كتاب : السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السن
المؤلف : محمد بن عمر بن محمد بن عمر رشيد الفهري

كتاب السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند
المعنعن

تأليف الفقيه الجليل المحدث الإمام الناقد الخطيب البليغ الصدر الأوحد المشاور الكامل الفاضل أبي عبد الله محمد بن عمر بن محمد ابن رشيد الفهري رضي الله ع
الحمد لله مستحق الحمد عورض معي هذا الفرع وأنا أمسك الأصل الذي حررته منه فصح إن شاء الله للثقة بإتقان ممسكه فليعد بحول الله إلى مالكه الفقيه المحدث الناقد الكاتب البليغ المتفنن الأكمل أبي عبد الله ابن الفقيه الأوحد الصدر الفذ المشاور فخر العلماء أبي عبد الله الخزرجي رقى الله في معارج السعادة منزلته وعمر باستفادة العلوم وإفادتها أزمنته مأذونا له حسبما سأل في روايته وحمله على الشروط المعروفة عنده في صحة تحمل العلم بالمكاتبة ونقله مع إلغاء المبلغ على المختار عند ذوي التحقيق وأهله والله ينفع بالنية في ذلك ويسلك بنا أوضح المسالك
قاله وخطه حامدا الله تعالى ومصليا على نبيه المصطفى وآله ومسلما مصنفه محمد بن رشيد أرشده الله وذلك في وسط شهر رمضان المعظم عام اثنين وسبعمائة

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما
قال الإمام الناقد المتفنن النافذ أبو عبدالله محمد بن عمر بن محمد ابن عمر بن محمد بن رشيد الفهري أمده الله بمواد توفيقه وأيده تأييد من ائتم لتحقيقه وتلا ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ( التحريم 8 )
الحمد لله الذي أنعم علينا بالفضل الفياض الرهم العمم وهدانا للمنهج الواضح الأمم واختصنا بأثارة من علم لم تكن لغيرنا من الأمم و رفع ذكرنا بأن قرن باسم رسوله محمد المصطفى أسماءنا إكراما لنا وإكمالا للنعم كما رفع ذكره بأن قرن سبحانه اسمه الأعز الأسمى باسمه الأشرف الأسنى فلا يذكر في عنوان الإيمان وشعار الإسلام إلا معه إعلاما لمن سمعه بقدره الأعظم وإشادة بذكره الأفخم ومحله الأرفع الأكرم
و الصلاة والسلام الأفضلان الأكملان على سيد ولد آدم محمد المختار المجتبى وعلى آدم ومن بينهما من النبيين و المرسلين و آل كل ما انتظمت درر الأمجاد في أسلاك الإسناد ووكفت في الأغوار والأنجاد درر الديم ومد سائل المداد في الصحف المنشرة بأيدي الكتبة البررة جائل القلم

أما بعد
فإنه جرت لي مفاوضة مع من أثق بجودة نظره وأتحقق صحة تصوره وهو صاحبنا الفقيه المتفنن الأبرع أبو القاسم القاسم بن عبدالله الأنصاري حفظه الله وأبقاه لإفاده العلوم وإظهار ما بطن من الفهوم في المحاكمة بين الإمامين أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري أمير أمراء صنعة الحديث الموقر حظه المجزل قسطه من فهم دقائق المعاني الفقهية والحديثية وغوامضهما ومبهماتهما في المذهب المشهور المأثور عنه وعن غيره من أئمة الصنعة من شرط ثبوت اللقاء أو

السماع في حمل الإسناد المعنعن على الإتصال ونفي الإنقطاع والإرسال
وتلوه تلميذه أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري خليفته في هذه الصناعة والحامل فيها بعده لواء البراعة رحمهما الله وجزاهما عن نصحهما للإسلام خير الجزاء وقسم لهما من مذخور الأجر أوفر الإجزاء
وما تولاه أبو الحسين في مقدمة مسنده الصحيح من رد هذا المذهب و المبالغة في إنكاره و تجهيل قارئه وأنه قول محدث لم يقله أحد من أهل العلم سلف ويستنكره من بعدهم خلف
فذهب صاحبنا حفظه الله إلى أن الذي لا إشكال في انتهاض الأدلة على قبوله من مسند الحديث ما علم اتصاله تنصيصا ب سمعت أو حدثنا أو أخبرنا أو قال لنا أو ما في معناه مما هو صريح في الإتصال وأنه أعلى رتب النقل ويلتحق بحكمه ويجري مجراه معنعن من علم من مذهبه أنه لا يقول عن إلا فيما سمع

ويتلوه في الرتبة الإسناد المعنعن الذي لم يعلم ذلك فيه من قائله وليس مدلسا و أنه لا تسع المسامحة في أن يشترط فيه أقل من صحة سماع الراوي الثقة من المروي عنه الثقة في الجملة مع السلامة من وصمة التدليس وأن مقتضى النظر كان التوقف في هذا المعنعن حتى تعلم صحة سماعه في كل حديث حديث لما علم من أئمة الصناعة نقلا من أنهم كانوا يكسلون أحيانا فيرسلون وينشطون تارات فيسندون لكن لما تعذر ذلك وشق تعرفه مشقة لا خفاء بها اقتنع بما ذكرناه من معرفة السماع في الجملة مع السلامة من وصمة التدليس معتضدا ذلك بقرينة شهادة بعضهم على بعض بقولهم فلان عن فلان المفهمة قصد الاتصال
وأن هذا المذهب أظهر وأرجح من مذهب من اقتنع بصحة المعاصرة فقط كما اقتنع به مسلم رحمه الله في مقدمة كتابه واختاره واعتقد صحته وبالغ في الإنكار على من خالفه

فوافقت صاحبنا حفظه الله على ما ذهب إليه من أنه أرجح المذهبين وأوضح المأخذين حسبما ظهر بباديء النظر وبقي في الخاطر تردد ما إرجاء لإنهاء النظر إلى غايته وترجيا لانجياب غيايته ثم إني لما فصلت عنه بت ليلتي تلك ممعنا النظر في المسألة لمكان المختلفين وعلو قدرهما متتبعا كلام الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج جامعا أطراف كلامه ملاحظا مواقع حججه نائبا في كل ذلك عن الإمام أبي عبد الله مستحضرا لأدلته قائما بحجته ناظرا فيها مع حجة خصمه محاكما له في كل ذلك إلى حكم الإنصاف منكبا عن إعتساف طرق التعسف إلى أن زاد عندي وضوحا ما ذهب إليه صاحبنا أبو القاسم حفظه الله وانجابت تلك الغياية ولاحت بدائع واستثيرت عجائب وفلجت حجة أبي عبد الله على أبي الحسين وثلجت النفس بها ووضحت محجة قوله وانزاح ما استدل به خصمه من الشبه بحيث لو عرض ذلك على الإمام أبي الحسين يC ووقف على النقض الوارد عليه من كلامه والنقص المعوذ لكماله لم يسعه إلا الإقرار به والإذعان له
فعندما اتضح القول ونجح بحمد الله الفعل عرضت ذلك على صاحبنا أبي القاسم مستزيدا ما لعله يظهر له في ذلك مستفيدا ما تبرزه الأفكار عند المجاراة في تلك المسالك وجلوت عروسه عليه وزففتها فضلا إليه فوفاها بما طبع عليه من الإنصاف حظها من الاستحسان وأحلها من قبوله ما ينبغي لها من المكان وباتت له حجة الفاخر بما أسند

الأول للآخر فشكرت الله تعالى على ما منح و أنعم به وفتح
و سألني حفظه الله أن أقيد ذلك بالكتاب خيفة الدروس والدثور على مر العصور والدهور ورغبة في جزيل الأجر وجميل الذكر وأشار إلي أنها ذخيرة نفيسة يجب أن تقتنى وثمرة طيبة دانية القطاف يحق أن تجتبى
فاستخرت الله تعالى ولبيت سؤاله مستعينا بالله تعالى مسترشدا قاصدا صوب الصواب عائجا عن منهج التعصب ووسمته بكتاب
السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن
والله تعالى ينفع بالنية في مبدإ هذا العمل ومختتمه فإنما الأعمال بالنيات
كما قرأت على أبي المجاهد غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الحلاوي قال أنا الشيخ المعمر أبو حفص عمر بن محمد بن المعمر سماعا عليه قال أنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان قال أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي نا عبدالله بن روح المدائني ومحمد بن ربح البزاز قالا نا يزيد ابن هارون نا يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم

التيمي قلت يعني سماعا أنه سمع علقمة بن وقاص يقول سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله و إلى رسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إمرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه
قال الإمام أبو عبد الله الشافعي يدخل في حديث الأعمال بالنيات ثلث العلم
و روي عنه أيضا يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من الفقه

وقال عبد الرحمن بن مهدي ينبغي أن يدخل في كل باب
وروي عنه أيضا ينبغي أن يجعل رأس كل باب
وقال عبد الرحمن أيضا من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بحديث الأعمال بالنيات كذا في نقل البخاري عنه وفي سماع بندار منه لو صنفت الأبواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم الأعمال بالنية في أول كل باب فاقتدى الإمام أبو عبد الله البخاري بما نقل عن عبد الرحمن في افتتاحه به جامعه الصحيح ثم تلاه في ذلك أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البزاز الحافظ في كتاب الصحابة له وبهما اقتديت
ومن العلماء من جعل هذا الحديث خمس أصول الإسلام قاله الإمام أبو داود السجزي
وروي عنه أيضا ربعها

ومنهم من قال إنه ثلثها قاله الإمام أحمد بن حنبل
وذلك مبني على اختلافهم في عدة الأحاديث التي هي أمهات الفقه وعمد الدين فمنهم من عدها ثلاثة ومنهم من عدها أربعة ومنهم من عدها خمسة
وهذا السند الذي أوردنا به هذا الحديث أعلى ما يروى به مسافة في الدنيا شرقا وغربا مع ما فيه من علو الصفة من اتصال السماع وثقة الرجال وهو صحيح متفق عليه من حديث أبي سعيد يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري وعليه مداره وعنه تعددت رواته عن أبي عبد الله محمد به إبراهيم بن الحارث التيمي تيم قريش ولم يروه عنه غيره عن أبي يحيى علقمة بن وقاص الليثي ولم يروه عنه سواه عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يروه عنه غيره عن سيد المرسلين وخاتم النبيين ولم يرو عنه صلى الله عليه و سلم من وجه يصح إلا من روايته

اتفق الإمامان على إخراجه من حديث أبي محمد سفيان بن عيينة الهلالي
وأخرجاه أيضا من حديث غيره عن يحيى بن سعيد متفقين على بعض رواته ومنفردا أحدهما عن الآخر ببعض وهو على علوه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض ولولا ذلك لطويت المراحل وتدانت المنازل وهم يحيى بن سعيد الأنصاري فمن فوقه كلهم سمع الصحابة رضوان الله عليهم فالأنصاري سمع أنس بن مالك والسائب بن يزيد
والتيمي سمع عبد الله بن عمر

وجابر بن عبدالله وأنس بن مالك

والليثي سمع عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان

وعائشة رضي الله عنهم
وهذا حين أشرع مستعينا بالله تعالى في نقل المذهبين وتمهيد حجج الفريقين وترجيح ما ظهرت حجته من أحد المأخذين وأحصر ذلك في مقدمة و بابين
المقدمة
في بيان ما المتصل الذي لاإ شكال في اتصاله ليقام البناء عليه
والباب الأول
في ذكر المذاهب المنقولة عن العلماء في الإسناد المعنعن وبيان حججها والمختار من ذلك
والباب الثاني
في الأدلة التي أتى بها مسلم رحمه الله في مقدمة كتابه وما يتعلق بذلك من الكلام معه واالتنبيه على الأحاديث التي أبدينا النقض عليه بها

المقدمة
اعلم أن البين اتصاله من الحديث ما قال فيه ناقلوه سمعت فلانا أو حدثنا أو أنبانا أو نبأنا أو أخبرنا أو خبرنا أو قرأ علينا أو قرأنا أو سمعنا عليه أو قال لنا أو حكى لنا أو ذكر لنا أو شافهنا أو عرض علينا أو عرضنا عليه أو ناولنا أو كتب لنا إذا كتب له ذلك الشيء بعينه وكان يعرف خط الكاتب إليه وفي اعتماده على إخبار الموصل الثقة بأنه خطه وكتابه و إلغاء الواسطة نظر الأصح إلغاؤها والأخلص اعتبارها وتبيين الحالة كما وقعت أو ما أشبه ذلك من العبارات المثبته للاتصال النافية للانفصال

فهذه كلها لا إشكال في اتصالها لغة وعرفا إذا كان الطريق كله بهذه الصفة و إن خالف بعضهم في بعضها
وهذا الذي قلناه قبل أن يشيع اختصاص بعض هذه الألفاظ بالإجازة المعينة أو المطلقة على ما هو المعلوم من تفاصيل مذاهب المحدثين في ذلك ومن تخصيص بعض هذه الألفاظ ببعض الصور تمييزا لأنواع التحمل وتحرزا من الراوي تظهر به نزاهته على ما هو مفسر في مواضعه
ويتلو ذلك ما شاع في استعمال المسندين وذاع في عرف المحدثين عند طلب الاختصار من إبراز عن في معرض الاتصال وهو الذي قصدناه

الباب الأول
اعلم أن الإسناد المعنعن وهو ما يقال فيه فلان عن فلان مثل قولنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم المنقول فيه عن المتقدمين أربعة مذاهب وحدث للمتأخرين فيه مصطلح خامس
فالمذهب الأول
مذهب أهل التشديد وهو أن لا يعد متصلا من الحديث إلا ما نص فيه على السماع أو حصل العلم به من طريق آخر و أن ما قيل فيه

فلان عن فلان فهو من قبيل المرسل أو المنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره
حكاه الإمام أبو عمرو النصري الشهرزوري شهر بابن الصلاح أحد الأئمة المتأخرين المعتمدين ولم يسم قائله ولفظ ما حكاه
فلان عن فلان عده بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره
وهذا المذهب وإن قل القائل به بحيث لا يسمى ولا يعلم فهو الأصل الذي كان يقتضيه الاحتياط وحجته أن عن لا تقتضي اتصالا لا لغة ولا عرفا وإن توهم متوهم فيها اتصالا لغة فإنما ذلك بمحل المجاوزة المأخوذ عنه

تقول أخذ هذا عن فلان فالأخذ حصل متصلا بالمحل المأخوذ عنه وليس فيها دليل على اتصال الراوي بالمروي عنه وما علم منهم أنهم يأتون بعن في موضع الإرسال والانقطاع يخرم ادعاء العرف
وإذا أشكل الأمر وجب أن يحكم بالإرسال لأنه أدون الحالات فكأنه أخذ بأقل ما يصح حمل اللفظ عليه
وكان ينبغي لصاحب هذا المذهب أن لا يقول بالإرسال بل بالتوقف حتى يتبين لمكان الاحتمال
لعل ذلك مراده وهو الذي نقله مسلم عن أهل هذا المذهب أنهم يقفون الخبر ولا يكون عندهم موضع حجة لإمكان الإرسال فيه و إن هذا القصد ليلوح من قول هذا القائل حتى يتبين اتصاله بغيره ولكن صدر الكلام يأباه لقوله عده بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع

وكأن في ربط العجز بالصدر تنافرا ما إلا أن هذا المذهب رفضه جمهور المحدثين بل جميعهم وهو الذي لا إشكال في أن أحدا من أئمة السلف ممن يستعمل الأخبار كما قال مسلم رحمه الله ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها مثل أيوب السختياني وابن عون ومالك وشعبة بن الحجاج ومن سمى معهم لا يشترطه ولا يبحث عنه ولو اشترط

ذلك لضاق الأمر جدا ولم يتحصل من السنة إلا النزر اليسير فكأن الله تعالى أتاح الإجماع عصمة لذلك وتوسعة علينا والحمد لله
فهذا المذهب المجهول قائله لا يعرج عليه ولا يلتفت الليث إليه وقد تولى الإمام أبو عمرو النصري رد هذا المذهب الذي حكاه وقال ان الصحيح والذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد المتصل
قال وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم وأودعه

المشترطون للصحيح في تصانيفهم فيه وقبلوه
وقد نقل أيضا هذا المذهب مبهما لقائله أبو محمد بن خلاد في كتاب الفاصل له
أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان السخوي سماعا عليه بثغر الإسكندرية قال أنا القاضي أبو طالب أحمد بن عبد الله بن الحسين بن عبد المجيد الكندي شهر بابن حديد سماعا عليه قال أنا الإمام أبو طاهر السلفي سماعا عليه قال أنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي ببغداد قراءة قيل له أخبركم أبو الحسن علي بن أحمد بن علي الفالي بقراءتك عليك فأقر به قال أنا القاضي أبو عبد الله أحمد بن إسحاق بن خربان النهاوندي قال أنا القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي قال قال بعض المتأخرين من الفقهاء كل من روى من أخبار النبي صلى الله عليه و سلم خبرا فلم يقل فيه سمعته ولا حدثنا ولا أنبأنا ولا

أخبرنا ولا لفظة توجب صحة الرواية إما بسماع أو غيره مما يقوم مقامه فغير واجب أن يحكم بخبره
وإذا قال نا أو أنا فلان عن فلان ولم يقل نا فلان أن فلانا حدثه ولا ما يقوم مقام هذا من الألفاظ احتمل أن يكون بين فلان الذي حدثه وبين فلان الثاني رجل آخر لم يسمه لأنه ليس بمنكر أن يقول قائل حدثنا عن النبي صلى الله عليه و سلم بكذا وكذا ووفلان حدثنا عن مالك والشافعي وسواء قيل ذلك ممن علم أن المخاطب لم يره أو ممن لم يعلم ذلك منه لان معنى قوله عن إنما هو أن رد الحديث إليه وهذا سائغ في اللغة مستعمل بين الناس قال وهذا هو العلة في المراسل قال وقد نظم هذا بعض المتأخرين شعرا فقال ... يتأدى الي عنك مليح ... من حديث وبارع من بيان ... فلهذا اشتهت حديثك أذناي ... وليس الإخبار مثل العيان ... بين قول الفقيه حدثنا سفي ... ان فرق وبين عن سفيان ...
انتهى كلام ابن خلاد
وقد رددنا هذا المذهب بما فيه الكفاية واذ بان أنه قول لبعض الفقهاء

المتأخرين فهو مسبوق بإجماع علماء الشأن والله الموفق
وقد بين ذلك أبو عمر بن عبد البر بما حكاه من الإجماع بعد أن ذكر بإسناد عن وكيع قال قال شعبة فلان عن فلان ليس بحديث قال وكيع وقال سفيان هو حديث قال أبو عمر ثم إن شعبة انصرف عن هذا إلى قول سفيان
قلت وما نقله مسلم رحمه الله عن العلماء الذين سمى ومن جملتهم شعبة من أنهم لا يتفقدون ذلك يدلك أيضا على رجوع شعبة كما ذكر أبو عمر
فقد بان أنه لا يعلم لمتقدم فيه خلاف إذا جمع رواته العدالة واللقاء والبراءة من التدليس وأن شعبة رجع عن قوله

وقال الحافظ أبو عمرو المقري وما كان من الأحاديث المعنعنة التي يقول فيها ناقلوها عن عن فهي أيضا مسندة متصله بإجماع أهل النقل إذا عرف أن الناقل أدرك المنقول عنه إدراكا بينا ولم يكن ممن عرف بالتدليس وان لم يذكر سماعا
إلا أن قوله إدراكا بينا فيه إجمال وسنستوفي الكلام عليه في ذكر المذهب الثالث بحول الله
المذهب الثاني
وهو أيضا من مذاهب أهل التشديد إلا أنه أخف من الأول وهو ما حكاه الإمام أبو عمرو النصري ابن الصلاح قال وذكر أبو المظفر السمعاني في المعنعنة أنه يشترط طول الصحبة بينهم
قلت وهذا بلا ريب يتضمن السماع غالبا لجملة ما عند المحدث أو أكثره ولا بد مع هذا أن يكون سالما من وصمة التدليس

وحجة هذا المذهب هي الأولى بعينها ولكنه خفف في اشتراك السماع تنصيصا في كل حديث حديث لتعذر ذلك ولوجود القرائن المفهمة للإتصال من إيراد الإسناد وإرادة الرفع بعضهم عن بعض عند قولهم فلان عن فلان مع طول الصحبة
المذهب الثالث
وهو رأي كثير من المحدثين منهم الإمام أبو عبد الله البخاري وشيخه أبو الحسن علي بن المديني وغيرهما
نقل ذلك عنهم القاضي أبو ا لفضل عياض وغيره
وهو مذهب متوسط في اشتراط ثبوت السماع أو اللقاء في الجملة لا في حديث حديث
وهذا هو الصحيح من مذاهب المحدثين وهو الذي يعضده النظر فلا يحمل منه على الإتصال إلا ما كان بين متعاصرين يعلم أنهما قد التقيا من دهرهما مرة فصاعدا وما لم يعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه إلا بما شهد له لفظ السماع أو التحديث أو ما أشبههما من الألفاظ الصريحة إذا أخبر بها العدل عن العدل
وحجة هذا المذهب أيضا ما تقدم من إجماع جماهير النقلة على

قبول الإسناد المعنعن وإيداعه في كتبهم التي اشترطوا فيها إيراد الصحيح مع ما تقرر من مذاهبهم أن المرسل لا تقوم به حجة وأنهم لا يودعون فيها إلا ما اعتقدوا أنه مسند
قال أبو عمرو ابن عبد البر الحافظ الإمام وجدت أئمة الحديث أجمعوا على قبول المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة
عدالتهم
ولقاء بعضهم لبعض مجالسة ومشاهدة
وبراءتهم من التدليس

قال أبو عمرو ابن الصلاح الإمام الناقد والإعتماد في الحكم بالإتصال على مذهب الجمهور إنما هو على اللقاء والإدراك قلت ولقد كان ينبغي من حيث الإحتياط أن يشترط تحقق السماع في الجملة لا مطلق اللقاء فكم من تابع لقي صاحبا ولم يسمع منه وكذلك من بعدهم
وينبغي أن يحمل قول البخاري وابن المديني على أنهما يريدان باللقاء السماع
و هذا الحرف لم نجد عليه تنصيصا يعتمد و إنما وجدت ظواهر محتملة

أن يحصل الإكتفاء عندهم باللقاء المحقق وإن لم يذكر سماع وأن لا يحصل الإكتفاء إلا بالسماع و أنه الأليق بتحريهما والأقرب إلى صوب الصواب فيكون مرادهما باللقاء والسماع معنى واحدا

وفي قول مسلم حاكيا للقول الذي تولى رده ما يقتضي الإكتفاء بمجرد اللقاء حيث قال في تضاعيف كلامه
ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث الفصل
فظاهر هذا الكلام أن أحدهما بدل من الآخر و أن أو للتقسيم لا بمعنى الواو وقد أتى به أيضا في أثناء كلامه بالواو فقال وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا و لا تشافها بكلام وكرره أيضا بالواو فقال ثم أدخلت فيه الشرط فقلت حتى

يعلم أنهما قد كانا قد التقيا مرة فصاعدا وسمع منه شيئا
و هذا أبين ألفاظه
و قال الحافظ أبو عبدالله بن البيع الحاكم في كتاب معرفة علوم الحديث له في النوع الحادي عشر منه المعنعن بغير تدليس متصل بإجماع أهل النقل على تورع رواته عن التدليس
وقال الفقيه المحدث أبو الحسن القابسي وكذلك ما قالوا فيه عن عن فهو أيضا من المتصل إذا عرف أن ناقله أدرك المنقول عنه إدراكا بينا ولم يكن ممن عرف بالتدليس
قلت وقولهما معا لا يخلو من إجمال إذ لا بد أن يكون مراد الحاكم ثبوت المعاصرة أو السماع إذ لا يقبل معنعن من لم تصح له معاصرة فلا بد من قيد و كأنه اكتفى عنه بقوله على تورع رواته عن التدليس
وقد سبق له في كتابه هذا في النوع الرابع منه في معرفة المسانيد من الأحاديث تقييد ذلك بما نصه والمسند من الحديث أن يرويه المحدث

عن شيخ يظهر سماعه منه بسن محتملة وكذلك سماع شيخه من شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
إلا أن هذا الموضع من كتاب الحاكم فيه اضطراب بين رواته فروي كما ذكرناه بسن محتملة
و عند ابن سعدون بسن يحتملة
والمعنى واحد أي أنه يكتفي في ظهور السماع بكون السن تحتمل اللقاء ومعنى هذا يكتفى بالمعاصرة وإلى هذا المعنى ذهب مسلم رحمه الله حيث قال وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد و إن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة إلا أن تكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا انتهى

وإلى هذا المعنى أيضا ذهب الحافظ أبو عمرو المقريء الداني في جزيء له وضعه في بيان المتصل والمرسل والموقوف و المنقطع فقال المسند من الآثار الذي لا إشكال في اتصاله هو ما يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه بسن يحتملها و كذلك شيخه عن شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى الصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
فهذا موافق ظاهره لهذه الرواية وقد يحتمل أن يكون مراده بقوله يظهر سماعه بسن تحتمله أي أنه يعلم السماع بقوله وتكون سنه تصدق ذلك والله أعلم
و يروى أيضا كلام الحاكم يظهر سماعه منه ليس يحتمله وهكذا قرأته بخط خلف بن مدبر في أصله و ذكر في صدر كتابه أنه روى الكتاب عن الباجي والعذري وهذه الرواية عندي أظهر وعليها يدل كلامه بعد عند التمثيل وظاهر الكلام أيضا مشعر بذلك من حيث قرينة المطابقة حيث قال يظهر سماعه فهذا إثبات لظهور السماع ثم أكد ذلك بقوله ليس يحتمله فنفى أن يكتفى بمجرد الاحتمال من

حيث المعاصرة بل لا بد أن يكون السماع ظاهرا معلوما والتمثيل يدل على صحة هذا فإنه قال ومثال ذلك ما حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد
قال نا الحسن بن مكرم قال نا عثمان بن عمر قال نا يونس عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعه رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج حتى كشف سجف حجرته فقال يا كعب ضع من دينك هذا و أشار إليه أي الشطر قال نعم فقضاه
قال الحاكم أبو عبد الله وبيان مثال ما ذكرته أن سماعي من ابن السماك ظاهر وسماعه من الحسن بن مكرم ظاهر وكذلك سماع الحسن بن عثمان بن عمر وسماع عثمان من يونس بن يزيد وهو عال لعثمان ويونس معروف بالزهري و كذلك الزهري ببني كعب بن مالك و بنو كعب بأبيهم وكعب برسول الله صلى الله عليه و سلم وصحبته انتهى ما أردناه من كلام الحاكم
وسندنا في كتاب معرفة علوم الحديث له من طريق ابن سعدون

هو ما اخبرنا به إجازة شيخنا الأديب الكاتب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطائي القرطبي قال أنا القاضي أبو القاسم أحمد بن يزيد بن بقي إجازة قال أنا الراوية أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال إجازة قال قرأته على القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد العزيز ابن أبي الخير وناولنيه أبو بحر الأسدي قالا قرأناه على أبي عبد الله محمد بن سعدون القروي قال أنا أبو بكر محمد بن علي المطوعي النيسابوري قال أنا مؤلفه
وسندنا فيه من طريق أبي الوليد الباجي ما أجازه لنا أبو الحسن علي ابن أحمد بن عبد الواحد المقدسي عن أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي إجازة عن الإمام أبي بكر الطرطوشي كتابة عن أبي الوليد الباجي قال نا أبو بكر محمد بن علي المطوعي النيسابوري أنا الحاكم
وقد رويناه أعلى من هذا درجة على علوه ولكن المعارضة إنما حصلت لنا بهذين الطريقين فلذلك اقتصرنا عليهما
و أما لفظ القابسي فيمكن أن يريد به ثبوت المعاصرة البينة و هو أظهر احتماليه فيه و يمكن أن يريد طول الصحبة فيكون موافقا لما ذكره أبو المظفر السمعاني
وحكى ابن عبد البر عن جمهور أهل العلم أنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ و إنما هو باللقاء والمجالسة والمشاهدة

قال ابن الصلاح يعني مع السلامة من التدليس
هذا ما حضرنا من النقل عن أئمة هذا الشأن
و أما من حيث النظر فكان الأصل كما قدمنا أن لا يقبل إلا ما علم فيه السماع حديثا حديثا عند من لا يقول بالمرسل لاحتمال الانفصال إلا أن علماء الحديث رأوا ان تتبع طلب لفظ صريح في الاتصال يعز وجوده و أنه إذا ثبت اللقاء ظن معه السماع غالبا وأن الأئمة من الصحابة والتابعين و تابعهم فمن بعدهم استغنوا كثيرا بلفظ عن في موضع سمعت وحدثنا وغيرهما من الألفاظ الصريحة في الاتصال اختصارا ولما عرف من عرفهم الغالب في ذلك و أنه لا يضعها في محل الانقطاع عمن علم سماعه منه لغير ذلك الحديث بقصد الإيهام إلا مدلس يوهم انه سمع ما لم يسمع أنفة من النزول أو لغير ذلك من الأغراض التي لا يخلو أكثرها من كراهة فا نتهض ذلك مرجحا لقبول المعنعن عند ثبوت اللقاء
لا يقال إن غير المدلس قد يقول عن في محل الإرسال ولا يعد بذلك مدلسا لأنه قد علم من مذهبه أنه لا يدلس لأنا نقول في الجواب إن غير المدلس لا يفعله إلا فيما علم أنه لم يسمعه لتحقق عدم المعاصرة كما يقول التابعي أو تابعه أو من بعدهما روينا عن رسول الله

صلى الله عليه و سلم كذا فهذا معلوم أنه بلاغ فلا يوهم ذلك سماعا فعدل عن العرف إلى عام اللغة مكتفيا بقرينة عدم اللقاء والسماع كما عدل هناك إلى خاص الاصطلاح مكتفيا بقرينة معرفة السماع
فإن قيل قد وجد الإرسال من الصحابة رضي الله عنهم وممن بعدهم ممن يعلم أو يظن أنه لا يدلس عمن لقيه وسمع منه قلنا أما حال الصحابة رضي الله عنهم في ذلك الذين وجبت محاشاتهم عن قصد التدليس فتحتمل وجوها
منها أن يكونوا فعلوا ذلك اعتمادا على عدالة جميعهم فالمخوف في الإرسال قد أمن يدل على ذلك
ما قاله أنس بن مالك رضي الله عنه ذكر أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه قال نا موسى ابن اسماعيل وهدبة قالا نا حماد بن سلمة عن حميد أن أنسا حدثهم بحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له رجل أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم فغضب غضبا شديدا و قال والله ما كل ما نحدثكم سمعنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكن كان يحدث بعضنا بعضا و لا يتهم بعضنا بعضا

قلت ولذلك قبل جمهور المحدثين بل جميع المتقدمين وإنما خالف في ذلك بعض من تأصل من المحدثين المتأخرين مراسل الصحابة رضي الله عنهم وعلى القبول محققو الفقهاء والأصليين
ومنها أن يكونوا أتوا بلفظ قال أو عن و لفظ قال أظهر إذ هو مهيع الكلام قبل أن يغلب العرف في استعمالهما للإتصال
ومنها أن يكونوا فعلوا ذلك عند حصول قرينة مفهمة للإرسال مع تحقق سلامة أغراضهم و إرتفاعهم عن مقاصد المدلسين وأغراضهم
و منها أن يكونوا أتوا بلفظ مفهم لذلك فاختصره من بعدهم لثقة جميعهم ولعل قول كثير من التابعين عمن يروون عنه من الصحابة ينمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أو يبلغ به النبي عليه السلام أو يرفعه أو ما أشبه هذا من الألفاظ عبارة عن ذلك
وأما من سوى الصحابة فإنما فعل ذلك من فعله منهم بقرينة مفهمة للإرسال في ظنه و إلا عد مدلسا

و أما المعاصر غير الملاقي إذا أطلق عن فالضاهر لظاهر أنه لا يعد مدلسا بل هو أبعد عن التدليس لأنه لم يعرف له لقاء ولا سماع بخلاف من علم له لقاء أو سماع
وبالجملة فلولا ما فهم قصد الإيهام بالإفهام من جماعة من الأعلام ما جاز أن ينسبوا إلى ذلك ولعدوا مرسلين كما عد من تحقق منه أنه لا يدلس إذا أرسل ورحم الله إمام الأئمة وعالم المدينة أبا عبد الله مالك ابن أنس حيث استعمل لفظ البلاغ وجانب الألفاظ الموهمة فلله دره ما أجمل مقاصده وأرضى مذاهبه
هذا تقرير دليل هذا المذهب وتحريره وهو أرجح المذاهب وأوسطها ... فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم ...

و قرر الحافظ أبو عمرو النصري هذا الدليل بما لا يسلم معه من الاعتراض
وورود النقض فإنه قال ومن الحجة
في ذلك أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا والظاهر السلامة من وصمة التدليس والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس انتهى
وهذا الذي قرره ينتقض بأقوام عنعنوا مرسلين ولم يعدوا مدلسين

كما ذكر مسلم رحمه الله من أن الأئمة الذين نقلوا الأخبار كانت لهم تارات يرسلون فيها الحديث إرسالا ولا يذكرون من سمعوه منه وتارة ينشطون فيها فيسندون الخبر على هيئة ما سمعوا فيخبرون بالنزول فيه إن نزلوا وبالصعود إن صعدوا
فإذا قرر هذا الدليل كما قررناه نحن انزاح قول من قال إنه لا يقبل إلا ما نص فيه على السماع رجلا رجلا وحديثا حديثا محتجا بأنهم يأتون ب عن في موضع الإرسال والانقطاع واضمحلت شبهته بما بيناه من أن غير المدلس إنما يفعله حيث يعلم منه أو يفهم عنه أنه بلاغ لا سماع ومتى أبهم فأوهم قصدا منه لذلك عد مدلسا
ولا يخلص الإمام أبا عمرو النصري من النقض الاحتراس بقوله والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس لأنا نقول وكذلك فرضنا نحن الكلام إنما هو فيمن لم يعرف بالتدليس أما من عرف بالتدليس فمعرفته بذلك كافية في التوقف في حديثه حتى يتبين الأمر وإنما اعترضنا قوله لأنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينهما مدلسا فإن هذا لا يلزم لإمكان وسط بينهما وهو كونه مرسلا فليس بمجرد العنعنة من غير ذكر الواسطة يعد مدلسا بل بقصد

إيهام السماع فيما لم يسمع و كأن الإمام أبا عمرو استشعر النقض فرام الاحتراس منه بقوله والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس ومع ذلك فيصح أن يقال لا يلزم من قوله لم يعرف بالتدليس أن يعرف بالسلامة منه بل الأمر محتمل لكن حمل على السلامة لأنها الغالب وهو الذي أراد الإمام أبو عمرو بقوله والظاهر السلامة من وصمة التدليس
هذا هو الفيصل في هذه المسألة وهذه نكتة نفيسة تكشف لك حجاب الإشكال وتوضح الفرق بين من عنعن فعد مرسلا ومن عنعن فعد مدلسا وقد أتى مسلم رحمه الله بأمثلة من ذلك نتكلم عليها بعد إن شاء الله في الدليل الثاني من الباب الثاني بما يفتح الله تعالى به فهو الفتاح العليم
المذهب الرابع
أنه لا يشترط في الحكم بالاتصال في الإسناد المعنعن إلا المعاصرة فقط والسلامة من التدليس علم السماع أو لم يعلم إلا أن يأتي ما

يعارض ذلك مثل أن يعلم أنه لم يسمع أو لم يلق المنقول عنه و لا شاهده أو تكون سنه لا تقتضي ذلك
وهذا المذهب الرابع هو الذي ارتضاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج رحمه الله في مقدمة كتابه المسند الصحيح
وقد تقدم لفظه في ذلك حيث دعا إليه سياق الكلام في تضاعيف المذهب الثالث فأغنى عن إعادته وهو المذهب الذي استدل عليه وادعى فيه الإجماع وعرف المحدثين وأنكر قول من خالفه إنكارا شديدا بألفاظ مخشوشنة ومعان مستوبلة وجعل القائل به خارقا للإجماع ظنا منه رحمه الله أنه خلاف في موضع الإجماع
وموضع الإجماع لا يسلم له إنه يتناول محل النزاع حسبما

يتبين بعد إن شاء الله في الباب الثاني
قال الإمام أبو عمرو النصري وأنكر مسلم بن الحجاج في خطبة صحيحة على بعض أهل عصره حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء والاجتماع وادعى انه قول مخترع لم يسبق قائله إليه و أن القول

الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصر واحد و إن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها قال و فيما قاله مسلم نظر ثم قال وقد قيل إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم علي بن المديني والبخاري وغيرهما انتهى
قلت قد بينا قبل أنه مذهب البخاري وعلي بن المديني حسبما حكاه القاضي عياض رحمه الله عنهما وقد تبع مسلما على مذهبه فرقة من المحدثين و فرقة من الأصليين منهم القاضي الإمام أبو بكر ابن الطيب الباقلاني المالكي فيما حكاه القاضي أبو الفضل عنه وأبو بكر الشافعي الصيرفي فيما حكى ابن الصلاح عنه أنه قال كل من علم له سماع من إنسان فحدث منه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه وكل من علم له لقاء إنسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم قال و إنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه
قلت ولاشك أنه مذهب متساهل فيه نعم لو علمنا من كل واحد واحد من رواة ذلك الحديث أنه لا يطلق عن إلا في موضع

الاتصال ولا يجيز غير ذلك أو صح فيه إجماع من الرواة كلهم وعرف لا ينخرم ضبطه ولكن ذلك لم يثبت نعم قد يسلم المنصف أنه كثير ولا يلزم من كثرته الحكم به مطلقا لوجود الإحتمال
المذهب الخامس
اصطلاح حدث عند المتأخرين قال الإمام أبو عمرو النصري وكثر في عصرنا و ما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن به أنه رواه عنه بالإجازة قال ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال على ما لا يخفى
قلت وهذا اصطلاح تواضع عليه قوم فلا نحتاج له إلى تكلف احتجاج وكأن هؤلاء استشعروا أن الإجازة آخذة بشوب من الانقطاع إذ لابد في الإجازة المجردة عن المناولة لذلك الشيء بعينه أو كتبته بعينه من الاعتماد على الوجادة أو بلوغ ذلك إليه بنقل الآحاد العدول أو الاستفاضة أو التواتر فكأنهم رأوا أن إلغاء المبلغ يدخله شوبا من الإرسال فلذلك استعملوا فيها عن التي قد تستعمل في الإرسال على أن الإمام أبا عمرو ابن الصلاح أبى أن يكون في الإجازة انقطاع وقال ليس في

الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة به
و ما اختاره هو الذي لا يتجه غيره عند مجيزي الإجازة المطلقة وجاعليها إخبارا في الجملة وهو الذي اعتمده الحافظ أبو نعيم الأصبهاني فإنه يقول فيما يروي بالإجازة أخبرنا مطلقا من غير ذكر إجازة لأنه يراها إخبارا في الجملة زمن الإجازة ثم يحصل العلم له بالتفصيل في ثاني حال
وما ذهب إليه الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي حاكم الإسكندرية من خلاف ذلك ليس بصحيح حيث قال أثناء كلام له في جزء سماه تحقيق الجواب عمن أجيز له ما فاته من الكتاب لما تكلم على الطرق المحصلة العلم عند المجاز بأن هذا من حديث المجيز له قال فيه إلا أنه إذا لم يسم من أخبره عمن أجاز له فهو مرسل لا محالة
قلت وهذا سد لباب الإجازة المطلقة ولم يعتبر أحد ممن يعتبر عند علمه بتفصيل المجاز له إعمال هذه الواسطة بل اعتمدوا إلغاؤها و على ذلك استمر عملهم قديما وحديثا و إن ذكرها ذاكر من أهل التشدد قائلا أنا فلان إجازة و أفادنا أن ذلك من حديثه فلان فطلبا للأكمل وتحريا لبيان الحالة كيف وقعت وخروجا عن العهدة لا سيما

حيث يكون المجاز ممن لا يعرف الأسانيد والطرق فيرى البراءة من العهدة وإلزاقها بالمخبر له وما بيناه لك من أنه لا بد فيها من الاعتماد على الوجادة أو البلاغ
والوجادة و إن أخذت بطرف من الاتصال إذا انفردت فلا يخفى ما فيها من الانقطاع لكنها إذا ازدوجت مع الإجارة قوى فيها جانب الإتصال بل صارت متصلة وصار ذلك الإنقطاع ملغى عند وجادة المجاز والاطلاع عليه تفصيلا مع تقدم الإجازة المفهمة الإخبار إجمالا فتحقق حكم الاتصال في ثاني حال كحكم الكتاب إذا وصل إلى المكتوب إليه فعرف خط كاتبه أو ختمه بأي وجه عرف ذلك ألغى الواسطة المبلغة وثبت الاتصال على ما هو المتقرر المشهور من عمل الأئمة الماضين من الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه و سلم وبعده والتابعين بعدهم كما رويناه سماعا بإسناده المتقدم إلى أبي محمد الرامهرمزي قال حدثني العباس بن الحسن قال نا أحمد بن عبد الله بن بكر النيسابوري قال نا يحيى بن عثمان قال نا بقية قال سمعت شعبة يقول كتب إلي منصور بأحاديث فقلت أقول حدثني قال نعم إذا كتبت إليك فقد حدثتك قال شعبة فسألت أيوب عن ذلك فقال صدق إذا كتب إليك إذا حدثك

فهؤلاء أئمة ثلاثة رأوا ذلك
قال القاضي عياض أبو الفضل وأجمعوا على العمل بمقتضى هذا الحديث وعدوه في المسند بغير خلاف يعرف في ذلك وهو موجود في الأسانيد كثير
قلت ووجهه وضاح الأسرة وقد سفر عنه الإمام أبو محمد الرامهرمزي فيما رويناه عنه بإسنادنا إليه فقال لأن الغرض من القول باللسان فيما تقع العبارة فيه باللفظ إنما هو تعبير اللسان عن ضمير القلب فإذا وقعت العبارة عن الضمير بأي سبب كان من أسباب العبارة إما بكتاب و إما بإشارة و إما بغير ذلك مما يقوم مقامه كان ذلك سواء انتهى

قلت وإنما اعتمد الناس منذ مدة متقدمة على الإجازة المطلقة والكتابة المطلقة توسعة لباب النقل وترحيبا لمجال الإسناد لعزة وجود السماع على وجهه في هذه الأعصار بل قبلها بكثير وتعذر الرحل في الأكثر من الأحوال واعتمادا على أن الأحاديث لما صارت في دفاتر محصورة و أمات مصنفات مشهورة و مرويات الشيوخ في فهارس مفهرسة قام ذلك عندهم مقام التعيين الذي كان من مضى من السلف يفعله فاكتفى المجيزون بالإخبار الجملي واعتمدوا في البحث عن التفصيل على المجاز إذا تأهل لذلك فكانت رخصة أخذ بها جماهير أهل العلم إبقاء لسلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة ولله الحمد والمنة وإن كانت هذه ليست الإجازة المتعارفة عند التابعين وتابعيهم كالحسن بن أبي الحسن البصري ونافع مولى عبد الله بن عمر وأبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة ومجاهد بن جبر وعلقمة بن قيس وأيوب السختياني وشعبة بن الحجاج وغيرهم ممن لا يحصى كثرة فإنما كانت تلك في الشيء المعين يعرفه المجيز والمجاز له أو مع حضور الشيء المجاز فيه
كما أنا بكتابه غير مرة محمد بن عبد الخالق الأموي قال أنا أبو الحسن ابن المفضل إجازة إن لم يكن سماعا قال أنا القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني بقراءتي عليه أنا أبو الفضل جعفر بن إسماعيل بن خلف الأنصاري أنا أبي أنا أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الهروي نا أبو العباس الوليد بن بكر ابن مخلد الأندلسي نا تميم بن محمد نا أبو الغصن السوسي نا عون ابن يوسف نا ابن وهب قال كنت عند مالك فجاءه رجل يحمل

الموطأ في كسائه فقال يا أبا عبد الله هذا موطؤك قد كتبته وقابلته فأجزه لي
قال قد فعلت قال فكيف أقول نا مالك أو أخبرنا قال قل أيهما شئت
قال ابن المفضل أنا بها عاليا أبو طاهر السلفي قال أنبأنا أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي عن أبيه بإسناده المتقدم وتميم هذا المذكور في هذا الإسناد هو أبو العباس تميم بن أبي العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي القيرواني فقيه من أهل العلم والورع والزهد والعبادة والسخاء والمروءة مجمع على فضله
وأبو الغصن هو نفيس الغرابلي الإفريقي فقيه حافظ ثقة
وعون بن يوسف هو أبو محمد الخزاعي القيرواني فقيه ثقة حكى القاضي عياض عن عوف هذا أنه تفقه بابن وهب قال ولقد حضرت ابن وهب فأتاه رجل بتليس فقال له يا أبا محمد

هذه كتبك فقال له ابن وهب صححت وقابلت فقال له نعم فقال له اذهب فحدث بها فقد أجزتها لك فإني حضرت مالكا فقال مثل ذلك
قلت والحكاية عن مالك صحيحة ورجالها ثقات وقد أنا بها أيضا الإمام الفقيه العلامة أبو الحسين عبيد الله بن أبي الربيع القرشي عن الفقيه القاضي أبي القاسم بن بقي عن أبي الحسن شريح بن محمد كله إجازة قال أنا أبو محمد بن خزرج قال قال أبو محمد قاسم بن إبراهيم بن قاسم الخزرجي نا أبو القاسم خلف بن يحيى بن غيث قال نا أبو جعفر تميم بن محمد وذكر الإسناد سواء والحكاية بمعناها
وفي هذه القصة عن مالك فائدة جليلة وهي تصديق الشيخ للتلميذ أن هذا من حديثه وأنه كتبه وقابله فيأذن له في حمله عنه على تقدير صحة قوله إنه نقل وقابل وإن لم يتصفح الشيخ ذلك فتفهم هذا فإنه يتخرج منه تسويغ الإجازة المطلقة في جميع المروي ويعتمد الشيخ في تعيين ذلك على التلميذ وهذا ابن وهب قد تابع مالكا على ذلك وهو فقيه أهل مصر أو فيما ينسخه الشيخ المجيز من حديثه

أو كتابه الذي ألفه ويبعث به إلى المجاز أو بغير ذلك من الوجوه البينة والطرق المعينة
كما أنا محمد بن عبد الخالق القرشي الأموي سماعا عليه أنا أحمد بن عبد الله بن الحسين الكندي سماعا عليه
أنا أحمد بن محمد بن أحمد السلفي سماعا عليه أنا المبارك بن عبد الجبار الطيوري قراءة أنا علي بن أحمد الفالي بقراءتي عليه أنا أحمد بن إسحاق النهاوندي أنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي القاضي نا يوسف مشطاح قال سمعت أحمد بن المقدام أبا الأشعث العجلي يقول كتب إلي جماعة من أهل بغداذ ! يسألونني إجازة فكتبت إليهم
... كتابي هذا فافهموه فإنه ... كتابي إليكم والكتاب رسول ... وفيه سماع من رجال لقيتهم ... لهم بصرفي علمهم وعقول ... فإن شئتم فارووه عني فإنكم ... تقولون ما قد قلته وأقول ... ألا فاحذروا التصحيف فيه فربما ... تغير معقول له ومقول

و بالإسناد نفسه قال القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد كتب إلي بعض وزراء الملوك يسألني إجازة

كتاب ألفته لابن له فكتبت الكتاب له ووقعت عليه
... يا أبا القاسم الكريم المحيا ... زانك الله بالتقى والرشاد ... وتولاك بالكفاية والعز ... وطول البقاء والإسعاد ... ارو عني هذا الكتاب فقد هذ ... بت ما قد حواه من مستفاد ... وشكلت الحروف منه فقامت ... لك بالشكل في نظام السداد ... جاء مستخلصا لسبك المعاني ... كالدنانير من يد النقاد ... نظم شعر ونثر قول يروقان ... كنور الرياض غب العهاد

لايعنيك بالهجاء ولايش ... كل في الخط بين صاد وضاد ... وكأن السطور منه سموط ... بل عقود يلحن في أجياد ... فتحفظ ما فيه من ملح الآ ... داب واضبط طرائق الإسناد ... واحذر اللحن في الرواية والتح ... ريف فيها والكسر في الإنشاد ... والقياس الجلي يوجدك الإخ ... بار في نشره على الأفراد ...

فانظر عنايته بأن الإخبار الجملي يتضمن الإخبار التفصيلي وأن القياس
الجلي يقتضي ذلك ففيه إشارة إلى جواز الإجازة المطلقة
و أجل شيء نعرفه لمتقدم في الإجازة المقيدة وأجلاه لفظا وأصحه معنى ما ذكره أبو عيسى الترمذي الإمام الحافظ في كتاب العلل له في آخر الديوان في باب التاريخ الذي نقله عن الإمام أبي عبد الله البخاري رحمه الله وقد انتهى بالسماع عليه إلى بعض حرف العين ما نصه
قال أبو عيسى إلى هاهنا سماعي من أبي عبدالله محمد بن إسماعيل من أول الحكايات وما بعدها فهو مما أجازه لي وشافهني به

بعدما عارضته بأصله إلى أن ينقضي به كلام محمد بن إسماعيل فقال قد أجزت لك أن تروي إلى آخر باب ي انتهى
هذا أجلى نص تجده في الإجازة لمتقدم معتمد من لفظ قائله نعم تجد ألفاظا مطلقة مجملة غير مفسرة منقولة عنهم بالمعنى أو ظواهر محتملة
وهذا كان دأب تلك الطبقة من الإجازة في المعين أو الكتبة له و ما أرى الإجازة المطلقة حدثت إلا بعد زمن البخاري حيث اشتهرت التصانيف وفهرست الفهارس وإن كان بعضهم قد نقل الإجازة المطلقة عن ابن شهاب الزهري وغيره فما أرى ذلك يصح والله الموفق
وإنما الذي صح عندنا الإسناد الصحيح عن الزهري تسويغ ذلك في المعين كما أنا أبو عبد الله بن طرخان أنا أبو طالب بن حديد أنا أبو طاهر الأصبهاني أنا أبو الحسن الصرفي أنا أبو الحسن الفالي أنا ابن خربان أنا ابن خلاد نا زكرياء بن يحيى الساجي قال نا هارون ابن سعيد الأيلي قال نا أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر قال أشهد على ابن شهاب لقد كان يؤتى بالكتب فيقال له يا أبا بكر هذه كتبك فيقول نعم فيجتزيء بذلك وتحمل عنه ما قريء عليه

رجاله كلهم ثقات
وذكر الإمام أبو عمرو بن الصلاح في هذا المذهب الخامس أنه مذهب حادث للمتأخرين وقد وقع نحو منه لبعض المتقدمين وهو ما سمعته يقرأ بثغر الإسكندرية على شيخنا العدل أبي عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان بالسند المتقدم وأنا به أيضا بها أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الصقلي البزاز المتفقه قال أنا أبو محمد بن رواج سماعا عليه قال أنا الحافظ أبو طاهر السلفي سماعا عليه بالسند المتقدم إلى أبي محمد بن خلاد قال نا محمد بن أحمد بن محمويه العسكري قال نا أبو زرعة الدمشقي قال أخبرني عبد الرحمن بن إبراهيم عن عمرو بن أبي سلمة قال قلت للأوزاعي في المناولة أقول فيها حدثنا قال إن كنت حدثتك فقل فقلت أقول فيها أخبرنا قال لا قلت فكيف أقول قال قل قال أبو عمرو وعن أبي عمرو

قلت وقد استعمل عن في الإجازة المطلقة على المصطلح الذي ذكره أبو عمرو بن الصلاح شيخنا الإمام العلامة النقاب النسابة الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف التوني حافظ البلاد المصرية وهو مما أجازه لي في بعض تخاريجه التي خرج من عالي حديثه قال
قريء على الشيخ الصالح المعمر أبي الحسن بن أبي عبد الله بن أبي الحسن البغدادي وأنا أسمع عن الشريف النقيب أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن علي بن إسماعيل بن علي بن سليمان بن يعقوب بن إبراهيم ابن محمد بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب المكي أنا ابو علي الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن أحمد ابن إبراهيم بن العباس الشافعي المكي قراءة عليه وأنا أسمع بها أنا أبو الحسن أحمد بن علي بن أحمد بن فراس العبقسي المكي نا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبد الله الديبلي نا أبو صالح محمد بن أبي الأزهر المكي نا إسماعيل بن جعفر المدني أخبرني عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله وكانت قريش تحلف بآبائها فقال لا تحلفوا بآبائكم
قال شيخنا الحافظ أبو محمد رواه مسلم عن يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر فوقع لنا بدلا عاليا تساعيا

ورواه أيضا نازلا عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن جده عن عقيل عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر بن الخطاب
فباعتبار هذا العدد إلى النبي صلى الله عليه و سلم كأني سمعته من مسلم وصافحته به ولله الحمد والمنة وهو ولي التوفيق
قلت فقوله عن الشريف النقيب يعني إجازة
و أبو الحسن بن أبي عبد الله هو علي بن الحسين بن أبي الحسن علي بن منصور بن أبي منصور البغداذي الأزجي الحنبلي النجار شهر بابن المقير وكان شيخا صالحا تاليا للقرآن كثير السماع صحيحه وله إجازات عالية وامتد أجله حتى ألحق الصغار بالكبار وكانت فيه غفلة وتوفي بالقاهرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة وكان مولده مستهل شوال من سنة خمس وأربعين و خمسمائة عاش مائة إلا سنتين إلا خمسة و أربعين يوما ذكر هذا أبو بكر المهلبي في معجمه فيما وجدته عنه وهذا الحديث وقع أيضا لشيخنا الشريف المحدث شرف المحدثين تاج الدين أبي الحسن علي بن أبي العباس أحمد بن عبد المحسن الحسيني

الغرافي رضي الله عنه وعن سلفه الكريم مصافحتة لمسلم وهو عندنا عنه باتصال السماع
قرأت عليه بلفظي ونسخت من أصل بثغر الإسكندرية المحروس قال
أخبرني الحافظ أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر بن القطيعي قراءة عليه و أنا أسمع ببغداذ قال أنا الشريف أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي المكي قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا أبو علي الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن بن محمد الشافعي المكي بها قراءة عليه وأنا اسمع قال أنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن علي بن أحمد بن فراس المكي العبقسي نا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبدالله بن الفضل المكي الديبلي قراءة عليه من كتابه نا أبو صالح محمد بن أبي الأزهر المعروف بابن زنبور المكي مولى بني هاشم نا إسماعيل يعني ابن جعفر فذكره سواء بنصه حرفا حرفا بحرف فكأن شيخنا الشريف أبا الحسن صافح به مسلما وسمعته منه وكأني صافحت به إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم وسمعته منه وهذا من بعض فوائد الرحلة و الحمد لله

@ 86 @

الباب الثاني
في الأدلة التي استدل بها مسلم رحمه الله في مقدمة كتابه والمحاكمة معه إلى حكم الإنصاف وما يتعلق بذلك أعلم وفقني الله وإياك للصواب أن مسلما رحمه الله استدل على صحة قوله أنه لا يشترط في الإسناد المعنعن إلا المعاصرة فقط بما محصله على التخليص والتخليص أربعة أدلة
الأول
أنه قال ما معناه قد اتفقنا نحن وأنتم على قبول خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة إذا ضمهما عصر واحد وأنه حجة يلزم به العمل ثم أدخلت فيه الشرطة زائدا
فحاصل هذا الكلام ادعاء الإجماع على قبول المعنعن الذي هذه صفته مطلقا من غير تقييد بشرط اللقاء وهو أعم أدلته
فكأنه يقول الإجماع يتضمنه بعمومه وإطلاقه فمن أثبت الشرط

طالبناه بالنقل عمن سلف أو بالحجة عليه إن عجز عن النقل
والجواب عن هذا الإستدلال أنا لا نحكم دعواك الإجماع في محل النزاع لما نقلناه في ذلك عمن سلف كالبخاري أستاذك وعلي بن المديني أستاذ أستاذك ومكانهما من هذا الشأن شهرته مغنية عن ذكره ولكن لا بد من الإشارة إليه ولو بلحظة والتنبيه عليه ولو بلفظة
قال البخاري ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني
ووجدت عن أبي العباس أحمد بن منصور بن محمد بن أحمد الشيرازي أنه قال سمعت محمد بن عبد الله بن بشر الفارسي يقول سمعت محمد بن أبي صالح الترمذي يقول سمعت أبا عيسى الترمذي يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول قال لي علي بن المديني الناس يقولون أنك تتعلم مني ووالله إني لأتعلم منك أكثر مما تتعلم مني ورأيت أنت مثل نفسك يا أبا عبد الله
وقال أبو عبيد القاسم هو ابن سلام إنتهى الحديث إلى أربعة أبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي

ابن المديني أبو بكر أسردهم له وأحمد أفقههم فيه ويحيى أجمعهم له وعلي أعلمهم به
إذ ثبت نقل الشرط الذي طالبتنا به بطل الإجماع الذي ادعيته في محل النزاع وهو الإكتفاء في قبول المعنعن بشرط المعاصرة فقط ولسنا ننازعك في أن أخبار الآحاد حجة يجب العمل بها بالإجماع في الجملة وإنما ننازعك في قبول المعنعن منها مكتفى فيه بالمعاصرة فقط وإجماعك لا يتناول ذلك وما ادعيت من أنا أدخلنا فيه الشرط زائدا فلنا أن نعكسه عليك بأن نقول بل أنت نقصت من الإجماع شرطا

فإنا قد اتفقنا نحن وأنت على قبول المعنعن من غير المدلس إذا كان قد ثبت لقاؤه له فنقصت أنت من شروط الإجماع شرطا فتتوجه عليك المطالبة بالدليل على إسقاطه و كأنك لما استشعرت توجه المطالبة عدلت إلى النقض باشتراط السماع في كل حديث حديث وقد تقدم الجواب عنه
وتبين الآن أن قائلون بمحل الإجماع وأنا لم نزد شرطا بل أنت نقصته ففلجت حجة خصمك عليك
وأما الحجة التي طلبت على صحة مذهبنا فقد قدمناها بما أغنى عن الإعادة فليراجعها من يناضل عنك
ثم نقول إنك يرحمك الله استشعرت خرم ما ذكرت من الإجماع لما كان عندك استقرائيا بما توقعت أن ينقل لك من الخلاف فعدلت إلى المطالبة بالحجة وذلك توهين منك لنقل الإجماع في محل النزاع على أنا لم نسلم لك أنه يتناول محل الخلاف والله تعالى الموفق والمرشد
الدليل الثاني
ما ذكرناه من إلزامه لنا النقض بأنه يلزمنا من ذلك الشرط ألا نثبت إسنادا معنعنا حتى نرى فيه السماع من أوله إلى آخره لمكان تجويز الإرسال
وقد تقدم أيضا الجواب عن إلزام هذا النقص بما أغنى عن الإعادة

ثم إنه مثل ذلك بأمثلة منها حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال إن كلا منهم يتحقق سماع بعضهم من بعض فهشام من أبيه عروة وعروة من خالته عائشة وعائشة من النبي صلى الله عليه و سلم
ثم قال وقد يجوز إذا لم يقل هشام في رواية يرويها عن أبيه
سمعت أو أخبرني أن يكون بينه وبين أبيه في تلك الرواية إنسان آخر أخبره بها عن أبيه
ثم طرق الاحتمال أيضا في قول عروة عن عائشة وأتبع ذلك بأمثلة من الرواة لقي بعضهم بعضا وأسندوا رواياتهم معنعنين ممن لم يتهم بالتدليس على أن هشاما قد وقع له بعض الشيء
وذلك ما أخبرنا به إجازة أبو محمد عبد الله بن محمد الطبري ببيت المقدس عن أبي الحسن علي بن الحسين بن منصور الأزجي عن أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي عن أبي بكر أحمد بن خلف النيسابوري كله إجازة عن الحافظ أبي عبد الله الحاكم قال أخبرني قاضي القضاة محمد بن صالح الهاشمي قال نا أبو جعفر المستعيني قال نا عبد الله بن علي المديني قال قال أبي وذكر فوائد منها وسمعت يحيى يقول كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت ما خير رسول الله

صلى الله عليه و سلم بين أمرين و ما ضرب بيده شيئا قط الحديث قال يحيى لما سألته قال أخبرني أبي عن عائشة قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أمرين لم أسمع من أبي إلا هذا والباقي لم أسمعه إنما هو عن الزهري
ذكره الحاكم في علوم الحديث له في باب المدلسين
فحاصل ما أتيت به أيها الإمام من الأمثلة أن من علم سماعه من إنسان

ثم اختلفت الرواة عنه فزاد بعضهم بينهما رجلا أو أكثر وأسقطه بعضهم ومثلت ذلك بهشام عن أبيه عن عائشة فإنه يحكم لمن زاد بالاتصال ولمن نقص بالإرسال
وهذه المسلة أيها الإمام من معضلات هذا العلم وهي من باب العلل التي يعز لدائها وجود الدواء يتعذر في كثير منها الشفاء فكيف يصح أن يجعل ما هذه حاله دليلا في محل النزاع أو يحكم فيه حكما جمليا وليت الحكم التفصيلي يكشف بعض أمره
فنقول إذا ورد حديث معنعن عن رواة لقي بعضهم بعضا ثم ورد ذلك الحديث بعينه بزيادة رجل منصوصا على التحديث فيه أو معنعنا أيضا نظرنا إلى حفظ الرواة وكثرة عددهم وانفتح باب الترجيح فحكمنا لمن يرجح قوله من الزائد أو الناقص أو لمن تيقنا صوابه كأن نتحقق أنه لم يسمعه ممن رواه عنه مرسلا أو أن ذلك الزائد في الإسناد خطأ كما قد نحكم بذلك إذا كان الحديث بلفظ نا ثم زاد أحدهما راويا نقصه غيره أو أن الحديث عند الراوي عنهما معا و قد بان ذلك كله في بعضها كما هو معلوم عند أهل الصنعة
فإن أشكل الأمر توقفنا وجعلنا الحديث معلولا إذ كل واحد من الطريقين متعرض لأن يعترض به على الآخر إذ لعل الزائد خطأ وإذا كان الزائد بلفظ عن أيضا فلعله نقص رجل آخر غير ذلك المزيد وإنما يرتفع هذا الاحتمال إذا قال الراوي الزائد حدثنا ويبقى احتمال

أن يكون الحديث عنده عنهما معا
فأما أن يحكم بأنه لم يسمعه منه لزيادة رجل في الإسناد مطلقا ففيه نظر لا سيما في رواية الأبناء عن الآباء عن الأجداد أو عن الآباء فقط أو الإخوة بعضهم عن بعض فكثيرا ما يتحملون النزول ويدعون العلو وإن كان عندهم حرصا على ذكره عن الآباء والأجداد وإبقاء للشرف ولذلك ما تجد الأسانيد تنزل كثيرا في المسافة في هذا النوع فيدعون الإسناد العالي إيثارا لطلب المعالي
كما أنا يوما شيخنا أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن أبي الحسن عبد الوهاب بن الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر الدمشقي بمنزله من مكة شرفها الله تعالى بحديث من طريق آبائه فيه نزول في المسافة فذكر لنا أنه وقع له بسند أعلى منه و إنما آثر هذا لذكر آبائه ثم قال ومثل ذلك عند أهل الصنعة يقصد وعليه في إرث المنقبة يعتمد وإليه في علو المرتبة يعمد
كما حدثني شيخنا الحافظ الإمام فقيه أهل الشام أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان رحمه الله من لفظه إملاء وقراءة غير مرة قال حدثني أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد بمرو الشاهجان وكتب به إلينا أبو المظفر منها عن أبي التضر عبد الرحمن بن عبد الجبار

الفامي قال سمعت السيد أبا القاسم منصور بن محمد العلوي يقول الإسناد بعضه عوال وبعضه معال وقول الرجل حدثني أبي عن جدي من المعالي
قريء لنا هذا على أبي اليمن وأنا أسمع
وقريء لنا أيضا عليه وأنا أسمع بباب الصفا قال أنا الشيخ أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ رحمه الله قراءة أنا أبو محمد عبد الواحد بن عبد الماجد بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري قراءة أنا أبو بكر عبد الغفار بن محمد بن الحسين بن علي الشيرويشي قال سمعت عمر بن احمد الزاهد يقول سمعت محمد ابن عبدالله الحافظ يقول سمعت الزبير بن عبد الواحد الحافظ يقول حدثني محمد بن عبدالله بن سليمان العطار نا سعيد بن عمر ابن أبي سلمة نا أبي قال سمعت مالك بن أنس رحمه الله يقول في قول الله عز و جل وإنه لذكر لك ولقومك قال قول الرجل حدثني أبي عن جدي
وقد حكم بعض المتأخرين بإرسال الناقص ووصل الزائد وهو الذي

ظهر منك أيها الإمام في حكمك هنا وهو كما قدمناه لا يسلم من التعقب بأن يعترض على أحدهما بالآخر
فمن ذلك أنك قلت
إن أيوب السختياني وابن المبارك ووكيعا وابن نمير وجماعة غيرهم رووا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم لحله ولحرمه بأطيب ما أجد
فروى هذه الرواية بعينها الليث بن سعد وداود العطار وحميد بن الأسود ووهيب بن خالد وأبو أسامة عن هشام قال أخبرني عثمان ابن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم
ثم أوردت في كتابك حديث عثمان لأنه الذي رجح عندك أنه

المسند ومن أسقطه أرسل ولسنا ننفي أن يحصل ظن في بعض الأحاديث بأن الحكم لمن زاد كما قد يرجح أيضا في بعض أن الحكم لمن نقص فتعميم الحكم في المسألة لا يصح

@ 98 @

ثم قلت وروى هشام عن أبيه عن عائشة كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض
فرواها بعينها مالك بن أنس عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم
قلت وهذا أيضا من ذلك القبيل حكمت فيه أن من نقص عمره فهو مرسل
والصحيح في هذا الحديث أنه عند ابن شهاب عن عروة وعمرة معا

عن عائشة وهو الذي اعتمد البخاري فقال
نا قتيبة قال نا ليث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النيي صلى الله عليه و سلم قالت وإن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجته إذا كان معتكفا
و أما أنت فظهر من فعلك في كتابك أنك لم يصف عندك كدر الإشكال في هذا الحديث فأوردت في كتابك حديث مالك مصدرا به بناء على اعتقادك فيه الاتصال وفي غيره الانقطاع فقلت
نا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عمرة عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان
ثم أتبعته باختلاف الرواة فيه على شرطك من أنك لا تكرر إلا لزيادة معنى أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك فقلت
حدثنا قتيبة بن سعيد قال نا ليث ح وحدثنا محمد بن مح

قال أنا الليث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنة ! عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة وإن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا وقال ابن رمح إذا كانوا معتكفين
فقد بين الليث في حديثه عندك وعند البخاري أنه له عنهما وقد كان يمكننا أن نقول إنه عند ابن شهاب عن عروة وعمرة بهذا السياق الأتم وعن عروة فقط مختصرا لولا ما أورده البخاري عن ابن شهاب عن عروة وعمرة مختصرا أيضا
وقد كفى الإمام أبو عبد الله البخاري مؤونة البحث وبين أنه عند عروة مسموع من عائشة فذكر رواية هشام عن أبيه بإسقاط عمرة من طريق مالك وابن جريح عن هشام عن أبيه عن عائشة ووقع في رواية ابن جريج من قول عروة أخبرتني عائشة وذكر الحديث في كتاب الحيض من صحيحه في باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله فقال
نا إبراهيم بن موسى قال نا هشام بن يوسف أن ابن جريح أخبرهم قال أنا هشام بن عروة عن عروة أنه سئل أتخدمني الحائض أو تدنو مني المرأة وهي جنب فقال عروة كل ذلك علي هين وكل ذلك يخدمني وليس على أحد في ذلك بأس أخبرتني عائشة أنها

كانت ترجل رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي حائض ورسول الله صلى الله عليه و سلم حينئذ مجاور في المسجد يدني لها رأسه وهي في حجرتها فترجله وهي حائض
فهذا نص جلي على سماع عروة من عائشة وذلك بخلاف ما اعتقده مسلم رحمه الله من انقطاع رواية من أسقط عمرة من الإسناد فيما بين عروة وعائشة
ولم يقل فيه أحد عن عروة عن عمرة إلا مالك رحمه الله وأنس ابن عياض عن عبيد الله بن عمر عن الزهري فتابع مالكا والجمهور على خلافهما بين ذلك الإمام أبو الحسن الدارقطني في جزء له جمعه في الأحاديث التي خولف فيها مالك رضي الله عنه فقال
روى مالك في الموطأ عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله
خالفه عقيل بن خالد ويونس بن يزيد والليث بن سعد فرووه عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة وقيل ذلك عن الأوزاعي وتابعهم ابن جريح والزبيدي والأوزاعي ومعمر وزياد بن سعد وابن أخي الزهري وعبد الرحمن بن نمير ومحمد بن أبي حفصة وسفيان بن حسين وعبد الله بن بديل وغيرهم فرووه عن الزهري عن عروة عن عائشة لم يذكروا فيه عمرة ويشبه أن يكون القول قولهم لكثرة

عددهم واتفاقهم على خلاف مالك
وقد رواه أنس بن عياض أبو ضمرة عن عبيد الله بن عمر عن الزهري فوافق مالكا ولا نعلم أحدا تابع أبا ضمرة على هذه الرواية عن عبيد الله والله أعلم انتهى كلام الدارقطني رحمه الله

قلت والله المرشد والصحيح عندي في هذا الحديث أنه عند ابن شهاب عن عروة وعمرة معا ولاشك أنه عند عروة مسموع من عائشة كما بينه البخاري من طريق ابن جريح حيث قال أخبرتني عائشة ويؤيد ذلك أن مالكا رضوان الله عليه قد اختلف عليه في

هذا الحديث كما نبينه فروايته فيه مضطربة
قال الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر هكذا قال مالك في هذا الحديث عن ابن شهاب عن عروة عن عمرة عن عائشة كذلك رواه عنه جمهور رواة الموطأ قال وممن رواه كذلك فيما ذكر الدارقطني معن بن عيسى والقعنبي وابن القاسم وأبو المصعب وابن بكير ويحيى بن يحيى يعني النيسابوري وإسحاق بن الطباع وأبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي وروح بن عبادة وأحمد بن إسماعيل وخالد بن خالد وبشر بن عمر الزهراني
قلت وذكر أبو عيسى الترمذي عن مالك خلاف ذلك فإذا كان الأمر هكذا فترجع إلى الإعتماد على رواية الليث فإنها فيما علمت لم تضطرب ولم يختلف عليه وقد بين ذلك الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه فشفى وكفى يC
أنا محمد بن طرخان العدل سماعا عليه بثغر الإسكندرية قال أنا أبو الحسن علي ابن أبي الكرم بن البناء سماعا عليه قال أنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي الهروي سماعا عليه قال أنا المشايخ الثلاثة أبو عامر الأزدي وأبو نصر الترياقي وأبو بكر الغورجي قالوا أنا أبو محمد الجراحي قال أنا أبو العباس المحبوبي قال أنا أبو عيسى الترمذي نا أبو مصعب المدني قراءة عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة أنها قالت كان رسول الله

صلى الله عليه و سلم إذا اعتكف أدنى إلي رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح هكذا روى غير واحد عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة وروى بعضهم عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عمرة عن عائشة والصحيح عن عروة وعمرة عن عائشة وهكذا روى الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة نا بذلك قتيبة عن الليث
انتهى كلام أبي عيسى حاكما بأن الصحيح عن عروة وعمرة وقاضيا في ظاهر الأمر بأن قول مالك الموافق للجماعة أولى من قوله المخالف لهم والله الموفق
وذلك خلاف ما ظهر من أبي عمر بن عبد البر من أن الصحيح عن مالك ما رواه عنه الجماعة من قولهم عن عروة عن عمرة إلا أن

أبا عمر لم يتعرض للصحيح في نفس الأمر ما هو وفيما ذكره أيضا أبو عمر عن الدارقطني من أن رواية أبي المصعب مثل رواية من سمى معه خلاف لما قاله أبو عيسى الترمذي عن أبي المصعب و ما قاله أبو عيسى عنه أولى فإنه سمع ذلك منه قراءة
ثم قلت
وروى الزهري وصالح بن أبي حسان عن أبي سلمة عن عائشة كان النبي صلى الله عليه و سلم يقبل وهو صائم
فقال يحيى بن أبي كثير في هذا الخبر في القبلة أخبرني أبو سلمة أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عروة أخبره أن عائشة أخبرته أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقبلها وهو صائم

@ 108 @

فزاد يحيى كما تراه في الإسناد رجلين نصا على الإخبار فاعتمدت في كتابك على حديث يحيى بن أبي كثير لأنه زاد في الإسناد والحكم عندك لمن زاد ولسنا نسلم ذلك فإن أبا سلمة معلوم السماع من عائشة والزهري ويحيى إمامان وصالح بن أبي حسان صالح للمتابعة والاعتبار وهو معلوم السماع من أبي سلمة وسعيد بن المسيب ذكر سماعه منهما البخاري فيما حكاه القاضي أبو الفضل وغيره فتقوى به جانب الزهري

ولنذكر ما حضرنا من الكلام في صالح هذا
قال أبو حاتم الرازي فيه ضعيف الحديث نقله عنه الإمام أبو الفرج ابن الجوزي وقال ابن البرقي صالح بن أبي حسان مدني روى عنه ابن أبي ذئب وهو ممن احتملت روايته لرواية الثقات عنه
قلت وممن روى عنه بكير بن الأشج ذكر البخاري روايتهما عنه
وقال أبو علي الجياني فيما حكى عنه أبو الفضل عياض وصالح بن أبي حسان مدني ثقة
وذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن خلف أن الترمذي

نقل عن البخاري أنه وثقه
قلت والذي نقله أبو عبد الله صحيح
قال أبو عيسى الترمذي في باب ترقيع الثوب من كتاب اللباس من -

جامعه سمعت محمدا يعني البخاري يقول صالح بن حسان منكر الحديث وصالح بن
أبي حسان الذي روى عنه ابن أبي ذئب - ثقة وما قاله أبو عبد الرحمن النسوي فيما حكى عنه الصدفي بسنده في صالح بن أبي حسان هذا إنه مجهول روى عنه ابن أبي ذئب فلا يضره إذا عرفه غيره وهكذا دأب العلماء يعرف أحدهم من لا يعرفه الآخر
و مع ذلك فيحتمل أن يكون الحديث عند أبي سلمة عن عائشة ويكون عنده أيضا عن عمر بن عبد العزيز عن عروة عن عائشة فاحتاج إلى نقله من طريق عمر بن عبد العزيز لأرب له في ذلك

فأعد نظرا في هذا الحديث فإنه لا يصفو من كدر العلة
ثم قلت وروى ابن عيينه وغيره عن عمرو بن دينار عن جابر قال أطعمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمير الأهلية

فرواه حماد بن زيد عن عمرو عن محمد بن علي عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم
قلت وهذا أيضا من ذلك القبيل حكمت فيه لرواية حماد على رواية سفيان فأوردت رواية حماد في كتابك وليس حماد بن زيد ممن يضاهى بسفيان بن عيينة لاسيما في عمرو بن دينار فهو لمليء الثبت فيه المقدم على غيره
قال ابن الجنيد قلت ليحيى من أثبت في عمرو بن دينار سفيان أو محمد بن مسلم فقال سفيان أثبت في عمرو بن دينار من محمد بن مسلم و من داود العطار ومن حماد بن زيد سفيان أكثر حديثا منهم عن عمرو وأسند قيل فابن جريج قال هما سواء
قال عثمان بن سعيد قال يحيى بن معين ابن عيينة أحب إلي في عمرو بن دينار من سفيان الثوري وهو أعلم به ومن حماد بن زيد قلت فشعبة قال قال وأي شيء عند شعبة عن عمرو بن دينار إنما يروي عنه نحوا من مائة حديث

وقال سفيان بن عيينة جالست عمرو بن دينار ثنتين وعشرين سنة
فكيف يقدم أحد على من هذه حاله في عمرو مع أن عمرا معلوم بالرواية عن جابر وقد تابع سفيان على قوله الحسين بن واقد ذكر ذلك النسوي
وما أرى محمد بن علي في هذا الموضع إلا من المزيد في متصل الأسانيد والله أعلم

@ 115 @

@ 116 @

@ 117 @

وهو أبو جعفر محمد بن أبي الحسن ويقال أبو الحسين ويقال أبو محمد زين العابدين بن أبي عبد الله الحسين بن أبي الحسن والحسين علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنهم وهو مدني تابعي ثقة سمع أباه وجابرا ولهم شيء ليس بغيرهم خمسة أئمة في نسق فإن محمدا سمع منه ابنه أبو عبد الله جعفر بن محمد روى عن جعفر مالك وغيره وهو فقيه إمام
ثم قلت رحمك الله وهذا النحو في الروايات كثير يكثر تعداده و فيما ذكرنا منها كفاية لذوي الفهم فإذا كانت العلة عند من

وصفنا قوله قبل في فساد الحديث وتوهينه إذا لم يعلم أن الراوي قد سمع ممن روى عنه شيئا إمكان الإرسال فيه لزمه ترك الاحتجاج في قياد قوله برواية من يعلم أنه قد سمع ممن روى عنه إلا في نفس الخبر الذي فيه ذكر السماع لما بينا من قبل عن الأئمة الذين نقلوا الأخبار أنه كانت لهم تارة يرسلون فيها الحديث إرسالا ولا يذكرون من سمعوه منه وتارات ينشطون فيها فيسندون الخبر على هيئة ما سمعوا فيخبرون بالنزول فيه إن نزلوا أو بالصعود إن صعدوا كما شرحنا ذلك عنهم وما علمنا أحدا من أئمة السلف ممن يستعمل الأخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها مثل أيوب السختياني وابن عون و مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهم من أهل الحديث فتشوا عن موضع السماع في الأسانيد كما ادعاه الذي وصفنا قوله من قبل وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواية

الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته ويتفقدون ذلك منه كي تنزاح عنهم علة التدليس فأما ابتغاء ذلك من غير مدلس على الوجه الذي زعم من حكينا قوله فما سمعنا ذلك عن أحد ممن سميناه ولم نسم من الأئمة
انتهى كلامه محتويا على ثلاثة فصول الأول
سؤال النقض بإلزام التنصيص على السماع في كل حديث حديث وقد تقصينا الكلام فيه قبل وتقصينا عن عهدته بما أغنى عن الإعادة الثاني
الحكم أيضا على هؤلاء الأئمة الذين نقصوا من الإسناد رجلا أو أكثر أنهم أرسلوا لأنهم غير مدلسين

و هذا يقتضي أن كثيرا من الأسانيد المعنعنة مرسلة الثالث
أنهم إنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواية الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس
وهذان الفصلان مشكلان فإنك قلت إنهم يرسلون كثيرا وأن هذا في الروايات كثير يكثر تعداده
وقلت إن المعنعن يحمل على الاتصال حتى يتبين الانفصال
وذلك ببادي الرأي متناقض
وقد كنت أرى قديما أيان كنت مقلدا لك في دعوى الإجماع في أن عن محمولة على الاتصال ممن ثبتت معاصرته لمن روى عنه أن من عنعن عمن سمع منه ما لم يسمع مدلس و كنت أرى أن دليلك على

صحة مذهبك إنما ينتهض بهذا وأوافق في ذلك الإمام أبا عمرو بن الصلاح حيث احتج لصحة هذا المذهب بأنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا وكان ذلك عندي دليلا راجحا
وأضيف إلى ذلك ما استدل به أيضا الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر حيث قال ومن الدليل على أن عن محمولة عند أهل العلم بالحديث على الاتصال حتى يتبين الانقطاع فيها
ما حكاه أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه سئل عن حديث المغيرة بن شعبة أن
النبي صلى الله عليه و سلم مسح أعلى الخف وأسفله
فقال هذا الحديث ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال عن ابن المبارك أنه قال عن ثور حدثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة وليس فيه المغيرة قال أحمد وأما الوليد فزاد عن المغيرة و جعله ثور عن رجاء ولم يسمعه ثور من رجاء لأن ابن المبارك قال فيه عن ثور حدثت عن رجاء قال أبو عمر بن عبد البر ألا ترى أن أحمد بن حنبل عاب على الوليد بن مسلم قوله عن في منقطع ليدخله في الاتصال قال فهذا بيان أن عن ظاهرها الاتصال حتى يثبت فيها غير ذلك قال ومثل هذا عن

العلماء كثير
قلت وهذا الدليل الذي استدل به أبو عمر بن عبد البر كما تراه في غاية الضعف فإنه استدلال بمسألة جزئية والوليد بن مسلم معروف بالتدليس بل بالتسوية و هي شر أنواع التدليس فعتب أحمد على الوليد لما عرف منه
و كان أبو عمرو ابن الصلاح إنما انتزع دليله من هذا ولكن أتى به كليا فكان أنهض شيئا
فلما تتبعت أيها الإمام كلامك وتبينت ما ذكرت فيه عن الأئمة الماضين من أنهم يرسلون كثيرا بلفظ العنعنة وليسوا مدلسين انتقض علي ذلك الدليل وضعف استدلالك أيها الإمام بمجرد العنعنة من المعاصر فاحتجت إلى أن أزيد في ذلك قيد اللقاء أو السماع في الجملة إذ لا أقل منه وأن أشترط في حد التدليس ما قدمته من أن يعنعن عمن سمع ما لم يسمع موهما أنه سمعه و لا يفعل ذلك حيث يوهم ولولا ما فهم العلماء ذلك من قوم جلة ما عدوهم مدلسين وعدوا مثلهم في الرتبة أو دونهم مرسلين كما اقتضاه كلامك هنا على أنك استعملت الإرسال استعمال الفقهاء بمعنى ما ليس بمتصل والمعروف من عرف المحدثين

هو ما أرسله التابعي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مسقطا ذكر الصحابي وقد وجدت معنى ما قلته بعدما قررته هذا التقرير للإمام أبي عمر ابن عبد البر قال رحمه الله
وجملة تلخيص القول في التدليس الذي أجازه من أجازه من العلماء بالحديث هو أن يحدث الرجل عن شيخ قد لقيه وسمع منه بما لم يسمع منه و سمعه من غيره عنه فيري أنه سمعه من شيخه ذلك وإنما سمعه من غيره أو من بعض أصحابه عنه ولا يكون ذلك إلا عن ثقة فإن دلس عن غير ثقة فهو تدليس مذموم عند جماعة أهل الحديث فإن دلس عن غير ثقة فهو تدليس مذموم عند جماعة أهل الحديث و كذلك إن دلس عمن لم يسمع منه فقد جاوز حد التدليس الذي رخص فيه من رخص من العلماء إلى ما ينكرونه و يذمونه ولا يحمدونه وبالله العصمة لا شريك له انتهى كلامه
وقد يحسن أن يظن بمن فعل ذلك من الأئمة أنهم كانت لهم من مشيختهم

إجازة فعنعنوا معتمدين عليها فلما استفسروا عن السماع بينوه
والمسألة مع هذا لا تخلو من كدر الإشكال وقد أصفينا لكم منها ما استطعنا فيما تقدم وروقناه لوراده
والكلام في التدليس وأنواعه وأحوال فاعليه يستدعي إطالة لا يحتملها إيجاز هذا المختصر وهذا القدر هنا كاف إن شاء الله
الدليل الثالث من أدلة مسلم
وهو أخص من الأول و كأنه من تتمة الثاني إذ عرضه في معرض التمثيل
تحريره أن قبول أحاديث الصحابة بعضهم عن بعض مجمع عليه دون طلب ولا بحث عن لقاء أو سماع بل من مجرد المعاصرة وأبدى من ذلك مثالا أشار فيه إلى حديثين ادعى الإجماع على قبولهما وذلك قوله فمن ذلك أن عبد الله بن يزيد الأنصاري وقد رأى

النبي صلى الله عليه و سلم قد روى عن حذيفة وعن أبي مسعود الأنصاري عن كل واحد منهما حديثا يسنده إلى النبي صلى الله عليه و سلم وليس في روايته عنهما ذكر السماع منهما ولا حفظنا في شيء من الروايات أن عبد الله بن يزيد شافه حذيفة وأبا مسعود بحديث قط ولا وجدنا ذكر رؤيته إياهما في رواية بعينها ولم نسمع عن أحد من اهل العلم ممن مضى ولا ممن أدركنا أنه طعن في هذين الخبرين الفصل بتمامه إلى قوله تكون سمة لما سكتنا عنه منها
فأقول والله المرشد الحديثان اللذان أشرت إليهما أما حديث عبد الله بن يزيد عن حذيفة

فقد خرجته في باب الفتن من كتابك وهو قول حذيفة رضي الله عنه
أخبرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة
وليسن فيه ذكر سماع و لا نعلم الآن من ذكر فيه سماعا وأما حديثه عن أبي مسعود
وهو حديث
نفقة الرجل على أهله صدقة
فخرجته أيضا في كتابك في باب النفقة على الأهل صدقة في

كتاب الزكاة معنعنا وليس فيه ذكر سماع
وخرجه البخاري وفيه عنده ذكر السماع منصوصا مثبتا ما أنكرت ذكره في المغازي في الباب الذي يلي شهود الملائكة بدرا فقال
نا مسلم قال نا شعبة عن عدي عن عبد الله بن يزيد سمع أبا مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال نفقة الرجل على أهله صدقة
وأخرجه أيضا في الإيمان وفي النفقات وليس فيه ذكر سماع
ففي هذا الحديث كما ترى إثبات ما غاب عن مسلم رحمه الله من سماع عبد الله بن يزيد من أبي مسعود البدري ولنا عن هذا الدليل جوابان
أحدهما عام والثاني خاص
أما العام فما ادعيت من الإجماع صحيح لكن لا يتناول محل النزاع فنحن نقول بموجبه ولا يلزمنا بحمد الله محذور
فإنك أتيت بمثال فيه رواية صاحب عن صاحب وهو عبد الله بن يزيد الأنصاري عن حذيفة وأبي مسعود وهو معدود عندك في كتاب -

الطبقات
- من تأليفك في الكوفيين من الصحابة رضي الله عنهم حيث قلت و عبد الله بن يزيد الأنصاري أدرك النبي صلى الله عليه و سلم ولم يحفظ منه شيئا

وكذلك ذكره البخاري وقال فيه قيل إنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم و ذكره أبو عمر بن عبد البر وقال إنه شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة
قلت ومن كان في هذا السن زمن الحديبية فكيف ينكر سماعه من النبي صلى الله عليه و سلم

قال أبو عمر وهو عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري من الأوس كوفي يروي عنه عدي بن ثابت عن البراء بن عازب وعن النبي صلى الله عليه و سلم وهو جد عدي بن ثابت يعني أنه أبو أمه وهو عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصن بن عمرو بن الحارث بن خطمة و خطمة هو عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس وكان أميرا على الكوفة على عهد عبد الله بن الزبير وشهد مع علي رضوان الله عليه صفين والجمل والنهروان و صلى عليه يوم مات الحارث الأعور

قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الحذاء رحمه الله وذكر أن عبد الله بن يزيد شهد بيعة الرضوان وما بعدها وفتح العراق وهو رسول القوم يوم جسر أبي عبيد يعد في أهل الكوفة قال ابن الحذاء وكانت لأبيه صحبة شهد أحدا وهلك قبل فتح مكة
قال أبو عمر بن عبد البر ويزيد والد عبد الله بن يزيد الخطمي روى
إنما الرقوب الذي لا يعيش له ولد الحديث
قال فيه نظر لأني أخشى أن يكون هذا الحديث من حديث بريدة الأسلمي
انتهى ما حضرنا في عبد الله بن يزيد فلنرجع إلى ما كنا بسبيله من قوله إنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم
فنقول الصحابة رضوان عليهم عدول بأجمعهم بإجماع أهل السنة على ذلك فلو قدرنا إرسال بعضهم عن بعض لم يضرنا

ذلك شيئا ولم يكن قادحا ولا يدخل هنا قولك إن المرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة لما قلناه من الاتفاق على عدالة الجميع ولذلك قبل الجمهور مراسل الصحابة رضوان الله عليهم عن النبي صلى الله عليه و سلم كابن عباس وغيره من صغار الصحابة ممن هو أصغر سنا منه
وبيقين نعلم أن ابن عباس لم يسمع من النبي صلى الله عليه و سلم كل ما رواه مما قال فيه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أو عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقد بين ذلك أبو عمارة البراء بن عازب الأنصاري الحارثي الكوفي رضي الله عنه

أنا محمد بن عبد الخالق أنا أحمد بن عبد الله بن الحسين أنا أحمد ابن محمد بن أحمد أنا المبارك بن عبد الجبار أنا علي بن أحمد ابن علي أنا أحمد بن إسحاق بن خربان أنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد نا عبد الوهاب بن رواحة العدوي نا أبو كريب نا إسحاق بن منصور عن إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول ليس كلنا كان يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت لنا ضيعة وأشغال ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهد الغائب
وقد قدمنا نحوا من ذلك عن أنس بن مالك
قال أبو جعفر محمد بن الحسين البغداذي وسمعت محمد بن نصر يقول سألت أبا عبد الله كم روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم سماعا قال عشرة أحاديث وقال يحيى بن سعيد القطان تسعة أحاديث
فانظر مقدار ما سمع مما روى عنه فهو من أصحاب الألوف روي له

ألف حديث وستمائة حديث وستون حديثا فيما قال أبو محمد بن حزم
وقال البرقي الذي حفظ عنه من الحديث نحو من أربعمائة حديث يعني البرقي والله أعلم ما صح على أن البرقي ليس في الحفظ من رجال ابن حزم وقد خرج له في الصحيحين مائة حديث وأربعة وثلاثون حديثا اتفقا منها على خمسة وسبعين وانفرد البخاري بمائة وعشرة ومسلم بتسعة و أربعين فيما ذكر ابو الفرج بن الجوزي رحمه الله
وقال الإمام الحافظ الأوحد أبو حاتم محمد بن حبان البستي رحمه الله وإنما قبلنا أخبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ما رووها عن النبي صلى الله عليه و سلم وإن لم يبينوا السماع في كل ما رووا وبيقين يعلم أن أحدهم ربما سمع الخبر عن صحابي آخر ورواه عن النبي صلى الله عليه و سلم من غير ذكر ذلك الذي سمعه منه لأنهم صلوات الله عليهم ورحمته ورضوانه وقد فعل كلهم أئمة سادة قادة عدول نزه الله جل وعلا أقدار أصحاب

رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أن يلزق بهم الوهن وفي قوله صلى الله عليه و سلم
ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب
أعظم الدليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف إذ لو كان فيهم أحد غير عدل لاستثني في قوله صلى الله عليه و سلم و قال ألا ليبلغ فلان وفلان منكم الغائب فلما أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ من بعدهم دل ذلك على أنهم كلهم عدول و كفى بمن عدله رسول الله صلى الله عليه و سلم شرفا انتهى ما أوردناه مما أردناه من كلام أبي حاتم البستي
واستدلاله بهذا من الحديث صحيح حسن والإجماع شاهد على ذلك
وما أحسن ما قاله الإمام أبو عمرو النصري في تحرير هذا المعنى من أن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع إحسانا للظن بهم ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر و كأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة
وهذا الذي قاله الإمام أبو عمرو النصري رحمه الله فقد سبقه إلى تحريره إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني وإنما جمع أطراف كلامه وأتي بمعناه وما راق من ألفاظه الحرة الجزلة
فإن اعترضت أيضا أيها الإمام بإمكان احتمال الإرسال عن تابعي إذ يحتمل أن يكون الصحابي رواه عن تابعي عن صحابي عن

رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكن أرسله قلنا نادر بعيد فلا عبرة به وغاية ما قدر عليه الحفاظ المعتنون أن يبرزوا من ذلك أمثلة نزرة تجري مجرى الملح في المذاكرات والنوادر في النوادي
فمن ذلك ما قريء وأنا أسمع بثغر الإسكندرية المحروس على أبي عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان الأموي
قال أنا أبو الحسن علي بن أبن الكرم نصر بن المبارك الأنصاري سماعا عليه قال أنا أبو الفتح الكروخي سماعا عليه قال أنا أبو عامر محمود بن القاسم الأزدي وأبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي وأبو نصر عبد العزيز بن محمد بن محمد الترياقي سماعا عليهم قالوا أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي سماعا عليه قال أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي سماعا عليه قال أنا أبو عيسى الترمذي سماعا عليه قال نا عبد بن حميد قال حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال حدثني سهل بن سعد الساعدي قال رأيت مروان ابن الحكم جالسا في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن النبي صلى الله عليه و سلم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله قال فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي فقال يا رسول الله والله لو استطعت الجهاد لجاهدت وكان رجلا أعمى فأنزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه و سلم وفخذه على فخذي فثقلت حتى همت ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله عليه غير أولي الضرر
هذا حديث حسن صحيح وفي هذا الحديث

رواية رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم عن رجل من التابعين روى سهل بن سعد الأنصاري عن مروان بن الحكم و مروان لم يسمع من النبي صلى الله عليه و سلم وهو من التابعين
انتهى كلام أبي عيسى خرجه في جامعه
وهذا السند أعلى سند يوجد فيه شرقا وغربا والحمد لله
الجواب الثاني وهو خاص أن نقول
قد اطلعنا والحمد لله أيها الإمام على صحة السماع لعبد الله بن يزيد من أبي مسعود وأحضرنا منه ما غاب عنك الإمام الكبير أبو عبد الله البخاري رحمه الله في جامعه الصحيح حسبما ذكرناه قبل من حديثه الذي ذكره في المغازي منصوصا فيه على السماع بما أغنى عن إعادته
فمن حكم بصحته وقبله وأدخله في كتابه اطلع على صحة السماع فيه وعلم منه ما لم تعلم هذا إن قدرنا منه مراعاة هذا الاحتمال النادر من رواية الصاحب عن التابع وما أبعد مراعاته فلا نعلم قال به من يعتمد من أئمة الحديث

وأما حديث عبد الله عن حذيفة فقد خرجته أنت أيها الإمام جريا على شرطك ولم يخرجه هو إما لعلة اطلع عليها بسعة علمه لم تطلع أنت عليها كالمعلوم منه فيما اتفق لك معه حسبما كتب إلينا مخبرا به غير مرة الشيخ شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن أبي حامد محمد ابن أبي الحسن علي بن محمود المحمودي الصابوني المصري
ومن أصل سماعه نقلت بحق سماعه على الشيخ الأمين المحدث أبي القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن هبة الله بن محمود بن الطفيل الدمشقي قال أنا الإمام الحافظ أبو طاهر السلفي الأصبهاني سماعا عليه قال سمعت القاضي أبا الفتح إسماعيل بن عبد الجبار الماكي بقزوين من أصل كتابه العتيق بخطه يقول سمعت أبا يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي الحافظ إملاء يقول أنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد المخلدي في كتابه أنا أبو حامد الأعمش الحافظ قال كنا عند محمد بن إسماعيل البخاري بنيسابور فجاء مسلم بن الحجاج فسأله عن حديث عبيد الله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم

في سرية ومعنا أبو عبيدة فساق له الحديث بطوله فقال محمد بن إسماعيل نا ابن أبي أويس نا أخي -

أبو بكر عن سليمان بن بلال عن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر القصة
بطولها فقرأ عليه إنسان حديث حجاج بن محمد عن ابن جريح عن موسى بن عقبة نا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال
كفارة المجلس واللغو إذا قام العبد أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله أستغفرك وأتوب إليك
فقال له مسلم في الدنيا أحسن من هذا الحديث ابن جريح عن موسى بن عقبة عن سهيل يعرف بهذا الإسناد حديث في الدنيا
فقال محمد بن إسماعيل إلا أنه معلول
قال مسلم لا إله إلا الله وارتعد أخبرني به
قال استر ما ستر الله هذا حديث جليل روي عن الحجاج عن ابن جريح

فألح عليه وقبل رأسه وكاد أن يبكي فقال اكتب إن كان ولا بد
نا موسى بن إسماعيل نا وهيب نا موسى بن عقبة عن عون بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كفارة المجلس
فقال مسلم لا يبغضك إلا حاسد و أشهد أن ليس في الدنيا مثلك
قلت وقد روى هذا الحديث البخاري في تاريخه الصغير
أنا غير واحد منهم الفقيه السري الفاضل الجليل أبو إسحاق إبراهيم ابن القاضي أبي الوليد ابن الحاج فيما أذن لي فيه عن الرواية أبي الحسن الشاري عن الحافظ أبي الحسن علي بن عتيق بن مؤمن الخزرجي القرطبي عن أبي الحسن علي بن محمد بن موهب قال أنا العذري أبو العباس قلت ومن خطه نقلت ومن أصل سماعه على أبي ذر قال أنا الشيخ أبا ذر عبد بن أحمد الهروي قراءة عليه بمكة شرفها الله قال أنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه بسرخس قال أنا أبو محمد زنجوية بن محمد النيسابوري قال نا محمد بن إسماعيل البخاري قال نا محمد بن سلام قال أنا مخلد بن يزيد قال أنا بن جريح قال

@ 141 @

@ 142 @

@ 143 @

حدثني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من جلس فقال سبحانك ربنا وبحمدك فهو كفارة
قال البخاري نا موسى عن وهيب قال نا سهيل عن عون بن عبد الله ابن عتبه قوله وهذا أولى ولم يذكر موسى بن عقبة سماعا من سهيل وهو سهيل بن ذكوان مولى جويرية وهم إخوة سهيل وعباد وصالح ومحمد بنو أبي صالح وهم من أهل المدينة انتهى كلام البخاري
كذا وقع بخط العذري عن وهيب نا سهيل عن عون بن عبد الله و هو خلاف ما ذكرناه قبل من طريق الخليلي حيث قال عن وهيب عن موسى بن عقبة بن عون
ووقع أيضا هنا خلاف آخر من حيث جعله هنا موقوفا على عون وجعله فيما قدمناه مرسلا فهذه زيادة علة في الحديث ولعل البخاري رواه من طريق وهيب تارة عن سهيل عن عون موقوفا وأخرى عن موسى بن عقبة عن عون مرسلا ورواية وهيب عن موسى بن عقبة معروفة في الجملة

وقد ذكر الغساني في هذه الحكاية في تقييد المهمل من طريق الحاكم كما وقعت في التاريخ المعنى واحد وسمى أبا حامد بأحمد بن حمدون القصار
قلت وقد أخبرني بحديث حجاج عن ابن جريح الشيخ الإمام شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك المقدسي سماعا عليه قال أنا الشيخ الإمام العالم فقيه أهل الشام تقي القضاة جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري ابن الحرستاني قراءة عليه وأنا حاضر قال أنا الشيخ الفقيه جمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد السلمي قراءة عليه ونحن نسمع أنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن طلاب الخطيب قراءة عليه ونحن نسمع أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن جميع الغساني قراءة عليه نا أبو محمد جعفر بن محمد بن علي الهمذاني نا هلال بن العلاء نا حجاج بن محمد نا ابن جريح أخبرني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من جلس في مجلس كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه

ورويناه أيضا من طريق أبي عيسى الترمذي بسندنا المتقدم إليه قال نا أبو عبيدة بن أبي السفر الكوفي واسمه أحمد بن عبد الله الهمذاني قال نا الحجاج بن محمد قال قال ابن جريح أخبرني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه لانعرفه من حديث سهيل إلا من هذا الوجه انتهى
أو يكون تركه للاختصار
فقد روينا بالإسناد المتقدم إلى الخليلي قال سمعت أحمد بن أبي مسلم الحافظ وعبد الواحد بن بكر الصوفي قالا سمعنا ابن عدي الحافظ قال سمعت الحسن بن الحسين يقول سمعت إبراهيم بن معقل يقول سمعت البخاري يقول ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وقد تركت من الصحاح قال يعني خوفا من التطويل

فالناس يرحمك الله تبع لهذا الإمام الكبير المتفق عليه بلا مدافعة و إنما اقتداؤك به واقتباسك من أنواره وأنت وارث علمه وحائز الخصل بعده وأما الناس بعدكما فتبع لكما
روينا بالإسناد المذكور إلى الخليلي الحافظ الجليل المتقن قال سمعت عبد الرحمن بن محمد بن فضالة الحافظ يقول سمعت أبا أحمد محمد ابن محمد بن إسحاق الكرابيسي الحافظ يقول رحم الله الإمام محمد ابن إسماعيل فإنه الذي ألف الأصول وبين للناس وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه كمسلم بن الحجاج فرق كتابه في كتبه وتجلد فيه حق الجلادة حيث لم ينسبه إلى قائله ولعل من ينظر في تصانيفه لا يقع فيها ما يزيد إلا ما يسهل على من يعده عدا و منهم من أخذ كتابه فنقله بعينه إلى نفسه كأبي زرعة و أبي حاتم فإن عاند الحق معاند فيما ذكرت فليس تخفى صورة ذلك على ذوي الألباب انتهى كلام الحافظ أبي أحمد

و إن خرج هذا الحديث الذي خرجت أنت أو أمثاله من يلتزم الصحيح مثلك قلنا لم يراع هذا الإحتمال أو علم السماع أو االلقاء فيه والله أعلم الدليل الرابع وهو أيضا خاص و هو كالتتميم الثاني لأنهن تمثيل له إلا أن ذلك تمثيل في الصحابة و هذا تمثيل في التابعين وكلاهما بالحقيقة جزء من الدليل الثاني
قوله وهذا أبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ وهما ممن أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم الفصل إلى قوله فكل هؤلاء من التابعين الذين نصبنا روايتهم عن الصحابة الذين سميناهم لم يحفظ عنهم سماع علمناه منهم في رواية بعينها ولا أنهم لقوهم في نفس خبر بعينه الكلام إلى آخره الذي اشتد فيه بالإنكار على قائله وحمل عليه أشد الحمل

ولعله لم يعلم أنه قول ابن المديني والبخاري وكأنه إنما تكلم مع بعض أقرانه أو من دونه ممن قال بذلك المذهب والله أعلم فإنه لو علمه لكف من غربه وخفض لهما الجناح ولم يسمهما الكفاح
و حاصل هذا الدليل الرابع ادعاء الإجماع أيضا على قبول أحاديث التابعين الثقات السالمين من وصمة التدليس إذا عنعنوا عن الصحابة الذين ثبتت معاصرتهم لهم وإن لم يعلم اللقاء ولا السماع كما أصل ذلك في أحاديث الصحابة رضوان الله عليهم
ولنا عن هذا الدليل أجوبة ثلاثة
الأول نقض الإجماع بما تقدم من نقل ذلك عمن علم
الثاني أن هؤلاء الذين سميت ممن علم سماع بعضهم من بعض عند من أثبت صحة حديثهم

ألا ترى أن أبا الحسن علي بن المديني قد قال في كتاب التاريخ له أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل وكان جاهليا ثقة لقي عمر وابن مسعود وأبا بكرة وسعدا وأسامة وروى عن علي وأبي موسى وعن أبي بن كعب وقال في بعض حديثه حدثني أبي بن كعب وقد أدرك النبي صلى الله عليه و سلم انتهى
فقد نص علي أنه يقول في بعض حديثه حدثني أبي بن كعب فمنه ما اطلعنا عليه ومنه ما لم نطلع عليه حسبما نبين إن شاء الله تعالى
الثالث أن هذه أمثلة خاصة لا عامة جزئية لا كلية يمكن أن تقترن بها قرائن تفهم اللقاء أو السماع كمن سميت ممن أدرك الجاهلية ثم أسلم بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم وصحب البدريين فمن بعدهم فهذا يبعد فيه ألا

يكون سمع ممن روى عنه وإن جوزنا أنه لم يسمع منه قلنا الظاهر روايته عن الصحابة والإرسال لا يضره كما قدمنا من الجواب عن الدليل الثالث على أن الإمام الحافظ أبا حاتم البستي قد طرد هذا الحكم فيمن تحقق منه أنه لا يرسل إلا عن ثقة
قال رحمه الله وأما المدلسون الذين هم ثقات عدول فإنا لا نحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا مثل الثوري والأعمش وأبي إسحاق وأضرابهم من الأئمة المتقنين وأهل الورع في الدين لأنا متى قبلنا خبر مدلس لم يبين السماع فيه وإن كان ثقة لزمنا قبول المقاطيع والمراسيل كلها لأنه لا يدرى لعل هذا المدلس دلس هذا الخبر عن ضعيف يهي الخبر بذكره إذا عرف اللهم إلا أن يكون المدلس يعلم أنه ما دلس قط إلا عن ثقة فإذا كان كذلك قبلت روايته وإن لم يبين السماع وهذا شيء ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بين سماعه فيه عن ثقة فالحكم في قبول روايته لهذه العلة وإن لم يبين السماع فيها كالحكم في رواية ابن عباس إذا روى عن النبي صلى اله عليه وسلم ما لم يسمع منه انتهى ما قاله أبو حاتم
فهذه الأمثلة التي أتيت بها أيها الإمام كلها جزئيات والحكم على

الكليات بحكم الجزئيات لا يطرد فقد يكون لكل حديث حديث حكم يخصه فيطلع فيه على ما يفهم اللقاء أو السماع ويثير ظنا خاصا في صحة ذلك الحديث فيصحح اعتمادا على ذلك لا من مجرد العنعنة
ومثل هذا أيها الإمام لا تقدر على إنكاره وقد فعلت في كتابك مثله من رعي الاعتبار بالمتابعات والشواهد وذلك مشهور عند أهل الصنعة فيتبعون ويستشهدون بمن لا يحتمل انفراده ومثل ذلك لا ينكر في الفقه وأصوله
وقد فعلت أنت أيها الإمام ما هو أشد من ذلك في كتابك المسند الصحيح حيث أدخلت فيه أسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد ابن عيسى المصري فاعترض فعلك أبو زرعة الرازي وأنكر عليك فاعتذرت حين بلغك إنكاره فيما ذكره الحافظ الثقة الإمام أبو بكر البرقاني عن الحسين بن يعقوب الفقيه قال نا أحمد بن طاهر الميانجي نا أبو عثمان سعيد بن عمرو قال شهدت أبا زرعة الرازي وذكر قصة فيها طول اختصرتها قال فيها وأتاه ذات يوم رجل بكتاب الصحيح لمسلم فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر فقال لي أبو زرعة ما أبعد هذا من الصحيح يدخل في كتابه أسباط بن نصر
ثم رأى في الكتاب قطن بن نسير فقال لي وهذا أطم من الأول

قطن بن نسير وصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس
ثم نظر فقال يروي عن أحمد بن عيسى المصري في كتابه الصحيح قال لي أبو زرعة ما رأيت أهل مصر يشكون في أن أحمد بن عيسى وأشار أبو زرعة إلى لسانه كأنه يقول الكذب
ثم قال لي يحدث عن هؤلاء و يترك محمد بن عجلان ونظراءه
قال فلما رجعت إلى نيسابور في المرة الثانية ذكرت لمسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه ذلك فقال لي مسلم إنما قلت صحيح وإنما أدخلت من حديث أسباط بن نصر وقطن وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على أولائك وأصل الحديث معروف من رواية الثقات
انتهى ما أوردنا من الحكاية وبعضها منقول بالمعنى ذكرها عن البرقاني الحافظ المتقن أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الأونبي في كتاب المنتقى له وقرأت ذلك بخطه وضبط قوله إنما قلت صحيح بضم التاء على التكلم وكتب إنما متصلة على أنها الحصرية فإن صح هذا الضبط فيكون معناه إنما قلت صحيح أي صحيح عندي ولم أقل من هذا الطريق فيكون في الكلام حذف
وهذا المعنى عندي فيه بعد والأقرب فيما أراه إن ما قلت صحيح

بتاء الخطاب وما بمعنى الذي أي إن الذي قلته من إنكار أبي زرعة صحيح من أجل هؤلاء الرواة ثم أبدى وجه العذر وأتى بإنما التي للحصر في قوله و إنما أدخلت
وهذا المعنى الذي قصدته إن عد مخلصا بالنظر إليك فيما يلزمك التطوق به حيث غلب على ظنك صحته فلا يلزم غيرك ممن يجتهد في الرجال نعم يكون صحيحا في حق من يكتفي بتقليدك وإنك لخليق بذلك من الفقهاء أو المحدثين ممن لم يبلغ رتبة الاجتهاد في معرفة الصحيح والسقيم
و قد نحا نحوا من مذهبك الإمام أبو حاتم البستي فيما حكى عن نفسه في صدر كتابه الذي وسمه بكتاب المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع -

من غير وجود قطع في سندها و لا ثبوت جرح في ناقليها ما نصه إذا صح عندي
خبر من رواية - مدلس بأنه بين السماع فيه لا أبالي أن أذكره من غير بيان السماع في خبره بعد صحته عندي من طريق آخر انتهى

فلا ينكر أيها الإمام المعتمد أن يكون من قبل تلك الأحاديث وصحت عنده واحتج بها قد اعتمد نحوا من هذا المسلك فلم يقبلها بمجرد العنعنة بل بضميمة إليها أفادته صحة اللقاء والسماع وإن لم يقترن بها ذلك لفظا
وقد وقع للإمام أبي عبد الله البخاري في جامعه الصحيح ما ينظر إلى هذا المعنى وهو ما ذكره في كتاب الصلاة من كتابه في باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة قال فيه نا آدم قال نا شعبة قال نا الأزرق بن قيس قال كنا بالأهواز نقاتل الحرورية فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي و إذا لجام دابته بيده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها قال شعبة هو أبو برزة الأسلمي فجعل رجل من الخوارج يقول اللهم افعل بهذا الشيخ فلما انصرف قال إني سمعت قولكم وإني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ست غزوات أو سبع غزوات أو ثمان وشهدت تيسيره وإني أن كنت أن أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي
فهذا الأزرق بن قيس وهو الحارثي البصري من بلحارث بن كعب من التابعين قال أبو حاتم فيه صالح الحديث وقال ابن

معين والنسوي وغيرهما فيه ثقة لم يعرف أبا برزة ولا يثبت قول قائل لا يعرف صدقه مخبرا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه سمعه قال كذا أو أنه رآه فعل كذا إلا بعد ثبوت صحبته أو ثبوت عدالته قبل أن يخبر أنه صاحب على نظر في هذا القسم الآخر فإنه إذا قال لنا من عاصره صلى الله عليه و سلم ممن ثبت إسلامه وعدالته أنا صاحب صدق وقبل قوله وسمعت روايته
قال الإمام الفقيه المالكي أبو عمرو بن الحاجب ويحتمل الخلاف للاتهام بدعوى رتبة لنفسه
قلت لكن لما ثبت عند شعبة أن أهل هذا الرجل الذي نازعته دابته هو

أبو برزة الأسلمي وهو معروف الصحبة والسماع من النبي صلى الله عليه و سلم ثبت الحديث وصح فلذلك أخرجه البخاري في صحيحه فهذا حديث صح بضميمة
وأبو برزة اختلف في اسمه واسم أبيه فقيل نضله بن عبيد قال بعض المتقنين وعليه أكثر العلماء وقيل نضلة بن عائد وقيل عبد الله بن نضلة وقيل غير ذلك وأصله مدني نزل البصرة وعلى نحو من هذا تأول علماء الصنعة بعدكما عليكما أعنيك والبخاري فيما وقع في كتابيكما من حديث من علم بالتدليس ممن لم يبين سماعه في ذلك الإسناد الذي أخرجتما الحديث به فظنوا بكما

ما ينبغي من حسن الظن والتماس أحسن المخارج وأصوب المذاهب لتقدكما في الإمامة وسعة علمكما وحفظكما و تمييزكما ونقدكما أن ما أخرجتما من الأحاديث عن هذا الضرب مما عرفتما سلامته من التدليس
وكذلك أيضا حكموا فيما أخرجتما من أحاديث الثقات الذين قد اختلطوا فحملوا ذلك على أنه مما روي عنهم قبل الاختلاط أو مما سلموا فيه عند التحديث على نظر في هذا القسم الآخر يحتاج إلى إمعان التأمل فبعض منها توصلوا إلى العلم بالسلامة فيه بطبقة الرواة

عنهم وتمييز وقت سماعهم وبعض أشكل وقد كان ينبغي فيما أشكل أن يتوقف فيه لكنهم قنعوا أو أكثرهم بإحسان الظن بكما فقبلوه ظنا منهم أنه قد بان عندكما أمره و حسبنا الاقتداء بما فعلوا ولزوم الاتباع ومجانبة الابتداع
وقد سلك أيضا هذا المسلك أبو حاتم البستي فقال في صدر كتابه وأما المختلطون في أواخر أعمارهم مثل الجريري وسعيد بن أبي عروبة وأشباههما فإنا نروي عنهم في كتابنا هذا ونحتج بما رووا إلا أنا لا نعتمد من حديثهم إلا على ما روى عنهم الثقات من القدماء الذين يعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم أو ما وافقوا الثقات من الروايات التي لا شك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى لأن حكمهم وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم وحمل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم حكم الثقة إذا أخطأ أن الواجب ترك خطئه إذا علم والاحتجاج بما يعلم أنه لم يخطيء وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات وما انفردا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سماعهم منهم قبل الاختلاط سواء انتهى ما قاله أبو حاتم البستي
وفي بعض كلامه نظر فليسا سواء وتشبيهه بحال الثقة إذا أخطأ لا يساعد عليه أما ما روي عنهم قبل الإختلاط وتميز مما روي بعده فلا إشكال فيه وأما ما روي عنهم مستقيما بعد الاختلاط ففيه نظر وقد أنكره يحيى بن معين على وكيع وقال له تحدث عن سعيد بن أبي عروبة

وإنما سمعت منه في الاختلاط فقال رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستو
فإنه إن كان الاعتماد على الثقات الذين وافقوهم دونهم فلم يعتمد عليهم فما الفائدة في تخريج الحديث عنهم دون أولائك الثقات وإن كان الاعتماد على الرواة عنهم وعلى ماقرؤوه عليهم من صحيح كتبهم التي كتبوها في حال الصحة أو التي كتب عنهم أصحابهم قبل الاختلاط كما قال ابن معين سمعت ابن أبي عدي يقول لا نكذب الله كنا نأتي الجريري وهو مختلط فنلقنه فيجيء بالحديث كما هو في كتابنا فقد حصل في الحديث انقطاع وصار وجودهم كعدمهم ولا فرق بين أن يقرأ عليه وهو مختلط وأن يقرأ على قبره وهو ميت فآل الأمر إلى الاعتماد على الوجادة
وأحسن ما يلتمس لهم أنهم لم يفرط الاختلاط فيهم بحيث يكونون مطبقين أو كانت لهم أوقات تثوب إليهم عقولهم فيها فيتحين الآخذون عنهم تلك الأوقات ويقرأون عليهم من كتبهم أو كتب أصحابهم أو يسمعون منهم ما حفظوه مما تظهر لهم السلامة فيه
هذا هو الذي يجب أن يعتقد في من روى عنهم من الثقات وعلى ذلك يحمل فعل وكيع بن الجراح وغيره ممن فعله وإلا عاد ذلك بالقدح على الرواة عنهم على أن أبا حاتم البستي وإن كان من أئمة الحديث

فعنده بعض التساهل في القضاء بالصحيح فما حكم بصحته مما لم يحكم به غيره إن لم يكن من قبيل الصحيح يكن من قبيل الحسن وكلاهما يحتج به ويعمل عليه إلا أن يظهر فيه ما يوجب ضعفه
ثم اعلم أيها الإمام المتبع المعتمد أنك سميت في جملة من ذكرت أنك لا تعلم سماعهم ممن حدثوا عنه قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود والنعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد وذكرت غيرهم ممن انفردت عن البخاري بتخريج بعضهم ولم يخرجهم لأحد وجهين
إما لعدم ذلك الشرط عنده
كحديث عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو أحد من سميت وانفردت بإخراجه عنه وهو حديث الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين و عامتهم
خرجته في كتاب الإيمان من كتابك وليس لتميم الداري في

كتابك غيره وأما البخاري فلم يخرج لتميم الداري شيئا

وهذا الحديث مما أغفل القاضي أبو الفضل عياض في إكماله التنبيه على موقعه من كتاب مسلم أو غيره فرأينا أن ننبه عليه
و كما أنك أيضا لم تخرج حديث بعض من سميت كحديث
أبي رافع عن أبي وهو حديث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاما فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين ليلة
أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما
ولقد أبعد النجعة أبو الفضل في قوله خرجه ابن أبي شيبة في

مسنده كما أبعد أيضا النجعة في بيان أحد حديثي أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن أبي مسعود الذين أشار إليهما مسلم ولم يخرجه مسلم وهو حديث
لا تجزي صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في الركوع والسجود
فقال خرجه ابن أبي شيبة
وذلك إبعاد منه للنجعة
فقد خرجه أيضا أبو داود والنسوي في سننهما والترمذي في جامعه كلهم من طريق الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود و ليس فيه ذكر سماع عند جميعهم وإنما ننبه هنا منها على ما أغفله القاضي أبو الفضل إكمالا لما نقص من المقدمة في إكماله

@ 165 @

و إما لأنه لم يقع له أعني للإمام أبي عبد الله البخاري على بعد ذلك عليه

فقد روينا بالإسناد المتقدم إلى الخليلي رحمه الله قال أنا عبد الواحد بن بكر الصوفي نا عبد الله بن عدي الجرجاني نا محمد بن أحمد القومسي قال سمعت محمد بن حمدوية يقول سمعت البخاري يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأعرف مائتي ألف حديث غير صحيح
وإن خرج منها شيئا قلنا اطلع على ما لم تطلع عليه من ذلك
فأما ما ذكرت من شأن قيس عن أبي مسعود والنعمان عن أبي سعيد فاعلم أيها الإمام الأوحد أنهم علموا صحة سماع قيس من أبي مسعود

والنعمان من أبي سعيد فجروا على نهجهم الواضح وشرطهم الصحيح
فأما قيس فقد ذكر البخاري سماعه من أبي مسعود في موضعين في كتابه أحدهما في باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود فقال
نا أحمد بن يونس قال نا زهير قال نا إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت قيسا قال أخبرني أبو مسعود أن رجلا قال والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا ح فقال فيه عن قيس أخبرني أبو مسعود
والثاني ذكره في باب صلاة كسوف الشمس
فقال نا شهاب بن عباد قال نا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال سمعت أبا مسعود يقول قال النبي صلى الله عليه و سلم إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد من الناس ح قال فيه عن قيس سمعت أبا مسعود فقد إنتهى إليه ما لم ينته إليك
و سماع قيس وهو ابن أبي حازم عوف بن عبد الحارث من أبي مسعود و اسمه عقبة بن عمرو البدري مشهور مذكور عند

أئمة الصنعة وقد نص عليه الإمام الناقد أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن المديني في كتاب التاريخ والعلل من تأليفه
أنا أبو العباس أحمد بن عيسى بن يوسف المقدسي الشروطي كتابة إذ لقيته بمدينة بلبيس من الديار المصرية عن العدل أبي القاسم الحسين ابن هبة الله بن صصرى إجازة عن أبي القاسم صدقة بن محمد بن الحسين إجازة عن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد البزار عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران عن أبي عمرو عثمان ابن أحمد الدقاق عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن البرا العبدي عن أبي الحسن علي بن المديني أنه قال قيس بن أبي حازم سمع من أبي بكر وعمر و عثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص والزبير وطلحة بن عبيد الله وأبي شهم وجرير بن عبد الله البجلي وأبي مسعود البدري و خباب بن

الأرت والمغيرة بن شعبة ومرداس بن مالك الأسلمي ومستورد بن شداد الفهري ودكين بن سعيد المزني ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبي سفيان بن حرب وخالد بن الوليد وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وسعيد بن زيد وأبي جحيفة قيل لعلي هؤلاء كلهم سمع منهم قيس بن أبي حازم سماعا قال نعم سمع منهم سماعا ولولا ذلك لم نعده له سماعا
فا نظر عنايته بسماعه و تأكيده له المرة بعد المرة
وأما أحاديث النعمان عن أبي سعيد فقد خرجها البخاري وخرجتها أنت أيها الإمام في مواضع من كتابك منصوصا فيها على السماع فأثبت في آخر كتابك ما نفيت في أوله وأقررت بما أنكرت و شهدت من نفسك على نفسك فما ذنبهم أن حفظوا ونسيت ولا غرو فإنما

ذلك تعويذ لكمالك
... شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ ... من شر أعينهم بعيب واحد ...
و ذكرت أيها الإمام في صفة الجنة يسر الله علينا فيها بلا محنة
نا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال أنا المخزومي قال نا وهيب عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها
قال أبو حازم فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزرقي فقال حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم ح
وخرجه أيضا البخاري كذلك لوجود شرطه فيه وهو معرفة السماع فقال في صفة الجنة وقال إسحاق بن إبراهيم أنا المغيرة بن سلمة قال نا وهيب عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها
قال أبو حازم فحدثت به النعمان بن أبي عياش فقال حدثني أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد

المضمر السريع مائة عام ما يقطعها
فقد اتفقتما على تخريج هذا الحديث عن شيخ واحد منصوصا فيه عندكما على سماع النعمان من أبي سعيد
والمخزومي هو أبو هاشم المغيرة بن سلمة المخزومي البصري قال أبو الوليد الباجي عند ذكره هذا الحديث ولم أر له في الكتاب غيره يعني في صحيح البخاري
وقال أبو القاسم اللالكائي أخرجا له جميعا وأكثر له مسلم سمع وهيبا وعبد الواحد بن زياد
روى عنه علي بن المدين وإسحاق بن راهوية والمحمدون ابن المثنة وابن عبد الله المخرمي وابن بشار

قال ابن الجنيد ثقة
و قال البخاري مات سنة مائتين
الموضع الثاني قريب منه في الباب نفسه من كتابك قلت فيه نا قتيبة بن سعيد قال نا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاريء عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما ترايون الكوكب في السماء
قال فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش فقال سمعت أبا سعيد الخدري يقول كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي
وخرجه البخاري أيضا في صفة الجنة فقال
أنا عبد الله ابن مسلمة نا عبد العزيز عن أبيه عن سهيل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن أهل الجنة ليترايون الغرف في الجنة كما يترايون الكوكب في

السماء قال أبي فحدثت النعمان بن أبي عياش فقال أشهد لسمعت أبا سعيد الخدري يحدث ويزيد فيه كما ترايون الكوكب الغارب في الأفق الشرقي والغربي
عبد العزيز المذكور في هذا الحديث هو أبو تمام عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار
الموضع الثالث قلت في المناقب من كتابك نا قتيبة بن سعيد قال نا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري عن أبي حازم قال سمعت سهلا يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول أنا فرطكم على الحوض
وفيه قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال هكذا سمعت سهلا يقول قال فقلت نعم قال فأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فأقول إنهم مني وذكر الحديث بتمامه

وخرجه البخاري في موضعين في الفتن وفي ذكر الحوض
فقال في كتاب الفتن في باب قول الله سبحانه واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة الأنفال 25 الترجمة
نا يحيى بن بكير نا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال سمعت سهل بن سعد يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول أنا فرطكم على الحوض ح وفيه قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا فقال هكذا سمعت سهلا فقلت نعم قال وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال إنهم مني ثم ذكر تمام الحديث
وقال في باب الحوض نا سعيد بن أبي مريم نا محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال قال النبي صلى الله عليه و سلم أنا فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم و يعرفونني ثم يحال بيني وبينهم
قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال هكذا سمعت من سهل فقلت نعم قال أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول إنهم مني فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك

فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي
و العذر لك أيها الإمام باد فإن النص على السماع فيما خرجت أنت من هذه الأحاديث ورد مضمنا غضون الحديث ليس مصدرا به ولا ملاقيا للناظر وإنما ذكرت هذه الأحاديث في المساند في مسند سهل لأن هذه الزيادة إنما وقع ذكرها عن أبي سعيد التبع وقد جرت هذه الغفلة عليك يرحمك الله غفلة أخرى رأينا أن ننبه عليها تتمة الفائدة و صلة بالنفع عائدة وهي أنك قلت وأسند النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم فهذا الكلام يفهم ظاهره أنه لم يسند غيرها وقد أخرجت له في صحيحك ستة أحاديث من رواية النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد أحدها المتن المدرج في حديث إن في الجنة شجرة
والثاني المدرج أيضا في حديث إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة
والثالث المدرج في حديث أنا فرطكم على الحوض

والرابع حديث إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ح تفردت به عن البخاري
والخامس حديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن أدنى أهل النار عذابا منتعل بنعل من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه خرجتهما في الإيمان من كتابك
والسادس حديث من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا خرجته في الصيام من كتابك وخرجه البخاري في الجهاد من غير نص منكما على سماع النعمان له من أبي سعيد وخرجه أبو عبد الرحمن النسوي في مصنفه ناصا فيه على سماع النعمان

من أبي سعيد فقال أنا مؤمل بن إيهاب قال نا عبد الرزاق أنا ابن جريح أخبرني يحيى بن سعيد وسهيل بن أبي صالح سمعا النعمان بن أبي عياش قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكره
وللنعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد حديث سابغ خرجه أبو بكر البزار في مسنده قال البزار نا أحمد بن منصور قال نا سعيد بن سليمان قال نا إسماعيل بن جعفر قال نا محمد بن أبي حرملة عن النعمان بن أبي عياش الزرقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس
قال الحافظ أبو عبد الله بن أبي بكر وقد ذكر هذا الحديث من طريق البزار إسناده صالح حسن محمد بن أبي حرملة حدث عنه مالك بن أنس و غيره من الثقات
قلت الذي يظهر أن مسلما رحمه الله إنما عنى بقوله ثلاثة أحاديث الثلاثة الأخيرة مما ذكر التي لم يرد فيها منصوصا سماع

النعمان من أبي سعيد ولم تمر بذكره الثلاثة أحاديث التي نص فيها على سماعه منه لأنها وردت متبعة لحديث سهل بن سعد حسبما بيناه على أن أبا عبد الرحمن النسائي قد نص في مصنفه على سماع النعمان بن أبي عياش من أبي سعيد في حديث النبي صلى الله عليه و سلم من صام يوما في سبيل الله ح فقال أعني النسائي أنا مؤمل بن إيهاب قال نا عبد الرزاق أنا ابن جريح أخبرني يحيى بن سعيد و سهيل بن أبي صالح سمعا النعمان بن أبي عياش قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكره
قلت وهو في البخاري ومسلم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريح بسنده في كتاب النسائي و فيه سمعا النعمان عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم من غير نص على سماع النعمان من أبي سعيد
رواه البخاري عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق ورواه مسلم عن إسحاق بن منصور وعبد الرحمن بن بشر عن عبد الرزاق
وزاد مسلم في طرقه رواية ابن الهادي والدراوردي له عن سهيل عن النعمان عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم

وقد نقص القاضي أبا الفضل من صدر إكماله التنبيه على هذه المواضع والاستدراك على مسلم رحمه الله فيها ولا بد للأول أن يفضل للآخر ... ما كان أحوج ذا الكمال إلى ... عيب يوقيه من العين ...
وقد ذكر حديث الشجرة الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله ابن أحمد الأصبهاني في كتابه المخرج على كتابك وفيه التنبيه على أنه من مسند أبي سعيد
أنا أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم كتابة قال كتبت إلينا أم هاني عفيفة بنت أبي بكر بن أبي عبد الرحمن من أصبهان قالت كتب إلي أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن القاري قال أنا أبو نعيم الحافظ قال نا أبو أحمد الغطريفي نا عبد الله بن محمد بن شيروية نا إسحاق

ابن ابراهيم نا المخزومي نا وهيب عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها
قال فحدثت به النعمان بن أبي عياش فحدثني عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في ا لجنة شجرة يسير الراكب على الفرس الجواد المضمر السريع مائة عام لا يقطعها رواه يعني مسلما عن إسحاق حدثناه في مسند أبي سعيد الخدري
فانظر كيف أشار الحافظ أبو نعيم إلى أن أبا أحمد الغطريفي حدثهم به عن مسند أبي سعيد إذ هو مظنة الغفلة والنسيان اللازمين للإنسان وأول ناس أول الناس
أسأل الله تعالى و جلت عظمته وعز سلطانه أن يذكرنا من الخير ما نسينا ويعلمنا مما يصلحنا ما جهلنا و يتجاوز عن سيئات أعمالنا ويعاملنا من الفضل بما هو أهله
وما توفيقنا إلا بالله هو حسبنا وعليه نتوكل وبه نعتصم مما يصم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأستغفر الله الغفور الرحيم و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كمل بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

تسليما بمدرسة مدينة سبتة حرسها الله تعالى في الحادي والعشرين لجمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة

خاتمة
فبعد عرض مذاهب أهل العلم بالحديث في حديث المتعاصرين إذا ورد معنعنا ليس فيه تصريح بأن هذا الراوي قد لقي شيخه الذي حدث عنه أو شافهه بحديث فمنهم من رده مطلقا واختار أن يرد في الحديث تصريح بالسماع من أول راو في الإسناد حتى آخره وسبق ص43 أن هذا من مذاهب أهل التشديد إذ إنه لن يسلم لنا من الأحاديث إلا القليل
و اختار البعض أن يقبل مع اشتراط طول الصحبة بينهما كما سبق ص 51
وهذا وإن كان في ظاهرة مسفرا عن سماع إلا أنه مذهب متشدد ترد به كثير من الأحاديث التي حملها الرواة عن شيوخهم في أثناء الرحلة وفي موسم الحج ونحو ذلك
هذا واختار الإمام مسلم رحمه الله أن يقبل بشروط منها
أن يكون هناك احتمال قوي للقاء بينهما وأن لا يرد تصريح يقول بانتفاء سماع هذا الراوي من شيخه الذي يحدث عنه
ولم يشترط رحمه الله أن يرد تصريح بالسماع بينهما واعتبر أن من اشترط ذلك أنه أدخل شريطة زائدة لم يسبق إليها وأنه مخالف للإجماع حسبما ذكر في مقدمة صحيحه
واستدل رحمه الله على ذلك بأحاديث رويت معنعنة ولم يرد فيها تصريح بالسماع وأن أهل العلم بالأخبار والروايات قبلوها ولم يردوا منها

شيئا حسبما زعم
و قد سبق مناقشته رحمه الله حول هذا الادعاء وأن الإجماع على خلاف ما ذهب إليه
ولعل من أبرز ما يمكن أن يرد به على هذا الإمام رحمه الله هو من صلب ما ذكر في مقدمة صحيحه من أن الإرسال كان شائعا في ذلك الوقت فكان لا بد من أن يوضع قيد لضبط هذه المسألة أما قبول مطلقا فهو مما أوقع الإمام مسلما في الحرج
ولعل هذا هو الدافع الذي جعل ابن المديني وتلميذه البخاري رحمهما الله يشترطان أن يرد في مثل هذه الحالة تصريح جملي من الراوي بأنه سمع من الشيخ الذي يحدث عنه كي يؤمن إرساله بشروط سبق عرضها كأن تنتفي وصمة التدليس عن هذا الراوي الذي حدث عن شيخه معنعنا وأن يصح السند إليه في الحديث الذي صرح فيه ولو مرة بالسماع من شيخه الذي حدث عنه
فكان مذهب ابن المديني وتلميذه أبي عبد الله البخاري بوضعهما لهذا القيد أو الضابط في وقت وقد شاع فيه الإرسال أجدر بأن يكون راجحا على مذهب من قبل العنعنه في مثل هذه الحالة وبدون وضع قيد لها
فرحم الله ابن رشيد الفهري على ما قرر في هذه المسألة من مناقشته الإمام مسلم رحمه الله حول ما اشترط وحول ما استدل به من أحاديث سبق ذكرها إلا أنه لم يستوعب الأحاديث التي ألزم بها الإمام مسلم خصمه ولذا فقد قمت بإفرادها بالتعليق على جزء حديثي للعلامة الشيخ المعلمي

اليماني رحمه الله وستخرج قريبا إن شاء الله تعالى
فرحم الله أئمتنا على ما قرروا و نشروا من علم ورحمنا معهم وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك