كتاب : التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث
المؤلف : ابن شرف النووي

بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة الكتاب
الحمد لله الفتاح المنان، ذي الطول والفضل والإحسان، الذي من علينا بالإيمان، وفضل ديننا على سائر الأديان، ومحا بحبيبه وخليله وعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم عبادة الأوثان وخصه بالمعجزة والسنن المستمرة على تعاقب الأزمان، صلى الله عليه وعلى سائر النبيين وآل كل ما اختلف الملوان وما تكررت حكمه وذكره وتعاقب الجديدان.
" أما بعد " فإن علم الحديث من أفضل القرب إلى رب العالمين، وكيف لا يكون وهو بيان طريق خير الخلق وأكرم الأولين والآخرين وهذا كتاب اختصرته من كتاب " الإرشاد " الذي اختصرته من علوم الحديث للشيخ الإمام الحافظ المتقن المحقق أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح رضي الله عنه، أبالغ فيه في الاختصار إن شاء الله تعالى من غير إخلال بالمقصود، وأحرص على إيضاح العبارة، وعلى الله الكريم الاعتماد وإليه التفويض والاستناد.
أقسام الحديث
الحديث: صحيح - وحسن - وضعيف.
الأول:
الصحيح
وفيه مسائل:
الأولى: في حده. وهو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة، وإذا قيل صحيح فهذا معناه لا أنه مقطوع به، وإذا قيل غير صحيح فمعناه لم يصح إسناده، والمختار أنه لا يجزم. في إسناده أنه أصح الأسانيد مطلقاً، وقيل أصلحها الزهري عن سالم عن أبيه، وقيل ابن سيرين عن عبيدة عن علي، وقيل الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، وقيل الزهري عن علي بن الحسن عن أبيه عن علي، وقيل مالك عن نافع عن ابن عمر، فعلى هذا قيل الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم.
الثانية: أول مصنف في الصحيح المجرد، صحيح البخاري، ثم مسلم، وهما أصح الكتب بعد القرآن، والبخاري أصحهما وأكثرهما فوائد، وقيل مسلم أصح، والصواب الأول، واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان، ولم يستوعبا الصحيح ولا التزماه، قيل لم يفتهما منه إلا قليل وأنكر هذا، والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير، أعني الصحيحين، وسنن أبي داود والترمذي، والنسائي، وجملة ما في البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً بالمكررة وبحذف المكرر أربعة آلاف، ومسلم بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف، ثم أن الزيادة في الصحيح تعرف من السنن المعتمدة: كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، والدار قطني، والحاكم، والبيهقي، وغيرها منصوصاً على صحته ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح، واعتنى الحاكم بضبط الزائد عليهما، وهو متساهل، فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحاً ولا تضعيفاً حكمنا بأنه حسن إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه، ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان، والله أعلم.
الثالثة: الكتب المخرجة على الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتهما في الألفاظ فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى، وكذا ما رواه البيهقي، والبغوي، وشبههما قائلين: رواه البخاري أو مسلم وقع في بعضه تفاوت في المعنى، فمرادهم أنهما رويا أصله فلا يجوز أن تنقل منهما حديثاً وتقول هو هكذا فيهما إلا أن تقابله بهما أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه، بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا ألفاظهما، وللكتب المخرجة عليهما فائدتان: علو الإسناد، وزيادة الصحيح؛ فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما.
الرابعة: ما روياه بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته، وأما ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر فما كان منه بصيغة الجزم كقال، وفعل، وأمر، وروى، وذكر فلان كذا، فهو حكم بصحته عن المضاف إليه، وما ليس فيه جزم كيروى، ويذكر، ويحكى، ويقال، وروي، وذكر، وحكي عن فلان كذا، فليس فيه حكم بصحته عن المضاف إليه، وليس هو بواه لإدخاله في الكتاب الموسوم بالصحيح، والله أعلم.
الخامسة: الصحيح أقسام: أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم مسلم، ثم ما على شرطهما، ثم على شرط البخاري، ثم مسلم، ثم صحيح عند غيرهما، وإذا قاولوا صحيح متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفاق الشيخين، وذكر الشيخ تقي الدين أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه، وخالفه المحققون والأكثرون، فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر، والله أعلم.

السادسة: من رأى في هذه الأزمان حديثاً صحيح الإسناد في كتاب. أو جزء لم ينص على صحته حافظ معتمد. قال الشيخ تقي الدين: لا يحكم بصحنه لضعف أهلية أهل هذه الأزمان، والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته، والله أعلم؛ ومن أراد العمل بحديث من كتاب فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة، فإن قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه والله أعلم.

النوع الثاني:
الحسن
قال الخطابي رحمه الله: هو ما عرف مخرجه. واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، ويقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء. قال الشيخ: هو قسمان أحدهما لا يخلو إسناده من مستور لم تتحقق أهليته وليس مغفلاً كثير الخطأ ولا ظهر منه سبب مفسق، ويكون متن الحديث معروفاً برواية مثله أو نحوه من وجه آخر. الثاني أن يكونراويه مشهوراً بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة الصحيح لقصوره في الحفظ والاتقان، وهو مرتفع عن حال من يعد تفرده منكراً ثم الحسن كالصحيح في الاحتجاج به وإن كان دونه في القوة؛ ولهذا أدرجته طائفة في نوع الصحيح، والله أعلم.
وقولهم: حديث حسن الإسناد أو صحيحه، دون قولهم حديث صحيح أو حسن؛ لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد دون المتن لشذوذ أو علة، فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد فالظاهر صحة المتن وحسنه، وأما قول الترمذي وغيره: حديث حسن صحيح، فمعناه روي بإسنادين، أحدهما يقتضي الصحة، والآخر الحسن، وأما تقسيم البغوي أحاديث المصابيح إلى حسان وصحاح مريداً بالصحاح ما في الصحيحين، وبالحسان ما في السنن فليس بصواب؛ لأن في السنن الصحيح، والحسن، والضعيف، والمنكر.
فروع
أحدها: كتاب الترمذي أصل في معرفة الحسن، وهو الذي شهره، وتختلف النسخ منه في قوله: حسن، أو صحيح ونحوه. فينبغي أن تعتني بمقابلة أصلك بأصول معتمدة، وتعتمد ما اتفقت عليه. ومن مظانه سنن أبي داود، فقد جاء عنه أنه يذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما كان فيه وهن شدي بينه، وما لم يذكر فيه شيئاً فهو صالح، فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقاً ولم يصححه غيره من المعتمدين ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود، وأما مسند أحمد بن حنبل، وأبي داود الطيالسي، وغيرهما من المسانيد، فلا تلتحق بالأصول الخمسة وما أشبهها في الاحتجاج بها والركون إلى ما فيها، والله أعلم.
الثاني: إذا كان راوي الحديث متأخراً عن درجة الحافظ الضابط، مشهوراً بالصدق والستر فروي حديثه من غير وجه قوي وارتفع من الحسن إلى الصحيح، والله أعلم.
الثالث: إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ رايه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر وصار حسناً، وكذا إذا كان ضعفه بالإرسال زال بمجيئه من وجه آخر، وأما الضعف لفسق الراوي فلا يؤثر فيه موافقة غيره، والله أعلم.
النوع الثالث:
الضعيف
وهو ما لم يجمع صفة الصحيح أو الحسن، ويتفاوت ضعفه كصحة الصحيح، ومنه ما له لقب خاص: كالموضوع، والشاذ، وغيرهما.
النوع الرابع:
المسند
قال الخطيب البغدادي: هو عند أهل الحديث ما اتصل سنده إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل فيها جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وقال ابن عبد البر: هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، متصلاً كان أو منقطعاً، وقال الحاكم وغيره: لا يستعمل إلا في المرفوع المتصل.
النوع الخامس:
المتصل
ويسمى بالموصول، وهو ما اتصل إسناده مرفوعاً كان أو موقوفاً على من كان.
النوع السادس:
المرفوع
وهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لا يقع مطلقه على غيره متصلاً كان أو منقطعاً، وقيل هو ما أخبر به الصحابي عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قوله.
النوع السابع:
الموقوف
وهو المروي عن الصحابة قولاً لهم أو فعلاً أو نحوه متصلاً كان أو منقطعاً، ويستعمل في غيرهم مقيداً، فيقال: وقفه فلان على الزهري ونحوه، وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر، وعند المحدثين كله يسمى أثراً.
فروع

أحدها: قول الصحابي كنا نقول أو نفعل كذا. إن لم يضفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم فهو موقوف، وإن أضافه فالصحيح أنه مرفوع. وقال الإمام الإسماعيلي: موقوف. والصواب الأول، وكذا قوله: كنا لا نرى بأساً بكذا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو وهو فينا، أو بين أظهرنا أو كانوا يقولون، أو يفعلون، أو لا يرون بأساً بكذا في حياته صلى الله عليه وسلم فكله مرفوع، ومن المرفوع قول المغيرة: كان أصحاب رسول الله يقرعون بابه بالأظافير.
الثاني: قول الصحابي: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو من السنة كذا، أو أمر بلال أن يشفع الأذان، وما أشبهه كله مرفوع على الصحيح الذي قاله الجمهور. وقيل ليس بمرفوع، ولا فرق بين قوله: في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده.
الثالث: إذا قيل في الحديث عند ذكر الصحابي: يرفعه، أو ينميه، أو يبلغ به، أو رواية كحديث الأعرج عن أبي هريرة رواية " تقاتلون قوماً صغار الأعين " فكل هذا وشبهه مرفوع عند أهل العلم وإذا قيل عند التابعي: يرفعه فمرفوع مرسل، وأما قول من قال: تفسير الصحابي مرفوع فذاك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحوه، وغيره موقوف، والله أعلم.

النوع الثامن:
المقطوع
وجمعه والمقاطيع، وهو الموقوف على التابعي قولاً له أو فعلاً واستعمله الشافعي، ثم الطبراني في المنقطع.
النوع التاسع:
المرسل
اتفق علماء الطوائف على أن قول التابعي الكبير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا أو فعله يسمى مرسلاً، فإن انقطع قبل التابعي واحد أو أكثر قال الحاكم وغيره من المحدثين: لا يسمى مرسلاً بل يختص المرسل بالتابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن سقط قبله واحد فهو منقطع، وإن كان أكثر فمعضل ومنقطع، والمشهور في الفقه والأصول أن الكل مرسل.
وبه قطع الخطيب، وهذا اختلاف الاصطلاح والعبارة، وأما قول الزهري وغيره من صغار التابعين: قال النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشهور عند من خصه بالتابعي أنه مرسل كالكبير، وقيل: ليس بمرسل بل منقطع، وأما إذا قيل: فلان عن رجل عن فلان فقال الحاكم: منقطع ليس مرسلاً، وقيل غيره مرسل، والله أعلم.
ثم المرسل حديث ضعيف عند جماهير المحدثين والشافعي وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول، وقال مالك، وأبو حنيفة في طائفة: صحيح، فإن صح مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر مسنداً أو مرسلاً أرسله من أخذ عن غير رجال الأول كان صحيحاً، ويتبين بذلك صحة المرسل وأنهما صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق رجحناهما عليه إذا تعذر الجمع، هذا كله في غير مرسل الصحابي، أما مرسله فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح، وقيل كمرسل غيره إلا أن تتبين الرواية عن صحابي والله أعلم.
النوع العاشر:
المنقطع
الصحيح الذي ذهب إليه الفقهاء والخطيب أبن عبد البر وغيرهما من المحدثين أن المنقطع ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان انقطاعه، وأكثر ما يستعمل في رواية من دون التابعي عن الصحابي، كمالك عن ابن عمر، وقيل: وما اختل فيه لرجل قبل التابعي محذوفاً كان أو مبهماً، وقيل: هو ما روي عن تابعي أو من دونه قولاً له أو فعلاً، وهذا غريب ضعيف.
النوع الحادي عشر:
المُعضل
وهو بفتح الضاد يقولون: أعضله فهو مُعْضَل وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر، ويسمى منقطعاً، ويسمى مرسلاً عند الفقهاء وغيرهم كما تقدم، وقيل: إن قول الراوي: بلغني كقول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " للملوك طعامه وكسوته " يسمى معضلاً عند أصحاب الحديث، وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثاً وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل.
فروع

أحدها: الإسناد المعنعن وهو فلان عن فلان، قيل: أنه مرسل، والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول، أنه متصل بشرط أن لا يكون المعنعن مدلساً وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضاً، وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عن خلاف، منهم من لم يشترط شيئاً من ذلك وهو مذهب مسلم بن الحجاج ادعى الإجماع فيه، ومنهم من شرط اللقاء وحده، وهو قول البخاري، وابن المديني، والمحققين. ومنهم من شرط طول الصحبة ومنهم من شرط معرفته بالرواية عنه، وكثر في هذه الأعصار استعمال عن في الاجازة، فإذا قال أحدهم: قرأت عن فلان عن فلان، فمراده أنه رواه عنه بالإجازة والله أعلم.
الثاني: إذا قال حدثنا الزهري أن ابن المسيب حدثه بكذا، أو قال: قال ابن المسيب: كذا أو فعل كذا، أو كان ابن المسيب يفعل، وشبه ذلك. فقال أحمد بن حنبل وجماعة: لا تلتحق أن وشبهها بعن بل يكون منقطعاً حتى يتبين السماع، وقال الجمهور: أن كعن، ومطلقه محمول على السماع بالشرط المتقدم، والله أعلم.
الثالث: التعليق الذي يذكره الحميدي وغيره في أحاديث من كتاب البخاري وسبقهم باستعماله الدار قطني، صورته أن يحذف من أول الإسناد واحد فأكثر، وكأنه مأخوذ من تعليق الجدار لقطع الاتصال، واستعمله بعضهم في حذف كل الإسناد كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو قال ابن عباس: أو عطاء أو غيره كذا، وهذا التعليق له حكم الصحيح كما تقدم في نوع الصحيح ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم كيروى عن فلان كذا، أو يقال عنه، ويذكر، ويحكى؛ وشبهها بل خصوا به صيغة الجزم. كقال، وفعل، وأمر، ونهى، وذكر، وحكى، ولم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده، والله أعلم.
الرابع: إذا روى بعض الثقاة الضابطين الحديث مرسلاً، وبعضهم متصلاً، أو بعضهم موقوفاً، وبعضهم مرفوعاً، أو وصله هو أو رفعه في وقت وأرسله ووقفه في وقت فالصحيح أن الحكم لمن وصله أو رفعه، سواء كان المخالف له مثله أو أكثر؛ لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة. ومنهم من قال: الحكم لمن أرسله أو وقفه. قال الخطيب: وهو قول أكثر المحدثين، وعند بعضهم الحكم للأكثر، وبعضهم للأحفظ، وعلى هذا لو ارسله أو وقفه الأحفظ لا يقدح الوصل والرفع في عدالة رواية، وقيل يقدح فيه وصله ما أرسل الحفاظ، والله أعلم.

النوع الثاني عشر:
التدليس
وهو قسمان.
الأول: تدليس الإسناد بأن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهماً سماعه قائلاً: قال فلان. أو عن فلان ونحوه وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره ضعيفاً أو صغيراً تحسيناً للحديث.
الثاني: تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف، أما الأول فمكروه جداً ذمه أكثر العلماء، ثم قال فريق منهم: من عرف به صار مجروحاً مردود الرواية وإن بين السماع، والصحيح التفصيل، فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فمرسل وما بينه فيه، كسمعت، وحدثنا، وأخبرنا وشبهها فمقبول محتج به، وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير، كقنادة، والسفيانين وغيرهم، وهذا الحكم جار فيمن دلس مرة، وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين بعن محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى، وأما الثاني فكراهته أخف وسببها توعير طريق معرفته، ويختلف الحال في كراهته بحسب غرضه ككون المغير السمة ضعيفاً، أو صغيراً، أو متأخر الوفاة، أو سمع كثيراً فامتنع من تكراره على صورة، وتسمح الخطيب وغيره بهذا، والله أعلم.
النوع الثالث عشر:
الشاذ

هو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز ما روى الثقة مخالفاً رواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره، قال الخليلي: والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره، فما كان من غير ثقة فمتروك، وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به، وقال الحاكم: هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع، وما ذكراه مشكل بافراد العدل الضابط كحديث " إنما الأعمال بالنيات " والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصحيح، فالصحيح التفصيل فإن كان مفرده مخالفاً أحفظ منه وأضبط كان شاذ مردود، وإن لم يخالف، فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بضبطه كان مفرده صحيحاً، وإن لم يوثق بضبطه ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسناً، وإن بعد كان شاذاً منكراً مردوداً، فالحاصل أن الشاذ المردود: هو الفرد المخالف، والفرد الذي ليس في رواية من الثقة والضبط ما يجبر تفرده، والله أعلم.

النوع الرابع عشر: معرفة المنكر
قال الحافظ البرديحي هو الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه، وكذا أطلقه كثيرون، والصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ، فإنه بمعناه، والله أعلم.
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
هذه أمور يتعرفون بها حال الحديث، فمثال الاعتبار: أن يروي حماد مثلاً حديثاً لا يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينظر هل رواه ثقة غير أيوب عن ابن سيرين، فإن لم يوجد فثقة غير ابن سيرين عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأي ذلك وجد علم أن له أصلاً يرجع إليه، وإلا فلا. والمتابعة أن يرويه عن أيوب غير حماد وهي المتابعة التامة، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم صحابي آخر. فكل هذا يسمى متابعة، وتقصر على الأولى بحسب بعدها منها، وتسمى المتابعة شاهداً، والشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه، وى يسمى هذا متابعة، وإذا قالوا في مثله تفرد به أبو هريرة أو ابن سيرين أو أيوب أو حماد كان مشعراً بانتفاء المتابعات، وإذا انتفت مع الشواهد فحكمه ما سبق في الشاذ، ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج به ولا يصلح لذلك كل ضعيف، والله أعلم.
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات وحكمها
هو فن لطيف تستحسن العناية به، ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبولها مطلقاً، وقيل: لا تقبل مطلقاً، وقيل تقبل إن زادها غير من رواه ناقصاً ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصاً، وقسمه الشيخ أقساماً.
أحدها: زيادة تخالف الثقات كما سبق.
الثاني: ما لا مخالفة فيه كتفرد ثقة بجملة حديث فيقبل، قال الخطيب:باتفاق العلماء.
الثالث: زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته كحديث " جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا " تفرد أبو مالك الأشجعي فقال: " وتربتها طهوراً " فهذا يشبه الأول ويشبه الثاني، كذا قال الشيخ والصحيح قبول هذا الأخير، ومثله الشيخ أيضاً بزيادة مالك في حديث الفطرة " من المسلمين " ولا يصح التمثيل به فقد وافق مالكاً عمر بن نافع، والضحاك بن عثمان، والله أعلم.
النوع السابع عشر: معرفة الإفراد
تقدم مقصوده، فالمفرد قسمان.
أحدهما: فرد عن جميع الرواة وتقدم.
الثاني: بالنسبة إلى جهة كقولهم: تفرد به أهل مكة والشام، أو فلان عن فلان أو أهل البصرة عن أهل الكوفة وشبهه، ولا يقتضي هذا ضعفه إلا أن يراد بتفرد المدنيين إنفراد واحد منهم فيكون كالقسم الأول، والله أعلم.
النوع الثامن عشر:
المعلل

ويسمونه المعلول وهو لحن، وهذا النوع من أجلها، يتمكن منه أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب، والعلة عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السلامة منه، ويتطرق إلى الإسناد الجامع شروط الصحة ظاهراً وتدرك بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنبه العارف على وهم بإرسال أو وقف أو دخول حديث في حديث أو غير ذلك بحيث يغلب على ظنه فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيتوقف، والطريق إلى معرفته جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته، وضبطهم، وإتقانهم، وكثرة التعليل بالإرسال بأن يون راويه أقوى ممن وصل وتقع العلة في الإسناد وهو الأكثر، وقد تقع في المتن، وما وقع في الإسناد قد يقدح فيه وفي المتن كالإرسال والوقف، وقد يقدح في الإسناد خاصة ويكون المتن معروفاً صحيحاً كحديث يعلى بن عبيد الثوري عن عمرو بن دينار حديث " البيعان بالخيار " وغلط يعلى إنما هو عبد الله بن دينار، وقد تطلق العلة على غير مقتضاها الذي قدمناه، ككذب الراوي، وغفلته، وسوء حفظه، ونحوها من أسباب ضعف الحديث، وسمي الترمذي النسخ علة، وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح كإرسال ما وصله الثقة الضابط حتى قال: من الصحيح صحيح معلل كما قيل: منه صحيح شاذ، والله أعلم.

النوع التاسع عشر:
المضطرب
هو الذي يروى على أوجه مختلفة متقاربة، فإن رجحت إحدى الروايتين بحفظ راويها أو كثرة صحبته المروي عنه، أو غير ذلك: فالحكم للراجحة، ولا يكون مضطرباً، والاضطراب يوجب ضعف الحديث لإشعاره بعدم الضبط، ويقع في الإسناد تارة وفي المتن أخرى وفيهما من راو أو جماعة: والله أعلم.
النوع العشرون:
المدرج
هو أقسام.
أحدها:مدرج في حديث النبي صلى الله عليه وسلم بأن يذكر الراوي عقيبه كلاماً لنفسه أو لغيره فيرويه من بعده متصلاً فيتوهم أنه من الحديث.
الثاني: أن يكون عنده متنان بإسنادين فيرويهما بأحدهما.
الثالث: أن يسمع حديثاً من جماعة مختلفين في إسناده أو متنه فيرويه عنهم باتفاق، وكله حرام، وصنف فيه الخطيب كتاباً شفى وكفى والله أعلم.
النوع الحادي والعشرون:
الموضوع
هو المختلق المصنوع وشر الضعيف، ويحرم روايته مع العلم به في أي معنى كان إلا مبيناً، ويعرف الوضع بإقرار واضعه أو معنى إقراره، أو قرينة في الراوي أو المروي، فقد وضعت أحاديث يشهد بوضعها ركاكة لفظها ومعانيها، وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلدين، أعني أبا الفرج بن الجوزي، فذكر كثيراً مما لا دليل على وضعه، بل هو ضعيف والواضعون أقسام أعظمهم ضرراً قوم ينسبون إلى الزهد وضعوه حسبة في زعمهم، فقلبت موضوعاتهم ثقة بهم، وجوزت الكرامية الوضع في الترغيب والترهيب، وهو خلاف إجماع المسلمين الذين يعتد بهم، ووضعت الزنادقة جملاً فبين جهابذة الحديث أمرها ولله الحمد، وربما أسند الواضع كلاماً لنفسه أو لبعض الحكماء، وربما وقع في شبه الوضع بغير قصد، ومن الموضوع الحديث المروي عن أبي بن كعب في فضل القرآن سورة سورة، وقد أخطأ من ذكره من المفسرين، والله أعلم.
النوع الثاني والعشرون:
المقلوب
هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليرغب فيه، وقلب أهل بغداد على البخاري مائة حديث امتحاناً فردها على وجهها فأذعنوا بفضله، والله أعلم.
فرع
إذا رأيت حديثاً بإسناد ضعيف فلك أن تقول: هو ضعيف بهذا الإسناد ولا تقلا ضعيف المتن لمجرد ضعف ذلك الإسناد إلا أن يقول إمام أنه لم يرو من وجه صحيح أو أنه حديث ضعيف مفسراً ضعفه، فإن أطلق ففيه كلام يأتي قريباً، وإذا أردت رواية الضعيف بغير إسناد فلا تقل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وما أشبهه من صيغ الجزم، بل قل: روى كذا أو بلغنا كذا أو ورد أو جاء أو نقل أو ما أشبهه، وكذا ما يشك في صحته، ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف والعمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله تعالى والأحكام كالحلال والحرام وغيرهما وذلك كالقصص، وفضائل الأعمال، والمواعظ وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام، والله أعلم.
النوع الثالث والعشرون:
صفة من تقبل روايته وما يتعلق به
فيه مسائل:

إحداها: أجمع المشاهير من أئمة الحديث والفقه أنه يشترط فيه أن يكون عدلاً ضابطاً بأن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سليماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظاً، حافظاً إن حدث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدث منه، عالماً بما يخيل المعنى إن روى به.
الثانية: تثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم وشاع الثناء عليه بها كفى فيها، كمالك، والسفيانين، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأشباههم وتوسع ابن عبد البر فيه فقال: كل حامل علم معروف العناية به محمول أبداً على العدالة حتى يبين جرحه، وقوله هذا غير مرضي.
الثالثة: يعرف ضبطه بموافقته الثقات المتقنين غالباً ولا تضر مخالفته النادرة فإن كثرت اختل ضبطه ولم يحتج به.
الرابعة: يقبل التعديل من غير ذكر سببه على الصحيح المشهور، ولا يقبل الجرح إلا مبين السبب، وأما كتب الجرح والتعديل التى لا يذكر فيها سبب الجرح ففائدتها التوقف فيمن جرحوه فإن بحثنا عن حاله وانزاحت عنه الريبة، وحصلت الثقة به قبلنا حديثه كجماعة في الصحيحين بهذه المثابة.
الخامسة: الصحيح أن الجرح والتعديل يثبتان بواحد، وقيل لا بد من اثنين، وإذا اجتمع فيه جرح وتعديل فالجرح مقدم، وقيل إن زاد المعدلون قدم التعديل، وإذا قال: حدثني الثقة أو نحوه لم يكتف به على الصحيح، وقيل يكتفي فإن كان القائل عالماً كفى في حق موافقه في المذهب عند بعض المحققين، وإذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلاً عند الأكثرين وهو الصحيح، وقيل هو تعديل وعمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكماً بصحته ولا مخالفته قدح في صحته ولا في راويه، والله أعلم.
السادسة: رواية مجهول العدالة ظاهراً وباطناً لا تقبل عند الجماهير. ورواية المستور وهو عدل الظاهر خفي الباطن يحتج بها بعض من رد الأول وهو قول بعض الشافعيين. قال الشيخ: يشبه أن يكون العمل على هذا في كثير من كتب الحديث في جماعة من الرواة تقادم العهد بهم وتعذرت خبرتهم باطناً، وأما مجهول العين فقد لا يقبله بعض من يقبل مجهول العدالة، ثم من روى عنه عدلان عيناه ارتفعت جهالة عينه، قال الخطيب: المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء، ولا يعرفه حديثه إلا من جهة واحدة، وأقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهورين، ونقل ابن عبد البر عن أهل الحديث نحوه. قال الشيخ رداً على الخطيب: قد روى البخاري عن مرداس الأسلمي، ومسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنهما غير واحد، والخلاف في ذلك متجه كالاكتفاء بتعديل واحد والصواب نقل الخطيب ولا يصح الرد عليه بمرداس وربيعة فإنهما صحابيان مشهوران والصحابة كلهم عدول.

فرع
يقبل تعديل العبد والمرأة العارفين، ومن عرفت عينه وعدالته وجهل اسمه احتج به، وإذا قال أخبرني فلان أو فلان وهما عدلان احتج به، فإن جهل عدالة أحدهما أو قال فلان أو غيره لم يحتج به.
السابعة: من كفر ببدعة لم يحتج به بالاتفاق ومن لم يكفر قيل لا يحتج به مطلقاً، وقيل يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه، وحكي عن الشافعي وقيل يحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته، ولا يحتج به إن كان داعية، وهذا هو الأظهر الأعدل، وقول كثير أو الأكثر وضعف الأول باحتجاج صاحبي الصحيحين وغيرهما بكثير من المبتدعة غير الدعاة.
الثامنة: تقبل رواية التائب من الفسق إلا الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقبل أبداً وإن حسنت طريقه، كذا قال أحمد بن حنبل، والحميدي شيخ البخاري، والصيرفي الشافعي، قال الصيرفي: كل من أسقطنا خبره بكذب لم نعد لقبوله بتوبة ومن ضعفناه لم نقوه بعده بخلاف الشهادة، وقال السمعاني: من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه، قلت وكل ذلك مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا ولا يقوى الفرق بينه وبين الشهادة.
التاسعة: إذا روى حديثاً ثم نفاه المسمع فالمختار أنه إن كان جازماً بنفيه بأن قال ما رويته ونحوه وجب رده ولا يقدح في باقي روايات الراوي عنه. فإن قال: لا أعرفه أو لا أذكره أو نحوه لم يقدح فيه ومن روى حديثاً ثم نسيه جاز العمل به على الصحيح، وهو قول الجمهور من الطوائف خلافاً لبعض الحنفية؛ ولا يخالف هذا كراهة الشافعي وغيره الرواية عن الأحياء، والله أعلم.

العاشرة: من أخذ على التحديث أجراً لا تقبل روايته عند أحمد، وإسحاق، وأبي حاتم، وتقبل عند أبي نعيم الفضل، وعلي بن عبد العزيز، وآخرين. وأفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي بجوازها لمن امتنع عليه الكسب لعياله بسبب التحديث.
الحادية عشرة: لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماعه أو أسماعه، كمن لا يبالي بالنوم في السماع، أو يحدث لا من أصل مصحح، أو عرف بقبول التلقين في الحديث أو كثرة السهو في روايته إذا لم يحدث من أصل، أو كثرت الشواذ والمناكير في حديثه، قال ابن المبارك، وأحمد، والحميدي، وغيرهم: من غلظ في حديث فبين له فأصر على روايته سقطت رواياته. وهذا صحيح إن ظهر أنه أصر عناداً أو نحوه.
الثانية عشرة: أعرض الناس هذه الأزمان عن اعتبار مجموع الشروط المذكورة لكون المقصود صار إبقاء سلسلة الإسناد المختص بالأمة فليعتبر ما يليق بالمقصود، وهو كون الشيخ مسلماً بالغاً، عاقلاً، غير متظاهربفسق، أو سخف في ضبطه، بوجود سماعه مثبتاً بخط غير متهم، وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه وقد قال: نحو ما ذكرناه الحافظ أبو بكر البيهقي.
الثالثة عشرة: في ألفاظ الجرح والتعديل. وقد رتبها ابن أبي حاتم فأحسن. فألفاظ التعديل مراتب: أعلاها ثقة أو متقن أو ثبت أو حجة أو عدل حافظ أو ضابط. الثانية: صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به، قالابن أبي حاتم: هو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية وهو كما قال، لأن هذه العبارة لا تشعر بالضبط فيعتبر حديثه على ما تقدم، وعن يحيى بن معين إذا قلت لا بأس به فهو ثقة، ولا يقاوم قوله عن نفسه. نقل ابن أبي حاتم عن أهل الفن. الثالثة: شيخ فيكتب وينظر. الرابعة: صالح الحديث يكتب للاعتبار، وأما ألفاظ الجرح، فمراتب، فإذا قاولوا لين الحديث كتب حديثه ونظر اعتباراً، وقال الدارقطني: إذا قلت لين لم يكن ساقطاً، ولكن مجروحاً بشيء لا يسقط عن العدالة، وقولهم: ليس بقوي يكتب حديثه، وهو دون لين، وإذا قالوا: ضعيف الحديث فدون ليس بقوي ولا يطرح بل يعتبر به؛ وإذا قالوا: متروك الحديث، أو ذاهبه، أو كذاب، فهو ساقط لا يكتب حديثه، ومن ألفاظهم: فلان روى عن الناس، وسط، مقارب الحديث، مضطربه، لا يحتج به، مجهول، لا شيء، ليس بذاك، ليس بذاك القوي، فيه أو في حديثه ضعف، ما أعلم به بأساً، ويستدل على معانيها بما تقدم، والله أعلم.

النوع الرابع والعشرون
كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه
تقبل رواية المسلم البالغ ما تحمله قبلهما، ومنع الثاني قوم فأخطأوا، قال جماعة من العلماء: يستحب أن يبتدئ بسماع الحديث بعد ثلاثين سنة، وقيل بعد عشرين، وللصواب في هذه الأزمان التبكير به من حين يصح سماعه، وبكتبه وتقييده حين يتأهل له، ويختلف باختلاف الأشخاص، ونقل القاضي عياض رحمه الله: أن أهل الصنعة حددوا أول زمن يصح فيه السماع بخمس سنين، وعلى هذا استقر العمل والصواب اعتبار التمييز، فإن فهم الخطاب ورد الجواب كان مميزاً صحيح السماع، وإلا فلا، وروي نحو هذا عن موسى بن هارون، وأحمد بن حنبل.
بيان أقسام طرق تحمل الحديث
ومجامعها ثمانية أقسام
القسم الأول:
سماع لفظ الشيخ
وهو إملاء وغيره من حفظ ومن كتاب، وهو أرفع الأقسام عند الجماهير. قال القاضي عياض: لا خلاف أنه يجوز في هذا للسامع أن يقول في روايته: حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلاناً وقال لنا: وذكر لنا. قال الخطيب: أرفعهما سمعت ثم حدثنا وحدثني ثم أخبرنا، وهو كثير في الاستعمال، وكان هذا قبل أن يشيع أخبرنا بالقراءة على الشيخ. قال: ثم أنبأنا ونبأنا وهو قليل في الاستعمال. قال الشيخ: حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة، إذ ليس في سمعت دلالة أن الشيخ رواه إياه بخلافهما. وأما قال لنا، أو ذكر لنا، فكحدثنا. غير أنه لائق بسماع المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا، وأوضح العبارات: قال أو ذكر من غير لي، أو لنا، وهو أيضاً محمول على السماع إذا عرف اللقاء على ما تقدم في نوع المعضل، لا سيما إن عرف أنه لا يقول قال إلا فيما سمعه منه، وخص الخطيب حمله على السماع به والمعروف أنه ليس بشرط.
القسم الثاني:
القراءة على الشيخ

ويسميها أكثر المحدثين عرضاً سواء قرأت أو قرأ غيرك وأنت تسمع من كتاب أو حفظ الشيخ أم لا إذا أمسك أصله هو أو ثقة، وهي رواية صحيحة بلا خلاف في جميع ذلك إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد به، واختلفوا في مساواتها للسماع من لفظ الشيخ ورجحانه عليها ورجحانها عليه، فحكى الأول عن مالك وأصحابه وأشياخه ومعظم علماء الحجاز والكوفة والبخاري وغيرهم، والثاني عن جمهور أهل المشرق وهو الصحيح؛ والثالث عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما ورواية عن مالك، والأحوص في الرواية بها: قرأت عن فلان أو قرئ عليه وأنا أسمع فأقر به، ثم عبارات السماع مقيدة: كحدثنا أو أخبرنا قراءة عليه وأنشدنا في الشعر قراءة عليه، ومنع إطلاق حدثنا وأخبرنا ابن المبارك ويحيى بن يحيى وأحمد والنسائي وغيرهم وجوزوها طائفة. قيل: إن مذهب الزهري ومالك وابن عيينة ويحيى القطان والبخاري وجماعات من المحدثين ومعظم الحجازيين والكوفيين، ومنهم من أجاز فيها سمعت، ومنعت طائفة حدثنا وأجازت أخبرنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل الشرق، وقيل أنه مذهب أكثر المحدثين وروى عن ابن جريج والأوزاعي وابن وهب، وروى عن النسائي أيضاً وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث.
الأول: إذا كان أصل الشيخ حال القراءة بيد موثوق به مراع لما يقرأ أهل له فإن حفظ الشيخ ما يقرأ فهو كإمساكه أصله وأولى، وإن لم يحفظه فقيل: لا يصح السماع، والصحيح المختار الذي عليه العمل أنه صحيح، فإن كان بيد القارئ الموثوق بدينه ومعرفته فأولى بالتصحيح، ومتى كان الأصل بيد غير موثوق به لم يصح السماع إن لم يحفظه الشيخ.
الثاني: إذا قرأ على الشيخ قائلاً أخبرك فلان أو نحوه والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر، صح السماع وجازت الرواية به، ولا يشترط نطق الشيخ على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون، وشرط بعض الشافعين والظاهرين نطقه، وقال ابن الصباغ الشافعي: ليس له أن يقول حدثني، وله أن يعمل به وأن يرويه قائلاً: قرئ عليه وهو يسمع.
الثالث: قال الحاكم: الذي اختاره وعهدت إليه أكثر مشايخي وأئمة عصري، أن يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ: حدثني ومع غيره حدثنا وما قرأ عليه أخبرني وما قرئ بحضرته أخبرنا وروى نحوه عن ابن وهب وهو حسن، فإن شك فالأظهر أن يقول: حدثني أو يقول: أخبرني لا حدثنا وأخبرنا، وكل هذا مستحب باتفاق العلماء، ولا يجوز إبدال حدثنا بأخبرنا أو عكسه في الكتب المؤلفة، وما سمعته من لفظ المحدث فهو على الخلاف في الرواية بالمعنى إن كان قائله يجوز إطلاق كليهما وإلا فلا يجوز.
الرابع: إذا نسخ السامع أو المسمع حال القراءة. قال إبراهيم الحربي وابن عدي والأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني الشافعي: لا يصح السماع. وصححه الحافظ موسى بن هارون الجمال وآخرون وقال أبو بكر الضبعي الشافعي: يقول حضرت ولا يقول أخبرنا، والصحيح التفصيل، فإن فهم المقروء صح وإلا لم يصح ويجزي هذا الخلاف فيما إذا تحدث الشيخ أو السامع أو أفرط القارئ في الإسراع أو هَيْنَمَ أو بعد بحيث لا يفهم، والظاهر أنه يعفى عن نحو الكلمتين، ويستحب للشيخ أن يجيز للسامعين رواية ذلك الكتاب وإن كتب لأحدهم كتب سمعه مني وأجزت له روايته، كذا فعله بعضهم، ولو عظم مجلس المملي فبلغ عنه المستملي فذهب جماعة من المتقدمين وغيرهم إلى أنه يجوز لمن سمع المستملي أن يروي ذلك عن المملي، والصواب الذي قاله المحققون: أنه لا يجوز ذلك وقال أحمد في الحرف يدغمه الشيخ فلا يفهم وهو معروف أرجو أن لا يضيق روايته عنه، وقال في الكلمة تستفهم من المستملي: إن كانت مجتمعاً عليها فلا بأس، وعن خلف بن سالم منع ذلك.
الخامس: يصح السماع من وراء حجاب إذا عرف صوته إن حدث بلفظه أو حضوره بمسمع منه إن قرئ عليه، ويكفي في المعرفة خبر ثقة وشرط شعبة روايته وهو خلاف الصواب وقول الجمهور.
السادس: إذا قال المسموع منه بعد السماع: لا تروعني أو رجعت عن اخبارك ونحو ذلك غير مسند ذلك إلى خطأ أو شك ونحوه لم يمتنع روايته، ولو خص بالسماع قوماً فسمع غيرهم بغير علمه جاز لهم الرواية عنه، ولو قال: أخبركم ولا أخبر فلاناً لم يضر، قاله الأستاذ أبو إسحاق.

القسم الثالث:
الإجازة
وهي أضرب:

الضرب الأول: أن يجيز معيناً لمعين كأجزتك البخاري أو ما اشتملت عليه فهرستي وهذا أعلى أضربها المجردة عن المناولة، والصحيح الذي قاله الجمهور من الطوائف واستقر عليه العمل جواز الرواية والعمل بها، وأبطلها جماعات من الطوائف وهو إحدى الروايتين عن الشافعي، وقال بعضهم الظاهرية ومتابعيهم: لا يعمل بها كالمرسل، وهذا باطل.
الضرب الثاني: يجيز معيناً غيره كأجزتك مسموعاتي فالخلاف فيه أقوى وأكثر، والجمهور من الطوائف جوزوا الرواية وأوجبوا العمل بها.
الضرب الثالث: يجيز غير معين بوصف العموم كأجزت المسلمين أو كل أحد أو أهل زماني، وفيه خلاف للمتأخرين، فإن قيد بوصف خاص فأقرب إلى الجواز، ومن المجوزين القاضي أبو الطيب، والخطيب، وأبو عبد الله بن منده، وابن عتاب، والحافظ أبو العلاء، وآخرون. قال الشيخ: ولم نسمع عن أحد يقتدي به الرواية بهذه. قلت: الظاهر من كلام مصححيها جواز الرواية بها، وهذا مقتضي صحتها، وأي فائدة لها غير الرواية بها.
الضرب الرابع: إجازة مجهول أوله كأجزتك كتاب السنن وهو يروي كتباً في السنن، أو أجزت لمحمد ابن خالد الدمشقي، وهناك جماعة مشتركون في هذا الاسم وهي باطلة، فإن أجاز لجماعة مسمين في الاستجازة أو غيرها ولم يعرفهم بأعيانهم ولا أنسابهم ولا عددهم ولا تصفحهم صحت الإجازة كسماعهم منه في مجلسه في هذا الحال، وأما أجزت لمن يشاء فلان أو نحو هذا ففيه جهالة وتعليق فالأظهر بطلانه، وبه قطع القاضي أبو الطيب الشافعي، وصححه ابن الفراء الحنبلي، وابن عمروس المالكي، ولو قال أجزت لمن يشاء الإجازة فهو كأجزت لمن يشاء فلان وأكثر جهالة، فلو قال أجزت لمن يشاء الرواية عني فأولى بالجواز، لأنه تصريح بمقتضى الحال، ولو قال أجزت لفلان كذا إن شاء روايته عني، أو لك إن شئت أو أحببت أو أردت، فالأطهر جوازه.
الضرب الخامس: الإجازة للمعدوم كأجزت لمن يولد لفلان، واختلف المتأخرون في صحتها فإن عطفه على موجود كأجزت لفلان ومن يولد له أو لك ولعقبك ما تناسلوا فأولى بالجواز، وفعل الثاني من المحدثين أبو بكر بن أبي داود، وأجاز الخطيب الأول، وحكاه عن ابن الفراء، وابن عمروس، وأبطلها القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ: الشافعيان، وهو الصحيح الذي لا ينبغي غيره، وأما الإجازة للطفل الذي لا يميز فصحيحه على الصحيح الذي قطع به القاضي أبو الطيب، والخطيب خلافاً لبعضهم.
الضرب السادس: إجازة ما لم يتحمله المجيز بوجه ليرويه المجاز إذا تحمله المجيز. قال القاضي عياض: لم أر من تكلم فيه، ورأيت بعض المتأخرين يصنعونه، ثم حكى عن قاضي قرطبة أبي الوليد منع ذلك، قال عياض: وهو الصحيح، وهذا هو الصواب، فعلى هذا يتعين على من أراد أن يروي عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته أن يبحث حتى يعلم أن هذا ما تحمله شيخه قبل الإجازة، أما قوله أجزت لك ما صح أو يصح عندك من مسموعاتي فصحيح تجوز الرواية بما لما صح عنده سماعه له قبل الإجازة، وفعله الدارقطني وغيره.
الضرب السابع:إجازة المجاز كأجزتك مجازاتي فمنعه بعض من لا يعتد به، والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وبه قطع الحفاظ: الدارقطني، وابن عقدة، وأبو نعيم وأبو الفتح نصر المقدسي، وكان أبو الفتح يروي بالإجازة عن الإجازة، وربما والى بين ثلاث، وينبغي للراوي بها تأملها لئلا يروي ما لم يدخل تحتها، فإن كانت إجازة شيخ شيخه أجزت له ما صح عنده من سماعي فرأى سماع شيخ شيخه فليس له روايته عن شيخه عنه حتى يعرف أنه صح عند شيخه كونه من مسموعات شيخه.

فرع
قال أبو الحسين بن فارس: الإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية والحرث، يقال: استجزته فأجازني إذا أسقاك ماءً لماشيتك أو أرضك كذا طالب العلم علمه فيجيزه، فعلى هذا يجوز أن تقول أجزت فلاناً مسموعاتي، ومن جعل الإجازة إذناً وهو المعروف يقول: أجزت له رواية مسموعاتي، ومتى قال: أجزت له مسموعاتي فعلى الحذف كما في نظائره، قالوا: إنما تستحسن الإجازة إذا علم المجيز ما يجيز، وكان المجاز من أهل العلم، واشترطه بعضهم وحكي عن مالك، وقال ابن عبد البر: الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة في معين لا يشكل إسناده، وينبغي للمجيز كتابة أن يتلفظ بها فإن اقتصر على الكتابة مع قصد الإجازة صحت، والله أعلم.
القسم الرابع:
المناولة

هي ضربان مقرونة بالإجازة، ومجردة، فالمقرونة أعلى أنواع الإجازة مطلقاً، ومن صورها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو مقابلاً. ويقول: هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه أو أجزت لك روايته عني، ثم يبقيه معه تمليكاً أو لينسخه أو نحوه، ومنها أن يدفع إليه الطالب سماعه فيتأمله وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول: هو حديثي أو روايتي فاروه عني أو أجزت لك روايته، وهذا سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضاً، وقد سبق أن القراءة عليه تسمى عرضاً فليسمّ هذا عرض المناولة وذاك عرض القراءة، وهذه المناولة كالسماع في القوة عند الزهري، وربيعة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومجاهد، والشعبي، وعلقمة، وإبراهيم، وأبي العالية، وأبي الزبير، وأبي التوكل، ومالك، وابن وهب، وابن القاسم، وجماعات آخرين، والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة، وهو قول الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، وأبي حنيفة، والشافعي، البويطي، والمزني، وأحمد، وإسحاق، ويحيى بن يحيى. قال الحاكم: وعليه عهدنا أئمتنا وإليه نذهب، والله أعلم. ومن صورها أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه له ثم يمسكه الشيخ، وهذا دون ما سبق، ويجوز روايته إذا وجد الكتاب أو مقابلاً به موثوقاً بموافقته ما تناولته الإجازة كما يعتبر في الإجازة المجردة، ولا يظهر في هذه المناولة كبير مزية على الإجازة في معين، وقال جماعة من أصحاب الفقه والأصول: لا فائدة فيها، وشيوخ الحديث قديماً وحديثاً يرون لها مزية معتبرة، ومنها أن يأتيه الطالب بكتاب ويقول: هذا روايتك فناولنيه وأجزلي روايته فيجيبه إليه من غير نظر فيه وتحقق لروايته فهذا باطل، فإن وثق بخبر الطالب ومعرفته اعتمده وصحت الإجازة كما يعتمده في القراءة، ولو قال: حدث عني بما فيه إن كان حديثي مع براءتي من الغلط كان جائزاً حسناً، والله أعلم.
الضرب الثاني: المجردة بأنه يناوله مقتصراً على: هذا سماعي، فلا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول، وعابوا المحدثين المجوزين.

فرع
جوز الزهري، ومالك، وغيرهما، إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمناولة، وهو مقتضى قول من جعلها سماعاً، وحكي عن أبي نعيم الأصبهاني وغيره جوازه في الإجازة. والصحيح الذي عليه الجمهور وأهل التحري المنع وتخصيصها بعبارة مشعرة بها: كحدثنا وأخبرنا إجازة أو مناولة وإجازة أو إذناً أو في إذنه أو فيما أذن لي أو فيما أطلق لي روايته أو أجازني أولي أو ناولني أو أشبه ذلك وعن الأوزاعي تخصيصها بخبرنا والقراءة بأخبرنا، واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق أنبأنا في الإجازة، واختاره صاحب كتاب الوجازة وكان البيهقي يقول أنبأني إجازة، وقال الحاكم: الذي اختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض على المحدث فأجازه شفاها: أنبأني، وفيما كتب إليه كتب إلي، وقال أبو جعفر بن حمدان: كل قول البخاري قال لي فلان: عرض ومناولة، وعبر قوم عن الإجازة بأخبرنا فلان أن فلاناً حدثه أو أخبره، واختاره الخطابي أو حكاه، وهو ضعيف، واستعمل المتأخرون في الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ حرف عن فيقول من سمع شيخاً بإجازته عن شيخ: قرأت على فلان عن فلان، ثم أن المنع من إطلاق حدثنا لا يزول بإباحة المجيز ذلك والله أعلم.
القسم الخامس:
المكاتبة
وهي أن يكتب مسموعه لغائب أو حاضر بخطه أو بأمره، وهي ضربان: مجردة عن الإجازة، ومقرونة بأجزتك ما كتب لك أو إليك ونحوه من عبارة الإجازة، وهي في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة، وأما المجردة فمنع الرواية بها قوم، منهم القاضي الماوردي الشافعي، وأجازها كثيرون من المتقدمين والمتأخرين، منهم أيوب السختياني، ومنصور، والليث، وغير واحد من الشافعيين، وأصحاب الأصول، وهو الصحيح المشهور بين أهل الحديث، ويوجد في مصنفاتهم: كتب إليّ فلان قال حدثنا فلان، والمراد به هذا وهو المعمول به عندهم معدود في الموصول لإشعاره بمعنى الإجازة، وزاد السمعاني فقال، هي أقوى من الإجازة، ثم يكفي معرفته خط الكاتب، ومنهم من شرط البينة وهو ضعيف؛ ثم الصحيح أنه يقول في الرواية بها: كتب إليّ فلان قال: حدثنا فلان أو أخبرني فلان مكاتبة أو كتابة ونحوه، ولا يجوز إطلاق حدثنا وأخبرنا، وجوزه الليث، ومنصور، وغير واحد من علماء المحدثين وكبارهم.
القسم السادس:
إعلام الشيخ الطالب
أن هذا الحديث أو الكتاب سماعه مقتصراً عليه، فجوز الرواية به كثير من أصحاب الحديث، والفقه، والأصول، والظاهر، منهم ابن جريج، وابن الصباغ الشافعي، وابو العباس الغمري، بالمعجمة المالكي، قال بعض الظاهرية: لو قال هذه روايتي لا تروها كان له روايتها عنه، والصحيح ما قاله غير واحد من المحدثين وغيرهم: إنه لا يجوز الرواية به لكن يجب العمل به إن صح سنده.
القسم السابع:
الوصية
هي أن يوصي عند موته أو سفره بكتاب يرويه فجوز بعض السلف للموصى له روايته عنه، وهو غلط، والصواب أنه لا يجوز.
القسم الثامن:
الوجادة
وهي مصدر لوجد مولّد غير مسموع من العرب، وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها لا يرويها الواجد فله أن يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه حدثنا فلان ويسوق الإسناد والمتن، أو قرأت بخط فلان عن فلان، هذا الذي استمر عليه العمل قديماً وحديثاً، وهو من باب المنقطع، وفيه شوب إتصال، وجازف بعضهم فأطلق فيها حدثنا وأخبرنا، وأنكر عليه، وإذا وجد حديثاً في تأليف شخص، قال ذكر فلان أو قال أخبرنا فلان وهذا منقطع لا شوب فيه، وهذا كله إذا وثق بأنه خطه وكتابه، وإلا فليقل: بلغني عن فلان أو وجدت عنه ونحوه أو قرأت في كتاب: أخبرني فلان إنه بخط فلان، أو ظننت أنه خط فلان، أو ذكر كتابه أنه فلان، أو تصنيف فلان، أو قيل: بخط أو تصنيف فلان، وإذا نقل من تصنيف فلا يقل: قال فلان إلا إذا وثق بصحة النسخة بمقابلته أو ثقة لها، فإن لم يوجد هذا ولا نحوه فليقل: بلغني عن فلان، أو وجدت في نسخة من كتابه ونحوه، وتسامح أكثر الناس في هذه الأعصار بالجزم في ذلك من غير تحر، والصواب ما ذكرناه، فإن كان المطالع متقناً لا يخفى عليه غالباً الساقط والمغير رجونا جوازاً الجزم له، وإلا هذا استروح كثير من المصنفين في نقلهم، وأما العمل بالوجادة فنقل عن معظم المحدثين والفقهاء المالكيين، وغيرهم أنه لا يجوز، وعن الشافعي ونظار أصحابه جوازه وقطع بعض المحققين الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة، وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه هذه الأزمان غيره والله أعلم.
النوع الخامس والعشرون:
كتابة الحديث وضبطه
وفيه مسائل:
إحداها:
اختلف السلف في كتابة الحديث، فكرهها طائفة وأباحها طائفة، ثم أجمعوا على جوازها، وجاء في الإباحة والنهي حديثان، فالأذن لمن خيف نسيانه، والنهي لمن أمن وخيف اتكاله، أو نهى حين خيف اختلاطه بالقرآن وأذن حين أمن، ثم على كاتبه صرف الهمة إلى ضبطه وتحقيقه شكلاً ونقطاً يؤمن اللبس، ثم قيل إنما يشكل المشكل ونقل عن أهل العلم كراهة الاعجام الأعراب إلا في الملتبس، وقيل يشكل الجميع.
الثانية:
ينبغي أن يكون اعتناؤه بضبط الملتبس من الأسماء أكثر، ويستحب ضبط المشكل في نفس الكتابة وكتبه مضبوطاً واضحاً في الحاشية قبالته، ويستحب تحقيق الخط دون مشقة وتعليقه، ويكره تدقيقه إلا من المهملة،قيل تجعل تحت الدال، والراء، والسين، والصاد، والطاء، والعين، النقط التي فوق نظائرها، وقيل فوقها كقلامة الظفر مضطجعة على قفاها، وقيل تحتها حرف صغير مثلها، وفي بعض الكتب القديمة فوقها خط صغير، وفي بعضها تحتها همزة، ولا ينبغي أن يصطلح مع نفسه برمز لا يعرفه الناس، فإن فعل فليبين في أول الكتاب أو آخره مراده، وينبغي أن يعتني بضبط مختلف الروايات وتمييزها، فيجعل كتابه على رواية، ثم ما كان في غيرها من زيادة ألحقها في الحاشية، أو نقص أعلم عليه، أو خلاف كتبه معيناً في كل ذلك من رواه بتمام اسمه لا رامزاً إلا أن يبين أول الكتاب أو آخره، واكتفى كثيرون بالتمييز بحمرة فالزيادة تلحق بحمرة والنقص يحوِّق عليه بحمرة مبيناً اسم صاحبها أول الكتاب أو آخره.
الثالثة:

ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة، نقل ذلك عن جماعات من المتقدمين، واستحب الخطيب أن تكون غفلاً، فإذا قابل نقط وسطها، ويكره في مثل عبد الله، وعبد الرحمن بن فلان كتابة عبد آخر السطر واسم الله مع ابن فلان أول الآخر، وكذا يكره رسول آخره والله صلى الله عليه وسلم أوله، وكذا ما أشبهه، وينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسأم من تكراره، ومن أغفله حرم حظاً عظيماً، ولا يتقيد فيه بما في الأصل إن كان ناقصاً، وهكذا الثناء على الله سبحانه وتعالى: كعز وجل، وسبحانه وتعالى وشبهه، وكذا الترضي والترحم على الصحابة والعلماء وسائر الأخيار، وإذا جاءت الرواية بشيء منه كانت العناية به أكثر وأشد، ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم والرمز إليهما في الكتابة، بل يكتبهما بكمالهما.

الرابعة:
عليه مقابلة كتابه بأصل شيخه وإن كان إجازة، وأفضلهما أن يمسك هو وشيخه كتابيهما حال التسميع، ويستحب أن ينظر معه من لا نسخة معه لا سيما إن أراد النقل من نسخته، وقال يحيى ابن معين: لا يجوز أن يروي من غير أصل الشيخ إلا أن ينظر فيه حال السماع، والصواب الذي قاله الجماهير أنه لا يشترط نظره ولا مقابلته بنفسه بل يكفي مقابلة ثقة أي وقت كان، ويكفي مقابلته بفرع قوبل بأصل الشيخ ومقابلته بأصل أصل الشيخ المقابل به اصل الشيخ، وإن لم يقابل أصىً فقد أجاز الرواية منه الأستاذ أبو إسحاق، وآباء بكر الإسماعيلي، والبرقاني، والخطيب إن كان الناقل صحيح النقل، قليل السقط، ونقل من الأصل، وبين حال الرواية أنه لم يقابل، ويراعي في كتاب شيخه مع من فوقه ما ذكرنا في كتابه، ولا يكن كطائفة إذا رأوا سماعه لكتاب سمعوه من أي نسخة اتفقت، وسيأتي فيه خلاف وكلام آخر في أول النوع الآتي.
الخامسة:
المختار في تخريج الساقط وهو اللحق " بفتح اللام والحاء " أن يخط من موضع سقوطه في السطر خطاً صاعداً معطوفاً بين السطرين عطفه يسيرة إلى جهة الحق، وقيل: تمد العطفة إلى أول اللحق ويكتب واللحق قبالة العطفة في الحاشية اليمنى إن اتسعت إلا أن يسقط في آخر السطر فيخرجه إلى الشمال وليكتبه صاعداً إلى أعلى الورقة، فإن زاد اللحق على سطر ابتدأ سطوره من أعلى إلى أسفل، فإن كان في يمين الورقة انتهت إلى باطنها، وإن كان في الشمال فإلى طرفها، ثم يكتب في انتهاء اللحق صح، وقيل يكتب مع " صح " رجع، وقيل يكتب الكلمة المتصلة به داخل الكتاب وليس بمرضي لأنه تطويل موهم، وأما الحواشي من غير الأصل كشرح، وبيان غلط، أو اختلاف رواية، أو نسخة ونحوه، فقال القاضي عياض رحمه الله: لا يخرج له خط، والمختار استحباب التخريج من وسط الكلمة المخرج لأجلها.
السادسة:
شأن المتقنين التصحيح، والتضبيب، والتمريض. فالتصحيح كتابة صح على كلام صح رواية ومعنى، وهو عرضه للشك أو الخلاف، والتضبيب، ويسمى التمريض أن يمد خط أوله كالصاد، ولا يلزق بالممدود عليه، يمد على ثابت نقلاً فاسد لفظاً أو معنى أو ضعيف أو ناقص، ومن الناقص موضع الإرسال أو الانقطاع، وربما اختصر بعضهم علامة التصحيح فاشتبهت الضبة، ويوجد في بعض الأصول القديمة في الإسناد الجامع جماعة معطوفاً بعضهم على بعض علامة تشبه الضبة بين أسمائهم وليست ضبة وكأنها علامة اتصال.
السابعة
إذا وقع في الكتاب ما ليس منه نفي بالضرب، أو الحك، أو المحو، أو غيره، وأولاها الضرب، ثم قال الأكثرون: يخط فوق المضروب عليه خطا بيناً دالا على إبطاله مختلطاً به،ولا يطمسه بل يكون ممكن القراءة، ويسمى هذا الشق، وقيل: لا يخلط بالمضروب عليه بل يكون فوقه معطوفاً على أوله وآخره، وقيل يحوق على أوله نصف دائرة وكذا آخره، وإذا كثر المضروب عليه فقد يكتفي بالتحويق أوله وآخره، وقد يحوق أول كل سطر وآخره، ومنهم من اكتفى بدائرة صغيرة أول الزيادة وآخرها، وقيل يكتب لا في أوله وإلى في آخره، وأما الضرب على المكرر فقيل يضرب على الثاني، وقيل يبقى أحسنهما صورة وأبينهما، وقال عياض رحمه الله: إن كانا أول سطر ضرب على الثاني، أو آخره فعلى الأول، أو أول سطر وآخر آخَر، فعلى آخر السطر، فإن تكرر المضاف والمضاف إليه أو الموصوف والصفة ونحوه روعي اتصالهما، وأما الحك، والكشط والمحو فكرهها أهل العلم، والله أعلم.
الثامنة:

غلب عليهم الاقتصار على الرمز في حدثنا وأخبرنا وشاع بحيث لا يخفى، فيكتبون من حدثنا: الثاء والنون والألف، وقد تحذف الثاء، ومن أخبرنا: أنا، ولا يحسن زيادة الباء قبل النون وإن فعله البيهقي، وقد يزاد راء بعد الألف ودال أول رمز حدثنا، ووجدت الدال في خط الحاكم وأبي عبد الرحمن السلمي، والبيهقي، والله أعلم. وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الإنتقال من إسناد إلى إسناد ولم يعرف بيانها عمن تقدم، وكتب جماعة من الحفاظ موضعها صح، فيشعر بأنها رمز صح، وقيل هي من التحويل من إسناد إلى إسناد، وقيل لأنها تحول بين الإسنادين فلا نكون من الحديث فلا يلفظ عندها بشيء، وقيل هي رمز إلى قولنا الحديث، وأهل المغرب كلهم يقولون إذا وصلوا إليها: الحديث، والمختار أن يقول حَاوَيَمُرّ، والله أعلم.

التاسعة:
ينبغي أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ ونسبه وكنيته ثم يسوق المسموع، ويكتب فوق البسملة أسماء السامعين، وتاريخ السماع، أو يكتبه في حاشية أول ورقة أو آخر الكتاب، أو حيث لا يخفى منه، وينبغي أن يكون بخط ثقة معروف الخط، ولا بأس عند هذا بأن لا يصح الشيخ عليه، ولا بأس أن يكتب سماعه بخط نفسه إذا كان ثقة كما فعله الثقات، وعلى كاتب التسميع التحري وبيان السامع، والمسمع، والمسموع، بلفظ وجيز غير محتمل ومجانبة التساهل فيمن يثبته، والحذر من إسقاط بعضهم لغرض فاسد، فإن لم يحضر فله أن يعتمد في حضورهم خبر ثقة حضر، ومن ثبت في كتابه سماع غيره فقبيح به كتمانه ومنعه نقل سماعه منه أو نسخ الكتاب، وإذا أعاره فلا يبطئ عليه، فإن منعه فإن كان سماعه مثبتاً برضا صاحبالكتاب لزمه إعارته وإلا فلا يلزمه، كذا قاله أئمة مذاهبهم في أزمانهم، منهم القاضي حفص بن غياث الحنفي، وإسماعيل القاضي المالكي، وأبو عبد الله الزبيري الشافعي، وحكم به القاضيان، وخالف فيه بعضهم، والصواب الأول، وإذا نسخه فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية، ولا ينقل سماع إلى نسخة إلا بعد مقابلة مرضية إلا أن يبين كونها غير مقابلة، والله أعلم.
النوع السادس والعشرون:
صفة رواية الحديث
تقدم جمل منه في النوعين قبله وغيرهما، وقد شدد قوم في الرواية فأفرطوا، وتساهل آخرون ففرطوا، فمن المشددين من قال: لا حجة إلا فيما رواه من حفظه وتذكره، روي عن مالك، وأبي حنيفة، وأبي بكر الصيدلاني الشافعي، ومنهم من جوزها من كتابه إلا إذا خرج من يده، وأما المتساهلون فتقدم بيان جمل عنهم في النوع الرابع والعشرين، ومنهم قوم رووا من نسخ غير مقابلة بأصولهم فجعلهم الحاكم مجروحين، قال: وهذا كثير تعاطاه قوم من أكابر العلماء والصلحاء، وقد تقدم في آخر الرابعة من النوع الماضي أن النسخة التي لم تقابل يجوز الرواية منها بشروط، فيحتمل أن الحاكم يخالف فيه، ويحتمل أنه أراد إذا لم توجد الشروط، والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط، فإذا قام في التحمل والمقابلة بما تقدم جازت الرواية منه وإن غاب إذا كان الغالب سلامته من التغيير لا سيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالباً، واله أعلم.
فرع
الأول: الضرير إذا لم يحفظ ما سمعه فاستعان بثقة في ضبطه وحفظ كتابه واحتاط عند القراءة عليه بحيث يغلب على ظنه سلامته من التغيير صحت روايته، وهو أولى بالمنع من مثله في البصير، قال الخطيب: والبصير الأمي كالضرير.
الثاني: إذا أراد الرواية من نسخة ليس فيها سماع ولا هي مقابلة به لكن سمعت على شيخه أو فيها سماع شيخه أو كتبت عن شيخه وسكنت نفسه إليها لم يجز الرواية منها عند عامة المحدثين، ورخص فيه أيوب السختياني ومحمد بن بكر البرساني، قال الخطيب: والذي يوجبه النظر أنه متى عرف أن هذه الأحاديث هي التي سمعها من الشيخ جاز أن يرويها إذا سكنت نفسه إلى صحتها وسلامتها، والله أعلم. هذا إذا لم يكن له إجازة عامة من شيخه لمروياته، أو لهذا الكتاب فإن كانت جاز له الرواية منها، وله أن يقول حدثنا وأخبرنا، وإن كان في النسخة سماع شيخ شيخه أو مسموعة على شيخ شيخه فيحتاج أن يكون له إجازة عامة من شيخه ولشيخه مثلها من شيخه والله أعلم.

الثالث: إذا وجد في كتابه خلاف حفظه، فإن كان حفظ منه رجع إليه، وإن كان حفظ من فم الشيخ اعتمد حفظه وإن لم يشك وحسن يجمعها فيقول: حفظي كذا وفي كتابي كذا وإن خالفه غيره قال: حفظي كذا، وقال فيه غيري أو فلان كذا، وإذا وجد سماعه في كتابه ولا يذكره فعن أبي حنيفة وبعض الشافعية، لا يجوز روايته، ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وأبي يوسف، ومحمد، جوازها، وهو الصحيح، وشرطه أن يكون السماع بخطه أو خط من يثق به، والكتاب مصون يغلب على الظن سلامته من التغيير، وتسكن إليه نفسه، فإن شك لم يجز والله أعلم.
الرابع: إن لم يكن عالماً بالألفاظ ومقاصدها، خبيراً بما يحيل معانيها لم يجز له الرواية بالمعنى بلا خلاف، بل يتعين اللفظ الذي سمعه، فإن كان عالماً بذلك فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه، والأصول، لا تجوز إلا بلفظه، وجوز بعضهم في غير حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجوز فيه، وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف: يجوز بالمعنى في جميعه إذا قطع بأداء المعنى وهذا في غير المصنفات، ولا يجوز تغيير مصنف وإن كان بمعناه والله أعلم وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقيبه: أو كما قال أو نحوه، أو شبهه، أو ما أشبه هذا من الألفاظ. وإذا اشتبه على القارئ لفظة فحسن أن يقول بعد قراءتها على الشك أو كما قال، لتضمنه إجازة وإذناً في صوابها إذا بان، والله أعلم.
الخامس: اختلف في رواية بعض الحديث الواحد دون بعض، فمنعه بعضهم مطلقاً بناء على منع الرواية بالمعنى، ومنعه بعضهم مع تجويزها بالمعنى إذا لم يكن رواه هو أو غيره بتمامه قبل هذا، وجوزه بعضهم مطلقاً، والصحيح التفصيل وجوازه من العارف إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة بتركه، وسواء جوزناها بالمعنى أم لا، رواه قبل تاماً أم لا، هذا إن ارتفعت منزلته عن التهمة، فأما من رواه تاماً فخاف إن رواه ثانياً ناقصاً أن يتهم بزيادة أولاً أو نسيان لغفلة وقلة ضبط ثانياً فلا يجوز له النقصان ثانياً ولا ابتداء إن تعين عليه أداؤه، وأما اتقطيع المصنف الحديث في الأبواب فهو إلى الجواز أقرب، قال الشيخ: ولا يخلو من كراهة، وما أظنه يوافق عليه.
السادس: ينبغي أن لا يروي بقراءة لحان أو مصحف وعلى طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف، وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه أهل المعرفة والتحقيق، وإذا وقع في روايته لحن أو تحريف، فقال ابن سيرين، وابن سخبرة: يرويه كما سمعه، والصواب وقول الأكثرين روايته على الصواب، وأما إصلاحه في الكتاب فجوزه بعضهم والصواب تقريره في الأصل على حاله مع التضبيب عليه وبيان الصواب في الحاشية ثم الأولى عند السماع أن يقرأ على الصواب، ثم يقول في روايتنا أو عند شيخنا أو من طريق فلان كذا، وله أن يقرأ ما في الأصل ثم يذكر الصواب، وأحسن الإصلاح بما جاء في رواية أو حديث آخر، والله أعلم. فإن كان الإصلاح بزيادة ساقط فإن لم يغاير معنى الأصل فهو على ما سبق وإن غاير تأكد الحكم بذكر الأصل مقروناً بالبيان، فإن علم أن بعض الرواة أسقطه وحده فله أيضاً أن يلحقه في نفس الكتاب مع كلمة يعني، هذا إذا علم أن شيخه رواه على الخطأ، فأما إن رآه في كتاب نفسه وغلب على ظنه أنه من كتابه لا من شيخه فيتجه إصلاحه في كتابه وروايته كما إذا درس من كتابه بعض الإسناد أو المتن فإنه يجوز استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط، كذا قاله أهل التحقيق، ومنعه بعضهم، وبيانه حال الرواية أولى، وهكذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو حفظه، فإن وجد في كتابه كلمة غير مضبوطة أشكلت عليه جاز أن يسأل عنها العلماء بها ويرويها على ما يخبرونه والله أعلم.

السابع: إذا كان الحديث عنده عن اثنين أو أكثر واتفقا في المعنى دون اللفظ فله جمعها في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما، فيقول: أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان أو وهذا لفظ فلان قال: أو قالا: أخبرنا فلان ونحوه من العبارات ولمسلم في صحيحه عبارة حسنة كقوله: حدثنا أبو بكر وأبو سعيد كلاهما عن أبي خالد قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد عن الأعمش فظاهره أن اللفظ لأبي بكر، فإن لم يخص فقال: أخبرنا فلان وفلان وتقاربا في اللفظ قالا: حدثنا فلان جاز على جواز الرواية بالمعنى، فإن لم يقل تقارباً فلا بأس به على جواز الرواية بالمعنى ، وإن كان قد عيب ب البخاري أو غيره، وإذا سمع من جماعة مصنفاً فقابل نسخته بأصل بعضهم ثم رواه عنهم وقال: اللفظ لفلان فيحتمل جوازه ومنعه.
الثامن: ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه أو صفته إلا أن يميزه فيقول: هو ابن فلان، الفلاني، أو يعني ابن فلان ونحوه. فإن ذكر شيخه نسب شيخه في أول حديث ثم اقتصر في باقي أحاديث الكتاب على اسمه أو بعض نسبه فقد حكى الخطيب عن أكثر العلماء جواز روايته تلك الأحاديث مفصولة عن الأول مستوفياً نسب شيخ شيخه، وعن بعضهم: الأولى أن يقول: يعني ابن فلان، وعن علي بن المديني وغيره يقول: حدثني شيخي أن فلان ابن فلان حدثه، وعن بعضهم أخبرنا فلان هو ابن فلان واستحبه الخطيب وكله جائز وأولاه هو ابن فلان أو يعني ابن فلان ثم قوله إن فلان ابن فلان، ثم أن يذكره بكماله من غير فصل.
التاسع:جرت العادة بحذف قال ونحوه بين رجال الإسناد خطأ، وينبغي للقارئ اللفظ بها، وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرك فلان أو قرئ على فلان حدثنا فلان فلقيل القارئ في الأول قيل له أخبرك فلان وفي الثاني قال حدثنا فلان، وإذا تكرر قال كقوله حدثنا صالح، قال: قال الشعبي فإنهم يحذفون أحدهما خطأ فليلفظ بهما القارئ، ولو ترك القارئ قال في هذا كله فقد أخطأ والظاهر صحة السماع، والله أعلم.
العاشر: النسخ والأجزاء المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام عن أبي هريرة منهم من يجدد الإسناد أول كل حديث وهو أحوط، ومنهم من يكتفي به في أول حديث، أو أول كل مجلس ويدرج الباقي عليه قائلاً في كل حديث وبالإسناد أو وبه، وهو الأغلب. فمن سمع هكذا فأراد رواية غير الأول بإسناد جاز عند الأكثرين، ومنعه أبو إسحاق الإسفراييني وغيره، فعلى هذا طريقه أن يبين كقول مسلم: حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام قال هذا ما حدثنا أبو هريرة، وذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أدنى مقعد أحدكم " وذكر الحديث وكذا فعله كثير من المؤلفين، وأما إعادة بعضهم الإسناد آخر الكتاب فلا يدفع هذا الخلاف إلا أن يفيد احتياطاً وإجازة بالغة من أعلى أنواعها، والله أعلم.
الحادي عشر: إذا قدم المتن كقال النبي صلى الله عليه وسلم وكذا، أو المتن وأخر الإسناد كروى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا ثم يقول: أخبرنا به فلان عن فلان حتى يتصل صح وكان متصلاً، فلو أراد من سمعه هكذا تقديم جميع الإسناد فجوزه بعضهم، وينبغي فيه خلاف كتقديم بعض المتن على بعض بناء على منع الرواية بالمعنى، ولو روي حديثاً بإسنادهم ثم أتبعه إسناداً قال في آخره مثله فأراد السامع رواية المتن بالإسناد الثاني فالأظهر منعه، وهو قول شعبة، وأجازه الثوري، وابن معين إذا كان متحفظاً مميزاً بين الألفاظ، وكان جماعة من العلماء إذا روى أحدهم مثل هذا ذكر الإسناد ثم قال مثل حديث قبله متنه كذا، واختار الخطيب هذا، وأما إذا قال نحوه فأجازه الثوري، ومنعه شعبة، وابن معين، قال الخطيب: فرق ابن معين بين مثله ونحوه يصح على منع الرواية بالمعنى، فأما على جوازها فلا فرق، قال الحاكم: يلزم الحديثيّ من الإتقان أن يفرق بين مثله ونحوه فلا يحل أن يقول مثله إلا إذا اتفقا في اللفظ ويحل نحوه إذا كان بمعناه.

الثاني عشر: إذا ذكر الإسناد وبعض المتن ثم قال: وذكر الحديث فأراد السامع روايته بكماله فهو أولى بالمنع من مثله ونحوه، فمنعه الأستاذ أبو إسحاق، وأجازه الإسماعيلي إذا عرف المحدث والسامع ذلك الحديث، والاحتياط أن يقتصر على المذكور ثم يقول: قال، وذكر الحديث وهو هكذا ويسوقه بكماله، وإذا جوز إطلاقه فالتحقيق أنه بطريق الإجازة القوية فيما لم يذكره الشيخ، ولا يفتقر إلى أفراده بالإجازة.
الثالث عشر: قال الشيخ رحمه الله: الظاهر أنه لا يجوز تغيير قال النبي صلى الله عليه وسلم إلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عكسه وإن جازت الرواية بالمعنى، لاختلافه، والصواب - والله أعلم - جوازه، لأنه لا يختلف به هنا المعنى، وهذا مذهب أحمد بن حنبل، وحماد بن سلمة، والخطيب.
الرابع عشر: إذا كان في سماعه بعض الوهن فعليه بيانه حال الرواية، ومنه إذا حدثه من حفظه في المذاكرة فليقل حدثنا مذاكرة كما فعله الأئمة، ومنع جماعة منهم الحمل عنهم حال المذاكرة، وإذا كان الحديث عن ثقة ومجروح، أو ثقتين فالأولى أن يذكرهما، فإن اقتصر على ثقة فيهما لم يحرم، وإذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من آخر فروى جملته عنهما مبيناً أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر جاز، ثم يصير كل جزء منه كأنه رواه عن أحدهما مبهماً فلا يحتج بشيء منه إن اكن فيهما مجروح، ويحب ذكرهما جميعاً مبيناً أن عن أحدهما بعضه وعن الآخر بعضه، والله أعلم.

النوع السابع والعشرون:
معرفة آداب المحدث
علم الحديث شريف يناسب مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، وهو من علوم الآخرة. من حرمه حرم خيراً عظيماً، ومن رزقه نال فضلاً جزيلاً، فعلى صاحب تصحيح النية، وتطهير قلبه من أغراض الدنيا، واختلف في السنن الذي يتصدى فيه لإسماعه، والصحيح أنه متى احتيج إلى ما عنده جلس له في أي سن كان، وينبغي أن يمسك عن التحديث إذا خشي التخليط بهرم أو خوف أو عمى، ويختلف ذلك باختلاف الناس.
فصل:
الأولى أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو علمه أو غيره، وقيل: يكره أن يحدث في بلد فيه أولى منه، وينبغي له إذا طلب منه ما يعلمه عند أرجح منه أن يرشد إليه فالدين النصيحة، وى يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فإنه يرجى صحتها وليحرص على نشره مبتغياً جزيل أجره.
فصل:
ويستحب له إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر ويتطيب ويسرح لحيته ويجلس متمكناً بوقار، فإن رفع أحد صوته زبره، ويقبل على الحاضرين كلهم، ويفتتح مجلسه ويختتمه بتحميد الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء يليق بالحال، بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئاً من القرآن العظيم، ولا يسرد الحديث سرداً يمنع فهم بعضه، والله أعلم.
فصل
يستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث فإنه أعلى مراتب الرواية، ويتخذ مستميلاً محصلاً متيقظاً يبلغ عنه إذا كثر الجمع على عادة الحفاظ، ويستملي مرتفعاً وإلا قائماً وعليه تبليغ لفظه على وجهه، وفائدة المستملي تفهيم السامع على بعد، وأما من لم يسمع إلا المبلغ فلا يجوز له روايته عن المملي إلا أن يبين الجال، وقد تقدم هذا في " الرابع والعشرين " ويستنصت المستملي الناس بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئاً من القرآن، ثم يبسمل ويحمد الله تعالى ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحرى الأبلغ فيه ثم يقول للمحدث من أو ما ذكرت رحمك الله أو رضي عنك وما أشبهه وكلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم. قال الخطيب: ويرفع به صوته وإذا ذكر صحابياً رضي الله عليه، فإن كان ابن صحابي قال رضي الله عنهما، ويحسن بالمحدث الثناء على شيخه حال الرواية بما هو أهله كما فعله جماعات من السلف، وليعتن بالدعاء له فهو أهم، ولا بأس بذكر من يروى عند بلقب أو وصف أو حرفة أو أم عرف بها، ويستحب أن يجمع في إملائه جماعة من شيوخه مقدماً أرجحهم، ويروي عن كل شيخ حديثاً ويختار ما علا سنده وقصر متنه، والمستفاد منه، وينبه على صحته وما فيه من علو، وفائدة، وضبط مشكل، وليتجنب ما لا تحتمله عقولهم وما لا يفهمونه، ويختم الإملاء بحكايات ونوادر وإنشادات بأسانيدها، وأولاها ما في الزهد، والآداب، ومكارم الأخلاق، وإذا قصر المحدث أو اشتغل عن التخريج للإملاء استعان ببعض الحفاظ، وإذا فرغ الإملاء قابله وأتقنه، والله أعلم.
النوع الثامن والعشرون:
معرفة آداب طالب الحديث
قد تقدم جمل منه مفرقة، ويجب عليه تصحيح النية، والإخلاص لله تعالى في طلبه والحذر من التوصل به إلى أغراض الدنيا، ويسأل الله تعالى التوفيق والتسديد والتيسير، وليستعمل الأخلاق الجميلة والآداب، ثم ليفرغ جهده في تحصيله بالسماع من أرجح شيوخ بلده إسناداً وعلماً وشهرة وديناً وغيره، فإذا فرغ من مهماتهم فليرحل على عادة الحفاظ المبرزين، ولا يحملنه الشره على التساهل في التحمل بشيء من شروطه، وينبغي أن يستعمل ما يسمعه من أحاديث العبادات والآداب، فذلك زكاة الحديث وسبب حفظه.
فصل:
وينبغي أن يعظم شيخه ومن يسمع منه فذلك من إجلال العلم وأسباب الانتفاع، ويعتقد جلالة شيخه ورجحانه ويتحرى رضاه ولا يطول عليه بحيث يضجره وليستشره في أموره وما يشتغل فيه، وكيفية اشتغاله، وينبغي له إذا ظفر بسماع أن يرشد إليه غيره فإن كتمانه لؤم يقع فيه جهلة الطلبة فيخاف على كاتمه عدم الانتفاع فإن من بركة الحديث إفادته وبنشره ينمى، وليحذر كل الحذر من أن يمنعه الحياء والكبر من السعي التام في التحصيل وأخذ العلم ممن دونه في نسب أو سن أو غيره، وليصبر على جفاء شيخه، وليعتن بالمهم، ولا يضيع وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد اسم الكثرة، وليكتب وليسمع ما يقع له من كتاب أو جزء بكماله ولا ينتخب فإن احتاج تولى بنفسه، فإن اقتصر عنه استعان بحافظز
فصل:
ولا ينبغي أن يقتصر على سماعه وكتبه دون معرفته وفهمه فليتعرف صحته وفقهه ومعانيه ولغته وإعرابه وأسماء رجاله محققاً كل ذلك معتنياً بإتقان مشكلها حفظاً وكتابة مقدماً الصحيحين، ثم سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، ثم السنن الكبرى للبيهقي، وليحرص عليه فلم يصنف مثله، ثم ما تمس الحاجة إليه، ثم من المسانيد مسند أحمد بن حنبل وغيره، ثم من العلل كتابه، وكتاب الدارقطني، ومن الأسماء تاريخ البخاري، وابن أبي خيثمة، وكتاب ابن أبي حاتم ومن ضبط الأسماء كتاب ابن ماكولا، وليعتن بكتب غريب الحديث، وشروحه، وليكن الاتقان من شأنه، وليذاكر بمحفوظه، ويباحث أهل المعرفة.
فصل:
وليشتغل بالتخريج والتصنيف إذا تأهل له، وليعتن بالتصنيف في شرحه وبيان مشكله متقناً واضحاً فقلما يمهر في علم الحديث من لم يفعل هذا، وللعلماء في تصنيف الحديث طريقان: أجودهما تصنيفه على الأبواب فيذكر في كل باب ما حضره فيه، والثانية تصنيفه على المسانيد فيجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه صحيحه وضعيفه، وعلى هذا له أن يرتبه على الحروف أو على القبائل فيبدأ ببني هاشم ثم بالأقرب فالأقرب نسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو على السوابق، فبالعشرة، ثم أهل بدر، ثم الحديبية، ثم المهاجرين بينها وبين الفتح، ثم أصاغر الصحابة، ثم النساء بادئاً بأمهات المؤمنين، ومن أحسنه تصنيفه معللاً، بأن يجمع في كل حديث أو باب طرقه واختلاف رواته، ويجمعون أيضاً حديث كل شيخ على انفراده: كمالك وسفيان وغيرهما، والتراجم: كمالك عن نافع عن ابن عمر، والمساواة عن أبيه عن عائشة، والأبواب: كرؤية الله تعالى ورفع اليدين في الصلاة. وليحذر إخراج تصنيفه إلا بعد تهذيبه وتحريره وتكرير النظر فيه، وليحذر من تصنيف ما لم يتأهل له، وينبغي أن يتحرى العبارات الواضحة، والاصطلاحات المستعملة، والله أعلم.
النوع التاسع والعشرون
معرفة الإسناد العالي والنازل
الإسناد خصيصة لهذه الأمة، وسنة بالغة مؤكدة، وطلب العلو فيه سنة،ولهذا استحبت الرحلة، وهو أقسام: أجلُّها: القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح نظيف.
الثاني: القرب من إمام من أئمة الحديث، وإن كثر بعده العدد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: العلو بالنسبة إلى أحد الكتب الخمسة أو غيرها من المعتمدة، وهو ما كثر اعتناء المتأخرين به من الموافقة، والإبدال، والمساواة، والمصافحة: فالموافقة أن يقع لك حديث عن شيخ مسلم من غير جهته بعدد أقل من عددك إذا رويته عن مسلم عنه، والبدل أن يقع هذا العلو عن مثل شيخ مسلم، وقد يسمى هذا موافقة بالنسبة إلى شيخ شيخ مسلم والمساواة في أعصارنا قلة عدد إسنادك إلى الصحابي أو من قاربه بحيث يقع بينك وبين صحابي مثل ما وقع بين مسلم وبينه. والمصافحة أن تقع هذه المساواة لشيخك، فيكون لك مصافحة كأنك صافحت مسلماً فأخذته عنه، فإن كانت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك وإن كانت المساواة لشيخ شيخ شيخك فالمصافحة لشيخ شيخك، وهذا العلو تابع لنزول، فولا نزول مسلم وشبهه لم تعل أنت، والله أعلم.
الرابع: العلو بتقدم وفاة الراوي فما أرويه عن ثلاثة عن البيهقي عن الحاكم أعلى مما أرويه عن ثلاثة عن ابن خلف عن الحاكم لتقدم وفاة البيهقي عن ابن خلف، وأما علوه بتقدم وفاة شيخك فحده الحافظ ابن جوصا بمضي خمسين سنة من وفاة الشيخ، وابن منده بثلاثين.
الخامس:العلوم يتقدم السماع ويدخل كثير منه فيما قبله ويمتاز بأن يسمع شخصان من شيخ وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا والآخر من أربعين، وتساوي العدد إليهما فالأول أعلى، وأما النزول فضد العلو، فهو خمسة أقسام تعرف من ضدها، وهو مفضول مرغوب عنه على الصواب، وقول الجمهور، وفضله بعضهم على العلو، فإن تميز بفائدة فهو مختار، والله أعلم.

النوع الثلاثون:
المشهور من الحديث
هو قسمان، صحيح وغيره ومشهور بين أهل الحديث خاصة وبينهم وبين غيرهم، ومنه المتواتر المعروف في الفقه وأصوله، ولا يذكره المحدثون، وهو قليل لا يكاد يوجد في رواياتهم، وهو ما نقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة عن مثلهم من أوله إلى آخره، وحديث " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " متواتر، لا حديث " إنما الأعمال بالنيات " والله أعلم.
النوع الحادي والثلاثون:
الغريب والعزيز
إذا انفرد عن الزهري وشبهه ممن يجمع حديثه رجل بحديث سمي غريبا، فإن انفرد اثنان أو ثلاثة سمي عزيزاً فإن رواه الجماعة سمي مشهورا، ويدخل في الغريب ما انفرد راو بروايته أو بزيادة في متنه أو إسناده، ولا يدخل فيه أفراد البلدان وينقسم إلى صحيح وغيره وهو الغالب، وإلى غريب متناً وإسناداً كما لو انفرد بمتنه واحد، وغريب إسناداً كحديث روي متنه جماعة من الصحابة انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر، وفيه يقول الترمذي: غريب من هذا الوجه، ولا يوجد غريب متناً ولا إسناداً إلا إذا اشتهر الفرد فرواه عن المنفرد كثيرون صار غريباً مشهوراً، غريباً متناً لا إسناداً بالنسبة إلى أحد طرفيه كحديث " إنما الأعمال بالنيات " والله أعلم.
النوع الثاني والثلاثون:
غريب الحديث
هو ما وقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها، وهو فن مهم، والخوض فيه صعب، فليتحر خائضه، وكان السلف يتثبتون فيه أشد تثبت، وقد أكثر العلماء التصنيف فيه، قيل أول من صنفه النضر بن شميل، وقيل أبو عبيدة معمر، وبعدهما أبو عبيدة فاستقصى وأجاد، ثم ابن قتيبة ما فات أبا عبيد، ثم الخطابي ما فاتهما فهذه أمهاته، ثم بعدها كتب كثيرة فيها زوائد وفوائد كثيرة، ولا يقلد منها إلا ما كان مصنفوها أئمة جلة، وأجود تفسير ما جاء مفسراً في رواية والله أعلم.
النوع الثالث والثلاثون:
المسلسل
هو ما تتابع رجال إسناده على صفة أو حالة للرواة تارة وللرواية تارة، وصفات الروات أقوال وأفعال وأنواع كثيرة غيرها كمسلسل التشبيك باليد والعد فيها، وكاتفاق أسماء الرواة أو صفاتهم أو نسبتهم كأحاديث رويناها كل رجال دمشقيون، وكمسلسل الفقهاء، وصفاة الرواية كالمسلسل بسمعت، أو بأخبرنا، أو أخبرنا فلان والله، وأفضله ما دل على الاتصال، ومن فوائده زيادة الضبط، وقلما يسلم عن خلل في التسلسل، وقد ينقطع تسلسله في وسطه كمسلسل أول حديث سمعته على ما هو الصحيح فيه، والله أعلم.
النوع الرابع والثلاثون:
ناسخ الحديث ومنسوخه

هو فن مهم صعب وكان للشافعي رحمة الله فيه يد طولى، وسابقة أولى، وأدخل فيه بعضهم بعض أهل الحديث ما ليس منه لخفاء معناه والمختار أن النسخ رفع الشارع حكما منه متقدماً بحكم منه متأخر، فمنه ما عرف بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم " ككان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار " ومنه ما عرف بالتاريخ، ومنه ماعرف بدلالة الاجماع كحديث قتل شارب الخمر في الرابعة والاجماع لا يَنسَخ ولا يُنسخ لكن يدل على ناسخ والله أعلم.

النوع الخامس والثلاثون:
معرفة المصحف
هو فن جليل إنما يحققه الحذاق، والدار قطني منهم وله فيه تصنيف مفيد ويكون تصحيف لفظ وبصر في الإسناد والمتن فمن الإسناد العوام بن مراجم " بالراء والجيم " ، صحفه ابن معين فقال بالزاي والحاء، ومن الثاني حديث زيد بن ثابت: " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجر في المسجد " أي اتخذ حجرة من حصير أو نحوه يصلي فيها، صحفه ابن لهيعة فقال:احتجم، وحديث " من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال " صحفه الصولي فقال: شيئا بالمعجمة، ويكون تصحيف سمع كحديث عن عاصم الأحوال، رواه بعضهم فقال: واصل الأحدب، ويكون في المعنى كقول محمد بن المثنى: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
النوع السادس والثلاثون:
معرفة مختلف الحديث وحكمه
هذا من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف، وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهراً فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما، وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث، والفقه، والأصوليون الغواصون على المعاني، وصنف فيه الإمام الشافعي، ولم يقصد رحمة الله استيفاء، بل ذكر جملة ينبه بها على طريقه، ثم صنف فيه ابن قتيبة فأتى بأشياء حسنة وأشياء غير حسنة، لكون غيرها أقوى وأولى، وترك معظم المختلف، ومن جمع ما ذكرنا لا يشكل عليه إلا النادر في الأحيان، والمختلف قسمان أحدهما يمكن الجمع بينهما، فيتعين ويجعل العمل بهما، والثاني لا يمكن بوجه، فإن علمنا أحدهما ناسخاً قدمناه، وإلا عملنا بالراجح كالترجيح بصفات الرواة وكثرتهم في خمسين وجهاً، والله أعلم.
النوع السابع والثلاثون:
معرفة المزيد في متصل الأسانيد
مثاله ما روى ابن المبارك قال: حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن يزيد حدثني بسر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس قال: سمعت واثلة يقول: سمعت أبا مرثد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لاتجلسوا على القبور " فذِكر سفيان وأبي إدريس زيادة ووهم، فالوهم في سفيان ممن دون ابن المبارك لأن ثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن يزيد، ومنهم من صرح فيه بالاخبار، وفي أبي إدريس من ابن المبارك، لأن ثقات رووه عن ابن يزيد فلم يذكروا أبا إدريس، ومنهم من صرح بسمعاع بسر بن واثلة، وصنف الخطيب في هذا كتاباً في كثير منه نظر، لأن الخالي عن الزائدان كان بحرف عن فينبغي أن يجعل منقطعاً، وإن صرح فيه بسماع أو إخبار احتمل أن يكون سمعه من رجل عنه ثم سمعه منه إلا أن توجد قرينة تدل على الوهم، ويمكن أن يقال الظاهر ممن له هذا أن يذكر السماعين فإذا لم يذكرهما حمل على الزيادة والله أعلم.
النوع الثامن والثلاثون:
المراسيل الخفي إرسالها
هو فن مهم عظيم الفائدة، يدرك بالاتساع في الرواية وجمع الطرق مع المعرفة التامة، وللخطيب فيه كتاب وهو ما عرف إرساله بعدم اللقاء أو السماع، ومنه ما يحكم بإرساله لمجيئه من وجه آخر بزيادة شخص، وهذا القسم من النوع السابق يتعرض بكل واحد منهما على الآخر، وقد يجاب بنحوه ما تقدم، والله أعلم.
النوع التاسع والثلاثون:
معرفة الصحابة رضي الله عنهم
وهذا علم كبير، عظيم الفائدة، فيه يعرف المتصل من المرسل، وفيه كتب كثيرة من أحسنها وأكثرها فوائد " الاستيعاب " لابن عبد البر لولا ما شأنه بذكر ما شجر بين الصحابة وحكايته عن الأخباريين، وقد جمع الشيخ عز الدين بن الأثير الجزري في الصحابة كتاباً حسناً جمع فيه كتباً كثيرة وضبط وحقق أشياء حسنة وقد اختصرته بحمد الله تعالى.
فروع
أحدها:

اختلف في حد الصحابي، فالمعروف عند المحدثين أنه كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحاب الأصول أو بعضهم أنه من طالت مجالسته على طريق التبع، وعن سعد بن المسيب أنه لايعد صحابياً إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أوسنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين، فإن صح عنه فضعيف، فإن مقتضاه أن لا يعد جرير البجلي وشبهه صحابياً ولا خلاف أنهم صحابة، ثم تعرف صحبته بالتواتر، أو الاستفاضة، أو قول صحابي، أو قول إذا كان عدلاً

الثاني:
الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يتعد به، وأكثرهم حديثاً: أبو هريرة، ثم ابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس، وعائشة، وأكثرهم فتياً تروى: ابن عباس. وعن مسروق قال: انتهى علم الصحابة إلى ستة: عمر، وعلي، وأبي، وزيد، أبي الدرداء، وابن مسعود. ثم انتهى علم الستة إلى علي، وعبد الله، ومن الصحابة العبادلة، وهم ابن عمر، وابن عباس، ابن الزبير، ابن عمر بن العاص، وليس ابن مسعود منهم، وكذا سائر من يسمى عبد الله، وهم نحو مائتين وعشرين. قال أبو زرعة الرازي: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة ممن روي عنه وسمع منه، واختلف في عدد طبقاتهم، وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة، والله أعلم.
الثالث:
أفضلهم على الاطلاق أبو بكر، ثم عمر بإجماع أهل السنة، ثم عثمان، ثم علي، هذا قول جمهور أهل السنة، وحكى الخطابي عن أهل السنة من الكوفة تقديم علي على عثمان، وبه قال أبو بكر بن خزيمة، قال أبو منصور البغدادي: أصحابنا مجموعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم تمام العشرة ثم أهل بدر، ثم أحد، ثم بيعة الرضوان، وممن لهم مزية أهل العقبتين من الأنصار، والسابقون الأولون، وهم من صلى إلى القبلتين في قول ابن المسيب وطائفة، وفي قول الشعبي أهل بيعة الرضوان، وفي قول محمد بن كعب وعطاء أهل بدر.
الرابع:
قيل أولهم إسلاماً أبو بكر، وقيل علي، وقيل زيد، وقيل خديجة وهو الصواب عند جماعة من المحققين، وادعى الثعلبي فيه الإجماع وأن الخلاف فيمن بعدها، والأورع أن يقال من الرجال الأحرار، أبو بكر، ومن الصبيان علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال. وآخرهم موتاً أبو الطفيل سنة مائة وآخرهم قبله أنس.
الخامس:
لا يعرف أب وابنه شهداً بدراً إلا مرثد وأبوه، ولا سبعة أخوة مهاجرون إلا بنو مقرن، وسيأتون في الاخوة، ولا أربعة أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم متوالدون إلا عبد الله بن أسماء، بنت أبي بكر بن قحافة، وإلا أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهم.
النوع الأربعون:
معرفة التابعين رضي الله عنهم

وهو وما قبله أصلان عظيمان، بهما يعرف المرسل، والمتصل، واحدهم تابعي وتابع، قيل: هو من صحب الصحابي، وقيل من لقيه، وهو الأظهر. قال الحاكم: هم خمس عشر طبقة. الأولى من أدرك العشرة. قيس بن أبي حازم، وابن المسيب، وغيرهما. وغلط في ابن المسيب فإنه ولد في خلافة عمر ولم يسمع أكثر العشرة، وقيل: يصح سماعه من غير سعد، وأما قيس فسمعهم وروى عنهم ولم يشاركه في هذا أحد، وقيل: لم يسمع عبد الرحمن، ويليهم الذين ولدوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من أولاد الصحابة، ومن التابعين المخضرمون، واحدهم مخضرم " بفتح الراء " وهو الذي أدرك الجاهلية وزمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وأسلم بعده، وعدهم مسلم عشرين نفساً، وهم أكثر وممن لم يذكره أبو مسلم الخولاني، والأحنف. زمن أكابر التابعين الفقهاء السبعة: ابن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة وخارجة بن زيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وجعل ابن المبارك سالم بن عبد الله بدل أبي سلمة، وجعل أبو الزناد بدلهما أبا بكر بن عبد الرحمن وعن أحمد بن حنبل قال: أفضل التابعين ابن المسيب. قيل فعلقمة والأسود، فقال: هو وهما، وعنه: لا أعلم فيهم مثل أبي عثمان النهدي، وقيس. وعنه: أفضلهم قيس، وأبو عثمان، وعلقمة، ومسروق. وقال أبو عبد الله بن خفيف: أهل المدينة يقولون أفضل التابعين ابن المسيب، وأهل الكوفة: أويس، والبصرة: الحسن وقال ابن أبي داود: سيدتا التابعيات حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وتليهما أم الدرداء، وقد عد قوم طبقة في التابعين ولم يلقوا الصحابة، وطبقة هم صحابة فليتفطن لذلك والله أعلم.

النوع الحادي والأربعون:
رواية الأكابر عن الأصاغر
من فائدته أن لا يتوهم أن المروي عنه أكبر وأفضل لكونه الأغلب. ثم هو أقسام. أحدها: أن يكون الراوي أكبر سناً وأقدم طبقة كالزهري عن مالك، وكالأزهري عن الخطيب، والثاني: أكبر قدراً، كحافظ عالم عن شيخ، كمالك عن عبد الله بن دينار، والثالث أكبر من الوجهين كعبد الغني عن الصوري، وكالبرقاني عن الخطيب ومنه رواية الصحابة عن التابعين كالعبادلة وغيرهم عن كعب الأحبار، ومنه رواية التابعي عن تابعه كالزهري، والأنصاري عن مالك وكعمرو بن شعيب ليس تابعياً، وروى عنه منهم أكثر من عشرين وقيل أكثر من سبعين، والله أعلم.
النوع الثاني والأربعون:
المدبج رواية القرين
القرينان هما المتقاربان في السن والاسناد وربما اكتفى الحاكم بالاسناد، فإن روى كل واحد منهما عن صاحبه كعائشة وأبي هريرة، ومالك، والأوزاعي فهو المدبج، والله أعلم.
النوع الثالث والأربعون:
معرفة الإخوة
هو إحدى معارفهم، أفرده بالتصنيف ابن المديني ثم النسائي، ثم السراج وغيرهم. مثال الأخوة في الصحابة: عمر، وزيد، ابنا الخطاب، وعبد الله وعتبة، ابنا مسعود، ومن التابعين : عمرو، وأرقم، ابنا شرحبيل، وفي الثلاثة علي، وجعفر، وعقيل بنو أبي طالب. وسهل، وعباد، وعثمان، بنو حنيف وفي غير الصحابة، عمرو، وعمر، وشعيب. بنو شعيب وفي الأربعة: سهيل، وعبد الله، ومحمد، وصالح، بنو أبي صالح. وفي الخمسة: سفيان، وآدم، وعمران، ومحمد، بنو عيينة. حدثوا كلهم، وفي الستة: محمد، وأنس، ويحيى، ومعبد، وحفصة وكريمة، بنو سيرين، وذكر بعضهم خالداً بدل كريمة. وروى محمد عن يحيى عن أنس عن أنس بن مالك حديثاً، وهذه لطيفة غريبة ثلاثة أخوة روى بعضهم عن بعض، وفي السبعة: النعمان، ومعقل، وعقيل، وسويد، وسنان، وعبد الرحمن، وسابع لم يسم، بنو مقرن صحابة مهاجرون لم يشاركهم أحد، وقيل: شهدوا الخندق والله أعلم.
النوع الرابع والأربعون:
رواية الآباء عن الأبناء
للخطيب فيه كتاب فيه عن العباس عن ابنه الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بالمزدلفة، وعن وائل بن داود عن ابنه بكر عن الزهري حديثاً، وعن معتمر بن سليمان قال: حدثني أبي قال:حدثتني أنت عني عن أيوب عن الحسن قال: ويح كلمة رحمة، وهذا طريف يجمع أنواعاً بينتها في الكبير والله أعلم.
النوع الخامس والأربعون:
رواية الأبناء عن آبائهم

لأبي نصر الوائلي فيه كتاب وأهمه ما لم يسم فيه الأب أو الجد، وهو نوعان: أحدها عن أبيه فحسب، وهو كثير. والثاني: عن أبيه عن جده كعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه عن جده له. هكذا نسخة كبيرة أكثرها فقيهات جياد، واحتج به هكذا أكثر المحدثين حملا لجده على عبد الله دون محمد التابعي. وبهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده له هكذا نسخة حسنة وطلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب، وقيل كعب بن عمرو، ومن أحسنه رواية الخطيب عن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن زيد بن أكينة التميمي قال: سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يقول: " الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال " والله أعلم.

النوع السادس والأربعون:
من اشترك في الرواية عنه اثنان
تباعد ما بين وفاتيهما.
للخطيب فيه كتاب حسن، ومن فوائده حلاوة علو الاسناد: مثاله محمد بن إسحاق السراج، روي عنه البخاري والخفاف وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، والزهري وزكريا بن رويد عن مالك وبينهما كذلك، والله أعلم.
النوع السابع والأربعون:
من لم يرو عنه إلا واحد
لمسلم فيه كتاب مثاله: وهب بن خنبش وعامر بن شهر، وعروة بن مضرس ومحمد بن صفوان ومحمد بن صيفى صحابيون لم يرو عنهم غير الشعبي، وانفرد قيس بن أبي حازم بالرواية عن أبيه ودكين، والصنابح بن الأعسر، ومرادس من الصحابة، وممن لم يرو عنه من الصحابة إلا ابنه المسيب والد سعيد، ومعاوية والد حكيم، وقرة بن إياس والد معاوية، وأبو ليلى والد عبد الرحمن، قال الحاكم: لم يخرجا في الصحيحين عن أحد من هذا القبيل وغلطوه بإخراجهما حديث المسيب أبي سعيد في وفاة أبي طالب، وبإخراج البخاري حديث الحسن عن عمرو بن تغلب، وقيس عن مرداس، وبإخراج مسلم حديث عبد الله بن الصامت عن رافع بن عمرو، ونظائره في الصحيحين كثيرة، وقد تقدم في " الثالث والعشرين " وفي التابعين أبو العشراء لم يرو عنه غير حماد بن سلمة، وتفرد الزهري عن نيف وعشرين من التابعين، وعمرو بن دينار عن جماعة، وكذا يحيى بن سعد الأنصاري، وأبو إسحاق السبيعي، وهشام بن عروة، ومالك وغيرهم رضي الله عنهم، والله أعلم.
النوع الثامن والأربعون:
معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة
هو فن عويص تمس الحاجة إليه لمعرفة التدليس، وصنف فيه عبد الغني بن سعيد، وغيره. مثاله: محمد بن السائب الكلبي المفسر وهو أبو النضر المروي عنه حديث تميم الداري، وعدي وهو حماد بن السائب راوي " ذكاة كل مسلم دباغه " وهو أبو سعيد الذي يروي عنه عطية التفسير، ومثله سالم الراوي عن أبي هريرة، وأبي سعيد، وعائشة، وهو سالم أبو عبد الله المديني، وسالم مولى مالك بن أوس، وسالم مولى شداد بن الهاد، وسالم مولى النصريين، وسالم مولى المهري، وسالم سبلان، وسالم أبو عبد الله الدوسي، وسالم مولى دوس، وأبو عبد الله مولى شداد، واستعمل الخطيب كثيراً من هذا في شيوخه، والله أعلم.
النوع التاسع والأربعون:
معرفة المفردات
هو فن حسن يوجد في أواخر الأبواب، وأفرد بالتصنيف؛
وهو أقسام.
الأول
في الأسماء

فمن الصحابة: " أجمد " بالجيم بن عجيان كسفيان وقيل: كعليان، " جبيب " بضم الجيم سندر، " شكل " بفتحهما، " صدى " أبو أمامة، " صنابح " ابن الأعسر " كلدة " بفتحهما ابن حنبل " وابصة " ابن معبد " نبيشة الخير " " شمغون " أبو ريحانة بالشين والغين المعجمتين ويقال: بالعين المهملة، " هبيب " مصغر بالموحدة المكررة " ابن مغفل " بإسكان المعجمة " لُبي " باللام كأبي بن لبا كعصا، ومن غير الصحابة: " أوسط بن عمرو " " تدوم " بفتح المثناة من فوق وقيل من تحت وبضم الدال، " جيلان " بكسر الجيم " أبو الجلد " بفتحها " الدجين " بالجيم مصغر، " زر بن حبيش " ، " سعير بن الخمس " " وردان " ، " مستمر بن الريان " " عزوان " بفتح المهملة وإسكان الزاي " نوف البكالي " بكسر الموحدة وتخفيف الكاف وغلب على ألسنتهم الفتح والتشديد،، " ضريب بن نقير بن سمير " مصغرات، ونقير: بالقاف، وقيل بالفاء، وقيل نفيل بالفاء واللام، " همذان " بريد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمعجمة وفتح الميم كالبلدة، وقيل: بالمهملة وإسكان الميم كالقبيلة.

القسم الثاني
الكنى
" أبو العبيدين " بالتثنية والتصغير اسمه معاوية بن سبرة، " أبو العشراء " أسامة، وقيل غير ذلك، " أبو المدلة " بكسر المهملة وفتح اللام المشددة، لم يعرف اسمه، وانفرد أبو نعيم بتسميته عبيد الله بن عبد الله، " أبو مراية " بالمثناة من تحت وضم الميم وتخفيف الراء، اسمه عبد الله بن عمرو، " أبو معيد " مصغر حفص بن غيلان.
القسم الثالث
الألقاب
" سفينة " مولى النبي صلى الله عليه وسلم، مهران، وقيل غيره، " مندل " بكسر الميم عن الخطيب وغيره، ويقولون بفتحها، اسمه عمرو، " سحنون " بضم السين وفتحها عبد السلام، " مطين ومشكدانه " وآخرون والله أعلم.
النوع الخمسون:
في الأسماء والكنى
صنف فيه ابن المديني، ثم مسلم ثم النسائي، ثم الحاكم أبو أحمد، ثم ابن منده، وغيرهم. والمراد منه بيان أسماء ذوي الكنى، ومصنفه بيوب على حروف الكنى، وهو أقسام.
الأول: من سمي بالكنية لا اسم له غيرها
وهم ضربان، منله كنية كأبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، ومثله أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم كنيته أبو محمد، قال الخطيب: لا نظير لهما. وقيل: لا كنية لابن حزم. الثاني: من لا كنية له كأبي بلال عن شريك، وكأبي حصين. بفتح الحاء، عن أبي حاتم الرازي.
القسم الثاني: من عرف بكنيته ولم يعرف أله اسم أم لا
كأبي أناس، بالنون، صحابي، وأبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي شيبة الخدري، وأبي الأبيض عن أنس، وأبي بكر بن نافع مولى ابن عمر، وأبي النجيب بالنون المفتوحة، وقيل بالتاء المضمومة، وأبي حريز بالحاء والزاي، الموقفي، والموقف محلة بمصر.
القسم الثالث: من لقب بكنية وله غيرها اسم وكنية
كأبي تراب علي بن أبي طالب أبي الحسن، وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان أبي عبد الرحمن، وأبي الرجال محمد بن عبد الرحمن أبي عبد الرحمن، وأبي تميلة يحيى بن واضح أبي محمد، وأبي الآذان الحافظ عمر بن إبراهيم أبي بكر وأبي الشيخ الحافظ عبد الله بن محمد أبي محمد، وأبي حازم العبدوي عمر بن أحمد أبي حفص.
القسم الرابع: من له كنيتان أو أكثر
كابن جريح أبي الوليد وأبي خالد، ومنصور الفراوي أبي بكر وأبي الفتح، وأبي القاسم.
القسم الخامس: من اختلف في كنيته
كأسامة بن زيد أبي زيد، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله وقيل أبو خارجة، وخلائق لايحصون، وبعضهم كالذي قبله.
القسم السادس: من عرفت كنيته واختلف في اسمه
كأبي بصرة الغفاري، حميل بضم الحاء المهملة على الأصح، وقيل بجيم مفتوحة، وأبي جحيفة وهب، وقيل وهب الله، وأبي هريرة، عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولاً، وهو أول مكنى بها، وأبي بردة بن أبي موسى، قال الجمهور: عامر. وابن معين: الحارث، وأبي بكر بن عياش المقري فيه نحو أحد عشر، قيل: أصحها شعبة، وقيل: أصحها اسمه كنيته.
القسم السابع: من اختلف فيهما
كسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل عمير، وقيل صالح وقيل مهران أبو عبد الرحمن وقيل أبو البختري.
القسم الثامن: من عرف بالاثنين

كآباء عبد الله أصحاب المذاهب، سفيان الثوري، ومالك، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.

القسم التاسع: من اشتهر بهما مع العلم باسمه
كأبي إدريس الخولاني عائذ الله رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم.
النوع الحادي والخمسون:
معرفة كنى المعروفين بالأسماء
من شأنه أن يبوب على الأسماء، فممن يكنى بأبي محمد من الصحابة طلحة، وعبد الرحمن بن عون، والحسن بن علي، وثابت بن قيس، وكعب بن عجرة، والأشعث بن قيس، وعبد الله بن جعفر، وابن عمرو، وابن بحينة وغيرهم، وبأبي عبد الله: الزبير، والحسين، وسلمان، وحذيفة، وعمرو بن العاص، وغيرهم، وبأبي عبد الرحمن ابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وزيد بن الخطاب، وابن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم وفي بعضهم خلاف، والله أعلم.
النوع الثاني والخمسون:
الألقاب
وهي كثيرة ومن لا يعرفها قد يضنها أسامي، فيجعل من ذكر باسمه في موضع وبقلبه في آخر شخصين، وألف فيه جماعة، وما كرهه الملقب لا يجوز وما لا فيجوز، وهذه نبذة منه. معاوية الضال: ذل في طريق مكة، عبد الله بن محمد الضعيف: كان ضعيفاً في جسمه، محمد بن الفضل أبو النعمان عارم: كان بعيداً من العرامة وهي الفساد، غندر: لقب جماعة كل منهم محمد بن جعفر، أولهم محمد بن جعفر صاحب شعبة، والثاني يروي عن أبي حاتم، والثالث عنه أبو نعيم، والرابع عن أبي خليفة الجمحي وغيره، وآخرون لقبوا به، غنجار: اثنان بخاريان، عيسى بن موسى عن مالك والثوري، والثاني صاحب تاريخها، صاعقة: محمد بن عبد الرحيم: لشدة حفظه، عنه البخاري، شباب: لقب خليفة صاحب التاريخ، زنيج، بالزاي والجيم، أبو غسان: محمد بن عمرو شيخ مسلم، رسته: عبد الرحمن الأصبهاني، سنيد: الحسين بن داود، بندار: محمد بن بشار، قيصر: أبو النضر هاشم بن القاسم، الأخفش: نحويون، أحمد بن عمران: متقدم، وأبو الخطاب المذكور في سيبويه، وسعيد بن مسعدة الذي يروي عنه كتاب سيبويه وعلي بن سليمان صاحب ثعلب والمُبَرِّد، مربع: محمد بن إبراهيم، جزرة: صالح بن محمد، عبيد العجل " بالتنوين " الحسين بن محمد، كليجة: محمد بن صالح، ما غمه: هو علان، وهو علي بن الحسن بن عبد الصمد، ويجمع بينهما فيقال: علان ما غمه، سجادة: المشهور الحسن بن حماد، وسجادة الحسين بن أحمد، عبدان الله: عبد الله بن عثمان، وغيره، مشكدانة، ومطين، والله أعلم.
النوع الثالث والخمسون:
المؤتلف والمختلف
هو فن جليل يقبح جهله بأهل العلم لا سيما أهل الحديث ومن لم يعرفه يكثر خطؤه، وهو ما يتفق في الخط دون اللفظ، وفيه مصنفات أحسنها وأكملها " الاكمال " لابن ماكولا وفيه إعواز، وأتمه ابن نقطة، وهو منتشر لا ضابط في أكثره، وما ضبط قسمان.

القسم الأول: على العموم كسلاّم كله مشدد إلا خمسة: والد عبد الله بن سلام، ومحمد بن سلام شيخ البخاري، الصحيح تخفيفه، وقيل: مشدد، وسلام بن محمد بن ناهض، وسماه الطبراني سلامة وجد محمد بن عبد الوهاب بن سلام المعتزلي الجبائي، قال المبرد: ليس في كلام العرب سلام مخفف إلا والد عبد الله الصحابي، وسلام بن أبي الحقيق، قال: وزاد آخرون سلام بن مشكم خمار في الجاهلية والمعروفة تشديده، عمارة ليس فيهم بكسر العين إلا أبي بن عمارة الصحابي، ومنهم من ضمه، ومن عداه جمهورهم بالضم، وفيهم جماعة بالفتح وتشديد الميم، " كريز " بالفتح في خزاعة وبالضم في عبد شمس وغيرهم " حزام " بالزاي في قريش وبالراء في الأنصار " العيشيون " بالمعجمة بصريون وبالمهملة مع الموحدة كوفيون ومع النون شاميون غالباً " أبو عبيدة " كله بالضم " السفر " بفتح الفاء كنية وبإسكانها في الباقي " عسل " بكسر ثم إسكان إلا عسل بن ذكوان الأخباري فبفتحهما " غنام " كله بالمعجمة والنون إلا والد علي بن عثام فبالمهملة والمثلثة " قمير " كله مضموم إلا امرأة مسروق فبالفتح " مسور " كله مكسور مخفف الواو إلا ابن يزيد الصحابي، وابن عبد الملك اليربوعي فبالضم والتشديد، " الجمال " كله بالجيم في الصفات إلا هرون بن عبد الله الحمال فبالحاء، وجاء في الأسماء أبيض ابن حمال، وحمال بن مالك بالحاء وغيرهما " الهمداني " بالاسكان والمهملة في المتقدمين أكثر، وبالفتح والمعجمة في المتأخرين أكثر، " عيسى بن أبي الحناط " بالمهملة والنون وبالمعجمة مع الموحد ومع المثناة من تحت كلها جائزة، وأولهما أشهر، ومثله " مسلم الخياط " فيه الثلاثة.

القسم الثاني: ما في الصحيحين أو الموطأ " يسار " كله بالمثناة ثم المهملة إلا محمد بن بشار فبالموحدة والمعجمة وفيهما سيار بن سلامة وابن أبي سيار بتقديم السين " بشر " كله بكسر الموحدة وإسكان المعجمة إلا أربعة فبضمها وإهمالها، " عبد الله بن بسر الصحابي " ، وبسر بن سعيد، وابن عبيد الله، وابن محجن وقيل هذا بالمعجمة " بشير " كله بفتح الموحدة وكسر المعجمة إلا اثنين فبالضم ثم الفتح، بشير بن كعب وبشير بن يسار، وثالثاً، بضم المثناة وفتح المهملة " يسير " بن عمرو ويقال: أسير؛ ورابعاً بضم النون وفتح المهملة قطن بن نسير، " يزيد " كله بالزاي إلا ثلاثة بريد بن عبد الله بن أبي بردة المكسورتين، وقيل بفتحها ثم بالنون، وعلي بن هاشم بن البريد بفتح الموحدة وكسر الراء مثناة من تحت " البراء " كله بالتخفيف إلا أبا معشر البراء، وأبا العالية فبالتشديد، " حارثة " كله بالحاء إلا جارية بن قدامة، ويزيد بن جارية، وعمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية، والأسود بن العلاء بن جارية فبالجيم، " جرير " بالجيم والراء إلا حريز بن عثمان وأبا حريز عبد الله بن الحسين الراوي عن عكرمة فبالحاء والزاي آخراً ويقاربه حدير بالحاء والدال والد عمران ووالد زيد وزياد " خراش " كله بالخاء المعجمة إلا والد ربعي فبالمهملة " حصين " كله بالضم والصاد المهملة إلا أبا حصين عثمان بن عاصم فبالفتح وأبا ساسان حصين ابن المنذر فبالضم والضاد المعجمة " حازم " بالمهملة إلا أبا معاوية محمد بن خازم بالمعجمة " حيان " كله بالمثناة إلا حبان بن منقذ والد واسع بن حبان وجد محمد بن يحيى بن حبان، وجد حبان ابن واسع بن حبان، وحبان بن هلال منسوباً وغير منسوب عن شعبة ووهيب، وهمام، وغيرهم فبالموحدة وفتح الحاء، وحبان بن عطية وابن موسى منسوباً وغير منسوب عن عبد الله هو ابن المبارك، وحبان ابن العرقة فبالكسر والموحدة " حبيب " كله بقتح المهملة إلا خبيب بن عدي وخبيب بن عبد الرحمن ابن خبيب غير منسوب عن حفص بن عاصم، وأبا خبيب كنية ابن الزبير فبضم المعجمة " حكيم " كله بفتح الحاء إلا حكيم بن عبد الله ورزيق بن حكيم فبالضم، " رباح " كله بالموحدة إلا زياد بن رياح عن أبي هريرة في أشراط الساعة فبالمثناة عند الأكثرين وقال البخاري بالوجهين، " زبيد " ليس فيهما إلا زبيد بن الحارث بالموحدة ثم بالمثناة ولا في الموطأ إلا زبيد بن الصلت بمثناتين بكسر أوله ويضم " سليم " كله بالضم إلا ابن حبان فبالفتح " سريج " كله بالمعجمة والحاء إلا ابن يونس وابن النعمان وأحمد بن أبي شريح فبالمهملة وبالجيم " سالم " كله بالألف إلا سلم بن زرير، وابن قتيبة، وابن أبي الذيال، وابن عبد الرحمن فبحذفها " سليمان " كله بالياء إلا سليمان الفارسي وابن عامر والأغر، وعبد الرحمن بن سلمان فبحذفها. " سلمة " بفتح اللام إلا عمرو بن سلمة إمام قومه، وبني سلمة من الأنصار فبالكسر، وفي عبد الخالق بن سلمة الوجهان " شيبان " كله بالمعجمة وفيها سنان بن أبي سنان وابن ربيعة وابن سلمة وأحمد بن سنان وأبو سنان ضرار بن مرة وأم سنان بالمهملة والنون " عبيدة " بالضم إلا السلماني، وابن سفيان، وابن حميد، وعامر بن عبيدة فبالفتح " عبيد " كله بالضم " عبادة " بالضم إلا محمد بن عبادة شيخ البخاري فبالفتح " عبدة " بإسكان الموحدة إلا عامر بن عبدة، وبجالة بن عبدة فبالفتح والإسكان " عباد " كله بالفتح والتشديد إلا قيس بن عباد فبالضم والتخفيف " عقيل " بالفتح إلا ابن خالد وهو عن الزهري غير منسوب ويحيى بن عقيل وبني عقيل فبالضم " واقد " كله بالقاف.

الأنساب: " الأيلي " كله بفتح الهمزة وإسكان المثناة " البزاز " بزاءين إلا خلف بن هشام البزاز، والحسن بن الصباح فآخرهما راء " البصري " بالباء مفتوحة ومكسورة نسبة إلى البصرة إلا مالك بن أوس بن الحدثان النصري، وعبد الواحد النصري، وسالماً مولى النصرين فبالنون " الثوري " كله بالمثلثة إلا أبا يعلي محمد بن التوزي فبالمثناة فوق وتشديد الواو المفتوحة وبالزاي " الجريري " كله بضم الجيم وفتح الراء إلا يحيى بن بشر شيخهما فبالحاء المفتوحة " الحارثي " بالحاء والمثلثة وفيها سعد الجاري بالجيم " الحزامي " كله بالزاي، وقوله في مسلم في حديث أبي اليسر: كان لي على فلان الحرامي. قيل بالراء وقيل بالزاي، وقيل الجذامي بالجيم والذال " السلمي " في الأنصار بفتحها ويجوز في لغية كسر اللام وبضم السين في بني سليم، " الهمداني " كله بالاسكان والمهملة، والله أعلم.

النوع الرابع والخمسون:
المتفق والمفترق
وهو متفق خطاً ولفظاً وللخطيب فيه كتاب نفيس وهو أقسام: الأول: اتفقت أسمائهم وأسماء آبائهم كالخليل بن أحمد ستة. أولهم: شيخ سيبويه ولم يسم أحد أحمد بعد نبينا صلى الله عليه وسلم قبل أبي خليل هذا. والثاني: أبو بشير المزني البصري. الثالث: أصبهاني. الرابع: أبو سعيد السجزي القاضي الحنفي. الخامس: أبو سعيد البستي القاضي، روي عنه البيهقي. السادس: أبو سعيد البستي الشافعي، عنه أبو العباس العذري.
الثاني: اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم كأحمد بن جعفر بن حمدان أربعة كلهم يروون عمن يسمى عبد الله وفي عصر واحد. أحدهم: القطيعي أبو بكر عن عبد الله بن أحمد بن حنبل. الثاني: السقطي أبو بكر عن عبد الله بن أحمد الدورقي. الثالث: دينوري عن عبد الله بم محمد بن سنان. الرابع: طرطوسي عن عبد الله بن جابر الطرطوسي، محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري اثنان في عصر روى عنهما الحاكم، أحدهما: أبو العباس الأصم، والثاني: أبو عبد الله بن الأخرم الحافظ.
الثالث: ما اتفق في الكنية والنسبة كأبي عمران الجوني اثنان: عبد الملك التابعي، وموسى بن سهيل البصري، وأبي بكر بن عياش ثلاثة: القاري، والحمصي، عنه جعفر بن عبد الواحد، والسلمي الباجدّائي.
الرابع: عكسه كصالح بن أبي صالح أربعة: مولى التوأمة والذي أبوه أبو صالح السلمان والسدوسي عن علي وعائشة ومولى عمرو بن حريث.
الخامس: اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم وأنسابهم كمحمد بن عبد الله الأنصاري القاضي المشهور عنه البخاري، والثاني: أبو سلمة ضعيف.
السادس: في الاسم أو الكنية كحماد، وعبد الله وشبهه. قال سلمة بن سليمان: إذا قيل بمكة عبد الله فهو الزبير، أو بالمدينة فابن عمر، وبالكوفة ابن مسعود، وبالبصرة ابن عباس، وبخراسان ابن المبارك، وقال الخليلي: إذا قاله المصري فابن عمرو، والمكي فابن عباس، وقال بعض الحفاظ: إن شعبة يروي عن شعبة عن ابن عباس كلهم أبو حمزة بالحاء والزاي إلا أبا جمزة بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي وإنه إذا أطلقه فهو بالجيم.
السابع: في النسبة كالآملي. قال السمعاني: أكثر علماء طبرستان من آملها وشهر بالنسبة إلى آمل جيحون عبد الله بن حماد شيخ البخاري وخطئ أبو علي الغساني، ثم القاضي عياض في قولهما إنه إلى آمل طبرستان، ومن ذلك الحنفي إلى بني حنيفة وإلى المذهب، وكثير من المحدثين ينسبون إلى المذهب حنيفي بزيادة ياء، ووافقهم من النحويين ابن الأنباري وحده، ثم ما وجد من هذا الباب غير مبين فيعرف بالراوي أو المروي عنه أو ببيانه في طريق آخر، والله أعلم.
النوع الخامس والخمسون:
المتشابه

يتركب من النوعين قبله، وللخطيب فيه كتاب وهو أن يتفق أسماؤهما أو نسبهما ويختلف ويأتلف ذلك في أبويهما أو عكسه، كموسى بن علي بالفتح كثيرون وبضمها موسى بن عُلَيّ بن رباح المصري ومنهم من فتحها، وقيل: بالضم لقب وبالفتح اسم، وكمحمد بن عبد الله المخرمي بضمة ثم فتحة ثم كسرة إلى مخرم بغداد مشهور، ومحمد بن عبد الله المخرمي إلى مخرمة غير مشهور، روى عن الشافعي، وكثور بن يزيد الكلاعي، وثور بن يزيد الديلي في الصحيحين، والأول في مسلم خاصة، وكأبي عمرو الشيباني التابعي بالمعجمة، سعد بن إياس، ومثله اللغوي إسحاق بن مرار كضراب، وقيل: كغزال، وقيل: كعمار، وأبي عمرو الشيباني التابعي بالمهملة، زرعة والد يحيى، وكعمرو بن زرارة بفتح العين جماعة منهم شيخ مسلم أبو محمد النيسابوري وبضمها يعرف بالحدثي، والله أعلم.

النوع السادس والخمسون:
المتشابهون في الاسم والنسب المتمايزون بالتقديم والتأخير
كيزيد بن الأسود الصحابي الخزاعي، والجرشي المخضرم المشتهر بالصلاح، وهو الذي استسقى به معاوية، والأسود بن يزيد النخعي التابعي الفاضل، وكالوليد بن مسلم التابعي البصري والمشهور الدمشقي صاحب الأوزاعي، ومسلم بن الوليد بن رباح المدني، والله أعلم.
النوع السابع والخمسون:
معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم
وهم أقسام:
الأول: إلى أمه كمعاذ ومعوذ وعوذ
ويقال: عوف بن عفراء وأبوهم الحارث، وبلال بن حمامة أبوه رباح، سهيل، وصفوان بنو بيضاء أبوهم وهب، شرحبيل بن حسنة أبوه عبد الله المطاع، ابن بحينة أبوه مالك، محمد بن الحنفية أبوه علي بن أبي طالب، إسماعيل بن علية أبوه إبراهيم، والله أعلم.
الثاني: إلى جدته
كيعلى بن منية كركبة هي أم أبيه، وقيل أمه، بشير بن الخصاصية بتخفيف الياء هي أم الثالث من أجداده، وقيل أمه، أبوه معبد.
الثالث: إلى جده أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
عامر بن عبد الله بن الجراح، حمل ابن النابغة هو ابن مالك بن النابغة، مجمع بالفتح والكسر ابن جارية بالجيم هو ابن يزيد بن جارية أبو جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، بنو الماجشون بكسر الجيم وضم الشين، منهم يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون، هو لقب يعقوب جرى على بنيه وبني أخيه عبد الله بن أبي سلمة الماجشون. ومعناه الأبيض والأحمر، ابن أبي ليلى الفقيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ابن أبي مليكة عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل، بنو أبي شيبة أبو بكر وعثمان والقاسم، بنو محمد بن أبي شيبة.
الرابع: إلى أجنبي لسبب
كالمقداد بن عمرو الكندي، يقال له: ابن الأسود لأنه كان ي حجر الأسود بن عبد يغوث فتبناه، والحسن بن دينار هو زوج أمه، وأبوه واصل، والله أعلم.
النوع الثامن الخمسون:
النسب التي على خلاف ظاهرها
أبو مسعود البدري لم يشهدها في قول الأكثرين بل نزلها، سليمان التيمي نزل فيهم ليس منهم، أبو خالد الدالاني نزل في بني دالان بطن من همدان وهو نزل شعبهم بمكة، عبد الملك العرزمي نزل جبانة عرزم قبيلة من فزارة بالكوفة، محمد بن سنان العوقي بفتحها وبالقاف باهلي نزل في العوقة بطن من عبد القيس، أحمد بن يوسف السلمي عند مسلم هو أزدي وكانت أمه سليمة، وأبو عمرو بن نجيد السلمي كذلك فإنه حافده، وأبو عبد الرحمن السلمي الصوفي كذلك فإن جده ابن عم أحمد بن يوسف كانت أمه بنت أبي عمرو والمذكور، مقسم مولى ابن عباس هو مولى عبد الله بن الحارث، قيل مولى ابن عباس للزومه إياه، يزيد الفقير أصيب في فقار ظهره، خالد الحذاء لم يكن حذاء وكان يجلس فيهم، والله أعلم.
النوع التاسع والخمسون:
المبهمات
صنف فيه عبد الغني، ثم الخطيب، ثم غيرهما وقد اختصرت أنا كتاب الخطيب وهذبته ورتبته ترتيباً حسناً وضممت إليه نفائس، ويعرف بوروده مسمى في بعض الروايات، وهو أقسام.
الأول: أبهمها رجل أو امرأة كحديث ابن عباس أن رجلاً قال يا رسول الله: آلحج كل عام، هو الأقرع بن حابس، وحديث السائلة عن غسل الحيض فقال صلى الله عليه وسلم: " خذي فرصة " هي أسماء بنت يزيد بنت السكن، وفي رواية لمسلم أسماء بنت شكل.

الثاني: الابن والبنت كحديث أم عطية في غسل بنت النبي صلى الله عليه وسلم بماء وسدر هي زينب رضي الله عنها، ابن اللتبية عبد الله إلى بني لتب بإسكان التاء، وقيل الاتيبة ولا يصح، ابن أم مكتوم عبد الله، وقيل عمرو، وقيل غيره واسمها عاتكة.
الثالث: العم والعمة كرافع بن خديج عن عمه هو ظهير بن رافع، زياد بن علاقة عن عمه هو قطبة بن مالك، عمة جابر التي بكت أباه يوم أحد هي فاطمة بنت عمرو، وقيل: هند.
الرابع: الزوج والزوجة زوج سبيعة سعد بن خولة، زوج بروع بالفتح، وعند المحدثين بالكسر، هلال بن مرة، والله أعلم.

النوع الستون:
التواريخ والوفيات
هو فن مهم به يعرف اتصال الحديث وانقطاعه، وقد ادعى قوم الرواية عن قوم فنظر في التاريخ فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين.
فروع
الأول: الصحيح في سن سيدنا محمد سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ثلاث وستون، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى الاثنين لثنتي عشر خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومنها التاريخ، وأبو بكر في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، وعمر في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وعثمان رضي الله عنه في سنة خمس وثلاثين ابن اثنتين وثمانين سنة وقيل ابن تسعين، وقيل غيره، وعلي رضي الله تعالى عنه في شهر رمضان سنة أربعين ابن ثلاث وستين، وقيل أربع، وقيل خمس، وطلحة والزبير رضي الله عنهما في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، قال الحاكم: كانا ابني أربع وستين، وقيل غير قوله، وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه سنة خمس وخمسين على الأصح ابن ثلاث وسبعين، وسعيد رضي الله تعالى عنه سنة إحدى وخمسين ابن ثلاث أو أربع وسبعين، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين ابن خمس وسبعين، وأبو عبيدة رضي الله عنه سنة ثماني عشرة ابن ثمان وخمسين، وفي بعض هذا خلاف.
الثاني: صحابيان عاشا ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين حكيم بن حزام، وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام، قال ابن إسحاق: عاش حسان وآباؤه الثلاثة كل واحد مائة وعشرين، ولا يعرف لغيرهم من العرب مثله، وقيل مات حسان سنة خمسين.
الثالث: أصحاب المذاهب المتبوعة: سفيان الثوري مات بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة مولده سنة سبع وتسعين، مالك بن أنس مات بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، قيل ولد سنة ثلاث وتسعين، وقيل إحدى، وقيل أربع، وقيل سبع، أبو حنيفة النعمان بن ثابت مات ببغداد سنة خمسين ومائة ابن سبعين، أبو عبد الله محمد بن أدريس الشافعي مات بمصر آخر رجب سنة أربع ومائتين، وولد سنة خمسين ومائة، أبو عبد الله أحمد بن حنبل مات ببغداد في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، ولد سنة أربع وستين ومائة.

الرابع: أصحاب كتب الحديث المعتمدة: أبو عبد الله البخاري ولد يوم الجمعة لثلاث خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ومات ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين، ومسلم مات بنيسابور لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين ابن خمس وخمسين، وأبو داود السجستاني مات بالبصرة في شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، وأبو عيسى الترمذي مات بترمذ لثلاث عشرة مضت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين وأبو عبد الرحمن النسائي مات سنة ثلاث وثلاثمائة. ثم سبعة من الحفاظ في ساقتهم أحسنوا التصنيف وعظم النفع بتصانيفهم: أبو الحسن الدارقطني، مات ببغداد في ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلثمائة وولد فيه سنة ست وثلاثمائة، ثم الحاكم أبو عبد الله النيسابوري مات في صفر سنة خمس وأربعمائة وولد بها في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ثم أبو محمد عبد الغني بن سعيد حافظ مصر ولد في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، ومات بمصر في صفر سنة تسع وأربعمائة، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ومات في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة بأصبهان، وبعدهم أبو عمر بن عبد البر حافظ المغرب ولد في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة وتوفي في بشاطبة فيه سنة ثلاث وستين وأربعمائة، ثم أبو بكر البيهقي ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ومات بنيسابور في جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. ثم أبو بكر الخطيب البغدادي ولد في جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ومات ببغداد في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة. رضي الله عنهم أجمعين، والله أعلم.

النوع الحادي والستون:
معرفة الثقات والضعفاء
هو من أجل الأنواع، فيه يعرف الصحيح والضعيف، وفيه تصانيف كثيرة. منها مفرد في الضعفاء: ككتاب البخاري، والنسائي، والعقيلي، والدار قطني، وغيرها، وفي الثقاة: كالثقاة لابن حبان، ومشترك: كتاريخ البخاري، وابن أبي خيثمة وما أغرز فوائده، وابن أبي حاتم وما أجله، وجوز الجرح والتعديل صيانة للشريعة، ويجب على المتكلم فيه التثبت فقد أخطأ غير واحد بجرحهم بما لا يجرح، وتقدمت أحكامه في " الثالث والعشرين " والله أعلم.
النوع الثاني والستون:
من خلط من الثقات
هو فن مهم لا يعرف فيه تصنيف مفرد، وهو حقيق به فمنهم من خلط لخرفه، أو لذهاب بصره، أو لغيره، فيقبل ما روى عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل ما بعده أو شك فيه، فمنهم عطاء بن السائب فاحتجبوا برواية الأكابر عنه كالثوري، وشعبة إلا حديثين سمعهما شعبة بآخرة، ومنهم أبو إسحاق السبيعي ويقال: سماع عيينة منه بعد اختلاطه، ومنهم سعيد الجريري وابن أبي عروبة، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي، وربيعة الرأي شيخ مالك وصالح مولى التوأمة، وحصين بن عبد الرحمن الكوفي، وعبد الوهاب الثقفي، وسفيلن بن عيينة قبل موته بسنتين، وعبد الرزاق عمي في آخر عمره فكان يلقن فيتلقن، وعارم، وأبو قلابة الرقاشي، وأبو أحمد الغطريفي، وأبو طاهر حفيد الإمام ابن خزيمة، وأبو بكر القطيعي راوي مسند أحمد، ومن كان من هذا القبيل محتجاً به في الصحيح فهو مما عرف روايته قبل الاختلاط، والله أعلم.
النوع الثالث والستون:
طبقات العلماء والرواة
هذا فن مهم، وطبقات ابن سعد عظيم كثير الفوائد، وهو ثقة ولكنه كثير الرواية فيه عن الضعفاء، منهم شيخه محمد بن عمر الواقدي لا ينسبه، والطبقة: القوم المتشابهون، وقد يكونان من طبقة باعتبار ومن طبقتين باعتبار كأنس وشبهه من أصاغر الصحابة هم مع العشرة في طبقة الصحابة وعلى هذا الصحابة كلهم طبقة والتابعون ثانية وأتباعهم ثالثة، وهلم جرا، وباعتبار السوابق تكون الصحابة بضع عشرة طبقة كما تقدم، ويحتاج الناظر فيه إلى معرفة المواليد والوفيات، ومن رووا عنه وروى عنهم، والله أعلم.
النوع الرابع والستون:
معرفة الموالي

أهمه المنسوبون إلى القبائل مطلقاً: كفلان القرشي ويكون مولى لهم، ثم منهم من يقال مولى فلان ويراد مولى عتاقة وهو الغالب، ومنهم مولى الإسلام كالبخاري الإمام مولى الجعفيين ولاء إسلام، لأن جده كان مجوسياً فأسلم على يد اليمان الجعفي، وكذلك الحسن الماسرجسي مولى عبد الله المبارك، كان نصرانياً فأسلم على يديه، ومنهم مولى الحلف كمالك بن أنس الإمام ونفره أصبحيون صليبة موالي لتيم قريش بالحلف، ومن أمثلة مولى القبيلة: أبو البختري الطائي التابعي مولى طيئ، وأبو العالية الرياحي التابعي مولى امرأة من بني رياح، والليث بن سعد المصري الفهمي مولاهم، عبد الله بن المبارك الحنظلي مولاهم، عبد الله بن وهب القرشي مولاهم، عبد الله بن صالح الجهني مولاهم، وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها كأبي الحباب الهاشمي مولى شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

النوع الخامس والستون:
معرفة أوطان الرواة وبلدانهم
هو مما يفتقر إليه حفاظ الحديث في تصرفاتهم ومصنفاتهم، ومن مظانه الطبقات لابن سعد، وقد كانت العرب إنما تنسب إلى قبائلها فلما جاء الإسلام وغلب عليهم سكنى القرى انتسبوا إلى القرى كالعجم، ثم من كان ناقلة من بلد إلى بلد وأراد الانتساب إليهما فليبدأ بالأول فيقول في ناقلة مصر إلى دمشق المصري والدمشقي، والأحسن: ثم الدمشقي، ومن كان من أهل قرية بلدة فيجوز أن ينسب إلى القرية وإلى البلدة وإلى الناحية وإلى الإقليم. قال عبد الله بن المبارك وغيره: من أقام في بلدة أربع سنين نسب إليها والله أعلم.
وقد رويت في " الإرشاد " هنا ثلاثة أحاديث بأسانيد كلهم دمشقيون مني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا دمشقي، حماها الله وصانها وسائر بلاد الإسلام وأهله.
الحمد لله رب العالمين حق حمده، حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد وعلى آله وسائر النبيين والصالحين، كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.