كتاب : صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط
والسقط
المؤلف : عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري أبو عمرو
صيانة صحيح مسلم من الأخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحمد لله المتفرد باستحقاق الحمد على ما سر وساء الذي رفع بالعلم
درجات من شاء وأحل حضيض الضعة من جهل وأساء ولا إله إلا الله ذو الكمال
المطلق والجلال الأعظم وصلى الله أفضل ما صلى على محمد عبده ورسوله الهادي
إلى أكمل شريعة وأقوم لغة وعلى النبيين وآليهم المكرمين من عباده وسلم وخص
وكرم ما دعاه سبحانه داع فأسعف ومن وأنعم آمين آمين آمين
سألتني نفعك الله وإياي وسائر الأصحاب بنافع العلم وأحظانا جميعا بصائب
الفهم أيام قراءتك الكتاب الصحيح لمسلم رضي الله عنه أن أبين منه وأقيد ما
يكثر فيه من طالبي الحديث ليعلم الإخلال والغلط وأصونهم عما بصدده فيه من
الإسقاط والسقط مقدما على ذلك بأن
فضل الكتاب وفضله معرفا بحاله وشرطه فأجبتك إلى ذلك مختصرا وعلى هذا
الأسلوب الذي يعظم به النفع وتكثر به البلوى مقتصرا متبرئا من الحول
والقوة إلا بالله متعوذا من أن أفوه فيه بكلمة إلا لله وسميته صيانة صحيح
مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط وليس مقصورا على ضبط
الألفاظ بل هو إن شاء الله تبارك وتعالى كاشف لمعاني كثير مما اغتاص على الفهوم في القديم والحديث وشامل النفع لصحيح البخاري وغيره من كتب الحديث والله العظيم اسأل تمام ذلك مصونا عما لا ينبغي ميسورا فيه ما نبتغي إنه هو الجواد الكريم البر الرحيم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
فأول ذلك أن مؤلفه هو مسلم بن الحجاج بن مسلم أبو الحسين القشيري النسب النيسابوري الدار والموطن عربي صليبة أحد رجال الحديث من أهل خراسان رحل فيه رحلة واسعة وصنف فيه تصانيف نافعة فسمع بخراسان يحيى بن يحيى التميمي
وإسحاق بن راهويه وغيرهما وبالري محمد بن مهران الجمال وأبا غسان محمد بن عمرو زنيجا وغيرهما وبالعراق أحمد بن حنبل وعبدالله بن مسلمة القعنبي وغيرهما وبالحجاز
سعيد بن منصور وأبا مصعب الزهري وغيرهما وبمصر عمرو بن سواد
وحرملة بن يحيى وغيرهما في خلق كثير والله أعلم
روى عنه من الأكابر أبو حاتم الرازي وموسى بن هارون وأحمد بن سلمة
وأبو بكر ابن خزيمة ومحمد بن عبد الوهاب الفراء ومكي بن عبدان وأبو حامد بن الشرقي والحسين بن محمد بن زياد القباني وإبراهيم بن أبي طالب وأبو عمرو المستملي وصالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة وأبو عوانة الإسفراييني
وأبو العباس السراج ونصر بن أحمد الحافظ الملقب نصرك وسعيد بن
عمرو البردعي الحافظ في آخرين
وصنف غير هذا الكتاب كتبا منها كتاب المسند الكبير على الرجال وكتاب
الجامع الكبير على الأبواب وكتاب العلل وكتاب ذكر أوهام المحدثين وكتاب
التمييز وكتاب من ليس له إلا راو واحد وكتاب طبقات التابعين وكتاب
المخضرمين وغير ذلك
وقد كان له رحمة الله وإيانا في علم الحديث ضرباء لا يفضلهم
وآخرون يفضلونه فرفعه الله تبارك وتعالى بكتابه الصحيح هذا إلى مناط
النجوم وصار إماما حجة يبدأ ذكره ويعاد في علم الحديث وغيره من العلوم
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
أخبرنا الشيخ المسند أبو القاسم منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن
الإمام أبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي النيسابوري
الصاعدي قال أخبرنا أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي اخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم قال سمعت أحمد بن سلمة يقول رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما هكذا رواه البيهقي والخطيب الحافظان ووجدته في رواية أخرى عن الحاكم أبي عبد الله
أيضا على مشايخ عصرهما في معرفة الحديث
وروينا عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ قال قرأت بخط أبي عمرو المستملي
أملى علينا إسحاق بن منصور سنة إحدى وخمسين ومائتين ومسلم بن الحجاج ينتخب
عليه وأنا أستملي فنظر إسحاق بن منصور إلى مسلم فقال لن نعدم الخير ما
أبقاك الله للمسلمين والله أعلم
مات مسلم رحمه الله سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور وهذا مشهور لكن تاريخ
مولده ومقدار عمره كثيرا ما تطلب الطلاب علمه فلا يجدونه وقد وجدناه ولله
الحمد فذكر الحاكم أبو عبد الله ابن البيع الحافظ في كتاب المزكين لرواة
الأخبار أنه سمع أبا عبد الله ابن الأخرم الحافظ يقول توفى مسلم بن الحجاج
رحمه الله عشية يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى
وستين ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة وهذا يتضمن أن مولده كان في سنة ست
ومائتين والله أعلم
وكان لموته سبب غريب نشأ عن غمرة فكرية علمية فقرأت بنيسابور حرسها
الله وسائر بلاد الإسلام وأهله فيما انتخبته من تاريخها على الشيخ الزكي أبي الفتح منصور بن عبد المنعم حفيد الفراوي وعلى الشيخة أم المؤيد زينب ابنة أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن الجرجاني رحمها الله وإيانا عن الإمام أبي عبد الله الفراوي وأبي القاسم زاهر بن طاهر المستملي عن أبوي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وسعيد بن محمد البحيري والإمام أبي بكر البيهقي قالوا اخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا عبد الله محمد بن
يعقوب سمعت أحمد بن سلمة يقول عقد لأبي الحسين مسلم بن الحجاج مجلس للمذاكرة فذكر له حديث لم يعرفه فانصرف إلى منزله وأوقد السراج وقال لمن في الدار لا يدخلن أحد منكم هذا البيت فقيل له أهديت لنا سلة فيها تمر فقال قدموها إلي فقدموها فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة تمرة يمضغها فأصبح وقد فنى التمر ووجد الحديث قال الحاكم زادني الثقة من أصحابنا أنه منها مرض ومات قلت قد زرت قبره بنيسابور وسمعنا عنده خاتمة كتابه الصحيح وغير ذلك رضي الله عنه وعنا ونفعنا بكتابه وبسائر العلم آمين آمين
بيان حال هذا الكتاب وفضله وشرطه ولنفصل في ذلك فصولا
الفصل الأول
هذا الكتاب ثاني كتاب صنف في صحيح الحديث ووسم به ووضع له خاصة سبق البخاري إلى ذلك وصلى مسلم ثم لم يلحقهما لاحق وكتاباهما أصح ما صنفه المصنفون والبخاري وكتابه أعلى حالا في الصحيح وانتقاده أخر جمه وكان مسلم مع حذقه ومشاركته له في كثير من شيوخه أحد المستفيدين منه والمقرين له بالأستاذية روينا عن مسلم رضي الله عنه قال صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة وبلغنا عن مكي بن عبدان وهو أحد حفاظ نيسابور قال سمعت مسلم بن الحجاج يقول لو أن أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند يعني مسنده الصحيحقال وسمعت مسلما يقول عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة أخرجته وورد
عن مسلم أنه قال ما وضعت شيئا في هذا المسند إلا بحجة وما أسقطت
منه شيئا إلا بحجة
أخبرني الشيخ المسند أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي بن المقرىء بقراءتي
عليه بشاذياخ نيسابور عن أبي منصور عبد الرحمن بن محمد الشيباني قال
أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال حدثني أبو القاسم عبد الله
بن أحمد بن علي السوذرجاني بأصبهان قال سمعت محمد بن إسحاق بن منده قال
سمعت أبا علي الحسين بن علي النيسابوري يقول ما تحت أديم السماء أصح من
كتاب
مسلم بن الحجاج في علم الحديث
ورويناه من وجه آخر عن ابن منده الحافظ هذا وقال فيه سمعت أبا علي الحسين
بن علي النيسابوري وما رأيت أحفظ منه هذا مع كثرة من لقيه ابن منده من
الحفاظ وقول أبي علي هذا إن أراد به أن كتاب مسلم أصح من غيره على معنى
أنه غير ممزوج بغير الصحيح فإنه جرد الصحيح وسرده على التوالي بأصوله
وشواهده على خلاف كتاب البخاري فإنه أودع تراجم أبواب كتابه كثيرا من
موقوفات الصحابة ومقطوعات التابعين وغير ذلك مما ليس من جنس الصحيح فذلك
مقبول من أبي علي وإن أراد ترجيح كتاب مسلم على كتاب البخاري في نفس
الصحيح وفي إتقانه والاضطلاع بشروطه والقضاء به فليس ذلك كذلك كما قدمناه
وكيف يسلم لمسلم ذلك وهو يرى على ما ذكره من بعد في خطبة كتابه أن الحديث
المعنعن وهو الذي يقال في إسناده فلان عن فلان ينسلك في سلك الموصول
الصحيح بمجرد كونهما في عصر واحد مع إمكان تلاقيهما وإن لم يثبت تلاقيهما
وسماع أحدهما من الآخر وهذا منه توسع يقعد به عن الترجيح في ذلك وإن لم
يلزم منه عمله به فيما أودعه في صحيحه هذا وفيما يورده فيه من الطرق
المتعددة للحديث الواحد ما يؤمن من وهن ذلك والله أعلم
نعم يترجح كتاب مسلم بكونه أسهل متناولا من حيث إنه جعل لكل حديث موضعا
واحدا يليق به يورده فيه بجميع ما يريد ذكره فيه من أسانيده المتعددة
وألفاظه المختلفة فيسهل على الناظر النظر في وجوهه واستثمارها بخلاف
البخاري فإنه يورد تلك الوجوه المختلفة في أبواب شتى متفرقة بحيث يصعب على
الناظر جمع شملها واستدراك الفائدة من اختلافها والله أعلم
قرأت على الشيخة الصالحة أم المؤيد ابنة عبد الرحمن بن الحسن النيسابورية بها عن الإمام أبي عبد الله محمد بن الفضل الصاعدي وغيره عن الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ وغيره قالوا أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن الحافظ قال سمعت عمر بن احمد الزاهد قال سمعت الثقة
من أصحابنا يقول رأيت فيما يرى النائم كأن أبا علي الزغوري يمشي
في شارع الحيرة ويبكي وبيده جزء من كتاب مسلم فقلت له ما فعل الله بك فقال
نجوت بهذا وأشار إلى ذلك الجزء
أبو علي هذا هو محمد بن عبد العزيز الزغوري بفتح الزاي وضم الغين المعجمة
وبعدها واو ساكنة ثم راء مهملة وكانت له عناية بصحيح مسلم والتخريج عليه
وشارع الحيرة هو بنيسابور نفعنا الله الكريم بالدأب كما نفعه آمين والله
أعلم
الفصل الثاني
شرط مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ ومن العلة وهذا هو حد الحديث الصحيح في نفس الأمر فكل حديث اجتمعت فيه هذه الأوصاف فلا خلاف بين أهل الحديث في صحته وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء وصف من هذه الأوصاف بينهم خلاف في اشتراطه كما إذا كان بعض رواة الحديث مستورا أو كما إذا كان الحديث مرسلا وقد يكون سبب اختلافهم في صحته اختلافهم في أنه هل اجتمعت فيه هذه الأوصاف أو انتفى بعضها وهذا هو الأغلب في ذلك وذلك كما إذا كان الحديث في رواته من اختلف في ثقته وكونه من شرط الصحيح فإذا كان الحديث قد تداولته الثقات
غير أن في رجاله أبا الزبير المكي مثلا أو سهيل بن أبي صالح أو العلاء بن
عبد الرحمن أو حماد بن سلمة
قالوا فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم وليس بصحيح على شرط البخاري لكون
هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الأوصاف المعتبرة ولم يثبت عند البخاري
ذلك فيهم وكذا حال البخاري فيما خرجه من حديث عكرمة مولى ابن عباس
وإسحاق بن محمد الفروي وعمرو بن مرزوق وغيرهم ممن احتج بهم
البخاري ولم يحتج بهم مسلم
قرأت بخط الحاكم أبي عبد الله الحافظ في كتابه المدخل إلى معرفة المستدرك
أن عدد من أخرجهم البخاري في الجامع الصحيح ولم يخرجهم مسلم أربعمائة
وأربعة وثلاثون شيخا وعدد من احتج بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتج بهم
البخاري في الجامع الصحيح ستمائة وخمسة وعشرون شيخا وقد روينا عن مسلم في
باب صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم من صحيحه أنه قال ليس كل شيء
عندي صحيح وضعته هاهنا يعني في كتابه الصحيح وإنما وضعت هاهنا ما أجمعوا
عليه
وهذا مشكل جدا فإنه قد وضع فيه أحاديث قد اختلفوا في صحتها لكونها من حديث
من ذكرناه ومن لم تذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه ولم يجمعوا عليه
وقد أجبت عليهما بجوابين أحدهما ما ذكرته في كتاب معرفة علوم
الحديث وهو أنه أراد بهذا الكلام والله أعلم أنه لم يضع في كتابه إلا
الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في
بعضها عند بعضهم
والثاني أنه أراد أنه ما وضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متنا
أو إسنادا ولم يرد ما كان اختلافهم إنما هو في توثيق بعض رواته وهذا هو
الظاهر من كلامه فإنه ذكر ذلك لما سئل عن حديث أبي هريرة وإذا قرأ فأنصتوا
هل هو صحيح فقال هو عندي صحيح فقيل له لم لم تضعه هاهنا فأجاب بالكلام
المذكور ومع هذا قد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في إسنادها أو متنها
عن هذا الشرط لصحتها عنده وفي ذلك ذهول منه رحمنا الله وإياه عن هذا الشرط
أو سبب آخر وقد استدركت عليه وعللت والله أعلم
الفصل الثالث
وقع في هذا الكتاب وفي كتاب البخاري ما صورته صورة الإنقطاع وليس ملتحقا بالإنقطاع في إخراج ما وقع فيه ذلك من حيز الصحيح إلى حيز الضعيف ويسمى تعليقا سماه به الإمام أبو الحسن الدارقطني ويذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين وغيره من المغاربة وكأنهم سموه تعليقا أخذا من تعليق العتق والطلاق وتعليق الجدار لما يشترك فيه الجميع من قطع الإتصال فإن ما فيه من حذف رجل أو رجلين أو أكثر من أوائل الإسناد قاطع للإتصال لا محالة وهو في كتاب البخاري كثير وفي كتاب مسلم قليل وإذا كان التعليق بلفظ فيه جزم منهما وحكم بأن من وقع بينهما وبينه الإنقطاع قد قال ذلك أو رواه واتصل الإسناد منه على الشرط مثل أن يقولا روى الزهري ويسوقا إسناده متصلا ثقة
عن ثقة فحال الكتابين يوجب أن ذلك من الصحيح عندهما وكذلك ما روياه عن من
ذكراه بما لم يحصل به التعريف به وأورداه أصلا محتجين به وذلك مثل حدثني
بعض أصحابنا ونحو ذلك وذكر الحافظ أبو علي الغساني الأندلسي أن مسلما وقع
الإنقطاع فيما رواه في كتابه في أربعة عشر موضعا
أولها في التيمم قوله في حديث أبي الجهم وروى الليث بن سعد
ثم قوله في كتاب الصلاة في باب الصلاة على النبي صلى الله عليه
و سلم حدثنا صاحب لنا عن إسماعيل بن زكرياء عن الأعمش وهذا في رواية أبي
العلاء بن ماهان وسلمت رواية أبي أحمد الجلودي من هذا وقال فيه عن مسلم
حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن زكرياء
ثم في باب السكوت بين التكبير والقراءة قوله وحدثت عن يحيى بن حسان ويونس
المؤدب
ثم قوله في كتاب الجنائز في حديث عائشة رضي الله عنها في خروج النبي صلى
الله عليه و سلم إلى البقيع ليلا وحدثني من سمع حجاجا الأعور واللفظ له
قال حدثنا حجاج ابن محمد حدثنا ابن جريج
وقوله في باب الحوائج في حديث عائشة رضي الله عنها حدثني غير واحد من
أصحابنا قالوا حدثنا إسماعيل بن أبي أويس
وقوله في هذا الباب وروى الليث بن سعد قال حدثني جعفر بن ربيعة
وذكر حديث كعب بن مالك في تقاضي ابن أبي حدرد
وقوله في باب احتكار الطعام في حديث معمر بن عبد الله العدوي حدثني بعض
أصحابنا عن عمرو بن عون والله أعلم
وقوله في صفة النبي صلى الله عليه و سلم وحدثت عن أبي أسامة وممن روى ذلك
عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري قال حدثنا أبو أسامة
وذكر أبو علي أنه رواه أبو أحمد الجلودي عن محمد بن المسيب الأرغياني عن
إبراهيم بن سعيد
قلت ورويناه من غير طريق أبي أحمد عن محمد بن المسيب ورواه غير
ابن المسيب عن إبراهيم الجوهري وسنورد ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى
وفي آخر الفضائل في حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر
الأرض أحد
رواية مسلم إياه موصولا عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ثم قال حدثني
عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب ورواه
الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر كلاهما عن الزهري بإسناد معمر كمثل
حديثه
وقال مسلم في آخر كتاب القدر في حديث أبي سعيد الخدري لتركبن سنن من كان
قبلكم حدثني عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم وهذا قد وصله إبراهيم بن
محمد بن سفيان عن محمد بن يحيى بن أبي مريم
قلت وإنما أورده مسلم على وجه المتابعة والاستشهاد
وقوله فيما سبق في الاستشهاد والمتابعة في حديث البراء بن عازب في
الصلاة الوسطى بعد أن رواه موصولا ورواه الأشجعي عن سفيان
الثوري إلى آخره
وقوله أيضا في الرجم في المتابعة لما رواه موصولا من حديث أبي هريرة في
الذي اعترف على نفسه بالزنا ورواه الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن
مسافر عن ابن شهاب بهذا الإسناد
وقوله في كتاب الأمارة في المتابعة لما رواه متصلا من حديث عوف بن مالك
خيار أئمتكم الذين تحبونهم ورواه معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد
وذكر أبو علي فيما عندنا من كتابه في الرابع عشر حديث ابن عمر أرأيتكم
ليلتكم هذه المذكور في الفضائل وقد ذكره مرة فيسقط هذا من العدد
والحديث الثاني لكون الجلودي رواه عن مسلم موصولا وروايته هي المعتمدة
المشهورة فهي إذن اثنا عشر لا أربعة عشر وأخذ هذا عن أبي علي أبو عبد الله
المازري صاحب المعلم وأطلق أن في الكتاب أحاديث مقطوعة في أربعة عشر موضعا
وهذا يوهم خللا في ذلك وليس ذلك كذلك ولا شيء من هذا والحمد لله
فخرج لا سيما ما كان منها مذكورا على وجه المتابعة ففي نفس
الكتاب وصلها فاكتفى بكون ذلك معروفا عند أهل الحديث
كما أنه روى عن جماعة من الضعفاء اعتمادا على كون ما رواه عنهم معروفا من
رواية الثقات على ما سنرويه عنه فيما بعد إن شاء الله تعالى
وهكذا الأمر في تعليقات البخاري بألفاظ مثبتة جازمة على الصفة التي
ذكرناها كمثل ما قال فيه قال فلان أو روى فلان أو ذكر فلان أو نحو ذلك ولم
يصب أبو محمد ابن حزم الظاهري حيث جعل مثل ذلك انقطاعا قادحا في الصحة
مستروحا إلى ذلك في تقرير مذهبه الفاسد في إباحة الملاهي وزعمه أنه لم يصح
في تحريمها حديث مجيبا به عن حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري عن رسول
الله صلى الله عليه و سلم ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر
والمعازف إلى آخر الحديث فزعم أنه وإن أخرجه البخاري فهو غير صحيح
لأن البخاري قال فيه قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فهو منقطع
فيما بين البخاري وهشام
وهذا خطأ من وجوه والله أعلم
أحدها انه لا انقطاع في هذا أصلا من جهة أن البخاري لقى هشاما وسمع منه
وقد قررنا في كتاب معرفة علوم الحديث أنه إذا تحقق اللقاء والسماع مع
السلامة من التدليس حمل ما يرويه عنه على السماع بأي لفظ كان كما يحمل قول
الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على سماعه منه إذا لم يظهر
خلافه وكذا غير قال من الألفاظ
الثاني إن هذا الحديث بعينه معروف الإتصال بصريح لفظه من غير جهة البخاري
الثالث أنه وإن كان ذلك انقطاعا فمثل ذلك في الكتابين غير ملتحق في
بالإنقطاع القادح لما عرف من عاداتهما وشرطهما وذكرهما ذلك في كتاب موضوع
لذكر الصحيح خاصة فلن يستجيزا فيه الجزم المذكور من غير ثبت وثبوت بخلاف
الإنقطاع والإرسال الصادرين من غيرهما وأما إذا لم يكن ذلك من الشيخين
بلفظ جازم مثبت له على ما ذكراه عنه على الصفة التي قدمت ذكرها مثل أن
يقولها وروى عن فلان أو ذكر عن فلان أو في الباب عن فلان ونحو ذلك فليس
ذلك في حكم التعليق الذي ذكرناه ولكن يستأنس بإيرادهما له وأما قول مسلم
في خطبة
كتابه وقد ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أمرنا رسول
الله صلى الله عليه و سلم أن ننزل الناس منازلهم فهذا بالنظر إلى أن لفظه
ليس لفظا جازما بذلك عن عائشة غير مقتض كونه مما حكم بصحته وبالنظر إلى
أنه احتج به وأورده إيراد الأصول لا إيراد الشواهد يقتضي كونه مما حكم
بصحته
ومع ذلك قد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه معرفة علوم الحديث
بصحته وأخرجه أبو داود في سننه بإسناده منفردا به وذكر أن الراوي له عن
عائشة ميمون بن أبي شبيب لم يدركها وفيما قاله أبو داود توقف ونظر فإنه
كوفي متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة رضي الله عنها
وعند مسلم التعاصر مع إمكان التلاقي كاف في ثبوت الإدراك فلو ورد عن ميمون
هذا أنه قال لم ألق عائشة أو نحو هذا لاستقام لأبي داود الجزم بعدم إدراكه
وهيهات ذلك والله أعلم
الفصل الرابع
جميع ما حكم مسلم بصحته من هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع والذي نختاره أن تلقي الأمة للخبر المنحط عن درجة التواتر بالقبول يوجب العلم النظري بصدقه خلافا لبعض محققي الأصوليين حيث نفى ذلك بناءا على أنه لا يفيد في حق كل واحد منهم إلا الظن وإنما قبله لأنه يجب عليه العمل بالظن والظن قد يخطأ وهذا مندفع لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ وقد أخبرونا في إذنهم عن الحافظ الفقيه أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني رحمه الله قال سمعت القاضي أبا
حكيم الجيلي يقول سمعت أبا المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني
بنيسابور يقول لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم
مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه و سلم لما ألزمته الطلاق ولا
حنثته لإجماع علماء المسلمين على صحتهما
قلت ولقائل أن يقول في قوله ولا حنثته للإجماع على صحتهما أنه لا يحنث ولو
لم يجمع على صحتهما لأجل الشك فيه حتى لو حلف بذلك في
حديث ليس بهذه الصفة فإنه لا يحنث لذلك وإن كان راويه فاسقا
فعدم الحنث حاصل قبل الإجماع فلا يضاف إلى الإجماع
فأقول المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا والثابت عند
الشك وعدم الإجماع هو الحكم ظاهرا بعدم الحنث مع احتمال وجوده في الباطن
فعلى هذا ينبغي أن يحمل كلامه فإنه اللائق بتحقيقه والله أعلم
إذا عرفت هذا فما أخذ عليهما من ذلك وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى
مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول وما ذلك إلا في مواضع قليلة
سننبه على ما وقع منها في هذا الكتاب إن شاء الله العظيم وهو أعلم
الفصل الخامس
صنف على صحيح مسلم قوم من الحفاظ تأخروا عن مسلم وأدركوا الأسانيد العالية وفيهم من أدرك بعض شيوخ مسلم فخرجوا أحاديثه في تصانيفهم تلك بأسانيدهم تلك فالتحقت به في أن لها سمة الصحيح وإن لم تلتحق به في خصائصه جمع ويستفاد من مخرجاتهم المذكورة علو الإسناد وفوائد تنشأ من تكثير الطرق ومن زيادة ألفاظ مفيدة ثم أنهم لم يلتزموا فيها الموافقة في ألفاظ الأحاديث من غير زيادة ولا نقص لكونهم يروونها بأسانيد أخر فأوجب ذلك بعض التفاوت في بعض الألفاظفمن ذلك المخرج على صحيح مسلم للعبد الصالح أبي جعفر أحمد بن حمدان النيسابوري الزاهد العابد المجاب رحل في حديث واحد منه إلى أبي يعلى الموصلي ورحل في أحاديث معدودة منه لم يكن سمعها حتى سمعها وروينا أنه
سمعه منه الشيخ القدوة أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الزاهد الحيري
فكان إذا بلغ منه موضعا فيه سنة لم يستعملها وقف عندها إلى أن يستعملها
ومنها المسند الصحيح لأبي بكر محمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الحافظ
المصنف على شرط مسلم وهو متقدم يشارك مسلما في أكثر شيوخه
ومنها مختصر المسند الصحيح المؤلف على كتاب مسلم تأليف الحافظ أبي عوانة
يعقوب بن إسحاق الإسفراييني روى فيه عن يونس بن عبد الأعلى وغيره من شيوخ
مسلم
ومنها كتاب أبي حامد الشاركي الفقيه الشافعي الهروي يروي عن أبي يعلى
الموصلي في أمثال له
ومنها المسند الصحيح على كتاب مسلم لأبي بكر محمد بن عبد الله
الجوزقي النيسابوري الشافعي
ومنها المسند المستخرج على كتاب مسلم للحافظ المصنف أبي نعيم احمد ابن عبد
الله الأصبهاني والمخرج على صحيح مسلم للإمام أبي الوليد حسان ابن محمد
القرشي الفقيه الشافعي رضي الله عنهم وعنا وغير ذلك والله أعلم
الفصل السادس ذكر مسلم رحمه الله أولا أنه يقسم الأخبار ثلاثة أقسام
الأول ما رواه الحفاظ المتقنونوالثاني ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والإتقان
والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون
فإذا فرغ من القسم الأول اتبعه بذكر القسم الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه فذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ وصاحبه أبو بكر البيهقي أن المنية اخترمته قبل إخراج القسم الثاني وذكر القاضي الحافظ عياض بن موسى من المغاربة أن ذلك مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم وتابعوه عليه وأن الأمر ليس على ذلك فإنه ذكر في كتابه هذا أحاديث الطبقة الأولى وجعلها أصولا ثم اتبعها بأحاديث الطبقة الثانية على سبيل المتابعة والاستشهاد وليس مراد مسلم بذلك إيراد الطبقة الثانية مفردة وكذلك ما أشار إليه مسلم من أنه يذكر علل الأحاديث قد وفى به في هذا الكتاب في ضمن ما أتى به فيه من جمع الطرق والأسانيد والاختلاف
قلت كلام مسلم محتمل لما قاله عياض ولما قاله غيره نعم روي بالصريح عن إبراهيم بن محمد بن سفيان أنه قال أخرج مسلم ثلاثة كتب من المسندات واحد الذي قرأه على الناس والثاني يدخل فيه عكرمة ومحمد بن إسحاق صاحب المغازي وضرباؤهما والثالث يدخل فيه من الضعفاء وهذا مخالف لما قاله الحاكم والله أعلم
الفصل السابع ألزم أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني مسلما والبخاري رضي
الله عنهم إخراج أحاديث تركا إخراجها معأن أسانيدها أسانيد قد أخرجا في صحيحيهما بمثلها
مثال إخراج البخاري حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس بن مالك الأسلمي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يذهب الصالحون الأول فالأول
وإخراج مسلم حديث قيس أيضا عن عدي بن عميرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من استعملناه على عمل الحديث
ولم يرو عن مرداس وعدي بن عميرة غير قيس بن أبي حازم
وكذلك لم يرو عن الصنابح بن الأعسر ودكين بن سعيد المزني وأبي حازم والد
قيس غير قيس
قال الدارقطني فيلزم على مذهبهما جميعا إخراج الصنابح ودكين
وأبي حازم والد قيس إذ كانت أحاديثهم مشهورة محفوظة رواها جماعة من الثقات
وذكر أيضا أن رجالا من الصحابة رضي الله عنهم رووا عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم وقد رويت أحاديثهم من وجوه صحاح لا مطعن في ناقليها ولم يخرجا
من أحاديثهم شيئا فيلزم إخراجها على مذهبهما
قلت وذكر الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله فيما قرأته بخطه فيما جمعه من
العوالي الصحاح مما اتفق الشيخان على إخراجه من صحيفة همام بن منبه عن أبي
هريرة وما تفرد به منها كل واحد منهما عن صاحبه هذا مع أن الإسناد واحد ثم
إن ما ألزمهما الدارقطني غير لازم لهما فإنهما تجنبا التطويل ولم يضعا
كتابيهما على أن يستوعبا جميع الأحاديث الصحاح واعترفا بأنهما تركا بعض
الصحاح روينا ذلك عنهم صريحا
نعم إذا كان الحديث الذي تركاه أو أحدهما مع صحة إسناده أصلا في معناه
عمدة في بابه ولم يخرجا له نظيرا فذلك لا يكون ألا لعلة فيه خفيت واطلعا
عليها أو التارك له منهما أو لغفلة عرضت والله أعلم
الفصل الثامن عاب عائبون مسلما بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو
المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذينليسوا من شرط الصحيح أيضا والجواب أن ذلك لأحد أسباب لا معاب عليه معها
أحدها أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ولا يقال إن الجرح مقدم على التعديل وهذا تقديم للتعديل على الجرح لأن الذي ذكرناه محمول على ما إذا كان الجرح غير مفسر السبب فأنه لا يعمل به
وقد جليت في كتاب معرفة علوم الحديث حمل الخطيب أبي بكر الحافظ على ذلك احتجاج صاحبي الصحيحين وأبي داود وغيرهم بجماعة علم الطعن فيهم من غيرهم ويحتمل أيضا أن يكون ذلك فيما بين الجارح فيه السبب واستبان مسلم بطلانه والله أعلم
الثاني أن يكون ذلك واقعا في الشواهد والمتابعات لا في الأصول وذلك بأن يذكر الحديث أولا بإسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا ثم يتبع ذلك بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه
تنبه على فائدة فيما قدمه وبالمتابعة والاستشهاد اعتذر الحاكم
أبو عبد الله في إخراجه عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح منهم مطر الوراق
وبقية بن الوليد ومحمد بن إسحاق بن يسار وعبد الله بن عمر العمري والنعمان
ابن راشد أخرج مسلم عنهم في الشواهد في أشباه لهم كثيرين والله أعلم
الثالث أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط حدث
عليه غير قادح فيما رواه من قبل في زمان سدادة واستقامته كما في أحمد بن
عبد الرحمن بن وهب ابن أخي عبد الله بن وهب فذكر الحاكم أبو عبد الله أنه
اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر فهو في ذلك كسعيد بن أبي
عروبة وعبد الرزاق وغيرهما ممن اختلط آخرا ولم يمنع ذلك من الاحتجاج
في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك
قرأت بنيسابور على الشيخة الصالحة الوافر حظ أهلها من خدمة الحديث زينب
بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجاني رحمها الله وإيانا عن الإمام أبي عبد
الله الفراوي وزاهر بن طاهر المستملي عن الإمام أبي عثمان إسماعيل بن عبد
الرحمن الصابوني وغيره قالوا أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قراءة
عليه قال سمعت أبا أحمد الحافظ سمعت أبا بكر محمد بن علي بن النجار سمعت
إبراهيم بن أبي طالب يقول قلت لمسلم بن الحجاج قد أكثرت الرواية في كتابك
الصحيح عن أحمد بن عبد الرحمن الوهبي وحاله قد ظهر فقال إنما نقموا عليه
بعد خروجي من مصر والله أعلم
الرابع أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده برواية الثقات نازل فيذكر
العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفيا بمعرفة أهل الشأن بذلك وهذا
العذر قد رويناه عنه تنصيصا وهو على خلاف حاله فيما رواه أولا عن الثقات
ثم اتبعه بالمتابعة عن من هو دونهم وكان ذلك وقع منه على حسب حضور باعث
النشاط وغيبته
فروينا عن سعيد بن عمرو البردعي أنه حضر أبا زرعة الرازي وذكر
كتاب الصحيح الذي ألفه مسلم ثم الفضل الصانغ على مثاله وحكى إنكار أبي
زرعة على مسلم في كلام تركت ذكره منه أنه أنكر عليه روايته فيه عن أسباط
بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى المصري وأنه قال أيضا يطرق لأهل البدع
علينا فيجدون السبيل بان يقولوا للحديث إذا أحتج به عليهم ليس هذا في كتاب
الصحيح
قال سعيد بن عمرو فلما رجعت إلى نيسابور في المرة الثانية ذكرت لمسلم ابن
الحجاج إنكار ابي زرعة عليه وروايته في كتاب الصحيح عن أسباط بن نصر وقطن
بن نسير وأحمد بن عيسى قال لي مسلم إنما قلت صحيح وإنما أدخلت من حديث
أسباط وقطن وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلي عنهم
بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك وأصل الحديث
معروف من رواية الثقات وقدم مسلم بعد ذلك الري فبلغني أنه خرج إلى أبي عبد
الله
محمد بن مسلم بن وارة فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب وقال له نحوا
مما قاله لي أبو زرعة إن هذا يطرق لأهل البدع علينا فاعتذر إليه مسلم وقال
إنما أخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح ولم أقل إن ما لم أخرجه من الحديث في
هذا الكتاب ضعيف ولكني إنما أخرجت هذا من الحديث الصحيح ليكون مجموعا عندي
وعند من يكتبه عني فلا يرتاب في صحتها ولم أقل إن ما سواه ضعيف أو نحو ذلك
مما اعتذر به إلى محمد بن مسلم فقبل عذره وحدثه والله أعلم
وقد سبق عن مكي بن عبدان أحد حفاظ نيسابور قال سمعت مسلما يقول عرضت كتابي
هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته وكل ما قال إنه صحيح
وليس له علة فهو الذي أخرجه هذا مقام وعر وقد مهدته بواضح من القول لم تره
مجتمعا في مؤلف سبق ولله الحمد وفيما ذكرته دليل على أن من حكم لشخص بمجرد
رواية مسلم عنه في صحيحه بأنه من شرط الصحيح عند مسلم فقد غفل وأخطأ بل
ذلك يتوقف على النظر في أنه كيف روى عنه وعلى أي وجه روى عنه على ما بيناه
من انقسام ذلك والله سبحانه أعلم
الفصل التاسع روينا عن أبي قريش الحافظ رحمه الله وإيانا قال كنت عند أبي
زرعة الرازي فجاء مسلم بنالحجاج فسلم عليه وجلس ساعة فتذاكرا فلما أن قام قلت له هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح فقال أبو زرعة فلمن ترك الباقي أراد والله أعلم إن كتابه هذا أربعة آلاف حديث أصول دون المكررات
وهكذا كتاب البخاري ذكر أنه أربعة آلاف حديث بإسقاط المكررات وهو بالمكررة سبعة آلاف ومائتين وخمسة وسبعون حديثا
ثم أن مسلما رحمه الله وإيانا رتب كتابه على الأبواب فهو مبوب
في الحقيقة ولكنه لم يذكر فيه تراجم الأبواب لئلا يزداد بها حجم الكتاب أو
لغير ذلك وتحريه رحمه الله فيه ظاهر في أشياء منها كثرة إعتنائه بالتمييز
بين حدثنا واخبرنا وتقييد ذلك على مشايخه كما في قوله حدثني محمد بن رافع
وعبد بن حميد قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق وكان من
مذهبه الفرق بينهما وأن حدثنا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة وأخبرنا لما
قرىء على الشيخ
وذلك مذهب الشافعي واصحابه ومذهب البخاري في كثيرين جواز اطلاق حدثنا
واخبرنا فيما قرىء على الشيخ كما في ما سمع من لفظه ومذهب مسلم وموافقيه
صار هو الغالب على أهل الحديث والله أعلم
ومنها إعتناؤه بضبط ألفاظ الأحاديث عند إختلاف الرواة فيها فمن ذلك ان
الحديث إذا كان عنده عن غير واحد وألفاظهم فيه مختلفة مع إتفاقهم في
المعنى قال فيه أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان قال أو قالا أخبرنا فلان
فجائز قال نظرا إلى من له اللفظ وحده وجائز قالا نظرا إلى اجتماعهما على
المعنى وله عن هذا عبارة أخرى حسنة كما في قوله حدثني زهير بن حرب وابن
أبي عمر كلاهما عن سفيان قال زهير حدثنا سفيان بن عيينة فأشعر بإعادة ذكر
زهير خاصة بأن لفظ الحديث له خاصة
ومنها ما تكرر منه فيما رواه من صحيفة همام بن منبه عن أبي
هريرة من أمثال قوله حدثنا محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر
عن همام ابن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله
عليه و سلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا توضأ
أحدكم فليستنشق الحديث
فتكريره رحمه الله وإيانا في كل حديث منها لقوله هذا ما حدثنا أبو هريرة
وقوله فذكر أحاديث منها كذا وكذا يفعله المتحري الورع في الصحائف المشتملة
على أحاديث بإسناد واحد إذا اكتفى عند سماعها بذكر الإسناد في أولها ولم
يجدد ذكره عند كل حديث منها
ثم أراد أن يفرد بالرواية حديثا مما وقع بعد الحديث الأول منها بالإسناد
المذكور في أولها فإنه يورده كإيراد مسلم مبينا للحال فيه كما جرى
وأجاز وكيع بن الجراح ويحيى بن معين وأبو بكر
الإسماعيلي والأكثرون ترك هذا البيان ورواية كل حديث منها منفردا موصولا بالإسناد المذكور في أولها لأن الكل معطوف على الأول فالإسناد المذكور أولا في حكم المذكور عند كل حديث من ذلك والله أعلم
الفصل العاشر
هذا الكتاب مع شهرته التامة صارت روايته بإسناد متصل بمسلم مقصورة على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان غير أنه يروى في بلاد المغرب مع ذلك عن أبي محمد أحمد بن علي القلانسي عن مسلمأما أبو إسحاق فهو نيسابوري من أهلها وكان فقيها زاهدا روينا عن الحاكم أبي عبد الله بن البيع النيسابوري أنه سمع محمد بن يزيد العدل يقول كان إبراهيم بن محمد بن سفيان مجاب الدعوة وأنه سمع أبا عمرو بن نجيد يقول كان إبراهيم بن محمد بن سفيان من الصالحين وذكر الحاكم أنه كان من العباد المجتهدين ومن الملازمين لمسلم بن الحجاج وكان من أصحاب أيوب بن الحسن الزاهد صاحب الرأي يعني الفقيه الحنفي سمع إبراهيم محمد بن رافع القشيري وغيره بنيسابور وبالري وبالعراق وبالحجاز وتوفي فيما حكاه الحاكم في رجب سنة ثمان وثلاثمائة
قال إبراهيم فرغ لنا مسلم من قراءة الكتاب في شهر رمضان سنة سبع
وخمسين ومائتين
روى الكتاب عنه أبو عبدالله محمد بن يزيد العدل والجلودي وغيرهما أما
الجلودي فهو أبو أحمد محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن بن عمرويه بن
منصور الزاهد النيسابوري الجلودي بضم الجيم ومن فتح الجيم منه فقد أخطأ
وإنما الجلودي بفتح الجيم آخر ذكره يعقوب بن السكيت ثم ابن قتيبة وهو
منسوب إلى جلود اسم قرية قيل بإفريقية وقيل بالشام وهذا الجلودي أبو أحمد
فيما ذكره أبو سعد ابن السمعاني وقرأته بخطه في كتاب الأنساب له منسوب إلى
الجلود جمع جلد
وعندي انه منسوب إلى سكة الجلوديين بنيسابور الدارسة
روينا عن الحاكم ابي عبد الله أن أبا أحمد هذا كان شيخا صالحا زاهدا من
كبار عباد الصوفية صحب أكابر المشايخ ومن أهل الحقائق وكان يورق يعني ينسخ
ويأكل من كسب يده سمع أبو بكر ابن خزيمة ومن كان قبله وكان ينتحل مذهب
سفيان الثوري ويعرفه توفى رحمه الله يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي
الحجة سنة ثمان وستين وثلاثمائة وهو ابن ثمانين سنة
قال وختم بوفاته سماع كتاب مسلم بن الحجاج وكل من حدث به بعده
عن إبراهيم بن محمد بن سفيان وغيره فإنه غير ثقة
رواه عن الجلودي أبو العباس أحمد بن الحسن بن بندار الرازي وأبو الحسين
عبد الغافر الفارسي وغيرهما
أما الفارسي فهو عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر بن أحمد بن محمد بن
سعيد الفارسي الفسوي ثم النيسابوري أبو الحسين التاجر سمع الكتاب من
الجلودي قراءة عليه في شهور سنة خمس وستين وثلاثمائة ذكره حفيده عبد
الغافر ابن إسماعيل بن عبد الغافر في سياق تاريخ نيسابور فذكر أنه كان
شيخا ثقة صالحا صائنا محظوظا من الدين والدنيا مجدودا في الرواية على قلة
سماعاته مشهورا مقصودا من الآفاق سمع منه الأئمة والصدور وقرأ الحافظ
الحسن السمرقندي عليه صحيح مسلم نيفا وثلاثين مرة وقرأه عليه أبو سعيد
البحيري نيفا وعشرين مرة وممن قرأه عليه من المشاهير زين الإسلام أبو
القاسم يعني القشيري والواحدي وغيرهما
استكمل خمسا وتسعين سنة وألحق أحفاد الأحفاد بالأجداد وتوفي يوم
الثلاثاء ودفن يوم الأربعاء السادس من شوال سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
والله أعلم
رواه فيمن رواه عن الفارسي الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن
محمد بن أحمد بن أبي العباس الصاعدي الفراوي ثم النيسابوري كان أبوه من
فراوة بليدة من ثغر خراسان وقرأت بخط السمعاني أبي سعد في أنسابه أنه بضم
الفاء ورأيته بضم الفاء بخطه معنيا بذلك والشائع المعروف فتح الفاء وهكذا
ذكره لي شيخنا أبو القاسم الفراوي ابن حفيد الفراوي لما سألته عن ذلك
كان رحمه الله وإيانا كثير الرواية بالأسانيد العالية رحلت إليه الطلبة من
الأقطار وانتشرت الرواية عنه فيما دنا ونأى من الأمصار حتى قالوا فيه
للفراوي ألف راوي
وحدثنا شيخنا أبو القاسم الفراوي أنه نقش على فص من عقيق للفراوي ألف راوي
وذكر لي مرة أخرى أن الفص كان لجده هذا
وسمع الكتاب من الفارسي بقراءة أبي سعيد البحيري عليه في السنة التي مات
فيها سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وكان يلقب فقيه الحرم ومما يذكر له من
المعالي تفقهه على الإمام أبي المعالي وله في علم المذهب كتاب انتخبت منه
فوائد واستغربتها
وحدثني بمرو شيخنا أبو المظفر عبد الرحيم ابن الحافظ أبي سعد
السمعاني عن ابيه ومن خطه ثقلت أنه قال فيه يصفه إمام مفتي مناظر محدث
واعظ ظريف الجملة حسن الأخلاق والمعاشرة مكرم لأهل العلم خصوصا للغرباء
الواردين عليه ما رأيت في شيوخي مثله
وقال سألته عن مولده فقال مولدي تقديرا في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة
قلت وتوفي يوم الخميس الحادي أو الثاني والعشرين من شوال سنة ثلاثين
وخمسمائة
وذكره أبو الحسن عبد الغافر حفيد أبو الحسين عبد الغافر في كتابه ومات
قبله سنة تسع وعشرين فأحسن الثناء عليه بما لا نطيل به
روى الكتاب عنه فيمن رواه عنه شيخنا أبو الحسن مؤيد بن محمد بن الشيخ
المقرىء ابي الحسن علي بن الحسن بن محمد بن أبي صالح الطابراني الطوسي ثم
النيسابوري وكان شيخا رضيا جليلا مسندا معمرا محظوظا من رواية الحديث
متصديا لإسماعه ملحوظا من طلبته سمع الكتاب من الفراوي في السنة التي مات
فيها وعاش حتى تفرد به عنا وحتى ألحق الأحفاد بالأجداد
وسمعت الكتاب منه بقراءتي عليه في معدنه نيسابور فعلونا فيه ولله الحمد
سماء العلو بإسناد متسلسل نيسابوري عن نيسابوري ومعمر عن معمر
إلى مؤلفه مسلم رحمه الله
وأنبأنا به عن الفراوي أيضا ابن حفيده الشيخ الزكي أبو القاسم منصور رحمهم
الله أجمعين وإيانا ونفعنا بذلك وإخواننا آمين آمين
وأما القلانسي فهو ابو محمد أحمد بن علي بن الحسن بن المغيرة بن عبد
الرحمن القلانسي وقعت بروايته عن مسلم عند المغاربة ولم أجد له ذكرا عند
غيرهم دخلت روايته إليهم من مصر على يدي من رحل منهم إلى جهة المشرق كأبي
عبد الله محمد بن يحيى الحذاء التميمي القرطبي وغيره
سمعوها بمصر من أبي العلاء عبد الوهاب بن عيسى بن عبد الرحمن بن ماهان
البغدادي قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى الأشقر الفقيه على مذهب
الشافعي حدثنا أبو محمد أحمد بن علي بن الحسن القلانسي حدثنا مسلم بن
الحجاج حاشى ثلاثة أجزاء من آخر الكتاب أولها حديث الإفك الطويل فإن أبا
العلاء ابن ماهان المذكور كان يروي ذلك عن أبي أحمد الجلودي عن ابن سفيان
عن مسلم وبلغنا عن الحافظ الفاضل أبي علي الحسين بن محمد الغساني وكان من
جهابذة المحدثين ورئيسهم بقرطبة قال سمعت أبا عمر أحمد بن محمد بن يحيى
يعني ابن الحذاء يقول سمعت أبي يقول أخبرني ثقات أهل مصر أن أبا الحسن علي بن عمر الدارقطني كتب إلى أهل مصر من بغداد أن اكتبوا عن أبي العلاء بن ماهان كتاب مسلم بن الحجاج الصحيح ووصف أبا العلاء بالثقة والتمييز
تنبيهات
الأول اختلفت النسخ في رواية الجلودي عن إبراهيم هل هي بحدثنا إبراهيم أو أخبرنا والتردد واقع في أنه سمع من لفظ إبراهيم أو قراءة عليه فالأحوط إذن أن يقال أخبرنا إبراهيم حدثنا إبراهيم فيلفظ القارىء بهما على البدل وجائز لنا الإقتصار على أخبرنا فإنه كذلك فيما نقلته من ثبت الفراوي من خط صاحبه عبد الرازق الطبسي وفيما انتخبته بنيسابور من الكتاب من أصل فيه سماع شيخنا المؤيد وسمعته عليه عند تربة مسلم رحمه الله وهو كذلك بخط الحافظ أبي القاسم الدمشقي العساكري عن الفراوي وفي ذلك أيضافحكم المتردد في ذلك المصير إلى أخبرنا لأن كل تحديث من حيث الحقيقة إخبار وليس كل إخبار تحديثا والله أعلم
الثاني اعلم أن لإبراهيم بن سفيان في الكتاب فائتا لم يسمعه من
مسلم يقال فيه أخبرنا إبراهيم عن مسلم ولا يقال فيه قال أخبرنا أو حدثنا
مسلم
وروايته لذلك عن مسلم إما بطريق الإجازة وإما بطريق الوجادة وقد غفل أكثر
الرواة عن تبيين ذلك وتحقيقه في فهارسهم وبرنامجاتهم وفي تسميعاتهم
وإجازاتهم وغيرها بل يقولون في جميع الكتاب أخبرنا إبراهيم قال اخبرنا
مسلم وهذا الفوت في ثلاثة مواضع محققة في أصول معتمدة
فأولها في كتاب الحج في باب الحلق والتقصير حديث ابن عمر رضي الله عنهما
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رحم الله المحلقين برواية ابن نمير
فشاهدت عنده في أصل الحافظ أبي القاسم الدمشقي بخطه ما صورته
أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم قال حدثنا ابن نمير
حدثنا ابي حدثنا عبيد الله بن عمر الحديث
وكذلك في أصل بخط الحافظ أبي عامر العبدري إلا أنه قال حدثنا أبو إسحاق
وشاهدت عنده في أصل قديم مأخوذ عن أبي أحمد الجلودي ما صورته من ها هنا
قرأت على أبي أحمد حدثكم إبراهيم عن مسلم وكذا كان في كتابه إلى العلامة
قلت وهذه العلامة هي بعد ثمانية أوراق أو نحوها عند أول حديث ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا استوى على بعيره
خارجا إلى سفر كبر ثلاثا
وعندها في الأصل المأخوذ عن الجلودي ما صورته إلى ها هنا قرأت عليه يعني
على الجلودي عن مسلم ومن ها هنا قال حدثنا مسلم
وفي أصل الحافظ أبي القاسم عندها بخطه من هنا يقول حدثنا مسلم وإلى هنا شك
الفائت الثاني لإبراهيم أوله أول الوصايا قول مسلم حدثنا أبو حيثمة زهير
ابن حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لمحمد بن المثنى في حديث ابن عمر ما حق
امرىء مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه إلى قوله في آخر حديث رواه في قصة
حويصة ومحيصة في القسامة حدثني إسحاق بن منصور أخبرنا بشر بن عمر قال سمعت
مالك بن أنس الحديث وهو مقدار عشرة أوراق ففي الأصل المأخوذ عن الجلودي
والأصل الذي بخط الحافظ أبي عامر العبدري ذكر انتهاء هذا الفوات عند أول
هذا الحديث وعود قول إبراهيم حدثنا مسلم
وفي أصل الحافظ أبي القاسم الدمشقي شبه التردد في هذا الحديث داخل في
الفوت أو غير داخل فيه والإعتماد على الأول
الفائت الثالث أوله قول مسلم في أحاديث الإمارة والخلافة حدثني زهير بن
حرب حدثنا شبابة حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم إنما الإمام
جنة ويمتد
إلى قوله في كتاب الصيد والذبائح حدثنا محمد بن مهران الرازي
حدثنا أبو عبد الله حماد بن خالد الخياط حديث أبي ثعلبة الخشني إذا رميت
بسهمك فمن أول هذا الحديث عاد قول إبراهيم حدثنا مسلم
وهذا الفوت أكبرهما وهو نحو ثماني عشرة ورقة وفي أوله بخط الحافظ الكبير
أبي حازم العبدوي النيسابوري وكان يروي عن محمد بن يزيد العدل عن إبراهيم
ما صورته من هنا يقول إبراهيم قال مسلم وهو في الأصل المأخوذ عن الجلودي
وأصل أبي عامر العبدري وأصل أبي القاسم الدمشقي بكلمة عن
وهكذا في الفائت الذي سبق في الأصل المأخوذ عن الجلودي وأصل أبي عامر وأصل
أبي القاسم وذلك يحتمل كونه روى ذلك عن مسلم بالوجادة ويحتمل الإجازة ولكن
في بعض النسخ التصريح في بعض ذلك أو كله يكون ذلك عن مسلم بالإجازة والعلم
عند الله تبارك وتعالى
الثالث ما ننقله من أصل الحافظ أبي عامر العبدري نرويه عن شيخنا أبي حفص
عمر بن محمد البغدادي وغيره إذنا عن أبي القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي
إذنا قال أخبرنا أبو الليث نصر بن الحسن الشاشي السمرقندي قراءة عليه قال
أخبرنا عبد الغافر الفارسي بسنده السابق
وما ننقله من أصل الحافظ أبي القاسم الدمشقي العساكري فهو مندرج في
روايتنا لجميع الكتاب عن شيخنا أبي القاسم منصور ابن حفيد الفراوي عنه وقد
ذكرناه عند ذكرنا إسنادنا في الكتاب
وكذلك ما ننقله من الأصل المأخوذ عن الجلودي فهو مما أجازه لنا منصور عن
أبي جده الفراوي عن عبد الغافر الفارسي عن الجلودي
وكذلك ما ننقله من أصل الحافظ أبي حازم العبدري فهو أيضا مما
أجازه لنا قال أنبأنا أبو جدي الفراوي قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف
الشيرازي قال أنبأنا الحافظ أبو حازم العبدوي قال أخبرنا أبو عبد الله
محمد بن يزيد العدل قال أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان قال حدثنا مسلم
ثم إن الرواية بالأسانيد المتصلة ليس المقصود بها في عصرنا وكثير من
الأعصار قبله إثبات ما يروى بها إذ لا يخلو إسناد منها عن شيخ لا يدري ما
يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطا يصلح لأن يعتمد عليه في ثبوته وإنما
المقصود منها إبقاء سلسلة الإسناد والتي خصت بها هذه الأمة زادها الله
كرامة وإذا كان ذلك كذلك فسبيل من أراد الإحتجاج بحديث من صحيح مسلم
وأشباهه أن يتلقاه من أصل به مقابل على يدي مقابلين ثقتين بأصول صحيحة
متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن
أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول
ثم لما كان الضبط بالكتب معتمدا في باب الرواية فقد تكثر الأصول المقابل
بها كثرة تتنزل منزلة التواتر أو منزلة الإستفاضة
وقد لا تبلغ ذلك ثم ما لم يبلغ ذلك لا يبطل بالكلية فيه فائدة ما قدمنا
ذكره من كون ما اشتمل عليه الصحيحان أو أحدهما مقطوعا
بصحته من حيث تلقي الأمة ذلك بالقبول بل يبقى له أثر في التقوية
والترجيح وذلك كالإجماع المنعقد على حكم من الأحكام إذا نقل إلينا بطريق
الآحاد فإنه لا يبطل بذلك تأثيره بالكلية بل يبقى على الأصح تأثيره في أصل
وجوب العمل فاعلم ذلك والله أعلم
وهذا حين حان أن نشرع في المقصود من الشرح والضبط والتقييد مستعينين بالله
تبارك وتعالى ومستعيذين به قائلين
قول مسلم رحمه الله وإيانا في أول كتابه لو عزم لي عليه هو بضم
العين قال الإمام أبو عبد الله محمد بن علي المازري التميمي صاحب كتاب
المعلم بفوائد كتاب مسلم لا يظن بمسلم أنه أراد عزم الله لي عليه لأن
إرادة الله تعالى لا تسمى عزما
قلت ليس ذلك كما قال فسيأتي في الكتاب إن شاء الله تعالى في كتاب الجنائز
عن أم سلمة رضي الله عنها قولها ثم عزم الله لي فقلتها ولذلك وجهان نقدم
عليهما
إن الأمر في إضافة الأفعال إليه سبحانه واسع حتى لا يتوقف فيها على
التوقيف كما يتوقف عليه في أسمائه وصفاته ولذلك توسع الناس قديما وحديثا
في ذلك في خطبهم وغيرها
ثم الوجهين أن المراد بذلك أراد الله في ذلك على جهة الإستعارة لأن
الإرادة والقصد والعزم والنية متقاربة فيقام بعضها مقام بعض
تجوزا وقد ورد عن العرب أنها قالت نواك الله بحفظه فقال فيه بعض الأئمة أي
قصدك بحفظه
الوجه الثاني أن لقول القائل عزم الله لي وجها صحيحا غير الإرادة وهو أن
يكون من قبيل قول ام عطية نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا أي لم
نلزم بذلك
وكذلك قوله ترغيبا في قيام رمضان من غير عزيمة أي من غير إلزام
ذكر مسلم رحمه الله وإيانا فيمن ذكره من الضعفاء عبد الله بن محرر فغلط
فيه كثير من رواة الكتاب فقالوا فيه ابن محرز بالزاي المنقوطة واسكان
الحاء المهملة وإنما هو محرر بميم ثم حاء مهملة مفتوحة ثم راءين مهملتين
أولهما مفتوحة مشددة كذلك ذكره البخاري وغيره من أهل الضبط والله أعلم
ذكر مسلم من حديث سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما
قوله صلى الله عليه و سلم من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين
فوجدته بخط الحافظ الضابط أبي عامر محمد بن سعدون العبدري رحمه الله ها
هنا مضبوطا يرى بضم الياء والكاذبين على الجمع ووجدت عن القاضي الحافظ
المصنف أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي أنه قال الرواية فيه عندنا
الكاذبين على الجميع
قلت رواه الحافظ الكبير أبو نعيم الأصبهاني في كتابه المستخرج على كتاب
مسلم في حديث سمرة بن جندب الكاذبين على التثنية فحسب
واحتج به على أن الراوي لذلك يشارك في الكذب من بدأ بالكذب عليه صلى الله
عليه و سلم وفي هذا تفسير منه لمعنى التثنية حسن
ثم ذكره في روايته إياه من حديث المغيرة بن شعبة فهو أحد الكاذبين أو
الكاذبين على الترديد بين التثنية والجمع
ووجدت ذلك مضبوطا محققا في أصل مأخوذ عن أبي نعيم مسموعا عليه مكررا في
موضعين من كتابه وقدم في الترديد التثنية في الذكر وهذه فائدة عالية غالية
ولله الحمد الأكمل
وأما الضم في يرى فهو مبني على ما اشتهر من أنه بالضم يستعمل في
الظن والحسبان وبالفتح في العلم ورؤية العين وفي حفظي أنه قد
يستعمل بالفتح بمعنى الظن أيضا كما يستعمل العلم بمعنى الظن والله أعلم
قول إياس بن معاوية أراك قد كلفت بعلم القرآن
كلفت هو بفتح الكاف وكسر اللام ومعناه أحببته وأولعت به وقال أبو القاسم
الزمخشري الكلف الإيلاع بالشيء مع شغل قلب ومشقة والله أعلم
عامر بن عبدة عن عبد الله رويناه ابن عبدة بفتح الباء وإثبات هاء التأنيث
في آخره وهذا هو الأصح فيه ووجدته في أصل الحافظ أبي حازم العبدوي بخطه
وفي أصل آخر عن أبي أحمد الجلودي ابن عبد بلا هاء وهو محكي عن أكثر رواة
مسلم
والصحيح المشهور عن أئمة الحديث أحمد بن حنبل وغيره إثبات الهاء فيه ثم
اختلفوا مع إثباتهم لها في إسكان الباء وفتحها والفتح أصح وأشهر وبه
قال ابن المديني وابن معين ولم يذكر أبو علي الغساني في كتابه
تقييد المهمل غيره والله أعلم
روى مسلم بإسناد عن ابن أبي ملكة قال كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي
كتابا ويخفي عنى
فقال ولد ناصح أنا أختار له الأمور اختيارا وأخفي عنه
فقوله ويخفي عنه وقول ابن عباس وأخفي عنه
هما بالخاء المعجمة أي يكتم عني أشياء ولا يكتبها إذا كان عليه فيها مقال
من الشيع المختلفة واهل الفتن فإنه إذا كتبها ظهرت وإذا ظهرت خولف فيها
وحصل فيها قال وقيل مع أنها ليست مما يلزم بيانها لابن أبي مليكة وإن لزم
فيمكن ذلك بالمشافهة دون المكاتبة
وقوله ولد ناصح مشعر بما ذكرته
وقوله أنا أختار له وأخفي عنه إخبار منه بإجابته إلى ذلك وليس استنكارا له
في ضمن استفهام محذوف حرفه
وحكي القاضي عياض في ذلك عن شيوخه من أهل المغرب روايتين
إحداهما أنه بخاء معجمة والأخرى بحاء مهملة وحكى هذه عن أكثر
شيوخه في الكتاب واختارها ورجحها على أن معنى ذلك من إحفاء الشوارب أي
اختصر ولا تكثر علي فيما تكتبه إلي أو إنه من الإحفاء الذي هو الإلحاح
والإستقصاء ويكون عني بمعنى علي أي استقص فيما تخاطبني به
قلت وهذا تكلف ليست فيه رواية متصلة الإسناد نضطر إلى قبوله والله أعلم
أبو عقيل يحيى بن المتوكل صاحب بهية وهو بفتح العين وبهية بباء موحدة
مضمونة وياء مثناة من تحت مشددة وهي امرأة تروي عن عائشة رضي الله عنها
وروي أنها سمتها بهية وذكر ذلك كله ابو علي الغساني في تقييد المهمل والله
أعلم
ذكر مسلم بإسناده عن أبي عون قوله في شهر بن حوشب إن شهرا نزكوه
فقوله نزكوه أوله نون ثم زاي مفتوحتان أي طعنوا فيه مأخوذ من النيزك بنون
مفتوحة بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة ثم زاي مفتوحة وهو الرمح القصير
ورواه كثير من رواة مسلم تركوه بالتاء والراء وهو تصحيف
وتفسير مسلم له ينفيه وشهر قد وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين
وغيرهما والذي ذكره فيه ابن أبي خيثمة أنه ثقة حكاه عن يحيى بن
معين واقتصر عليه والقلب إلى هذا أميل وإن ذكره جماعة في كتبهم في الضعفاء
وقد ذكره أبو نعيم الحافظ فيمن ذكرهم في حلية الأولياء وما ذكر في جرحه من
أخذه خريطة من بيت المال على جهة الخيانة له محمل يدرأ عنه القدح المسقط
وقول ابن حبان
إنه سرق عيبة من عديله في الحج غير مقبول والله أعلم
ذكر مسلم روح بن غطيف صاحب حديث تعاد الصلاة من قدر الدرهم فوقع في أصل
الحافظ أبي القاسم الدمشقي العساكري وأصل بخط
الحافظ أبي عامر العبدري برواية أبي الفتح السمرقندي عن عبد
الغافر الفارسي وفي غيرهما وفي رواية جماعة آخرين من رواة الكتاب ابن غضيف
بضاد معجمة وهو خطأ وإنما هو بالطاء المهملة من وجوه معتمدة وهو كذلك
محفوظ معروف وهو عندي على الصواب فيما انتخبته من أصل فيه سماع شيخنا أبي
الحسن الطوسي وعليه خط شيخه الفراوي وقرأته عليه عند قبر مسلم والله أعلم
قوله حس الحارث بالشر هكذا وقع بغير همزة في أوله فيما عندنا من الأصول هو
لغة قليلة في أحس وعليها يستقيم قول الأصوليين والفقهاء وغيرهم
الحاسة والحواس الخمس والمعروف أن حس معناه قتل أو قتل قتلا
ذريعا والله أعلم
يحيى بن الجزار هو بالجيم والزاي المنقوطة والراء المهملة أي القصاب وليس
في الكتاب غيره كذلك والله أعلم
قول أبي داود الطيالسي لقيت زياد بن ميمون وعبد الرحمن بن مهدي فعبد
الرحمن مرفوعا عطفا على الضمير في قوله لقيت وإن لم يؤكد الضمير اكتفاءا
بما حصل من الفصل
وحديث العطارة المشار إليه هو حديث ضعيف رواه زياد بن ميمون عن أنس ان
أمرأة يقال لها الحولاء عطارة كانت بالمدينة دخلت على عائشة رضي الله عنها
وذكرت خبرها مع زوجها وشكواها له وأن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله
عليه و سلم في حديث طويل لا يصح والله أعلم
ما ذكره مسلم من تصحيف عبد القدوس في سويد بن عقلة وهو بالعين
المهملة والقاف وإنما هو بالغين المعجمة والفاء وصوابه ومصحفه كلاهما
بالفتح في جميع حروفه على وزان عدسة
وما ذكره من تصحيفه في النهي عن أن تتخذ الروح غرضا هو انه فتح الراء من
الروح وقال عرضا بفتح العين المهملة واسكان الراء وإنما هو الروح بضم
الراء وغرضا بالغين المعجمة والراء المفتوحتين والله أعلم
وذكر أبان بن أبي عياش وأبان كنا نختار صرفه ذهابا إلى أن له محملا صحيحا
يصحح صرفه فيحمل عليه فإن الصرف هو الأصل
وذلك ما ذكره محمد بن جعفر النحوي في كتابه جامع اللغة من أنه يجوز أن
يكون فعالا مصدرا من أبن الرجل إذا مات ثم وجدت ما عضد ذلك عن ابي محمد بن
السيد البطليوسي وهو أنه اختار صرف أبان وذكر انه فعال ومن ترك صرفه جعله
فعلا ماضيا والله أعلم
ذكر مسلم المعلي بن عرفان وعرفان هو بضم العين المهملة في
أصل أصيل بالجرح والتعديل تأليف الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم
الرازي وهو بخط ضابط موثوق به ذكر أنه قابله بخط مصنفه وذكر سعد الخير ابن
محمد الأندلسي أنه وجده بالضم أيضا في أصل موثوق به بتاريخ البخاري الكبير
ويقال بكسر العين وبذلك ضبطه في الكتاب بخطه أبو عامر العبدري رحمه الله
والله أعلم
صالح مولى التوءمة يقال فيه التؤمة بضم التاء وهمزة على الواو مفتوحة
وقاله كذلك كثير من الرواة والمشايخ وهو خطأ
والصواب التوءمة بفتح التاء ثم واو ساكنة ثم همزة مفتوحة وقد تطرح الهمزة
وتنتقل فتحتها إلى الواو
والتوءمة هذه هي ابنة أمية بن خلف الجمحي سميت بذلك لأنها كانت مع أخت لها
في بطن واحد والله أعلم
وقع في أصل عندنا مأخوذ عن الجلودي وفي غيره من الأصول وضعف
يحيى بن موسى بن دينار بزيادة ابن بين موسى ويحيى وكذلك حكاه
صاحب تقييد المهمل عن أكثر النسخ وهو غلط كأنه وقع من رواة مسلم وصوابه
وضعف يحيى موسى بن دينار بحذف ابن بين يحيى وهو القطان وبين موسى وقد صححه
كذلك صاحب التقييد أبو علي الغساني وغيره والله أعلم
اختلفت الأصول عندنا في قول مسلم في الأحاديث الضعيفة ولعلها أو أكثرها
أكاذيب لا أصل لها
فوقع ذلك هكذا في أصل الحافظ أبي القاسم روايته عن الفراوي عن عبد الغافر
الفارسي ووقع في غيره وأقلها أو أكثرها أكاذيب وهما روايتان ذكرهما القاضي
عياض المغربي ونسب الأولى إلى رواية عبد الغافر الفارسي وصححها ونسب
الثانية إلى رواية أبي العباس العذري الراوي عن الراوي عن الجلودي ووصفها
بالاختلال والتصحيف
ولا تبلغ بها الحال إلى ذلك فإن الترديد بين الأقل والأكثر قد يقع من
الحذر المتحري والله أعلم
ذكر مسلم عن بعض منتحلي الحديث من أهل عصره أنه ذهب في الأحاديث المعنعنة
وهي المقول فيها فلان عن فلان إلى أنه لا تقوم بها الحجة حتى يثبت أن
فلانا وفلانا قد التقيا واجتمعا مرة أو أكثر او سمع أحدهما من الآخر أو
نحو ذلك وإذا لم يثبت ذلك ولكن ثبت أنهما متعاصران لم يكتف بذلك ولم يحتج
به
وأخذ مسلم في رد هذا على قائله وفي الطعن عليه حتى أفرط وادعى
أنه قول ساقط مخترع مستحدث لم يسبق صاحبه إليه ولا ساعده أحد من أهل العلم
عليه وأن المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار أنه يكتفي في ذلك بكونهما في
عصر واحد مع إمكان التلاقي والسماع واحتج بما اختصاره أن المعنعن عندهم
يحمل على الإتصال إذا ثبت التلاقي بينهما ولم يعرف بتدليس مع إمكان
الإرسال فيه اكتفاء بإمكان السماع فكذلك إذا ثبت مجرد التعاصر وأمكن
التلاقي
والذي صار إليه مسلم هو المستنكر وما أنكره قد قيل إنه القول الذي عليه
أئمة هذا العلم علي بن المديني والبخاري وغيرهما ومنهم من لم يقتصر في ذلك
على اشتراط مطلق اللقاء أو السماع وزاد عليه فاشترط أبو عمرو الداني
المقرىء الحافظ أن يكون معروفا بالرواية عنه
واشترط أبي الحسن القابسي المالكي أن يكون قد أدرك المنقول عنه إدراكا
بينا
واشترط أبو المظفر السمعاني الشافعي طول الصحة بينهما
والجواب عما احتج به مسلم أنا قبلنا المعنعن وحملناه على الإتصال بعد ثبوت
التلاقي ممن لم يعرف منه تدليس لأنه لو لم يكن قد سمعه ممن رواه عنه لكان
بإطلاقه الرواية عنه مدلسا والظاهر سلامته من وصمة التدليس ومثل هذا غير
موجود فيما إذا لم يعلن تلاقيهما وما أتى به مسلم من الإفراط في الطعن على
مخالفه يليق بمن يخالف في مطلق المعنعنة فكأنه لما توهم عدم الفرق بين
الصورتين طرد ذلك في الصورة المذكورة أيضا والله أعلم
أحاديث الإيمان
أولها حديث يحيى بن يعمر عن أبيه رضي الله عنهما تفرد مسلم عن البخاري بإخراجه في الصحيح واتفقا على إخراج حديث أبي هريرة الآتي الوارد في معناه وهو حديث عظيم القدر عده بعضهم في الأحاديث التي مدار الدين عليها فقول يحيى بن يعمر يتقفرون العلم وهو بتقديم القاف على الفاء
هذا هو الثابت في أصولنا وفي روايتنا وهو الرواية المشهورة فيه ومعناه
يطلبونه ويتتبعونه وقيل معناه يجمعوه
ومنهم من رواة بتقديم الفاء عل القاف أي يبحثون عن غامضه ويستخرجون خفيه
وقوله وذكر من شأنهم ليس من قول يحيى بن يعمر وإنما هو من قول بعض من هو
دونه من الرواة أي وذكر يحيى من شأن المذكورين غير ذلك
وما حكاه عن القدرية من قولهم إن الأمر أنف هو بضم الهمزة والنون معا أي
مستأنف لم يسبق به سابق قدر ولا علم من الله تبارك وتعالى وهو مذهب غلاة
القدرية وكذبوا وضلوا
وقول عمر لا نرى عليه أثر السفر
هو في أصل الحافظ أبي حازم العبدوي بخطه نرى بالنون والله أعلم
قوله صلى الله عليه و سلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت
إليه سبيلا وقوله في الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره
فهذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن إذ قوله أن تؤمن معناه أن تصدق
وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر وحكم الإسلام في
الظاهر يثبت بالشهادتين وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والصوم والحج
لأنها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه وتركه لها
يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به
الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات لكونها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو
أصل الإيمان ومقويات ومتممات وحافظات له
ولهذا فسر صلى الله عليه و سلم الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين
والصلاة والزكاة وصوم رمضان وإعطاء الخمس من المغنم
ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو ترك فريضة لأن اسم
الشيء مطلقا يقع على الكامل منه ولا يستعمل في الناقص ظاهرا إلا بقيد
ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في مثل قوله صلى الله عليه و سلم لا
يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن
واسم الإسلام يتناول أيضا ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ويتناول
سائر الطاعات فإن ذلك كله استسلام أيضا
فخرج مما ذكرناه وحققناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان وأن كل
مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا
فهذا والحمد لله الهادي تحقيق واف بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب
والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله وكان أحد المحققين ما أكثر ما
يغلط الناس في هذه المسألة وما حققناه من ذلك موافق لمذاهب جماهير العلماء
من أهل الحديث وغيرهم والله أعلم
وتفسيره صلى الله عليه و سلم الإحسان راجع إلى الإخلاص ومراقبة العبد ربه
تبارك وتعالى في عبادته وتمام الخشوع والخضوع رزقنا الله ذلك
وقوله أن تلد الأمة ربتها وفي الحديث بعده ربها معناه سيدتها
وسيدها وهو إخبار عن كثرة أولاد السراري حينئذ إذ ولدها من
سيدها بمنزلة سيدها
وقيل معناه أن تلد الإماء الملوك
والعالة هم الفقراء وفي رواية رويناها أنه سأله عنهم فقال العريب وهو
تصغير العرب والمفهوم منه أهل البادية منهم أي أنهم يصيرون ملوكا ويتباهون
في البناء
وقوله فلبثت مليا أي وقتا طويلا وروى الترمذي أنه قال له ذلك بعد ثلاث
وقول مسلم حدثني محمد بن عبيد الغبري هو بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة
مفتوحة ثم راء مهملة منسوب إلى غبر بن غنم بطن من يشكر بن بكر بن وائل
والله أعلم
حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيه جمع في تفسير الإيمان بين
الإيمان بلقاء الله والإيمان بالبعث الآخر ووجهه أن لقاه تعالى
يحصل بالإنتقال من الدنيا إلى دار الجزاء وذلك يتقدم على البعث
وقيل إن ذلك عبارة عن ما يكون بعد البعث عند الحساب
وأما وصف البعث بالآخر فقد قيل فيه هو مبالغة في البيان وأيضا فخروجه من
الدنيا بعث أول
قلت وهذا بعيد فإن خروجه منها واقع بالموت وهو ضد البعث ووجهه عندي أن
البعث حياة ثانية بعد حياة أولى ونشأة أخرة بعد نشأة أولى والله أعلم
قوله وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها فالبهم بفتح الباء
أولاد الضأن عند بعضهم وقيل أولاد الضأن والمعز جميعا
وأشراط الساعة أوائلها ومقدماتها وقيل علاماتها واحدها شرط بفتح الشين
والراء والله أعلم
قوله في الرواية الأخرى إذا ولدت الأمة بعلها
معناه أيضا ربها أي سيدها على ما سبق تفسيره فقد ورد في اللغة بعل الشيء
بمعنى ربه ومالكه والله أعلم
وقوله في رواية أخرى وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض أي
الجهلة والله أعلم
حديث طلحة رضي الله عنه قوله فيه رجل ثائر الرأس بالثاء
المثلثة أي قائم شعر الرأس منتفشه
وقوله نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول
هو بالنون في نسمع ونفقه كذلك هو فيما عندنا من الأصول الأربعة السابقة
نسبتها عن الجلودي وعن الحفاظ أبي حازم العبدوي وأبي عامر العبدري وأبي
القاسم العساكري
غير أن في بعضها اقتصارا على ذلك في إحدى الكلمتين
ودوي صوته بفتح الدال المهملة وهو علوه وبعده في الهواء وقوله إلا أن تطوع
محتمل لتشديد الطاء على إدغام إحدى التائين وبغير تشديد الطاء على حذف
إحدى التائين تحقيقا على ما عرف في أمثاله
وقوله فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم أفلح إن صدق
هذا الفلاح راجع إلى قوله لا انقص خاصة إذ من المعلوم عند كل من يعقل من
أعرابي وعربي وعامي وخاصي أن الفلاح لا يناط بترك ما زاد على ذلك
من نوافل الخيرات والطاعات وللعلم بذلك أطلق رسول الله صلى الله
عليه و سلم قوله ذلك ولم يقيده
وقوله في رواية أخرى أفلح وأبيه إن صدق ليس حلفا بأبيه وإنما هذه كلمة جرت
عادة العرب بأنهم يبدؤون بها كلامهم من غير قصد لقسم محقق والله أعلم
ثم انه يشكل على غير اليقظ المتأمل أنه ذكر في تفسير الإسلام في هذا
الحديث الصلوات الخمس والصوم والزكاة فحسب دون سائر ما ذكر في تفسير
الإسلام في حديث جبريل صلى الله عليه و سلم وكذلك لم يذكر الحج في حديث
جبريل صلى الله عليه و سلم من رواية أبي هريرة وهكذا احاديث أخر في هذا
الصحيح وغيره تفاوت في عدد الخصال زيادة ونقصا والمفسر واحد
فأقول والله الموفق إن ذلك ليس باختلاف صادر من رسول الله صلى الله عليه و
سلم بل ذلك ناشىء من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط فمنهم من قصر فاقتصر
على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا إثبات وإن كان
اقتصاره على ما ذكره يشعر بأن ذلك هو الكل فقد بان بما أتى به غيره من
الثقات إن ذلك ليس بالكل وإن
اقتصاره عليه لقصور حفظه عن تمامه
ألا ترى حديث النعمان بن قوقل الاتي ذكره في الكتاب قريبا اختلفت الروايات
في خصاله بالزيادة والنقصان مع أن راوي الجميع راو واحد وهو جابر في قضية
واحدة
ثم إن البخاري روى في صحيحه في حديث طلحة المذكور بعينه في رواية له
فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم بشرائع الإسلام فقال والذي أكرمك لا
أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فبان بهذا صحة ما ذكرناه وللفظ
هذه الرواية أعرضنا عن قول من قال في قوله لا أزيد على هذا ولا أنقص إنه
ليس معناه أنه لا يتنفل بل معناه لا يزيد في المفترض بأن يفترض على نفسه
ما لم يفترضه الله عز و جل كما فعله أهل الكتاب والله أعلم
ثم إن ذلك لا يمنع من إيراد الجميع في الصحيح لما عرف في مسألة زيادة
الثقة من أننا نقبلها ولا ننعطف على من لم يذكرها بقدح ورد والله أعلم
حديث أنس المذكور بعد هذا فيه فجاء رجل من أهل البادية فقال يا
محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق
هذا الرجل هو ضمام بن ثعلبة بضاد معجمة مكسورة وهو من بني سعد بن بكر بن
هوازن قبيلة حليمة التي أرضعت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال أبو عمر ابن عبد البر حافظ أهل المغرب روى حديثه ابن عباس
وأبو هريرة وأنس بن مالك وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم وكلها طرق صحاح
وذكر أن طلحة لم يسمه وهذا من أبي عمر حكم بأن النجدي المذكور في حديث
طلحة هو ضمام بن ثعلبة أيضا
وفي هذا نظر لأنه إذا لم يسمه طلحة كما اعترف أبو عمر به فمن أين له أنه
أراده بالرجل الذي لم يسمه وقوله أنك تزعم مع تصديق رسول الله صلى الله
عليه و سلم له دال على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب وبما ليس بمحقق بل قد
يجيء بمعنى قال مستعملا في الحق المحقق وفي غيره وقد نقل مصداق ذلك أبو
عمر الزاهد في شرحه للفصيح عن شيخه أبي العباس ثعلب عن العلماء باللغة من
الكوفيين والبصريين قال أبو العباس ومنه قول الفقهاء زعم مالك زعم الشافعي
قال معناه كله قال والله أعلم
وفي هذا الحديث دلالة على صحة ما ذهب إليه أئمة العلماء في أن العوام
المقلدين مؤمنون وأنه يكتفي منهم بمجرد اعتقادهم الحق جزما من
غير شك وتزلزل خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة
وذلك أنه صلى الله عليه و سلم قرر ضماما على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته
وصدقه صلى الله عليه و سلم من مناشدته ومجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر
عليه ذلك قائلا له إن الواجب عليك أن تستدرك ذلك من النظر في معجزاتي
والاستدلال بالأدلة القطعية التي تفيدك العلم والله أعلم
قول أبي أيوب رضي الله عنه فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها هو ما يشد على رأس
البعير من حبل أو سير أو نحو ذلك ليقاد به وأما الخطام فقد ذكر الأزهري
أبو منصور اللغوي ما معناه أنه الحبل الذي يعلق في حلق البعير ثم يثنى على
أنفه ولا يثقب له الأنف والله أعلم
وقوله فيه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن تمسك بما أمر
به دخل الجنة رويناه مما يعتمد من أصل الحافظ أبي القاسم العساكري أمر بضم
الهمزة به بالباء التي هي حرف الجر ومن خط الحافظ أبي عامر العبدري أمرته
بفتح الهمزة وبالتاء المثناة من فوق التي هي ضمير المتكلم ويكون على هذا
قد حذف منه به وهو جائز والله أعلم
النعمان بن قوقل بقافين على وزان نوفل
وقوله حرمت الحرام وأحللت الحلال أما تحريمه الحرام فالظاهر أنه أراد به
الأمرين أن يعتقده وأن لا يفعله بخلاف تحليل الحلال فإنه يكفي فيه مجرد
الإعتقاد والله أعلم
حديث ابن عمر رضي الله عنهما بني الإسلام على خمس
في بعض رواياته الاقتصار على إحدى الشهادتين وهي شهادة أن لا
إله إلا الله فحسب والشهادة الأخرى محذوفة مرادة اكتفاءا بذكر إحدى
القرينتين عن ذكر الأخرى
وقوله وصيام رمضان والحج فقال رجل الحج وصيام رمضان قال لا صيام رمضان
والحج هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم
ورويناه في كتاب أبي عوانة الإسفراييني المخرج على شرط مسلم وكتابه على
العكس مما رواه مسلم وأن ابن عمر قال للرجل اجعل صيام رمضان آخرهن كما
سمعت من في رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يذكر رواية مسلم لهذه ولن
يقاوم ذلك ما رواه مسلم وقد رواه مسلم من غير ذكر قصة الرجل من وجهين
فيهما وحج البيت وصوم رمضان بتقديم الحج على الصوم
فأقول أما محافظة ابن عمر رضي الله عنهما على الترتيب في الذكر على ما
سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم ونهيه عن عكسه فهو مما
يصلح حجة لمن قال إن الواو تقتضي الترتيب وهو مذهب كثير من الفقهاء
الشافعيين وشذوذ من النحويين
ومن قال إنها لا تقتضي الترتيب وهو المختار وقول الجمهور فله أن يقول فيما
رواه مسلم لم يكن ذلك من ابن عمر لكون الواو مرتبة بل لأن صوم رمضان نزلت
فرضيته في السنة الثانية من الهجرة ونزلت فرضية الحج في سنة ست وقيل سنة
تسع بالتاء المثناة من فوق ومن حق الأول أن يتقدم في الذكر على الآخر
وهكذا نقول نحو ذلك في الرواية الأخرى الأهم يقدم في الذكر وإن لم يعطف
ذلك بحرف الواو فكانت محافظة ابن عمر على ذلك لمثل ذلك وأما مخالفة من
خالف من رواة الحديث لما نص عليه ابن عمر الراوي له في قصة الرجل فرواه
عنه بتقديم ذكر الحج على ذكر الصوم
فكأن ذلك وقع ممن كان يرى الرواية بالمعنى ويرى أن تأخير الأول أو الأهم
في الذكر شائع في اللسان فتصرف فيه بالتقديم والتأخير لذلك مع كونه لم
يسمع نهي ابن عمر عن ذلك
فافهم ذلك فإنه من المشكل الذي لم أرهم بينوه والله أعلم
حديث وفد عبد القيس برواياته رواه مسلم من حديث شعبة وغيره عن أبي جمرة عن ابن عباس
وأبو جمرة هذا هو بالجيم والراء المهملة وهو نصر بن عمران
الضبعي البصري وليس في الصحيحين بهذه الكنية أحد سوى نصر هذا
وقد ذكرت في كتابي معرفة علوم الحديث عن بعض الحفاظ أن شعبة روى عن سبعة
كلهم أبو حمزة عن ابن عباس وكلهم أبو حمزة بالحاء والزاي المنقوطة إلا
واحدا هو بالجيم والراء المغفلة وهو نصر بن عمران
والفرق بينهم يدرك بأن شعبة إذا أطلق وقال عن أبي جمرة عن ابن عباس فهو
نصر بن عمران وإذا روى عن غيره ممن هو بالحاء والزاي فهو يذكر اسمه أو
نسبه والله أعلم
قوله في الرواية الأولى فقالوا يا رسول الله إنا هذا الحي من
ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر الذي نختاره فيه نصب قوله الحي على
على التخصيص
والخبر في قولهم من ربيعة ومعناه إنا هذا الحي حي من ربيعة وقد جاء في
رواية أخرى إنا حي من ربيعة والله أعلم
قولهم ولا نخلص إليك إلا في شهر الحرام صح هكذا في أصولنا بإضافة شهر
الحرام والقول فيه كالقول في نظائره من قولهم دار الآخرة ومسجد الجامع
ونحو ذلك فعلى طريقة النحويين الكوفيين هو إضافة للموصوف إلى صفته وذلك
عندهم سائغ ولا يسوغ ذلك أصحابنا النحويون البصريون ويقولون تقدير ذلك شهر
الوقت ومسجد المكان الجامع ودار الحياة الآخرة ونحو ذلك والله أعلم
قوله صلى الله عليه و سلم وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير
والمقير
وأما الدباء فهو بدال مغفلة مضمومة ثم باء مشددة بعدها مدة وهو القرع
وأما الحنتم فهو بالحاء المهملة والنون والتاء المثناة من فوق والميم على
وزان جعفر وهو جمع حنتمة وقد اختلف في معناه على وجوه أحدها وهو أقواها
إنه الجرار الخضر وذلك مروي عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الأشربة من
هذا الصحيح وقال به غير واحد من أهل اللغة والغريب
وقيل هو الجر الأخضر والأبيض وقيل الجر كله ويعضده ما جاء عن ابن عمر رضي
الله عنهما في هذا الصحيح أنه قال هي الجرة فأطلق وقيل هو الفخار كله وقيل
جرار كانت يحمل فيها الخمر من مصر وقيل من الشام وقيل جرار كانت تعمل من
طين قد عجن بشعر ودم وهو مروي عن عطاء وقيل في ذلك غير ذلك وعلى هذين
القولين الأخريين يزداد في علة النهي النجاسة أو خوف النجاسة
وأما النقير فقد فسره رسول الله صلى الله عليه و سلم في رواية
أبي سعيد لهذا الحديث بأنه جذع ينقر ويقذف فيه من القطيعاء أو قال من
التمر ويصب عليه الماء
القطيعاء بضم القاف وبالمد على وزان الغبيراء
وهي نوع من التمر يقال له السهريز بالسين والشين وبضمهما وكسرهما
وأما المقير وفي رواية المزفت فهو المطلي بالقار والزفت
وقد قيل الزفت هو القار وفي عرفنا الزفت نوع من القار وقد صح عن ابن عمر
رضي الله عنهما أنه قال المزفت هو المقير
ثم أن المعنى في النهي عن انتباذ النبيذ الحلو في هذه الأوعية إن النبيذ
فيها يسرع إليه الإسكار وهو فساد وأيضا فربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع
عليه بعد
ثم أن هذا النهي نسخ بدلالة حديث بريدة بن الحصيب وغيره في ذلك وسيأتي في
هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وهو أعلم
قول أبي جمرة في الرواية الثانية كنت أترجم بين يدي ابن عباس وبين الناس
كذا وقع فيما عندنا وفيه حذف وتقديره بين يدي ابن عباس بينه
وبين الناس
وقوله أترجم فيه أنه كان يتكلم بالفارسية فكان يترجم لابن عباس عن من
يتكلم بها
وعندي أن معناه أنه كان يبلغ كلام ابن عباس إلى من خفي عليه من الناس إما
لزحام منع من سماعه فأسمعهم وإما لاختصار منع من فهمه فأفهمهم أو نحو ذلك
وإطلاقه ذكر الناس يشعر بهذا ويبعد أن يكون المراد به الفرس خاصة وليست
الترجمة مخصوصة بتفسير لغة أخرى وقد أطلقوا على قولهم باب كذا وكذا اسم
الترجمة لكونه يعبر عن ما يذكر بعده والله أعلم
وقوله صلى الله عليه و سلم مرحبا بالقوم غير خزايا ولا الندامى هكذا وقع
ها هنا بالألف واللام في الندامى وإسقاطهما في خزايا وقد روي بإثباتهما
فيهما وبإسقاطهما فيهما
فقوله خزايا جمع خزيان كحيارى جمع حيران وهو إما من قولهم خزي الرجل خزاية
إذا استحيى وإما من قولهم خزي خزيا إذا ذل وهان والأول اختيار أبي عبيد
الهروي صاحب الغريبين
وقوله ولا الندامى قطع بعضهم بأنه جمع نادم وزعم انه جاز جمعه
بهذه الصيغة على خلاف القياس اتباعا لخزايا ولو أفرد لم يجز فيه ذلك ومن
نظائره قولهم إني لآتيه بالغدايا والعشايا فجمعهم الغداء غدايا كان اتباعا
للعشايا ولو أفرد لم يجز ويجوز أن يكون جمع ندمان بمعنى نادم لا بمعنى
نديم كما هو الأشهر فقد حكى صاحب جامع اللغة وصاحب صحاح اللغة أنه يقال
للنادم ندمان فعلى هذا يكون ذلك جمعا جاريا على الأصل ثم إن المقصود من
هذا الكلام أنه لم يوجد منكم تأخر عن الإسلام ولا عناد ولا أصابكم أسار
وسباء ولا ما أشبه ذلك مما تكونون لأجله مستحيين أو مهانيين ونادمين أو
نحو هذا والله أعلم قوله قال وأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع قال أمرهم
بالإيمان بالله وحده وقال هل تدرون ما الإيمان بالله قالوا الله ورسوله
أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة
وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم
فقوله أمرهم بالإيمان بالله إعادة لذكر الأربع ووصف لها بأنها إيمان
بالله ثم فسر الأربع بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
والصوم فهذا إذا موافق لقوله عليه السلام بني الإسلام على خمس ولتفسير
الإسلام بخمس في حديث جبريل صلى الله عليه و سلم على ما سبق تقديره من أن
ما يسمى إسلاما يسمى إيمانا وأن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان وقد
قيل إنما لم يذكر الحج في هذا الحديث لكونه لم يكن قد فرض حينئذ والله
أعلم
وأما قوله أن تؤدوا خمسا فليس عطفا على قوله شهادة أن لا إله إلا الله
فإنه يلزم منه أن يكون الأربع خمسا وإنما هو عطف على قوله وأمرهم بأربع
فيكون مضاف إلى الأربع لا واحدا منها وإن كان واحدا من مطلق شعب الإيمان
وحسن أن يقرأ وأن يؤدوا بياء المغايبة ويجوز بتاء المخاطبة
وأما عدم ذكر الصوم في الرواية الأولى فهو إغفال من الراوي وليس من
الاختلاف الصادر من رسول الله صلى الله عليه و سلم بل من اختلاف الرواة
الصادر من تفاوتهم في الضبط والحفظ على ما تقدم بيانه فافهم ذلك وتدبره
تجده إن شاء الله تعالى مما هدانا سبحانه لحله من العقد والعضل والله أعلم
قوله صلى الله عليه و سلم وأخبروا به من ورائكم ضبطنا هذا الأول بكسر
الميم من من
وقوله قال أبو بكر من ورائكم هذا هو بفتح الميم من من وهما يرجعان إلى
معنى واحد والله أعلم
ومن الرواية الثالثة وما بعدها أشج عبد القيس اسمه المنذر بن
عائد بالذال المنقوطة قطع به ابن عبد البر وغير واحد
وقيل وبالعكس عائد بن المنذر وقيل غير ذلك والأول أصح وأشهر وهو الأشج
العصري من بني عصر بالعين والصاد المهملتين المفتوحتين والله أعلم
الأناة مقصورة على وزن الحصاة وهي التثبت والتأني والله أعلم
قوله وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك قيل إن اسمه جهم بن قثم بلغنا ذلك
عن ابن أبي خيثمة وكانت الجراحة في ساقه والله أعلم
قولهم فيم نشرب يا رسول الله قال في أسقية الأدم التي يلاث هو
بالثاء المثلثة أي يلف ويربط وصح في أكثر أصولنا بياء المضارعة
التي هي للمذكر
وفي الأصل الذي بخط العبدري بالتاء التي هي للمؤنث والأول أقوى وتقديره
ومعناه يلف الخيط على أفواهها ويربط به
وعلى الثاني الأسقية تلف على أفواهها
فقوله على افواهها يكون بدل بعض من الأسقية كما تقول ضربته على رأسه
ثم إن هذا تنبيه على أمر آخر خارج عن أمر الأوعية وهو ما جاء منصوصا عليه
في غير هذا الحديث من أمره صلى الله عليه و سلم بإيكاء السقاة مطلقا سواء
كان الموكى فيه نبيذا أو ماءا أو غير ذلك وإذا هذا يرجع قوله صلى الله
عليه و سلم في الرواية الأخيرة وعليكم بالموكى أي بالسقاء الرقيق الذي
يوكى أي يربط فوه بالوكى وهو الخيط الذي يربط به
وقوله الموكى مقصور لا همز فيه وإنما رخص في الأسقية لأنها لرقة
جلودها لا يسرع الفساد إلى ما ينبذ فيها والله أعلم
قوله إن أرضنا كثير الجرذان صح في أصولنا كثير من غير تاء التأنيث
والتقدير فيه إن أرضنا مكان كثير الجرذان
ومن نظائره قول الله تبارك وتعالى إن رحمت الله قريب من المحسنين والله
أعلم
قوله صلى الله عليه و سلم وتذيفون فيه من القطيعاء روي بالدال المهملة
وبالذال المعجمة وهما لغتان وكلاهما بفتح التاء
وهو من ذاف يذيف ثلاثيا
ورواه بعض رواة مسلم بضم التاء مع الذال المعجمة والمشهور فتحها وداف يدوف
بالواو وإهمال الدال بمعنى ذلك صحيح معروف ومعنى ذاف الشيء خلطه بمائع
وإهمال الدال فيه أعرف في اللغة والله أعلم
ثم إن مسلما حدث عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني
أبو قزعة أن أبا نضرة أخبره وحسنا أخبرهما أن أبا سعيد الخدري
أخبره أن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه و سلم
فقوله أن أبا نضرة وحسنا أخبرهما أن أبا سعيد أخبره إحدى المعضلات ولا
عضال ذلك وقع فيه تغييرات من جماعة واهمة فمن ذلك رواية أبي نعيم
الأصبهاني الحافظ في مستخرجه على كتاب مسلم بإسناده أخبرني أبو قزعة أن
أبا نضرة وحسنا أخبرهما أن أبا سعيد الخدري وهذا يلزم منه أن يكون أبو
قزعة هو الذي أخبر أبا نضرة وحسنا عن أبي سعيد فيكون أبو قزعة هو الذي سمع
من أبي سعيد ذلك
وذلك منتف والله أعلم
ومن ذلك أن أبا علي الغساني صاحب تقييد المهمل رد رواية مسلم هذه وقلده في
ذلك صاحب المعلم ومن شأنه تقليده في ما يذكره من علم الأسانيد مع أنه لا
يسميه ولا ينصفه وصوبهما في ذلك القاضي أبو الفضل عياض ابن موسى فقال أبو
علي الصواب في الإسناد عن ابن جريج قال أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة وحسنا
أخبراه أن أبا سعيد أخبره وذكر أنه إنما قال أخبره ولم يقل أخبرهما لأنه
رد الضمير إلى أبي نضرة وحده وأسقط الحسن لموضع
الإرسال فإنه لم يسمع من أبي سعيد الخدري ولم يلقه وذكر أنه
بهذا اللفظ الذي ذكره خرجه أبو علي ابن السكن في مصنفه بإسناده قال وأظن
هذا من إصلاح ابن السكن
وذكر الغساني أيضا أنه رواه كذلك أبو بكر البزار في مسنده الكبير بإسناده
وحكى عنه وعن عبد الغني بن سعيد الحافظ أنهما ذكرا أن حسنا هذا هو الحسن
البصري
وليس الأمر في ذلك على ما ذكروه بل ما أورده مسلم في هذا الإسناد هو
الصواب وكما أورده رواه أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن ابن جريج
وقد انتصر له الحافظ أبو موسى الأصبهاني وألف في ذلك كتابا لطيفا تبجح فيه
بإجادته وإصابته مع وهم غير واحد من الحفاظ فيه
فذكر أن حسنا هذا هو الحسن بن مسلم بن يناق الذي روى عنه ابن
جريج غير هذا الحديث وأن معنى هذا الكلام أن أبا نضرة أخبر بهذا الحديث
أبا قزعة وحسن بن مسلم كليهما ثم أكد ذلك بأن أعاد فقال أخبرهما أن أبا
سعيد أخبره يعني أبو سعيد أبا نضرة وهذا كما تقول أن زيدا جاءني وعمرا
جاءاني فقالا كذا وكذا
وهذا من فصيح الكلام واحتج على أن حسنا فيه هو الحسن بن مسلم بأن سلمة بن
شبيب وهو ثقة رواه عن عبد الرزاق وعن ابن جريج قال أخبرني أبو قزعة أن أبا
نضرة أخبره وحسن بن مسلم أخبرهما أن أبا سعيد أخبره الحديث
رواه أبو الشيخ الحافظ في كتابه المخرج على صحيح مسلم
وقد أسقط أبو مسعود الدمشقي وغيره ذكر حسن أصلا من الإسناد لأن مع إشكاله
لا مدخل له في رواية الحديث وذكر الحافظ أبو موسى ما حكاه أبو علي الغساني
في كتابه تقييد المهمل في ذلك وبين بطلانه وبطلان رواية من غير الضمير في
قوله أخبرهما وغير ذلك من تغيير ولقد أجاد وأحسن والله أعلم
أبو قزعة المذكور اسمه سويد بن حجير مصغرا اسم أبيه وفي آخره
راء مهملة وقزعة بفتح الزاي قطع به صاحب تقييد المهمل
ووجد بخط ابن الأنباري بإسكانها وذكر ابن مكي في كتابه فيما تلحن فيه أن
الإسكان هو الصواب والعلم عند الله تبارك وتعالى
حدث مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن وكيع بإسناد ذكره عن أبي معبد
عن ابن عباس عن معاذ بن جبل ثم قال قال أبو بكر وربما قال وكيع عن ابن
عباس أن معاذا قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم
هذا فيه مسألة لطيفة من علم الحديث وهي أن قوله عن ابن عباس عن
معاذ بن جبل يحمل على الإتصال ويفيد مطلقه سماع ابن عباس لذلك عن معاذ عند
أئمة الحديث
وقوله إن معاذا هو دون ذلك في إفادة ذلك فإن فيهم جماعة جعلوه في حكم
المنقطع والمرسل حتى يتبين فيه السماع وجمهورهم على أنه يحمل أيضا على
الاتصال حتى يتبين فيه الإنقطاع وقد بينت المسألة في كتاب معرفة علوم
الحديث
وأبو معبد المذكور هو مولى ابن عباس واسمه نافذ بالفاء والذال المعجمة وقد
صحفه بعضهم
وما في حديث معاذ هذا من ذكر بعض دعائم الإسلام دون بعض هو من تقصير
الراوي على ما بينته فيما سبق من نظائره والله أعلم
قوله حدثنا أمية بن بسطام العيشي بسطام هو بكسر الباء وهو عجمي
لا ينصرف
قال ابن دريد ليس من كلام العرب وقد وجدته أنا في كتاب ابن الجواليقي في
العجمي المعرب مصروفا وإنما يستقيم صرفه لو كان من العجمي الذي يدخله
الألف واللام وذلك بعيد
والعيشي بياء مثناة من تحت وشين مثلثة وهو من بني عيش قبيلة هكذا يقوله
المحدثون من غير ألف
وقال خليفة بن خياط وغيره هم بنو عايش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة فعلى
هذا يكون ذلك من تخفيف النسب وتغاييره
وقد ذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ ثم أبو بكر الخطيب الحافظ
أن العيشيين بالشين المثلثة بصريون والعبسيين بالباء الموحدة والسين
المهملة كوفيون والعنسيين بالنون والسين المهملة شاميون وهذا على الغالب
والله أعلم
عقيل الراوي عن الزهري هو بضم العين المهملة وبالقاف وهذا المعروف عند أهل
الحديث وإنما نذكر مثل هذا تعليما لمن لم يعان هذا الشأن والله أعلم
قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى
رسول الله صلى الله عليه و سلم
لا يحمل العقال هذا على الذي يشد به البعير ويعقل فإنه غير واجب
عليهم إلا أن يقال كني به عن ما يساوي عقالا من الزكاة وقد قال غير واحد
من أئمة الفقه وغيرهم العقال ها هنا زكاة عام
قال الشاعر ... سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا ... فكيف لو قد سعى عمرو
عقالين ...
أراد مدة عقال فنصبه على الظرف وعمرو هذا هو عمرو بن عتبة بن أبي سفيان
ولاه عمه معاوية على صدقات كلب فقال فيه قائلهم ذلك
وذكر أبو العباس المبرد في كتابه الكامل أن المصدق إذا أخذ من مال الصدقة
ما فيه ولم يأخذ ثمنه قيل أخذ عقالا وإذا أخذ ثمنه قيل أخذ نقدا
قال الشاعر ... أتانا أبو الخطاب يضرب طبله ... فرد ولم يأخذ عقالا ولا
نقدا ...
وذكر أن الصحيح في العقال المذكور تفسيره بهذا وليس ذلك عندنا بالصحيح
والله أعلم
الدراوردي عبد العزيز بن محمد حروفه مهملة كلها وهو بدال مفتوحة
ثم راء بعدها ألف ثم واو مفتوحة بعدها راء ساكنة ثم دال
والأثبت فيه انه نسب شاذ مسموع على غير القياس وأنه نسبة إلى درابجرد
مدينة من فارس وهي بدال مهملة مفتوحة ثم راء بعدها ألف ثم باء موحدة
مفتوحة ثم جيم مكسورة بعدها راء ساكنة ثم دال ومنهم من يثبت فيها بعد
الدال الأولى ألفا أخرى
وما ذكرناه من كونه نسبه إلى داربجرد هو قول أهل العربية أو من ذكر ذلك
منهم
وممن قاله من أهل الحديث الحافظان أبو حاتم بن حبان البستي وأبو نصر
الكلاباذي
قال ابن حبان كان أبوه منها
وقال الكلاباذي كان جده منها
وقال أبو حاتم السجستاني اللغوي زعم الأصمعي أن الدراوردي الفقيه منسوب
إلى درابجرد
قال أبو حاتم وهو منسوب على غير قياس بل هو خطأ وإنما الصواب درابي او
جردي ودرابي أجود
قلت وليس من المرضي قول ابن قتيبة إنه منسوب إلى دراورد وكذا قول
الكلاباذي دراوردي هي درابجرد لأن ذلك مشعر بأنه غير مخصوص بالنسب وهو به
مخصوص
وقرأت بخط الحافظ أبي سعد السمعاني في كتابه الأنساب انه قد قيل إنه من
أندرابة
قلت وهذا لائق بقول من يقول فيه الأندراوردي بزيادة همزة مفتوحة ونون
ساكنة في أوله وهو قول أبي عبد الله البوشنجي من أئمة الحديث وأدباءهم
وأندرابة مدينة من عمل بلخ وقرية لمرو أيضا
أخبرني شيخنا المسند أبو الفتح منصور بن عبد المنعم حافد الفراوي بقراءتي
عليه بنيسابور عن أبي جده أبي عبد الله الفراوي وغيره عن أبوي عثمان
إسماعيل ابن عبد الرحمن الصابوني وسعيد بن محمد البحيري وأبي بكر البيهقي
قالوا أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا بكر محمد بن جعفر
يقول سمعت أبا عبد الله البوشنجي غير مرة يقول عبد العزيز بن محمد
الأندراوردي والله أعلم
واقد بن محمد العمري بالقاف وليس في الصحيحين وافد بالفاء أصلا والله أعلم
حرملة بن يحيى التجيبي
شيخ مسلم منسوب إلى تجيب قبيلة من كندة بضم التاء المثناة من
فوق في أوله وتفتح أيضا
وبالضم هو عند أصحاب الحديث وكثير من الأدباء ولم يجز فيه بعضهم إلا الفتح
وليس ذلك بالقوي والله أعلم
وحرملة هذا هو صاحب الشافعي الذي يذكره أصحابه في مصنفاتهم والله أعلم
ذكر مسلم حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب ولم يرو عنه أحد إلا ابنه
سعيد بن المسيب الفقيه الفاضل والمشهور فيه فتح الياء منه ووجدت أبا عامر
العبدري الحافظ الأديب قد ضبطه بخطه بفتح الياء وبكسرها معا وهذا غريب
مستطرف وكذلك ما حكاه القاضي عياض اليحصبي عن شيخه القاضى الحافظ أبي علي
الصدفي عن ابن المديني قال عياض ووجدته بخط مكي بن عبد الرحمن كاتب أبي
الحسن القابسي بسنده عن ابن المديني أن أهل العراق يفتحون ياءه واهل
المدينة يكسرونها قال الصدفي وذكر لنا ان سعيدا كان يكره أن تفتح الياء من
اسم أبيه
قال القاضي عياض وأما غير والد سعيد فبفتح الياء من غير خلاف
منهم المسيب بن رافع والله أعلم
قول أبي طالب في رواية أبي هريرة لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله
على ذلك الجزع لأقررت بها عينك
الرواية المشهورة فيه بين أهل الحديث الجزع بالجيم والزاي المنقوطة وذكر
غير واحد من مصنفي غريب الحديث وأهل اللغة أن الخرع بالخاء المعجمة والراء
المهملة المفتوحتين منهم أبو عبيد الهروي وأبو القاسم الزمخشري وغيرهما
والخرع الضعف قال الأزهري وقيل الخرع الدهش
أخبرنا شيخنا أبو الفتح بن أبي المعالي الفراوي بنيسابور قراءة عليه قال
أخبرنا جدي الإمام أبو عبد الله الفراوي أخبرنا أبو الحسن عبد الغافر بن
محمد الفارسي أخبرنا الإمام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي رحمه
الله قال ما نصه في قصة موت أبي طالب انه قال لولا أن تعيرني قريش فتقول
أدركه الجزع لأقررت بها عينك
وكان أبو العباس ثعلب يقول إنما هو الخرع يعني الضعف والخور ذكره الخطابي
هكذا مقتصرا عليه في فصل قال في ترجمته هذه ألفاظ من الحديث يرويها أكثر
الرواة والمحدثين ملحونة ومحرفة اصلحناها لهم وفيها حروف تحتمل وجوها
اخترنا منها أبينها وأوضحها
والله الموفق للصواب
ذكر مسلم حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة
هذا وسائر الأحاديث الواردة في معناه حجة على الخوارج القائلة بتكفيير
مرتكبي الكبائر وتخليدهم في النار وعلى المعتزلة القائلة بتخليدهم فيها من
غير تكفير ولا حجة فيه للمرجئة الزاعمة أنه لا يعذب مع الإسلام بمعصية كما
لا ينجو مع الكفر بطاعة لأنه ليس فيه أكثر من إثبات أصل دخوله الجنة وكل
مسلم يدخل الجنة وإن لبث في النار ما لبث والنصوص متظاهرة في إصلاء من لم
يعف عنه من أهل الكبائر المسلمين نار جهنم عافانا الله الكريم سبحانه
وقوله وهو يعلم لا يحملنا على مخالفة الفقهاء وسائر أهل السنة في قولهم
إنه لايصير مسلما بمجرد المعرفة بالقلب دون النطق بالشهادتين
إذا كان قادرا عليه لأن اشتراط ذلك ثابت بينته أحاديث أخر منها حديث عبادة
بن الصامت المذكور في الكتاب بعد هذا من قال أشهد أن لا إله إلا الله إلى
آخره برواياته
يبقى أن يقال كيف علق دخول الجنة بمجرد قول لا إله إلا الله وهو لا يصير
مسلما ومن أهل الجنة بمجرد ذلك على ما لا يخفى
وجوابه أن من الجائز في هذا الحديث وأشباهه أن يكون ذلك اقتصارا من بعض
الرواة نشأ في تقصيره في الحفظ والضبط لا من رسول الله صلى الله عليه و
سلم بدلالة مجيء تمام ذلك في غير ذلك من الروايات والأحاديث عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم وقد قررنا نحو هذا فيما سبق
وجائز أن يكون اختصارا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما خاطب به
كفار العرب عبدة الأوثان الذين كان توحيدهم لله تبارك وتعالى مضمونا بسائر
ما يتوقف عليه الإسلام ومستلزما له والكافر إذا كان لا يقر بالوحدانية
كالوثني والثنوي
فقال لا إله إلا الله وحاله الحال التي حكيناها حكم بإسلامه ولا
نقول والحالة هذه ما قاله بعض أصحابنا من أن من قال لا إله إلا الله يحكم
بإسلامه ثم يجبر على قبول سائر الأحكام فإن حاصله راجع إلى أنه يجبر حينئذ
على إتمام الإسلام ويجعل حكمه حكم المرتد إن لم يفعل من غير أن يصير بذلك
مسلما في نفس الأمر وفي أحكام الآخرة والله أعلم
ومن وصفنا حاله مسلم في نفس الأمر وفي أحكام الآخرة والله اعلم وإذ وضح
أنه لم يبق للمرجئة في حديث عثمان وأمثاله متمسك فوراءه أحاديث أوردها
مسلم وغيره فيها إعضال وللمرجئة بها اغترار منها حديث عبادة بن الصامت
وغيره من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار
ومنها حديث معاذ إن حقا على الله أن لا يعذب من لا يشرك به
وهذا كله يوجب بظاهره أن لا يدخل النار مسلم قط ولا سبيل إلى
القول بذلك للنصوص التي لا يستطاع دفعها
وقد أجيب على ذلك بأجوبة منها ما حكي عن جماعة من السلف إن هذا كان قبل أن
تنزل الفرائض وأحكام الأمر والنهي
ولسنا نرتضي هذا إذ منها ما يعلم بالنظر إلى حال الراوي له كونه بعد تنزل
الأحكام
ومنها أن المراد منها من شهد بالشهادتين وأدى حقهما وفرائضهما حكي ذلك عن
الحسن البصري ومنها قول من قال إن ذلك ورد فيمن قال عند التوبة ومات بعدها
على ذلك
ولي في ذلك وجهان متجهان هما أقرب إلى ألفاظ الأحاديث والله الموفق العاصم
أحدهما أن معناها حرم الله عليه نار جهنم الخالدة وحق على الله أن لا
يعذبه بالخلود فيها وحسن إطلاق ذلك بهذا المعنى لكونه واقعا في مقابلة
الشرك الموجب للنار بوصف الخلود فتكون النار والعذاب المطلقان فيه راجعين
إلى النار والعذاب بذلك الوصف الذي هو وصف الخلود
الثاني أن المراد فجزاءه تحريم النار عليه أو وأن لا يعذبه ثم قد لا يقع
الجزء المعارض من المعصية منع منه وإطلاق ذلك كإطلاق ضده في ضده كما في
قوله تبارك وتعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وقوله
صلى الله عليه و سلم
فيمن قتل نفسه إنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا أي فجزاؤه
ذلك ثم قد لا يجازى به لمعارض من العفو يمنع منه وقد يعبر الفقيه عن هذا
المعنى بأن يقول المقصود بهذه الأحاديث إثبات كون الإسلام سببا لتحريم
النار عليه والسبب قد يتخلف مسببه لمانع والله ورسوله أعلم بالمراد من ذلك
أخرج مسلم حديث عبيد الله الأشجعي عن مالك بن مغول عن طلحة
ابن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال كنا مع رسول الله صلى
الله عليه و سلم في مسير قال فنفدت أزواد القوم قال حتى هم بنحر بعض
حمائلهم إلى آخره
هذا الحديث مما استدركه الدارقطني وعلله من جهة أن أبا أسامة وغيره رووه
عن مالك بن مغول عن طلحة عن أبي صالح مرسلا
وقد أخرجه مسلما أيضا من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي
سعيد فتكلم عليه الدارقطني أيضا وذكر أنه اختلف فيه على الأعمش فقيل فيه
أيضا عنه عن أبي صالح عن جابر وكان الأعمش يشك فيه
وهذا الاستدراك من الدارقطني مع أكثر استدراكاته على الشيخين قدح في
أسانيدهما غير مخرج لمتون الحديث من حيز الصحة
فذكر في هذا الحديث أبو مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي الحافظ فيما
أجاب به الدارقطني عن استدراكاته على مسلم أن الأشجعي ثقة مجود
فإذا جود ما قصر فيه غيره حكم له به ومع ذلك فالحديث له أصل ثابت عن رسول
الله صلى الله عليه و سلم برواية الأعمش له مسندا وبرواية يزيد بن أبي
عبيد وإياس بن سلمة بن الأكوع عن سلمة
قلت رواه البخاري عن سلمة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأما شك
الأعمش فهو غير قادح في متن الحديث فإنه شك في عين الصحابي الراوي له وذلك
غير قادح لأن الصحابة كلهم عدول والله أعلم
قوله هم بنحر بعض حمائلهم هو في الأصل الذي هو بخط الحافظ أبي عامر
العبدري وفي أصل أبي القاسم الدمشقي حمائلهم بالحاء المهملة محققا ولم
يذكر القاضي عياض غير هذا
وفي الأصل المأخوذ عن الجلودي بالجيم والحاء مكتوبا عليه معا وهو بالجيم
في تخريج أبي نعيم الحافظ على كتاب مسلم في أصل به معتمد مسموع عليه وفي
حاشيته الجمائل جمع الجمالة وهي التي لا أناث فيها
فأقول كلاهما له وجه صحيح أما بالحاء فهو جمع حمولة بفتح الحاء وهي الإبل
التي تحمل وعند أبي الهيثم اللغوي لا يقال في غير الإبل حمولة واما
بالجيم فهو جمع جمالة بكسر الجيم جمع جمل ونظير حجر وحجارة
والجمل هو الذكر دون الناقة فيما حكاه الأزهري عن الفراء وغيره والله أعلم
قوله في أثناء الحديث قال وقال مجاهدا وذو النواة بنواه حكي عن عبد الغني
بن سعيد الحافظ أن طلحة بن مصرف هو الذي حكى ذلك عن مجاهد وقوله وذو
النواة بنواه هو في أصولنا وغيرها الأول بهاء التأنيث والثاني بغيرها
فذكر القاضي عياض رحمه الله أن صوابه حذف تاء التأنيث في الموضعين
قلت وكذلك وجدته في كتاب أبي نعيم المخرج على صحيح مسلم بلا هاء في
الكلمتين
والواقع في كتاب مسلم له عندي وجه صحيح وهو أن تجعل النواة عبارة عن جملة
من النوى أفردت عن غيرها فتسمى الجملة المفردة الواحدة باسم النواة
الواحدة كما أطلق اسم الكلمة الواحدة على القصيدة الواحدة أو تكون النواة
من قبيل ما يستعمل في الواحد والجمع بلفظ واحد من الأسماء التي فيها علامة
التأنيث نحو الحنوة وهي نبت طيب الريح على مثال العنوة والله أعلم
قوله يمصونه المعروف في اللغة فيه فتح الميم وحكى الأزهري ضمها
عن بعض العرب وهو غريب والله أعلم عن بعض العرب وهو غريب والله
أعلم
قوله حتى ملأ القوم أزودتهم هكذا الرواية فيه
والأزودة جمع زاد وهي لا تملأ إنما تملأ بها أوعيتها ووجهة عندي أن يكون
المراد ملأ القوم أوعية أوزدتهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كما
في قوله تعالى وسئل القرية أي أهل القرية
وبلغنا عن ابن جني أن في القرآن العظيم زهاء ألف موضع فيه حذف المضاف
وإقامة المضاف إليه مقامه
أو يكون ذلك من قبيل المقلوب الذي من أمثلته قول الشاعر ... كانت فريضة ما
تقول ... كما كان الزناء فريضة الرجم ...
وليس هذا مخصوصا بضرورة الشعر كما زعم ابن قتيبة بل من عادات العرب قلبهم
الكلام عند اتضاح المعنى توسعا في فنون المخاطبات ومما ذكروا من أمثلة
قوله تعالى وقد بلغني الكبر أي بلغت الكبر فاعلم ذلك فإنه حرف
مشكل لم أرهم شرحوه إلا ما كان من القاضي عياض فإنه ذكر فيه أنه
يحتمل أنه سمى الأوعية بما فيها كما سميت الأسقية روايا بحاملتهاوإنما
الروايا الإبل التي تحملها وسميت النساء ظغائن باسم الهوادج التي حملت
فيها
وما قاله غير مسلم وتسمية الأسقية روايا من توليد العامة والأمر في
الضغائن على عكس مما ذكره فإن صفة الظغن للنساء بالأصالة والله أعلم قوله
في الرواية الأخرى نواضحنا فالنواضح من الإبل التي يستقى عليها الماء وهي
جمع ناضحة للأنثى
قلت وتسمية الذكر ناضحة على المبالغة في الوصف قالوا للرجل الكثير الرواية
رواية قياس تحتاج إلى مساعدة النقل عليه والله أعلم
قول عمر ادع الله لهم عليها بالبركة لعل الله يجعل في ذلك يعني خيرا أو
بركة أو نحو ذلك فحذف المفعول للعلم به والله أعلم
داود بن رشيد بضم الراء من رشيد وإسكان الياء
وجنادة بضم الجيم
والصنابحي بضم أوله وياء النسب في آخره واسمه عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد
الله
وحبان جد محمد بن يحيى بن حبان بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة
وكل ذلك من المعروف بين اهل الحديث والمقصود تعريف الدخيل والله أعلم
هداب بن خالد شيخ مسلم على وزن عمار وهو المقول فيه هدبة بن خالد وأحدهما
لقب وهدبة هو اللقب
وحكى الحافظ أبو الفضل الفلكي الهمذاني انه كان يغضب إذا قيل
هدبة وقرأت بخط أبي محمد عبد الله بن الحسن الطبسي في كتابه في المؤتلف
والمختلف أن هداب هو اللقب وليس هذا مما يركن إليه والله أعلم
قول معاذ رضي الله عنه كنت ردف النبي صلى الله عليه و سلم ليس بيني وبينه
إلا مؤخرة الرحل
ف الردف هو بكسر الراء وإسكان الدال وهو الراكب خلف الراكب
ومؤخرة الرحل هي التي خلف الراكب يستند إليها والأكثر الأغلب تسميتها
أأخرة الرحل وهي مؤخرة الرحل بميم مضمومة ثم همزة ساكنة ثم خاء مكسورة
خفيفة وقالها بعض الرواة بفتح الهمزة وفتح الخاء المشددة وهو غالب على
ألسنة الطلبة وليس ذلك بثابت
وحكى القاضي عياض رحمه الله وإيانا في ذلك في كتابيه مشارق الأنوار
وإكمال المعلم عن ابن مكي أنه أنكر الكسر وقال لا يقال مقدم ولا
مؤخر بالكسر إلا في العين يعني قولهم مقدم العين ومؤخرها
قلت وهذا الذي حكاه عن أبي حفص عمر ابن مكي الصقلي صاحب كتاب ما تلحن فيه
العامة معروف عن الخليل ومن تقدم من أهل اللغة
وما توهمه القاضي من كونه مخالفا لما تقدم ذكره وهم منه فإن ذلك كلام في
مقدم ومؤخر بغير تاء التأنيث والمراد به أنه لا يقال مؤخر السفينة وغيرها
ومقدمها بالكسر بل مؤخرها ومقدمها بالفتح والتشديد وليس في ذلك تعرض
لمؤخرة الرحل بتاء التأنيث وهما نوعان فاعلم ذلك والله اعلم
قوله صلى الله عليه و سلم لمعاذ هل تدري ما حق العباد على الله وجهه مع
كونه سبحانه وتعالى يتعالى عن أن يستحق عليه أحد حقا أنه لما كان ما وعد
به يوجد لا محالة ولا يقع تركه صار كالحق الذي لا يسيغ تركه فأطلق عليه
لفظه
وإخبار معاذ بذلك عند موته تأثما أي تجنبا للإثم مع أن النبي
صلى الله عليه و سلم منعه من أن يخبر به الناس وجهه عندي أنه منعه من
التبشير العام خوفا من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم فيغتر ويتكل ومع
ذلك أخبر صلى الله عليه و سلم به على الخصوص من أمن عليه الاغترار
والاتكال من أهل المعرفة بالحقائق فإنه أخبر به معاذا فسلك معاذ هذا
المسلك وأخبر به من الخاصة من رآه أهلا لذلك تأثما من أن يكتم علما أهله
والله أعلم
وأما حديث أبي هريرة المذكور بعد هذا وما فيه من خلاف حديث معاذ من أمر
رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا هريرة بأن يبشر بالجنة من لقي ممن يشهد
أن لا إله إلا الله وقول عمر أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون وقوله
صلى الله عليه و سلم فخلهم
فأقول إن ذلك من قبيل تغير الاجتهاد وقد كان القول بالاجتهاد جائزا له
وواقعا منه عند المحققين وله المزية على سائر المجتهدين بأنه لا يقر في
اجتهاده على الخطأ
وقد روى الثقات في حديث أم سلمة المعروف أنه صلى الله عليه و
سلم قال إني إنما اقضي بينكم برأي فيما لم ينزل علي فيه ومن نفى ذلك وقال
لم يكن له القول في الأمور الدينية إلا عن وحي فليس بممتنع أن يكون قد نزل
عليه عند مخاطبة عمر له وحي بما أجابه به ناسخ لوحي سبق بما قاله أولا صلى
الله عليه و سلم والله ورسوله أعلم
قوله في الرواية الثانية كنت ردف رسول الله صلى الله عليه و سلم على حمار
يقول له عفير
هذا يقتضي أن يكون ذلك في مرة أخرى غير المرة المذكورة في الرواية الأولى
فإن مؤخرة الرحل يختص بالإبل ولا تكون على حمار وعفير هو بضم العين
المهملة وبالفاء وهو الحمار الذي كان له صلى الله عليه و سلم قيل إنه مات
في حجة الوداع وقال القاضي عياض إنه بغين معجمة متروك عليه والله أعلم
قوله شعبة عن أبي حصين هو بحاء مهملة مفتوحة بعدها صاد مهملة
وفي آخره نون وهو عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي وليس في الصحيحين حصين وأبو
حصين بالفتح سوى هذا والله أعلم
وفي رواية أبي حصين المذكورة يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد قال
الله ورسوله أعلم قال أن يعبد الله ولا يشرك به شيئا
وقع في الأصول شيئا بالنصب
قلت هو صحيح على التردد في قوله يعبد الله ولا يشرك به بين وجوه ثلاثة
أحدها يعبد الله بفتح الياء التي للمذكر الغائب أي يعبد العبد الله ولا
يشرك به شيئا وهذا أوجه الوجوه
الثاني تعبد بالتاء التي هي للمخاطب على التخصيص لمعاذ لكونه المخاطب
والتثنية به على غيره
الثالث يعبد بضم أوله على ما لم يسم فاعله ويكون قوله شيئا كناية عن
المصدر لا عن المفعول به
أي لا يشرك به إشراكا وتكون الجار والمجرور في قوله به هو القائم مقام
الفاعل وإذ لم تعين الرواة شيئا من هذه الوجوه فحق على من يروي
هذا الحديث منا أن ينطق بها كلها واحدا بعد واحد ليكون آتيا بما هو المقول
منها في نفس الأمر جزما والله أعلم
قول أبي هريرة رضي الله عنه فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة
والربيع الجدول فاحتفرت كما يحتفر الثعلب فدخلت على رسول الله صلى الله
عليه و سلم
فقوله من بئر خارجة هو بالتنوين في خارجة وكذا في الأصل الذي هو
بخط أبي عامر العبدري وفي الأصل المأخوذ عن الجلودي
وأخبرني الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بقراءتي عليه عن
الحافظ المتقن أبي موسى محمد بن أبي بكر المديني الأصبهاني رحمه الله قال
قوله من بئر خارجة يروى على وجوه
يقال من بئر خارجة وبئر خارجة بئر معروف منسوبة إلى خارجة
فالرواية الثانية التي ذكرها أبو موسى هي بإضافة خارج إلى هاء الضمير أي
البئر في موضع خارج عن الحائط
والرواية الثالثة البئر فيها منسوبة إلى رجل اسمه خارجة والله أعلم
قوله الربيع الجدول فالربيع هو على لفظ الربيع الزماني
والجدول هو النهر الصغير وقوله فاحتفرت هو بالراء المهملة محققا في الأصل
المأخوذ عن الجلودي والأصل الذي بخط العبدري وهي الرواية الأكثر
ورواه بعضهم بالزاي المنقوطة وكذلك وجدته في كتاب أبي نعيم
المخرج على هذا الكتاب في الأصل المأخوذ عنه ومعناه تضاممت وهذا أقرب من
حيث المعنى ويدل عليه تشبيهه بفعل الثعلب وهو تضامه للدخول في المضايق
والله أعلم
قوله بين ظهرينا وهو بفتح الراء وإسكان الياء بعدها قال الأصمعي وغيره
يقال بين ظهريهم وظهرانيهم أي بفتح النون معناه بينهم وبين أظهرهم وهو في
بعض النسخ بين أظهرنا والله أعلم
قول أبي هريرة فأجهشت بكاء يقال جهشت وأجهشت جهشا وإجهاشا وهو فيما ذكره
أبو عبيد وغيره أن يفزع الناس إلى غيره وهو مع فزعه كأنه يريد البكاء
كالصبي يفزع إلى أمه وأبيه وقد تهيأ للبكاء
وزاد بعضهم بيانا فقال هو أن يفزع إلى آخر وهو متغير الوجه متهيء للبكاء
ولما يبك بعد وقوله بكاء مفعول له وقد جاء في حديث فأجهشت
للبكاء والله أعلم
قوله وركبني عمر وإذا هو على أثري أي لحقني في الوقت من غير تمهل وقوله
أثري يقال بفتح الهمزة والثاء جمعيا وبكسر الهمزة وإسكان الثاء والله أعلم
قلت ودخول أبي هريرة الحائط من غير إذن صاحبه على ما دل عليه ظاهر الحال
مع تقرير النبي صلى الله عليه و سلم إياه على ذلك يدل على جواز مثل ذلك
عند العلم برضى المالك وإن لم يتلفظ بالإذن
وضربة عمر المفضية إلى سقوط أبي هريرة يحمل على أنه دفع في صدره ليرده
فانصدم لإسراعه أو نحو ذلك فوقع من غير تعمد من عمر لذلك وهي واقعة عين
ووقائع الأعيان تتردد بين ضروب من الإحتمالات والله أعلم
قوله لبيك وسعديك فيه لأهل العربية واللغة أقوال
فقيل معنى لبيك إجابة لك بعد إجابة
وقيل لزوما لطاعتك وإقامة عليها بعد إقامة من قولهم ألب بالمكان ولب به
إذا أقام به ولزمه
ومعنى سعديك إسعادا لك بعد إسعاد والإسعاد الإعانة والتثنية فيهما للتكرير
والتأكيد والله أعلم
قول مسلم رحمه الله وإيانا حدثنا شيبان بن فروخ
ففروخ هو بفتح الفاء وتشديد الراء وبالخاء المنقوطة وهو عجمي
غير منصرف وقد ذكر صاحب كتاب العين اسم ابن لإبراهيم صلى الله عليه و سلم
هو أبو العجم والله أعلم
وعتبان بن مالك بكسر العين على مثال عمران والله أعلم
مالك بن الدخشم هو من الأنصار حكى أبو عمر بن عبد البر اختلافا في شهوده
العقبة وقال لم يختلفوا أنه شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وقال لا يصح
عنه النفاق وقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من إتهامه
قلت وهو ابن الدخشم بدال مهملة مضمومة ثم خاء معجمة ساكنة ثم
شين مثلثة مضمومة ثم ميم وقيل فيه الدخشن بالنون ويقال أيضا
الدخشن بكسر الدال وكسر الشين وجاء مصغرا ومكبرا فيهما غير أن الواقع فيه
في روايتنا في كتاب مسلم وفي أصولنا به في رواية مسلم الأولى بالميم مكبرا
وهو في أكثرها بغير ألف ولام في هذه الرواية
وهو فيها في الرواية الثانية مصغرا وبالميم أيضا وبالألف واللام إلا في
أصل أبي حازم الحافظ بخطه فإنه مكبر فيه في الثانية أيضا والله أعلم
قوله يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك معناه إنهم تحدثوا
وشكوا ما يلقون من المنافقين ونسبوا معظم ذلك إلى مالك
وعظم ذلك هو بضم العين وإسكان الظاء أي معظمه
وكبره بمعنى ذلك وهو بضم الكاف ويجوز بكسرها والله أعلم
وما في الحديث من أن من أتى بالشهادتين لا يدخل النار قد قال الزهري فيه
ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى أن الأمر انتهى إليها فمن استطاع أن لا
يغتر فلا يغتر
وهذا غير مقنع فقد كانت الصلاة وغيرها من الفرائض نزلت قبل ذلك
ومعنى الحديث ما سبق في حديث معاذ والله أعلم
أبو عامر العقدي هو بالعين المهملة والقاف المفتوحين واسمه عبد الملك بن
عمرو
والعقد بطن من بجيلة وقيل بطن من قيس وروى عنه أحمد بن إبراهيم الدورقي
فقال حدثنا أبو عامر القيسي والله أعلم
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
الأيمان بضع وسبعون شعبة
ف البضع هو بكسر الباء ويقال أيضا بفتحها وكذا البضعة في قولنا بضعة عشر
وشبه ذلك
واختلف في ذلك أئمة اللغة وفي بعض تفسيرهم له إشكال أنا أوضحه
إن شاء الله تعالى
فقيل هو من ثلاث إلى تسع وهذا هو الأشهر
وقيل ما بين اثنين إلى عشر والظاهر أن هذا تفسير للأول
فيكون البضع مستعملا في الثلاث دون ما قبله غير مستعمل في العشر
وقيل ما هو بين الثلاث إلى العشر والظاهر أن هذا هو ما حكاه أبو عمر
الزاهد اللغوي أنه من أربع إلى تسع
وكذا قول الفراء إنه ما بين الثلاثة إلى ما دون العشرة
فعلى هذا لا يستعمل في الثلاث ولا في العشر أيضا
وقد بلغ بالبضع المذكور في هذا الحديث بعض من فصل شعب الإيمان سبعا أو
تسعا والله أعلم
وقوله شعبة أي خصلة وأصله من الشعبة بمعنى القطعة
ثم إن مسلما روى هذا الحديث من حديث سهيل بن أبي صالح عن عبدالله ابن
دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة على الشك فقال بضع وسبعون أو بضع وستون
شعبة
وهذا الشك فيما ذكره أبو بكر البيهقي الحافظ وقع من سهيل وقد روي عن سهيل
بضع وسبعون من غير شك قطعا بالأكثر أخرجه أبو داود في كتابه
وأما سليمان بن بلال فإنه رواه عن عبدالله بن دينار على القطع من غير شك
وهي الرواية الصحيحة أخرجاها في الصحيحين
غير أنها فيما عندنا من كتاب مسلم بضع وسبعون قطعا بالأكثر وهي فيما عندنا
من كتاب البخاري بضع وستون قطعا بالأقل
وقد نقلت كل واحدة منهما عن كل واحد من الكتابين ولا إشكال في أن كل واحدة
منهما رواية معروفة في روايات هذا الحديث
واختلفوا في الترجيح بينهما والأشبه بالإتقان والاحتياط ترجيح رواية الأقل
ومنهم من رجح رواية الأكثر وإياها اختار الإمام أبو عبد الله الحليمي فإن
الحكم لمن حفظ الزيادة جازما بها
ثم إن الكلام في تعيين هذه الشعب يتشعب ويطول وقد صنفت في ذلك مصنفات من
اغزرها فوائد كتاب المنهاج لأبي عبد الله الحليمي إمام الشافعيين ببخارى
وكان من رفعاء أئمة المسلمين
وحذا حذوه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي في كتابه الجليل الحفيل كتاب شعب
الإيمان وعينت شعب كثيرة منها الاستنباط والاجتهاد والقطع على مراد رسول
الله صلى الله عليه و سلم في كثير منها عسر صعب وقد ضبطت ما أمليته من
وجوه الاختلاف في ذلك حديثا ولغة ضبطا متينا عزيزا ولله الحمد وهو أعلم
قوله صلى الله عليه و سلم الحياء من الإيمان
وجهه أن ما كان منه تخلقا فهو عمل يكتسب كسائر أعمال الإيمان
وما كان منه غريزة وطبعا فهو منشأ لأعمال كثيرة من أعمال الإيمان وهذا
الحيآء ممدود وترك المد فيه لحن يحيل المعنى فإنه من غير مد عبارة عن
المطر وعن الخصب أيضا والله أعلم
حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
الحيآء لا يأتي إلا بخير وفي رواية الحياء خير كله
قول بشير بن كعب لعمران إنا نجد في بعض الكتب إن منه ضعفا وإنكار عمران
وغضبه عليه في ذلك قد يختلج في النفس منه شيء من جهة أن صاحب الحيآء قد
يستحي ان يواجه بالحق من يجله فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر
وقد يخل بحق عليه لعارض من الحياء اعترض وليس من الخبر وهذا
مندفع لأن ذلك إنما هو خور وعجز ومهانة وليس من الحياء إنما
الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ونحو هذا
وقد روينا عن الجنيد رضي الله عنه أنه سئل عن الحياء فقال رؤية الآلاء
ورؤية التقصير فيتولد من بينهما حالة تسمى الحياء
وقوله حتى احمرتا عيناه كذا وقع وكذا رويناه وهو على لغة من قال أكلوني
البراغيث أو على البدل كما في قوله تبارك وتعالى وأسروا النجوى الذين
ظلموا والله أعلم
رواة حديث عمران عنه في الكتاب أحدهم أبو السوار بفتح السين وتشديد الواو
وهو العدوي بصري ذكر البخاري وغيره أن اسمه حسان بن حريث وعرفه البخاري
بروايته لهذا الحديث
وأبو قتادة وهو العدوي بصري اسمه تميم بن نذير بضم النون وفتح
الدال المنقوطة وفي اسمه واسم أبيه اختلاف والله أعلم
وحجير بن الربيع العدوي بحاء مهملة في أوله مضمومة وراء مهملة في آخره
والراوي عنه أبو نعامة العدوي بصري اسمه عمرو بن عيسى وهو من الثقات الذين
اختلطوا قبل موتهم والله أعلم
أبو نجيد كنية عمران بنون مضمومة في أوله ثم جيم وفي آخره دال مهملة وهو
مصغر
بشير بن كعب المذكور عدوي بصري وهو بضم الباء الموحدة وفتح
الشين وليس في الصحيحين بهذا الاسم سواه وسوى بشير بن يسار والله أعلم
أبو الخير الراوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص هو مرثد بالثاء المثلثة
ابن عبد الله اليزني المهري الحميري المصري ويزن بالياء المثناة من تحت
والزاي المنقوطة المفتوحتين ومهرة قبيلتان من حمير والله أعلم
قوله صلى الله عليه و سلم المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده
المراد به المسلم الكامل والأفضل من سلموا منه وهذا من ألفاظ
الحصر التي تطلق على الكامل والمراد بها نفي الكمال عن ضد المذكور لا نفي
حقيقة ذلك من أصله عن ضده كما يقال العلم ما نفع أو لا علم إلا ما نفع في
نظائر لذلك كثيرة
وقد أفصح عن صحة ما ذكرناه قوله في الرواية الأخرى سئل رسول الله صلى الله
عليه و سلم أي المسلمين أفضل فقال من سلم المسلمون من لسانه ويده
ثم إن المراد بذلك من لم يؤذ مسلما بقول ولا فعل وخص اليد بالذكر لأن معظم
الأفعال بها تكون والله أعلم
ثم كمال الإسلام والمسلم متعلق بما ذكر ويغيره من خصال أخر كثيرة معلومة
وخص صلى الله عليه و سلم في جواب السائل المذكور السلامة من اللسان واليد
بالذكر وخص في جواب السائل المذكور في الحديث الذي قبله بالذكر إطعام
الطعام وإفشاء السلام وذلك على حسب الحاجة إلى البيان بالنظر إلى حال
السائل
وباعتبار الحالة الراهنة فاعلم ذلك والله أعلم
بريد بن عبد الله هو بباء موحدة مضمومة في أوله وبعدها راء مهملة يكنى أبا
بردة وهو أبو بردة ابن عبد الله المذكور في الإسناد الذي قبله وجده أبو
بردة بن أبي موسى الأشعري اسمه عند الأكثرين عامر وعند يحيى بن معين أن
اسمه الحارث والله أعلم
قوله حدثنا شيبان بن أبي شيبة وهو شيبان بن فروخ الذي حدث عنه في غير موضع
والله أعلم
وروى مسلم حديث أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يؤمن
أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه
ورواه البخاري حتى يحب لأخيه فحسب من غير شك
وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك إذ معناه والله أعلم
لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه والقيام
بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا ينقص
النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم وإنما
يعسر على القلب الدغل عافانا الله وإخواننا أجمعين آمين
وقد روينا عن أبي محمد عبد الله بن أبي زيد الفقيه إمام المالكية بالمغرب
الأدنى رحمه الله أنه قال جماع آداب الخير وأزمته تتفرع من أربعة أحاديث
قول النبي صلى الله عليه و سلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا
أو ليصمت
وقوله صلى الله عليه و سلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
وقوله للذي اختصر له في الوصية لا تغضب
وقوله المؤمن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه والله أعلم
قوله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة من لا يؤمن جاره بوائقه أي غوائله
ودواهيه وشروره وهي جمع بائقة
ومعنى قوله لا يدخل الجنة مع ما ثبت من أن كل مسلم لا بد أن يدخل الجنة
وإن دخل النار إنه يدخلها وقت دخول أهلها إليها وإذا فتحت أبوابها للمتقين
إلا أن يعفو الله تبارك وتعالى
وقوله فلا يؤذي جاره كذا وقع وكذا رويناه بإثبات الياء على لفظ
الخبر وقد جاء مثله في كثير من الأحاديث
والمراد النهي ويأتي ذلك أيضا بلفظ النهي والجميع سائغ والله أعلم
روى مسلم حديث أبي سعيد الخدري من رأى منكم منكرا فليغيره
وقال حدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إسماعيل
بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري ح وعن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن
أبي سعيد الخدري
فقوله وعن قيس بن مسلم معطوف على قوله عن إسماعيل أي رواه الأعمش عن
إسماعيل وقيس والله أعلم
روى مسلم بإسناده عن صالح بن كيسان عن الحارث بن فضيل بإسناده عن أبي رافع
عن عبد الله بن مسعود ما اختصاره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما
من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون
بسنته ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا
يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم
بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل
قال أبو رافع فحدثت عبد الله بن عمر فأنكره علي فقدم ابن مسعود فنزل
بفنائه فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر قال فلما جلسنا سألت ابن مسعود
فحدثنيه كما حدثت ابن عمر
قال صالح وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع
فقوله حواريون قيل حواريوا الأنبياء أنصارهم وقيل هم خلصانهم
وأصفياؤهم وقيل هم المجاهدون وقيل الذين يصلحون للخلافة بعدهم
وسنعود إن شاء الله تبارك وتعالى إلى الكلام فيه
وقوله ثم إنها تخلف هذا الضمير هو ضمير القصد والشأن وقوله خلوف بضم الخاء
جمع خلف بسكون اللام وهو الخالف بشر وهو بفتح اللام بخير وقد حكى غير واحد
الوجهين معا فيهما والله أعلم
وقوله فنزل بفنائه بكسر الفاء وبالمد وجمعه أفنية وهي ما بين أيدي المنازل
والدور من البراح هكذا وقع في روايتنا في هذا الكتاب
وفي كتاب أبي عوانة الإسفراييني المخرج عليه وهي رواية أكثر رواة الكتاب
وفي رواية أبي الفتح السمرقندي الشاشي بقناة بالقاف على لفظ قناة الرمح
وكذا رواه أبو عبد الله الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين
وكذا كان في أصل الحافظ أبي عامر العبدري بخطه وهو برواية
السمرقندي وفي أصل الحافظ أبي القاسم العساكري وكان هذا منه أولا على
رواية السمرقندي ثم غير ذلك فيهما جعل بفنائه وقناة بالقاف وهو الأشبه
وقد ذهب القاضي أبو الفضل اليحصبي إلى أن الأول وإن كان رواية الجمهور فهو
خطأ وتصحيف وإنما هو قناة وهو اسم واد من أودية المدينة عليه حرث ومال من
أموالها والله أعلم
قول صالح وقد تحدث بنحو ذلك هو بضم المثناة من فوق وفيه إشعار بأن الحارث
بن فضيل قد توبع على ذلك والله أعلم
قوله الرواية الأخرى يهتدون بهديه هو بفتح الهاء وإسكان الدال أي بطريقته
وسمته والله أعلم
قول مسلم اجتماع ابن عمر معه وهذا مما أنكره صاحب درة الغواص في أوهام
الخواص وقال لا يقال اجتمع فلان مع فلان وإنما اجتمع فلان وفلان والله
أعلم
ثم إن هذا الحديث مما انفرد به مسلم عن البخاري وقد أنكره أحمد
بن حنبل فيما بلغنا عن أبي داود السجستاني في مسائله عن أحمد قال الحارث
بن فضيل ليس بمحفوظ الحديث وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود وذكر أحمد
قوله صلى الله عليه و سلم اصبروا حتى تلقوني
قلت قد روى عن الحارث هذا جماعة من الثقات ولم نجد له ذكرا في كتب الضعفاء
وفي كتاب ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين أنه ثقة
ثم إن الحارث لم ينفرد به بل توبع عليه على ما أشعر به كلام صالح بن كيسان
المذكور وذكر الإمام الدارقطني في كتاب العلل إن هذا الحديث قد روي من
وجوه أخر منها عن أبي واقد الليثي عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم
وأما قوله اصبروا فذلك حيث يلزم من ذلك إثارة الفتنة وسفك الدماء ونحو ذلك
وما ورد في هذا الحديث من الحث على جهاد المبطلين باليد واللسان فذلك حيث
لا يلزم منه إثارة فتنة على أن لفظ هذا الحديث مسوق فيمن سبق من الأمم
وليس في لفظه ذكر هذه الأمة والله أعلم
حديث أبي مسعود البدري أشار النبي صلى الله عليه و سلم بيده نحو اليمن
فقال ألا إن الإيمان ها هنا وأن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول
أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر
وفي رواية أبي هريرة جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة الإيمان يمان
والفقه يمان والحكمة يمانية
وفي رواية هم أرق أفئدة وأضعف قلوبا
وفي رواية هم ألين قلوبا وأرق أفئدة
وفي رواية مالك لحديث أبي هريرة رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في
أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم
وفي رواية جابر غلظ القلوب والجفاء في المشرق والإيمان في أهل الحجاز
أما ما ذكر من نسبة الإيمان إلى اليمن وأهله فقد صرفوه عن ظاهره من حيث إن
مبدأ الإيمان من مكة ثم المدينة حرسهما الله
فحكى أبو عبيد إمام الغريب ثم من بعده في ذلك أقوالا
أحدها أن المراد بذلك مكة فإنه يقال إن مكة من تهامة ويقال إن تهامة من
أرض اليمن
والثاني إن المراد مكة والمدينة فإنه يروى في الحديث أن النبي
صلى الله عليه و سلم قال هذا الكلام وهو يومئذ بتبوك ومكة والمدينة حينئذ
بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة فقال
الإيمان يمان ونسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذ من ناحية اليمن كما قالوا
الركن اليماني وهو بمكة إلى ناحية اليمن
الثالث ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها عند أبي عبيد أن المراد بذلك
الأنصار لأنهم يمانون في الأصل فنسب إليهم لكونهم أنصاره
وأنا أقول والله الموفق لو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث بألفاظه
كما جمعها مسلم وغيره وتأملوها لصاروا إلى غير ما ذكروه ولما تركوا الظاهر
ولقضوا بأن المراد بذلك اليمن وأهل اليمن على ما هو مفهوم من إطلاق ذلك إذ
من ألفاظه أتاكم أهل اليمن والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذا غيرهم
وكذلك قوله جاء أهل اليمن وإنما جاء حينئذ غير الأنصار ثم إنه وصفهم صلى
الله عليه و سلم بما يقضي بكمال إيمانهم ورتب عليه قوله الإيمان يمان فكان
ذلك نسبة للإيمان إلى من أتاهم من أهل اليمن لا إلى مكة والمدينة
ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمله على أهل اليمن حقيقة لأن من
اتصف بشيء وقوى قيامه به وتأكد اضطلاعه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارا
بتميزه به وكمال حاله فيه
وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان وحال الوافدين منهم في حياته
صلى الله عليه و سلم وفي أعقاب موته كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني
وأشباههما
ممن سلم قبله وقوى إيمانه فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك إشعارا
بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي لذلك عن غيرهم فلا منافاة بينه
وبين قوله الإيمان في أهل الحجاز
ثم إن المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان فإن
اللفظ لا يقتضيه هذا والله أعلم
هذا هو الحق في ذلك ونشكر الله سبحانه على هدايتنا له والله أعلم
وأما ما ذكر من الفقه والحكمة فالفقه ها هنا هو عبارة عن الفهم في الدين
واصطلح بعد ذلك الفقهاء والأصوليون على تخصيص الفقه بإدراك الأحكام
الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها
وأما الحكمة ففيها أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائليها على بعض
صفات الحكمة وقد صفا لنا منها
إن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة
بالله تبارك وتعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق
والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك
أخبرنا الشيخ أبو الحسن بن محمد النيسابوري قراءة عليه بها ونقلت من أصل
سماعه وكان أصيلا قال أخبرنا جدي لأمي أبو محمد العباس بن محمد العصاري
قال حدثنا القاضي أبو سعيد محمد بن سعيد لفظا قال أخبرنا الأستاذ أبو
إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي قال سمعت أبا الحسن علي بن الحارث البياري قال
سمعت أبا سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي سمعت أبا بكر محمد بن الحسن
الدريدي يقول كل كلمة وعظتك في آخرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح
فهي حكمة وحكم ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم إن من الشعر حكمة وجاء
في بعض الألفاظ حكما والله أعلم
قوله يمان ويمانية هو بالتخفيف من غير تشديد للياء عند جماهير
أهل العربية لآن الألف المزيدة فيه عوض من ياء النسب المشددة فلا يجمع
بينهما
وقال ابن السيد في كتابه الاقتضاب في شرح أدب الكتاب حكى أبو العباس
المبرد وغيره أن التشديد لغة
قلت وهذا غريب وإن كان هو المشهور المستعمل عند من لا عناية له بعلم
العربية وقوله ألين قلوبا وأرق أفئدة فالمشهور أن الفؤاد هو القلب فعلى
هذا يكون قد كرر ذكر القلب مرتين بلفظين وهو أولى من تكريره بلفظ واحد
وقيل الفؤاد غير القلب وهو عين القلب
وقيل الفؤاد باطن القلب
وقيل هو غشاء القلب
وأما وصفها بالرقة واللين والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة
سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الغلظ والشدة والقسوة
التي وصف بها قلوب الآخرين والله أعلم
وأما قوله في الفدادين فزعم أبو عمرو هو الشيباني أنها بتخفيف الدال وهي
جمع فدان بتشديد الدال وهو عبارة عن البقر التي يحرث عليها حكاه عنه أبو
عبيد وأنكره عليه
وعلى هذا فالمراد بذلك أصحابها فحذف ذلك
والصواب الفدادون بتشديد الدال جمع فداد بدالين أولاهما مشددة وهذا قول
أهل الحديث وجمهور أهل اللغة الأصمعي وغيره وهو من الفديد وهو الصوت
الشديد فهم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم ونحو ذلك
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى هم المكثرون من الإبل الذي يملك أحدهم
المائتين منها إلى الألف والله أعلم
قلت وقوله في رواية أبي مسعود إن القسوة في الفدادين عند أصول أذناب الإبل
معناه الذين لهم جلبة وصياح عند سوقهم لها وقوله حيث
يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر فقوله في ربيعة ومضر بدل من
قوله في الفدادين أي القسوة في ربيعة ومضر الفدادين والله أعلم
وقرنا الشيطان جانب رأسه وقيل هما جمعاه اللذان يغريهما بإضلال الناس وقيل
شيعتاه من الكفار
والمراد بذلك اختصاص المشرق بمزيد من تسلط الشيطان ومن الكفر كما قالوا في
الحديث الآخر رأس الكفر نحو المشرق
وكان ذلك في عهده صلى الله عليه و سلم حين قال ذلك ويكون حين يخرج الدجال
من المشرق وهو فيما بين ذلك منشأ للفتن العظيمة ومثار للكفرة الترك
العابثة العاتية الشديدة البأس والله أعلم
وقوله الفخر والخيلاء فالفخر هو الافتخار وعد المآثر القديمة
تعظما
والخيلاء الكبر واحتقار الناس
وقوله في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر فالوبر وإن كان من الإبل
دون الخيل فليس بممتنع أن يكون قد وصفهم بكونهم جامعين بين الخيل والإبل
والوبر وقوله والسكينة في أهل الغنم أي الطمأنينة والسكون على خلاف ما ذكر
من صفة الفدادين والله أعلم
حديث أبي هريرة لا تدخلون الجنة حتى تؤمنون ولا تؤمنوا حتى
تحابوا معناه لا يكمل إيمانكم إلا بذلك ولا تدخلون الجنة عند
دخول أهلها إليها إذا لم تكونوا كذلك وقد سبق إيضاح أمثال ذلك والله أعلم
روى مسلم حديث تميم الداري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال الدين
النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
انفرد به مسلم عن البخاري وليس لتميم في الصحيح غيره
بلغنا عن الشافعي الإمام أنه قال تميم رجل من لخم من حي يقال لهم بنو
الدار فمن قال الداري نسبه إلى نسبته ومن قال الديري نسبه إلى دير كان فيه
قبل الإسلام وكان نصرانيا وهذا عن الشافعي عزيز رواه أبو الحسين الرازي في
كتابه في مناقب الشافعي رضي الله عنه بإسناد جيد
واختلف في ذلك رواة الموطأ عن مالك رضي الله عنه
ففي رواية يحيى الليثي وابن بكير وغيرهما الديري بالياء
وفي رواية القعنبي وابن القاسم وأكثرهم الداري بالألف ثم إن الصحيح في وجه
النسبتين ما ذكره الشافعي ومنهم من قال هي بالألف نسبة إلى دارين وهو مكان
عند البحرين هو محط السفن كان يجلب إليه العطر من الهند ولذلك قيل للعطار
الداري ومنهم من جعله بالياء نسبة إلى قبيلة أيضا وهو بعيد والله أعلم
وهذا الحديث في إحدى الروايات عن أبي داود السجزي صاحب السنن أحد الأحاديث
التي عليها مدار الفقه
فروينا عنه أنه قال الفقه يدور على خمسة أحاديث الحلال بين والحرام بين
وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا ضر ولا إضرار
وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إنما الدين النصيحة
وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم
به فأتوا منه ما استطعتم والله أعلم
وقال أبو نعيم الحافظ هذا حديث له شأن وذكر محمد بن اسلم الطوسي
أنه أحد أرباع الدين وهذا شرحه
فقوله الدين النصيحة لفظ يفيد الحصر فكأنه قال ليس الدين إلا النصيحة لله
ولكتابه وسائر ما ذكر أي لا يكمل الدين إلا بذلك كما سبق بيانه في أمثال
ذلك وفيه إشعار بعظم موقع النصيحة من الدين وهكذا مثله في أمثال ذلك
والنصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة
وفعلا فالنصيحة لله تبارك وتعالى توحيده ووصفه بصفات الكمال والجلال جمع
وتنزيهه عما يضادها ويخالفها وتجنب معاصيه والقيام بطاعاته ومحابه بوصف
الإخلاص والحب فيه والبغض فيه وجهاد من كفر به تعالى وما ضاهى ذلك والدعاء
إلى ذلك والحث عليه
والنصيحة لكتابه الإيمان به وتعظيمه وتنزيهه وتلاوته حق تلاوته والوقوف مع
أوامره ونواهيه وتفهم علومه وأمثاله وتدبر آياته والدعاء إليه وذب تحريف
الغالين وطعن الملحدين عنه
والنصيحة لرسوله صلى الله عليه و سلم قريب من ذلك الإيمان به وبما جاء به
وتوقيره وتبجيله والتمسك بطاعته وإحياء سنته واستشارة علومها ونشرها
ومعاداة
من عاداه وعاداها وموالاة من والاه ووالاها والتخلق بأخلاقه
والتأدب بآدابه ومحبة آله وصحابته ونحو ذلك
والنصيحة لأئمة المسلمين أي لخلفائهم وقادتهم معاونتهم على الحق وطاعتهم
فيه وتنبيههم وتذكيرهم في رفق ولطف ومجانبة الخروج عليهم والدعاء لهم
بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك
والنصيحة لعامة المسلمين وهم ها هنا من عدا أولى الأمر منهم إرشادهم إلى
مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وستر عوراتهم وسد خلاتهم ونصرتهم على
أعدائهم والذب عنهم ومجانبة الغش والحسد لهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه
ويكره لهم ما يكرهه لنفسه وما شابه ذلك
وقد كان في السلف رضي الله عنهم وعنا من يبلغ به النصح إلى أن ينصح غيره
بما هو عليه ولجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه في حديثه الذي ذكره
مسلم بايعت النبي صلى الله عليه و سلم على النصح لكل مسلم
مكرمة رواها أبو القاسم الطبراني بإسناده اختصار حديثها أن
جريرا أمر مولى له أن يشتري له فرسا فاشترى مولاه من رجل فرسا بثلاثمائة
درهم وجاء به إلى جرير لينقده الثمن فقال هذا الفرس بثلاثمائة درهم فقال
جرير لصاحبه فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم ثم انه لم يزل يزيده
مائة فمائة وصاحبه يرضى وجرير يقول فرسك خير من ذلك إلى أن بلغ به
ثمانمائة درهم فاشتراه بها فقيل له في ذلك فقال إني بايعت رسول الله على
النصح لكل مسلم
زياد بن علاقة الراوي عن جرير هو بكسر العين المهملة وبالقاف ومن شيوخ
مسلم في حديث جرير سريج بن يونس وهو بالسين المهملة وبالجيم وكان من عباد
الله الصالحين
ويعقوب بن إبراهيم الدورقي بالدال المهملة المفتوحة وبالقاف هو منسوب إلى
دورق بلدة بفارس أو غيرها
وقيل سبب نسبته هذه صنعة قلانس منسوبة إلى هذه البلدة تعرف بالدورقية
وقيل سببها لبس قلانس طوال تعرف بالدورقية
وورد عن أخيه أحمد أنه قال كان الشبان إذا نسكوا في ذلك الزمان
سموا الدوارقة وكان أبي منهم والله أعلم
وفي إسناده سيار عن الشعبي بسين مهملة في أوله ثم ياء مثناة من تحت مشددة
وليس بسيار بن سلامة أبي المنهال وإنما هو سيار بن أبي سيار واسمه وردان
أبو الحكم العنزي والله أعلم
قول مسلم قال يعقوب في روايته قال حدثنا سيار قلت فيه فائدة بها يصح هذا
الإسناد ويعرف اتصاله لأن الراوي فيه عن سيار هشيم وهشيم أحد المدلسين
والمدلس لا يحتج من حديثه إلا بما قال فيه حدثنا أو غيره من الألفاظ
المبينة لسماعه والله أعلم
حديث أبي هريرة أن رسول الله قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن إلى
آخره
المراد به نفي كمال الإيمان عنه لا نفي أصل الإيمان وهو من الألفاظ
النافية التي تطلق في اللغة على الشيء عند انتفاء معظمه مع وجود أصله
ويراد بها نفي كماله لا نفي أصله ومن ذلك لا عيش إلا عيش الآخرة ولا عمل
إلا بالنية
ويفيد أن الفاسق لا يطلق عليه اسم المؤمن ويقال فيه مؤمن ناقص
الإيمان وذلك أن الأصل أن اسم الشيء إنما يطلق على الكامل منه والناقص منه
يذكر به بقيد يشعر بنقصه وأيضا فصفة المؤمن صفة مدح غالية لا تليق بالفاسق
وفيما ذكرناه مع حديث أبي ذر المتفق على صحته الحاكم بأن المسلم لا بد أن
يدخل الجنة وإن زنى وإن سرق وغير ذلك ما يدرأ احتجاج الخوارج والمعتزلة
بهذا الحديث وللعلماء فيه كلام متشعب قد أوردت لبابه موضحا والله المحمود
وهو أعلم
وأما قوله وكان أبو هريرة يلحق معهن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس
إليه فيها أبصارهم
فقد روى الحديث أبو نعيم الحافظ في مخرجه على كتاب مسلم من حديث همام بن
منبه وفيه والذي نفس محمد بيده لا ينتهب أحدكم وهذا مصرح برفعه إلى رسول
الله صلى الله عليه و سلم
ولم نستغن عن ذكر هذا بأن البخاري رواه من حديث الليث بإسناده الذي ذكره
عنه مسلم معطوفا فيه ذكر النهبة على ما بعد قوله قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم نسقا من غير فصل بقوله وكان أبو هريرة يلحق معهن وذلك مراد
مسلم بقوله واقتص
الحديث يذكر مع ذكر النهبة ولم يذكر ذات شرف
وقوله يذكر وقع من غير هاء الضمير فإما أن يقال حذفها مع إرادتها وإما أن
يقرأ يذكر بضم أوله وفتح الكاف على ما لم يسم فاعله على أنه حال أي اقتص
الحديث مذكورا مع ذكر النهبة فإنما لم نكتف بهذا في الاستدلال على كون ذكر
النهبة من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه قد يعد ذلك من قبيل
المدرج في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من كلام بعض رواته
استدلالا بقول من فصل فقال وكان أبو هريرة يلحق معهن على ما عرف مثله في
نوع المدرج الذي بيناه في كتابنا في أنواع علوم الحديث
وما رواه أبو نعيم الحافظ يرتفع عن أن يتطرق إليه هذا الاحتمال وظهر بذلك
أن قول أبي بكر بن عبد الرحمن وكان أبو هريرة يلحق معهن معناه يلحقها
رواية لا من عند نفسه وكأن أبا بكر خصصها بذلك لكونه بلغه أن غيره لا
يرويها وآية ذلك ما تراه من رواية مسلم الحديث من رواية يونس وعقيل عن ابن
شهاب عن أبي سلمة وابن المسيب عن أبي هريرة من غير ذكر النهبة
ثم إن في رواية عقيل رواية ابن شهاب لذكر النهبة عن أبي بكر بن
عبد الرحمن نفسه
ورواها في رواية يونس عن عبد الملك بن أبي بكر عنه فكأنه سمع ذلك من ابنه
عنه ثم سمعه منه نفسه
وأما ما ذكره مسلم من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة
وأبي بكر جميعا مع ذكر النهبة فكأنه إدراج من الأوزاعي أو من الراوي عنه
ومن أنواع المدرج أن يروي الحديث جماعة ولأحدهم فيه زيادة يختص بها
فيدرجها بعض الرواة على رواية الجميع من غير فصل وبيان وذلك وغيره من
أنواع المدرج مما لا يجوز للراوي تعمده فافهم كل ذلك والحظه فإنه مما عز
مدركه من هذا الشأن والله الهادي أعلم
وقوله ذات شرف هو في الرواية المعروفة بالشين المعجمة المفتوحة أي ذات قدر
كبير وقيل أي ذات استشراف يستشرف الناس لها ناظرين إليها رافعين إليها
أبصارهم كما بينه آخرا
وعن أبي إسحاق الحربي أنه رواه بالسين المهملة وبه قيده بعضهم في كتاب
مسلم ومعناه أيضا ذات قدر كبير والله أعلم
ذكر مسلم حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي قال قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة
منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد
أخلف وإذا خاصم فجر
وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال آية المنافق ثلاث
إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان
وفي رواية وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم
هذا مشكل من حيث أن هذه الخصال قد توجد في المسلم المصدق فاختلف العلماء
في تأويله فقيل إنما ورد ذلك في منافقي زمان رسول الله صلى الله عليه و
سلم خاصة ونقل
ذلك عن عطاء بن أبي رباح في طائفة من السلف والخلف
قلت وهذا يأباه قوله ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق فإن نفاق
أولئك كان نفاق كفر غير متبعض هذا التبعيض
وقيل المراد به النفاق اللغوي الذي هو إظهار خلاف المضمر
وقال أبو عيسى الترمذي إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل وإنما كان
نفاق التكذيب على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم
وهذا الذي نختاره ونزيده بيانا فنقول النفاق نفاقان نفاق الكافر ونفاق
المسلم ويشتركان في أن كل واحد منهما إسرار سوء مع إظهار خلافه واشتقاقه
من النفق وهو السرب الذي يستتر فيه أو من نافقاء اليربوع وهي إحدى منافذ
جحرته يدع عليها قشرا رقيقا من التراب فإذا طلب من المنافذ الأخر الظاهرة
دفع برأسه ذلك الرقيق من التراب وخرج ونجا فباطنها نافذ على خلاف ظاهرها
ومما يدل على أن من النفاق ما قد يوجد في المسلم الموقن المصدق حديث ابن
عمر رضي الله عنهما إن ناسا قالوا إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف
ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم قال كنا نعد هذا نفاقا في عهد رسول الله صلى
الله عليه و سلم أخرجه البخاري منفردا به عن مسلم
ومثل هذا معدود في قبيل المرفوع المسند
أخبرني بقراءتي الشيخ أبو النجيب إسماعيل بن عثمان بن القارىء
النيسابوري وغيره قال إسماعيل أخبرنا الشريف أبو تمام أحمد بن محمد بن
المختار قراءة عليه وأنا حاضر قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن
المسلمة قال أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري أخبرنا أبو
بكر جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو
أسامة عن أبي الأشهب قال قال الحسن من النفاق اختلاف اللسان والقلب
واختلاف السر والعلانية واختلاف الدخول والخروج
وبه عن جعفر الفريابي وكان حافظا قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا
وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال قال رجل اللهم أهلك
المنافقين قال حذيفة لو هلكوا ما انتصفتم من عدوكم
وبه عن الفريابي حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا حماد بن زيد
عن أيوب قال دخل عمر بن عبد العزيز على أبي قلابة يعوده فقال يا أبا قلابة
تشدد ولا تشمت بنا المنافقين
إذا عرف ذلك نفى حديث عبيد الله بن عمرو الحكم بأنه يصير منافقا تاما فيه
هذا النفاق بأربع خصال
وحديث أبي هريرة يقتضي ثبوت ذلك بثلاث خصال منها الخصلتان
الأوليان والثالثة خصلة الخيانة ولم تذكر هذه الخصلة في ذلك الحديث
وأقيمت في هذا الحديث مقام الخصلتين الأخريين خصلتي الغدر والفجور عند
الخصام ولا تنافي في ذلك إذ قد يكون للشيء الواحد علتان وإمارتان وأكثر
وقد روينا من غير وجه حديث الثلاث بمثل لفظ حديث الأربع ثلاث من كن فيه
فهو منافق
ولا منافاة بين قوله في الرواية الأخرى من علامات المنافق ثلاثة لأن
الثلاث وإن استقلت بإثبات صفة المنافق التامة فهناك أوصاف أخر من قبيلها
فدخول حرف التبعيض كان لذلك والله أعلم
قوله خلة من نفاق هي بفتح الخاء أي خصلة
وقوله فجر أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب وأصل الفجور الميل عن القصد
قوله آية المنافق أي علامته والله أعلم
قوله أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة هي بضم
الحاء وفتح الراء المهملتين وبعدها قاف هي بطن من جهينة
وعبد الرحمن منسوب إلى ولائهم
وعقبة بن مكرم العمي فمكرم بضم الميم وإسكان الكاف وفتح الراء
والعمي بفتح العين المهملة وتشديد الميم نسب إلى بني العم قبيل من تميم
أبو زكير يحيى بن محمد بضم الزاي على مثال زهير
وبلغنا عن أبي الفضل الفلكي الحافظ أن أبا زكير لقب وكنيته أبو محمد والله
أعلم
حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم أيما امرىء قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا
رجعت عليه
فيه إشكال من حيث أن المسلم المصدق لا يكفر عند أهل الحق بهذا وأمثاله فمن
أهل العلم من حمله على المستحيل لذلك
ومنهم من قال معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه إذا لم يكن كما قال بكذبه عليه
وهذان الوجهان مباعدان لظاهر الحديث
ومنهم من حمله على الخوارج المكفرين للمؤمنين وهذا يأباه كون الصحيح أن
الخوارج لا يكفرون وإن كفروا فلا فرق في تكفيرهم بين أن يكون المقول له
ذلك كافرا أو لا يكون
فأقول والله أعلم إن لم يكن أخوه كافرا كما قال رجع عليه تكفيره فليس
الراجع إليه هو الكفر بل التكفير وذلك لأن أخاه إذا كان مؤمنا وقد جعله هو
كافرا مع أن المؤمن ليس بكافر إلا عند من هو كافر من يهودي أو نصراني أو
غيرهما فقد لزم من ذلك كونه مكفرا لنفسه ضرورة لتكفيره من لا يكفره إلا
كافر ويكون الضمير في قوله فقد باء بها بوصمة التكفير ومعرته أي أنها
لاصقة بأولاهما بها وهو المقول له إن كان كما قيل وإلا فالقائل
وهذا معنى صحيح رائق غير مباعد لظاهر الحديث فإن يكن قد قاله
أحد سبق فأحرى له وإلا فهو مما تركه الأول للآخر ولله الحمد كله وهو أعلم
ثم أقول يتجه فيه معنى آخر مطرد في سائر الأحاديث القاضية بالكفر فيما ليس
في نفسه كفرا وهو أن ذلك يؤول به إلى الكفر إذا لم يتب توبة ماحية لجرمه
ذلك إذ المعصية إذا فحشت جرت بشؤمها إلى الكفر ولذلك شواهد ووصف الشيء بما
يؤول إليه سائغ شائع من ذلك قول الله تبارك وتعالى إنك ميت وإنهم ميتون
والله أعلم
وقد روينا في بعض روايات هذا الحديث في مخرج أبي عوانة الإسفراييني الحافظ
على كتاب مسلم فإن كان كما قال وإلا فقد باء بالكفر
وفي رواية أخرى أنه إذا قال لأخيه يا كافر وجب الكفر على أحدهما
فهذا إن لم يكن من عبارة بعض الرواة رواية منه بالمعنى على ما فهمه مع أنه
ليس الأمر على ما فهمه كما وقع في كثير من رواياتهم فالوجه الأخير حينئذ
هو الراجح المختار والله أعلم
قوله باء بها أحدهما معناه عند بعض أهل اللغة احتملها وعند بعضهم معناه
رجع بها والله أعلم
قوله صلى الله عليه و سلم في حديث أبي ذر ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو
يعلمه إلا
كفر أي انتسب إلى غير أبيه واتخذه أبا
وقوله كفر يتجه فيه ما ذكرناه ووجه آخر وهو أنه أراد به كفر الإحسان كما
في قوله وتكفرن العشير وهو الزوج أي إحسانه إليها وقوله من ادعى ما ليس له
فليس منا وليتبوأ مقعده من النار فقوله فليس منا يقال إن معناه ليس مهتديا
بهدينا ولا مستنا بسنتنا
وقلت هذه عبارة عن التبرؤ منه أي نحن بريئون منه
وقوله وليتبوأ مقعده أي يتنزل منزله منها والمختار أنه خبر بلفظ الأمر أي
قد تبوأ كما في قوله إذا لم تستح فاصنع ما شئت
أي من لم يستح صنع ما شاء
وقوله من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه هذا
الإستثناء واقع على المعنى وتقريره ما يدعوه أحد كذلك إلا حار عليه أي رجع
عليه ويترجح النصب في قوله عدو الله على تقرير يا عدو الله والله أعلم
ابن بريدة المذكور في إسناد الحديث أبي ذر هو عبد الله بن بريدة لا سليمان
بن بريدة
قول أبي عثمان وهو النهدي لما ادعى زياد هو بضم ادعى على ما لم يسم فاعله
وشاهدته بخط الحافظ أبي عامر العبدري ادعى بالفتح على أن زيادا هو الفاعل
للدعوة
وزياد هذا هو المعروف بزياد بن أبي سفيان ويقال فيه زياد بن أبيه وزياد بن
أمه ادعاه معاوية بن أبي سفيان وألحقه بأبيه أبي سفيان وكان قبل
ذلك يعرف بزياد ابن عبيد الثقفي وكان أخا أبي بكرة نفيع بن الحارث لأمه
وهذا هو السبب في قول أبي عثمان النهدي لأبي بكرة ما هذا الذي صنعتم وإلا
فأبو بكرة ممن أنكر ذلك وهجر زيادا وآلى أن لا يكلمه أبدا والله أعلم
قول سعد سمع أذني من رسول الله صلى الله عليه و سلم هو بخط الحافظ العبدري
وفي رواية أبي الفتح السمرقندي عن عبد الغافر أذناي مثنى مرفوعا وهو فيما
يعتمد من اصل الحافظ أبي القاسم العساكري وغيره بغير ألف التثنية وسمع على
هذا بكسر الميم على لفظ الفعل الماضي وهكذا ضبطه من المغاربة القاضي
الحافظ أبو علي ابن سكرة وضبطه منهم بعض أهل الضبط بإسكان الميم على أنه
مصدر مضاف إلى الأذن أو الأذنين ثم منهم من نصبه ومنهم من رفعه
قال سيبويه العرب تقول سمع أذني زيدا يقول ذلك بالرفع والله أعلم
وقوله في الرواية الأخرى سمعته أذناي ووعاه قلبي محمدا نصب محمدا صلى الله
عليه و سلم بالفعل الأول وهو قوله سمعته أذناي والله أعلم
قول مسلم حدثنا محمد بن بكار وعون بن سلام قالا حدثنا محمد بن طلحة ح
وحدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا
شعبة كلهم عن زبيد عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
فيه وجوه تقدم التنبيه عليها
أحدهما إنه كفر من المستحل
والثاني إنه كفر بنعمة الإسلام الموجب للأخوة والألفة
والثالث إنه آيل إلى الكفر ومقرب بشؤمه منه
ووجه آخر وهو أن المراد بكونه كفرا كونه فعل أهل الكفر
وقول مسلم كلهم عن زبيد كذا وقع وإنما هم اثنان شعبة ومحمد بن طلحة وهو
ابن مصرف فكأنه سبق القلم من كلاهما إلى كلهم فإن استعمال ذلك في الاثنين
بعيد
وزبيد هذا هو ابن الحارث اليامي الهمداني بضم الزاي المنقوطة
وبعدها باء موحدة ويشتبه بزييد بيائين تصغير زيد وهو زييد بن الصلت إلا
أنه لا ذكر له في واحد من الصحيحين وله ذكر في الموطأ ولا ذكر للأول في
الموطأ والله أعلم
قوله صلى الله عليه و سلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
يتوجه فيه نحو الوجوه الأربعة التي ذكرناها آنفا ووجه خامس وهو حمله على
حقيقة الكفر فيكون ذلك حضا لهم على الثبات على الإيمان ونهيا لهم عن الردة
بعده صلى الله عليه و سلم
ووجه سادس حكاه الخطابي وهو أن معنى الكفار فيه المتكفرون بالسلاح يقال
تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه فكفر به نفسه أي سترها
قلت وهكذا يعتضد بما ذكره الأزهري في تهذيب اللغة له من أنه يقال
للابس السلاح كافر
وروي عن ابن السكيت انه قال إذا لبس الرجل فوق درعه ثوبا فهو كافر قال وكل
ما غطى شيئا فقد كفره ومنه قيل لليل كافر والله أعلم
ثم إن ضم الباء من قوله يضرب أوجه وأجرى على الوجوه المذكورة في تفسير
الكفر فيه
وإسكان الباء على أن يكون جوابا للنهي وقد قيل به وليس بذاك والله أعلم
وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه و سلم قال ويحكم أو
قال ويلكم لا ترجعوا
ففي ويح وويل أقوال كثيرة من عيونها قول الحسن رضي الله عنه ويح كلمة رحمة
وقال صاحب كتاب العين ويح يقال إنه رحمة لمن تنزل به بلية وذكر
الأزهري في تهذيبه عن أبي السميدع وغيره أن ويحك وويلك وويسك
بمعنى واحد
وذكر الهروي أبو عبيد في غريبيه عن سيبويه أنه قال ويح زجر لمن اشرف على
هلكة وويل لمن وقع في الهلكة
واختار الأزهري وصاحبه الهروي الفرق بينهما بأن ويلا يقال لمن وقع في هلكة
أو بلية لا يترحم فيها عليه وويحا يقال لمن وقع في بلية يترحم فيها عليه
والله أعلم
واقد بن محمد المذكور هو بالقاف وليس في الصحيحين وافد بالفاء والله أعلم
الذي في حديث أبي هريرة من أن الطعن في النسب والنياحة على الميت كفر
وما في حديث جرير رضي الله عنهما من أن أباق العبد كفر لا يخفى ما
يتجه فيه من الوجوه المذكورة قبيل
وقول منصور بن عبد الرحمن الراوي لحديث جرير أكره أن يروى عني هاهنا
بالبصرة كان سببه ما كان قد نبغ بالبصرة من المعتزلة ونحوهم كيلا يحتجوا
به على قولهم في أصحاب الكبائر
ومنصور بن عبد الرحمن خمسة وهذا منهم هو الغداني الأشل وقد اختلف في
توثيقه ولم يخرج له البخاري شيئا وسائرهم لم يقدح فيهم فيما نعلم والله
أعلم
وفي حديث جرير الآخر أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة أي لا ذمة
له حينئذ والذمة هاهنا يجوز أن تكون هي الذمة المفسرة بالذمام وهو الحرمة
ويجوز أن تكون من قبيل ما جاء في قوله له ذمة الله وذمة رسوله أي ضمانه
وأمانه ورعايته وكلأته ومن ذلك أن الآبق كان مصونا من عقوبة السيد له
وحبسه فزال ذلك بإباقه والله أعلم
قوله في الرواية الأخرى إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة ليس مستند عدم
القبول فيه عدم الصحة لكونه كافرا حيث يكون مستحلا كما ذكره صاحب المعلم
ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة بل قد تثبت الصحة مع عدم القبول فصلاة
الآبق غير مقبولة بنص هذا الحديث الثابت وذلك لاقترانها بمعصية تناسب أن
ترد وسيلته ولا يجزىء على حسنه وهي لا محالة صحيحه لإتيانه بها بشروطها
وأركانها المستلزمة للصحة ولا تناقض في ذلك ويظهر أثر عدم القبول في سقوط
الثواب وأثر الصحة في سقوط القضاء وفي أنه لا يعاقب عقوبة تارك الصلاة
وهذا معقول والله أعلم
أحاديث النهي عن الاستمطار بالأنواء أما متونها فقوله صلاة الصبح
بالحديبية والحديبية الأثبت فيها تخفيف الياء الأخيرة منها
روينا عن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قال حدثنا أبي قال
حدثنا عمرو ابن سواد السرحي قال اختلف ابن وهب والشافعي في الحديبية فقال
ابن وهب الحديبية بالتثقيل وقال الشافعي بالتخفيف قال أبي بالتخفيف أشبه
وروينا عن أبي سليمان الخطابي أن أصحاب الحديث يثقلونها وهي خفيفة
وقال القاضي الحافظ أبو الفضل اليحصبي بتخفيف الياء وضبطناها على المتقنين
وعامة الفقهاء والمحدثين يشددونها قال وحكى إسماعيل القاضي عن ابن المديني
أنه قال أهل المدينة يشددونها وأهل العراق يخففونها والله أعلم
قوله في إثر سماء كانت من الليل سبق غير بعيد أنه يقال فيه أثر بفتح
الهمزة والثاء معا وبكسر الهمزة مع إسكان الثاء ووقع في الأصل المأخوذ عن
الجلودي السمآء بالألف واللام وكذلك هو في أصل الحافظ أبي القاسم العساكري
مضببا عليه وهو جائز على أن يكون قوله كانت مستأنفا لا صفة وهو
في أصل الحافظ أبي حازم العبدوي وأصل أبي عامر العبدري بخطيهما
سمآء منكرا وهو الأولى
والسمآء هاهنا المطر وكل ما علاك وأظلك فهو سمآء والسمآء المعروفة من
المعروف أنها مؤنثة وقد تذكر وأما تأنيث السماء بمعنى المطر كما جاء في
هذا الحديث ففي كتاب أبي حنيفة الدينوري في الأنواء إنه يقال للمطر سماء
ألا ترى أنهم يقولون أصابتنا سمآء غزيرة
وفي كتاب التهذيب للأزهري السماء المطر والسماء أيضا اسم المطرة الجديدة
يقال أصابتهم سماء وهذا يشعر بتخصيص التأنيث بهذه المطرة والله أعلم
قول الله تبارك وتعالى وتقدس فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك
مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن
بالكوكب
والنوء في أصله ليس نفس الكوكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءا أي سقط وغاب
وقيل أي نهض وطلع
وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها
وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاث
عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق
من ساعته فكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط
الغارب منهما
وقال الأصمعي إلى الطالع منهما قال أبو عبيد ولم أسمع أن النوء السقوط إلا
في هذا الموضع
ثم أن النجم نفسه قد يسمى نوءا تسمية للفاعل بالمصدر قال أبو إسحاق الزجاج
في بعض أماليه الساقطة في المغرب هي الأنواء والطالعة في المشرق هي
البوارح
إذا وضح هذا ففي كفر من قال مطرنا بنوء كذا وكذا وجهان أحدهما أنه كفر
بالله تعالى سالب للإيمان وهذا ظاهر لفظ الحديث المذكور وإنما ذلك فيمن
قال ذلك معتقدا أن الكوكب مدبرا منشىء للمطر كما كان بعض أهل الجاهلية
يعتقده وإلى هذا الوجه ذهب أكثر العلماء أو كثير منهم والشافعي رضي الله
عنه منهم
وعلى هذا من قال مطرنا بنوء كذا معتقدا أنه من الله تعالى وبرحمته وأن
النوء إنما هو ميقات له وإمارة نظرا إلى التجربة والعادة ففي كراهة ذلك
منه خلاف وما أحسن قول أبي هريرة رضي الله عنه الذي رويناه عن مالك في
موطئه أنه بلغه أن أبا هريرة كان إذا أصبح وقد مطر الناس يقول مطرنا بنوء
الفتح ثم يتلو هذه الآية ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها
الوجه الثاني إن ذلك كفر بنعمة الله تعالى لا كفر به وذلك لاقتصاره على
إضافة الغيث إلى الكوكب ويدل على هذا لفظ حديث أبي هريرة المذكور في
الكتاب ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها
كافرين الحديث
وما بعده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر
الحديث والله أعلم
ثم أن قوله من نعمة فيه تقصير من الراوي من حيث اللفظ والمراد به خصوص
نعمة الغيث بدلالة الرواية الأخرى المذكورة بعده
وقوله يقولون الكوكب وبالكوكب قد روينا الثاني دون الأول بصيغة الجمع
وكلاهما في الأصل الذي بخط الحافظ أبي عامر العبدري من بين أصولنا بصيغة
الواحد والله أعلم
قول ابن عباس رضي الله عنهما فنزلت هذه الآية فلا أقسم بمواقع النجوم حتى
بلغ وتجعلون رزقكم إنكم تكذبون فيه إشكال يزول بالتنبيه على أنه ليس مراده
أن جميع هذا نزل في قولهم في الأنواء كما توهمه القاضي عياض على ما بلغنا
عنه فإن الأمر في معنى ذلك وتفسيره يأبى ذلك وإنما النازل من ذلك في ذلك
قوله وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون والباقي نزل في غير
ذلك ولكن اجتمعا في وقت النزول فذكر الجمع من أجل ذلك ومما يدل
على هذا أن في بعض الروايات عن ابن عباس في ذلك الاقتصار على هذا القدر
فحسب ثم إن معنى قوله سبحانه وتجعلون رزقكم عند طائفة من المفسرين وتجعلون
شكركم تكذيبكم بأن الرازق هو الله تعالى أي تجعلون التكذيب عوض الشكر
وتكذيبهم هو قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا
روى ابن جرير بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفعه قال وتجعلون
رزقكم قال شكركم أنكم تكذبون قال يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا أخرجه
الترمذي بلفظ هذا أدل منه على ما ذكرناه وقال هذا حديث حسن غريب
وحكى ابن جرير عن الهيثم بن عدي إن من لغة أزد شنوءة ما رزق فلان بمعنى ما
شكر
وقال آخرون منهم الأزهري معناه وتجعلون شكر رزقكم فحذف المضاف وأقام
المضاف إليه مقامه والله أعلم
وأما أسانيدها فإن الحديث الأول منها أدخل بعضهم في إسناده الزهري بين
صالح بن كيسان وبين عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وهو كذلك في نسخة أبي
العلاء بن ماهان بكتاب مسلم
وكأن قائل ذلك اغتر بكثرة رواية صالح بن كيسان عن الزهري
فاستبعد روايته عن شيخ الزهري عبيد الله
وذلك غلط فإن صالح بن كيسان قد روى هذا الحديث عن عبيد الله نفسه من غير
واسطة وصالح أسن من الزهري وقد ذكر يحيى بن معين أنه سمع من عبدالله بن
عمر ورأى ابن الزبير والله أعلم
عمرو بن سواد العامري شيخ مسلم وتفرد به
هو ابن سواد بدال في آخره والواو منه مشددة قطع به عبد الغني بن سعيد
المصري بلديه وأبو نصر بن ماكولا وغيرهما
ومايز الخطيب أبو بكر بينه وبين أبي جد اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو
بن سواد الصحابي الأنصاري الخزرجي البدري آخر أهل بدر
وفاة فذلك بتخفيف الواو وهذا بتشديدها والله أعلم
أبو زميل عن ابن عباس هو بضم الزاي المنقوطة وبياء ساكنة واسمه سماك بكسر
السين ابن الوليد الحنفي اليمامي روى له مسلم دون البخاري وقد قال ابن عبد
البر أجمعوا على أنه ثقة والله أعلم
حديث أنس في حب الأنصار الراوي له عنه عبد الله بن عبد الله بن جبر بتكبير
عبد في اسمه واسم أبيه وجده جبر بالجيم والباء الموحدة والله أعلم
البراء بن عازب بتخفيف الراء والمعروف فيه المد حفظت فيه عن بعض
أهل اللغة القصر والمد والله أعلم
زر هو بكسر الزاي وتشديد الراء وهو ابن حبيش عن علي رضي الله عنه والذي
فلق الحبة وبرأ النسمة
فقوله فلق الحبة أي شقها بالنبات
وبرأ بالهمز أي خلق
والنسمة هي الإنسان وحكى الأزهري عن بعضهم أن النسمة هي النفس وإن كل دابة
في جوفها روح فهي نسمة والله أعلم
قوله فقالت امرأة منهن جزلة وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار
فقوله جزلة أي ذات عقل ورأي
قال ابن دريد الجزالة الوقار والعقل
وقوله صلى الله عليه و سلم تكثرن اللعن وتكفرن العشير فالعشير في الأصل
المعاشر وهو ها هنا الزوج وهذا قاض بأن نفس إكثار اللعن ونفس كفرهن إحسان
الأزواج من الكبائر
أما اللعن فمن أعظم الجنايات القولية وقد ثبت عنه صلى الله عليه
و سلم أن لعن المؤمن كقتله
وأما كفرانهن إحسان الزوج فقد كان يمكن أن يقال ليس هو نفسه السبب في ذلك
بل ما يصطحبه من معصية الزوج ونحو ذلك لولا تفسيره صلى الله عليه و سلم
ذلك في الحديث الآخر بقوله لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا
قالت ما رأيت منك خيرا قط
وقوله فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل أي هذا أمارة نقصان
العقل أو أثره
ثم إن ما في هذا الحديث من الذكر نقصان الدين الدال على إثبات
نقصان الإيمان وزيادته وما فيه من استعمال لفظ الكفر لا في الكفر السالب
للإيمان هو السبب في إيراده في كتاب الإيمان والله اعلم
ثم إن في المقبري المذكور في إسناد حديث إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي
عمرو عن المقبري عن أبي هريرة كلاما ونظرا فذكر الحافظ أبو علي الغساني
الجياني عن أبي مسعود الدمشقي أنه أبو سعيد المقبري والد سعيد قال أبو علي
وهذا إنما هو في رواية إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو
وقال أبو الحسن الدارقطني وقول سليمان بن بلال أصح
قلت رواه أبو نعيم الأصبهاني الحافظ في مخرجه على كتاب مسلم من وجوه مرضية
عن إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري هكذا
مبينا
لكن رويناه في مسند أبي عوانة المخرج على صحيح مسلم من طريق إسماعيل بن
جعفر عن أبي سعيد ومن طريق سليمان بن بلال عن سعيد كما سبق عن الدارقطني
فالاعتماد عليه إذا والله أعلم
حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا قرأ ابن آدم
السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله وفي رواية يا ويلي أمر ابن
آدم بالسجود
فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار
فقوله قرأ السجدة أي آية السجدة
وقوله يا ويلي يجوز من حيث اللغة بكسر اللام وفتحها على ما عرف في نظائره
ومن احتج بهذا الحديث على وجوب سجود التلاوة لما فيه من التشبيه بسجوده
لآدم وقد كان واجبا فمن جوابه إن التشبيه وقع في مطلق السجود لا في خصوص
سجود التلاوة وتارك سجود التلاوة غير تارك مطلق السجود ولذلك لم يستوجب
تاركها ما استوجبه إبليس لعنه الله بترك السجود من النار وغيرها والله
أعلم
وإيراد هذا وحديث تارك الصلاة بعده في كتاب الإيمان لبيان أن من الأفعال
ما تركه يوجب حقيقة الكفر أو اسم الكفر والله أعلم
ما ذكره من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بين الرجل
وبين الشرك والكفر ترك الصلاة كذا وقع في كتاب مسلم بالواو العاطفة للكفر
على الشرك على ما شهدت به أصولنا
وهو في مخرج أبي نعيم الحافظ على كتاب مسلم بحرف أو وكذا رويناه من مخرج
أبي عوانة الإسفراييني عليه وبين الشرك والكفر فرق ما
بين الأخص والأعم فكل شرك كفر وليس كل كفر شركا من حيث الحقيقة
والصحيح ومذهب الأكثرين إن ترك الصلاة لا يوجب حقيقة ذلك بل اسم الكفر
فحسب بالمعنى الذي سبق قريبا بيان وجهه ومنها أن المراد بين الرجل وبين
مشابهة أهل الشرك ترك الصلاة وذاك أن ترك الصلاة شأن أهل الكفر وهو من أخص
معاصيهم التي وقع بها التمايز بينهم وبين المسلمين وعلى هذا تقرب رواية من
رواه بحرف الواو والله أعلم
وروى مسلم حديث أبي هريرة سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي
الأعمال أفضل قال إيمان الله قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم
ماذا قال حج مبرور وفي رواية قال إيمان بالله ورسوله
ثم حديث أبي ذر قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال الإيمان بالله
والجهاد في سبيله الحديث
ثم حديث عبد الله بن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم
أي العمل أفضل قال الصلاة لوقتها قال قلت ثم أي قال بر الوالدين قال ثم
قال الجهاد في سبيل الله الحديث وفي رواية قال قلت يا نبي الله أي الأعمال
أقرب إلى الجنة قال الصلاة على مواقيتها قلت وماذا يا نبي الله قال بر
الوالدين قلت وماذا يا نبي الله قال الجهاد في سبيل الله
وفي رواية أخرى عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أفضل
الأعمال أو العمل الصلاة لوقتها وبر الوالدين
القول في المشكل من متون هذه الأحاديث قوله إيمان بالله فيه جعل للإيمان
من جملة الأعمال والمراد به والله أعلم
التصديق الذي هو من عمل القلب أو النطق بالشهادتين الذي هو من عمل اللسان
وليس المراد به مطلق عمل الجوارح الصالحة وإن درجت تحت اسم الإيمان لما
سبق من الأحاديث ولغيرها بدلالة قوله في الرواية الثانية إيمان بالله
ورسوله فإن الإيمان معدى بحرف الياء لا سيما مع ذكر الرسول ظاهر في
التصديق أو القول المعبر عنه وبدلالة أنه جعله قسيما للجهاد والحج مع
كونهما من أخص تلك الأعمال ثم إن من المعضلات أنه في حديث أبي هريرة جعل
الأفضل الإيمان ثم
الجهاد ثم الحج
وفي حديث ابن مسعود جعل الأفضل الصلاة ثم بر الوالدين ثم الجهاد وما سبق
من حديث أبي موسى الأشعري أي الإسلام أفضل قال من سلم المسلمون من لسانه
ويده يوجب أن هذه السلامة هي الأفضل وحديث عثمان رضي الله عنه وعنهم خيركم
من تعلم القرآن وعلمه يوجب أن هذا هو الأفضل في أشباه لهذا غير قليلة وقد
لبثت دهرا لا يتضح لي فيه ما ارتضيه حتى وجدت صاحب المنهاج أبا عبد الله
الحليمي وكان علامة وإماما لا يشق غباره قد حكى في ذلك عن شيخه الإمام
العلامة أبي بكر القفال الشاشي وذكر أنه كان أعلم من لقيه من علماء عصره
كلاما شافيا وقد اختصرته لاستشهاده فيه ببعض ما لا يسلم له ولخصته فتلخص
منه وجهان أحدهما أن ذلك اختلاف جرى على حسب اختلاف الأحوال إذ قد يقال
خير الأشياء كذا ولا يراد تفضيله في نفسه على جميع الأشياء بل يراد أنه
خيرها في حال دون حال ولواحد دون آخر فقد يتضرر إنسان بكلام في غير موضعه
فنقول ما شيء أفضل من السكوت ثم قد يتضرر بالسكوت في غير موضعه فنقول لا
شيء أفضل من التكلم بحق ومما تبدلت فيه الأفضلية بتبدل الحال الصوم يوم
عرفة فهو أفضل لغير الحاج والفطر فيه أفضل للحاج واستشهد في ذلك بأخبار
منها عن ابن عباس رضي الله عنهما أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم قال حجة لمن لم يحج أفضل من
أربعين غزوة وغزوة لمن حج أفضل من أربعين حجة
الوجه الثاني أنه يجوز أن يقال أفضل الأعمال كذا والمراد من أفضل الأعمال
كذا وخيركم من فعل كذا والمراد من خيركم كما يقال فلان أعقل الناس وأفضلهم
ويراد أنه من أعقلهم وأفضلهم ومن ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و
سلم أنه قال خيركم خيركم لأهله ومن المعلوم أنه لا يصير خير الناس مطلقا
ومن ذلك قولهم أزهد الناس في العالم جيرانه مع أنه قد يوجد في غيرهم من هو
أزهد منهم فيه
قلت وعلى هذا نقول في هذه الخصال المذكورة في هذه الأحاديث أما الإيمان
منها فمعلوم بغير ذلك أنه الأفضل مطلقا فإنه الأصل
وأما الباقيات من الجهاد والصلاة والحج وبر الوالدين وغيرها فنقول كل واحد
منها إنه أفضل الأعمال فحسب وهي متساوية في هذا الوصف ولهذا جاء منها بحرف
الواو في بعض الروايات المذكورة ما جاء في غيرها بحرف ثم ولا يثبت بحرف ثم
في ذلك تفضيل بعضها على بعض بل يكون ما تقتضيه ثم من الترتيب والتأخير
مصروفا إلى الترتيب والتأخير في الذكر كما في قوله تبارك وتعالى فك رقبة
أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من
الذين آمنوا
وليس المراد به تأخير الإيمان عن الإطعام وأنشدوا في ذلك ... قل
لمن ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده ...
وإنما تأخرت سيادة أبيه وسيادة جده في الذكر والله أعلم ولذلك شواهد غير
ما ذكرناه والله أعلم
قوله حج مبرور قيل هو الذي لا يخالطه مأثم وقيل هو المقبول ثم من علامات
القبول أن يزداد بعده خيرا والله أعلم
قوله تعين صانعا أو تصنع لأخرق الأخرق ها هنا هو الذي لا يحسن العمل
والأخرق أيضا الذي لا رفق ولا سياسة له في أمره
والمعنى إذا رأيت من يحاول عملا فإن كان يحسنه فأعنه عليه وإن لم يحسنه
فاعمله له
وقوله هذا تعين صانعا وقع في رواية هشام بن عروة المذكور في روايتنا من
أصل الحافظ أبي القاسم الدمشقي برواية الفراوي وفي الأصل الذي بخط الحافظ
أبي عامر برواية أبي الفتح السمرقندي صانعا بالصاد المهملة وبالنون وهو
الصحيح في نفس الأمر ولكنه ليس رواية هشام بن عروة فإن هشاما إنما رواه
بالضاد المعجمة من الضياع وهكذا جاء مقيدا بالمعجمة من غير هذا الوجه في
كتاب مسلم في رواية هشام وأما الرواية الأخرى عن الزهري فتعين الصانع فهي
بالصاد المهملة والنون وهي محفوظة عن الزهري كذلك وقد روي عنه أنه كان
يقول صحف هشام وكذلك نسب الدارقطني وغيره هشاما إلى التصحيف فيه
وقد ذكر القاضي أبو الفضل عياض أنه بالضاد المعجمة في رواية الزهري لرواة
كتاب مسلم إلا رواية أبي الفتح السمرقندي
وليس الأمر على ما حكاه في روايات أصولنا بكتاب مسلم ومنها أصل الحافظ أبي
حازم العبدوي وأصل مأخوذ عن الجلودي فما قيد فيها في رواية الزهري إلا
بالصاد المهملة على ما هو الصواب والله أعلم
قوله فما تركت أستزيده إلا إرعاء عليه كذا وقع من غير صرف أن وهو جائز
قوله إرعاء عليه بهمزة في أوله مكسورة وبالمد في آخره أي ابقاءا عليه كي
لا أكثر عليه فأحرجه والله أعلم
القول في أسانيدها أبو مراوح الليثي هو بضم الميم وكسر الواو وبحاء مهملة
ونسبه غير واحد من المصنفين الغفاري وقال فيه الحافظ أبو علي الغساني
الغفاري ثم الليثي
قلت وهو في بعض رواياتنا لهذا الحديث بعينه الليثي وفي بعضها الغفاري وقد
أبان أبو علي على أنهما لشخص واحد
قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة وليس يوقف له على اسم واسمه كنيته
والله أعلم
قال إلا أن مسلم بن الحجاج ذكره في الطبقات فقال اسمه سعد وذكره
في الكنى ولم يذكر اسمه والله أعلم
حبيب مولى عروة هو بحاء مهملة مفتوحة والله أعلم
قوله الشيباني عن الوليد بن العيزار فالشيباني هذا هو أبو إسحاق سليمان بن
أبي سليمان واسمه فيروز الشيباني مولاهم الكوفي والله أعلم
أبو يعفور عن الوليد بن العيزار قلت أبو يعفور هذا ينبغي أن يكون أبا
يعفور الأصغر وهو عبد الرحمن بن عبيد نسطاس البكائي الثعلبي بالثاء
المثلثة وإسكان العين
وأبو يعفور الأكبر يروي عن ابن عمر وأنس وكثير لم يرو عنهم أبو
يعفور الأصغر واسمه وقدان ويقال فيه واقد ووقدان اكثر وكأنه لقب
ولهم أبو يعفور آخر ثالث واسمه عبد الكريم بن يعفور الجعفي البصري روى عنه
قتيبة ويحيى بن يحيى وغيرهما وآباء يعفور هؤلاء كلهم ثقات والله أعلم
ابن العيزار بعين مهملة مفتوحة بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة ثم زاي
منقوطة ثم ألف ثم راء مهملة والله أعلم
ذكر مسلم أحاديث في الكبائر أعاذنا الله منها ومن سائر معاصيه آمين
كبائر الذنوب عظائمها وتعرف الكبيرة بأمور منها وجوب الحد وروي عن ابن
عباس رضي الله عنهما أنه قال الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو
لعنة أو عذاب
وروي عنه لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار
ثم لا احصاء لعددها روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل أهي سبع فقال
هي إلى سبعين وفي رواية إلى سبعمائة أقرب ومن أنكر انقسام الذنوب إلى
صغائر وكبائر قائلا إنها بأسرها بالنظر إلى جلال الله تبارك
وتعالى كبائر كلها قلنا له نعم هي كذلك ولكن بعضها أعظم من بعض
وتنقسم باعتبار ذلك إلى ما تكفره الصلوات الخمس وإلى ما لا تكفره هي ونحو
ذلك فسمي بعضها صغائر بالنسبة إلى ما فوقها وبالنظر إلى تيسر محوها
وتكفيرها ولا سبيل إلى إنكار ذلك من حيث المعنى ولا من حيث التسمية لتظاهر
نصوص القرآن والسنة على ذلك ولشيوع ذلك عن السالفين والخالفين والله أعلم
ثم إن في حديث ابن مسعود أن أعظمها الشرك وهذا مستمر ثابت على إطلاقه
وعمومه وفي حديث أنس أن أكبرها قول الزور أو قال شهادة الزور وهذا وإن
احتمل أن يجعل شاملا للشرك فإنه قول وشهادة بأعظم الزور فظاهره أن المراد
به شهادة الزور على خصم وعند حاكم فيحمل على أن المراد من أكبرها قول
الزور على ما مهدنا سبيله في قوله أفضل الأعمال الصلاة
وهذا لأن قتل المؤمن عدوانا أعظم من شهادة الزور والله أعلم
قوله أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك
يطعم بفتح الياء أي يأكل وفيه إشارة إلى الوأد وإلى معنى قوله تعالى ولا
تقتلوا أولادكم خشية إملاق أي فقر
وقوله أن تزاني حليلة جارك أي امرأة جارك تزاني أفحش وأغلظ من تزني وهو مع
امرأة الجار أفحش منه مع امرأة غيره والله أعلم
قوله تعالى يلق أثاما أي جزاء إثمه وقال كثير من المفسرين أثام
واد في جهنم من دم وقيح أعاذنا الله الكريم
عقوق الوالدين إيذاؤهما وقطع رحمهما وأصل العق القطع والشق قول شعبة أكبر
ظني ضبطناه مصححا عليه بالباء الموحدة والله أعلم
قوله السبع الموبقات بالباء الموحدة المكسورة وبضم الميم أي
المهلكات عافانا الله العظيم
أسانيدها عمرو بن شرحبيل وهو أبو ميسرة الهمداني من أفاضل أصحاب ابن مسعود
رضي الله عنهم
وشرحبيل هو بضم الشين المثلثة وبعدها راء مهملة مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة
ثم باء موحدة مكسورة ثم ياء ولام وهو اسم عجمي غير منصرف
سعيد بن إياس الجريري بضم الجيم منسوب إلى جرير بن عباد بضم العين وتخفيف
الباء بطن من بكر بن وائل والله أعلم
أحاديث ذكرها مسلم في ذم الكبر أعاذنا الله منه
أولها حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا
يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل إن الرجل يحب أن يكون
ثوبه حسنا ونعله حسنة قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط
الناس
قوله من كان في قلبه مثقال ذرة كذا رويناه من أصل الحافظ أبي القاسم
العساكري ومن أصل أبي عامر العبدري
وهو في أصل أبي حازم العبدوي والأصل المأخوذ عن الجلودي لا يدخل الجنة
مثقال ذرة من كبر وهو بمعنى الأول أي لا يدخلها صاحب مثقال ذرة من كبر
وقوله وغمط الناس هو بالطاء المهملة في الأصول المذكورة هذه إلا في أصل
العساكري فإنه أصلح فيه غمص بالصاد المهملة ولا يصح هذا الإصلاح ها هنا
بلغنا عن القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله وإيانا إنه لم يروه عن جميع
شيوخه ها هنا وفي كتاب البخاري إلا بالطاء وبالطاء ذكره أبو داود في مصنفه
أيضا وذكر أبو عيسى الترمذي وغيره بالصاد والله أعلم
قوله بطر الحق معناه حجر الحق ترفعا عنه وتجبرا
وغمط الناس احتقارهم والإزراء بهم وغمصهم عيبهم والطعن عليهم فهما بمعنى
واحد أو مقاربان يقال غمطه وغمطه بكسر الميم وفتحها والله أعلم
وأما قضاءه صلى الله عليه و سلم بأنه لا يدخل الجنة فقد بلغنا فيه عن
الإمام أبي سليمان الخطابي وجهان أحدهما أنه أراد كبر الكفر وهو الكبر عن
الإيمان بدليل قوله في آخر الحديث ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من
إيمان يقابل الإيمان بالكبر
والثاني أنه أراد أن كل من يدخل الجنة ينزع ما في قلبه من كبر وغل قلت كلا
الوجهين بعيدان يأباهما سياق الحديث سؤالا وجوابا والظاهر أن المراد به
مطلق التكبر عن الحق وعلى الناس ثم يجوز أن يكون المراد بقوله لا يدخل
الجنة أنه لا يدخلها مع أهلها إذا فتحت أبوابها للمتقين
ويجوز أن يكون المراد أن ذلك جزاء كبره أن جازاه وقد لا يجازيه فيدخلها
كرما منه وفضلا وعفوا وقد مهدنا فيما سبق السبيل في أمثال ذلك
والله أعلم
وقوله إن الله جميل فمعنى جماله تبارك وتعالى أن كل أمره حسن حميد فله
الأسماء الحسنى وصفات الجلال والكمال العليا كلها جمعاء ويجوز أيضا أن
يكون جميل هذا بمعنى مجمل كما جاء سميع بمعنى مسمع ونحو ذلك والله أعلم
وقوله في الرواية الأخرى لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من
إيمان أي لا يدخلها دخول الكافر وهو دخول الخلود ومما حفظناه قديما عن
الإمام سهل الصعلوكي شيخ الشافعين بنيسابور أنه قال المسلم وإن دخل النار
فلا يلقى فيها إلقاء الكافر ولا يلقى منها لقاء الكافر ولا يبقى فيها بقاء
الكافر أو كما قال ولقد سبق لنا كلام في مثله وقوله حبة خردل من إيمان هو
على ما تقرر من زيادة الإيمان ونقصانه وما أكثر دلائله من الكتاب والسنة
وما أكثر القائلين به من العلماء بهما وبالحقائق جعلنا الله منهم
ثم إنه لا تكون تلك الحبة إلا القدر الكافي في الإخراج من حيز الكفر إلى
حيز الإسلام والله أعلم
ما ذكره مسلم بإسناده عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من مات
يشرك بالله شيئا دخل النار قلت أنا ومن مات لا يشرك بالله شيئا
دخل الجنة
هكذا وقع في روايتنا من أصل الحافظ أبي القاسم العساكري مصلحا فيه المرفوع
في الشرك والموقوف من قول ابن مسعود في من لا يشرك وفي الأصل الذي بخط
الحافظ أبي عامر العبدري بالعكس المرفوع في من لا يشرك
وهكذا حكاه الحميدي عن مسلم في جمعه بين الصحيحين وكذا رويناه في مخرج أبي
عوانة الإسفراييني على كتاب مسلم من حديث أبي معاوية ورواه البخاري في
صحيحه على الوجه الأول كما في أصل العساكري والله أعلم
وكلتا القضيتين قد قالهما رسول الله صلى الله عليه و سلم كما رواه مسلم من
حديث جابر لكن لم يكن ابن مسعود قد سمع الأخرى منه صلى الله عليه و سلم
وكأنه أخذها من كتاب الله تعالى
وعلى الجملة فلن نقول ذلك إلا توقيفا
وقوله في حديث جابر الموجبتان أي الخصلة الموجبة للجنة والخصلة الموجبة
للنار والوجوب في ذلك واقع بالإضافة إلى العبد لا بالإضافة إلى الله تعالى
المتعالي عن ذلك
وما في حديث أبي ذر من أن من مات لا يشرك دخل الجنة وإن زنا وإن سرق
مثبت لأصل دخوله الجنة وإن كان بعد دخوله النار وذلك على ما
تقرر من أنه لا مسلم أصلا يخلد في النار
وقوله على رغم أنف أبي ذر فالرغم بفتح الراء وبضمها أيضا
وقوله وإن رغم أنف أبي ذر بفتح الغين وبكسرها وأصله من الرغام بفتح الراء
وهو التراب فمعناه إذا على ذل من أبي ذر من حيث وقوعه مخالفا له
وقيل على كراهة منه وإنما قال له ذلك لاستبعاده ذلك واستعظامه إياه وتصوره
بصورة الكاره المانع وكأن ذلك من أبي ذر لشدة نفرته من معصية الله تعالى
وأهلها والله أعلم
القول فيها من حيث علم الرجال والرواة
قوله فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا هذا القائل هو مالك بن
مرارة الرهاوي فيما ذكره القاضي عياض السبتي وأشار إليه ابن عبد البر وهو
ابن مرارة بضم الميم وراء مهملة مكررة وبهاء التأنيث
والرهاوي نسبة إلى قبيلة وبفتح الراء ذكره عبد الغني وجعله
والرهاوي بالضم نسبة إلى المدينة التي بالجزيرة من المؤتلف
والمختلف وفيه نظر ولم يذكره ابن ماكولا ومن شرط كتابه ذكره لو صح وفي
صحاح اللغة رها بالضم حي من مذحج والنسبة إليه رهاوي والله أعلم
ولقد استقصى الحافظ أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال الأنصاري في
ذلك فجمع فيه أقوالا من كتب شتى فقال هو أبو ريحانة واسمه شمعون ذكره ابن
الأعرابي وقال علي بن المديني في الطبقات اسمه ربيعة بن عامر وكان بفلسطين
ومات ببيت المقدس وقيل هو سواد بن عمرو الأنصاري ذكره ابن السكن
وقيل هو معاذ بن جبل ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب الخمول والتواضع له
وقيل هو مالك بن مرارة الرهاوي ذكره أبو عبيد في غريب الحديث
وقيل هو عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره معمر في جامعه وقيل هو خريم بن
فاتك الأسدي وقع ذكره في حديث الخشني من رواية محمد بن قاسم عنه
والله أعلم قلت المذكور في ذلك في الغريب لأبي عبيد إنما هو ما رواه
بإسناده عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أتاه مالك بن
مرارة الرهاوي فقال يا رسول الله إني قد أوتيت من الجمال ما ترى ما يسرني
أن أحدا يفضلني بشراكين فما فوقهما فهل ذلك من البغي فقال رسول الله صلى
الله عليه و سلم إنما ذلك من سفه الحق وغمط الناس
فبين الحديثين من التفاوت ما يتمكن معه احتمال كون الرجل المذكور في
الحديث الذي أورده مسلم غير مالك هذا ومثل هذا يقع فيما ألف في بيان
الأسماء المبهمة مما ينبني على الحسبان والتوهم والله أعلم
أبان بن تغلب هو تغلب بتاء مثناة من فوق مفتوحة بعدها غين معجمة ساكنة
عن فضيل الفقيمي بفاء مضمومة ثم قاف مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم
ميم
منجاب بن الحارث بميم مكسورة ثم نون ساكنة ثم جيم وفي آخره باء موحدة
أبو أيوب الغيلاني بغين معجمة مفتوحة
المعرور بن سويد هو بعين مهملة وراء مهملة مكررة
أحمد بن خراش بخاء معجمة
أبو الأسود الديلي هو ظالم بن عمرو منهم من يقول فيه الدؤلي بضم الدال
وهمزة بعدها مفتوحة على مثال الجهني وهي نسبة إلى الدؤل بدال مضمومة ثم
همزة مكسورة حي من كنانة لكن بفتح الهمزة في النسب كما قالوا في النسبة
إلى نمر بكسر الميم نمري بفتح الميم
وهذا قد حاكاه السيرافي عن أهل البصرة
ووجدت عن أبي علي القالي منسوب إلى قالي قلا بليدة من بلاد خلاط البغدادي
أنه حكى ذلك في كتاب البارع عن الأصمعي وسيبويه وابن السكيت والأخفش وأبي
حاتم وغيرهم
وأنه حكى عن الأصمعي عن عيسى بن عمر انه كان يقول فيه أبو الأسود
الدئلي بضم الدال وكسر الهمزة على الأصل وحكاه أيضا عن يونس
وغيره عن العرب قال يدعونه في النسب على الأصل وهو شاذ في القياس
قلت إنما شذوذه عن قياس الشذوذ وهو غير شاذ بل قياس باعتبار الأصل
وذكر السيرافي عن أهل الكوفة أنهم يقولون فيه أبو الأسود الديلي بكسر
الدال وياء ساكنة
وما حكاه السيرافي محكي عن الكسائي وأبي عبيد القاسم بن سلام ومحمد بن
حبيب وصاحب كتاب العين كانوا يقولون في هذا الحي من كنانة إنه الديل بكسر
الدال وياء ساكنة ويجعلونه على لفظ الديل الحي من عبد القيس
وأما الدول بضم الدال وواو ساكنة فحي من بني حنيفة والله أعلم
باب روى مسلم رحمه الله وإيانا حديث المقداد بن الأسود أنه قال يا رسول
الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها
ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقتله قال فقلت يا رسول الله إنه قطع
يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن
تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال
فأخبرنا الفقيه المفتي أبو بكر القاسم بن عبد الله بن عمر الصفاري
النيسابوري رحمه الله وإيانا قراءة عليه بها قال أخبرنا أبو الأسعد هبة
الرحمن بن عبد الواحد ابن عبد الكريم بن هوازن القشيري قال أخبرنا أبو
محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري ح وأنبأنا الشيخ الراوية أبو
المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد السمعاني المروزي رحمه الله وإيانا
وعلى روايته المقابلة قال أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل
الفراوي أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد المحمي
قالا أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني قال
أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني الحافظ قال سمعت الربيع بن
سليمان قال سمعت الشافعي يقول معناه ان يصير مباح الدم لا انه يصير مشركا
كما كان مباح الدم قبل الإقرار
هذا في نفسه وإسناده عن الشافعي رضي الله عنه عزيز مليح وهو أحسن ما
وجدناه مقولا في تفسيره والله أعلم
وقوله في الرواية الأخرى فلما أهويت لأقتله يقال أهوى إليه بالسيف أو غيره
أي أماله إليه
ثم إن في الرواية الأولى المقداد بن الأسود
وفي الرواية الأخرى المقداد بن عمرو بن الأسود الكندي كان حليفا لبني زهرة
وكلاهما صحيح ووجه اجتماعهما أنه نسب إلى الأسود وهو الأسود بن عبد يغوث
الزهري لكونه تبناه في الجاهلية فلما أنزل الله تبارك وتعالى ادعوهم
لآبائهم انتسب إلى أبيه وهو عمرو
ثم لا يخفى عند هذا أن قوله إن المقداد بن عمرو ابن الأسود ليس
ابن الأسود فيه صفة لعمرو بل صفة للمقداد وبدلا من قوله ابن عمرو تعريفا
له بما اشتهر به وكانت نسبته إلى الأسود أكثر وأشهر من نسبته إلى عمرو
فلهذا كان الصواب فيه أن ينون عمرو ويكتب فيه ابن الأسود بالألف في ابن
ويجعل في إعرابه تابعا للمقداد لا لعمرو والله أعلم
وأما قوله كان حليفا لبني زهرة فذلك لمحالفته الأسود وهو من بني زهرة وقد
ذكر ابن عبد البر وغيره أن الأسود مع تبنيه له حالفه أيضا
وأما نسبته الكندي ففيها إشكال من حيث أنه فيما ذكره أهل النسب بهراني
صليبة من بهراء من قضاعة
والوجه المصحح لذلك ما ذكره أحمد بن صالح الحافظ المصري من أن أباه حالف
كندة فنسب إليها
قلت فإذن هو بهراني ثم كندي ثم زهري رضي الله عنه
قوله عطاء بن يزيد الليثي ثم الجندعي هو بضم الجيم وبعدها نون ساكنة ثم
دال مهملة مفتوحة ومنهم من يضمها ثم عين مهملة منسوب إلى
جندع بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة والله أعلم
ما وقع في رواية الجلودي في أسانيد هذا الحديث من طريق الوليد بن مسلم عن
الأوزاعي عن الزهري سقط في رواية ابن ماهان وإسقاطه حسن لأنه ليس بمعروف
على الوجه ذكره وفيه اضطراب وخلاف على الوليد وخلاف على الأوزاعي ويروى عن
الأوزاعي عن إبراهيم بن مرة عن الزهري وقد بين الخلاف في ذلك الدارقطني في
كتابه العلل والله أعلم
فرغ من تعليقه في الخامس والعشرين من شهر رمضان المعظم من سنة سبع وثلاثين
وسبعمائة من أصل بخط الشيخ الإمام الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي
رحمه الله
قال الشيخ شرف الدين في آخره آخر ما وجدته بخط تقي الدين ابن رزين على يدي
العبد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن أقش الحراني عفا الله عز و جل عنهما
الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وحسبنا الله ونعم
الوكيل