناتها المصحرة وكرومها المستبحرة إلحاح الغريم عوضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم وطاف عليها طائف من ربها فأصبحت كالصريم وأغرينا خيلان النار بحمم الجحيم وراكنا في أجواف أجوايها غمايم الدخان تذكر طيبة البان بيوم الغميم وأرسلنا رياح الغارات فما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم واستقبلنا الوادي يهول مدا ويردع سيفه الصقيل خدا يسره الله من بعد الإعواز وانطلقت على الفرضة بتلك العرضة أيدي الانتهاز وسألنا من سائله أسد بن الفرات فأفتى برجحان الجواز فعم الاكتساح والاستباح جميع الاجواز فأديل المصون وانتهبت القرى وهدمت الحصون واجتثت الأصول وحطمت الغصون ولم نرفع عنها إلى اليوم غارة تصاحبها بالبوس وتطلع عليها غررها الضاحكة باليوم العبوس فهي إلى الآن مجرى السوابق ومجر العوالي على التوالي والحسرات تتجدد في أطلالها البوالي وكأن بها قد صرعت وإلى الدعوة المحمدية قد أسرعت بقدرة من أنزل القرآن على الجبال فخشعت من خشية الله وتصدعت لعزة من أذعنت الجبابرة لعزه وخنعت وعدنا والبنود لا يعرف الملف نشرها والوجوه المجاهدة لا يخالط التقطب بشرها والأيدي بالعروة الوثقى معتلقة والألسن بشكر الله منطلقة والسيوف في مضاجع الغمود قلقة وسرابيل الدروع خلقة والجياد من ردها إلى
المرابط و الأواري رد العواري حنقة وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقة تنظر إلينا نظر العاتب وتعود من ميادين المراح والاختيال تحت حلل عود السلاح عود الصبيان إلى المكاتب والطبل بلسان العز هادر والعزم إلى منادى العود الحميد مبادر ووجود نوع الرماح من بعد ذلك الكفاح نادر والمقاسم ترتب بين يديه من السبي النوادر ووارد مناهل الأجور غير المحلا ولا المهجور غير صادر ومناظر الفضل الآتي عقب أخيه الشاني عن المطلوب الآتي مصادر والله على تيسير الصعاب وتخويل المنن الرغاب قادر لا إله إلا هو فما أجمل لنا صنعه الحفى وأكرم لنا لطفه الخفى اللهم لا نحصى منا عليك ولا نلجأ منك إلا إليك ولا نلتمس خير الدنيا والآخرة إلا لديك فأعد علينا عوايد نصرك يا مبدي يا معيد وأعنا من وسائل شكرك على ما ننال به المزيد يا حي يا قيوم يا فعال لما يريد وقارنت رسالتكم الميمونة لدينا حذق فتح بعيد صيته مشريب ليته وفخر من فوق النجوم العوائم مبيته عجبنا من تأتي أمله الشارد وقلنا البركة في قدم الوارد وهو أن ملك الروم لا طفنا بجملة من الحصون كانت من ملكة الإسلام قد غصبت والتماثيل في بيوت الله قد نصبت أدالها الله بمحاولتنا الطيب من الخبيث والتوحيد من التثليث وعاد إليها الإسلام عودة الأب الغايب إلى البنات الحبايب يسل عن شؤونها ويمسح الرقة عن جفونها وهي للروم خطة خسف قلما ارتكبوها فيما يعلم من العهود ونادرة من نوادر الوجود وإلى الله علينا وعليكم عوارف الجود وجعلنا في محاريب الشكر من الركع السجود عرفناكم بمجملات أمور تحتها تفسير ويمن من الله وتيسير إذ استيفاء
الجزئيات عسير لنسركم بما منح الله دينكم ونتوج بعز الملة الحنيفية جبينكم ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم فإن دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض وكفيل للمواهب المسئولة من المنعم الواهب مستفاض وأنتم أولى من ساهم في بر وعامل الله بخلوص سر وأين يذهب الفضل عن بيتكم وهو صفات حيكم وتراث ميتكم ولكم مزية القدم ورسوخ القدم تساوي في ذلك التحريم مع الفدم والخلافة مقرها إيوانكم وأصحاب الإمام مالك رضي الله عنه مستقرها قيروانكم وتفجير المنابر ذكر إمامكم والتوحيد إعلام أعلامكم والوقائع الشهيرة في الكفر منسوبة إلى أيامكم والصحابة الكرام فتحة أوطانكم وسلالة الفاروق عليه السلام وشيجة سلطانكم ونحن نستكثر من بركة خطابكم ووصلة جنابكم ولولا الأعذار لوالينا بالمتزايدات تعريف أبوابكم والله عز وجل يتولى عنا من شكركم المحتوم ما قصر المكتوب فيه عن المكتوم ويبقيكم لإقامة الرسوم ويحل محبتكم من القلوب محل الأرواح من الجسوم وهو سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام الكريم الطيب الزكي المبارك البر العميم يخصكم كثيرا أثيرا ما أطلع الصباح وجها منيرا بعد أن أرسل النسيم سفيرا وكان الوميض الباسم لأكواس الغمام على أزهار الكمام مديرا ورحمة الله وبركاته
وكان مما زيد في آخر الرسالة النبوية فصل في استفتاح الجزيرة الخضراء صدر عنى إملاء على الكتاب عندما توجه الرسول إلى ضريح رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفي آخر ربيع الأول المبارك من عام أحد وسبعين وسبعمائة وأغفل ذلك عن موضعه إلى أن ألحق بهذا الموضع واستولى أهل الثغور لهذا الحد على معاقل كانت مستغلقة ففتحوها وشرعوا أرشية الرماح إلى قلب قلوبها فمنحوها ولم تكد الجيوش المجاهدة تنفض إلا عن الأعراف متراكم الغبار وترخى عن أباطيلها شد حزم المغار حتى عاودت النفوس شوقها واستتبعت ذوقها وخصت التي لا فوقها وذهبت بها الآمال إلى الغاية القاصية والمدارك المتعاصية على الأفكار المتغاصية فقصدنا الجزيرة الخضراء باب هذا الوطن الذي منه طرق وادعه ومطلع الحق الذي صدع الباطل صادعه وثنية الفتح الذي برق منها لامعه ومثيرة الهجوم الذي لم تكن لتعبر على غيره مطامعه وفرضة المجاز الذي لا تنكر ومجمع البحرين في بعض ما يذكر حيث يتقارب الشطان وتتقاطر ذوات الأشطان وتقارب الحطان وكاد أن يلتقي حلقة البطان وقد كان الكفر قدر قدر هذه الفرضة التي طرق منها حماه ورماه الفتح الأول مرماه وعلم أن لا يتصل أيدي المسلمين من إخوانهم إلا من تلقائها وأنه لا يعدم المكروه مع بقائها فأجلب عليها بخيله ورجله وسد أفق البحر من أساطيله ومراكب أباطيله بقطع ليله وتداعى المسلمون بالعدوتين إلى استنقاضها من لهواته أو إمساكها من دون مهواته فعجز الحول ووقع إياها بملكة القول واحتازها قهرا وقد صابرت الضيق ما يناهز ثلاثين شهرا وأطرق الإسلام بعدها إطراق
الواجم واسودت الوجوه بخبرها الهاجم وبكتها دموع الغيث الساجم وانقطع المدد إلا من رحمة من ينفس الكروب ويغرى بالإدالة الشروق والغروب ولما شككنا بشبا الله نحرها وأغصصنا بجيوش الماء وجيوش الأرض تكاثر نجوم السما برها وبحرها ونازلناها نضيقها شديد النزال وتحجها بصدق الوعيد في غير سبيل الاعتزال رأينا بأوا لا يظاهر إلا بالله ولا يطال ومنبعه يتحامى شبا الأبطال وخبايا روضة الغيث الهطال أما اسوارها فهي التي أخذت النجد والغور واستعدت بجدال البلاد عن الجلاد فارتكبت الدور تجوز بحرا من الاعتمار ثانيا وتشكك أن يسكون لها الإنس بانيا وأما أبراجها فصفوف وصنوف تزين صفحات المسايف منها أنوف وأذان لها من دوامع الصخر شقوف وأما خندقها فصخر مجلوب وسور مقلوب وصدقها المسلمون القتال بحسب محلها من نفوسهم واقتران اغتصابها ببوسهم وأفول شموسهم فرشقوها من النبال بظلال تحجب الشمس فلا يشرق سناها وعرجوا في المراقي البعيدة يفرعون مبناها ونقبوا أنقابا وحصبوها عقابا ودخلوا مدينة البنية بنتها غلابا وأحسبوا السيوف أسلابا والأيدي استلابا واستوعب القتل مقاتلتها السابغة الجنن البالغة المنن فأخذهم الهول المتفاقم وجدلوا كأنهم الأراقم لم تفلت منهم عين تطرف ولا لسان تنبى من يستطلع الخبر أو يستشرف ثم سمت الهمم الإيمانية إلى المدينة الكبرى فداروا سوارا على سورها وتجاسروا على اقتحام أودية الفنا من فوق جسورها ودنوا إليها بالضروب من خيل الحروب بروجا مشيدة ومجانيق توثق حبالها منها بشدة وخفقت بنصر الله عذبات الاعلام وأهدت الملائكة مدد السلام فخذل الله كفارها شفارها قلم بيد قدرته أظفارها فالتمس الأمان للخروج
ونزلوا عن مراقى العروج إلى الأباطح والمروج عن سمائها ذات البروج فكان بروزهم إلى العراء من الأرض تذكرة بيوم العرض قد جلل المقاتلة الصغار وتعلق بالأمهات الصغار وبودرت المدينة وكفارها بالتطهير ونطقت المآذن العالية بالأذان الشهير والذكر الجهير وطردت كفار التماثيل عن المسجد الكبير وأنزلت عن الصروح أجراسها يعي الهندام مرامها وألفى منبر الإسلام بها مجفوا فأنست غربته وأعيد إليه قربه وقربته وتلا واعظ الجمع المشهود قول منجز الوعود ومورق العود وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم لآية فكاد الدمع يغرق الآماق والوجد يستأصل الأزماق وارتفعت الزعقات وعلت الشهقات وجئ بأسرى المسلمين يرسفون في القيود الثقال وينسلون من أجداث الاعتقال ففكت عن أسوقهم أسودة الحديد وعن أعناقهم ملكات البأس الشديد وظللوا بجناح اللطف العريض المديد وترتبت في المقاعد الحامية وأزهرت بذكر الله المآذن السامية فعادت المدينة لأحسن أحوالها وشكنت من بعد أهوالها وعادت الحالية إلى أموالها ورجع إلى القطر شبابه ورد على دار هجرة الإسلام بابه واتصلت بأهل لا إله إلا الله أسبابه فهي في بلاد الإسلام قلادة النحر أبقى الله عليها وعلى ما وراءها من بيوت أمتك وودائع الله في ذمتك ظلال عنايتك الوافية وأمتعنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بكلمة دينك الصالحة الباقية وسبل عليها أستار عصمتك الواقية وعدنا إلى الحضرة والصلاة عليك يا رسول الله شعار البدور والقفول وهجير الشروق والطفول والجهاد الشاق المعتمد ما امتد بالأمل الأمد والمستعان الواحد الفرد الصمد كمل الجزء الثاني من ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب يتلوه الجزء الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبة وسلم تسليما
وصدر عني في مخاطبة صاحب مكة شرفها الله وتوجه الرسول بها عن السلطان رضي الله عنه صحبة الرسالة لقبر الرسول {صلى الله عليه وسلم} معرفا بجملة الفتوح التي فتح الله بها على المسلمين بالأندلس لهذا العهد وذلك في شهر ربيع الأول من عام أحد وسبعين وسبعمائة المقر الأشرف الذي فضل المحال الدينية بحله وكرم في بئر زمزم مهبط إسماعيل {صلى الله عليه وسلم} نهله وعله وخصه بإمرة الحرم الشريف الأمين من بيده الأمر كله فأسفر عن صبح النصر فضله واشتمل على خواص الشرف الوضاح حسبه وفضله وطابت فروعه لما استمد من ريحانتي الجنة أصله مقر السلطان الجليل الكبير الشهير الظاهر الطاهر الأمجد الأسعد الأوحد الأسمى الشهير البيت الكريم الحي والميت الموقر المعظم ابن الحسين ذي الحسنيين وحافد سيد الثقلين تاج المعالي وعز الدنيا والدين أبي الحسن عجلان ابن السلطان الكبير الشهير الرفيع الخطير الجليل المثيل الظاهر الطاهر الشريف الأصيل المعظم الأرضى المقدس المنعم أسد الدين أبي الفضل رميثة بن محمد بن أبي سعيد الحسيني أبقاه
الله وأفيدة من الناس تثوب إلى فاطمي مثواه على بعد الدار ويتقرب فيه إلى الله بالتثام التراب واستلام الجدار وتجيب أذان نبيه إبراهيم بالحج إجابة البدار وهناه المزية التي خصه بها من بين ملوك الأقطار وأولي المراتب في عباده والأخطار كما رفع قدره على الأقدار وسجل له بسقاية الحج وعمارة المسجد الحرام عقد النجار ينهى إليه أكرم التحيات تتأرج عن شذا الروضة المعطار عقب الأمطار معظم ما عظم الله من شعائر مثواه وملتمس البركة من أبواب مفاتحته ولكل أمرئ ما نواه وموجب حقه الذي يليق بمن كان البتول والرضى الذي واخاه الرسول أمه وأباه الشيق إلى الوفادة عليه وإن مطله الدهر ولواه الأمير عبد الله محمد ابن أمير المسلمين أبي الحجاج أبن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر كان الله له في غربته عن جرثومة الإسلام وانفراده وتولى عونه على الجهاد فيه حق جهاده أما بعد حمد الله ولي الحمد في الدنيا والآخرة ومطمح النفوس العالية والهمم الفاخرة مؤيد العزايم المتصارخة في سبيله المتناصرة ومعز الطائفة المؤمنة ومذل الطائفة الكافرة ومنفل خزائن القياصرة الغلب والأكاسرة وتارك أرضها عبرة للآذان الواعية والعيون الباصرة والصلاة على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسله نبي الرحمة الهامية الهامرة والبركات الباطنة و الظاهرة المجاهد في سبيل الله بالعزايم الماضية والظبا الباترة مخمد
الشقاشق الهادرة ومرغم الضلالة المكابرة المنصور بالرعب من جنوده الناصرة المحروس بحراسة الملائكة الواقية الوافرة الموعود ملك أمته بما زوى له من أطراف البسيطة العامرة حسبما ثبت بالدلائل المتواترة والرضا عن آله وأصحابه وعترته وأحزابه المجاهدة الصابرة أولى القلوب المراقبة والألسنة الذاكرة والآداب الحريصة على الاهتداء بهداه المثابرة الذين جاهدوا في الله حق جهاده يخوضون لأن تكون كلمة الله هي العليا في بحار الروع الزاخرة ويقدمون بالجموع القليلة على الآلاف المتكاثرة حتى قرت بظهور الإسلام العيون الناظرة وجلت في العدو الفاقرة فكانوا في الذب عن أمته كالأسود الخادرة وفي الهداية بسنا ملته كالنجوم الزاهرة والدعا لشرفكم الأصيل ذي المناسب الطاهرة والمكارم الزاهية ببنوة الزهراء البتول بضعة الرسول الزاهرة بالصنع الذي يتبلج عن الغرر المشرقة السافرة والعز الذي يضفو منه الجناح على الوفود الزائرة والفضلاء المجاورة ولا زال ذكركم بالجميل هجير الركائب الواردة والصادرة والثناء على مكارمكم يخجل أنفاس الرياض العاطرة عند الغمائم الماطرة فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم عناية تحجب الأسوأ بجننها الساترة ورعاية تجمع الأهواء المختلفة وتضم القلوب المنافرة من حمراء غرناطة حرسها الله دار ملك الإسلام بجزيرة الأندلس وفر الله جموع حاميتها المثاغرة ورم بيد قدرته ما هم بها من أفواه العدا الفاغرة ولا زالت سحائب الرحمات السانحة إليها الغامرة تظلل جموع جهادها الظافرة وتجود
رمم شهدائها الناخرة ونعم الله تحط ركائب المزيد في نواديها الحامدة الشاكرة والحمد لله كما هو أهله فلا فضل إلا فضله وجانبكم موفى حقه من التعظيم الذي أناف وأربى وقدركم يعرفه من صام وصلى فضلا عمن حج مع ذلك وأبلى ومستند ودكم ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) وإلى هذا حرس الله مجدكم و مقركم الأشرف كما سحب على بيته العتيق ظلكم الأورف فإن الجهاد والحج أخوان يرتضعان ثدي المناسبة ويكاد أن يتكافآن في المحاسبة سفرا وزادا ونية واستعدادا وإتلافا لمصون المال وإنفادا وخروجا إلى الله لا يؤثر أهلا ولا دلوا ويفترقان محلا ويجتمعان جهادا ويرفعان للملة منارا ساميا وعمادا ووطننا والحمد لله على هذا العهد هو المخصوص بكمال هذه المزية والقيام بكفايتها البرية والبحرية السليمة من الضلال البرية وهذا نسب واشجة عروقه وذمام صادقة بروقه ومتات لا يفضله متات ولا يفوقه ونحن نعرفكم بأحوال هذا القطر المتمسكة فروعه بتلك الجرثومة الراسية الممدودة أيديه إلى مثابتها المتصدقة بالدعاء المواسية فاعلموا أن الإسلام به مع الحيات في سفط حرج وأمر مرج وطائفة الحق قليل عددها منقطع إلا من الله مددها مستغرق يومها في الشدة وغدها والطلائع في قنن الجبال تنور والمصحر من بيته مغرر والصيحة مع الأحيان مسموعة والأعدا لرد ما جازه الفتح الأول مجموعة والصبر قد لبست مدارعه والنصر قد التمست مشارعه والشهداء تنوش أشلاءهم القشاعم وتحتفل لها
منهم المطاعم والصبيان تدرب على السلاح وتعلم المدافعة كما يعلم في القرآن الألواح وآذان الخيل مستشرفة للصياح ومفارق الطايحين في سبيل الله تفلي بأيدي الرياح والمآذن تجيبها النواقيس مناقضة وتكافحها مكابرة معارضة وعدد المسلمين لا يبلغ من عدد الكفار عند الانتثار معشار المعشار ولا برة في جلود العشار إلا أن الله عز وجل حل بولايتنا المخنق المشدود وفتح إلى اليسر المهيع المعهود وأضفى ظل الأمن الممدود وألهم وله الشكر على الإلهام وتسديد السهام والحمد لله الذي يقود مدارك الأفهام إلى اجتهاد قرن به التوفيق وجهاد فتح به إلى التجارة المنجية الطريق سبحانه من رحيم يجتبي إليه من يشا ويهدي إليه من ينيب وكريم يلهم ليثيب ولطيف يأمر بالدعاء ليجيب فتحركت لهذا حركات ساعدها والحمد لله السعد وتولى أمرها ونصرها من له الأمر من قبلها ومن بعد ففتحنا مدينة برغة الفاصلة كانت بين البلاد المسلمة والشجي المعترض في نحر الكلمة وتبعتها بنات كن يرتضعن أحلاف درتها ويتعلقن في الحرب والسلام بارزتها ثم نازلنا حصن أشر ركاب الغارات الكافرة ومستقر الشوكة الوافرة فرفع الله إصره الثقيل وكان من عثرته المقيل ثم قصدنا مدينة أطريرة بنت حاضرة الكفر وعرين الأسود الغلب وكناس الظبا القفر ففتحناها عنوة أضرمت البلد نارا واستأصلت أهله قتلا وأسارا وملأت البلاد سببا تعددت
آلافه وغنما شذت عن العبارة أوصافه ونازلنا مدينة جيان وشهرتها في المعمور تغنى عن بسط مالها من الأمور ففتحها الله عنوة وجعل سبيها للاسترقاق ومقاتلتها للبيض الرقاق وغزونا بعده مدينة أبدة فكانت أسوة لها في التدمير والعفا الميير ثم نازلنا مدينة قرطبة وهي أم هذه البلاد الكافرة ودار النعم الوافرة وكدنا نستبيح حماها المنيع ونشتت شملها الجميع لولا عايق أمطار وأجل مخصوص بمقدار ورحلنا عنها بعد انتهاك زلزل الطود ووعدنا بمشيئة الله العود ونأمل من الله إيفاد البشرى بفتحها على بلاد الإسلام ومتاحفة من بها بالإخبار به والإعلام ثم فتحنا بعدها ثغورا مقفلة الأبواب ومعاقل متعلقة بالسحاب كحصن روط وحصن الحوار وحصن قنبيل أمن الإسلام جوارها وعمر بالمجاهدين أقطارها وخرج لنا ملك الروم في مشارطات أردناها وفرص لعز الإسلام ابتدرناها عن حصون أربعة طهرنا بيوت الله بها من دنس الأوثان وعوضنا النواقيس بكلمة الإيمان والحمد لله على المواهب الامتنان ومنه نسل المزيد من الإحسان وأقرب المدائن بافتتاحها الجزيرة الخضراء وهي باب الإسلام التي منها دخل الفتح وعظم عليها بكلمة الله المن والمنح وقدرها الكبير أعظم من أن يستوفي وصفه التعبير فانبسطت الآمال وضفت على الإسلام ملابس اليمن والإقبال وهذه المجملات تحتمل شرحا تسبح فيه الأقلام سبحا من أوصاف مغانم شذت عن الحصر ومعاقب لنزول السكينة وهبوب النصر وما ظهر من جد المسلمين في افتتاح تلك المعاقل المنيعة ومقارعة الجموع الكثيفة وبركة الحزم في كل حال موجودة والوسائل بأهله في القديم والحديث لا مخيبة ولا مردودة فهو الأصل والغمد الذي سهل منه هذا النصل حتى بلغ النجوم القاصية وقاد من استعصى بالناصية وقد ظهر لنا أن وجهنا إلى المدينة المقدسة صلوات الله على من بها وسلامه نعرفه بهذه البركات الهامية من سما عنايته المعدودة خوارقها من آيته فكلها