كتاب: تلخيص الكشف والبيان في حوادث الزمان
المؤلف :أبو الفضائل محمد بن علي بن نظيف الحموي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي العظيم الولي الحكيم الأزلي القديم الدال على أزليته حدوث الحوادث الواحد الأحد الفرد الصمد المنزه عن الصاحبة والولد والثاني والثالث محيي الأموات ومميت الأحياء فهو الوارث لكل وارث خلق السموات بغير عمد ترونها قائمات وأمسكهن أن يقعن على الأرض فهن بقدرته دائمات مواكث ودحا الأرض على الماء وباين بينها في السفل والعلاء والحزون والرمائث
أحمده على نعمه المقيمات اللوابث ودفاعه النائبات الكوارث وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل رسول أرسله
وبعد فقد قال أبو الجلد الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ اثنا عشر ألفا للسودان وثمانية للروم وثلاثة لفارس وألف للعرب
وقال يحيى بن كثير خلق الله ألف أمة فأسكن ستمائة البحر وأربعمائة البر والله أعلم
فلنذكر الآن ابتداء التناسل التناسل بمقتضى ما وردني في السير والتواريخ حاكيا ما ذكروه وسطوره كما سطروه والله أعلم
سنة تسع وثمانين وخمسمائة
وفيها سار الملك العادل إلى بلاد الجزيرة بعد وفاة أخيه صلاح الدين من خوفه عليها
وبقي سيف الإسلام على حاله باليمن
وفيها كان إنذار تفاقم أمر المماليك الصلاحية واتفاقهم وسعادتهم

بالديار المصرية مع الملك العزيز
وفيها كان الملك العادل قد نفذ إلى الملك الأفضل يطلب عسكرا منه ومن إخوته ليفتح بلاد الجزيرة فجهز له الملك الأفضل العسكر وكذلك سير إلى الملك العزيز فجهز له العسكر وكان مقدمه الأمير فخر الدين جهاركس مملوك صلاح الدين فوصل إلى دمشق والملك العادل قد فتح سروج وأعاد عسكر الملك الأفضل إليه فعاد جهاركس بمن معه إلى مصر بعدما تقرر معه ما يشافه به صاحبه

وفي سنة تسعين وخمسمائة
وصل الملك العزيز إلى دمشق وحاصرها وعاد عنها لاتفاق الملك العادل والملك الأفضل عليه ولما رحل عنها عائدا إلى مصر سار خلفه واصطلحوا
سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة
برز الملك العزيز إلى البركة وسير إلى أخيه الملك الأفضل بأن يخطب له ويضرب السكة باسمه فما وافقه على ذلك فجاء إلى دمشق وحاصرها وأخذها منه بعملة من أولاد أبي غالب الحمصي لأنهم فتحوا باب شرقي
ولما تملكها سأل الملك العادل أيازكوج أن يطلبها له من الملك العزيز فطلبها له فأعطاه إياها لولده الملك المعظم

عيسى
وكان مع يازكوج في الحجبة بها جهاركس وسنقر الكبير وعز الدين أسامة وسراسنقر
وفيها بعد عوده من دمشق جد في نقض الأهرام ورمى أحجارها في البحر إلى دمياط ليبني بها أبراجا
وفيها وصل الملك المعظم والملك الأشرف من قلعة جعبر إلى أبيهما العادل بدمشق
وفيها نزل الفرنج على تبنين وجرى عليها من الزحف والقتال وأخذ النقوب ما لا يوصف
ووصل الملك العزيز بعساكره واستنقذها منهم عنوة وعاد إلى بلاده بعد أن كانت أشرفت على الأخذ


وفيها سير الملك العزيز هدية إلى ابن سيف الإسلام
وفيها كان ظهر بدمشق رجل ادعى النبوة وخيل للناس أشياء من عمل السيمياء فقتل لئلا يفتن الناس

سنة ثلاث وأربع وتسعين وخمسمائة
خاليتان
وفي سنة أربع وتسعين وخمسمائة
كان الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمل الجسر على حماة خارج بلده بالجانب الشرقي بالمدينة السفلى
وفي أول سنة خمس وتسعين وخمسمائة
جاء للملك المعظم ولد ذكر هو أول أولاده
وفيها مات الملك العزيز بن الملك الناصر سلطان مصر وكان سلطانا جوادا حليما مليح الصورة حسن السيرة وكان الملك الظافر خضر المعروف بالمشمر عنده بمصر فاجتمع الأمراء وأقاموه في البلاد سلطانا إلى حين وصل أخوه الملك الأفضل من صرخد لأنه أقام بها وبأهله وعيال صلاح الدين حين أخذ العزيز دمشق منه فسيروا أحضروه إليهم وجرى ما جرى عند وصوله من

كونه لم ينزل عند فخر الدين جهاركس أولا ونزل في خيمة أخيه الملك المؤيد وأكل ثم منها انتقل إلى خيمة جهاركس
فما طاب لجهاركس ذلك وخشي من عملة عليه مع المماليك الأسدية مثل يازكوج وجماعته من الأمراء الأسدية
فاتفق جهاركس وزين الدين قراجا على مفارقة ديار مصر فسارا عنها وتبعهما سراسنقر
وهذا سبب تفرقة الصلاحية أولا وتسحبوا واحدا بعد واحد إلى الشام
هذا والملك العادل على ماردين يحاصرها
وكان اجتماع الأمراء عند نزولهم من مصر في القدس المحروس فسيروا إليه واستدعوه حتى إن قراجا وسراسنقر توجها إليه فرتب ولده الملك الكامل محمد على ماردين والأمراء عنده ومن جملتهم عماد الدين بن المشطوب وتوجه إلى دمشق بعد ذلك وكان أهل ماردين قد استنجدوا بأتابك نور الدين صاحب الموصل فلما رحل الملك العادل جاء إليهم ونجدهم فرحل الملك الكامل عنها عنوة
ووصل إلى حران بعد أن كان تسحب إلى آمد بمن معه من العسكر


وفيها وصل الملك الأفضل من الديار المصرية بعد تملكه

إياها بيويمات ونزل على دمشق وضرب خيمته في الميدان وذلك في رابع عشر شعبان واستمر الحصار فسير الملك العادل طلب ولده الملك الكامل فجمع العساكر وأنفق الأموال وتوجه قاصدا أباه ووصل الخبر إلى الملك الأفضل والملك الظاهر لأنه كان قد اتفق معه وجاء إليه من حلب فاتفق رأيهما على الرحيل عن دمشق وسار الملك الظاهر إلى بلاده والملك الأفضل عاد هاربا إلى ديار مصر بعد

أشياء جرت وأمور تجددت ليس هذا المختصر موضع شرحها لما شرطنا من اختصاره
وكان الحصار عليها
والملك العادل يقوي نفسه ويخبز البقسماط ويعمل القرب والروايا ويقول لا بد لي من ديار مصر
والناس يعجبون من قوله وفعله ويهجنون رأيه
فقدر الله ما قدره من هروب الملك الأفضل وساق الملك العادل خلفه وجمع بينهما السائح وجرى من القتال ما لا جرى في الإسلام وكسر الأفضل وساق الملك العادل خلفه إلى القاهرة وبقي الملك العادل عليها ثمانية أيام وصالح الملك الأفضل وعين له ما يعوضه وحلف له وملك الملك العادل الديار المصرية
وكان قد حلف للملك الأفضل على ميافارقين ورأس عين الخابور
وسميساط وحاني وجبل جور

سنة ست وتسعين وخمسمائة
فيها تقرر أن الملك المنصور بن الملك العزيز عثمان يكون هو السلطان والملك العادل أتابكه فحلف له الملك العادل على ذلك وسلطنه وحملت الغاشية له كما جرت العادة مدة يسيرة ثم بعد ذلك عاد الملك العادل سير رسله إلى البلاد واستحلف الناس لنفسه وضرب الخطبة والسكة باسمه فما اختلف عليه أحد وأجابه الناس كلهم رغبة في دينه وتدبيره واسمه وحزامته
وفيها أحضر الملك العادل ابنه الملك الكامل إلى الديار المصرية

ورتبه فيها نائبا وجعله ولي عهده وحلف الناس له
وفيها حاصر الأمير فخر الدين جهاركس بانياس بأمر العادل وأخذها من حسام الدين بشارة
وفيها حلف ابن المشطوب وجهاركس وقراجا وميمون القصري على أن يولوا الملك الأفضل ووصل عز الدين أسامة من الحج فأطلعه الملك الأفضل على ما جرى من المذكورين وثوقا منه فأظهر له سرورا وفرحا وحمد الله على ذلك وفارقه وكاتب الملك العادل به إلى الديار المصرية ثم ما كفاه ذلك حتى سار بنفسه إلى ديار مصر عرفه ما جرى شفاها

ودخلت سنة سبع وتسعين وخمسمائة
والحالة هكذا
وفيها قصر النيل في طلوعه إلى الغاية فغلت الغلة بمصر إلى أن أبيع إردب القمح بخمسة دنانير وأكل الناس بعضهم بعضا بحيث كانت المرأة تأكل ولدها بسائر الألوان فانعدم جميع الأولاد وخلت مصر والقاهرة من أكثر أهلها بحيث إن الناس يموتون ومالهم من يدفنهم فيبقون على حالهم شهورا
وفي أوائل هذه السنة جلبت الغلال في البحر من الشام والساحل ووقع الفناء أيضا فانقرض الناس فناء وجوعا
وفيها ندم الملك العادل على كونه مكن جهاركس من أخذ بانياس وتبنين وكذلك الملك المعظم فاطلع جهاركس على ذلك فاجتمع هو وألطنبا الجحاف وفارس الدين ميمون القصري وعلاء الدين شقير وزين الدين قراجا وهؤلاء

هم كبار الصلاحية وسيروا إلى الملك الأفضل وإلى الملك الظاهر وحثوهما على الحركة ليملكوا دمشق للملك الأفضل
وكان إذ ذاك الملك العادل بالديار المصرية
وشرع أسامة يكاتبهم ويظهر لهم أنه معهم وكان كذابا في ذلك
فتجهز الملك الأفضل وأخوه الملك الظاهر وخرجا من حلب بالعساكر ووصلا إلى حماة وحاصراها في رمضان وقاتلاها قتالا عظيما وما حصلا على طائل منها لشهامة صاحبها وحمية أهلها واتفق الحال بعد الإياس منها على أن يحمل الملك المنصور محمد صاحبها ثلاثين ألف دينار وإن أخذا دمشق كان في خدمتهما فقبلا ذلك منه ورحلا قاصدين دمشق فجدا تارة

وقصرا تارة إلى أن وصلاها بعد أن كانا عزما على العود عنها غير مرة فجدا على قصدها ووصلاها ونازلاها وحاصراها مدة ولم ينالا منها غرضا وذلك لسوء نياتهما وحسد بعضهما بعضا وغدر المماليك الصلاحية بهما لما سمعوا من الملك الظاهر وكان الملك العادل مقيما بنابلس وكان جهاركس قد أخذ من الملك الأفضل ثلاثين ألف دينار ورهنا على تمام أربعين ألف دينار
وأخذ قراجا صلخد وأنزل الملك الأفضل أمه وعيال أبيه منها وكل هذا رغبة في الملك وطمعا ولاتقاع جهاركس وقراجا عليه
وكان في الجملة قد

قال الملك الظاهر إنه متى أخذ دمشق ما يسلمها للملك الأفضل فسمع الأفضل بذلك فأفكر في نفسه وأرسل عمه السلطان الملك العادل على الصلح معه واتفق معه على ما يعطيه باطنا ولم يطلع على ذلك سوى عماد الدين بن المشطوب والمهذب بن نظيف وكان وزيره يومئذ وهو حموي ثم شاع ذلك في المماليك ومحى الملك الأفضل ما قاله الظاهر
فأقصروا عن القتال حتى إن العسكر كان قد بلغ من دمشق أتم غرض بحيث إن بعض العسكر كان قد دخل دمشق وشرب فقاعا وخرج من باب الفراديس ولم يبق إلا هجمها فعاد الملك الأفضل

سير إلى الجماعة ومنعهم من المبالغة في القتال بحيث أعيد ابن المشطوب من باب الحديد
فلما اجتمع به قال له الملك الأفضل قول الملك الظاهر
وكان الظاهر أبدا يكارم فارس الدين ميمون ويعظمه ويحترمه
وهذا أيضا مما كان جهاركس ينقمه على الظاهر وكذلك قراجا فانضم جهاركس وقراجا إلى الملك الأفضل وأطلعهما على قول الظاهر وشاركاه في الذي فعله من رجوعه إلى عمه في الباطن
ثم هرب جهاركس وقراجا بمواطأة من الأفضل وبقوله فعلم الملك الظاهر وكان يشرب في بقية الليل هربتهم فخاف على نفسه فشجعه ابن المشطوب وأصبحوا وجدوا في القتال ذلك النهار واحتاطوا بدمشق من كل جانب ونزل الملك الظافر ونصب سنجقه على جسر باناس وابن المشطوب عبر جسر الحديد والملك المعظم في دار العدل وهو مريض فكفهم الملك الأفضل أيضا بمجد الدين مرزبان وعادوا إلى خيمهم ورجعوا عن غرضهم
ثم جاءت رسل السلطان الملك العادل باطنا إلى الملك الأفضل بما كان عين له وهو رأس عين

الخابور وجملين والموزر وسميساط وميافارقين وحاني وذو القرنين ويحمل إليه في كل سنة من مصر قماشا بخمسين ألف دينار وخمسين ألف دينار عينا ذهبا وحلف له سرا ولم يعلم الملك الظاهر ونقل الملك الأفضل بيته وعياله ووالدته إلى حمص
وكان الملك الظاهر قد أخذ من التجار مائة ألف دينار وزيادة من القماش وفرقه على العسكر ويكتب لهم خطه ويستوفونه من حلب
وكان الملك الظاهر قد اتفق مع الجماعة على استدعاء عز الدين أسامة إليهم إلى المخيم فلما خرج عاتبوه وقالوا له كل قول فما أفاد معه
وعاد من عندهم بعد أن قال للملك الظاهر أنت غدار مالك قول ولا يثق بك أحد أبدا
ودخل دمشق وعرف الملك المعظم

ما جرى وكتب إلى الملك العادل بذلك
واتفق أن الجحاف عمل دعوة للملك الظاهر ولجماعة الأمراء فسكر الظاهر وطرب وغطى على عقله الشراب بحيث إنه رمى سنورا على الجحاف وأنشده
( ستعلم ليلى أي دين تدينت ** ) (1)
ففهم شقير والجحاف ذلك فأسراه في أنفسهما وتوهما بأنه قد تحقق صورة الحال مع السلطان الملك العادل فهربا في ليلتهما ودخلا دمشق ومعهما ياقوت العزي
فلما بلغ الملك الظاهر ذلك ركب هو ومن عنده عازمين على الرحيل من دمشق وركب جميع العسكر وساق الناس على حمية وطلعت شمس نهار تلك الليلة وهو الاثنين من سنة ثمان وتسعين وخمسمائة
وساق الملك الظاهر بمن معه
وفي الطريق أقطع ابن المشطوب منبج وقلعة نجم ولسراسنقر بهسنة وكان ذلك بواسطة ميمون القصري
وكان قبل ذلك قد 1- الطويل

أعطى قلعة نجم للملك الأفضل
فسير ابن المشطوب يتسلم قلعة نجم فما سلموها إليه وساروا ودخلوا في السوق
فدخل الملك الأفضل إلى حمص والملك الظاهر ساق بمن معه
وكان فراق الملك الأفضل لأخيه الملك الظاهر من مجمع المروج
ثم نزل الملك الظاهر على حماة فقاتلهم بعض الجماعة فسير إليه الملك المنصور وعاتبه على غدره بيمينه له فاعتذر الظاهر عن ذلك وكف أصحابه وسار إلى بلده بعد أن كان الملك الظاهر قد ركب في عسكره وجرح في رجله اليسرى في هذه النوبة
ولما وصل إلى حلب طالبه ابن المشطوب بوعده له بمنبج وحصارها وأخذها له وكان قد جاء إلى منبج الملك الفائز بن العادل وابن الجراحي فأخذاها في غيبة الظاهر وكانت إذ ذاك

لابن المقدم عز الدين ورثها لأخيه شمس الدين عبد الملك لأنها وقعت إليهم في مقايضتهم لصاحب حماة المنصور بن تقي الدين ببارين وكانت بارين لهم وكفر طاب وأفامية وقد ذكرنا ذلك مطولا في المطول فمغلطه عنها إلى وقت ثم وفى له بها فأخذها ابن المشطوب وفي يده خرب الظاهر قلعتها


وفيها وصل الملك المؤيد والملك المعز ولدا صلاح الدين من حبس الكرك لأن الملك العادل كان حبسهما فلما أخذ دمشق وأمن عليها أطلقهما من الحبس
وفيها وصل السلطان الملك العادل قاصدا حماة ومتوجها إلى حلب فنزل حماة وصارت المراسلات بينه وبين الملك الظاهر إلى أن وقع الصلح بينهما
وفيها أخرج القاضي نجم الدين عبد الرحمن بن أبي عصرون من حماة وكان قاضيها ووزيرها يومئذ إلى حلب بعد أخذ عدة دراهم منه وحبسه مدة أشرف فيها على العطب فأخرج بشفاعة دلدرم بن ياروق صاحب تل باشر وذلك لبغضة السلطان الملك العادل له


وفيها حدث على القاضي محيي الدين بن الزكي قاضي دمشق من الخلط ما شوش عقله وغيره وكان عالما فاضلا فقيها كاملا ذا عقل ورزانة وورع وديانة وكان خرج راكبا فوقع عن دابته فمات رحمه الله
وفيها أحضر السلطان الملك العادل ولده الملك الأشرف موسى من القدس لأنه كان به مقامه وكذلك الملك المعظم وهذا بعد عوده من حماة وقد عاد إلى حمص
فقرر الملك الأشرف بحران والرها ويكون مقيما في الجزيرة وعساكرها في خدمته أسوة بأخيه الملك الأوحد كان مقيما بميافارقين وديار بكر وعين الملك المعظم

بدمشق والملك الكامل بالديار المصرية كما قدمنا وهو يتردد إلى الممالك بنفسه
وفيها حلف الملك الظاهر للملك العادل أن لا يستخدم ابن المشطوب وقطع خبزه فوصل إلى عند السلطان فما استخدمه بل أذن للملك الأوحد أن يستخدمه فما اتفق بينهما فاستخدمه الملك الأشرف وأحسن إليه
وفيها جاءت الزلزلة العظيمة التي أخربت الساحل وأكثر بلاد الفرنج
وأشرف الفرنج على أخذ طرابلس بحيث إنهم عبوا قماشهم في المراكب للهرب من المسلمين فما أقدم المسلمون عليهم

ودخلت سنة ثمان وتسعين وخمسمائة
فيها طلع النيل دون كفاية البلاد وزرع الزرع وانحطت الأسعار وصار يزيد السعر وينقص إلى سنة تسع وتسعين وخمسمائة طلع النيل ورويت البلاد وزرعوا وتباشر الناس بها


وفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة أخرج سيف الإسلام ولده الملك المعز اسماعيل من اليمن خرجة ثانية بعدما كان أخرجه إلى الشام وعاد منه إليه
وذلك كله خوفا على نفسه منه فسار فاتصل بالسرين من بلاد اليمن وهي آخر اليمن وأول الحجاز فأقام بها أياما وتوفي سيف الإسلام
فسير جمال الدولة كافور خادم أبيه إليه ياقوت العجمي وياقوت الجمالي ومحمود السيرواني والأسعد بن الحارس فساروا إلى الملك المعز عرفوه بموت أبيه واستدعوه إلى زبيد فحضر معهم وسلموها إليه وأقام بها أياما وسلموا إليه جميع القلاع
ثم توجه منها إلى قلعة

المعز فأقام بها مدة ثم توجه إلى الدملوة فأقام بها شهرين ثم طلع إلى حب فأقام بها ثم توجه إلى لحج وأبين فأقام بها أياما ثم توجه إلى عدن فأقام بها ستة أشهر ثم توجه إلى صنعاء
فلقيه الشريف عبد الله بن عبد الله الحسيني فصاففه تحت حب فكسر الشريف المذكور وتوجه إلى صنعاء فلقيته مماليك أبيه عدتهم ثمانمائة مملوك فاعتصموا بصنعاء وقاتلوه فكسرهم وأخذ صنعاء وأقام بها أربعة أشهر ثم نزل إلى تعز فأقام بها أربعين يوما ثم إلى زبيد فأقام بها أياما
ثم استحلف الناس وفصل له الثياب الخضر والعمائم الخضر المذهبة واستسلم من كان في بلاده من النصارى واليهود وخطب له بالخلافة في زبيد وادعى أنه من الأمويين
فأول خطبة خطب الملك المعز المذكور في داره المعروفة

بعبد النبي بن مهدي
ثم سير إلى البلاد وأمرهم أن يخطبوا له على المنابر بأمير المؤمنين وأبطل الخطبة لبني العباس
ولم يزل هو يخطب بنفسه مدة حياته وذلك في تعز وفي الدملوة وفي كل موضع له حصن وكان قد أقام سلطانا من غير دعوى خلافة سنة كاملة وبقي خليفة إلى أن مات أربع سنين وكانت مدة ولايته خمس سنين وشهيرات
ثم تجهز طالبا مكة المحروسة وجهز ياقوت الجمالي والمجاهد الجمالي وسنقر الغزي إلى مكة بأن تعمل له دار ويقام له إقامة ليكسو البيت فلما تحقق الشريف أبو عزيز قتادة ذلك أمر غلمانه أن ينهبوا جميع من كان من أصحاب الملك المعز وأسروهم فسمع الملك المعز ذلك فشق عليه وتجهز طالبا مكة إلى أن وصل إلى المهجم تقاعد عنه جماعة من أصحابه وخذلته تعكس وتشوش فعاد إلى اليمن

إلى بلد يقال له الكدرى من أعمال زبيد فأقام بها خمسة أيام ثم استدعى مملوكا يقال له سيف الدين سنقر واستحضره عنده في الدار بمحضر من جماعة فسقاه الخمر بعد أن كان تركها مدة زمانية وقال له يا سنقر قد كبر جوفك وسمنت ودعا بمعتوق الرزاق الحلبي وقال له يا معتوق طيب لي قارورة نفط فأحضرها بين يديه وقال له قم يا سنقر وأمر معتوق أن يضربه بها فقام إليه مملوك يقال له أبو شامة كبير من مماليك أبيه كأن له صنعا في حياة والده واستوهبه منه فوهبه له ثم قعدوا على شرابهم ساعة ثم دعا بسنقر مرة ثانية وجذب عليه سكينا وقال له أريد أشق مصارينك فقال له يا أمير المؤمنين أنا مملوك فعاتبه ساعة ثم قام سنقر من بين يديه بعد أن قبلها وقعد في مكانه ساعة ثم خرج فقال له الملك المعز إلى أين فقال في حاجة يا أمير المؤمنين إلى البرية أقضيها وأعود فقال له دع رهنك على العود كما جرت عادة

من يشرب مع الندماء فترك منديله وخرج إلى خيمته لقي جماعة من المماليك فقال لهم قد قتلت الخليفة وكان ليلا فركبوا في خمسمائة مملوك ثم دخلوا إلى الكدرى ونهبوها وأخذوا خزانتها فبلغ ذلك الملك المعز وهو على شرابه فبطل الشراب وتجهز في ليلته هاربا إلى زبيد
ثم قصد سنقر موضعا يقال له المهجم فنهبه وأحرقه وأخذ خزانة فيه ثم توجه إلى المحاليب فأحرقها وأخذ خزانتها ثم صعد إلى الشريف عبد الله بن الله في بلاده منتصرا به فأقام عنده خمسة أيام فتجهز الملك المعز خلفه فنفذ إليه هذا سيف الدين سنقر المذكور وقال له بالله عليك يا أمير المؤمنين لا تخرج إلي فإن العسكر منافق عليك فوصله الكتاب وهو راكب فقال يهددني هذا الفاعل الصانع وساق من وقته بجيشه إلى أن خرج إلى موضع يقال له الجنابذ وهي أرض يقال لها عجى فتحالف العسكر

عليه وتشاوروا على قتله وهم كبار الأكراد مثل شمس الدين الدقيق وجمال الدين ابن أخيه وابن أخته وابن بركات وهندو وروبك أخوه وسيف الدين نجد أمير آخور وباخل ومن الأتراك شمس الدين القرابلي
فحمل عليه هندو وروبك أخوه
فلما قربا إليه بالحملة قال لهما لا تفعلا وأغنكما فجفلت به البغلة في مثل ذلك الوقت من الرماح فرمته فبقي متخبطا في ثيابه وأكمامه وذلك أن ثياب الخليفة كانت عليه طول أكمامها كل كم خمسة وعشرون شبرا وسع الكم ستة أشبار فسبقه شمس الدين الدقيق والقرابلي وابن بركات وهو يخبط في ثيابه فقتلوه وأخذه ابن بركات فقطع رأسه وحمله على رمح وأعطاه للداعي الذي كان

بين يديه
فأقاموا في المدينة ثلاثة أيام يدورون برأسه في البلد
ثم نهبت زبيد سبعة أيام نهبا شنيعا ثم اختلفت الأكراد لعدم مقدم عليهم
هذا وسيف الدين سنقر لم يعلم بذلك فاتصلت به الأخبار
وعند اختلاف الأكراد نفذوا إلى سنقر إلى صعدة باخل الكردي الحميدي فطلبوه لتمليكه فحضر إلى زبيد ودخلوا به إلى دار إلى الرباع بباب شحاد ونزل في دار يوسف العروي ثم تقدم شمس الدين القرابلي من الأتراك وابن الدقيق من الأكراد وسلطنوا سنقر وحملوا الغاشية بين يديه وأدخلوه راكبا إلى دار ابن سيف الإسلام
فأقام بزبيد ثلاثة أيام
وأمر جماعة منهم
ثم عاد إلى تعز وأقام بها أربع سنين
فكتب كتابا إلى زبيد يطلب من الأكراد المقيمين بها مائة ألف دينار وكان عند سلطنته قد قنع منهم بالاسم لا غير وترك لهم البلد وقال أقنع بتعز لا غير فخادعهم إلى أن قوي وجيش وتمسك بجماعة عاهدهم ونفذ يطلب المال فأحضروا خمسة أحمال صناديق وعملوا فيها اللوالك المقطعة والخفاف والجلود المقطعة

وأسنة مكسرة ومسامير وحديد مكسر وختموها وسيروها إليه
فلما رآها شق عليه ذلك ونفذ في الوقت والحال يعلمهم وصوله إليهم قبالة هديتهم فخرج في ليلته قاصدا زبيد
فلما سمع الأكراد خروجه خرجوا إلى ضيعة يقال لها المعزية كان بناها الملك المعز بن سيف الإسلام وسماها القاهرة المعزية وهي ضيعة كبيرة جيدة كثيرة الخيرات
فوصل سيف الدين سنقر إليها فلما قرب منها انهزم الأكاريد ونزلوا في ضيعة يقال لها الزريبة فأقاموا بها خمسة أيام ورحلوا منها إلى زبيد ورحل سنقر طالبهم إلى زبيد فنزل وخيم عليها وقفلوا أبوابها
وكان قد ذكر لأصحابه أنه إذا أخذها بالسيف انهبوها فخرج الأكراد وقاتلوه يومين
فما منهم يوم إلا ويخسرون فيه
فلما كان اليوم الثالث ركب سنقر بجماعته
وزحف إلى باب يقال له باب القرتب فوقعت إحدى البواشير فقفز سيف

الدين سنقر هو وبدر الدين بن تميرك فقال سنقر عند ذلك الحمد لله رب العالمين وهو واقف في وسط الثلمة وقال للعسكر يا أصحابنا كنا قد أمرنا أنكم إذا أخذتم هذه المدينة بالسيف انهبوها وقد عمل الله لنا ما لا كان في حسابنا من هدم هذه الثلمة
فأنا أشتري منكم نهبها بمائة ألف دينار فأبوا إلا نهبها فزادهم خمسين ألف دينار وحلفهم بالطلاق أنه إن سمع أنهم تعرضوا لنهب أو غيره من أذية البلد آذاهم
ثم دخل مدينة زبيد وأقام بها فخرجت الأكراد من باب ولا فقه ثم قصدوا ضيعة يقال لها الحصبى فنزلوا عند رجل يقال له علي الكناني وهو من غفراء البحر فأضافهم وأحسن ضيافتهم فطلبوا منه نبيذا يشربونه فأحضر لهم نبيذ النخل وهو يقال له الفضح فشربوا منه وسكروا ورقدوا فقام مضيفهم علي الكناني وأخذ خيولهم وربط غلمانهم وأخذ ما كان معهم من المال وكتف الأكراد إلى أن أصبح الصباح واجتمع قومه بنو كنانة وساروا بهم على الإبل في المحائر إلى أن وصلوا بهم إلى زبيد فشنق سنقر علي الكناني وأخاه محمدا وقال لهم

قبحكم الله غدرتم بضيوفكم
ثم أخذ جماعة الأكراد ورماهم الحبس واستدعى بهم في اليوم الثالث إلى القصر فنصب لسيف الدين سنقر شبرمة وهي قاعدة من خيزران مثل السرير
واستحضر ولد سيف الإسلام يقال له الملك الناصر كان صغير السن واستدعى الدقيق فضرب رقبته ثم من بعده علم الدين ابن أخيه ثم من بعده هندو ثم بعده روبك ثم بعده عيسى بن أجول الزرزاري وسبعة من إخوته ثم بعده النظام بن عيسى الجزري وجماعة فكانت القتلى في ذلك النهار سبعماية نفس بالضبط
وعفا عن القرابلي وأولاده وعن باخل وعن ابن بركات ثم قعد في مملكته وفعل من العدل وحسن السيرة مالا رآه أهل اليمن ولا رعية وسلطن الملك الناصر وصار هو أتابكه وخطب للملك الناصر في بلاد اليمن ثم بقي في السلطنة والأتابكية أربع سنين إلى أن توفي بتعز فجأة وذلك أنه كان ليلة موته قد أكل لحم فرس ولحم بقر وشرب عليه شرابا مطبوخا فغسل ودفن في جامع تعز وخلف ولدا أخرس

وولدا آخر من أم الملك الناصر لأنها كانت زوجته ثم تزوج إبراهيم غازي بن جبرائيل أم الملك الناصر بعد وفاة سيف الدين سنقر وصار أتابكا أيضا للملك الناصر
وبقي الملك الناصر مدة ثم توفي في الجند وحمل إلى تعز فدفن فيها
وكان سبب موته أن غازي بن جبرائيل سمه بكوز فقاع فبقي غازي صاحب البلاد مدة يسيرة وقتل في حب فقتله حمير وخولان وبنو عبد الوهاب ورموا برأسه من قلعة حب وسبب ذلك اتهامهم له بقتل الملك الناصر

فبقيت البلاد بلا صاحب إلا الخواتين لا غير
فجاء الشريف عبد الله بن عبد الله بخلق كثير وملك زبيد مدة يسيرة ثم سمع بركب الحجاز ووصوله فقال في نفسه لا يخلو هذا الركب من أحد من بني أيوب فخاف على نفسه وعاد إلى بلاده
ووصل ركب الحجاز إلى زبيد فنزل المهتار كدكل العزيزي من عند أم الملك الناصر بطريق الاتفاق يتفقد الركب الحجازي فلقي سليمان شاه بن سعد الدين بن الملك المظفر تقي الدين بن شاهان شاه بن أيوب فتحدث معه وسأله عن أحواله وفي وقته كتب كتابا إلى أم الملك الناصر يخبرها بخبره وقال لها هذا من بني أيوب وهو حسن الشباب فأحضرته وخلعت عليه وتزوجت به وسلطن وملك البلاد وملأها فسقا وجورا وفجورا وأخذ نساء الناس وما شكر ما أنعم الله عليه به فإنه كان

فقيرا لا يملك درهما بحيث حج ماشيا مع الفقراء يكدون ويطعمونه فلما بغى سلبه الله ما كان خوله بعد أن وصلت مكتوباته إلى السلطان الملك العادل وإلى عمه الملك المنصور صاحب حماة جهز الملك الكامل ولده الملك المسعود إليه وأخذ البلاد منه عنوة
وقد ذكرنا ذلك مفصلا في تاريخنا الكبير المرسوم بالبيان في حوادث الزمان وإنما ذكرنا هذه اللمعة لسياقة الحديث والله أعلم

ودخلت سنة تسعة وتسع وخمسمائة
والملك الأشرف قد تجهز لقصد ماردين واستخدم ابن المشطوب وسير إلى الملك الأفضل يحضره من سميساط إلى البيكار عنده
ووردت الأخبار بأنهم قد تأهبوا في ماردين للحصار واللقاء

ووصل الملك الأفضل إلى حران
ورحلوا وأخذوا رأس عين الخابور وسلمها الملك الأشرف للملك الأفضل وساروا إلى ماردين فراسل أهل ماردين السلطان الملك العادل على أن يحملوا للملك الأشرف خمسين ألف دينار فعجلوا ذلك
فعاد الملك الأشرف عنهم راجعا إلى حران وأعطى الملك الأفضل جملين
وفيها نزل الملك العادل على خربة اللصوص بسبب الفرنج
وفيها أخذوا رأس عين الخابور من الملك الأفضل وكذلك جملين بكذبة كذبوها عليه لاستعادة البلاد منه ولم يبقوا سوى سميساط لا غير وأعطوا رأس عين لابن المشطوب
وفيها كان عند أتابك نور الدين صاحب الموصل عدة أمراء

من الشاميين مثل المبارز خطلخ الحلبي والمبارز سنقر الحلبي وعز الدين كر حملوه على بقاء الملك الأشرف وقووا عزمه على ذلك فبلغ الملك الأشرف ذلك
فسير إلى السلطان الملك العادل عرفه ذلك ويستأذنه فيما يفعله على لسان ابن المشطوب فأعاده إليه سريعا وقال له إن قصدكم صاحب الموصل لا تلاقوه الله الله ولا تغتروا بقول صاحب سنجار وآمد والجزيرة فعاد ابن المشطوب من عند العادل فوجد أتابك قد خرج من الموصل
ووصل الملك الأوحد إلى عند أخيه الملك الأشرف
وقال ابن المشطوب رسالة

الملك العادل للملك الأشرف
واجتمعوا على دارا ومنها رحل الملك الأشرف بمن معه ووصلت الأخبار بقصد أتابك لهم فرتب الملك الأشرف أصحابه ومن معه ميمنة وميسرة كما جرت العادة ورحل طالبا باشزى ووصل أتابك بعساكره يوم الجمعة سادس عشر شوال من سنة ستمائة فنزل الملك الأشرف دون باشزى وسير أتابك رسولا أمين الدين ياقوت الكاتب إلى الملك الأشرف يطلب المصاف وفي عقيبه حمل أتابك بمن معه ووصل إلى أن شارف الملك الأشرف فضرب أتابك دهليزه وذلك بكرة نهار السبت ولم يقم بها وساق ووقع القتال وحمل أتابك حملة بنفسه ورمي أكثر أصحابه في وقتهم وأخذوا قتلا وأسرا ونجا بنفسه وكانت وقعة عظيمة مشهودة
ونزل الملك الأشرف بعد الكسرة واستحضر الأمراء ومن أخذوهم من عسكر الموصل فكان في الجملة سنقر الحلبي وولده والأسد بن عبد

الله وحسين الطويل ووصل أتابك إلى الموصل في هزيمته في يوم واحد وسير الملك الأشرف البشائر إلى أبيه فاستعظم الملك العادل ذلك وما صدقه

ودخلت سنة ستمائة
فيها اتفق الصلح بين أتابك والملك الأشرف وتحالفا
وفيها كان الملك العادل قد رحل من خربة اللصوص ونزل مرج عيون وراسله الفرنج إلى أن تقرر الصلح وعاد الملك العادل إلى دمشق وأمر الملك الأشرف بالعود إلى حران وسمع الملك الأشرف برحيل الملك العادل إلى مصر فوصل إليه إلى دمشق


وفيها طلب الملك المجاهد صاحب حمص نجدة من الملك العادل
وفيها كنت واقعة شرف الدين قراقوش المظفري في المغرب مع بوزبا المظفري أيضا ومسكه وسيره إلى ابن عبد المؤمن صاحب المغرب
وفيها عاد الملك الأشرف من وداع أبيه

سنة إحدى وستمائة
جاءت الفرنج إلى حماة بالفارس والراجل فأخذوا وقتلوا وسبوا خلقا وحملوا إلى الباب القبلي فاختنق فيه جماعة
وفيها أسروا الفقيه الشهاب بن البلاعي كان شاطرا شجاعا
وساروا به في جملة الأسرى فبات في طرابلس ليلة واحدة وهرب ونجاه الله منهم ووصل إلى بلاده
وذلك من أطرف ما وقع المأسور وبلغ السلطان الملك العادل نوبة حماة فشق عليه ذلك


وفيها سير الملك المعظم العسكر إلى حمص وحماة ولم يفارقوا إلى أن تقرر الصلح
وفيها طلع الملك المنصور صاحب حماة إلى الملك العادل بالديار

المصرية فتلقاه وسر به سرورا كاملا بقي مدة وعاد
وفيها قطع الفرنج العاصي ودخلوا إلى أرض حمص فقتلوا جماعة وأسروا
فبلغ ذلك الملك العادل فوعد بنزوله إلى الشام وبرز إلى البركة وسار أولا فأولا ووصل إلى دمشق
وفيها كانت واقعة السلطان شهاب الدين الغوري مع محمد خوارزم شاه بن خوارزم شاه وذلك أن السلطان شهاب الدين الغوري وقع بينه وبين خوارزم شاه فجاء شهاب الدين أخذ نشاوور وولى فيها ملكا من أصحابه وهو ابن أخته يقال له ضياء الدين وعاد إلى

غزنة
وسبب ذلك أن البلاد تخبطت عليه من الهند فسمع خوارزم شاه بذلك فجمع وقصد نشاوور ونزل عليها وحاصرها مائة يوم وأن الهنود قاموا على السلطان شهاب الدين فانشغل بهم وما نجدهم فأخذها خوارزم شاه بالأمان
ونزل ضياء الدين المذكور منها وضرب خيمته بقرب خيمة خوارزم شاه والأمراء الذين كانوا معه طلبهم يخدمونه فما أجابوا إلى ذلك
قالوا إذا لم نحفظ الأول ما نحفظ الآخر
وفارقوا وتوجهوا إلى السلطان شهاب الدين الغوري فسألهم كيف جرى فقالوا له سيرنا عدة كتب ما جاءنا لها جواب فاستحضر وزيره وأنكر عليه وقال له كيف كنت تخفيني مثل هذا وقد حوصروا ثلاثة أشهر لعلي كنت أنجدهم
وسخط عليه
وجند السلطان شهاب الدين بعد ذلك وطلب خوارزم شاه
وعملوا مصافا واقتتلوا فانكسر خوارزم شاه إلى البلد وبقي بين السلطان الغوري وبين خوارزم شاه مسافة يومين فعمد خوارزم شاه وكسر من سيحون وجيحون ساقية ماء وأدارها في الخندق فمنعت من العبور إلى البلد فطال

مكث السلطان على ذلك الماء وشرع في عمل زواريق ليعبر إلى البلد في الماء
فأنفذ خوارزم شاه إلى أخواله الخطا وقال لهم قد جاء من يأخذ البلاد منا ومنكم فأنجدوني
فجمع الخطا وركبوا في أربعين ألف فارس جرائد كل واحد وجنيبه وقصدوا السلطان فسمع بهم السلطان فانتقل عن الماء وطلبهم فبقي بينهم وبين الماء مسافة أربعة أيام وبقي بين السلطان والماء مسافة ثلاثة أيام
فقال الأمراء

للسلطان إن سبقونا إلى الماء ظفروا بنا وان سبقناهم ظهرنا عليهم فجد السلطان في السوق فسبقهم إلى الماء بدقيقة
فوصلت بوادر عسكرهم وأشرفت على الماء والسلطان نازل عليه فقال له أمير من أمرائه تعطيني رجالا ودستورا لألقى من وصل من عسكرهم لأنهم قد وصلوا تعابا إلى غاية
فقال السلطان لا بل نصبر حتى يصلوا
وما قبل منه وكان اسمه حسين خر
فجاء الخطا وطلبوا من السلطان مصافا فقال إلى غد فتيقنوا ضعفه فطمعوا فيه وضربوا معه مصافا وأرسل الله هواء عظيما في وجه السلطان وأصحابه
فانتصر عليهم الخطا وقاتل السلطان شهاب الدين بنفسه أشد قتال بحيث إنه غير على عشرين دابة غير أنه كسر ولكن بعد أن قتل كل واحد من أصحابه جماعة من الخطا
فانهزم

السلطان إلى قرية صغيرة يقال لها بندخوي
وكان مع الخطا السلطان عثمان سلطان سمرقند وصعب عليه كسرة السلطان شهاب الدين وذلك لإسلامه
غير أنه لم يكن له حيلة في دفع ذلك عن المسلمين
وقصدوا محاصرة الرباط وأخذ السلطان منه
فأشار عليهم السلطان عثمان بأن ما هذا مصلحة فإن له عدة غلمان ومماليك معهم العساكر الكثيرة مثل تاج الدين الدز وأيبك لاشك وقطب الدين فيسمع هؤلاء فيقصدونكم والمصلحة عندي رواحكم وآخذ لكم منه

فيلا من فيلته وحمل ذهب
قالوا افعل فنفذ إلى السلطان شهاب الدين وأطلعه على القضية فسير له ما طلب وعاد السلطان إلى غزنة مكسورا واجتمعت إليه مماليك من جميع الأطراف وأنفق في العسكر عن سنين فلما كان هو في بعض الليالي في الصلاة اختصم مملوكان صغير وكبير فخاصمهما السلطان وهددهما إلى ما بعد صلاته فأخذ أحدهما سكينة صغيرة وقفز على السلطان شهاب الدين فقتله وخرجت مصارينه في وقته وقبر في غزنة ولم يعقب ولا بشر بولد كان عاقرا
وكان هذا السلطان عثمان المقدم ذكره وهو صاحب سمرقند أحسن الناس بحيث إن نساء سمرقند إذا ركب يدعون له ويقلن اللهم تقبل مهورتنا منا صدقة عن شباب السلطان عثمان
والله أعلم

وفي أوائل سنة ثلاث وستمائة
كانت الكرج قد تحركوا لقصد أخلاط
والملك الظاهر قد خاف أن تكون حركة عمه إليه فسير إلى البلاد وأفسد عسكرا مثل ابن المشطوب وعز الدين كر وسنقر الحلبي
وتراسل الملك العادل والملك الظاهر وتقرر الصلح بينهما
ووصلت الأخبار برحيل الكرج فخاف الملك الظاهر ونزل على غرض الملك العادل
ونزل السلطان الملك العادل على بحيرة قدس بأرض حمص فوصل إليه الملك المنصور صاحب حماة وولده الملك الأشرف والملك المعظم وولده الملك المغيث والملك الأمجد صاحب بعلبك وعسكر سنجار وعسكر آمد


وفيها وصل وزير آمد ضياء الدين بن شيخ السلامية إلى البحيرة إلى السلطان يستحلف لصاحبه الملك الصالح ليصل إلى الخدمة بنفسه
وفيها دخل السلطان بمن معه إلى الساحل فنهب وخرب وأحرق وسبى وأشرف على أخذ البلاد وأخذ القليعات وخربها وكذلك طاحونة أعناز وكان ذلك عظيما لقوة الفرنج
وفيها قفز أهل بعلبك على واليهم فقتلوه فأمر السلطان الملك الأمجد بمسيره إلى بلده فسار ولم يدخل الساحل معه


وفيها عزل البدر بن الأبيض قاضي العسكر ورتب عوضه في القضاء النجم خليل بن المصمودي الحموي وذلك بتعصب من الوزير صفي الدين بن شكر وسيره رسولا إلى الخليفة الناصر لدين الله وإلى غيره

سنة أربع وستمائة
دخلت والسلطان الملك العادل بعدما خرج من الساحل وكتب الكتب إلى البلاد بالبشائر
وفيها كان الملك المجاهد قد سير كاتبه الشمس الكشغر يدي وقد كان معلمه إلى الملك الأفضل يطلب ابنته لابنه الملك المنصور إبراهيم ولي عهده فمات
وفيها وصل إلى السلطان الملك العادل صبي من بحنين نصراني

أسلم على يده فسلمه إلى الملك المجاهد فرباه وكبر عنده فكثر منه وولاه ورسله إلى الملوك
وفيها مات زين الدين قراجا صاحب صرخد المملوك الصلاحي
وفيها عاد الملك الأشرف إلى بلاده الشرقية فعبر بحلب واجتمع بابن عمه الملك الظاهر وكان عظيما
وفيها توجه الملك المجاهد صاحب حمص إلى الرحبة لعمارة

قلعة استجدها وخرب القلعة العتيقة التي كانت للرحبة لأنها كانت قد خربت
وفيها وصل ابن أبي الحجاج والقاضي الأشرف بن عثمان إلى عند الملك المجاهد يستشفعونه إلى الملك العادل فأقام بهم مدة وخلع عليهم وشفع فيهم فما انقضى شغلهم
وفيها أمر السلطان العادل بعمارة قلعة دمشق ووصف على صاحب حماة الملك المنصور والملك المجاهد صاحب حمص وغيرهما عمارة أبرجة في قلعة دمشق من أموالهم ففعلوا ذلك
وفيها سير الملك العادل مملوكه أستاذ داره الدكز وصحبته النجم قاضي العسكر رسولا إلى الإمام الناصر
وفيها عاد بالجواب وصحبتهما رسل الخليفة بالخلع والتقليد وخلعة لوزيره ابن شكر ولأولاده الملك المعظم والملك الأشرف وذلك بدمشق ونصبوا منبرا وقرأ ابن شكر التقليد قائما على الناس والسلطان أيضا قام إجلالا لذكره صلى الله عليه

سنة خمس وستمائة
بلغ الملك العادل اتفاق أتابك الموصل مع الملك الظاهر وجميع الشرقيين
وفيها مات الأمير جناح الدين الهكاري أخو المشطوب
وتغيرت أحوال عماد الدين بن المشطوب فأجمع السلطان الملك العادل رأيه على أن يجمع جميع العساكر وأصحابها ويقصد الكرج فكاتب الملوك بوصوله إلى حران
والجمع عليها
فاجتمع الناس إليه فأول من وصله الملك المنصور صاحب حماة والملك المجاهد صاحب حمص والأمجد صاحب بعلبك والملك الصالح صاحب آمد وعسكر الملك الظاهر وعسكر الملك المنصور صاحب سنجار
فلما وصل الجمع إليه سار قاصدا الكرج فنزل على حرزم من بلد ماردين وأقام
وتجدد له قصد سنجار وذلك لتخلف صاحبها عن وصوله

بنفسه فخاف فأرسل نساءه في الاستشفاع في حقه وذلك برأس عين الخابور فما قبل ذلك ولا أجاب
فسير ولده الملك الأشرف والملك المنصور صاحب حماة وصحبتهما العساكر فأخذوا نصيبين وولى فيها ثم بعد ذلك وصل الملك العادل ووصل إليه ولده الملك الأوحد صاحب أخلاط فلما قارب سنجار جاء إلى السلطان من سأله في تسليم سنجار إليه بشرط العوض عنها فأجابهم إلى ذلك
ثم ما بدا لهم إلا الحصار فحنق السلطان عليهم فحاصرهم ونزل عليهم وقطعت أشجارهم وأخذت الملوك منازلهم ونصبوا المجانيق وقاتلوهم وضايقوهم وأقطع السلطان الخابور جميعه وفرقه

على الملوك الذين كانوا في خدمته مثل الملك المنصور صاحب حماة والملك المجاهد صاحب حمص وغيرهما
فلما أشرف السلطان على أخذها عنوة جاءت رسل الإمام الناصر لدين الله شافعة في ترك سنجار على صاحبها وأخذ الخابور ونصيبين وما يتعلق بذلك فقبل شفاعته وبادر إليها طاعة وخرج صاحبها الملك المنصور إلى السلطان الملك العادل فأحسن تلقاءه ورحل عنها وتفرق الملوك إلى بلادهم حتى إن أخا صاحب سنجار نور الدين صاحب قرقيسيا كان في خدمة السلطان
ولما سار السلطان من سنجار لحقه العماد بن يونس رسولا من الموصل فقضى شغله وأعاده
وفي رأس عين حرد وزير الملك العادل ابن شكر المعروف بصفي الدين على السلطان لإنكار كان أنكره السلطان عليه فما ثبت له فهرب صنعة فتبعه الملك المنصور صاحب حماة

وكان عانيا بابن شكر حتى إنه أول من مشى إلى ابن شكر من الملوك
وتبعه فخر الدين جهاركس ودارا عليه في برية رأس عين إلى أن أحضراه إلى خدمة السلطان فعفا عنه ومن هذه النوبة انحطت منزلته
وفيها مات الملك المؤيد بن صلاح الدين برأس عين لما عاد في جواب رسالته من عمه إلى أخيه الملك الظاهر
سبب موته أنه غم عليه البيت الذي كان فيه فمات هو ومن كان عنده في البيت
وفيها أعطوا لابن المشطوب المجدل من الخابور
وفيها عاد الملك الأوحد إلى أخلاط


وفيها وزر جمال الدين بن شيخ السلامية للملك الأشرف كان ممولا إلا أنه كان عاميا جدا
وفيها وصل من الأمير سيف الدين سنقر أتابك اليمن عشرة آلاف دينار باسم السلطان الملك العادل صاحب الديار المصرية
وفيها كاتب الملك الظاهر الأمراء وقويت شوكته بعد وصول عمه الملك العادل إلى حران وبرز إلى السموقة من بلاد

حلب وترددت الرسل بينهما ووقع الصلح بعد إفساد الملوك والأمراء من الجهتين وسار السلطان إلى دمشق وهو كثير الشكر من صاحب آمد لأنه جاءه عند حاجته وانتفع بوصوله إليه

وفي سنة سبع وستمائة
سير الإمام الناصر يطلب مملوكه مظفر الدين المعروف بوجه السبع يستعيده من الشام لأنه كان قد هرب منه وذلك لخوفه من كلام كلمه به الوزير النصير بن مهدي العلوي فأعيد إلى الخليفة وتكمل رضاه عنه لعقله ولحفظ كلامه
وفيها قويت عزيمة الملك المعظم على عمارة الطور
وفيها كاتب الظاهر أسامة
وفيها وقع الصلح مع الفرنج والسلطان


وفيها سير الفرنج بعد صلحهم إلى البحر يعرفونهم بأن الطور يعمرونه وهو قوي به يملكون الساحل
فجد الفرنج في وصولهم من البحر والمعظم يجد فيه
وفيها تجدد للسلطان الملك العادل الطلوع إلى ديار مصر فسار وبقي في الكرك أياما فبلغ الملك الكامل ذلك فوصل إليه إلى حوران واجتمع به بها وكان قد رتب له الإقامات إلى القاهرة


وفيها عزم عز الدين أسامة على الطلوع إلى مصر ليستريح من معاندة الملك المعظم له
فأشار عليه جهاركس ترك ذلك فما قبل منه وكان جهاركس مريضا وسار أسامة فمات جهاركس
وبلغ أسامة موته فضاق صدره وندم على مفارقته ووصل الملك العادل إلى القاهرة
وفيها بلغه حركة الفرنج فتجهز الملك العادل للعودة إلى الشام فبلغ ذلك الملك الظاهر صاحب حلب فظن أنه لأجله فجهز

القاضي بهاء الدين ابن شداد رسولا إلى الملك العادل واستحلف السلطان له
وفيها كفت يد الوزير ابن شكر عن العمل
وفيها كان الملك الأوحد قد مرض وسار إليه الملك الأشرف ومات الملك الأوحد فأخذ البلاد الملك الأشرف وبلغ السلطان موته وهو على البركة وفيها عمل عزاءه
وفيها وصل إلى الديار المصرية كليام التاجر الجنوي لعنه الله وقدم للسلطان الملك العادل الأيوبي صاحب الديار المصرية

والبلاد الشامية والشرقية أشياء وصادقه فأحسن السلطان إليه وكان في جملة إحسانه إليه أنه يأخذه معه إلى أين اتجه وكان الملعون في ضمن ذلك يكشف الأحوال أولا فأولا ويكاتب بها الفرنج وقيل للسلطان فما التفت إلى كلام القائلين

سنة ثمان وستمائة
فيها توفيت زوجة الملك العادل أم الملك الكامل صاحب الديار المصرية فدفنها في الشافعي ورتب عليها ولدها الكامل القراء والصدقات حتى إنه ساق الماء من بركة الحبش إلى الشافعي ولم يكن قبل ذلك ووجد عليها وجدا عظيما
وفيها وقع بين الأذفنش ملك الفرنج وبين ابن عبد المؤمن في الغرب وأخذ قلعة رباح وقتل خلقا عظيما


وفيها توجه الملك العادل إلى الإسكندرية لكشف أحوالها وكليام صحبته
وفيها بلغ الملك العادل أن مراكب واصلة فشرق عز الدين أسامة إلى الملك الظاهر
وفيها أشير على أسامة أن يسلم كوكب وعجلون إلى الملك المعظم ويأخذ عوضها الفيوم فما أجاب إلى ذلك
وفيها كان الملك المعظم قد وصل إلى أبيه بالديار المصرية فخاف أسامة فهرب أسامة وأوهم أنه قاصد الصيد والسلطان وهرب في البرية ولم يعلم أحد بخبره
فبلغ الملك المعظم ذلك فركب خلفه واستركب الناس وما زال سائقا ومن كان معه انقطعوا عنه فخرج من أرض الداروم ونزل يقضي شغلا عجز عن الركوب

وذلك لوجعه بالمفاصل
فرآه بعض الصيادين فدل عليه الملك المعظم لما وصل خلفه فجاء إليه فأخذه وسير لوقته عرف السلطان به وأخذ منه الحصون قهرا بعد حصار وقتال وحبسه وولده في قلعة الكرك
وفيها نزل الملك العادل الشام وسار إلى الجزيرة رتب أحوالها
ورتب شهاب الدين غازي في الرها وعاد إلى دمشق وكل هذا وكليام الفرنجي صحبته
وفيها هبت في بغداد ريح من قبل الغرب معها رمل أحمر وقوي وتعلق بالجو إلى أن أوقد الناس الشموع وغيرها واختنق جماعة منه وبقي كذلك إلى اليوم الثاني
وفيها وصل الخبر بأن بعض مماليك الديوان عصى فجهز

إليه رسولا فقتله واستجار بخوارزم شاه فأعانه على عصيانه فسير الخليفة إلى مظفر الدين بن زين الدين عرفه ذلك فاستنجد بعسكر الملك الأشرف وغيره وقوي عليه وحصل الغرض منه
وفيها نقل إلى الخليفة أن ولي العهد قد عزم على قتلك فعزله وحبسه وجرى له معه عدة أقوال
ومال الخليفة عنه إلى أخيه الأمير الصغير فمات فنقل أولاده إلى ششتر ثم أعادهم وسلمهم إلى عمهم ولي العهد فأحسن إليهم إحسانا ما توهمه الخليفة وصاهرهم وطاب قلب الخليفة عليهم

سنة إحدى عشرة وستمائة
كان قد تجهز خوارزم شاه إلى العراق
وفيها وصلت رسل خوارزم شاه يطلب الدار ببغداد والخطبة

وأن يخاطب بمخاطبة السلجوقية ويتلى له في الخطبة قسم أمير المؤمنين
فما أجيب إلى ذلك وأنكر عليه غاية الإنكار
سبب عزل الخليفة لوزيره نصير الدين العلوي أنه كان قد سير ثلاثمائة جمل عليها قواصر التمر وأودع كل جمل ألف دينار فتعرض لها بعض ولاة الخليفة وطلب شيئا من ذلك التمر يأكله فامتنعوا عليه من ذلك إلا أنه ألح عليهم فأخذ جملين وفتح قوصرة تمر يفرقها على الجماعة فوجد الذهب ففتح الثانية فوجد كذلك فضبط الجميع وطالع به الخليفة فأنكر ذلك عليه وعزله ونقله إلى دار الخليفة هو وأولاده بعد أن أخذ جميع الذي كان له فما وجد إلا القليل لأنه كان قد نقل إلى العجم وقد استوفينا قصته في البيان
وفيها وصل الخبر بموت سيف الدين سنقر صاحب اليمن
وفيها عاد الملك العادل إلى الديار المصرية وكليام لا يفارقه

سنة اثنتي عشرة وستمائة
كان الملك العادل بالقاهرة والملك الأشرف بأخلاط وشهاب الدين غازي في الرها
وكان الملك العادل قد تشوش مزاجه والملك الظاهر قد سير إليه القاضي بهاء الدين بن شداد رسولا وفي ضمن رسالته يتوقع ما يكون من مرضه ورتب العادل بريدا من حلب إلى الديار المصرية فاتصل بالسلطان الملك العادل من البريد الواصل من حلب أن الملك الظاهر قد مات وذلك في سنة ثلاث عشرة وستمائة ومات الملك الظاهر وترك من الأولاد الملك العزيز اسمه غياث الدين محمد من ابنة السلطان الملك العادل والملك

الصالح أحمد من بعض المغاني
وكان الملك المشمر خضر مقيما بحلب يومئذ
فقال الملك العادل لابن شداد قاضي حلب ما عندك من أخبار صاحبك قال له ما أعلم من يويمات أخباره
فقال له قد مات
فعزاه وفارقه وعاد
وقعد الملك العادل لعزائه كما جرت العادة
من جملة سبب موته مع فراغ أجله كان قد أكل لحم قديد بعدس وهو في الصيد وشرب عليه الخمر فأوصى عند موته إلى الأمير سيف الدين بن علم الدين ليكون أتابك ولده وكذلك عين شهاب الدين طغرل الخادم فما وافق ابن علم الدين على أن يكون أتابكا
واتفق مع الأمراء على أن بقي شهاب الدين أتابكا ولا يعمل شيئا إلا باتفاق من هؤلاء ابن علم الدين والقاضي بهاء الدين وسيف

الدين بن قلج واستمر الحال في أحسن سيرة
وفيها قصد الملك الأشرف الوصول إلى حلب فعزم الحلبيون على إحضار الملك الأفضل من سميساط ويكون أتابكا للملك العزيز فعاد ابن علم الدين أنكر ومنع من ذلك ووصل الملك الأشرف واطلع على ذلك

سنة أربع عشرة وستمائة
فيها تواترت الأخبار بجمع الفرنج ودخولهم عكا ونقضوا الصلح وقصدوا الشام فلما تحقق السلطان العادل ذلك خرج من الديار المصرية إلى الشام بجميع أمواله التي كانت بمصر فوصل إلى نابلس إلى أن تكامل عسكره فجاءه الخبر بقصد دمشق
وفيها وصل فخر الدين بن شيخ الشيوخ من بغداد في

جواب رسالته إلى الخليفة الناصر

سنة خمس عشرة وستمائة
فيها قوي الخبر بحركة كيكاوس سلطان الروم السلجوقي إلى البلاد الشامية باتفاق من الملك الصالح صاحب آمد وغيره من ملوك الشام
هذا والملك الأشرف بحلب فوصل الرومي إلى الشام فوصل إلى منبج وأخذ تل باشر ورعبان وقويت شوكته
وكان الشرط معه أنه مهما ملك يسلمه إلى الملك الأفضل نور الدين فما أقام بقوله وسلمها إلى أصحابه فوقف الناس عنه وتحققوا غدره فجذبوا عنه
ووقع العربان بفرقة من عسكره أخذوهم قتلا وأسرا ونهبا وعاد إلى بلاده مكسورا وكان به خروج دم مفرط
إلا أن الملك الأشرف عند دخوله حلب أحضر الأمراء المأسورين من عسكر الرومي وخلع عليهم وأطلقهم وسير إلى السلطان الملك العادل يخبره بكسرة الرومي


وكان الفرنج خذلهم الله قد فعلوا في حركتهم وقتالهم للملك العادل واندفاعه من قبالتهم وعملوا في الغور ما عملوه من قتل وأسر وخراب
وقوي عزمهم على قصد الديار المصرية فقصدوها وحاصروا دمياط وأخذوها بعد كل جهد وفراغ ما فيها من إقامة وغيرها وكان قبل هذا قد جرى على الطور ما جرى من قتال وغيره وخربه الملك المعظم بعد عمارته أحسن عمارة وقد غرم عليه من الأموال ما تجاوز الحد
وفيها وصل ابن شيخ الشيوخ وصحبته رسل الخليفة الناصر إلى الملك الكامل على دمياط فظن الناس الظنون الجميلة يومئذ في الخليفة فبين أنه لأجل رمي البندق وكونه يريد أن يكون هو قبلته لا يزدجرد فتعجب الناس من إمام العصر وهمته
وكان نزول الفرنج خذلهم الله تعالى على ثغر دمياط حماه الله في ثالث ربيع الأول ستة عشر من حزيران وأعيدت إلى المسلمين

في رجب من سنة ثمان عشرة وستمائة سابع عشرين آب ووافق وفاة السلطان الملك العادل رحمه الله من شهور الروم آخر آب من هذه السنة وسارت إليها العساكر الشامية
وفيها مات السلطان الملك العادل رحمه الله وترك من الأولاد الملك الكامل محمد الملك الفائز إبراهيم الملك المعظم عيسى الملك الحافظ أرسلان شاه الملك المظفر غازي الملك العزيز عثمان الملك الصالح إسماعيل الملك المعز يعقوب الملك الأشرف موسى الملك

تاج الملوك الملك عباس الملك المفضل قطب الدين فنقل إلى دمشق وأخذ الملك المعظم جميع ما كان معه
وفيها طلع الملك المعظم إلى مصر واجتمع بالملك الكامل على دمياط فشكا إليه عماد الدين بن المشطوب فأخرجه المعظم من الديار المصرية كما لا يحب فوصل إلى الشام مجردا من جميع ماله بأربعة أنفار لا غير وأقام بحماة وتجهز منها بعسكر ورحل عنها

بسبعمائة فارس ووقع بجشار حلب ونهبه وخرج السلطان الملك الأشرف إليه وأخافه وآمنه بعد ذلك وأعطاه رأس عين الخابور وزليبا ملكا

سنة ست عشرة وستمائة
فيها وصل الملك الفائز بن السلطان العادل إلى أخيه الملك الأشرف رسولا من أخيه السلطان الملك الكامل فضبطه عنده بعد الإحسان إليه لأنه كان الغرض أن لا يكون بالديار المصرية
وفيها تحجب ابن المشطوب برأس عين لصاحب ماردين

وهي في يده فعوضه عنها وتسلمها صاحب ماردين وأعطى ابن المشطوب زليبا ملكا وأرجيش إقطاعا
وفيها سار الملك الأشرف إلى الموصل وعليها مات الملك الفائز رحمه الله
وفيها عرف ابن خوشترين حسام الدين أحوال ابن المشطوب وأعطاه مجلسه بجملة كبيرة إلى أن جرت أمور أوجبت للملك الأشرف القبض عليه وعلى ابن خوشترين وأودعهما السجن وماتا فيه بحران وقد استوفينا ذلك بتفاصيله في تاريخنا المطول البيان

سنة سبع عشرة وستمائة
وفيها مات الملك عز الدين كيكاوس ملك الروم وولي بعده

أخوه الملك علاء الدين كيقباذ وهو الذي كان محبوسا بقلعة المنشار وقد ذكرنا قصته
وفيها وردت كتب الخليفة الناصر إلى جميع الممالك يأمرهم بنجدة الملك الكامل صاحب الديار المصرية بدمياط
وفيها كان خروج التتر من بلادهم وقصدهم بلاد العجم وخربوها ونهبوها وفتكوا فيها فتكا عظيما لم يسمع به في الزمان
وكان انهزم منهم خوارزم شاه بعد عدة وقعات معهم ولم يظفروا به
وكان سبب خروج الكافر في سنة سبع عشرة وستمائة إلى مقاتلة السلطان محمد خوارزم شاه ابن خوارزم شاه أن الطريق من طمغاج وكاشغر إلى سمرقند مقطوعة من مدة سنة ست وخمس عشرة لا يجسر

أحد يركبها فقلت الكساوي عند أهل طمغاج وجميع ما كان يحمل إليهم
فنفذ الملك الذي للكافر وهو الترمجي ويعرف بكشلوخان أيضا ثلاثة رسل وصحبتهم عدة تجار إلى خدمة السلطان خوارزم شاه بسمرقند
فلما وصلوا إلى رأس الحد الذي لبلاده إلى بلد يقال له أطرار فيه أمير يقال له رسلان ملك من قبل السلطان فأعاقهم وسير إلى السلطان عرفه خبرهم وعدتهم ثلاثة رسل وصحبتهم

تجار لواجية فجاوبه السلطان أن من المصلحة أن لا يمكن هؤلاء من دخولهم بلادنا وكشفها ولا يؤمنوا فتجهزهم وتسيرهم يومين ثلاثة في الطريق وتسير إليهم من يأخذهم ويقتلهم حتى كأن الحرامية قد فعلوا بهم ذلك
فعمل بقوله وما سلم منهم إلا شخص تركوه قصدا ليعود إلى صاحبه ملك الكافر يخبره بما جرى
والذي كان مع الرسل والتجار صحبتهم ما يناهز مائة وخمسين فرسا محمل عليها نقرة الفضة فأخذوا الجميع
فلما وصل إلى الملك وخبره بما جرى سير رسولا إلى السلطان وقال له أنت رجل مسلم وما نفذنا إليك إلا مسلمين موحدين حجاجا فكيف جاز لك في دينك ما فعلته من قتلهم وأخذ مالهم والله لا بد لنا منك
إما أنك تحييهم كما كانوا وتسيرهم إلينا
وإلا فنحن واصلون إليك قولا وفعلا
فأخذ خوارزم شاه ذلك الرسول وقطع من سائر أطرافه وقال له مالكم عندي إلا هذا الجواب
فلما عاد إلى الملك بذلك وكان بين السلطان وبين هؤلاء الكفرة مسيرة سنة لأنهم كانوا في صحارى مر غزارات وهي برية وأودية داخلة

الصين معروفة بالحشيش اليابس والرطب شتاء وصيفا فجمعوا وقصدوا السلطان خوارزم شاه فسمع بهم السلطان فركب في سبعين ألفا وطلبهم وافترق الكفار ثلاث فرق
فالملك الكبير الترمجي وولده ركبوا بالعساكر فأخذ الملك الكبير فرقة والولدان كل واحد منهما فرقة
وكان لهم في كاشغر مملوك يقال له جنكزخان
ومملوك يقال له كشلوخان وكان في خدمته أربعون ألف راكب فقصدت فرقة الملك الكبير مملوكه بكاشغر فضرب مع مملوكه مصافا

فكسره مملوكه وقبضه وقتله وابن السلطان خوارزم شاه وقع بابن الملك الكافر الواحد فسير ابن الملك إلى خوارزم شاه يقول له ما معي من أبي أمر بأن أقاتلك
فلج السلطان خوارزم شاه عليه وساق إليه فاندفع قدامه مسيرة ثلاثة أيام
فلما كان في اليوم الثالث نفذ إلى السلطان وقال له قد ألزمتني بقتالك وما معي فيه إذن لكن أقاتلك فالتقى بخوارزم شاه وكسره فانكسر السلطان خوارزم شاه ورجع على أنحس قضية ووصل إلى بلاده وما معه إلا نفر قليل من عسكره فعبر جيحون وعاد ابن الملك الكافر إلى أبيه هو وأخوه واجتمعوا كلهم وعرفهم ما جرى له مع السلطان وكسره فقويت أنفسهم وتجهزوا وطلبوا بلاد السلطان فوصلوا بخارى وكان فيها أخو قمر الدين وكشلو أمير آخور السلطان معهم عشرة آلاف فارس ونزلوا على بخارى وكان سورها خربا

وعوامه غير معترفين بقتال وحصار فقاتلوا ثلاثة أيام فكسروا أمير آخور وكشلو وأخذوا بخارى بعد أن انهزم أمير آخور وأخو قمر الدين وخرج العسكر الذي كان فيها في الليل منهزما وتسلموا البلد وكان له قلعة فعصت عليهم خمسة أيام فجمعوا كل ما في بخارى من قطن وخشب وبهيمة وأجمال ورموه في الخندق حتى سدوه فقاتلوهم وتسلموها بالسيف بعد ذلك وقتلوا واليها جمال الدين بعد أن قاتل قتالا عظيما ويقول ما أجاهد إلا المسلمين لأنهم كانوا عليهم مع الكافر وتوجهوا إلى سمرقند فنزلوا عليها وكان فيها أمير آخور السلطان معه عسكر عظيم وثلاثون ألف راجل فأخذها الكافر وأحضر الملك الذي كان فيها إلى بين يدي الملك

جنكز خان فقال يا سبحان الله معك هذا العسكر كله والرجالة وما قدرت تحفظه أكان معك في البلد من يحكم عليك قال لا
قال فكم لك واليا قال ثلاث عشرة سنة قال فما كنت حفظته أياما بعدد السنين فقتله حنقا عليه وأخذ سمرقند بالسيف وقتل جميع حاشية السلطان وغيرهم من الأجناد ما خلا العوام فسمع السلطان ذلك وهو على ترمذ بأخذ سمرقند فقال العسكر إن انتصر الكافر على السلطان وأخذ ما وراء النهر قمنا نحن عليه وأخذنا السلطان وذلك لكثرة حنقهم على خوارزم شاه لما كان قتل منهم فاجتمع أمراء السلطان على ذلك وتحالفوا وكان في جملتهم خال خوارزم شاه فحلف معهم وما طاب له هلاك السلطان فنقش على يده صورة ما حلفوا عليه وأنهم في تلك الليلة يريدون قتله في الخيم فلما حضروا الخوان سأل السلطان خاله ما على يدك مكتوب فقال اقرأه فإنني

لا أقدر على قوله لك ليميني
فلما قرأه كتم ذلك إلى الليل وألبس مملوكا له ثيابه وأجلسه موضعه وتودد هو إلى اليزك فلما كان نصف الليل قتلوا المملوك اعتقادا منهم أنه هو السلطان وسروا بذلك فلما أصبحوا والسلطان على رأسه الجتر وهو في الموكب
فخافوا منه على أنفسهم وقالوا وأجمعوا رأيهم على أن حملوا عليه
فانهزم منهم فتبعوه ودخل نشاوور فتبعوه فما قدر يقيم بها لعدم العسكر بها فانهزم إلى الري وكان وزيره عماد الدين عراق قال له يا مولانا المصلحة أن تنهزم وأنا أكسرهم لك
فبقي أربعة أيام وتلاقوا فكسرهم السلطان في ميمنتهم فجاء خال السلطان إلى الوزير

فضرب رقبته وذلك أنه كان قد قتل ولده فانهزم السلطان خوارزم شاه بعد قتل الوزير ووصل همذان هو وولداه غياث الدين وجلال الدين وتبعوه إلى همذان ومنها ركب برية قفراء وطلب مكانا يقال له أوسخن على جانب البحر وأفكر فيما تم عليه وعلى الإسلام فانفطرت نفسه ومات فيها فدفنوه هناك
وطلب ولده جلال الدين خوارزم شاه فما فتحوا له الباب وقالوا له هذا البلد لأبيك وما علموا بموته فساق وطلب نشاوور فلما وصل إليها غبر فيها وأقام بها ونادى من أراد الرواح يروح فإنني ما أقدر أقيم بالغرباء وأهل البلد
وسار عنها يومين فالتقاه الكافر فكسروه وأخذوا جميع ما كان معه وتم إلى هراة منهزما وهم في أثره فما قدر يقيم بها فتم إلى غزنة فلما وصلها التقى رجلا قلجيا

مسلما وكان قد سمع بما تم على السلطان وعلى المسلمين فقال له تقف لنضرب معهم مصافا ونكسرهم فوقف القلجي وضرب المصاف وكمن لهم فكسرهم ووقعت الغنيمة للقلجي فحسده ابن السلطان على ذلك وتقاول هو وولد القلجي فضربه ابن السطان قتله على الكسب فصعب على القلجي وفارقه
وانتزح عنه فسمع الكافر بانتزاح القلجي عن ابن السلطان فطمعوا به وعادوا إلى ابن السلطان فضربوا معه مصافا فكسروه ورموه في ماء السند ولم يفلت إلا هو بنفسه وعجز الكافر عن عبور الماء خلفه فعاد إلى البلاد جميعها أخذها وخربها لعدم السلطان ومن بها وملكوا العراق البراني وغيره وما امتنع عليهم بلد وقتلوا واقتسموا فرقتين فرقة عادت إلى ما وراء النهر وما عادت وسكنوا بخارى وسمرقند وعندهم من المسلمين الذين كانوا بها مقيمين يأخذون منهم الجزية وكل من كان يعمل صنعة في تلك البلاد التي أخذوها وخربوها نقلوهم إلى عندهم

وسيروهم إلى بلادهم وهي الصين وطمغاج وغيرها وفرقة توجهت إلى الكرج وإلى البلاد الشمالية وغيرها
وفيها مات الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهان شاه بن أيوب رحمه الله
وترك من الأولاد الملك المظفر محمود والملك الناصر قلج أرسلان والملك العزيز والملك المجاهد والملك المسعود والملك المؤيد والملك الصالح والملك المعز
كان حسن السيرة عالما بالسير والتواريخ وعلم الكلام حصن قلعة حماة وعمق خندقها ووسعه وأدار خندق البلد وعمر الجسر عليها
وكان رحيما ما رد أحدا من بابه لاستخدام من جرى أو هدى
رحمه الله تعالى
وكان عند موته قد أوصى بعتق عبيده وإمائه وإخراج

كل من في حبوسه حتى إنه قال في الحبس من قد ظلمنا وفيه من قد ظلمناه
وكان أوصى أولا إلى ولده الكبير الملك المظفر محمود واتفقت غيبته عند خاله الملك الكامل نجدة من والده لدمياط فعاجله الموت فوصل ولده الملك الناصر قلج أرسلان من عند خاله الملك المعظم كان عنده نجدة أيضا فملك حماة وصارت بيده ومنعت من الأول وقد استوفينا في تاريخنا المطول ذلك

سنة ثمان عشرة وستمائة
وصل الملك المعظم إلى أخيه الملك الأشرف وأخذه مستنجدا به لدمياط والملك الحافظ أرسلان صاحب قلعة جعبر وعسكر الشرق وصاحب حماة والملك المجاهد صاحب حمص وغيرهم من الأمراء الأكابر فطلعوا إلى دمياط واستنقذوها من الفرنج ووقع الصلح بعد عدة مقاتلات وحروب جرت وأشياء على الأسارى الذين كانوا عند الفرنج وعلى النزول عن القطائع والمناصفات مدة ثماني سنين
ومن

الله تعالى على المسلمين بهذه الفتوح وبه عاد الاسلام جديدا
وعاد الناس إلى بلادهم وتفرقوا إلى أماكنهم وأعيدت دمياط إلى ما كانت عليه أولا بعد خرابها فكان نزول الفرنج خذلهم الله على دمياط ثالث ربيع الأول من سنة خمس عشرة وستمائة ورحيلهم عنها بعد تقرير الصلح في شهر رجب تاسع عشرة من سنة ثمان عشرة وستمائة
وفيها مات الملك الصالح صاحب آمد بن أرتق بالقولنج وملكها ولده الملك المسعود
وفيها وصل الملك الناصر صاحب حماة إلى الرقة إلى خدمة الملك الأشرف وكذلك الملك المظفر شهاب الدين غازي واجتمعوا كلهم بالرقة وعاد كل إلى بلده

سنة تسع عشرة وستمائة
فيها مات ملك الكرج وبقوا بلا ملك كبير وسيروا إلى الملك الأشرف عرفوه بذلك
وفيها مات ابن جميل صاحب المخزن في بغداد
ومات ابن البختري وكان مشارف مخزن
ومات شرف الدين معد
وفيها سار السلطان الملك الأشرف إلى أخيه السلطان الملك الكامل
وأقام عنده وعاد في رمضان
وفيها كان نزول الملك المعظم على حماة وانتقل إلى المعرة وعاد إلى سلمية وجاءته رسالة الكامل والملك الأشرف وسألاه

والحاجب حسام الدين علي كان عنده فأجاب وكف عنها وعاد إلى دمشق
وفيها اجتمع الملك الحافظ وأخوه الملك المظفر غازي على سنجار باتفاق من الملك الأشرف
وفيها مات الوزير نصير الدين بن مهدي الشريف وزير الناصر لدين الله وأقيم عوضه أيام عزله نائبه المكين العجمي وكان ذا نهضة ودراية ولقب بمؤيد الدين ثم توفي الناصر
وولي ولده الظاهر أبقاه على مكانته ثم توفي الظاهر وولي المستنصر أبقاه على مكانته وفي كل الأحوال هو نائب وزارة لا مطلق الوزارة
وفيها منع الملك المسعود بن الملك الكامل صاحب اليمن أعلام الخليفة الناصر من طلوعها قبل سناجق والده الكامل وكاد أن يقع السيف في الحاج ثم بعد ذلك اتفق الحال ووقع الصلح بينه وبين أمير الحاج واعتذر إليه ولبس خلعة الخليفة وركب الفرس المسير برسمه كما جرت العادة


وفيها ملك عليهم الأرمن بعد موت ابن لاوون ابن الأبرنس ودخل في مذهبهم ثم عزلوه بعد مدة قليلة إلى الفرنج واعتقلوه وطلبوا منه أموالا وطلقوا ابنة الملك منه وزوجوها غيره وقد استوفينا ذلك في تاريخنا الكبير
وفيها مات صاحب حصون الإسماعيلية بالشام أسد الدين ووليها أخوه صلاح الدين بقي مدة ومات ثم وليها أخوهما تاج الدين فبقي مدة وسيروا من ألموت عزلوه واستدعوه إليهم وولوا غيره محيي الدين أعجمي حسن السيرة
وفيها أمر السلطان الملك الأشرف بأن تبنى له دار على القلعة الجديدة التي كان السلطان الملك العادل قد أسسها وأبطلها فبنيت عدة آدر
وغرم عليها من الأموال ما يزيد عن الحد وعمل قبالتها بستانا في الجانب القبلي الشامي لم ير مثله فيه أنواع الفواكه الشامية والمصرية والعراقية وغيرها
وفيها عاد الملك الأشرف من الديار المصرية وتلقته الملوك في

طريقه ووصل إلى حلب وسلطن الملك العزيز بن الملك الظاهر وألبسه خلعة الملك الكامل ورفع سنجقا منه أيضا وحمل له الغاشية وكان يوما عظيما
وفيها وصل الملك الأشرف إلى قلعة جعبر وشرب عند أخيه الملك الحافظ فيها ونزلا في الماء إلى الرقة
وفيها تقررت سلمية للملك المظفر عوضا عن حماة التي

سنة عشرين وستمائة
فيها وصل الملك المسعود إقسيس إلى عند أبيه بمصر وصحبته الفيلة والتحف الهندية واليمنية
وفيها وصل رسول ماردين لإتمام الزيجة بينه وبين الملك المعظم
وكان الملك الأشرف الولي عن أخيه الملك المعظم


وفيها تأخرت الأمطار لا سيما عن الجزيرة
وفيها مات الشيخ أبو محمد الأنتاني بتونس من بلد افريقية فوصل الخبر إلى ابن عبد المؤمن أبي يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن فسير إلى الموحدين بالإقامة بتونس السيد أبا العلى عم أبيه وهو من أولاد السيد أبي حفص بن عبد المؤمن وتحالف العربان وكاتبوا أمير المسلمين المايرقي
وكان سجلماسة السيد

أبو زكرياء من أولاد عبد المؤمن والسيد أبو عبد الله بسلا وكان ديانا صالحا
ومات السيد أبو زيد بإشبيلية
وفيها دخل الملك الأنبرور إلى جزيرة صقلية وكان بها قائد من المسلمين وهو الحاكم عليها وسلطانها على جبالها وغيرها وبعض وطاها وكان أصله من بلد المهدية دخلها دون البلوغ وكان لما دخل اتصل بابن فاخر صاحبها فقدمه عنده حسن سيرته وأفعاله وشجاعته وصدق لسانه فأزوجه ابنته وسلم إليه الملك وأقام كذلك إلى آخر التاريخ المذكور
فلما دخل إليه الأنبرور من بلد الألمانية في البحر في عدة مراكب وبألفي فارس وستين ألف راجل وأقام يحاصره ثمانية شهور فاختلف عليه بعض أصحابه وقواد

دولته فخاطبوه على لسان بعضهم بما قالوه له يقوله وهم على الأسوار في الحصار فلما خاطبه بما لا يليق أنكره عليه وقال له كيف تقدم علي بهذا الخطاب فقال إنما هو بلسان الجماعة
فما صدقه وأحضرهم وسألهم
قالوا نحن قلنا له وما قال لك بعض ما قلناه فقال لهم تعودون إلى الأسوار كما كنتم
فلما خرجوا من عنده قتل ذلك الشخص القائل فبلغ أولئك فلبسوا عددهم ودخلوا على الأنبرور وقالوا له تجيء تأخذ البلد
ودخل إلى ابن عباد ولد القاضي قاضي صقلية وقال له المصلحة أن تخرج إلى طاعة الملك وكان ابن عباد متمرضا في نفسه من القتال والسهر فقال والله لا فعلت ذلك خوفا من العار
فلما كان صبيحة تلك الليلة خرج القاضي وابن عباد معه إلى الأنبرور وحضر بين يديه فانتهره وضربه برجله وفيها المهماز شق جنبه وتركه في خيمة ناحية ثم بعد سابع يوم قتله وشق بطنه وأخذ ماله وربط أولاده في أذناب الخيل وتملك الأنبرور الجزيرة وبقيت بقية من القلاع في يد المسلمين في يد بعض أقارب ابن عباد مثل القائد مرزوق وهو ختنه عمل حيلة حسنة وهي أنه سير إلى الأنبرور وقال له تعلم أن ابن عباد

قد راح وما بقي لنا إلا أنت فنفذ إلي ثقاتك وخواصك لأسلم البلاد إليهم والقلاع وننزل إليك فما لنا إلا أنت
فسير الأنبرور أخص الناس عنده وأقربهم إليه مقدر مائة وخمسة عشر نفرا فقتل الجميع وأخذ دوابهم وغلمانهم وقال هؤلاء عوض ابن عباد يا عدو الله
فجرى على الأنبرور ما لا يوصف وبقي الأنبرور على هذه الحالة
وفيها كان في الغرب من الغلاء مالا يعبر عنه بحيث إنهم أكلوا الميتة جميعها وذلك أن المطر انحبس عنهم من سنة ست عشرة إلى سنة تسع عشرة وستمائة
واختلفت القبائل سنتين سنة عشرين وسنة إحدى وعشرين وستمائة
وقلت الخيول عندهم بحيث ان أكثر الموحدين رجالة وكذلك العربان
وكان لهم في الأرض عرق يسمى الرنا شديد البياض كانوا يطبخونه طول ليلهم وما ينضج فإذا أكلوه ما ينهضم عنهم فهلك أكثرهم بهذا العرق
وكانوا مدة هذا الغلاء يصانعون

ملوك الافرنج مثل الأذفنش والبرشنوني والنبري وولد الرنك والبابوج والدوك عن كل يوم ألف ومائتا دينار الألف مقررة للملوك والمائتا دينار لفارس يصل يقبضها منهم جعلوها عوضا عن حصان وعدة
وصرف هذا الذهب نصف دينار بمصري
وكان صاحب البلاد يومئذ السيد أبو اسحاق أخو المنصور

والمسير لهذه الجملة في كل يوم للفرنج السيد أبو عبد الله
وأولاد عبد المؤمن أبدا يهادنون صاحب غانة ويهادونه وهو ملك السودان والبرابر يهدون إليهم الخيل البلق تسمى عندهم الحبارية والجواري الروم والثياب الأشكري ويهدون هم لأولاد عبد المؤمن عوضها التبر في أرقاب الجمال ويسيرون درق اللمط وحمار الوحش والزرافات والخدم البابوجيات وهن أحسن من الهنود وأطيب

سنة إحدى وعشرين وستمائة
كان الغيث قد انحبس في الجزيرة
وفي أول شباط وقع الغيث والثلوج وعمت البلاد ورويت بعد الإياس
وفيها ظهر في السماء نجم بذؤابة كبيرة طويلة في كبد الغرب بقي اثنتي عشرة ليلة


وفيها اشترى الملك الأشرف من تجار حجر بلخش وزنه ستون درهما غير نصف درهم يعرف هذا الفص بالجبل وهو الذي كان لسليمان شاه بن سلجوق بثلاثمائة ألف درهم وصحبته فص آخر وزنه خمسة عشر درهما
وكان عند الملك الأشرف فص بلخش وزنه تسعة وثلاثون درهما ونصف تكملت الحجران مائة درهم وهذا لم ير لملك في هذه الممالك وقد كان التجار شروه من أتابك أزبك وهو الحجر المذكور في التواريخ بالجبل
وفيها قويت الأراجيف بعصيان الملك المظفر شهاب الدين غازي على أخيه الملك الأشرف بأخلاط وهو يمغلط ولا يصدق فيه قولا ويراسله ويهاديه ويلاطفه بالرسل والهدايا ولا يسمع ما يقال

عنه والناس يحملونه على قصده وتمادى الحال في ذلك إلى أن ظهر له عصيانه قولا واحدا فراسله وخوفه قصده له فما أفاد فجمع العساكر من كل مكان وكان قد وصل إلى الرقة إخوة شهاب الدين من أمه وأبيه إلى أخيهم السلطان الملك الأشرف وتوجه قاصده وما زال سائرا إلى ماردين فنزل تحت ماردين ووصل إليه السلطان الملك المنصور ولي أبيه السلطان الملك المجاهد صاحب حمص إلى دنيسر وجاءته الإقامات منها ونزل صاحبها إليه واجتمع به وبات عند بحرزم وعمل دعوة للسلطان الملك الأشرف في موضع جدده تحت ماردين في الجبل وقدم للسلطان ولأصحابه

وإخوته التقادم وغيرها
وجرد عسكره في خدمته ثم توجه منها وجاءه صاحب آمد الملك المسعود وقدم له التقادم وغيرها وفي جملتها خيمة لم ير لأحد من الملوك مثلها عملت في أربع عشرة سنة سيرها الملك الأشرف لأخيه السلطان الملك الكامل وجرد عسكره في خدمته أيضا وساق إلى أخلاط وقد كف عن حصار ميافارقين احتراما لنساء أبيه وسار ونازل أخلاط وخرج إليه جماعة من مقدميها وغيرهم وزحف إليها فأخذها من غير مداومة قتال وملكها وآمن أخاه الملك المظفر شهاب الدين غازي وأحسن إليه وقبل عذره منه وعفا عنه وأعطاه بعد أن حلف له ميافارقين وحاني وجبل جور وذو القرنين وقلب والسناسنة
وكان ابن زين الدين مظفر الدين قد نازل الموصل محاصرا فندب

السلطان الأشرف أخاه الملك الحافظ نور الدين وسير في خدمته العساكر إلى نجدة بدر الدين لؤلؤ أتابك الموصل وتوجه إليها بكرة نهار الجمعة ثالث يوم فتح أخلاط فلما بلغ ابن زين الدين أخذ أخلاط خاف على نفسه ورحل عن الموصل وسار الحافظ إلى أن وصل الجزيرة أقام بها مدة وخدمه صاحبها أتم خدمة بحيث إنه لعب عنده في الميدان بالكرة فنزل الملك المعظم معز الدين بن سنجر شاه ابن أتابك صاحب الجزيرة عن حجرة مثمنة وقدمها بيده وقال هذه يعز عليها السلطان
وكان هذا من أعظم المكارمات
ولم يزل الحافظ إلى أن وصله كتاب السلطان الملك الأشرف إليه فتوجه واجتمع به على حرزم وهناك عيد الملك الأشرف عيد الفطر

وعنده البانياسي رسول الملك الكامل
وفيها مات عز الدين مسعود بن سابق الدين صاحب شيزر وهو آخر من كان بقي من أولاد الداية المعروفين بغلمان نور الدين محمود رحمه الله ووليها بعد ولده شهاب الدين الأعرج
وفيها وقع من قلعة حلب تسعة أبرجة وأبدانها فبناها شهاب الدين أتابك الخادم في أسرع مدة وهم همة ما قدر عليها غيره وحسب جميع ما أنفق عليها من ماله تطوعا
وفيها مات شمس الدين محمود بن قلج من أكابر أمراء الدولة الحلبية

سنة اثنتين وعشرين وستمائة
مات فيها الشهاب خطيب منبج وكان عالما مجيدا
ومات خطيب الرقة وقاضيها المجد إلياس
ومات ابن التيمية شيخ الحنابلة وعالمهم بحران


وفيها وصلت رسل الملك الكامل إلى ملوك الشرق جميعهم بالاتفاق في خدمة الملك الأشرف وتحالف الجميع
وفيها قوي جلال الدين بن السلطان خوارزم شاه بن محمد خوارزم شاه ودخل العراق ونهب وقتل وسبى وكان قد شارف بغداد أقام على قرب بغداد ثمانية عشر يوما وكان الخليفة الناصر لما علم بوصوله سير الفدن إلى الأرض التي تحقق وصوله منها فحرثها وقلبها بحيث لا يبقى لدوابهم ما تأكله فهذا كان سبب عوده عن قصد بغداد ووصل إلى دقوقا فأخذها وخربها وقتل جميع أهلها وانتقل إلى البوازيج أخذ أموالهم وأطلقهم وأخذ خمسة عشر ألف فدان وسيرها بفلاحيها إلى بلاده ووصل إلى الزاب فخاف صاحب إربل

فهاداه وحمل إليه وكاتبه وحلف له فعاد عنها ونزل بمروج شهر زور وتوجه إليه عماد الدين زنكي بن أتابك وقدم ووعده بالموصل وعاد من عنده
وفيها كان الملك المعظم قد سير ولده الملك الناصر داود إلى عند ابن زين الدين زيادة في تأكيد المودة والوثوق وكان ذلك بطلب ابن زين الدين له لأنه قال أريد أجعله ولي عهدي
وفيها وصل الشيخ شهاب الدين السهروردي رسولا من الخليفة الناصر لدين الله إلى الملك الأشرف بالرقة بهدايا وتحف وأشياء ما سمح خلفاء بني العباس لأحد من ملوك الأطراف من أقوال جميلة وطرف جليلة


وفيها مات الملك الأفضل نور الدين بن الملك الناصر صلاح الدين رحمه الله
كان جوادا عالما كريما محبا لأهل العلم والدين أجرى جميع ما كان والده أجراه للناس من صدقة ورسوم رحمه الله وزيجته للضرورة في الستمائة إلى سلاطين الروم بني سلجوق حماية له ممن يقصده
فجاء ولده إلى السلطان الأشرف فخلع عليه وقبل عزاءه وطلبوا رسوله يسمع الخطبة باسمه في سميساط فما وافق وقال لا تغيروا الخطبة عن سلطان الروم السلجوقي والزموا ما كان والدكم عليه في ذلك وطيبوا قلوبكم مني


وفيها وصل رسول أرزن الروم واسمه أبو الفتح جهان شاه بن طغرل بن قلج أرسلان الملقب ركن الدين إلى الملك الأشرف وهو ابن سلجوق يطلب رسولا من عنده يقف على سماع الخطبة باسمه لأن أباه مات وهو عم السلطان علاء الدين كيقباذ فأرسل معه الأمير شروة المعروف بسبع مجانين الكردي أكبر أمراء دولته بهدية حسنة
وفيها مات الصفي محمد بن إسماعيل الكاتب المصري وكان مجيدا
وفيها مات الحكيم صدقة السامري وكان فاضلا في فنه
وفيها هرب أمير الحاج العراقي المعروف بأبي فراس إلى الديار المصرية
وفيها أغارت العربان وقتلوا من التراكمة خلقا عظيما وأخذوا جشار الرقة


وفيها كسر السلطان علاء الدين سلطان الروم الأشكري وأخذ من قلاعه
وكذلك كسر ألكس أيضا الرومي ومسكه
وفيها وصل الملك الجواد مظفر الدين بن مودود بن الملك العادل إلى عمه الملك المعظم بدمشق هاربا من البحر
وتخيل الملك الكامل من أمراء دولته وميلهم إلى أخيه الملك المعظم فمسك منهم جماعة ووقع عنده الاحتراز على الطرقات وغيرها


وفيها مات الوزير صفي الدين بن شكر بالديار المصرية لأنه كان وزر للملك الكامل بعد موت السلطان العادل كان جبارا ظالما جباها منتهكا للناس متعصبا للأراذل ومتعصبا على الأماثل فأخذ السلطان الكامل أولاده واستخرج منهم ما كان أكله أبوهم وعصروا وضربوا ووجدوا بعض ما عملوا
وفيها أمر الملك الأشرف بخراب خمسة أبرجة من سور الرقة قبالة الآدر التي عمرها في القلعة الجديدة
وفيها كان الغلاء قد كثر في البلاد الشرقية وخلت البلاد من فلاحيها وأهلها وحصل في البلاد غلاء والوباء والمرض المختلف إلا أن أكثره بالبرسام بحيث لا يؤخر المريض إلا بعض أسبوع ويموت وفني أكثر الماشية
وفيها مات الأمير سيف الدين بن علم الدين بن جندر كان جوادا شجاعا صالحا ورعا كثير الخير عمارا للمساجد والمدارس والخانات
وفيها أمر الملك المعظم بقطع طريق باب الفرج إلى باب الحديد وسيب الماء في الخندق بحيث منع
وفيها أدار العمارة لسور دمشق وعرضه
وفيها تنكر على أخيه الملك الصالح لشيء بلغه عنه

وأحضره من بصرى وأسكنه دمشق إلى حين موته وكان مقامه بصرى لأنها بلده
وفيها نقص نيل مصر وخاف الناس الغلاء فأحسن السلطان الملك الكامل التدبير ثم عاد زاد بعد ذلك
وفيها وصل مجد الدين قاضي الممالك الحنفي رسولا من ابن خوارزم شاه إلى الملك الأشرف ثم إلى الملك المعظم ثم إلى الملك الكامل وشرب الخمر مع الملك الأشرف والملك المعظم وأحسنا في عطائه وحرمته غاية الإحسان

سنة ثلاث وعشرين وستمائة
كان الحاج فيها في غاية الأمن والرخاء وكثرة المياه وغيرها وكان الحاج الشامي أكثر من العراقي والمصري
وفيها كان الشريف قاسم بن مهدي قد حاصر مكة مجدها الله وحماها وجمع عليها من العربان خلقا وما حصل على بعض غرض

منها
وكان لما نزل من الديار المصرية ألطن بغا قد ترك قماشه وزرده وغبره في البحر ضرب قاسم على الجميع أخذه
وهذا قاسم هو صاحب المدينة المحروسة
وكان قد نزل صحبة هذا ألطن بغا زيادة على من في مكة من العسكر المصري سبعمائة فارس وراجل فقويت بهؤلاء أيضا
وكان هذا قاسم قد أخلى المدينة من أهله وقماشه وجماعته وسيرهم مع العربان إلى العراق خوفا على أهله
وفيها وردت الأخبار بموت الإمام الناصر لدين الله الخليفة وولي بعده ولده ولي عهده الإمام الظاهر بأمر الله بقي في الولاية تسعة أشهر وأربعة عشر يوما ثم مات وكان عادلا ديانا حسن السيرة كريما ورعا في زمانه ترك الحقوق وغيرها وأعاد على الناس ما أخذ لهم في زمان أبيه من مال وملك وطابت قلوب الناس به وسار سيرة حسنة رحمه الله
وولي بعده ابنه الإمام المستنصر بالله أبو جعفر بعد أبيه الظاهر
فأول ما سمع من الإمام المستنصر بالله تعالى صلوات الله عليه نستمد من الله المعونة
هذه أول كلمة سمعت منه عند مبايعته بالخلافة في السنة المذكورة


وكانت قد وردت رسل الإمام الظاهر إلى البلاد الإسلامية وخطب له فيها فكانت رسله إلى الشام محيي الدين يوسف بن أبي الفرج ابن الجوزي ومملوك من مماليك الخليفة تركي يقال له شمس الدين
وكان رسول الملك الأشرف إلى الإمام الظاهر في العزاء والهناء بدر الدين عثمان
وسير الملك المعظم في ذلك القاضي الأشرف بن القاضي الفاضل رحمه الله فأكرم إكراما زائدا وذلك لأبيه زيادة على

مرسله
وسير الملك الكامل في ذلك المعين بن شيخ الشيوخ بن حمويه
واتفق موت الظاهر وخلافة المستنصر وهو عند الملك الأشرف وسير استأذن الكامل فيما يفعله فأمره بالمسير وتعزية الامام المستنصر بوالده وجده وتهنئته فسار
الكلمات التي قالها ابن شيخ الشيوخ رسول الكامل بين يدي الوزير مؤيد الدين نيابة عن الملك الكامل عبد الدولة المقدسة النبوية المستنصرية يقبل العتبات التي يستشفي بتقبيل ثراها ويستكفي بتمسكه من عبوديتها بأوثق عراها ويوالي شكر الله تعالى على إماطة ليل العزاء الذي عم مصابه بصبح الهناء الذي تم نصابه حتى تزحزح عن شمس الهدى شفق الإشفاق وصوح بيت رد كأنفق النفاق وامتازت الخلافة المعظمة من

مستنصرها بالمثل الأعلى وفاز عبد دولتها من ولاتها بالقدح المعلى فجعل الله كلمتها العليا وكلمة معاديها السفلى وزادها شرفا في الآخرة والأولى
ثم قعد
ثم سير الملك الأشرف إلى الإمام المستنصر للهناء والعزاء فلك الدين بن المسيري المصري المعروف فأكرم غاية الإكرام وبولغ في تلقيه والإحسان إليه
وسير الملك المعظم ناصر الدين بن أيمر أحد خواص دولته

وفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة
مرض الملك المعظم مرضته التي كان بلغ فيها الموت ولما أبل عمل الناس الهناء وزينوا البلد أحسن زينة بالمغاني وغيرهن ودام

الناس على ذلك ليلا ونهارا مدة عشرة أيام وكان عنده قاضي الممالك الخوارزمي فرأى من ذلك ما أهاله ووردت عليه الرسل بالهناء من البلاد حتى إنه خشي على تشويش الساحل فسير كاتبه عرفهم أنه في علي عافيته ورسل الخليفة الظاهر لما وردوا عليه كان في عقابيل مرضته
وفيها وصل رسول كبير من ابن خوارزم شاه إلى الملك المعظم وخلع على المعظم وأعطاه سنجقا وأضاف إلى السنجق حربتين

وسيفا وصار الملك المعظم يركب بسنجق الخليفة وسنجق ابن خوارزم شاه بمحضر من رسل الخليفة
وفيها ورد رسول سلطان الروم علاء الدين بقود كثير وتقدمة للملك الكامل والمعظم وأدى رسالته على المعظم فما أجاب عنها فما قبل طعامه ولا هو قبل هديته وتوجه إلى الكامل
وفيها عاد القاضي النجم قاضي العسكر الدمشقي من عند سلطان الروم
وفيها مات القاضي الجمال المصري الذي كان وكيلا أولا

وصار قاضيا بدمشق وقبر في داره وتحدث جماعة في القضاء من الأماثل وغيرهم وبذلوا أموالا وما قبل منهم وولي القضاء لرجل أعجمي يقال له الشمس الخويي كان في بعض المدارس وذكرت عنه أشياء وذكر أن المعظم رآه وسمعه فيها وولاه أيضا مع ذلك مدرسة والده وحضر دروسه
وفيها ورد الملك الأمجد صاحب بعلبك لهناء الملك المعظم

بعافيته وكتب مهر ابنته على الملك المغيث بن الملك المغيث بن الملك العادل وكان عظيما وكل هذا وقاضي الممالك حاضره
وفيها
قبض الملك الأشرف على صاحب ديوانه علاء الدين بن الرام ثم أفرج عنه ومسك جماعة من ولاته
وفيها قبض الملك الناصر صاحب حماة على قاضي بلده المعروف ب ابن القطب وبابن المقيشع وأهانه وعصره كاللصوص بالمعاصير وهرب منه واعتصم عليه بصهيون لما كان شاع عنه من أعمال لا يليق به فعلها
وفيها توجه قاضي الممالك إلى صاحبه وقد أكرمه المعظم غاية الإكرام حتى إنه سير معه لمخدومه ثلاثة آلاف قوس عمل دمشق وهذا قاضي الممالك الذي كان أرسله الخوارزمي إلى ملوك الشام كان فاسقا خمارا زانيا محللا شرب الخمر وغيره كثير التبرج بالمحارم
ولما عاد إلى مخدومه الخوارزمي أنكر عليه ذلك وأخذ أمواله وقبض

عليه بقي مدة ثم شفع في حقه فأطلقه ومات بعد موت الخوارزمي بمدة يسيرة بعد وصوله إلى حلب وأخذ صدقة من أتابك حلب طغرل
وفيها عاد الشرف بن عنين الشاعر المعروف بالهجاء الدمشقي من جواب رسالته من إربل
وفيها مات القاضي نجم الدين نائب قاضي حلب المعروف بابن الحجاج وولي بعده الزين بن الأستاذ
وفيها ولي القضاء بحماة الشهاب إبراهيم بن أبي الدم


وفيها وقع الإرجاف بأن صاحب حماة وقع وهلك وطلبوا أخاه بكتاب زور وهو بدمشق فتوجه بعد ذلك برأي الملك المعظم وتجهيزه وعاد من غير صحة
وفيها كان الملك المعظم بعد عوده من هذه القضية قد نزل على قرية من قرى دمشق يتصيد بها فورد عليه رسول مظفر الدين صاحب إربل ب أنني قد خرجت إلى الموصل فتخرج أنت إلى البلاد وتأخذها
فقبل رأيه وتجهز ووصل إلى حمص فأقام عليها مدة محاصرا وتراسل هو وصاحبها الملك المجاهد عدة طرق فلم يجب
وكان أعطاه بانياس ونابلس وخمسمائة فارس وقال له أطلع إلى عندك إلى القلعة وخذني بخادم واحد واستحلفني على ما تريد وأنا ما أحلفك ولا أريد أن تسير صحبتي إلا بعض أولادك لا غير

فما وافق على ذلك
وكانت النجدة قد وصلته من حلب وحمص في غاية القوة فأخربوا بلدها وطواحينها وأفسدوا فيها وتراسل الملك الأشرف

وأخوه الملك المعظم بعد أن كان الملك الأشرف قد توجه إلى ماردين وغيرها من معاهدي المعظم فاتفق الحال بينهم على الاجتماع وكل من يرحل عن الموضع الذي هو محاصره ووقع الاتفاق بينهما على ذلك ووصل الملك الأشرف وتلقاه أخوه الملك المعظم على القريتين من بلد حمص وتصيدا ودخلا إلى دمشق ثاني عشر رمضان من هذه السنة المذكورة ووصلت رسل حمص وحلب وحماة إليهما
أقاموا عندهم مدة طويلة وحلف الملك المعظم بحماة وبحلب وما حلف بحمص ولا أزال نوابه عن قارا ولا عن الوادي الشرقي الذي للملك المجاهد وكذلك النبك ثم أقاما بدمشق وعادا إلى القريتين للصيد والرسل ترد عليهما من الأطراف ووصل إليهما الزكي بن العجمي من جواب رسالة الخوارزمي ووصل فلك الدين بن المسيري في جواب الخليفة ووصل المعين بن شيخ الشيوخ من عند الخليفة أيضا
كل هؤلاء وصولهم إلى القريتين


وفيها عاد العماد وزير الجزيرة من الملك الكامل في جواب ما كان سيره به الملك الأشرف وكذلك بدر الدين عثمان
وفيها مات أبو سعيد الجعبري الذي كان والي قلعة دمشق بدوزنطاريا كان شيعيا سبابا جباها كذابا دهريا وولي بعده الخادم شبل الدولة
وفيها مات الخادم شبل الدولة المعروف بست الشام أخت السلطان صلاح الدين كان دينا صالحا عمر المدرسة المعروفة بالصالحيين بظاهر دمشق حنفية وأحسن وقفها وعمارتها


وفيها مات المبارز المعتمد الذي كان شحنة دمشق وسيرته مشهورة معروفة
وفيها عاد الملك المسعود أقسيس بن الملك الكامل إلى اليمن بعد كل جهد من والده
وفيها وردت الأخبار بأخذ ابن خوارزم شاه تفليس وقتل أكثر الكرج
وفيها عزم الملك الأشرف على طلوعه الديار المصرية غير مرة ما يمكنه المعظم من ذلك

ثم دخلت سنة أربع وعشرين وستمائة
والملك المعظم والملك الأشرف على ما هما عليه بدمشق من الاجتماع في الملاذ وغيرها
وفيها وردت الأخبار أن عسكر الخوارزمي في أواخر سنة ثلاث وعشرين وستمائة كانوا قد قصدوا خلاط وهجموها وبلغوا فيها إلى سوق الدقيق وأن الناس تحايوا ونصحوا وقاتلوا أشد قتال وأخرجوهم منها عنوة ورحلوا عنها لكن بعد خراب كثير وقع في البلد
وقيل إن أهل أخلاط هم الذين كانوا استدعوا الخوارزمي ليسلموها إليه ثم عادوا عن قولهم فعاد الحاجب علي بعد رحيلهم حصنها ونقل إليها العدد والغلال وحشدها خيالة ورجالة وبقيت في أتم حصانة
وفيها عاد الملك الناصر داود من إربل إلى أبيه الملك المعظم وتلقاه عمه السلطان الأشرف
وفيها كانت الأخبار قد حققت بعود علاء الدين من حصار صاحب آمد بعد أن أخذ الكختين ومواضع أخر مثل حصن

منصور وغيرها إلى بلاده
وكان الملك الحافظ نور الدين قد توجه منجدا لصاحب آمد هو وعز الدين أيبك الأشرفي ووقع ابن بدر وأخذه العسكر الرومي وكان في سنة ثلاث وعشرين وقع هذا
وفيها كان صاحب ماردين قد خطب للرومي وعاد في خدمته
وفيها وصل قاضي حصن كيفا إلى الملك الأشرف يخبره أن صاحب آمد في خدمته وأنه ما عاد إلى الرومي كما نقل عنه
وفيها وصل بدر الدين عثمان أخو الحاجب علي والغرس

مبارك المعظمي الذي كان بسجن دمشق برسالة من الملك المعظم والملك الأشرف إلى الملك الناصر صاحب حماة وإلى أتابك حلب لا غير فما وقع الجواب مرضيا لقولهما
وفيها عاد النجم خليل الحموي قاضي العسكر من عند خوارزم شاه وقد كان له عنده مدة تسعة شهور وحكى من جوره وظلمه وجبروته وعظمته مالا سمع عن غيره وفارقه متوجها إلى كنجة وسار صحبته مملوك المعظم المعروف بالبركين
وفيها مات المهذب السامري الحكيم الذي كان عند الملك الأمجد صاحب بعلبك الذي كان الناس قد عملوا الأشعار في الأمجد

بسبب عشقه له ومحبته فمن جملتهم الشهاب فتيان النحوي الشاغوري رحمه الله عمل
( الملك الأمجد الذي شهدت ** له جميع الملوك بالفضل )
( أصبح في السامري معتقدا ** معتقد السامري في العجل ) (1)
وفيها وصل الكمال بن مهاجر الموصلي المعروف بالدين والزهد والورع من بدر الدين لؤلؤ أتابك الموصل وقد كان وزيره إلى الملك الأشرف والملك المعظم وهما بدمشق بقود وهدية وأقمشة وغيرها وهو كبير القدر كثير المال والمعروف وله الصدقات الدارة وبناء الطرقات والخانات وأوقف الوقوف فتلقي بحلب 1- المنسرح

أحسن تلق وحمل إليه أشياء فلم يقبل شيئا من أحد ولا أكل طعامه وتوجه إلى حمص وتلقاه الملك المجاهد صاحب حمص وحمل له وأضافه وبالغ في إكرامه ووداعه ثم توجه إلى دمشق
وفيها كان وصل إلى صاحب الموصل رسالة من الإمام المستنصر يطيب قلبه ويبسط أمله ويعده بكل جميل لا سيما عن صاحب إربل ووصل إليه أيضا رسول السلطان علاء الدين كيقباذ سلطان الروم في معنى التعاضد على الخوارزمي والتعجب من تأخر الملك الأشرف عند أخيه في مثل هذا المهم
وفيها قبض بدر الدين لؤلؤ على أولاد بلس وذلك بعد اتفاقه مع ابن زبن الدين صاحب إربل على ذلك وأخذ جميع أموالهم وكانت كثيرة
وفيها عاد ناصر الدين بن أيمر من عند الإمام المستنصر إلى مخدومه المعظم
وفيها عاد كريم الدين المعروف بالخلاطي من عند سلطان

الروم كيقباذ إلى صاحبه المعظم بجوابه
وفيها عاد الملك الجواد بن مودود بن الملك العادل إلى الديار المصرية بطلب عمه الملك الكامل له ورضا أعمامه الملك الأشرف والمعظم فتلقاه وضاعف إكرامه
وفيها كانت الوقعة بين الأمير مانع بن حديثة وابن عمه الأمير منيع على يرعم ببلد بارين فطعن منيع طعنة بلغت منه وحمله مانع إلى بيوته وسير الملك المجاهد جرائحيا من عنده لعلاجه فصلح
ومات الأمير حلو من أصحاب منيع وطرح منهم جماعة مانع مائة وثمانين شخصا وكانت وقعة عظيمة كان أصلها منيع لأن مانع قال له عند الالتقاء كف الشر واحقن الدماء فأبى إلا

السيف والبغي فحمل مانع بجماعته على منيع وأصحابه فرموهم إلى الأرض وجرى من القتل والجرح والموت والهرب ما اشتهر في الناس وهذه عاقبة البغي
ثم رحل بقية أصحاب منيع إلى بلد بعلبك وصاروا يتخطفون الناس فمن جملة فعلهم وإقدامهم أنهم وقعوا على البهاء ابن رسلان بغا وهو في قرية يقال لها قطينة بقرب بحيرة قدس من بلد حمص ليلا فأخذوا قماشه وجرحوه ومماليكه وأصبح فقيرا وكم لهم من فعل قبيح هذا أقله
وفيها كان الملك المعظم والملك الأشرف قد توجها إلى الغور للصيد والتفرج وغيره أقاما مدة ثم عادا إلى خربة اللصوص بدمشق أقاما فيها
وفيها في آذار في العشرين منه وقع من الثلج والأمطار والأهوية ما لا يحد ولا رؤي من الأعمار وتلف بعض الأشجار
وفيها شرعوا في إعادة عمارة البرج الذي كان بسلمية

وخربه الملك المنصور محمد بن تقي الدين رحمه الله وذلك بأمر الملك الكامل وإشارته لصاحبها وهو الملك المظفر محمود المقدم ذكره
وفيها شرع السلطان الملك المجاهد صاحب حمص في حفر خندق القلعة وتعميقه وتوسعته وحصانته لأنه من الثغور الإسلامية المندوب إلى حصانته وقد كانت قلعة حمص أيضا قبل ذلك مترجلة صغيرة فعلاها وكبرها وحصنها وكم عني بها من أتم عناية لله تعالى وساق إلى حمص المياه وأطاعه في ذلك العاصي الذي لم يطع قبله لغيره من الملوك
وفيها وقع بين صاحب حماة الناصر وصاحب شيزر شهاب الدين الأعرج على ضامنة اللطف وقصده الناصر وخرب شيزر ونهبها وقتل منها إلى أن وصل من الملك الأشرف رسول بالصلح بينهما
وفيها عاد الحجاج ووصفوا من الرخص وكثرة المياه والأمن ما تجاوز الوصف وانباع الليمون الأخضر في الطريق برخصه في الساحل


وفيها وقع الصلح بين مانع بن حديثة وابن عمه منيع بن توبة وذلك بإشارة السلطان الملك المجاهد صاحب حمص
وفيها عاد الملك الظافر خضر المعروف بالمشمر لدين الله بن صلاح الدين رحمه الله من عند أولاد عمه العادل من دمشق فأحسن إليه الملك المجاهد وأعطاه نفقة سنية وحمل إليه الإقامة الكثيرة إلى حين انفصاله
وفيها عاود الملك المعظم بن العادل مرضه وهو نازل بخربة اللصوص من بلد دمشق
وفيها وردت الأخبار من البحر أن البابا أعطى الملك الذي كان صاحب عكا اثني عشر بلدا وكان الملك الأمبراطور قد

تزوج ابنة هذا الملك المذكور وبقيت عكا له ورتب نائبه فيها
وفيها مات ملك الإفرنس وكان يحاصر بلد صنجيل وهو بلد البطلانية والبطلانية عند الفرنج كالنصيرية عند المسلمين فاجتمع الأكابر ومحتشمو الخيالة ورتبوا ولده في الملك عليهم

ولازموا حصار من كانوا عليهم ورتبوا الصبي بالا وهو مثل أتابك العسكر
وفيها عاد خصبك ابن صاحب تكريت من العجم وخبر أن الخوارزمي تأخر عن حركته بسبب من قام عليه في تلك الخطة
وفيها توفي نور الدين بن عماد الدين الذي كان صاحب قرقيسيا وأخذها الملك المعظم منه بدمشق
وفيها وردت الأخبار بأن الاسماعيلية قتلوا خال الخوارزمي ووصلت رسلهم إلى الأشرف بذلك
وفيها اتفق الأشرف وأخوه المعظم على ما جرى بينهما وسيروا الكمال بن مهاجر إلى السلطان الملك المجاهد وإلى الناصر صاحب حماة وأتابك حلب بصورة ما وقع به الاتفاق بينهما فما وافقوا على شيء منه وشرعوا في عمارة بلادهم وتحصينها
وفيها وردت الأخبار إلى الشام بإنفاق السلطان الكامل الأموال في عسكره وخروجه


وفيها وردت الأخبار أن الخليفة المستنصر بالله قتل رشيق الشرابي ورتب عوضه كافور أحد خدام أبيه ثم بعد ذلك توجه الخليفة إلى الحديثة للتفرج بقي أياما فغلا السعر ببغداد بلغه ذلك فعاد إليها وأعاد السعر إلى حاله
وفيها في شهر جمادى الآخرة ودع الأشرف أخاه المعظم من المنزلة عائدا إلى بلاده الشرقية بعد الإرجاف بقبض المعظم له قطعا
وفيها في الشهر بعينه بعد انفصال الأشرف عاد كيميار رسول الرومي إلى مخدومه
فتلقاه الملك المجاهد وأولاده ولي عهده الملك المنصور ابراهيم واخوته وأحسن إليه
وفيها في الشهر أيضا غارت العرب وهم غزية البطنين وغيرهم على بلد حمص وأخذوا حتى غنم أهل البلد فوقع الصوت وركب العسكر وتبعوا العربان إلى معظم الطريق وكان فيهم قوة

ومنعة لكثرتهم فعاد عنهم بمراسلة جرت بينهم وذلك توفيقا من الله لحقن الدماء
ثم بعد ذلك أمر المعظم عربه أن يغيروا على بلد حمص وحماة وسلمية وبارين فجاءوا ونزلوا الزراعة من أرض حمص وأرض جوسية الخربة والقصب ومكثوا أياما يغيرون على البلاد ويعودون إلى منازلهم والملك المجاهد مهمل لهم فلما طمعوا ركب إليهم بمن معه وأولاده وأذن لأهل بلده في النهب وأطمعهم فما كان بأقل من نصف نهار حتى نهبوهم وسبوهم وقتلوا وجرحوا خلقا وكان مانع بن حديثة يومئذ قد وصل إلى خدمته فحضر الوقعة أيضا وكان عند العرب المذكورين مملوك المعظم سنجر أمير العرب فرحلوا غصبا وكاتبوا المعظم بما جرى فصعب

عليه وأمرهم بنزولهم الغوطة خوفا عليهم وعاتب الملك المجاهد في ذلك فأجابه جوابا سادا ثم توجه المعظم في ضمن هذا إلى صفت وكوكب وتبنين وغيرها ليخرب بقية أساساتها وسد صهاريج الماء بالقدس خوفا لما بلغه من حركة الفرنج
وفيها توجه السلطان الملك المنصور ابراهيم بن السلطان الملك المجاهد صاحب حمص وهو ولي عهد أبيه إلى حلب وإلى الأشرف طالبا نجدة ليجهز إليه من العسكر العدة المقررة لالتقاء المعظم وعاد ووصل من العدة جماعة من عسكر حلب إلى حمص مثل شهاب الدين بن مجلي الهكاري ومظفر الدين بن جرديك وغيرهما
وفيها عاد رسول الملك المجاهد صاحب حمص من عند الرومي وأخبره بمن عنده من الرسل المجتمعة من الخليفة وسائر الملوك وأنه حلف لصاحب آمد وقد كان رسوله أقام مدة فلما تحقق وصول رسول الأشرف وهو الزكي بن العجمي حلف قبل وصوله

حنقا على الأشرف وأنهم في ترقب وصول كريم الدين الخلاطي من المعظم
وفيها توجه رسولا من أتابك حلب إلى الرومي بدر الدين ابن أبي الهيجاء الدقيق في الخطبة
وجملة ما كان قد أخذه السلطان الملك المجاهد ومانع عنده والتركمان من العربان خمسة آلاف جمل خارجا عن الأغنام والخيول والأقمشة وغيرها
وعاد مانع بن حديثة من خدمة الملك المجاهد

صاحب حمص بما حصل له من الغنيمة في الوقعة المقدم ذكرها إلى أصحابه على الفردوس من بلد حلب بعد وقعة كانت جرت لعربه ولأخيه علي مع عسكر حماة وظفرهم بهم ولولا عسكر حلب لم يبق من عسكر حماة بقية وخربوا بلد حماة والمعرة وقطعوا الطرقات
وفيها طهر السلطان الملك المجاهد بقية أولاده الصغار وهما الملك الزاهر داود والملك الأفضل موسى
وفيها كان مجد الدين متولي حصون الإسماعيلية بالشام قد سير إلى ملك الروم علاء الدين كيقباذ يطلب منه المقرر لهم عليه وهو ألفا دينار التي كانت جرت عادتهم بحملها إلى ألموت فأبوا

ذلك وسير الرومي إلى جلال الدين بألموت في ذلك فقال له تحملها إليهم بالشام فقد عيناها لهم ذخيرة فحملوها
وفيها وصل نجم الدين رسول الروم وهو المهمندار واجتمع به السلطان الملك المجاهد في جواب رسالته وفاوضه وقال قد وصلت من صاحبي في قضاء شغلك مع المعظم وإزالة اعتراضه على جميع مالك
وكان عند وصوله قد تجهزت سرية عظيمة إلى بلد حماة وغيرها من عرب المعظم فأخذ خبرهم الملك المجاهد وركب خلفهم وتبعهم بنفسه وأولاده فأخذوهم وقتلوا منهم عالما واستعادوا غنائم كانوا قد غنموها من حماة وغيرها
وفيها في شعبان وصل ولدا شيخ الشيوخ وهما الكمال

والمعين من عند السلطان الملك الكامل وقاضي العسكر المصري الشريف الحسيني رسلا إلى المعظم وأن الرسالة تؤدى بعد أن يقف عليها الكمال بن شيخ الشيوخ ثم يعود قاضي العسكر إلى مصر ويتم الكمال والمعين إلى حمص ويؤدي الكمال الرسالة إلى السلطان الملك المجاهد فتلقاهم الملك المجاهد بأولاده وأنزلهم في دار الملك المنصور تحت القلعة وأكرمهم غاية الإكرام وأدى الكمال رسالته وسار أخوه المعين إلى بغداد لأنه ما كان معه رسالة إلى غير الخليفة
وأما الكمال فإنه تأخر بحمص وقال ما كان حمله وفي جملته إن مخدومي قال تعرف الملك المجاهد صورة ما جرى منا ومن المعظم ومهما أشار به يكون العمل بمقتضاه فقرر الملك المجاهد معه ما وقع الاتفاق عليه وتوجه إلى حماة وإلى الأشرف وإلى بدر الدين لؤلؤ الموصل وأخبر المذكور بأن

قد وصل رسول الأمبراطور ومعه من التحف وغيرها والخيول ما لا يحد ولا يوصف وأن السلطان الملك الكامل اهتم له غاية الاهتمام من حسن ترتيب وإقامة وغيرها وأنه أحضر له من مراكبيه عدة بالذهب وغيره وأن الكامل سير فرس الأمبراطور الخاص بعينه إلى ابن الملك الظاهر بحلب وأشياء معه وأنه قد شرع في عمل هدية لم يسمع بمثلها ويسير بها جمال الدين إسماعيل بن منقذ في الجواب وقد ذكرنا هذا وغيره من الوقائع في كتابنا التاريخ الموسوم بالكشف والبيان في حوادث الزمان لأن هذا التاريخ في غاية الاختصار كما شرطنا


وفيها وصل رسول الأشكري في البحر إلى السلطان الملك الكامل وبذل من نفسه
وفيها وصل رسول من الامبراطور وهو نائبه بعكا إلى المعظم بهدية حسنة وكان رسول الامبراطور وصل وطلب الساحل من الكامل


وفيها أصلح هذا الرسول بين الأبرنس والديوية والاسبتار فإنهم كانوا قد حرموه
وفيها وصل رسول الخوارزمي واجتمع بالملك المجاهد وعلى يده إليه كتاب إليه من وزيره خواجا جهان يتضمن ما جرى لهم مع الكافر وأنه في عزم المضي إليه لاستقصاء شأفته وذكر أنه كان على يده هدية في جملتها ثلاثة أسارى من الذين أخذوهم وعدة إلى المعظم وأنهم اتهموا بغدي مملوك أتابك أزبك بأنه تبعهم بعد انفصاله عن الأشرف وأخذهم


وفيها وصل رسول الامبراطور إلى الإسماعيلية بالحصون الشامية بجواب رسالتهم إليه وعلى يده هدية بما يناهز ثمانين ألف دينار فقال لهم مجد الدين متولي الحصون الطريق إلى ألموت وجلال الدين غير طيبة من الخوارزمي وغيره ونخاف عليكم فتوقفوا إلى حين صلاح الطريق واتركوا ما معكم عندنا وديعة لكم والغرض حفظ نفسه وأمانه منا وهذا أماننا له
وحلف لهم وأعطاهم قميصه أمانا وهذه عادتهم
وفيها سير الاستبار يطلبون قطيعة من الاسماعيلية قالوا لهم ملككم الامبراطور يعطينا وأنتم تأخذون منا ومنعوهم فأغاروا عليهم وأخذوا من بلدهم جملة
وفيها اتفق عيد رمضان وعيد اليهود وعيد النصارى وهذا عجيب عجيب
وفيها كانت وقعة بين التركمان وصاحب آمد وظهر عليه التركمان


وفيها كان قد اجتمع الملك المنصور صاحب ماردين والملك المسعود صاحب آمد وجاء كل واحد منهم إلى بعض الطريق وأكلا وشربا وتحالفا واتفقا بعدما كان بينهما من الشحناء والبغضاء وذلك برأي الملك المعظم صاحب دمشق ورأي صاحب إربل
وفيها حج الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الملك العادل على البرية وودعه أخوه الأشرف ولما عاد تلقاه أقام عنده أياما وعاد إلى بلده ميافارقين وغيرها
وفيها اهتم الفرنج بعمارة قيسارية الشام
وفيها ورد الخبر بأن الحاجب علي بن حماد صاحب الدولة الأشرفية ونائبه بخلاط توجه إلى بلاد العجم فنزل سقماواناه فبلغه أن الوزير خواجاجهان وهو وزير السلطان الخوارزمي

وصل إلى شميران بثلاثة آلاف فارس ونزل عليها فجرد الحاجب علي العسكر من أول الليل وساق في ليلته وأصبح عليهم بشميران وساق عليهم فكسرهم وأخذ أحمالهم وكوساتهم ولم يفلت منهم إلا خواجاجهان بستة نفر وتسلم الحاجب علي خوي وسار يتسلم غيرها
وفيها كان موت الملك المعظم بدمشق وولي ولده الملك الناصر
وفيها وصل العماد أحمد بن موسك إلى الملك الأشرف

وهو بسنجار وصحبته رسول الخوارزمي الذي كان بدمشق لما مات المعظم
وفيها هرب بغدي من حران إلى الخوارزمي وسبب ذلك أنه كان له حوالة وصار كل وقت يطلبها فقال بدر الدين قابيا الأشرفي وهو يومئذ نائبه في البلاد قولا قبيحا عن بغدي فلما بلغه هرب والتحق بالخوارزمي وكان بغدي في غاية الوبال على الناس هربته وكان قد عرف البلاد وتحقق العساكر بها ومن فيها

ثم دخلت سنة خمس وعشرين وستمائة
والأشرف بسنجار


وفيها وصل رسول الأربلي يستصلحه فانصلح له
وفيها وصل إليه الملك المنصور بن الملك المجاهد والركن الهيجاوي ووصل كتاب مجير الدين الملك المعز بن الملك العادل بأنهم قد ملكوا نقجوان ومدينة أرمية وخطبوا للأشرف فيها
وفيها ورد الخبر بأن بغدي تملك ثلاث قلاع وكذلك ورد الخبر أن الرومي ملك قلعة عظيمة بعد حصارها ثمانية أيام ثم عاد

الأشكري صاففه فكسر الرومي وأخذ جماعة من عسكر الرومي وقهره
وفيها عاد الحاج وقد وجدوا شدة عظيمة من موت أجمالهم والعطش
وفيها توجهت أم الملك الناصر بن المعظم من دمشق إلى الكرك
وفيها عمر الفرنج صيدا بغير رضى من في الساحل لأن الفرنج الغرباء الذين وصلوا من الجزائر عمروها
وفيها وصل الحاجب علي بن حماد إلى الأشرف بنصيبين وعرفه صورة ما جرى له في العجم ويحثه على نزوله إلى خلاط لا غير ليملك العجم فإن أهل توريز وغيرها قالوا إذا جاء الملك

الأشرف سلمنا إليه البلاد ومع هذا فأنكر عليه الأشرف وصوله إليه خوفا على البلاد ووعده بنزوله إلى خلاط وأعاده إليها فعاد
وسير الملك الأشرف إلى أخيه الحافظ يأمره بأنه ينزل يقيم بحران وأن عز الدين نفذنا إليه بمن معه يكون عندك بها وكذلك الكمال بن مهاجر فامتثل أمره وسير أصحابه إلى حران
وفيها وصل فخر الدين أبو شعرة وابن شيخ الشيوخ من السلطان الكامل بالخلع والسنجق
وسلطنوا الملك الناصر وعملوا في خدمته الغاشية وكذلك أعمامه الملك العزيز والصالح ووصل معهم خلعة للسلطان الملك المجاهد أيضا وأصلحوا بينه وبين الملك الناصر
وفيها حلف الأشرف لابن أخيه الناصر ولصاحب آمد أيضا
وفيها سير الأشرف الركن أمير جانداره بهدية إلى الخليفة وعاد جواب الخليفة إلى الأشرف بسنجار يأمره بأن لا يتغير منها

إلى أن يأمره فتأخر بعد تحقيق حركته إلى العجم وكان ذلك سبب حرمانه العجم
وفيها أفرج الناصر عن الوادي الشرقي وجميع ما كان لصاحب حمص السلطان الملك المجاهد
وفيها أغار الملك العزيز عثمان بن العادل على صور وأخذ منها جماعة أسارى وفعل في ذلك فعلا عظيما
وفيها زاد ظلم الملك الناصر بحماة إلى غاية وطرح على الرعية أغناما وغلة ما يناهز خمسة آلاف مكوك بأكثر الأسعار
وفيها خرب دارا لأحد بني قرناص كانت عامرة حسنة
وفيها هجم الملك العزيز بن العادل بعلبك طامعا بمخامرة من أهلها لكراهيتهم في الملك الأمجد صاحبهم لظلمه وعسفه لهم وفسقه وجوره فلما علم بهم قتل من بلده جماعة بسبب ذلك
وفيها وقع بين ناصر دمشق وعمه العزيز ومملوك أبيه أيبك صاحب صرخد وسير الملك الناصر إلى عمه الأشرف يستنجده


وفيها عاد الأشرف من نصيبين بعد استصلاحه لصاحب ماردين بحيث أنه بذل له بلد نصيبين أو رأس عين الخابور أو الموزر وجملين ليحلف له ولم يوافق لأنه طلب دارا فأعطاه بلدها
فأبى وقال أريد القلعة وأخربها وأحلف فما وافقه الأشرف عليها
وكان رسول الديوان أيضا قد دخل في هذه القضية وما وافق
وكان الأشرف قد جهز عسكرا إلى خلاط بعد كسرة كسروها وكان الحاكم فيها بغدي وخواجاجهان
وفيها أخذ صاحب الروم كيقباذ أرزنجان بعملة طريفة ذكرناها في التاريخ الكبير وغيرها لما شرطنا هاهنا من الاختصار


وفيها عاد الامبراطور إلى قبرص وملكها وعمل عملة على صاحب بيروت ليقبضه فما تمت عليه وقبض البال الذي فيها وخافته الديوية وجميع من في الساحل
وفيها وصل سيف الدين بن قلج بحران يخبر الأشرف بصورة الرسالة التي وردت إليهم من السلطان الملك الكامل ويطلب ألف فارس وأنهم ما وافقوه على ما طلبه وأن الناصر بحماة ما وافق أيضا
وفيها عاد ابن قاسم الدين من بعلبك وحمص لإصلاح ما كان بينهما
وفيها توجه أبو منصور بن الزيد رسول الإسماعيلية إلى حلب يخبرهم بصورة رسالة الامبراطور إليهم بما طيب به قلوبهم ووعدهم ويقول لأتابك حلب إن أنتم اتفقتم مع الساحليين انتصرتم عليه وإن كنتم عاجزين عرفونا لنصلح أحوالنا معه


وفيها وقعت واقعة بين عسكر خلاط وبغدي على بيكري وكسر عسكر الأشرف بهم وجرحوا تاج الملوك بن العادل في خده جرحا نسر ومات منه عند أمه بميافارقين وكان الحاجب علي قد جمع العسكر قاصدا الخوارزمي فأعاقه الرومي بأخذه لأرزنجان خوفا على أرزن الروم لأن صاحبها كان في خدمة الأشرف وكان قد خطب له كما تقدم
وفيها وصل الملك الكامل بعساكره ونزل على تل العجول فخافه الناصر صاحب دمشق فتحصن وحلف رعيته وعاد إليه عمه الصالح وكذلك عز الدين أيبك مملوك والده وتخلف عنه عمه العزيز فسير الناصر ابن القاضي الفاضل إلى عمه الأشرف يستحثه للوصول إليه


وفيها ورد الخبر بمضي الخوارزمي الى ألموت في طلب أخيه غياث الدين لأنه كان انهزم منه وقال لهم ان دفعتم أخي الي فلا كلام وإلا خربت بلادكم وغيرها فما سلموه إليه
وفيها في ثالث رمضان وصل الأشرف قاصدا دمشق إلى نجدة الناصر كما طلبه فاجتمع به في الطريق بأرض سلمية الناصر بحماة وحمل إليه وقدم له ذهبا وغيره ثم اجتمع به السلطان الملك المجاهد وحمل له وقدم جملة وكان عمل شغلة ليسير في خدمته فمنعه من ذلك وقال له المصلحة إقامتك بحمص فإن دعت الحاجة إلى حضورك نطلبك فأجابه وعاد إلى حمص بأولاده وعسكره ووصل الأشرف إلى دمشق وتلقاه الناصر وأنزله في القلعة وحمل إليه جميع مفاتيح الخزائن القلاع وأحضر أخواته إليه وقال نحن مماليك مولانا وعبيده وأيتامه مهما حكمت سمعا وطاعة
وورد الخبر بأن الأمبراطور يشتي في الجزائر وسار إليه الإبرنس بعد أن كان قد أخافه
وكان الملك العزيز قد توجه إلى أخيه السلطان الكامل إلى الديار المصرية فتلقاه في بعض طريقها وقدم له الكامل وأعطاه عطاء لم

يسمع بمثله وكتب له خطا ببعلبك لابنه وله زيادة في خبره
وكان الملك الكامل عند وصوله منع أحدا من الأذية في بلد الناصر فاتفق أن صاحب بعلبك بعد مضي العزيز إلى الكامل قد دخل بلد العزيز ونهبه فلما بلغ الكامل ذلك أمر بنهب بلد الناصر
وكان الحافظ قد رتب معه الأشرف ومع أيبك أنه إن قصدهم صاحب ماردين وإلا فلا يقصدونه هم وإن احتاج صاحب آمد إلى نجدة بسبب الرومي يروحون إليه ينجدونه
وفيها أغار صاحب ماردين على حصن كيفا أخذ ونهب وأحرق وكذا أغار صاحب آمد المسعود على الهتاخ
وفيها وصل رسول الامبراطور وهو الكند توماس

وصحبته صاحب صيدا إلى السلطان الكامل وقالوا له الملك يقول لك إن الجيد للمسلمين والمصلحة لهم أنهم كانوا قد بذلوا لنائبي اللكان الساحل جميعه وإطلاق الحقوق
هذا في حصارهم لدمياط وما فعلوا وفعل الله بكم ما فعله وأعادها إليكم
ومن كان اللكان ما هو إلا أقل نوابي وعبيدي فلا أقل من إعطائي ما كنتم بذلتموه له
فقال السلطان الكامل لابن قلج وكان عنده يومئذ لأن الأشرف كان قد سيره إلى عنده تكتب إلى الملك الأشرف تعرفه صورة هذه الرسالة وتقول له يقول ما عنده فيها فقال الأشرف
يا سيف الدين ما يقول عبد مملوك هو وجماعته مهما رسمه السلطان الكامل كان لأنه هو سلطان البلاد ولا يخرج أحد عن أمره بل تسأله اتفاق الكلمة لتجمع العساكر من البلاد إلى خدمته ويقرر ما فيه الصلاح للمسلمين وللبيت وقد اشتاق المملوك إلى تلك الطلعة السعيدة
وهذا في العشر الأول من ذي القعدة من السنة المذكورة
وفيها مات وجه السبع مملوك الخليفة صاحب ششتر فوليها بعده بهمان


وفيها غلا السعر ببغداد
ثم عاد رخص
وفيها أزوج الخليفة المستنصر مملوكه الدويدار بابنة بدر الدين صاحب الموصل وخرج معها من الأقمشة والذهب والفضة ما لا يوصف
وفيها سير صاحب ماردين إلى الرومي يقول له مالمضيك إلى أنطاليه معنى
البلاد خالية الملك الأشرف عند الملك الكامل في قبالة الفرنج والجزيرة ما فيها سوى الحافظ وأيبك وصاحب آمد ومن هو بحلب فتسير إلي عسكرا لآخذ تلك البلاد
فقوي عزم الرومي وسير إلى والي الكختين سيف الدولة عدة أمراء
فجاء الوالي وركب في الماء ودخلوا إلى بلد قطينا والسويداء وأخذوا منها جماعة ثم عادوا فسير صاحب آمد طلب الحافظ لنجدته فجهز

إليه فعاد الآمدي سير إليه شكره ومنعه من قصده فعاد هذا وقد وصل كتاب الأشرف إلى أخيه الحافظ يخبره بأنه قد توجه صحبة ابن قلج إلى السلطان الكامل لإصلاح حال الناصر بن المعظم
وفيها وصل كتاب الحاجب علي وفي عطفه نسخة كتاب الخوارزمي ووزيره خواجاجهان إلى حسام الدين خضر صاحب سرمارى لأنه كان يظهر للخوارزمي أنه في جملته ويظهر للأشرف كذلك
ووصل كتاب الآمدي يخبر أن عسكر الرومي قد عادوا إلى بلادهم
وفيها وصل كتاب الحاجب علي وشهاب الدين غازي يخبران أن الخوارزمي وصل إلى ملازجرد وكاتبوا الأشرف بذلك وهو بدمشق حتى ان الحاجب علي قال في كتابه للكمال بن

مهاجر اعلم أن الخوارزمي يسبق خبره وقد ذكر أنه يريد يشتي بالرقة لأنها أشبه ببلاده فلا تمم قراءة هذا الكتاب إلا بقلعة حران أو الرها
فاجتمع الحافظ وأيبك وابن مهاجر وقابيا على أن جمعوا أهل حران عند الحافظ واستحلفوهم وأمروهم بالاستخدام والعدد مهما قدروا وتعرف الحافظ وأيبك أبرجة القلعة بحران والبلد ورتبوا آلة الحصار وطلب الحافظ زردخاناه من حلب وغيرها لقلعة حران ونقل جميع ما كان في الرقة من مال وغيره إلى قلعة جعبر ثم بعد ذلك وصل الخبر بأن بغدي وصل إلى جبل جور وعاد منه لأجل الثلج وكثرته
ووصل كتاب الحاجب علي وطيه كتاب صاحب سر مارى الواصل من الخوارزمي ووزيره مضمونه ما نسخته
كتاب الوزير بسم الله الرحمن الرحيم
عنوانه
محبة علي بن القاسم

المجلس السامي الشريف الملك الكبير العالم العادل المؤيد المظفر المجاهد شرف الدولة والدين نصرة الإسلام والمسلمين عضد الملوك والسلاطين قامع الفجرة والمتمردين شهريار أرمن دام شريفا مخصوصا بالتحية والثناء والأشواق إلى كريم محياه متوافر
والذي نعلم به أن أمور السلطنة في غاية الرونق والطراوة وما لها عزم إلا الانصراف إلى بلاد الأرمن والشام وان كان جماعة من الحساد الذين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم يظهرون أصواتا فما ذاك إلا منى زور وسؤل غرور فلا يلتفت المجلس إلى ذلك ولا يصغي إليه ولا يفوت مصلحته
ولو أن السلطان كان يهمل أمر بلبان صاحب خلخال ويتوجه إلى الأرمن والشام لكان تنسد طرقات العراق وخراسان فرأى أن يطفئ شر شره
ولما تحقق قصد العساكر المنصورة إلى المذكور وبطل طلسم إمرته وكان اجتمع عنده ثلاثة من الباوكسية تفرقوا وأكثرهم انتظموا في سلك عبودية الدولة وقد وصل معتمد المجلس الشريف الأجل تاج الدين حميد الدولة وشاهد أحوال القلعة التي فيها بيت المذكور وأولاده وفي هذين اليومين نفتحها ان شاء الله


وحيث خلا وجه سلطان العالم من هذه الجهة فلا شك ولا شبهة في تصميم عزمه المبارك على فتح بلاد الأرمن والشام وقد وصل الأجل الأعز بهاء الدين جمال الإسلام والمسلمين رضي الملوك شرف الأماثل مشهور خراسان أعز الله نصره عائدا من جهة المجلس الشريف وشرح ما شاهد من اختلال أحوال بلاده
وإنني وإن تأذى قلبي من المجلس فما استحسنت ولا استحسن أن يتأذى المجلس وساعة وصول قاصده قدمته إلى سرير السلطنة وأديت شرائط التهنئة عن لسان المجلس بالقدوم وطالعت بما تم على بلاده من الكرج وغيرهم من المعاندين وقد أنعم على المجلس بمثال موشح بالمواعيد الحسنة
وتعلم أن عاطفة السلطان ورحمته تشمل من اليوم إلى أسبوع فيتحقق هذه المعاني ويتصورها
والظاهر أن بهاء الدين يرجع الينا ويجتمع بنا في حدود أذربيجان فيكتب المجلس أحوال الملوك والأطراف مشروحا وقد ذكرنا على لسان بهاء الدين ما يعيده عليه فيسمعه ويعلم انما نذكره قولنا ويتيقن أننا ما نجازيه على فعله ونحن كما قال قريظ ابن أنيف


( يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ** ومن إساءة أهل السوء غفرانا ) (1)
وهذه نسخة كتاب الخوارزمي الوارد إلى صاحب سر مارى وهو بالفارسية والعربي
ترجمته جلال الدنيا والدين أبو المظفر منكبرتي بن السلطان محمدابن تكش خوارزم شاه ناصر أمر المؤمنين
عنوانه النصرة من الله وحده
بسم الله الرحمن الرحيم
الملك الكبير العالم العادل المؤيد المظفر المنصور المجاهد شرف الدولة والدين سعد الإسلام والمسلمين نصرة الملوك والسلاطين قاهر الفجرة والمتمردين خسروا شهريار أرمن سميدار إيران أذكره دام عزه وتأييده مخصوص بعز الاستمالة وشرف الاستخبار والتفات الضمائر إلى نظم مصلحته
وتعلم أن جوامع أمر السلطنة جارية على وفق إرادة مماليكنا وممالكنا
وعند وصولنا أذربيجان كانت العزيمة مصممة على قصد الأرمن والشام ولكن لما تجاوزت فتن عز الدين بلبان الحد وكان يرى غيبة الرايات المنصورة فرصة فينتهزها ويشوش هذه الأطراف اقتضت آراؤنا التي هي مرآة الأسرار أن 1- البسيط

نقطع أولا أصول فتن المذكور ليخلو خاطرنا الأشرف من أمور هذه البلاد فجهزنا فوجا من الحشم لقصد المذكور في نصف شهر رمضان فانهزم ودخل قلعة فيروز آباذ وتحصن فيها
ونحن أقمنا بحدود خلخال لأجل العلوفة إلى آخر شهر رمضان وتوجهنا بعد العيد إلى قلعة فيروز آباذ فنازلتها مماليكنا وعساكرنا وأحدقنا بها بحيث كان يتعذر عبور الطيور إليها وهبوب الريح من جهتها وأمرنا بترتيب المجانيق وتقدمنا إلى كل عشر نفر من العساكر باتخاذ ما ممكن من جلود البقر فحصل في اليومين الثلاثة من العدد والآلات ما لا يعد فلما عاين أهل القلعة تلك العدة والاستعداد علم بلبان أنه لا يمكن خلاصه من تلك الورطة إلا بالاعتذار والاستغفار والتجأ إلى ظل الأمان وتمسك بأركان الملك وتشفع بهم ففتحت عواطفنا له باب القبول على معذرته وسترت هفواته بذيل المغفرة لتعلم الملوك الذين يهبون الذهب والفضة وقد انتظم بلبان منذ ثلاثة أيام في سلك مماليكنا وتقدمنا بأن يرتب في كل قلعة واليا
ولما انقطعت مواد تلك الفتن بانعطاف العنان

المبارك وأي شرر شر لا ينطفئ وأخذ بصدر من ضميرنا الأشرف وقد أمرنا بإعادة معتمد الملك الكبير شرف الدولة الذي وصل إلى أبوابنا العالية أعلاها الله وشرف بتقبيل اليد الكريمة المباركة في صحبته معتمد ديوان الوزارة أجله الله وأكرمه وهو الأجل الأخص بهاء الدين نجم الإسلام عميد خراسان أعزه الله ليبلغ هذه البشارة ويعرف مملوكنا المخلص الكبير الأشرف شرف الدولة والدين شهريار أرمن دام عزه وتأييده أحوال الدولة ويعلم أنه إذا حصل للرايات المنصورة فراغ من ضبط هذه الحدود ورتب في كل قلعة مملوكا يتحرك إلى صوب الأرمن والشام
وعند وصولنا إلى تلك الحدود نجازي الأولياء والأعداء بالواجب وقد أحاطت علومنا الشريفة مما اعتمده جماعة المشركين ومخالفي دولتنا من التعدي على بيته وأصبح خاطرنا الشريف ملتفتا إلى نظم أحواله وقد انقضى وقت فراغ معانديه وحاسديه ومضت مدة استيلائهم وسيجري عليهم من صواعق غضبنا وقهرنا وعواطف سخطنا من اليوم إلى مدة يسيرة ما يصيره عبرة وتنقطع مدة التعرضات لمماليكنا المخلصين فليتصور هذه المعاني ويستظهر بأنواع من اصطناعات وأصناف ترتيبنا وقوتنا أن ينير بالأمر العالي أعلاه الله هذا المثال العالي الصاحبي المعظمي الصدري الأعظمي العادلي المؤيدي المظفري المنصوري المجاهدي الفخري الذخري

اليميني القامعي القاهري المنصفي المنتصفي العهدتي العدتي القوامي النظامي الكهفي الخالصتي شرف الملك كريم الأنساب والأطراف مظهر العدل والإنصاف ذو المناقب والمناصب قدوة صدور العرب والعجم ملك ملوك وزراء الشرق والغرب دينورا إيران أتوران أصغر زماك اينانج قتلع أبتغ ملكا خواجا جهان لازال عاليا
الثاني عشر من شوال سنة خمس وعشرين وستمائة
وهذه نسخة كتاب الحاجب علي بن حماد على هذين الكتابين المملوك علي الأشرفي تقدمت كتبه ومطالعاته غير مرة
المملوك يعرف أن يوم السبت خامس شوال وصلني كتاب بأن الخوارزمي عاد لكثرة الثلوج بعد أن كان بلغ إلى جبل جور وأخذ غنائم كثيرة
وفيها وصل قاصد صاحب ماردين إلى الكمال بن مهاجر يطلب من يصل يحلفه للأشرف فأجمعوا رأيهم بعد مراسلة الأشرف

بذلك على أن اتفق الكمال بن مهاجر والملك الحافظ وعز الدين أيبك وقابيا نائب السلطان الأشرف على إرسال محمد بن نظيف الكاتب الحموي كاتب الحافظ ووزيره والأمير شمس الدين خاص بك التكريتي يحضر اليمين فحلفه ولم يطلب شيئا مما كان بذله الأشرف له وقال الآن رأيت فعل هذا من تلقاء نفسي فما أريد جزاء عليه

ثم دخلت سنة ست وعشرين وستمائة
والأشرف عند السلطان الكامل قبالة الامبراطور
وغلت الأسعار في الساحل ودمشق
وفيها تفرقت عساكر النجد من خلاط إلى أصحابها بوقوع الثلوج
وفيها وقعت الأخبار بوقعة الرومي مع الأشكري وأنه استظهر على الرومي وقفز من الرومي جماعة إليه مثل ابن أخت ما تريدون وقبض الرومي على شخص يقال له قزل


وفيها وصل المظفر غازي إلى دمشق كأنه في حجة الغزاة واجتمع بإخوته وعاد غير طيب
وكان السلطان الملك المجاهد صاحب حمص وأولاده عندهم وكذلك عسكر حلب وحماة
وفيها قفز أيد مر المعظمي من عند ابن أستاذه الناصر إلى الكامل فأحسن إليه
وفيها استدعى الرومي المجد البهنسي فسار إليه بغير كتاب الأشرف
وفيها وصل رسول أرزن الروم وهو حسام الدين بهدية إلى الأشرف ويعتذر عن ميله وحلفه للرومي


وفيها عاد الناصر قلج صاحب حماة من قصده خدمة السلطان الكامل مظهرا أنه قد مرض
وكان الحاج في سنة خمس وعشرين قد انقطع من العربان وعاد أكثر الناس على الشام فوجدوا شدة من العطش على طريق أيلة ومات عدة جمال وكان في جملة الحاج زوجة الخوارزمي التي كانت في قلعة قطور وهي بنت البهلوان وقد كانت زوجة أزبك صاحب توريز وأنفقت أموالا كثيرة ومعروفا حجت على العراق وعادت على الشام وكانت كبيرة السن وتوجهت أقامت عند الخليفة ببغداد وعليها منه الراتب
وفيها وقع الصلح بين السلطان الكامل والامبراطور على القدس وتهادنوا وتأكدت بينهم صداقة والذي تولى الحديث في الصلح فخر الدين بن شيخ الشيوخ وقاضي العسكر المصري والصلاح

الإربلي ومن عند السلطان الملك المجاهد الأمير صفي الدين سودان ابن إبراهيم بن سودان المعروف وكان قد طلب من يعرف علم الهيئة فسير إليه العلم قيصر المعروف بالحنفي المشتهر بتعاسيف وهو أفضل المتأخرين في هذا العلم
ثم بعد ذلك جرى من محاصرة دمشق ما جرى إلى أن وقع الصلح ومقايضة الملك الأشرف بالجزيرة للسلطان الكامل على دمشق وبعلبك وانتقال الملك الناصر صاحب دمشق إلى الكرك ما بيناه وشرحناه مستوفى في تاريخنا الكبير وأن أيبك أستاذ دار المعظم يعطى الكرك وأن الملك العزيز وأيبك يكونان في خدمة السلطان الكامل

خارجا عن تبعية دمشق وكذلك الملك الناصر
وفيها سير الكامل شمس الدين صواب الخادم وفخر الدين ابن شيخ الشيوخ إلى الجزيرة يتسلمانها من الملك الحافظ ومن بدر الدين قابيا فوصلا وتسلماها وخاف علي بن جرير الرقي على نفسه من قبضه فسار مع العرب في البرية وكان إذ ذاك متولي الرقة وقد كتب خطه بارتفاعها بزيادة كثيرة إلى غاية لم تكن فخاف عند تحقيقها على نفسه فهرب واتصل بالسلطان الأشرف بدمشق
وفيها وصل كتاب الحاجب علي بن حماد يخبر أن

خواجاجهان وبغدي في خوي والخوارزمي بنفسه في كرميان وإن لم يلحق الأشرف البلاد وإلا فهي غير مأمونة البقاء
وفيها وصل الجمال الكاتب المعروف بابن أبي دبوقة إلى البلاد الشرقية وإلى الخليفة في تسكين العالم عقيب الصلح على القدس
وفيها وصل كتاب الحاجب علي يخبر أن الخوارزمي قصد بلاد الكرج لاختلافهم ونزل على قلعة لهم يحاصرها يقال لها كاك بقي يحاصرها مدة ثم رحل عنها عجزا بعد أن كان قد خرب من سورها مقدار قامتين
ووصل كتاب صاحب سرمارى إلى قاضي خلاط يخبر أن الخوارزمي رحل عن قلعة كاك
ووصل

كتاب الأشرف بالاستخدام ونزل صاحب ماردين إلى حرزم يستخدم
وفيها في آخر جمادى الأولى عاد الامبراطور إلى بلاده
وفيها وردت الأخبار بعود الرومي إلى ملطية ووصلت غوارته إلى جسر العادل فنهبوا وخربوا ودخل بعضهم على الجسر ووقع بعضهم
فجمع الحافظ العربان وأيبك وقصدوهم فما لبثوا وأمر الأشرف مملوكه أيبك بالنزول إلى خلاط وحثه على ذلك وكان مريضا فقبل أمره ونزل إليها فلما وصلها بعد يومين أو ثلاثة وصل كتابه بوصوله ثم بعد ذلك بمدة يسيرة وصل كتابه بالقبض على الحاجب علي وذلك أنه قال ما وجدت في القلاع ذخيرة ولا غيرها ولما قلت للحاجب عن هذا اعتذر عذرا غير سائغ فقبضت عليه
ثم بعد أيام وصل كتاب مجير الدين يخبر أن الحاجب علي مات بالإسهال وكان

الأمر غير ذلك وقد ذكرنا ذلك في تاريخنا الكبير
وبلغ الأشرف هذا فقبض على أخيه عثمان وأخذ جميع ماله واستقاله وبقي في الاعتقال مدة ثم أطلقه وأحسن إليه وكان وصل الجمال الكاتب ومعه أيبك التغلبي ولاه قلعة خلاط وعزلوا الزكي العجمي من ولايتها
وفيها نقلوا بيت الأشرف وزوجته بنت الملك العزيز ابن عمه إلى سنجار ونقلوا زوجته بنت أتابك الموصل إلى دمشق
وفيها وصل الملك المظفر بن الملك المنصور إلى حماة يحاصرها بعساكر الكامل وبأمره والسلطان الملك المجاهد صاحب حمص ونقل إليه من عنده جميع آلة الحصار مثل مجانيق وغيرها والرجالة وكان الناصر صاحبها قد تحصن غاية التحصين ووصل السلطان الكامل إلى سلمية بعد ذلك وكان المتولي لحصار حماة فخر الدين عثمان أستاذ الدار

الكاملية والملك المجاهد والملك العزيز وأقاموا المجانيق على الباب الغربي وهدموا بعضه وتحدث الناصر بما يحمله إلى السلطان الكامل مصانعة ثم عاد عن ذلك
ونزل بنفسه إلى السلطان الكامل إلى سلمية مستسلما جريدة تلقاه ثم وكل عليه وسير علامة بتسليم حماة فما قبلوا منه فراسل المظفر من بحماة وهو بشير الخادم ومن كان معه وتقرر الحلف بينهم على ثلاثمائة ألف دينار تحمل للناصر وجميع ماله من خيل وعدة ورخت وزيت وصابون وغير ذلك فلما وقع الصلح والأيمان وأدخلوا المظفر إلى حماة وكان قد نقل بعض قماش الناصر وأنزل به من القلعة فلما طلع المظفر ليلة عيد رمضان عاد عن ذلك جميعه وحمل للناصر بالتوكيل إلى الرها بقي فيها مدة ثم لما تقرر حال حماة وصل منشور السلطان الكامل بها للمظفر
وفيها وصل الحافظ بأولاده إلى سلمية إلى الكامل فتلقاه وأحسن في حقه وتوجه إلى الجزيرة فعبر من قلعة جعبر فحمل إليه مفاتيحها على يد أصغر أولاده فقبلها ثم أعادها إليه وأعطاه ألف دينار وجرى في هذا وغيره مالا يليق ذكره هاهنا لما شرطناه من الاختصار


ولما وصل الكامل إلى الرقة بقي يويمات ثم سار إلى حران أقام بها ووردت عليه الرسل من الأطراف جميعها ففيهم من قبل منهم وفيهم من لا قبله
ووصل إليه الملك المعظم صاحب الجزيرة فتلقاه وبالغ في إكرامه واحترامه وأعطاه عطاء كثيرا فيه في جملته عشرة آلاف دينار مصرية خارجا عن قماش وخيول وغيرها
ثم عاد بعد مدة إلى بلاده ووصل أيضا المظفر صاحب حماة فأحسن تلقيه وكتب مهر ابنته عليه وكان صداقا مشهودا
وفيها وصل رسول صاجب إربل يشير بأن يسير السلطان الكامل رسولا إلى الخليفة في نعي البيت المقدس والعذر عنه فقال الملك الكامل نحن مماليك هذا البيت المقدس وآباؤنا وخدماتنا له معروفة ما نرائي ولا نماذق ثم بعد ذلك جهز فخر الدين بن شيخ الشيوخ رسولا إلى الخليفة
وفيها وصل كتاب من خلاط يخبر بأن الخوارزمي قد أحاط بها وضايقها من كل مكان ووقع بينهم القتال وربحوا الخوارزمي

وما زالت كتبه تصل تارة بقوة الخوارزمي وتارة بقوتهم عليه وطالت مدته وأكلوا جميع ما في خلاط وعدم كل شيء عندهم وأكلوا لحم الكلاب والحمير والبغال وغيرها والخطمي والأشراس وجلود اللولك ينقعونها ويأكلونها وانصب عليهم عدة مجانيق وخرب السور وبنوا بطانة له وصبر أهل خلاط وصابروا وكان الخوارزمي عزم على المسير عنها فقفز مملوك للزكي بن العجمي الذي كان بها واليا إلى الخوارزمي وعرفه ضعف البلد وأنه ما بقي فيه خمسون فرسا
فعاد عن رحيله وشد القتال وتوهموا في الزكي أنه سير مملوكه قاصدا فأعدموه نفسه أيضا ثم وصل رسول الخليفة إلى الخوارزمي وسأله الرحيل عنها وتقرير الصلح فما وافق عليها
وقال هؤلاء قد فنيت رجالي عليهم وأموالي وما كفى هذا حتى يشتموني أقبح شتيمة

لأصابرنها حتى آخذها عنوة
ثم حفر له السرابات وقطع الأشجار وعملوها بيوتا وصارت دوابهم تأكل الأشجار ولم يزل كذلك إلى أن أخذها وقيل بعملة من ابن محسن دلدرم ورفيقه وكان قد وصل إليه صاحب سرمارى المقدم ذكره فأعطاه أرجيش وألأل
وكان وصله صاحب أرزن الروم وهو حمل إليه جميع المجانيق وغيرها وكان الرومي قد سير إليه هدية عظيمة من جملتها خمسمائة فرس وعشرون مملوكا كبارا بعدتهم وعدة خيولهم خارجا عن تلك الأفراس وكان غرضه كما قال الصلح بينهم
فقال لرسوله رسولي يصل إلى الرومي
فعاد بهذا القول
ثم بعد ذلك سير الخوارزمي رسوله إلى الرومي بمائة وعشرين فرسا فأحضره الرومي وما قام له ولا تلقاه أحد من عنده
بقي أياما
فلما كان وقت وداعه ما قام له وأعطاه يده باسها وكلمه منه إليه
وعادة الرومي أن لا يكلم أحدا وقال له إذا

أتكر صاحبك هذا التلقي لك وقلة الاهتمام فقل إن هذه عادة أبي مع أبيك وجدي مع جدك وودعه
وأما عز الدين أيبك ومجير الدين بن العادل والأمجد تقي الدين عباس وجماعة فطلعوا إلى القلعة وبعد ذلك صعد حسام الدين القيمري بقوا يويمات ففرغ ما عندهم
وأما الخوارزمي فإنه وفى لأهل خلاط وقتل من قتل ونهب من نهب ثم أفكر في القلعة والعجز وأنه يأخذهم عنوة فوقع رأيهم على أن يستأمنوا فأمنهم الخوارزمي
وأول من نزل إليه تقي الدين عباس فأكرمه وأطلق أنفسهم من القتل وحاسن أيبك بحيث لعب معه بالأكرة وشرب معه
وهذا كله خديعة لعله يحصل على تسليم باقي القلاع وقال له

تسير تسلم إلي ملازجرد فسير إلى من فيها فما التفتوا إليه وكان فيها بهاء الدين صاحب السويداء وفتح الدين بن دلدرم الياروقي وعدة مماليك
وقالوا ومن أيبك وغيره هو مملوك مثلنا ومهما وصلنا خط صاحبنا عملنا به
وفيها ظهر وطلب خوابي في ملطية عدتها سبع خوابي في سرداب
وفيها توجه فخر الدين عثمان إلى بعلبك ليأخذها بمن معه من العساكر التي كانت تحاصر حماة بعد رحيلهم عن حماة
وفيها وقع برد وصواعق فنسفت برد كبار بمنبج وآذت جماعة وذلك في أيلول


وفيها خطب صاحب ماردين للكامل وعاد عن الرومي وضرب السكة باسمه
وفيها كان الكامل قد توجه إلى الرها وعاد منها بعد نظرة في أحوال قلعتها وأمر بعمارة جددها فيها
وفيها عاد العزيز من بعلبك وتولى حصارها أخوه الصالح إسماعيل
وفيها في ذي الحجة غارت الفرنج على بارين وأخذوا جملة من مواش ورجال ونساء وغير ذلك وست قرايا بجميع من كان فيها ولم يكن الملك المجاهد بحمص وكان بتدمر هو وأولاده فلما سمع هذا عاد غائرا من طريقه
وسير عرف السلطان الكامل فشق ذلك عليه


وفيها أمر الأشرف بعمارة قلعة زليبا بعد أخذها من الحافظ
وفيها كان قد جهز الكامل الناصر وأطلقه من حبس الرها وقال له بارين لك تروح إليها فلما وصل قنسرين وجد أخاه المظفر قد توجه إليها من حماة يحاصرها فأقام موضعه وسير عرف الكامل فأنكر ذلك ثم بعد ذلك سار إليها ودخلها

ثم دخلت سنة سبع وعشرين وستمائة
والسلطان الكامل بالجزيرة والخوارزمي بخلاط والأشرف على بعلبك يحاصرها
وفيها وصل بحران رسول الامبراطور إلى الكامل وعلى يده كتب إلى فخر الدين بن شيخ الشيوخ بما نسخته

بسم الله الرحمن الرحيم
عنوانه ترجمته
قيصر المعظم امبراطور رومية فردريك بن الامبراطور هنريك بن الامبراطور فردريك المنصور بالله المقتدر بقدرته المستعلي بعزته مالك ألمانية ولمبردية وتسقانه وإيطالية وانكبيرده وقلورية وصقلية ومملكة الشام القدسية معز إمام رومية الناصر للملة المسيحية
بسم الله الرحمن الرحيم
شعر
( رحلنا وخلفنا القلوب مقيمة ** تخلت عن الأجسام والجنس والنوع )
( وآلت على أن لا تخل بودكم ** مدى الدهر وانسلت تنكب عن طوعي ) (1)
لو ذهبنا إلى وصف ما نجده من عظم الشوق ونكابده من أليم الاستيحاش والتوق إلى المجلس السامي الفخري أدام الله أيامه وسرمد أعوامه وثبت في الرياسة أقدامه وحرس مودته وإكرامه 1- الطويل

وأجرى على سبيل النجاح مرامه وسدد عهده وكلامه وأجزل من النعم أقسامه وجدد مع الجديدين سلامه للزمنا في الخطاب شططا وحدنا عن الصواب غلطا إذ منينا بروعة استيحاش بعد سكون وإيناس ولوعة فراق في إثر غبطة واشتياق فرأينا السلو ممتنعا وحبل التجلد منقطعا ومأمول التماسك قد عاد جزعا وشمل الاصطبار منصدعا
( وقد كنت لو خيرت بين فراقكم ** وبين حمامي قلت يدركني نحبي ) (1)
وتخاله أكرمه الله ملنا واعتاض بغيرنا واختار فراقنا وتناسى ودادنا فعزينا أنفسنا بقول أبي الطيب
( إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ** ألا تفارقهم فالراحلون هم ) + البسيط +
وبعد فعلمنا أنه محب لسماع السار من أنبائنا وأخبارنا والحميد من آثارنا نشعره حسبما شرحناه له بصيدا أن البابا باء بالغدر والخديعة أخذ إحدى قلاعنا المنيعة تسمى منت مسين أسلمها له أباطها اللعين وعند ذلك رام المزيد فلم يمكنه لانتظار أهل طاعتنا 1- الطويل

لرجوعنا السعيد فاضطر إلى أن زعم أننا متنا وحلف القردنالية على ذلك وعلى أن رجوعنا مستحيل وراموا خداع العامة بمثل هذه الأباطيل وأنه ليس أحد بعدنا يحسن حراسة بلادنا وحفظها برسم ولدنا مثل البابا فلإيمان هؤلاء الذين هم أئمة الدين وخلفاء الحواريين انخدعت جماعة من الطغام والمفسدين فعند وصولنا إلى ميناء برنديس المصونة ألفينا الملك جوان واللمبرديين في الدخول في ملكنا معاندين وقع خبر ورودنا متشككين لما قرره القردنالية عندهم باليمين وكتبنا ورسلنا بوصولنا سالمين
داخل أعداءنا الجزع وحل بهم الروع والفزع ونكصوا إلى ورائهم خاسرين مسافة يومين وارتد أهل طاعتنا إلينا طائعين وكذلك اللمبرديين الذين كانوا معظم عسكرهم لم يرضوا لأنفسهم أن يوجدوا على سيدهم مخالفين منافقين وانصرفوا على أدبارهم أجمعين وأما الملك المذكور وأصحابه فأحاط بهم الحياء والخوف واجتمعوا إلى موضع ضيق يخافون الانصراف عنه والخروج منه بل لا يقدرون على ذلك لأن البلاد بأسرها قد عادت لنا وإلى طاعتنا
ونحن في خلال ذلك قد جمعنا عسكرا مديدا من الألمانية الذين كانوا معنا في الشام والذين انصرفوا قبلهم ورمتهم الريح إلى بلادنا وغيرهم من أمنائنا ورؤساء دولتنا واستعددنا نجد السير إلى بلاد أعدائنا


وبعد فمما نؤثر من المجلس مواصلة كتبه متضمنة شرح سعيد أحواله ومهماته وحاجاته وأن يقري سلامنا على جميع أكابر العسكر وغلمانه ومملوكيه ودخلته والسلام عليه ورحمة الله وبركاته
كتب ببرلت المصونة بتاريخ الثالث والعشرين من شهر أوسو للأندقتنس الثاني
وهذه نسخة الكتاب الثاني
الترجمة كالأول فيه من الأخبار بما نشعره به
أنا قد جمعنا عسكرا كثيرا وأنا نجد السير إلى قتال من هم بانتظارنا ولم يهرب أمام وجهتنا والآن قد حدث من الأمر حسب حدسنا وذلك أنهم كانوا قد حاصروا قلعة من قلاعنا ونصبوا عليها المنجنيقات وما شابهها من الدبابات والآلات فلما أحسوا بإقبالنا مع بعد المسافة بينهم وبيننا لم يتمهلوا إلي بل أحرقوا ما عملوه من سائر آلاتهم وانهزموا هاربين أمامنا ونحن نجد السير في

طلبهم وتفريق شملهم وتبديد جمعهم وطلب البابا حيثما وجدناه ورده خاسئا على قفاه نادما على ما نواه وما نجده من الأخبار فنحن نكاتب المجلس إن شاء الله
الغرض من إثبات هذه الكتب تحقيق ممالك هذا الملك الأمبراطور وقدرته فما ملك من النصرانية مثله من زمن الإسكندر وإلى الآن لا سيما قدرته وإهماله لخليفتهم البابا وقصده له واطراحه إياه
وفيها وصل إلى الكامل بحران شخص يقال له أحمد بن أبي القاسم المعروف بالرمان من جزيرة صقلية من أهل مشائخ غلو من جبال صقلية وهي غير ما هو على رأس صقلية مطل على البحر والجزيرة كلها بيد الامبراطور إلا هذه الجبال التي فيها القلاع الخارجة عنه التي فيها هذا الرجل المذكور وهن غلو وجنش وجاطو وأنطلة وغلو خراب وأهلها في الجبل والباقي عامرة
وسبب وصوله أن الامبراطور غدر بأصحاب الجبال هناك

وعدتها أحد عشر جبلا فيها هذه الحصون المذكورة وذكر هذا الحاج المذكور أن الامبراطور من جملة من أخذهم إلى البر الكبير وأخرجهم من أوطانهم وأخذ أموالهم مائة ألف وسبعون ألفا وقتل من الشطار مثلهم وخلت هذه الجبال
والذي يطلب من السلطان الكامل ردهم إلى أوطانهم فان كان الامبراطور لا يفعل فيمكنا من الخروج إلى ديار مصر ولا يؤذي أحدا
فكتب له السلطان الكامل كتابا إلى الامبراطور بذلك وسار عائدا من حران
وفيها حلف الكامل للعزيز صاحب حلب دون أتابكه وسير التاج بن الصفي بن شكر إلى حلب حلف العزيز له
وفيها كان سير السلطان الكامل القاضي الأشرف بن القاضي الفاضل رسولا إلى الخليفة وعاد إلى الرقة أقام
وسير فخر الدين عثمان يحث الأشرف على وصوله إلى الجزيرة
وفيها سير الرومي يخبر السلطان الكامل أنه قد سير خمسة

عشر ألف فارس إلى أرزنجان وعشرة آلاف إلى ملطية وأنه حيث يأمره الكامل فطاب قلب الكامل بذلك وكان مهتما من أمر الخوارزمي وكان الرومي قد سير حلف الكامل وحلفه الكامل بالشهاب أحمد والجمال الفقيه الإسكندري مدرس الشافعي رحمه الله بمصر
ووصل الخبر بأن رسول الخليفة واصل مع ابن الفاضل

فرتبوا له إقامة من رأس عين الخابور وأخلوا دار أتابك في الرقة فنزل بها
وفيها في العشر الأخير من ربيع الآخر تسلم الأشرف بعلبك وعوض صاحبها بخبز وداره بدمشق واستخدم أولاده
وفي الشهر المذكور وصل الأشرف إلى السلطان الكامل بالرقة
وفيها وصل مانع وغنام وبذلوا من أنفسهم ورجالهم الخدمة للكامل
وفيها أورد الكمال كيميار رسالة الرومي التي كان سيرها إلى الخوارزمي بمحضر من الملوك الكامل والأشرف والحافظ وغيره ورسول الخليفة محيي الدين بن الجوزي وما قاله له
وهي أنه قال له المولى من بيت كبير وما زلتم ماشين الحال إلى أن غير والدك نيته وخبط على نفسه فآل به الحال إلى ما آل والآن فقد فضلت هؤلاء

بيت أيوب وتحنيت عليهم وهم بيت كبير كثير السعادة قد تأصل من سنين ولهم الإحسان إلى الجند والرعايا والمجاورين ولهم الأموال والبلاد والرجال والأولاد والقوة وأنت فلا أموال ولا رجال ولا قوة وبلادك خربة ونحن نعرف حالك أكثر منك ولا تظن أني عدوهم لا والله بل صديقهم ونسيبهم بما بيننا من الأهلية والمصاهرة واختلاط الدم ولعمي معز الدين منهم الأولاد ولي منهم الأولاد ولا شك جرى بيننا قضية عاتبتهم عليها وعدنا إلى ما كنا عليه فلا تعتقد غير هذا والمصلحة عندي نصحك فتصالحهم وتعتد بهم أصدقاء فنحن نعرف ما وراءك من الأعداء يعينونك على عدوك ويقع الاتفاق وشأنك وشأن الكرج وغيرهم
وهذا نصحي لك فلا تغتر بمن يكاتبك ويحلف لك فكله زور وتدفيع للأوقات وقد والله قلت جميع ما يلزمني عقلا وشرعا
فكان الجواب أن قال لرسولي عد إلى صاحبك والجواب يصل مع قاصدي
وفيها وصل خادم من حلب إلى الكامل يخبر أن العزيز

جاءه ولد ذكر ليلة الاثنين العاشر جمادى الأولى من سبع وعشرين وستمائة
ولما ملك الخوارزمي خلاط كانت رسل الديوان عند الكامل بالرقة وصارت الرسل تتردد بينهم وبين السلطان الكامل وحلف الكامل للخليفة في الرقة بمحضر من السلاطين وباقي الجماعة وحضور بهاء الدين مروان بن قابيا رسول السلطان الملك المجاهد وخلع عليهم وعادوا الى بغداد وسيروا في الماء من الرقة إلى بغداد شبارة معرفة بما جرى قبل وصولهم بأنفسهم
وفيها مات الملك الظافر خضر المعروف بالمشمر رحمه الله

كان كريما جوادا شجاعا هو أول من سن القندس العريض والجامكية وجراية الخبز واللحم وحوائج طعام وغير ذلك من بني أيوب دفن بحران
وعند تمليك الخوارزمي خلاط سير هدية للخليفة ابن العادل تقي الدين عباس في قيوده إلى العراق فلما وصل بغداد أزيل ذلك عنه وأكرمه الخليفة وبقي عنده إلى أن كسر الخوارزمي ووصل الكمال بن المهاجر رسولا من الأشرف فسيره الخليفة صحبته وأعطاه عطاء عظيما وأمره وأعطاه جميع ما يحتاج إليه مثله وفي جملة الحوائج الحطب والكزبرة والبصل وغيرها وعاد مع الكمال بن مهاجر إلى أرجيش بعد كسرة الخوارزمي
وفيها قويت حركة الكامل إلى الديار المصرية وتحدث بذلك بمحضر من رسل الديوان فما أعجب الأشرف هذا ولا الجماعة فقال

لا بد لي من هذا وأعود سريعا بالخزائن والرجال ولا بد لي من فتح العجم
فما قدر أحد على منعه من قصده
وكان قد وصل إليه خبر موت ولده أقسيس صاحب اليمن وهو بحران فما أشاعه وكتمه ولا خاطبه أحد بعزائه
وقد كان فيها شخص يقال له ابن رسول من أصحابه تقدم عند الملك المسعود أقسيس وعظم فلما مات حفظ اليمن وقيل له في تسليمه إلى من يعينه الكامل فأبى وقال لا أفعل لأنني محلف لابن أستاذي بأن الأموال يصل من يتسلمها

ويسير ديوانا لذلك ما عدا ولاية القلاع فلا أمكن منها لأنها لابن أستاذي
وقرر الكامل مع الأشرف ما يفعل مع الخوارزمي من الاتفاق مع الرومي ثم توجه
وفيها بعد مسير الكامل وصل حسام الدين القيمري زوج أخت الأشرف هاربا من خلاط إلى الرقة وحكى عن ضعف الخوارزمي وقلة من معه وأنهم غير عاجزين عنه فسيره إلى الكامل في بعض طريقه بدمشق فعرفه ثم عاد
وفيها وصلت كتب أيبك بتشديد الخوارزمي عليهم وفي عزمه خنقهم بعد هربة القيمري لحنقه و أن الخوارزمي توجه من خلاط ونحن صحبته إلى ملازجرد


وفيها وصل إلى الأشرف بعد مضى الكامل الغرس خليل والزكي بن السكرى الحموي رسلا من السلطان الملك المجاهد يخبرانه خبر الصلح مع الفرنج وصحبتهما سيمون رسول بيت الاسبتار
وفيها توجه ابن كريم الدين الخلاطي إلى الرومي وحلفه له وعاد من عنده وصحبته الكمال كيميار من الرومي مضمون رسالته أنه قال مخدومي السلطان علاء الدين كيقباذ يخدم المولى ويقول له محبتي ومودتي وصداقتي ما تغيرت بل زادت وإنما لعن الله من كان السبب ولا يحسب المولى أنني ما ذكرته في نجد السلطان الكامل إلا لتأكيد مودة وغرض أبلغه
والآن فبلادي وأموالي بحكمك فتصل قولا واحدا بالعساكر إلى قرشهر وتنجرد وحدك وتصل إلى عندي بقيسارية نتفرج ونحظى بخدمتك ونصل أنا وأنت إلى العسكر

بالعساكر فوالله لاقنعت لك بخلاط بل بجميع البلاد
ثم عاد وصل كتابه إلى كيميار يقول له لا تجيء بالأشرف إلا إلى سيواس حتى لا يتعب ويبقى العسكر في قرشهر
ومعه نسخة يمين فإن لم يصل الأشرف بنفسه قتل عساكره
قال الأشرف ما أحلف بهذا اليمين بل أنا أصل بنفسي جريدة إلى خدمته
وفي شعبان من السنة توجه الأشرف إلى الرومي جريدة وصحبته كيميار فوصل إليه بسيواس فتلقاه وسر به وتبعته العساكر الشامية فلما وصلوا خرجوا إليهم إلى الملوحة وتلقوهم فأنزلهم مواضعهم وحمل لهم من الإقامات والتقادم والنفقة مالا عظيما في مرتين عند وصولهم إلى سيواس وبعد كسرة الخوارزمي

بأرزن الروم بحيث حمل إلى الأشرف أربعمائة ألف درهم سلطانية وعشرين ألف مكوك غلة وعشرة آلاف رأس غنم ولإخوته على طبقاتهم ما يناهز مائة ألف درهم لكل واحد وعدة خيول وبقج من أثواب ومراكيب وغيرها وكان ذلك عظيما وأقاموا عنده بسيواس سبعة أيام
وفيها وصل الخبر بوصول السلطان الملك المجاهد من حمص وأسر الأشرف بذلك وعاد وصل الخبر بعوده بسب أشياء جرت فعاد من بلد حلب وأن ولده السلطان الملك المنصور إبراهيم ولي عهده واصل بعسكره
وأحضر الرومي زوجته ابنة العادل من قيسارية إلى سيواس أبصرت إخوتها وقدموا لها وقدمت لهم أشياء ولعبوا معه بالأكرة غير مرة وبالغ الأشرف في خدمة الرومي بحيث انه كان يبوس له الأرض فما يخدمه الرومي على ذلك وتعاظم عنهم الرومي

تعاظما زائدا بحماقة ثم سمعوا بحركة الخوارزمي إلى أرزن الروم وأن الخوارزمي كان مريضا وأبل من مرضه حتى إنه لولا مرضه كان سبق إلى البلاد الرومية وحصل على غرض منها وهذا كان من لطف الله فتجهز الرومي والأشرف وساقوا إلى لقائه وسير صاحب الروم إلى عسكره بأرزنجان يستدعيه ولم يعرف الأشرف بذلك وكان قد وصل من أخبر أن الخوارزمي قد وصل فنزل في مرج يقال له يا صجمن وسار الرومي طالبه
فلما قارب ذلك المرج وبلغ الخوارزمي وصول عسكر أرزنجان إلى صاحبهم جرد الخوارزمي سبعمائة فارس التقتهم فقتلوا منهم عالما ما يناهز ثلاثة آلاف فارس ونهبوا وأسروا خلقا وبقي الغبار طالعا وفي الأخير علم ما السبب
فشق على الأشرف ذلك وقال ليت كان

المولى عرفنا بطلبهم كنا لقيناهم
وخجل الرومي
وفي ذلك اليوم كان وصول السلطان الملك المنصور ناصر الدين ابراهيم بن السلطان الملك المجاهد بعسكره فتلقاه الأشرف والملوك وسر به سرورا كاملا
وفي صبيحة تلك الليلة ركب العساكر وأشرفوا عليهم من رأس ذلك المرج وطاردتهم العربان وأخذوا منهم عدة خيول وقتلوا جماعة وذلك في ثامن وعشرين رمضان ثم ساقت العساكر وطلبوا العقبة المطلة على منزلة الخوارزمي ورتبوا الميمنة والميسرة والرومي هو الد بندار وله الميمنة والميسرة والأشرف في القلب وله الأجنحة وغيرها كما جرت عادة تعبئة العسكر وكان مع الرومي من الخلائق ما طبق الأرض وملأها من التركمان والأرمن والفرنج والمسلمين وغيرهم من الشاميين فكان من جملة أجنحة الرومي

أرتق شاه ابن صاحب خرتبرت ومن أجنحة الأشرف الملك المنصورا بن الملك المجاهد صاحب حمص
وكان يوم الجمعة وألبس الخوارزمي في قتالهم ورتب جماعاته فلم يزالوا كذلك كل في قبالة صاحبه إلى الليل وكان الخوارزمي قد أخفى أصحابه في الأودية نكدا منه وطلع بنفسه على الجبل وطمع الأشرف وساق وملك عليهم أكثر منزلتهم
فلما كان الليل عاد الأشرف والرومي إلى منازلهم ورتبوا اليزكية كما جرت العادة ثم قوي عزم الخوارزمي على كبسة العسكر وقفز إليه جماعة قالوا له ان الرومي والأشرف قد خافاك وتأخرا عن ذلك التل
فقوي عزمه أيضا ثم عاد أفكر فما قويت نفسه على الكبسة
فلما كان صبيحة تلك الليلة تعبأ الخوارزمي والأشرف والرومي وكان في قلب الشاميين عسكر حلب وعسكر الجزيرة صواب وبعدهم المظفر غازي والملك العزيز والأشرف

والرومي بعدهم
فوقع الجاليش فظهر أصحاب الخوارزمي وشالوا ميسرة الرومي ثم عادوا على الخوارزميين ثم عاد الخوارزميون ثانيا فكسروا الرومي فأردف الأشرف الميسرة بأخيه الحافظ والرومي بصاحب خرتبرت ووقعت الواقعة وعمل الملك المنصور ابن الملك المجاهد ذلك اليوم عملا عظيما هو وأصحابه وفقد جماعة منهم دون باقي جمع السلاطين وذلك لنشبه بما كان فيه من دون غيره فلما عاين من مباشرته الخوارزمي كثرة العساكر وقوتها وشدتها أيقن بالغلبة فأومأ بيده يمنة ويسرة وقلبا وساق منهزما بجماعة يسيرة من جملتهم قلج الخادم الذي كان يحبه
ورمي جماعة من أصحاب الخوارزمي منهم صاحب ألتي وغيره من الخانات وصاحب

أرزن الروم وأخوه وصهره وأحضرهم إلى الرومي وتفرق الخوارزميون في الجبال والأودية والشعاب وبلغوا إلى درابزون وفي ذلك الوادي شقيف وقع فيه ما يناهز ألفا وخمسمائة رجل وأبغال بأحمالها وجمال وصار الناس يطلعون منه الأجمال والأبغال بأحمالها وفيها الجواهر والكساوي والذهب والأطلس وغيره وكأن معظمه كان خزانة للخوارزمي أو لأصحابه من خواصه
وبقي في الطريق من العدد والآلات والأقمشة ما لا يوصف
وكسب الناس ومسك العربان جمدارية الخوارزمي ومعهم أثوابه وتلاكشه جميعها مطرزة

وأما الخوارزمي بنفسه فإنه في يوم وليلة بلغت هزيمته إلى خرتبرت بات بها ليلة
ودخل الحمام هو وقلج الخادم وسار إلى خلاط واجتمع بخواجاجهان وزبره وعرفه صورة الكسرة وكان خواجاجهان يحاصر ملازجرد وقد أشرف على فتحها فسار عنها وترك طعامه في القدور
وحمل الخوارزمي بقية أثقاله وبيته وتوجه إلى العجم
وكان علم الدين منجر الإلفي الأشرفي مقيما ببدليس فضرب على الأمير اختيار الدين قبض عليه لأنه ما كان بلغه كسرة الخوارزمي
ولو كان مع تقدير الله تسوق العساكر خلف الخوارزمي ما كان يسلم بل ظنوا أن له عدة أمكنة لأنه انكسر من غير قتال
فقالوا هذه خديعة ما نثق بكسرته
ثم عيد الناس عيد الفطر وخلع الرومي على الأشرف وعلى باقي الجماعة وساقوا إلى أرزن الروم وكل الجماعة قلعوا خلعة الرومي إلا الأشرف لبسها عدة أيام وقد جافت الأودية والجبال من رمم الموتى

وأركب الرومي صاحب أرزن الروم وأخاه وصهره على أبغال تبن بفردات التبن بالقيود وساقوا بهم فسبحان مالك الملك وكذلك من كبسوه من جماعة الخوارزمي منهم مشاة وركبان والتواكيل عليهم
وكان قد وصل رسول آمد مكاسرة ويطلب أن يحلف له
فقيل له تخدم صاحبك وتهنيه بهذه الكسرة التي تعز عليه فكتبت الكتب إلى الكامل والخليفة وجميع الأطراف ووصلوا إلى أرزن الروم ونزلوا عليها وأحاط بها العسكر وشرعوا في قتالها وأظهروا العصيان والممانعة أول يوم وقوتلوا من جماعة بعض قتال ثم سيروا سرا إلى الأشرف فقال لهم أنا أدخل في الكف عنكم ورفع الأذى من السلطان عنكم
وأرسلوا الرومي باطنا ودخل إليها بكرة هو والأشرف وإخوته والملك المنصور صاحب حمص إلي قصرها وذلك يوم الثلاثاء ووقع العوض عنها وحلف له الرومي بالسلامة على نفسه أعني لصاحب أرزن الروم وأخذ زوجته أخت صاحبها وكان قد منعه منها وأقاموا يويمات هو والأشرف في أكل وشرب ولذة ووداع وتقرير ممالك
وأجرد الرومي مع الأشرف

من عسكره خمسة آلاف فارس قدم عليهم نجم الدين الجاشنكير وودعه وسار الأشرف وقد أعطاه جميع العجل التي كان عليها الزردخاناه بإيفادها ذخيرة لخلاط
وعرض القلاع التي كانت الكرج أخذتها من خلاط وهي جملة فما أخذ إلا قلعة ألتي لا غير وهي أجودها ثم سار الأشرف ووصل إلى خمربرت فعرفه أهلها بوصول الخوارزمي وأن قلج كان مريضا ودخل هو وهو الحمام ثم سار إلى ملازجرد فتلقاه من كان بها من أهلها وعسكره وسير إلى خلاط رتبها ورتب واليا وديوانا الشهاب أخا الجمال الكاتب ثم بقي

ثلاثة أيام وسار إلى أرجيش فتلقاه من بها ووصل إليه فيها الملك المعظم صاحب الجزيرة فأكرمه غاية المكارمة
وفيها وصل الكمال بن المهاجر وصحبته الملك الأمجد عباس بن العادل وتلقوه كما جرت العادة
وفيها رتب الأشرف اليزك وذلك أن خواجاجهان كان قريبا من بيكري والخوارزمي في خوي وكان قلج الخادم المقدم ذكره الذي يحبه الخوارزمي قد مرض مرضا شديدا فمات بخوي وجرى عليه منه أعظم من كسرته كان مليح الصورة إلى نهاية
وبقي أياما لا يركب ولا يراه أحد وقيل إنه قطع بعض شعره عليه لحزنه
وهم الأشرف في عبوره بلاد العجم ليبلغ أولئك وتارة يقدم وتارة يحجم واتفق أنه أحضر اختيار الدين المقدم ذكره وطيب نفسه وفاوضه وقال له كيف نعمل بجلال الدين قال إذا أذن للمملوك قال ما عنده ثم تركه وأحضر من كان عنده من أسراه من

الخوارزميين يقال له جتر خان وأعطاه أمانا وقال تمضي إلى جلال الدين تعرفه إحساننا إلى من عندنا منكم من الأسرى وما لكم من راتب ونفقه وحرمة ليفعل مع من لنا عنده كذلك فسار إليه واجتمع به فطلب الخوارزمي رسولا من الأشرف ليحادثه فلما عاد جتر خان وذكر قوله وطلبه قال الأشرف لجتر خان ما عندنا مثلك وأنت أميننا ونسمع ما تقوله
فلما عاد إليه وعرفه قال له تقول للأشرف يا خواند أنا ما أسأت أولا ولا شك أني سيرت المجير قاضي الممالك إليكم فما أحسن السفارة وأفسد بيننا ومع هذا فقد كنت طلبت المسالمة فما أجبتم إليها ودخل الحاجب بلادي وخربها وأخذ حرمي وفعل ما قد علمتموه
وطلبت الصلح فما فعل ثم ولي بعده أيبك طلب الصلح ما فعل وجرى ما جرى بقدر الله وقضائه
وعندي الآن ملوك وعندكم مماليك فإن اخترتم الصح بسم الله
فكان جواب الأشرف

لجتر خان ب أن تخدم عني المولى السلطان وتقول يا خواند أنت سلطان وابن سلطان وما أردنا لك سوءا وقد بالغت فيما فعلته في بلادنا من خراب ونهب وقتل
والذي كان قصد بلادك كما زعمت فقد قابلناه على فعله وأنت فما أبقيت في سوء المعاملة وإراقتك الدماء فبلادنا قد خربت فصلحنا على أي شيء يكون فإن أردت ذلك فانزل عن هذه البلاد التي ما كانت لك ولا لأبيك لنعمر نحن بالعامر الخراب
ونحن فما اشتهينا نتمم أذيتك لأن خلفك أعداء كثيرين وأنت أبتر فهذا موجب إبقائنا عليك رحمة
وأما قولك عندك ملوك وعندنا مماليك فالذي عندك مماليك أيضا
وأخي مجير الدين أقدر أنه قد مات ولي عدة إخوة وأولادهم جماعة وأهلي ما يناهز ألفي فارس من بيتنا
ولي من يكفلني ويخلفني ويكفيني ما ورائي وأنت فمالك أحد
وسير جتر خان إليه في الجواب وكان خواجاجهان نازلا بمنوشهر


وفيها كما تقدم كان وصل الكمال بن مهاجر وصحبته تقي الدين
وحكى أن زوجة الخوارزمي التي كانت عند الخليفة كان قد جهزها إليه قبل الكسرة وأعطاها عطاء لم يسمع بمثله وسلمها إلى رسل الخوارزمي الواصلين إليه بسببها بعد أن توثق لها منه غاية التوثق فلما وصلوا إلى إربل سمعت بكسرة الخوارزمي فقالت ما بقيت أروح من هاهنا إلى أين
فجهدوا بها فأبت
فقال صاحب إربل لغلمان الخوارزمي تروحون من عندي وإلا إن طلبكم الأشرف ما أقدر أحميكم
ثم نفاهم من عنده وعادت زوجة الخوارزمي إلى العراق أقامت به
وفيها طلب المظفر غازي من الأشرف أرزن فأنعم عليه بأخذها ورسم بتوقيعها ووصل قاضي أرزن ابن الشهرزوري العماد بهدية إلى الأشرف وتهنئة بالكسرة ويعتذر بمرضه عن تخلفه فقبل هديته وقال له حديثكم مع أخي المظفر إن رضي فلا أي كلام فلما توجه هذا القاضي المذكور إلى المظفر اعتقله يومين ثم قال له

هذه أرزن لي ما بقي فيها كلام والمصلحة تسليمها إلي ونعطيه ما يتبلغ به بقية عمره
وأما زوجة صاحب أرزن ابنة الأوحد بن العادل فما رعيت في ذلك
ثم إن المظفر سير إليها حاصرها ونصب مجانيق عليها وسير الأشرف الجمال الكاتب إلى صاحبها فما أجابه فلما تواتر الحصار وعاين أخذها وعجزه قال صاحبها ما أسلمها إلا إلى الأشرف وثوقا بأنه ربما أبقاها لبيته وكبره ولأخته ولخدماته حتى إنه أسر بخلاط ومشى مدة مع كبره راجلا في ركاب الخوارزمي
وفيها سير الأشرف شمس الدين التكريتي إلى الكرج وإلى صاحب الدربند شروان
فقال له شروان تعرف صاحبك أنه كان عندي جماعة من الخوارزمي ليتناولوا من مغل بلادي الثلث

فقتلتهم جميعهم وقد سيرت إلى الكرج أيضا استنجدتهم وأما الخوارزمي فقد توجه إلى توريز بعد أن كان قد جمع واستخدم زيادة على من عنده ألف فارس ولا شك في خوفه من التتر والتتر قد خرجوا عليه فتعرفه ذلك
وفيها وصل ابن صاحب سر مارى الأصيلي وتلقاه الحافظ وكريم الدين وقابيا
وفيها قبض الأشرف على حسام الدين خضر وابنه صاحب سر مارى المقدم ذكره لأنه كان قد أساء كثيرا عند تمليك الخوارزمي وإعطائه له أرجيش وحمله بعد ذلك إلى دمشق
وفيها بأرجيش أيضا وصل كتاب إيواني ملك الكرج حمي الأشرف مضمونه إن كتاب الخوارزمي قد وصلني ابتداء لا جوابا وقد سيرته لتقف على ما فيه
وعلى رأس الكتاب ترجمته

داعيه منكبرتي بن السلطان محمد بن السلطان سنجر
وإنما ابنتي تبعث تقول لي دار الخوارزمي لأجلي وكان قد بعث إيواني هذا سيفا للأشرف صحبة الكتاب لأن عادة الكرج إذا ظفر جارهم سيروا له سيفا
وقال قد عرفتك صورة الحال وأنا على ما تعهده من المعاهدة
وفيها شرع السلطان الملك المجاهد صاحب حمص في عمارة قلعة ببلد سلمية كانت قديمة على رأس جبل يعرف بشميميش وما طاب ذلك لصاحب حماة المظفر واجتهد في إبطالها ظاهرا وباطنا فجمع السلطان الملك المجاهد غلمانه وأصحابه وعسكره ورعيته وجماعة من العربان وكان قد حصل جميع الآلات وشرع فيها جملة واحدة بنفسه وأولاده أيضا ما خلا الملك المنصور ولي عهده لأنه كان بأرجيش بعسكره وأدارها بالعمارة وتسوير سورها في سبعة أيام بحيث إنها صارت تمنع من يقصدها ودار الحرس عليها تلك المدة ثم بعد ذلك كمل عمارتها كما ينبغي ورتب الولاة والأجناد وحمل إليها

الذخائر في تلك السنة وسماها ماردين الشام وهي كذلك لأنها في غاية المنعة والحصانة وحفر فيها عدة آبار وعمل عدة صهاريج وملأها ماء وخرب برجا كان قد عمل في سلمية قديما في وسط البلد وكان قد خربه الملك المنصور بن تقي الدين رحمه الله قديما فلما صارت سلمية لولده المظفر بأمر السلطان الكامل أعاد عمارته كما كان أولا فنظر الملك المجاهد في أمره فخربه ونقل حجارته وآلته إلى قلعة شميميش وقد كانت سلمية انتقلت من المظفر المذكور بأمر الكامل إلى الملك المجاهد فعمرها وحصنها وكم له من عمارات حميدة وآثارات سديدة
وكذلك عمر قلعة حمص ورفعها عما كانت عليه وحصنها وعمق خندقها وأجرى المياه من الزراعة إلى البلد نفسه وعمل القنوات وأجرى الماء في المدينة وعمل البساتين وتجرفت المياه في جميع أرضها الغربية وزرع الأرز عليها وغير ذلك وأطاعه العاصي وهذا لم يقدر عليه سواه من الملوك الذين تملكوا حمص
وكذلك عمر قلعة الرحبة كما تقدم وكذلك أنشأ قلعة بتدمر على جبل عال منيع حصين وخرب برجها الذي كان في المدينة
كل هذا خوفا

على الرعايا وجدد بحمص بيمارستانا عظيما ورتب فيه ما يحتاج إليه وأوقف عليه وقوفا ولم يكن قبل ذلك
وعمر مدرسة جميلة غير المدرسة النورية أولا
هذا وكم له من اصطناع وصدقة ومعروف وبر لا سيما إلى من يقصده وكم له من واقعة مع الفرنج صارت تواريخ وكذلك مع العربان السرايا وغيرهم وأبدا يسترد منهم الغنائم ويطاردهم هو وأولاده في البرية اليومين والثلاثة
وفيها بأرجيش كان خواجاجهان قد طلب من يصل إليه يحدثه فيما يتفق بينهم واتفق الأمر على أن المظفر غازي يسير إليه من عنده رسولا فعاد المذكور من عند خواجاجهان وصحبته رسول من عنده واتفق وصول هذا الرسول بكرة نهار عيد النحر فأمر الأشرف العساكر والملوك وعسكر الرومي أن يلبسوا ويتجملوا وأن يدخل بين يديه جميع الأكابر في الحلقة وأن يحضروا رسول خواجاجهان لا عن قصد وترتيب يتفرج عند وصوله برانية من

الطريق فحضر وأوقف بمعزل بمن معه ورأى العالم وكثرته وحسن ترتيبه ثم حمل إلى مخيم المظفر ونزل الأشرف بخيمة لباد كان قدمها له الملك المعظم صاحب الجزيرة وحضر الناس الخوان ثم انصرفوا وفي غد العيد أحضر رسول خواجاجهان عند الأشرف وسمع رسالته وإخوة الأشرف كلهم قيام في الخدمة وأكابر الأمراء تعظيما لحاله وصرف الرسول بعد ذلك واجتمع آراء السلاطين على الجواب وسيروا به الحكيم سعد الدين بن الموفق الدمشقي طبيب الأشرف لأنه يعرف بالعجمي وسار إليه
وفيها في عشرين ذي الحجة بأرجيش قبض الملك الحافظ على كاتبه محمد بن علي بن نظيف الحموي وأخذ جميع ما يملكه من مماليك ودواب وذهب وقماش ورخت وغيره وحمله إلى قلعة جعبر ليلا وذلك لكثرة سكره
وكان سبب ذلك أنه طلب أحد مماليكه فما امتنع عليه
وقيل له غير ما بذله من نفسه في ذلك القبول ووقع النشب به فلما أفاق من سكرته ندم وما بقي يمكن إلا الإتمام لما فعله


وكان هذا كله بعد أن خلع عليه خلعة العيد وأخوه أيضا

ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وستمائة
فيها انتقل الأشرف إلى خلاط ليرتب أحوالها وينتظر رسول الخوارزمي فوصل الرسول صحبة الحكيم سعد الدين وحلف الأشرف في البلد
ثم بعد ذلك أطلعه القلعة وشرب معه وأنعم عليه وأعاده
ورتب الأشرف مماليكه والعسكر والديوان بها وكان قد نقم على حسام الدين القيمري وفتح الدين بن دلدرم الياروقي ففارقاه وخدما لصاحب آمد ثم توجه الأشرف إلى أرزن فتسلمها وسلمها إلى المظفر وأعطى دستورا للعساكر وسار صحبته الحافظ

وصاحب الجزيرة ووزراؤه وفارقه السلطان الملك المنصور إلى الرحبة لأن والده السلطان الملك المجاهد كان قد وصل إليها
فأقام الأشرف بدارا يومين ثلاثة ثم انتقل إلى نصيبين وبقي كذلك ثم توجه إلى سنجار وبقي مدة يفرج بها صاحب الجزيرة وقال له تجيء إلى دمشق فتفرج فيها أياما فما أمكنه مخالفته فسار معه فلما وصل إلى قرقيسيا بلغه أن السلطان الملك المجاهد وقع في الصيد عن فرسه فساق إليه جريدة افتقده فأطلعه إلى قلعة الرحبة وقدم له كما جرت العادة واستحسن القلعة وشكرها كثيرا ثم سار إلى دمشق وفارقه أخوه الحافظ إلى قلعته فأقام الأشرف أياما يسيرة بدمشق ثم توجه وبقي الملك المعظم مقيما بدمشق يتفرج إلى أن سير إليه استدعاه للطلوع إلى مصر فسارا إليها فتلقاهما السلطان الملك الكامل وضاعف احترام صاحب الجزيرة وأعطاه عطاء كثيرا

ثم ترك والأشرف وسار إلى الاسكندرية ثم عاد وفرج صاحب الجزيرة في دمياط وغيرها
وفيها شفع صاحب الجزيرة بمصنف هذا التاريخ محمد بن علي ابن نظيف إلى الأشرف بمكاتبته إلى مخدومه الحافظ بإطلاقه فكتب الأشرف في ذلك وأمر الحافظ بإعادة جميع ما أخذ له عن آخره وأن يحسب جميع ماله ولمماليكه من حين قبض وإلى حين الإفراج عنه ويعطاه جملة ويضاعف حرمته وما كان له ولا تمكنه من المفارقة ليضل وتحسن إليه فقبل شفاعته وأطلقه بعد تحليفه ألا يفارق خدمته
وجميع ما رد عليه من جميع ما أخذه له مملوكان كبيران لا غير وأربعة دواب
وكان كل وقت يمنيه ويعده فأطال عليه وخاف من غدره فتسحب ليلا إلى الرحبة من قلعة جعبر فوجد المولى السلطان الملك المنصور ناصر الدين إبراهيم ولي عهد والده فيها فأحسن إليه وخلع عليه خلعة جميلة وحمل له جميع ما يحتاجه

ورتب له بعد ذلك راتبا معتبرا من طعام وحلاوة وشمع وقصيم دواب ثم كاتب السلطان الملك المجاهد به فوصل كتابه إلى الولاة بتقرير راتب كفايته وزيادة وأطلق له أشياء وبسط أمله وأمره بالمقام فيها إلى حين وصوله فبقي في خدمة السلطان الملك المنصور في أحسن كرامة إلى أن استدعيا إلى حمص
فتلقى ولده السلطان الملك المجاهد إلى سلمية ولقيه المذكور فبسط أمله وأحسن إليه وأطلق له جملة ورتب راتبه الذي كان له بالرحبة وأطلقوا له أولاده كلهم على طبقاتهم وأحسنوا في حقه إحسانا كثيرا
ونقل بيته إلى تحت ظله بحمص ورتب جامكية تكفيه وزيادة مع الإحسان إليه المتتابع أولا وآخرا
وكم له مثل هذا مع من يقصده
عدنا إلى حديث الأشرف بمصر وصاحب الجزيرة وهم في ضمن لذتهم دخل التتر إلى البلاد فلما تحقق الخوارزمي قصد التتر له أطلق مجير الدين بن الملك العادل الذي كان في إساره ومملوك الأشرف بكتمر الأحول وسير صحبتهما رسولين من عنده وقال له نفسك لك


فتعرف أخاك الأشرف بالتتر فما هم قليل وهم أعداء الدين فوصل مجير الدين وتلقاه صاحب ماردين وأحسن إليه ثم تلقاه الحافظ إلى قريب حران وحمله إلى قلعته وضاعف إليه الإحسان وإلى الأمراء الخوارزمية ثم سار بهم قاصدا الأشرف فأقام بدمشق أياما ثم طلع إلى مصر هو وأخوه تقي الدين عباس فأحسن السلطان الكامل إليهما وأما الخوارزمي فإنه تسحب بمن كان معه إلى آمد من خوفه من التتر بعد أن كان قد جمع وعزم على قصد الرومي فأعجله التتر فقصد آمد وقال لصاحبها ما نكلفك نجدة ولا إقامة بل إن تبعنا التتر واحتجنا تكن آمد ظهرنا قال نعم وكرامة فلما وصل التتر وأغاروا على الخوارزمي وكبسوه ليلا ومعه الآمدي في عدة له يحمل أثقاله وقماشه وسار خائفا وتفرقت أصحابه في تلك

الخطة لا يهتدون على مسير
أما الخوارزمي فإنه ما علم أي جهة أخذ وقالوا قتل وقالوا لا بل في الحياة وتسحب خاله ومعه جماعة إلى المظفر غازي والباقون تشعبوا في الجبال لا سيما جبل ليسون
وزوجة الخوارزمي وسراريه وخدامه وقطعة كبيرة من عسكره طلبوا أمانا من صواب
فأمنهم ثم غدر بهم فنهبهم هو وعسكره وأخذوا أموالهم وأحيط بزوجته في قلعة حران وبعد ذلك استدعيت إلى دمشق أقامت بها
وأما التتر فإنهم قصدوا الجهة التي قصدها الخوارزمي ودخلوا الجزيرة ونهبوا وقتلوا وسبوا وعاثوا في البلاد وبلغت غوارتهم إلى الجبال بسنجار وقاتلوا نصيبين

وجرى لهم بسعرد من القتال والقتل والغدر ما تجاوز الحد
وما يعلم مقدار من قتلوه منها وما نهبوه وكذلك دنيسر قتلوا أهلها وسبوهم وأحرقوا الجامع وكان قد احتمى به جماعة فحرقوهم في الجملة وعادوا عن حمية إلى مواضعهم وما وجدوا في الجزيرة من رد ثم لهم نشابا وقد ذكر أن هؤلاء الغوارة ما بلغوا ألف فارس وفعلوا في البلاد ما فعلوه وأخافوا الناس وارتحلوا من الجزيرة إلى الشام وجلا أهل رأس عين الخابور وغيرهم ودر بت دروب أكثر البلاد وامتنعوا من فتحها وكل هذا والأشرف وصاحب الجزيرة عند السلطان الكامل بمصر
وفيها قفزت الباطنية على أحد رسولين جاءا من الخوارزمي

أحدهما يقال له المخلص قتلوه بدمشق وكان له أموال فأخذ الجميع الملك الصالح وقالوا إن الباطنية كان بينهم وبين والد المخلص عداوة أوجبت ما فعلوه
واتفق وصول رسل التتر واجتمع بهم السلطان الملك المجاهد بحمص ووصلوا إلى دمشق فخاف عز الدين بلبان الرسول الآخر من الخوارزمي على نفسه فهرب بجماعة معه وتسحب إلى شاطئ فرات الرحبة فنزل عند عرب غدروا به وأخذوا ما كان معه
وكان معه جماعة قطعوا الفرات وبقي هو وسير الصالح بن العادل خلفه فقبض بوالي قرقيسيا وكان السلطان الملك المنصور في الرحبة إذ ذاك فأحسن إليه وجهز إلى دمشق من الرحبة
وفيها وصل رسول الخليفة إلى الديار المصرية بالخلع والتقليد بقي مدة لم يجتمع بالسلطان الكامل وكان الغرض من تأخيره ما قد استوفيناه في تاريخنا الكبير ثم بعد ذلك وصل السلطان الملك الكامل في البحر وخلع عليه وقلد تقليدا لم يقلد به غيره من سائر الملوك

من بيت العباس وزادوه زيادات عظيمة في التقدمة له والقول وكذلك للأشرف وكذلك لولده الصالح ولمن عينوه وخلعة للوزير
فقال ما لي وزير قيل هذه عادتنا معكم فبقي أياما
ثم أعطاها لكاتبه الفخر سليمان ابن الخباز الدمشقي لأن أباه كان خبازا بها مشهورا
وفيها خرج الملك العزيز صاحب حلب ودار في جميع بلاده وذلك أول خروجه إلى البلاد

ثم دخلت سنة تسع وعشرين وستمائة
فيها كثر الإرجاف بعود التتر إلى الجزيرة بعد أخذهم كنجة وقتل كل من فيها لأنهم كانوا قد تديروا موغان وبها شتوا وصاروا

يغيرون ويعودون إليها واهتم الخليفة اهتماما عظيما وكثرت رسله إلى الكامل والأشرف في نزولهم الشام واستخدم الخليفة عربانا كثيرة وغيرهم من أجناد وبذل الأموال وبقي في نفسه فعل التتر في بلاد الجزيرة
ثم إن التتر عادوا إلى الجزيرة طمعا بأهلها فنهبوا أيضا وقتلوا وسبوا ووصلوا إلى جسر بدايا ودخل بعضهم عليه وأخافوا كل البلاد من قوتهم وإقدامهم وتسحبوا من بين أيديهم
فنزل الأشرف إلى الشام وصحبته صاحب الجزيرة وقد وعده السلطان الكامل بلحاقه وتقدم الكامل نزول العساكر المصرية إلى الشام وتجهزوا وقدم عليهم فخر الدين عثمان أستادداره فلما وصل الأشرف تلقاه إخوته والسلطان الملك المجاهد وأولاده ووصل الملك المظفر صاحب حماة للقاء الكامل فلما وصل الأشرف قدم له الملك المجاهد تقدمة حسنة على يد الأمير صفي الدين سودان وفارق صاحب الجزيرة الأشرف عائدا إلى بلاده وتحمل للبيكار
ونزل الكامل في هذا الشهر إلى الشوبك
فأقام

به مدة ثم وصل إلى دمشق وتلقاه الناس وأمر المظفر بأخذ ابنته والدخول بها في دمشق ففعل ذلك
ووصلت ابنته أيضا زوجة صاحب حلب الملك العزيز وسار معها قاضي العسكر المصري وفخر الدين البانياسي وتلقاها عسكر حلب مع بعض أهلها إلى حماة فكان عرسا عظيما
وفيها استبد الملك العزيز صاحب حلب برأيه ورفع أتابك شهاب الدين يده ولسانه فقطع العزيز جماعة أمراء وأخذ أخبازهم
وفيها صالح صاحب الروم الأشكري وأخذ أموالا كثيرة من بلاده بسبب خروج التتر
ووصل عسكر الكامل وفي مقدمته ولده الملك الصالح وكان فوض ولاية العهد عند نزوله من مصر إلى ابنه الصغير الملك العادل ورتب وزيره المعين ابن شيخ الشيوخ
ثم صارت العساكر تتبع بعضها بعضا أولا فأولا فأخذ الملك المجاهد دستورا وتقدم إلى

حمص لإتمام أشغاله
ووصل الكامل إلى سلمية
وحمل له من الإقامات حاجاته وكذلك حمل إلى سائر الملوك
ثم سار وعيد في الطريق ووصل حران ونزل بها ووصل عسكر حلب
هذا والتتر قد أحاطوا بقلعة خلاط ولم يبق إلا تسليمها فرحلوا عنها يدا واحدة خوفا من السلطان ونزل من كان بها مثل شيرون سبع مجانين أحد الأمراء الأشرفية وقال لو صبروا يومين ثلاثة أخذوها وإنما فرج الله عنا ببركات السلطان
وفيها سير الكامل عماد الدين ابن شيخ الشيوخ إلى الخليفة من حران
وفيها وصل مملوك فخر الدين ابن شيخ الشيوخ من مكة يخبر أن صاحبه أخذ مكة واستحلفها فما أعجبه وقال نحن أمرناه بأن يصل الينبع لا غير من أمره بأخذ مكة فما طاب له ذلك
وفيها بحران كتبوا مهر ابن سلطان الروم الذي من ابنة العادل على ابنة الأشرف


وفيها وصل الخبر بوصول ابن الجوزي من الخليفة فاهتموا بلقائه
وكان الأشرف غير طيب القلب لصاحب آمد وقد نزل الكامل على قصده وكان قد سير الآمدي وزيره شرف العلاء إلى الملك الكامل بتقدمة وإلى الأشرف فقبلها الكامل ولم يقبلها الأشرف وضبطوا شرف العلاء عندهم بحران مدة مقامهم وصاروا يهتمون بقصد آمد وشرف العلاء يمغلط مخدومه وما يصدقه ذلك
والآمدي يواصل بالهدايا ولا يحترز لنفسه ووصل إليه رسول الرومي وطيب قلبه وقال لا تخف أنا أصل إليك بنفسي فلما كان قويت عزيمتهم على قصد آمد فسار السلطان الكامل إلى الرها وأمر العساكر بالرحيل أولا فأولا على تعبئتها ميمنة وميسرة وقلبا
ثم أمر بتلقي رسول الخليفة ابن الجوزي وإتيانه إلى أي موضع كان به وهذا وقع إهانة له فلم يجتمع به إلا على السويداء على السماط أيضا ولم يخرج

على الطريق أحد له وتسحب على السويداء ورحل طالبا آمد فحينئذ تحقق الآمدي القصد له
فرتب بلده كما جرت العادة من غير أجناد ولا رجالة ولا من هو طيب قلب منه ووصل رسوله إلى السلطان الملك المجاهد ليعمل نوبته مع السلطان الكامل ولم يبذل إلا ذهبا ولا طلب بعض البلاد ولا نزل عن شيء ولو كان طلب ذلك لهان ولم يزل في قلة عقله إلى أن أحتاطت العساكر بها من كل مكان وحمل شرف العلاء إلى الرها تحت الحوطة فلما نزل عليها جاءت تقدمة المارديني ورسله ثم وصل من عسكره ألف فارس كما ينبغي وبذل من نفسه أشياء وسير دسوس خيم معتبرة من أكسية مغربية ولباد للسلطان والأشرف والملك المجاهد والناصر بدمشق ثم شرع الأشرف في عمل آلات الحصار والزحف وكذلك الكامل والملك المجاهد وكل الملوك وشرعوا في عمارة آدر للكامل والأشرف وفيما هم في مثل ذلك وقع عزم السلطان الكامل على الزحف ورتبوا المجانيق واتفق الزحف عليها من كل جانب بعد صلاة الظهر إلى قبل العصر فأخذت النقابون النقوب في الباشورة وكشف الرماة

الأسوار بنشاب أكثر من المطر بحيث دخل معظمه في أحجار السور ثم شرعوا في نقب السور الكبير فطلب أهل البلد الأمان واستغاثوا فوقعت الرحمة لهم من الكامل ومن سائر الملوك والناس فآمنهم وطلب صاحبها الأمان فلم يجبه ثم بعد ذلك سأل الأمان ليلا بصاحب حماة المظفر وشمس الدين صواب على نفسه فأجابه إلى ذلك وأعطاه منديله
وكان الناس قد هجموا البلد ونهبوا معظمه فخرج المسعود صاحب آمد ومنديل السلطان الكامل في رقبته ومعه صاحب حماة وصواب ووصل إلى عند الكامل فأمكنه من النزول وتلقاه وأنزله عنده أولا وصارت الملوك يسلمون عليه عنده ثم نقله بعد ذلك إلى الخيمة التي كان سيرها المارديني للكامل بدهليزها وبيوتها وكان عنده الشهاب أحمد ثم انتقل الكامل إلى البلد ونزل في آدرها وكذلك الأشرف وأخلى الملك المجاهد البيمارستان والناصر والعزيز ودخل البلد من قدر على دخوله

ورتب لصاحب آمد في الخيم مطبخه لم يغيره ولا منع منه بعض غلمانه وجمداريته وأمير جانداره وفرس النوبة في الكرد آخر كما جرت عادته وكتب له خطه وأعطى السلطان أوراقا بعلائم قلاعه جميعها بالتسليم ما خلا حصن كيفا فإنه قال ما هو لي ولا في حكمي ولا يقبل شيء في أمره ثم بعد ذلك سير الكامل إلى القلاع وتسلم بعضها وخطر له أنه يخرب معظمها ووصل أولاد صاحب ماردين إلى الخدمة ولي عهده وأخوه للتهنئة فتلقاهم وأكرمهم وأنزلهم عنده في تلك الآدر ثم نقل الملك المسعود صاحبها إلى البلد وأنزله في طيارته التي يحبها ورتب الجاووش والجاندارية والسنجق

والدوشاخ والجمدارية كعادته
وبالغ في إكرامه وصار له من الراتب جملة وأطلق له جميع ذخائر القلعة وكان فيها جملة فحملها إلى بيته بالقصر وأباع نوابه جملة وكان نازلا في القلعة صاحب الجزيرة وصاحب حماة ثم سير الكامل حجارين إلى قلعة الجبابرة خربها وإلى أكل خربها واتفق أن صاحب الروم أفسد عليه قلعة كركر وعصت بعد أن كان قد سير إليها مثقال الجمدار وابن

قيسوم يتسلمانها فعصردا من الأشرف أن يسير إليهم من عنده إلى نائب صاحب الروم بحكم الصداقة فسير إلى صاحب السويداء مرتين فما قبلوا منه وقيل له إن الرومي شراها بألفي ألف درهم وخمسين ألف درهم
فعادوا أشاروا على السلطان الكامل ترك باقي القلاع ولا يخربها فتركها وندم على ما خربه وصار الكامل يشرب عند صاحب آمد ويوعده منه إليه بكل خير ويطيب قلبه وسير الصلاح الإربلي والبانياسي بألف فارس إلى حصن كيفا وفاوضهم ووعدهم بأشياء يبقيها عليهم فلم يقبلوا وأصروا على العصيان ثم سير صاحب آمد أمه صحبة قاضي العسكر الحسيني فشتموها وما

أجابوها وعاد قاضي العسكر مريضا وصار كلما لجوا في العصيان حنق الأشرف والكامل فاقتضت الحال التضييق على صاحب آمد والإهانة له وعصره ففعلوا به ذلك وعصروه وقيدوه
وهم في هذا وصل محيي الدين بن الجوزي من الخليفة يهنئ بآمد ويشفع لصاحب الموصل وإربل فقبل الشفاعة وحلف لهم وطلب أبو فراس أمير الحاج العراقي دستورا إلى بغداد وقال أريد تظهر آثار نعمة مولانا علي في العراق وكان قبل ذلك قد عاد والده إلى العراق
وسلم إليه جميع أملاكه فوعده الكامل عند عوده إلى الشام يعطيه دستورا وتجهز رسول الخليفة عائدا إلى بغداد والشيخ عماد الدين ببغداد مريض
ثم إن السلطان الكامل حنق على الرومي لأشياء منها منعه التركمان من الوصول بغنم أو غلة وقضية كركر وكرفازاك وكان قد عصى مع حصن كيفا عدة قلاع مثل الجديدة والقرشية

وقلعة نجم والهيثم وباتاسا وغير ذلك
قالوا خذوا الحصن ونجم تسلم من غير قتال فاتفق الحال على الرحيل عن آمد بعد أن رتب الملك الصالح فيها وصواب وتعيين من عينه من العساكر فيها والذين يستخدمونه عليها ويتوجه الملك الأشرف بنفسه إلى الحصن يفاوضهم فإن سلموه فلا كلام وإلا تركوا عسكرا ورجالة إلى الربيع
وأعطى السلطان لعسكر ماردين دستورا قبل باقي العساكر واتفق أن السلطان الملك المجاهد يرحل أيضا
أما الأشرف فإنه قطع الشط سائرا إلى الحصن وبعده إلى سنجار يشتي بها ويعود إلى الحصن وبات عنده السلطان الكامل وودعه ليلة مسيره
وفي بكرة تلك الليلة تبعه الملك المجاهد ودعه وكان قد سار هو والمظفر والحافظ وابن المغيث إلى الحصن فلما عاد الملك المجاهد حمل ما يناهز مائة خلعة معتبرة لأصحاب السلطان الكامل بعد إذنه له على يد بهاء الدين مروان

ابن قابيا وحملها وودع الكامل ووصل إلى رأس عين الخابور ومنها قصد الرحبة وأعطى أصحابه دستورا بعد أن أطلق لهم وأحسن إليهم وسار هو وجميع أولاده إلى الرحبة
وأما السلطان الكامل فإنه كان قد قدم عليه القاضي شهاب الدين قاضي الرقة فأحسن إليه غاية الإحسان وفاوضه في أحوال الرقة وظلم الجواد لأهلها وأنه ما بقي فيها خمسمائة نفر فرفع يد الجواد منها وسلمها إليه وكتب له توقيعا بإعادة من كان نزح منها وفاوضه في كمال الدين بن شيخ الشيوخ وذكر أنه قد عزله لما قيل عنه من ظلم وجهل بالعمل وأخذ الأموال وغيرها والله المطلع على صحة ذلك وسقمه
ثم سار الكامل وترك الملك الصالح مريضا ورتب عنده أطباء وسار إلى السويداء أبصرها وتلقاه كمال الدين إليها بالإقامات كما جرت العادة ثم قصد الرها نظر في أحوالها وولى وعزل ورتب ثم وصل

حران فقبض على كمال الدين ووكل عليه ثم نقل بيته إلى الرها ونقله هو إلى قلعة حران
وقبض وكيل بيت المال النجم الفقيه المغربي أخذ منه أموالا وقبض على السامري الذي كان أسلم على يد الملك الأشرف وأخذ منه عشرة آلاف درهم ثم قطع يده ثم من الجمال بن الصلاح شيخ الخوانك ومشهد الذهباني وأخذ منه ستة آلاف درهم وغير هؤلاء كل هذا بسبب كمال الدين
وولى البلاد لتاج الدين بن شكر والتقي بن حمدان مستوفي البلاد
ومات في هذه السنة فخر الدين عثمان أستاذ الدار بحران بعد مرض طويل


ومات النجم بن الحمصي مشد الديوان بمصر كان ثم بآمد عند فتحها
وابن الشهاب أحمد
ومات والي الإسكندرية
ومات ابن الملك المغيث بن العادل ونقل إلى دمشق
ومات خلائق أخر على آمد
ومات شمس الملوك ابن ابن صلاح الدين كان الكامل رباه يحبه ويثق به

ولما دخلت سنة ثلاثين وستمائة
كان السلطان الملك الكامل قد رتب ولده الصالح بها كما قد تقدم ذكر هذا وأما الأشرف فإنه سار إلى حصن كيفا بمن ذكرناهم وتبعه الصلاح الإربلي وصحبته صاحب آمد مقيدا فلما حضر عندهم تحت

الحصن قال لهم سلموه إلى نواب السلطان الملك الكامل فقد والله أحسن إلي غاية الإحسان ووعدني وعودا جميلة فلا تحرموني إياها وبقية إحسانه فقالوا له أنت أحلفتنا لك ولولدك أحضر لنا فتيا بأن ما تلزمنا اليمين فأحضر لهم فتيا فما قبلوا وهم أربعة ولاة وأركبوا ولده في الحصن ورفعوا السنجق على رأسه وسلطنوه ومشوا في ركابه
ثم اختلفوا على التسليم وعدم التسليم وفتحوا الخزانة وأخذوا باطية ذهب من ستين ألف دينار مصرية قطعوا منها قطعا وتقاسموها بأمر أم ولده
واتفق نزول واحد من الحصن حضر عند الأشرف فأعطاه عطاء كثيرا وخلع عليه خلعة عظيمة فسار تحت الحصن ورأوها عليه فرمى الناس أنفسهم من الحصن وعلقوا الملك المسعود بنفسه قبالتهم فأجابوا إلى التسليم وحثوا الأشرف على جمع ما للمسعود فيها من أموال وعيال وأن يرتبهم على أخبازهم ففعل وحلفوا هم وفتحوا الحصن وأنزلوا جميع أصاحبهم وطلع الأشرف إليها دارها
وما بات بها ليلة وتسلمها صواب وكذلك بقية الحصون وولوا فيها ولاة كما جرت العادة
ووصلت كتب

الأشرف إلى السلطان الكامل بذلك فتوقف إلى أن وصل الأشرف وطلع هو وهو إلى دمشق فأقام يويمات ثم سار إلى مصر
وكان قد وصل رسول من الفرنج يقال له مسيرريمون على يده طير يقال له سنقر قال إنه شراه من داخل البحر بثلاثمائة أوقية ذهب بأمر الكامل والعهدة عليه في قوله
وخبر أن رسل الأمبراطور وبندقة وجنوة وغيرهم في الإسكندرية من مدة وخبر أن كسرة الأمبراطور كانت صحيحة غير أنه ما بالى بها وأنه قوي على البابا وغيره
والبابا في طلب مراضيه
ثم وصل الصلاح الإربلي وصحبته صاحب آمد أقام بدمشق أياما وشرى الآمدي فيها دارا وبستانا وأباع بقية تيك الباطية وقال صاحب آمد والله إن السيف الآمدي رجل عالم كان قد عزم على الوصول إلينا فلما سار عن دمشق عزل الأشرف السيف الآمدي وأمر بخروجه من دمشق فشفع

في حقه فبقي فيها معزولا وسكن المزة لا يدخل البلد
وفيها كان مانع بن حديثة قد خاف على نفسه من الكامل وتسحب إلى العراق وعمل معه الخليفة من المكارمة ما لا عمله مع غيره
وفيها كان السلطان الكامل قد أمر الملك المظفر صاحب حماة بأخذ بارين وهم في آمد فلما وصل إلى حماة اتفق نحس صاحبها الناصر وسوء مخيلته وبخله فنفر من سائر جماعته ونفروا منه وانقضوا كلهم عليه مع أخيه المظفر وعملوا العملة ثم سيروا إلى المظفر فحضر ليلا وما أصبح الصبح إلا وهو محاصرها ونصب المجانيق عليها ورتب الرجالة وراسله المظفر بالتسليم فأبى وعصى تسعة أيام ثم لما عاين الظفر به طلب الأمان بنفسه وهم برمي نفسه من القلعة في هلعه فأمنه المظفر وسكن روعه ووعده بالإقامة فأبى وقال لا بد لي من مصر فمكنه من أخذ أهله وسار إلى دمشق فما مكنه الأشرف من المقام بها ولا رآه وقال يمضي إلى السلطان الكامل مهما رسم عملنا بمرسومه وقد كان متيمنا إلى الأشرف من حيث ملك

حماة وطلع إلى الديار المصرية وأقام بها ذليلا حقيرا لا يلتفت إليه ولا يلوى عليه
وفيها طلب الملك العزيز بن الظاهر بحلب شيزر فأنعم بها الكامل عليه على لسان سيف الدين بن قلج فجاء إليها وحاصرها يومين ثلاثة فلما وصل العزيز بنفسه طلب صاحبها أمانة على نفسه وجميع الأموال فأجابه إلى ذلك فحلفه ونزل منها بجميع الأموال وولى في قلعتها ابن عثمان زردك وفي بلدها ابن دينار الكردي
وفيها أخذ الملك العزيز صاحب حلب من أتابك شهاب الدين طغرل تل باشر غصبا ورفع يده من القلعة وولى فيها مملوكا له ونزل شهاب الدين إلى المدينة
وفيها وصل الخبر بأن صاحب مكة جمع خلقا من عرب وغيرهم وأعانه ابن رسول من اليمن فأخرج ابن شيخ الشيوخ فخر الدين منها هاربا إلى الينبع وما كاد يسلم
وفيها مات الملك العزيز بن الملك العادل بدمشق وطلع ولده الملك الظاهر إلى عمه السلطان الكامل فأحسن إليه وكتب له

بخبز أبيه جميعه وبقي عنده مدة ثم طلع الملك الناصر من الكرك إلى السلطان الكامل شاكيا فتلقاه وودع ابن الملك العزيز
وفيها جدد الأشرف دارا للحديث وهي دار قايماز النجمي
وفيها قبض على نواب دمشق مثل الشرف يعقوب وعلى القضاة وجمع المتولين وأخذ منهم جملة أموال
وفيها عاد مانع بن حديثة من العراق وانصلح حاله مع الأشرف ونزل بأهله الغوطة
وفيها عاد الملك المجاهد من الرحبة بأولاده إلى بلده فمرض بعد وصوله
وفيها وصل محيي الدين بن الجوزي من الخليفة إلى الديار المصرية وتلقاه الملك المنصور بحمص


وفيها خرب الملك المظفر صاحب حماة مدرسة الحنفية التي في سوق الأسفل وكذلك المسجد المعروف ببني نظيف على العاصي الذي لم يكن مثله في العمائر وأمر بسد أبواب الآدر النهرية وبنى سورا قدامها وسد باب الجسر الشمالي وحول باب الثقفي من مكانه وبالغ غاية المبالغة في الحصانة
وفيها شرع يعمل نعلة لقلعة بارين وحسن خندقها وحصنها
وفيها شرع المظفر أيضا يعمل برجا في الفحيم بوادي البرية من أرض حماة وحلب وسلمية وكذلك عمل قلعة بالمعرة لم تكن قط وفرغ منها في بقية سنة إحدى وثلاثين وستمائة
وفيها صالح المظفر صاحب حماة الفرنج بحصن الأكراد على نصف ما كان لهم على بارين أولا


وفيها وقع الإرجاف بموت مظفر الدين صاحب إربل وجرى في موته ما قد استوفيناه مشروحا في تاريخنا الكبير
وعلى الجملة ففتحها عسكر الخليفة بعد عصيانها عنوة
وقتل خلقا كثيرا وأحرقوا ونهبوا نهبا عظيما
وبقي فيها الشرابي وقشتمر وخواص الدولة
وفيها كان قد عبر الملك الصالح بن الملك العادل إلى سنجار بعسكر الأشرف ذخيرة لمن هم بآمد فتلقاه الملك المنصور وإخوته وكان السلطان الملك المجاهد عاجزا لمرضه عن تلقيه ثم عاد تلقاه إلى البساتين وأطلعه إلى القلعة بحمص وقدم له أشياء ثم سار


وفيها ألح الأشرف بطلب السلطان الملك المجاهد إلى دمشق
فلما صلح من مرضه طلع إلى دمشق فتلقاه وقدم كل لصاحبه أشياء وعمل له دعوتين ثلاث في القلعة وفي بستانه وخرج الأشرف إلى الصيد بالحارثية وغيرها
وكان غنام ومانع ومنيع وجميع العربان نزولا في الغوطة عملوا دعوة للأشرف فخرج إليهم بقي أياما والسلطان الملك المجاهد بدمشق في البلد واتفق أن خفاجة وغزية نزلوا بتدمر للأذية في البلاد فاتفق الأشرف والملك المجاهد وأمراء العرب على قصدهم ونهبهم ففعلوا ذلك وجهز الملك المنصور من حمص من كان عنده بها لأنه كان مقيما بها ولم يكن مع أبيه بدمشق فأخذوا ونهبوا نهبا عظيما من جمال وغيرها
وكان أعاريب قد أغاروا على عرب الملك المجاهد من خالد فاستعاد لهم أجمالهم في طلعته إلى دمشق


وفيها مات الأمير مانع بالغوطة فحملوه دفنوه بسلمية واتفق الأشرف والملك المجاهد على تأمير ابنه مهنا وخلعا عليه
وفيها مات نجم الدين حسن بن الملك الحافظ وأبوه في غاية المرض
وماتت أم الملك الصالح بن العادل
وماتت ابنة الأمجد زوجة المغيث
ومات ابن الملك العزيز الظاهر بدمشق بعد أن كان قد خلع في العيد الكبير على جمع أصحاب أبيه ما يناهز مائتين وأربعين خلعة
وفيها عاد ابن الجوزي من مصر فتلقاه الملك المجاهد وأولاده وأكابر أهل دمشق والقضاة والفقهاء وأنزلوه بدار أسامة والأشرف بالحارثية
وفيها وردت الأخبار بتمليك الرومي خلاط وأمر بعمارتها ونقل إليها الفلاحين والغلال وزرعها ومتولي هذا جميعه

حسام الدين القيمري لأن الأشرف كان قد أحنقه لما قطعه ولابن دلدرم وخدما لصاحب آمد فأما ابن دلدرم فمات
وأما القيمري فأمر الأشرف صاحب آمد أن يمسكه واعتقله ثم عاد أطلقه فسار إلى الرومي وخبره على ما قد فعل وقال أنا أفتح لك البلاد وشرع في شيء بعد شيء وخاف الناس بعد تمليكه بخلاط من الطمع بغيرها
لأن الرومي أخذ كركر وكرفزاك وبابلوا وجميع البحيرات التي لآمد وهذا في غاية القوة وانضاف إلى ذلك خلاط وعنده جماعة من العساكر الشامية وأتباع ابن كريم الدين الخلاطي
ثم عزم السلطان الملك المجاهد على العود إلى بلده فركب إلى الأشرف وودعه في البرية وقد جمع الخيول للسباق
ولما كان في وادي الممصخين استهل هلال سنة إحدى وثلاثين وستمائة ليلة الجمعة
وكان الأشرف بجرود وفي عزمه لقاء رسول الخليفة بقارا

وكان الكامل والناصر بن المعظم عنده بدمشق والمظفر غازي والملك الصالح وصواب بآمد والملك الصالح إسماعيل بسنجار والملك الحافظ وأخوه مجير الدين وتقي الدين عباس مرضى بدمشق وقد أبلوا من مرضهم والملك العزيز بحلب بحارم والملك المظفر صاحب حماة بالمعرة لعمارة القلعة والملك المنصور إبراهيم قد تلقى أباه إلى النبك
وفيها مات الأبرنس وسير الملك المجاهد يعزي ولده ويهنيه
وفيها مات للملك المظفر بن الملك المجاهد ابنان وكان بحمص من الوباء والموت والأمراض ما لا يعبر عنه ولا سمع بمثله
وفيها مات أتابك شهاب الدين طغرل أتابك حلب وسار الملك العزيز إلى تل باشر يعشرها


وفيها مرض السلطان الملك المجاهد صاحب حمص وهو بظاهرها وأبل
وفيها كان قد وصل من السلطان الملك الكامل هدية من قماش وخيل وغيرها للملك المجاهد فسير بعضها للملك الأشرف وقال هذه تصلح لطريق مصر
وفيها كان الملك الأشرف قد اجتمع برسول الخليفة ابن الجوزي على قارا
وفيها سار الملك المجاهد إلى الأشرف واجتمعا في الوادي الشن
وفيها وصل بدر الدين قابيا رسولا من الأشرف إلى الملك المجاهد بقي عنده أياما بظاهر حمص ثم توجه
فهذا جميع ما قد وقع في الاختصار من المتجددات إلى آخر هذا التاريخ وهو في ثاني عشرين صفر من سنة إحدى وثلاثين وستمائة ومهما تجدد فالمملوك يذيله ببقاء مولانا السلطان إن شاء الله
وفيها توجه الملك الأشرف إلى الديار المصرية


وفيها وردت الأخبار بأن ابن الكامل وصواب أغارا على بعض بلد آمد الذي كان قد أخذه الرومي منه بلد كركر وبابلوا وكرفزاك ونهبوا وكذلك عسكر الرومي أغاروا على بلد الحصن وأرزن وميافارقين وأن الطائفة التي تأخرت من الخوارزميين عن الخوارزمي وبقوا في البلاد جاءوا إلى خلاط أخذوا المدينة وشرعوا في حصار قلعتها
والله أعلم
وفيها ورد على الملك المجاهد بحمص رسول كيقباذ صاحب الروم في شهر ربيع الأول وكان الملك المنصور في الصيد فاستدعاه والده بهذا السبب إليه
وفيها سير الملك المجاهد هدية للفرنج وللإسماعيلية في الشهر المذكور
وفيها وصلت رسل التتر إلى إربل والموصل واشتروا جمالا وأقمشة وأقيم لهم الراتب في الموصل بإذن الخليفة لهم في ذلك


وفيها سلطن لؤلؤ الموصل لا بل أمر بسنجق بعصايتين وخلع عليه
وفيها في شهر جمادى الآخرة وصل ابن الجوزي من بغداد وخلع على ابن بدر الدين لؤلؤ وعليه لأنه ما كان خلع عليه مع أبيه أولا
وفيها استخدم الخليفة أربعة آلاف فارس من الخوارزمية كما نقل الناقل
وفيها أمر الخليفة قشتمر أوقع ببني خفاجة وشاح بن دراح فأغار عليهم وأخذ بقية رحلهم ونقله إلى بغداد ثم ساروا طالبين الشام فانصلح لهم الخليفة وسير إليهم بأن قال نعقد لكم جسرا بين الحديثة وعانة
فخافهم بقية العربان آل عضية وآل

يسار وزبيد والحريث واندفعوا إلى الجزيرة وغيرها
ولقد وقعت الإغارة على أسامة بن إبراهيم أمير بني كلاب في جسر الرقة لأنهم عقدوه لهؤلاء العربان من خوف خفاجة
وفيها صالح الملك العزيز بن الظاهر صاحب حلب الفرنج الديوية على نصف قطعة بلد شيزر على يد سيمون كاتب الأسبتار
وفيها كان قد جاء لهذا العزيز بنت من ابنة السلطان الكامل فما طاب له وسار من حلب يومين ثلاثة من حنقه ثم عاد
وفيها مات بهاء الدين مروان بن قابيا أحد أكابر أصحاب الملك السلطان المجاهد بالقاهرة
وفيها وصل السلطان الأشرف إلى دمشق من الديار المصرية إلى دمشق مهتما بالحركة


وفيها خاف صاحب خرتبرت من الرومي وسير إلى صواب بآمد يستصلحه
وفيها كان الصالح بن السلطان الكامل قد وصل من آمد إلى الزراعة بحران قاصدا الرقة للتفرج فوصل كتاب السلطان الكامل أعاده وكتاب صواب فعاد وأقام أياما برأس عين الخابور
ثم لما أراد التوجه إلى آمد عبر بحران وأخذ قماشا كثيرا وفراء وغيرها نهبا من غير ثمن وغلقت الأسواق وانتقل إلى الرها وفعل كذلك وأخذ قماشا أخذه له الوالي بها ثم سار إلى آمد
انتهى التاريخ المبارك بحمد الله وله الحمد والمنة