كتاب : التلقين في الفقة المالكي
المؤلف : أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم
قال القاضي الجليل أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي رحمه الله: الحمد لله نشكره ونستعينه ونستغفره ونعبده ونذكره

ونؤمن به ولا نكفره ونسأله الصلاة على خيرته من خلقه محمد نبيه صلي الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته صلاة تامة نحظى بفضيلتها ونسعد بمزيتها آمين.

كتاب الطهارة

مدخل
كتاب الطهارة
الطهارة من الحدث فريضة واجبة على كل من لزمته الصلاة وهي ثلاثة أنواع وضوء وغسل وبدل منها عند تعذرهما وهو التيمم.
فأما الوضوء ففي ثمانية مواضع وهي الوجه وداخل الفم وداخل الأنف وما بين الصدغ والأذن واليدان إلى آخر المرفقين والرأس والأذنان ظاهرهما وباطنهما والرجلان إلى آخر الكعبين.
وطهارته نوعان: غسل ومسح فالمسح بالرأس والأذنين والغسل فيما عداها وأحكامه ثلاثة أنواع: فرض وسنة وفضيلة.
ففروضه ستة وهي النية وغسل الوجه كله وغسل اليدين إلى آخر المرفقين والمسح بالرأس كله وغسل الرجلين إلى الكعبين وما به يفعل ذلك وهو الماء المطلق وسننه سبع وهي غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء والمضمضة والاستنشاق وغسل البياض الذي بين الصدغ والأذن ومسح داخل

الأذنين وفي ظاهرهما خلاف وتجديد الماء لهما والترتيب. وفضائله ثلاث وهي السواك قبله والتسمية عند بعض اصحابنا وتكرار مغسوله مرتين أو ثلاثا هذا ذكر جملة ونحن نبين تفصيله.
فصل
أما النية فقد بينا أنها من فروضه وهي قصده به ما لزمه والذي يلزمه أن ينوي بوضوئه رفع الحدث أو استباحة فعل معين يتضمن رفع الحدث ومعنى رفع الحدث استباحة كل فعل كان الحدث مانعا منه ومعنى تعيين ما يتضمن ذلك هو أن ينوي به استباحة فعل بعينه لا يستباح إلا بعد التطهر من الحدث وذلك كالصلوات كلها على اختلاف أنواعها من الصلوات المعهودة وصلاة الكسوف والجنازة وسجود القرآن على اختلاف أحكامها من فرض على الأعيان أو على كفاية وسنة ونفل وكالطواف بالبيت كل هذا لا يجزئ إلا بعد التطهر من الحدث فقصده استباحة واحدة كقصده استباحة جميعه.

وأما الوجه فالفرض "إيعاب جميعه" وحده ما انحدر من منابت شعر الرأس إلى آخر الذقن للأمرد وآخر اللحية للملتحي طولا وما دار عليه من العذارير عرضا فإن كان عليه شعر لزم إمرار الماء عليه ثم ينظر فإن كان كثيفا قد ستر البشرة سترا لا تتبين معه انتقل الفرض إليه وسقط فرض إيصال الماء إلى البشرة وإن كان خفيفا تبين منه البشرة لزم إمرار الماء عليه وعلى البشرة وسواء في ذلك أن يكون على خد أو شفة أو حاجب أو عذار أو عنفقة ويلزم فيما انسدل عن البشرة كلزومه فيما تحت بشرة.
وأما اليدان ففرض غسلهما إلى استيفاء المرفقين على تخليل أصابعهما وأما الرأس فهو ما صعد عن الجبهة إلى آخر القفا طولا وإلى الأذنين عرضا واختلف في الأذنين هل هما منه حقيقة أو حكما فمن
أوجب مسحهما عدهما منه ومن لم يوجبه عدهما زائدتين عليه والاختيار في صفة مسح الرأس أن يبدأ بيديه من مقدمه ثم يمر بهما إلى مؤخره ثم يردهما إلى حيث بدأ.
والفرض في تطهير القدمين غسلهما إلى الكعبين والكعبان هما اللعظمان اللذان عند معقد الشراك وقيل الناتئان في طرف الساق وهما داخلان في الوجوب وعلى أقطعهما غسل ما بقي له منهما بخلاف المرفقين.

ومن شيوخنا من يعد الموالاة فرضا مع الذكر والذي يجب أن يقال أن التفريق يفسده مع التعمد أو التفريط ومع الطول المتفاحش الخارج عن الموالاة ولا يفسد قليله ولا على وجه السهو هذا الكلام في تفصيل فروضه وبيان الماء المطلق يأتي في موضعه إن شاء الله.
فصل
فأما بيان سننه فمنها غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء وذلك من سنة الوضوء لكل طاهر اليد مريد للوضوء بأي نوع كان انتقاض وضوئه من الأحداث وأسبابها من بول أو غائط أو ريح أو نوم من ليل أو نهار أو لمس أو مس فرج أو كان مجددا للوضوء.
وأما تطهير داخل الفم فإنه سنة وهو المضمضة وصفتها أن يوصل الماء إلى فيه ثم يخضخضه ويمجه. وأما تطهير داخل الأنف فإنه سنة وصفته أن يجذب الماء إلى خياشيمه وهو الاستنشاق ويستحب له المبالغة فيه إلا في الصوم.

وأما غسل البياض الذي بين الصدغ والأذن فسنة ويستوفى جميعه بالغسل وأما الأذنان فيستحب استيفاؤهما بالمسح ظاهرهما وباطنهما وإدخال الأصابع إلى الصماخين وقد بينا القول في الرجلين.
وأما بيان الترتيب المسنون فهو أن يبدأ بعد النية فيسمى الله ويغسل يديه قبل إدخالهما في الإناء ثم يتمضمض ثم يستنشق ثم لينتشر ثم يغسل وجهه يبدأ من أعلاه ثم يمنى يديه ثم يسراهما من أطراف الاصابع إلى المرافق ثم يمسح الرأس على الصفة التي ذكرنا ثم المسح بالأذنين ثم يغسل يمني رجليه ثم يسراهما.
فصل
فأما فضائله فالسواك بعود يابس أو رطب إلا أن يكون صائما فيكره له الأخضر خيفة ان يصل طعمه الى الحلق فيفطره فإن لم يجد شيئا فإن أصبعه يجزيه.
وأما التكرار ففضيلة في المغسول دون الممسوح فيكرره مرتين أو ثلاثا الثلاث أفضل من الاثنين وما زاد على الثلاث سرف ممنوح والمرة هي الفرض ولا فضيلة في تكرار مسح الرأس والأذنين.

باب مايوجب الوضوء وما ينقضه بعد صحته
باب ما يوجب الوضوء وما ينقصه بعد صحته
يوجب الوضوء شيئان أحداث وأسباب للأحداث فأما الأحداث الموجبة للوضوء فهي ما خرج من السبيلين من المعتاد دون النادر الخارج على وجه المرض والسلس من غائط أو ريح أو بول أو مذى أو ودى إذا كان ذلك على غير وجه السلس والاستنكاح وإن كان البول والمذى خارجين على وجه السلس والاستنكاح فلا وضوء فيهما واجب وكذلك ما خرج من السبيلين من غير المعتاد كالحصى والدم والدود فلا وضوء فيه ويفسد الوضوء الردة ولا يوجب الوضوء ما خرج من البدن من غير السبيلين من قيئ ولا قلس ولا بلغم ولا رعاف ولا حجامة ولا فساد ولا غير ذلك.
وأما أسباب الأحداث فهي ما أدت إلى خروج الأحداث غالبا وذلك نوعان أحدهما: زوال العقل بالنوم والسكر والجنون والإغماء.
فأما النوم المستثقل فيجب منه الوضوء على أي حال كان النائم من اضطجاع أو سجود أو جلوس أو غير ذلك وما دون الاستثقال يجب منه الوضوء في الاضطجاع والسجود ولا يجب في الجلوس.
وأما السكر والجنون والإغماء فيجب الوضوء بقليله وكثيره.
والنوع الآخر: وهو ضربان لمس النساء ومس الذكر.
فأما لمس النساء فيجب منه الوضوء إذا كان للذة قليلا كان أو كثيرا مباشرا أو من وراء حائل رقيق لا يمنع اللذة وأن كان صفيقا لم يوجب الوضوء لمنعه اللذة ولا فرق بين اللمس باليد أو الفم أو بغيرهما من الأعضاء إذا وجد اللذة ولا بين

لمس الاعضاء أو الشعر إذا كان هناك لذة ولا فرق بين الزوجة والاجنبية وذات المحرم.
وأما مس الذكر فالمراعاة فيه اللذة عند بعض أصحابنا البغداديين كلمس النساء وعند المغاربة وبعض البغداديين ببطن الكف أو الأصابع فقط ومس المرأة فرجها مختلف فيه.
ولا وضوء من مس الأنثيين ولا الدبر ولا شيء من أرفاغ البدن وهي مغابنة الباطنة كتحت الابطين وما بين الفخدين وما أشبه ذلك ولا من أكل شيئا أو شربه كان مما مسته النار أو مما لم تمسه ولا من قهقهة في صلاة أو غيرها ولا من ذبح بهيمة أو غيرها.

باب ما يوجب الغسل
يجب الغسل على الرجل بشيئين:
إنزال الماء الدافق عن اللذة في نوم أو يقظة فإن عرى عن اللذة فلا غسل فيه والإيلاج بالحشفة في قبل أودبر وعلى المرأة بهذين وبشيئين آخرين وهما الحيض والنفاس وهو خروج الولد وعليهما بإسلام الكافر منهما.
باب صفة الاغتسال
قد بينا أن الغسل من الجنابة وسائر ما ذكرناه معها فريضة وهو مشتمل على مفروض ومسنون وفضيلة فمفروضات ثلاث وهي النية وتعميم ظاهر البدن وإمرار اليد على البدن مع الماء "وهذا عندنا من شرط كونه غسلا" فيستوي فيه الغسل والوضوء إلا أن العادة قد جرت بذكره مع الغسل ويفعل الغسل بما يفعل به الوضوء من الماء المطلق فإما مسنوناته فهي المضمضة والاستنشاق وفي تخليل اللحية روايتان إحداهما: الوجوب والآخر: أنه سنة.
وأما الفضيلة فهي أن يبدأ بغسل يديه ثم يتنظف من أذى إن كان عليه ثم يتوضأ وضوء للصلاة ثم يخلل أصول شعر رأسه بالماء ثم يغرف عليه ثلاثا ثم
باب المياه وأحكامها
الأصل في المياه كلها الطهارة والتطهير على اختلاف صفاتها ومواضعها من سماء أو أرض أو بحر أو نهر أو عين أو بئر ملح أو عذب أو راكد كان باقيا على اصل مياعته أو ذائبا بعد جموده الا ما تغيرت أوصافه التي هي اللون والطعم والريح أو أحدها من مخالطة ما ينفك عنه غالبا أو بما ليس بقرار له ولا متولد عنه فما تغير بذلك فإنه خارج عن أصله ثم المخالط له على ضربين طاهر ونجس فالطاهر يسلبه التطهير فقط فيصير طاهرا غير مطهر كسائر المائعات والنجس يسلبه الصفتين جميعا الطهارة والتطهير ويصير به نجسأ من غير حد في ذلك مضروب ولا مقدار موقوت سوى أنه يكره استعمال القليل منه الذي لا مادة له ولا أصل إذا خالطته نجاسة ولم تغيره "كماء الحب" والجرة وسائر ألأواني وآبار الدور الصغار.
ولا يكره في الكثير كالحياض والغدر والآبار الكبار ويجمع أوصافه أن يقال الماء على ضربين مطلق ومضاف فالمتطهير هو المطلق دون المضاف

فالمطلق ما لم يتغير أحدا أوصافه بما ينفك عنه غالبا مما ليس بقرار له ولا متولد عنه فيدخل في ذلك الماء القراح وما تغير بالطين لآنه قراره وكذلك ما يجري على الكبريت وما تغير بطول المكث لانه متولد عن مكثه وما تغير "بالطحلب" لانه من باب مكثه وما انقلب عن العذوبة إلى الملح لانه من أرضه وطول إقامته.
ويدخل فيه الماء المستعمل على كراهة استعماله وكذلك القليل الذي لم تغيره النجاسة والمضاف نقيض المطلق وهو ما تغير أوصافه أو أحدها من مخالط له مما ينفك عنه غالبا وهو على ضربين مضاف نجس ومصاف طاهر وذلك بحسب المخالط له وما تغير بزعفران أو عصفر أو كافور أو غير ذلك من الطيب أو بلبن أو خل أو بشيء من المائعات أو الجامدات لانه مما خالطه ما ينفك عنه غالبا فشبه بماء الباقا فهو طاهر غير مطهر.
فصل
والحيوان كله طاهر العين طاهر "السؤر" إلا ما لا يتوقي النجاسات غالبا كالكلب والخنزير والمشركين فأسئارهم مكروهة وفي الحكم طاهرة إلا ما تغير منها عند إصابتهم النجاسة أكل الكلب الميتة وأكل النصراني الخنزير وشربه الخمر فإنه نجس.

ويغسل الإناء من "ولوغ الكلب" في الماء سبعا ويراق الماء استحبابا ولا يراق ما ولغ فيه الكلب من سائر المائعات وفي غسل الإناء منه روايتان وأسآر البغال والحمير وسائر الدواب والسباع والطير طاهرة الا يكون شيء منها يأكل النجاسة على ما بيناه وفي غسل الإناء من ولوغ الخنزير روايتان ثم الحيوان بعد ذلك على ضربين بري وبحري فالبحري طاهر العين حيا وميتا كان سمكا أو غيره كان مما له شبه في البر أو مما لا شبه له ينجس في نفسه ولا ينجس ما مات فيه من مائع ويجوز التطهر بما مات فيه على الإطلاق الا أن تغيره فيصير مضافا لا نجسا.
والبري ضربان منه ما له نفس سائلة كسائر ما ذكرناه من الدواب وغيرها من الطير والفأرة والسنانير فمات مات من ذلك نجس في نفسه وينجس ما مات فيه من مائع غيره أو لم يغيره ولا ينجس الماء إلا أن تغيره النجاسة إلا أنه يستحب نزح البئر التي تموت فيها بحسب كبر الدابة وصغرها وكثرة ماء البئر وقلته وذلك توق واستحباب وما تغير وجب نزح جميعه إلى أن يزول التغير.
والضرب الآخر ما لا نفس له سائلة كالزنبور والعقرب والخنفساء والصرار وبنات وردان وشبه ذلك فحكم هذا حكم دواب البحر لا ينجس في نفسه إذا مات ولا ينجس ما مات فيه من مائع أو ماء وكذلك ذباب العسل والباقلاء ودود الخل.
ولا يجوز التطهر من حدث ولا نجس ولا بشيء من المسنونات والمفروضات والقربات بمائع سوى الماء المطلق.
ونبيذ التمر المسكر نجس كالخمر ولا يجوز شربه ولا التطهر به للحدث ولا للنجس.

باب في الاستنجاء وآداب الاحداث
ويختار لمريد الغائط والبول أن يبعد بموضع لا يقرب منه أحد ولا يتسقبل القبلة ولا يستدبرها إلا أن يكون في منزله أو بين البنيان فيجوز ذلك
ولا ينبغي له قضاء الحاجة على "قارعة الطريق" ولا شاطئ نهر ولا في ماء دائم إلا أن يكون كثيرا جدا "كالمستبحر" ولا يكلم أحدا في حال جلوسه للحدث وإذا أراد الاستنجاء فبشماله إلا أن يكون له عذر ويفرغ الماء على يديه قبل أن يلاقي بها الأذى والأفضل له أن يجمع بين الماء والأحجار ويبدأ بالأحجار فإن اقتصر على أحدهما أجزأه والماء أفضل وإن اقتصر على الأحجار جاز ما لم يعد المخرج أو ما يقاربه فإن انتشر على ذلك الموضع لم يجزه إلا الماء.
ويستحب له أن يأتي بالثلاثة وأن أنقى بدونها أجزأه وكل جامد يحصل به الإنقاء فهو كالحجر في الإجزاء وقد يخالفه في إباحة الابتداء إذا كان مما له حرمة ويكره له العظم والبعر وإن وقع بهما الإنقاء جاز ومن ترك الاستنجاء "والاستجمار" وصلي بالنجاسة، فإن كان لعذر من سهو أو عدم ما يزيلها به

أجزأه وأعاد إن وجد الماء في الوقت وإن كان عامدا قادرا على الإزالة لم يجزه وأعاد أبدا وليس على من بال أن يقوم أو يقعد أو يزيد في التنحنح ولكن "ينتثر" ذكره ويستفرغ جهده على ما يرى أن حاله يقتضيه من طالة أو إقصار ويكره البول قائما في موضع صلب لا يأمن تطايره عليه أو مقابلة الريح ويجوز في الرمل والمواضع التي يأمن ذلك فيها.

باب منه آخر
كل مائع خرج من أحد السبيلين نجس وذلك هو البول والغائط والمذى والودى والمني ودم الحيض والنفاس والاستحاضة وغير ذلك من أنواع البلل والدماء كلها نجسة من إنسان أو حيوان له نفس سائلة تجوز الصلاة بقليلها ولا تجوز بكثيرها إلا دم الحيض ففيه روايتان.
والأبوال على ثلاثة أضرب: بل حيوان محرم الأكل فهو نجس وبول حيوان مكروه الأكل فهو مكروه وبول حيوان مباح الأكل فهو طاهر مباح الا أن يعرض ما يمنعه مثل أن يكون غذاء ذلك الحيوان النجاسة أوغالبه.
وأجزاء الميتة كلها نجسة إلا ما لا حياة فيه كالشعر والصوف والوبر وكل حيوان في ذلك واحد وجلود الميتة كلها نجسة لا يطهرها الدباغ غير أنه يجوز استعمالها في اليابسات وعظم الميتة وقرنها نجس.
باب التيمم
وفصوله خمسة: من يجوز له التيمم من المحدثين وشروط جوازه وصفة التيمم وما يتيمم به والصلوات التي يتيمم لها وتؤدي به فأما من يجوز له التيمم فكل محدث حدثا أعلى أو أدني ممن يلزمه الوضوء أو الغسل.
وأما شروط جوازه فشرطان: عدم الماء الذي يتطهر به أو عدم بعضه فإن وجد دون الكفاية لم يلزمه استعماله والشرط الآخر تعذر استعمال الماء مع وجوده وكل واحد من هذين الشرطين متعلق بشروط منها ما يعم ومنها ما يخص فأما ما يعم فهو أن يكون محتاجا إلى التيمم وذلك بأن يدخل الوقت ويتوجه عليه فرض الصلاة فإن قدمه على ذلك فلا يجزئه.
وأما ما يخص فهو عادم الماء لا يجوز له التيمم إلا بعد طلب الماء "واعوازه" وإن وجده بثمن مثله أو غالبا غير "متفاحش" لزمه شراؤه إلا أن "يجحف به" وهذه الشروط منتفية في القسم الآخر وهو تعذر استعماله وأما جوازه لتعذر الاستعمال فيعتبر فيه أربعة شياء خوف تلف أو زيادة مرض أو تأخر برء أو حدوث مرض يخاف معه ما ذكرناه.
والثاني: أن يجد الماء ويخاف لخروجه إليه لصوصا أو سباعا فيجوز له التيمم.
والثالث: أن يخاف متى تشاغل باستعماله فوات الوقت لضيقه أو تأخر المجيء به أو لبعد المسافة في الوصول إليه أو لعدم الآلة التي توصله إليه كالدلو "والرشاء".
والرابع: أن يخاف على نفسه أو إنسان يراه التلف من شدة العطس أو يخاف ذلك في ثاني حال أو يغلب على ظنه أنه لا يجده وأما المحبوس فكعادم

الماء وكذلك المريض الذي عنده ماء ولا يجد من ينأوله إياه فهو كعادم الآلة وليس من شرطه ألا يكون حاضرا بل يجوز للحاضر والمسافر على الشروط التي ذكرناه.
وأما صفة التيمم فهي أن يضع يديه على الصعيد ثم يمسح بها وجهه كله ويديه إلى المرفقين وقيل إن اقتصر على الكوعين أجزأه.
والاختيار ضربان وإن اقتصر على واحدة جاز.
فأما ما يتيمم به فالأرض نفسها وما تصاعد عليها من أنواعها كالتراب "والجص" والنورة والرمل والزرنيخ وغير ذلك مما في بابه وليس من شروطه "علوق" شيء بالكف بل يجوز بالحجر الصلد الذي لا يتعلق باليد شيء منه فأما ما يتيمم له فكل قربة لزم التطهر لها بالماء كالصلوات كلها ومس المصحف وغسل الميت ولا يكاد يتصور في الطواف إلا للمريض ولا يجوز التيمم لجنازة في الحضر إلا أن يتعين الفرض عليه ولا يجوز الجمع بالتيمم بين صلوات فروض على وجه ويجوز بين نوافل عدة ويجوز الجمع بين الفرض والنفل إذا قدم الفرض قبل النفل ويجوز التنفل بتيمم الفرض ولا يجوز الفرض يتيمم النفل والجنب ينوي بتيممه الحدث الأصغر ناسيا لجنابته ففيه روايتان ولا يخلو مريد التيمم من ثلاثة أحوال إما أن يغلب على ظنه اليأس من وجود الماء في الوقت أو يغلب على ظنه وجوده ويقوي رجاؤه أو يتسأوى عنده الآمران فالأول يتيمم أول الوقت والثاني آخره والثالث وسطه. هذا هو الاختيار ومن تيمم ثم وجد الماء فله ثلاثة أحوال إما أن يجده قبل الدخول في الصلاة أو بعد الشروع فيها أو بعد الفراغ منها فالأول يلزمه استعماله ويبطل تيممه إلا أن يكون الوقت من الضيق بحيث يخشى معه فوات الصلاة إن تشاغل به والثاني يمضي على صلاته ولا يؤثر وجود الماء شيئا وكذلك الثالث والتيمم لا يرفع الحدث وفائدة ذلك شيئان منع الجمع بين الفرضين بتيمم واحد وإنه إذا وجد الماء بعد تيممه تطهر للحدث المتقدم.

باب المسح على الخفين وما يتعلق به
المسح على الخفين جائز في السفر والحضر للرجال والنساء إذا أدخل رجليه في الخفين بعد كمال وضوئه من غير توقيت بمدة من الزمان لا يقطعه إلا الخلع,

أو حدوث ما يوجب الغسل كان الخف صحيحا أو فيه خرق يسير لا يمنع متابعة المشى ويستحب للمقيم خلعه كل جمعة للغسل وإذا خلعهما غسل رجليه وبطل حكم المسح ولا يجوز المسح على "جوربين" غير مجلدين وفي المجلدين والجرموقين روايتان والمختار مسح أعلاهما وأسفلهما فإن اقتصر على أعلاهما أجزأه وإن اقتصر على أسفلهما لم يجزه ولا يجوز المسح على عمامة ولا على خمار ولا على حائل دون عضو سوى الرجلين إلا لضرورة كسر أو جرح فيمسح على الجبائر والعصائب شدهما محدثا أو متطهرا بخلاف الخفين.

باب في الحيض والنفاس وما يتصل بهما
والدماء التي "ترخيها" الرحم ثلاثة دم حيض ودم نفاس ودم علة وفساد وهو الاستحاضة. فأما دم الحيض فهو الخارج من الفرج على وجه الصحة بغير ولادة والنفاس ما كان عقيب الولادة والفساد ما خرج عن صفتيهما "ودم الحيض والنفاس يمنعان أحد عشر شيئا".

وهي وجوب الصلاة وصحة فعلها وفعل الصوم دون وجوبه وفائدة الفرق لزوم القضاء للصوم ونفيه للصلاة والجماع في الفرج وما دونه والعدة والطلاق والطواف ومس المصحف ودخول المسجد والاعتكاف وفي قراءة القرآن روايتان ويمنع الجنب من القرآن إلا الآيات اليسيرة للتعوذ.
وأقل الحيض والنفاس لا حد له وأكثر الحيض خمسة عشر يوما وأكثر النفاس ستون يوما ولا حد لأقل الاستحاضة ولا أكثرها ولا بد من طهر يفصل بين الحيضتين وأقله خمسة عشر يوما على الظاهر من المذهب ولا حد لأكثره والحائض ضربان مبتدئة ومعتادة فالمبتدئة تترك الصلاة برؤية أول دم تراه إلى انقطاعه وذلك إلى تمام خمسة عشر يوما أو مدة أيام لذاتها على اختلاف الرواية فإن زاد على ذلك فإن اعتبرنا الخمسة عشر يوما اغتسلت وصلت وصامت وكانت مستحاضة وإذا اعتبرنا أيام لذاتها استظهرت بثلاثة أيام ما لم تجاوز خمسة عشر يوما.
وفي المعتادة روايتان إحداهما بناؤها علي عادتها وزيادة ثلاثة أيام والأخرى جلوسها إلى آخر الحيض ثم يعملان فيما بعد على التمييز إن كانت من أهله فإن عدمتا التمييز صلتا أبدا ولم تعتبرأبعاده وإذا انقطعت أيام الحيض والنفاس وجب التلفيق إلى أن تكمل الأيام المعتبرة في الجلوس مالم

يتخللها طهر كامل فيكون ما بعده حيضا مؤتنفا والصفرة والكدرة كالدم الأحمر والأسود.
والحامل تحيض ولا تمنع الاستحاضة شيئا يمنعه الحيض وللطهر علامتان الجفوف والقصة البيضاء وإذا طهرت الحائض لم توطأ إلا بعد الغسل.

كتاب الصلاة

مدخل
كتاب الصلاة
...........................................................................................

...........................................................................................

الصلاة ركن من أركان الدين ومعالمه ومما بنى الإسلام عليه وهي في الشرع على خمسة أقسام فرض على الأعيان وفرض على الكفاية وسنة وفضيلة ونافلة فالفرض على الأعيان الصلوات الخمس وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ووجوب الجمعة داخل في وجوب الظهر لأنها بدل منها إذ لا يجتمع وجوبهما لأنهما يتعاقبان.
والفرض على الكفاية الصلاة على الجنازة والسنة على ضربين سنة مبتدأة إما لأوقات وإما لأسباب تفعل عندها وسنة مشترطة في عبادة غيرها فالأول هي السنة المفردة وهي خمس صلاة الوتر وصلاة العيدين وصلاة كسوف الشمس والاستسقاء واختلف في ركعتي الفجر فقيل إنها سنة وقيل من الرغائب والضرب الثاني ركعتا الطواف والركوع عند الإحرام والفضيلة تحية المسجد وصلاة خسوف القمر وقيام شهر رمضان وقيام الليل وسجود القرآن والنافلة ركعتان بعد الظهر وقبل العصر ووقت الضحى وسائر ما يتنفل به إبتداء غير متعلق بسبب يقتضيه ولا وقت بعينه.
فإذا ثبت هذا فالصلوات الخمس التي هي فرض على الأعيان من جحد وجوبها فهو كافر ومن تركها أو واحدة منها معترفا بوجوبها غير جاحدا لهذا فليس

بكافر ويؤخذ بفعلها ولا يرخص له في تأخيرها عن وقتها فإن أتى بها وإلا قتل ولها أوقات مختلفة الأحكام منها أوقات لا يجوز تقديمها عليها ولا تأخيرها عنها.
وتنقسم إلى أوقات توسعة وتضييق ومنها ما يتعلق به الفوات ومنها ما لا يتعلق به ونحن نبين ذلك إن شاء الله.
فصل
الأوقات وقتان وقت أداء ووقت قضاء فأما القضاء فيذكر فيما بعد وأما وقت الأداء فعلى خمسة أضرب وقت اختيار وفضيلة ووقت إباحة وتوسعة ووقت عذر ورخصة ووقت سنة يأخذ شبها من وقت الفضيلة والعذر ووقت تضييق من ضرورة.
وفائدة الفرق بين وقت الاختيار والفضيلة وبين الإباحة والتوسعة إن وقت الاختيار والفضيلة يتعلق به من الثواب والفضل أكثر مما يتعلق بوقت الإباحة والتوسعة من غير مأثم يلحق بتأخير العبادة إلى وقت التوسعة وذلك كفضيلة أول الوقت على وسطه وفضيلة وسطه على آخره.
وفائدة الفرق بين وقت العذر والرخصة وبين وقت الإباحة والتوسعة أن له تأخير الصلاة عن وقت الفضيلة إلى وقت الإباحة والتوسعة ابتداء من غير عذر لولاه لم يكن له تأخيرها إما حظرا وإما ندبا كتأخير الصلاة عن أول الوقت إلى آخره وليس كذلك في العذر والرخصة لأنه إنما أبيح لوجد العذر أو لتوقعه على طريق الرفق مع صحة أدائه في الوقت المختار وإمكانه كترخيصنا للمسافر إذا أراد الرحيل وخاف أن يجد به السير أن يجمع بين الظهر والعصر عقيب الزوال وإذا كان راكبا أن يؤخر المغرب الميل ونحوه وكرخصة الجمع بين الصلاتين في المطر.
وأما الوقت الآخذ شبها من وقت الفضيلة والعذر فهو وقت سنة وفضيلة يؤتى بها في وقت العذر والرخصة وذلك كالجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة لأن هذا في صورة وقت العذر والتوسعة وهو مع ذلك فضيلة وسنة.
وأما وقت التضييق والضرورة فهو تقدم العبادة على الوقت المتعلق بالفضيلة الذي لا يجوز قبله لولا الضرورة لم تقدم عليه أو تأخيره إلى الوقت الذي يتعقبه الفوات لولا الضرورة لم يؤخر إليه وهذا الوقت لخمسة: للحائض تطهر،

والمغلوب يفيق، والكافر يسلم، والصبي يبلغ، والمسافر يقدم، والحاضر يسافر، ومن قد نسي صلاة. وكل قسم من هذه الأقسام يرد بيانه في موضعه إن شاء الله إلا أن البداية ها هنا بأوقات الوجوب التي يتعلق الأجزاء بها وفي امتدادها وضيقها ثم نعقب ذلك بفروض الصلاة وسننها ثم ما يقتضيه الحال من ترتيب الأبواب.
فصل في أوقات الصلاة
أما وقت الظهر الذي لا تجب قبله ولا يجوز تقديمها عليه فهو زوال الشمس ومعرفة ذلك في غالب الأحوال هو بأن تقيم عودا مستويا فترى ظله في أول النهار طويلا ممتدا ثم لا يزال في نقصان مع اتساع النهار كلما قرب من الزوال إلى أن ينتهي إلى حد يقف عنده ثم يعود في الطول فذلك هو الزوال ويستحب تأخيرها في مساجد الجماعات إلى أن يكون الفيء ذراعا والإبراد بها في الحر أفضل ثم لا يزال وقتها ممتدا إلى أن يكون زيادة الظل مثله ويعتبر ذلك وقت تناهي نقصانه وآخذه في الزيادة لا من أصله فإذا بلغ مثله فهو آخر وقت الظهر وهو بعينه أول وقت العصر وتكون وقتا لهما ممتزجا بينهما فإذا زاد على المثل زيادة بينة خرج وقت الظهر واختص الوقت بالعصر فلا يزال ممتدا إلى أن يصير كل شيء مثليه فذلك آخر وقت العصر.
ويستحب في العصر تأخيرها قليلا في مساجد الجماعات كنحو ما يستحب في الظهر لا زيادة على ذلك بل تعجيلها بعد هذا التأخير أفضل وتأخيرها زيادة على ذلك مكروه.

ووقت المغرب الذي لا تحل قبله غروب الشمس وهو وقت واحد مضيق غير ممتد يقدر آخره بالفراغ منها في حق كل مكلف ويرخص للمسافر أن يمد الميل ونحوه ثم يصلي وذلك داخل في باب الأعذار والرخص وهو خارج عن هذا الباب.
ووقت العشاء الآخرة مغيب الشفق وهو الحمرة لا البياض وآخر وقتها ثلث الليل الأول ويتسحب في مساجد الجماعات تأخيرها قليلا قدرا لا يضرب الناس ثم لا يزال وقتها ممتدا إلى أن ينقضي الثلث الأول ووقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني ويسمى الصادق وهو الضياء المعترض في الأفق
الذاهب فيه عرضا يبتدىء من المشرق ومعترضا حتى يعم الأفق ثم لا يزال ممتدا ما لم تطلع الشمس وهي الصلاة الوسطى.
والتغليس بها أفضل فهذه أوقات الوجوب المبتدأة وهي على ضربين منها ما يكون ابتداؤها علما على الإجزاء في كل حال عموما لا خصوصا وذلك لثلاث صلوات وهي الزوال في الظهر وغروب الشمس في المغرب وطلوع الفجر في صلاة الفجر فهذه الأوقات هي أوقات الوجوب والإجزاء فلا يجوز تقديم هذه الصلوات عليها بوجه لا في حال عذره ولا غيره.
وأما المثل في العصر ومغيب الشفق في العشاء الآخره فهو في الرفاهية والاختيار لأن الإجزاء والرخصة قد يتعلقان بتقديمهما على هذه الأوقات في حال ضرورة على ما نبينه إن شاء الله.
فصل
فأما أوقات الضرورة والتضييق فهي لخمسة للحائض تطهر والمغلوب يفيق والصبي يبلغ والكافر يسلم والناسي يذكر ويتصور في أثنين من هؤلاء العكس وهو أن يكون في حق الطاهر تحيض والمفيق يغلب ولا يتصور في الصبي يبلغ لأنه لا يعود إلى الصغر.

ولا الكافر يسلم لأنه إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يؤخذ بقضاء ما فات وأخذ في حال التضييق بما يؤخذ به الكافر الأصلي إذا أسلم ويمكن تصويره في الناسي يذكر وبسط ذلك يطول.
وبيان هذه الأوقات هو أن ابتداء الزوال وقت للظهر مختص به لا تشاركها فيه العصر بوجه ومنتهي هذا الاختصاص قدر أربع ركعات للحاضر وركعتين للمسافر ثم يصير الوقت مشتركا بينهما وبين العصر فلا يزال الاشتراك قائما إلى أن يصير قبل الغروب بقدر أربع ركعات للحاضر أو ركعتين للمسافر فيزول الاشتراك ويختص الوقت بالعصر وتفوت الظهر حينئذ على كل وجه وإدراك وقت الصلاة المعتد به هو إدراك ركعة منها وما قصر عن ذلك فليس بإدراك.
فإذا طهرت حائض أو أفاق مغمى عليه أو بلغ صبي أو أسلم كافر وقد بقي من النهار بعد فراغهم ما يمكنهم به أداء الصلاة من طهارة وستر عورة وغير ذلك قدر خمس ركعات في الحضر أو ثلاث في السفر فعليهم الظهر والعصر لإدراكهم وقتهما وذلك لقاء ركعة من وقت الظهر المشترك وإدراك جميع وقت العصر وإن كان الباقي أربعا أو أقل من الخمس فقد فات وقت الظهر فسقط عنهم ويخاطبون في بالعصر فقط لإدراكهم وقتها ولو أدركوا من وقت العصر قدر ركعة فقط كانوا مدركين لوقتها فإن أدركوا دون ذلك لم يدركوا ما يلزمهم به وكذلك لو أخرت امرأة الظهر والعصر إلى أن طرأ عليها الحيض وقد بقي من النهار قدر خمس ركعات أو ثلاثا على التفصيل الذي ذكرناه فلا قضاء عليها إذا طهرت لأنها حاضت في وقتهما وإن كان الباقي دون ذلك كان عليها قضاء الظهر لإدراك وقتها ولم يلزمها قضاء العصر لأنها حاضت في وقتها وكذلك الحكم في المغلوب وغيره ومثل ذلك في المغرب والعشاء وهو أن تطهر حائض أو يفيق مغلوب وقد بقي للفجر قدر خمس ركعات فتلزمه الصلاتان لإدراكه وقتهما فإن أدرك قدر ثلاث ركعات سقطت المغرب لفوات وقتها وأنه لو صلاها لم يبق للعشاء وقت وإن أدراك قدر أربع ركعات فقيل يصليهما لأنه تبقى ركعة لعشاء وقيل يصلي العشاء فقط لأنه لم يدرك شيئا من وقت المغرب.
وابن القاسم يرى في الكافر يسلم أن يعتبر الوقت من وقت إسلامه دون فراغه من أمره ويفرق بينه وبين غيره من أهل الضرورات لأنه لم يكن معذورا بتأخير الصلاة وغيره من أصحابنا يسوي بينهم وهو النظر لأن بالإسلام قد سقط عنه التغليظ.

فأما المسافر ينسى في سفره الظهر والعصر فيذكرهما بعد دخوله الحضر فإن كان قدومه بقدر خمس ركعات فأكثر صلاهما تامتين وإن كان دون ذلك صلى الظهر مقصورة لفوات وقتها والعصر تامة لبقاء وقتها وإن سافر وقد نسي الظهر والعصر وكان عليه وقت أن فارق الحضر من النهار قدر ثلاث ركعات صلاهما مقصورتين لإدراكه وقتها وهو مسافر فإن كان دون ذلك صلى الظهر تامة قضاء وصلى العصر مقصورة لبقاء وقتها وكذلك القول في المغرب والعشاء.

باب في ذكر الأذان والإقامة
هما سنتان غير واجبتين وسنة الأذان في الجماعة الراتبة دون الانفراد والإقامة أهبة للصلاة في الجماعة والانفراد والأذان في الصبح تسع عشرة كلمة وغيرها سبع عشرة كلمة وحكاية لفظ في غير الصبح الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر ألله أكبر لا إله إلا الله وفي الصبح يزيد بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ولفظ الإقامة الله أكبرالله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا اله ألا الله ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا الصبح والتوجه إلى القبلة في الأذان حسن والأفضل أن يوذن متطهرا ولا يؤذن لنافلة ويستحب لسامع الأذان أن يحكيه إلى آخر التشهدين وأن أتمه جاز.
باب العمل في الصلاة
والصلاة مشتملة على فروض وسنن وفضائل فالفروض ضربان منفصلة ومتصلة فالمنفصلة نوعان متقدم ومصاحب فمن فروضها الطهارة من الحدث وإزالة ألنجاسة وستر العورة فهذه هي المنفصلة وأما المتصلة فاستقبال القبلة والنية والترتيب في الأداء ونريد بالانفصال جواز تقديم فعلها وأنها مكتفية بنفسها وذلك يتم في الطهارة وستر العورة.
وأما إستقبال القبلة والنية فمصاحبان لا حكم لهما إلا بإضافتهما إلى الصلاة ومن هذه الفروض ما هو مفروض على الإطلاق ولا تصح الصلاة مع تركه على وجه وهو الطهارة من الحدث والصحيح من مذهبنا أنه إذا عدم الماء والصعيد لم يصل حتى يجد أحدهما وقد قيل: أنه يصلي إذا لم يجدهما.
ثم إذا وجده بعد إنقضاء الوقت فهل يلزمه القضاء أو لا يلزمه نظر آخر.
باب السهو وما يفسد الصلاة وما يتصل بذلك
السهو يقع على وجهين: بنقصان وبزيادة وله سجدتان كثر أم قل كان من أحد الوجهين أو كليهما ويؤخر سجوده إلى آخر الصلاة فيؤتى بهما في

النقصان قبل السلام وفي الزيادة بعده وفي اجتماعهما يغلب النقصان فيسجد قبل السلام ويكبر لهما في ابتدائهما والرفع منهما ويتشهد للتين بعد السلام ويسلم وأما اللتان قبل السلام فإن السلام من الصلاة يكفى منهما وفي التشهد لهما روايتان فإن سها عنهما سجد اللتين بعد السلام متى ما ذكر وأما اللتان قبله فيسجدهما ما لم يطل أو ينتقض وضوؤه وإن كان ذلك أعاد الصلاة.
فصل
والمتروك بالسهو أربعة أنواع فريضة وسنة وفضيلة وهيئة ولا يسجد لشيء من ذلك إلا للسنة وحدها فأما الفريضة فلا يجزئ منها إلا الإتيان بها وقد بينا السنن فيما تقدم ومن لم يدر كم صلى بنى على يقينه وسجد بعد السلام إلا أن يكون ممن لا يقين له لاستنكاح الشكوك له وغلبتها عليه فلا يلزمه إلا غالب الظن ويستحب له السجود بعد السلام ولا يسجد المأموم لسهوه والإمام يحمله ويسجد هو مع الإمام في سهو الإمام أدركه أو سبقه به فإن سبقه به سجد معه إن كان قبل السلام وإن كان بعده انتظر إلى أن يفرغ من القضاء ثم يسلم ويسجد.
ومن قام من اثنتين قبل الجلوس رجع ما لم يعتدل قائما فإن اعتدل قائما مضى وسجد قبل السلام لأنه نقص فإن أخطأ فرجع جالسا سجد بعد السلام لأنه زاد وقيل قبله لأنه زاد ونقص.
فصل
ويفسد الصلاة اثنتا عشرة خصلة قطع النية عنها جملة فأما تغييرها ونقلها فله تفصيل والردة وطروء الحدث على أي وجه كان من سهو أو عمد أو غلبة أو تعمد الكلام من غير إصلاحها ولا يفسدها سهو ولا عمده المقصود به إصلاحها ويفسدها ترك ركن من أركانها والعمل الكثير فيها من غير جنسها والقهقهة سهوا أو عمدا، وذكر صلاة يجب عليه ترتيبها وفساد صلاة الإمام لغير سهو وطروء النجاسة المقدور على إزالتها وانكشاف العورة المقدور على تغطيتها إذا تعمد ترك الإزالة أو لتغطيته في المجتمع عليه من ذلك فإن كان قدرا مختلفا فيه سهل الأمر.

باب الإمامة والجماعة وقضاء الفوائت والنوافل وأوقات النهي ومواضعه والجمع وما يتصل بذلك
ويقدم في الإمامة كل من كان أفضل والفقيه أولى من القاريء ولا تجوز إمامة الفاسق ولا المرأة ولا الصبي إلا في نافلة فتجوز دون المرأة ولا العبد

في الجمعة ومقامات المأموم مع الإمام أربعة أحدها عن يمين الإمام وذك الرجل وحده والثاني خلفه وذلك للرجلين فأكثر وللرجل والصبي العاقل يثبت والمرأة وحدها وجماعة النساء إذا لم يكن معهن رجل والثالث صفوف خلفه لا صف واحد وذلك للرجلين فأكثر وإن كان معها امرأة أو نساء فإن الرجال يقومون صفا واحدا خلف الإمام والنساء خلفهم والرابعة إلى جنبه أو خلفه وذلك لرجل واحد والمرأة أو جماعة النساء فإن الرجل يكون عن يمين الإمام والنساء خلفه.
فصل
والجماعة في غير الجمعة مندوب إليها متأكد الفضيلة ويستحب للمنفرد إعادة ما عدا المغرب في الجماعة والترتيب في الفوائت واجب بالذكر في الخمس فدون وهي أولى عند ضيق الوقت من الحاضرة ويقضيها على صفة أدائها ومن فاته بعض الصلاة قضى أولها كما فعل الإمام والنوافل ضربان منها ما له وقت مرتب وهو ما لا سبب له سوى وقته ومنها ما يتعلق بسبب فهو تابع له ولا يتعلق بالوقت ومنها مبتدأ لا سبب له.
المتعلق بالأوقات منها صلاة العيدين والوتر وركعتي الفجر والمتعلق بسبب فصلاة الكسوف والاستسقاء وسجود القرآن وتحية المسجد والركوع عند الإحرام وركوع الطواف ويلحق بالأول قيام رمضان وقيام الليل والركوع قبل العصر وبعد المغرب.
فصل
فأما صلاة العيدين والكسوف والاستسقاء فتذكر في مواضعها وأما الوتر فسنته بعد العشاء الآخرة وهو ركعة بعد شفع منفصلة عنه وأما سجود القرآن فعزائمه إحدى عشرة سجدة أولها خاتمة الأعراف وثانيها في الرعد عند قوله: {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف: 15] وثالثها في النحل عند قوله: {وَيَفْعَلُونَ مَايُؤْمَرُونَ} [الرعد:50] ورابعها في بني إسرائيل عند قوله : {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الاسراء: الآية

109] وخامسها في مريم عند قوله: {خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم الآية: 58] وسادسها في الحج عند قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج الآية: 18] وسابعها في الفرقان عند قوله: {وَزَادَهُمْ نُفُوراً} [الفقان الآية: 60] وثامنها في النمل عند قوله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل الآية: 26] وتاسعها في ألم تنزيل عند قوله: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة الاية: 15] وعاشرها في سورة ص عند قوله: {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص الآية: 24] والحادية عشر في فصلت عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت الآية: 37] وقيل: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت الآية: 38] وليس في المفصل منها شيء ويسجدها من قرأها في صلاة فرض أو نفل واختلف عنه في فعلها في الأوقات المنهى عنها.
والأوقات التي نهى عن التنفل فيها وقتان بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع فأما الأحوال التي نهى عن التنفل فيها فنخص ولا نعم كحال خطبة الإمام وشروعه في الصلاة وغير ذلك والاختيار في التنفل مثنى مثنى والجهر بالقراءة فيها جائز ليلا ونهارا.
فصل
وتكره الصلاة في معاطن الإبل وفي البيع والكنائس والفرض داخل البيت عند مالك وعلى ظهره وتجوز الصلاة في مراح البقر والغنم ويجوز الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت أيتهما شاء إذا جد به السير والاستحباب في آخر وقت الأولى وأول وقت الثانية، وذلك في الظهر والعصر وفي المغرب والعشاء ولا يتنفل بينهما ويجوز في الحضر لعذر المطر في المغرب والعشاء دون الظهر والعصر.
فصل
ومن رعف في صلاته فإن كان يسيرا فتله وتمادى وإن كان كثيرا نظر فإن كان قبل تمام الركعة بسجدتيها قطع ومضى فغسل الدم واستأنف وإن كان بعد

عقد ركعة واحدة بسجدتيها فهو مخير إن شاء قطع وإن شاء مضى فغسل الدم في أقرب موضع اليد وبنى وهذا للمأموم واختلف في المنفرد.
فصل
وصلاة المريض بحسب إمكانه ولا يسقط عنه ما يقدر عليه لعجزه عن غيره ويختار له أن يجلس متربعا ويثني رجليه في السجود فإن لم يقدر على السجود أومأ وجعله أخفض من الركوع فإن عجز عن الجلوس اضطجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فإن لم يتمكن من ذلك فعلى ظهره ويقف المصلي خلف الصفوف وحده إذا لم يجد في الصف موضعا ولا يجبذ إليه أحد من الصف ولا ينتظر الإمام لمن سمع حسه ولا يقطع الصلاة مرور شيء بين يدي المصلي.
فصل
ويستحب للمصلي في الفضاء أن تكون بين يديه لديه سترة تحول بينه وبين المارين وقدرها عظم الذراع في غلظ الرمح.

باب في قصر الصلاة في السفر
القصر في الصلاة الرباعية، لأن المغرب لا تنصف والفجر لو قصرت لكانت ركعة وذلك ممنوع وأداؤها على صفة أداء التامة إلا في الإتمام وحد سفر القصر ثمانية وأربعون ميلا وفي البحر يوم تام.
والأظهر من المذهب أن القصر سنة والإتمام مكروه فإن كان خلف مقيم فليتسبقه وإن كان خلف مسافر فأتم فلا يتبعه ويستمر المسافر على القصر وإن عرضت له إقامة ما لم يبلغ بعزيمته أربعة أيام بلياليهن فإن بلغته أتم ولا يقصر حتى يفارق بلده ويخلفه وراء ظهره وفي عوده حتى ينتهي إلى الموضع الذي بدأ منه ولا يقصر العاصي بالسفر وإذا فرغ من صلاة مقصورة ثم عزم على الإقامة لم تلزمه إعادة وإن عزم على ذلك في الصلاة جعلها نافلة وابتدأها تامة.
باب الجمعة
وهي فرض على الأعيان وشروط وجوبها ستة: البلوغ والعقل والذكورية والحرية والإقامة وموضع يستوطن فيه ويكون محلا للإقامة به يمكن
باب صلاة الخوف
قولنا: صلاو الخوف عبارة عن صفة أداء الصلاة في حال الخوف، وهي الصلاة تحضر والمسلمون منصدون لحرب العدو فيقسم الإمام المعسكر فريقين فريق يصلي معه والآخر بإزاء العدو فيصليها بأذان وإقامة ويصلي بالطائفة التي معه نصف الصلاة فإن كان في حضر وكانت ظهرا أو عصرا أو عشاء صلى بهم ركعتين فإذا فرغ من تشهده قام إلى الثالثة وفي رواية أخرى

يشير إليهم فيتمون لأنفسهم ما بقى عليهم من الصلاة وإن كان في سفر فإذا رفع رأسه من سجود الركعة الأولى وقام إلى الثانية أخذوا في إتمام صلاتهم فإذا فرغوا مضوا وكانوا مقام الفرقة الأخرى ثم جاءت تلك فيصلي بهم ما بقى في تلك الصلاة من ركعة أو ركعتين ثم يسلم ثم يتمون بقية صلاتهم وفي المغرب يصلي بالأولى ركعتين ثم يشير إليهم بعد فراغه من تشهده في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى يقوم إلى الثالثة ويصليها على حسب ما كان يصليها قبل ذلك من جهل أو أسرار وهذا مع التمكن.
وأما إن اشتد خوفهم ولم يمكنهم العدو أو كانوا في حال المسايفة صلوا بحسب الإمكان.

باب صلاة العيدين
وصلاة العيدين سنة واجبة وقتها إذا أشرقت الشمس وسنتها المصلي دون المسجد إلا في حالة العذر ووقت الغدو إليها بحسب قرب المسافة من المصلي وبعدها.
ويستحب في الفطر الأكل قبل الغدو إلى المصلى وفي الأضحى تأخيره إلى الرجوع من المصلى ومن سننها الغسل والطيب والزينة وإظهار التكبير في المشي والجلوس والتكبير بتكبير الإمام والرجوع من غير الطريق الذي مضى فيه.
وهي ركعتان يزاد في الأولى ست تكبيرات بعد الإحرام وفي الثانية خمس بعد تكبيرة القيام وهي فيما عدا ذلك ركعتان كسائر الصلوات يجهر فيهما بالقراءة بسبح والغاشية ونحوهما ولا إذان فيهما ولا إقامة والخطبة فيهما بعد الصلاة خطبتان كخطبتي الجمعة إلا أنه يكبر في تضاعيفهما ثم صفتهما في الأداء كصفة خطبتي الجمعة من جلوس متقدم ومتوسط وما يتوكأ عليه ويكبر خلف الصلوات يبدأ بالظهر من يوم النحر ويقطع إذا كبر عقيب الصبح من رابعه وهي خمس عشرة صلاة ولفظه الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وإن شاء قال الله أكبر الله أكبر ثلاثا نسقا.
باب صلاة الكسوف
وصلاة كسوف الشمس سنة مؤكدة وصفتها أن يدخل المسجد بغير أذان ولا إقامة فيكبر للإحرام ثم يقرأ سرا بأم القرآن وسورة ويستحب له إطالتها ما لم يضر بمن خلفه إن كان إماما ثم يركع ويطيل ركوعه نحو من قراءته ثم يرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده ثم يقرأ بأم القرآن وسورة طويلة دون ما تقدم في الطول ثم يركع بقدر قراءته ثم يرفع قائلا سمع الله لمن حمده ثم يسجد سجدتين كسائر الصلوات ثم يأتي بمثل ما أتى به في الأولى ثم يتشهد ويسلم فيذكر ويعظ ويخوف من غير خطبة مرتبة ولا اجتماع لخسوف القمر ويصلي له الناس أفذإذا ركعتين كسائر النوافل.
باب صلاة الاستسقاء
وصلاة الاستسقاء سنة تفعل عند تأخير المطر والحاجة إليه ومن سننها المصلى والخطبة ويخرج الإمام والناس معه متخشعين متواضعين غير مظهري زينة ويقدم الصلاة على الخطبة ويؤذن لها ولا يقام وهي ركعتان كسائر الصلوات يكبر فيها التكبير المعهود ويجهر بالقراءة بسبح ونحوها إذا فرغ صعد المنبر متوكئا على قوس أو عصى فيجلس فإذا أخذ الناس مجالسهم قام فخطب وأكثر من الاستغفار ثم يجلس ثم يقوم فيخطب الثانية فإذا فرغ استقبل القبلة وحول رداءه فيجعل ما على يمينه على شماله وما على شمال على يمينه ولا ينكسه ثم يدعو الله تعالى بما تيسر له وهو قائم والناس جلوس وإن احتج إلى تكرار الخروج لصلاة الاستسقاء لتأخير المطر جاز وفعل في كل مرة مثل ما ذكرناه وليس من سننها تقديم صوم أو صدقة على فعلها ولا يمنع من تطوع به.

كتاب الجنائز

مدخل
كتاب الجنائز
وغسل الميت المسلم واجب وصفته كصفة غسل الجنابة ويجتهد في تنظيفه وإزالة الأذى عنه على الميسور ويستحب الوتر على قدر ما يحتاج إليه بماء وسدر ويجعل في الآخرة كافور وتنزع ثيابه وتستر عورته وإن احتج إلى مباشرتها فبخرقة إلا أن يضطر ألى إخراج شيء بيده فيجوز ويعصر بطنه عصرا خفيفا ليخرج ما هناك من أذى ويرفق به في كل ذلك ولا يزال عنه شيء من خلقته من ظفر أو شعر من عانة أو غيرها ويغسل كل واحد من الزوجين صاحبه ولا يغسل من لا رجعة له عليها وفي الرجعية روايتان ويغسل الرجل أمته التي يحل له وطئها ومدبرته وأم ولده وكل من مكان يستبيحه إلى موته ويغسل ذوو المحارم بعضهم بعضا من الرجال والنساء الرجل للرجل وكذلك المرأة للمرأة.
والرجل إذا لم يكن من يلي ذلك من الأجانب يغسل الرجل المرأة منهن في ثيابها ولا يغسل الرجل الأجنبية ولا المرأة الأجنبي فإن كانوا في سفر ولم يجدوا من يغسل يمم الرجل وجهه ويداه إلى المرفقين والمرأة إلى كفيها

ويستحب الاغتسال من غسل الميت ومن مات له نسيب كافر خلا بينه وبين أهل ذمته فإن لم يجد من يكفنه لفه في شيء وواراه ولا يغسله ولا يصلي عليه.
فصل
والكفن والحنوط من رأس المال ويستحب في الكفن الوتر والبياض ويجوز فيه اللبيس ويجوز في الحنوط المسك والكافور وكل الطيب وتعتمد به مفاصله ومواضع سجوده.
فصل
والصلاة على الميت المسلم واجبة وهي من فروض الكفايات لا تجزيء إلا بطهارة كسائر الصلوات يكبر فيها أربعا يدعو بين التكبيرات من غير قراءة بأم القرآن ولا غيرها وليس فيها إلا الاجتهاد بالدعاء وهي جائزة في كل الأوقات وبعد العصر ما لم تصفر الشمس وإلا تصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها إلا أن يخاف تغييرها ولا تترك الصلاة على مسلم إلا أن أهل الفضل يجتنبون الصلاة على المبتدعة والبغاة ويجتنب الإمام خاصة الصلاة على من قتله في حد من لم يعلم حياته من الأجنة بصراخ أو ما يقوم مقامه من طول مكثه لم يغسل ولم يصل عليه ولا اعتبار بحركته إذا لم يقارنها طول إقامة ولا يغسل الشهيد في المعترك ولا يصلى عليه ويدفن في ثيابه وكذلك إن حمل جريحا ثم مات في العمرة ويصلي على كل الشهداء سواه.
فصل
والصلاة إلى الأئمة ثم العصبة ولا ولاية فيها للزواج ولذي رحم غير عصبته وأولادهم الابن ثم ابنه ثم الأب ثم الأخ الشقيق ثم الأخ للأب ثم أبناءهم على هذا الترتيب ثم الجد ثم العمومة ثم بنوهم على ترتيب الإخوة ولا تعاد الصلاة

على ميت إذا سقط فرضها لا قبل الدفن ولا بعده وإذا اجتمعت جنائز رجال ونساء وصلى عليها صلاة واحدة وقدم إلى الإمام الرجل وبعده إلى القبلة المرأة وإن كان معها صبي جعل بعد الرجل والمرأة بعد الصبي واللحد أفضل من الشق مع القدرة عليه ويجعل الميت على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فإن تعذر ذلك جعلت رجلاه في القبلة واستقبلها بوجهه وليس لعدد من يتولا ذلك حد سوى الكفاية.

كتاب الزكاة
مدخل
كتاب الزكاة الزكاة
من فروض الدين وأركانه وهي من حقوق الأموال تتعلق بثلاثة أشياء بمالك وملك ومملوك فصفة المالك أن يكون من أهل الطهرة وهم المسلمون كانوا كبارا أو صغارا ذكورا وإناثا وصفة الملك أن يكون تاما غير ناقص وفائدة ذلك ألا يكون لغير مالكه انتزاعه من مالكه في أصله وأن يكون مالكه حرا لا رق فيه.
وأما صفة المملوك فكل عين جاز بيعها جاز تعلق الزكاة بها فإذا ثبت هذا فالزكاة تتعلق بالمال على وجهين زكاة عين وزكاة قيمة فزكاة العين في ثلاثة أنواع وهي الذهب والورق والمواشي والحرث ولا تجب فيما سوى ذلك

من لؤلؤ أو جوهر أو طيب ولا في خيل ولا رقيق ولا عسل ولا في لبن ولا في شيء سوى ما ذكرناه إلا أن يكون للتجارة فتجب فيه زكاة القيمة دون زكاة العين على ما نذكره.
فصل
فأما زكاة العين التي من الذهب والفضة فلها شرطان نصاب وحول فالنصاب شرط في جميع أنواعها والحول يخص ما سوى المعدن منها على ما نذكره ونصاب الذهب عشرون دينارا وازنة وما يجوز جوازها من النقصان الذي لا يتشاح الناس في مثله عادة ونصاب الورق مئتا درهم وازنة أو ناقصة على سبيل ما قدمناه وفي كل واحد ربع عشر وهو نصف دينار من الذهب أو خمسة دراهم من الورق وما زاد عليه فبحسابه في كل ممكن وتجب في أنواع كل جنس من غير اعتبار بصفته من جودة أو ردأة أو تبر أو مضروب أو غلة أو صحاح الإأن يكون مصوغا.
والمصوغ على خمسة أوجه منها الأواني المنهى عن أستعمالها واتخاذها ومنها الحلبي للتجارة ومنها المصوغ لإحراز المال وحفظه ومنها الحلي الملبوس على الوجه المباح ومنها المتخذ للكراء وفي جميعها الزكاة الإ في الملبوس وفي حلي الكراء خلاف.

ويجمع بين الذهب والفضة على تعديل المثقال بعشرة دراهم ويخرج عن كل جنس منه وله أن يخرج من أحد الجنسين عن الآخر بالقيمة إلا أن ينقص عن التعديل ولا يجوز تقديم زكاة قبل وجوبها. والفوائد نوعان: نماء من نفس المال وفائدة بوجه غير النماء فما كان من نماء المال فحكمه حكم أصله يزكى لحوله كان الأصل نصابا أو دونه إذا أتم نصابا بربحه وما سوى النماء كالميراث والهبة لا يضم إلى النصاب الذي ليس منه فإن كان الأول أقل من نصاب وإن ضم إلى الثاني كان نصابا أو كان الثاني نصابا ضم الأول إلى الثاني واستقبل بهما الحول.
وإذا وجبت الزكاة فلم يخرجها حتى تلف المال لم يضمن إلا أن يكون أخرها مع الإمكان والدين مسقط للزكاة على قدرها ما يقابله من العين إلا أن يكون هناك عروض تباح فيه فتجعل بإزائه ولا يسقطها في الحرث والماشية.
فصل
فأما زكاة القيمة فهي عرض ابتيع بنية التجارة والعرض هو ما لا زكاة في عينه من الأمتعة والعقار والمأكول والحيوان وغير ذلك فما ابتيع بذلك

بنية القنية أو بغير نية التجارة فلا شيء فيه ولا في ثمنه إبيع وما اشترى بنية التجارة ففيه الزكاة إذا بيع فإن أقام أعواما فلا شيء فيه ما دام عرضا ولا يقوم في كل سنة فإذا بيع زكى ثمنه لسنة واحدة ومن ملك عرضا بميراث أو بهبة أو بمعاضة بعرض مثله لقنية فلا زكاة فيه ويستقبل بثمنة حولا.
فصل
والديون على ثلاثة أضرب دين مدين يذكر فيما بعد ودين غير مدين فلا زكاة فيه ما دام دينا فإذا قبض فهو على ضربين منه ما يكون أصله عينا فذلك يزكى لسنة واحدة وإن أقام أعواما ومنه ما ملك دينا من غير أن يكون أصله عينا مثل الميراث والهبة وابتياعه بغرض قنية فلا زكاة فيه ويستقبل به حولا ولا زكاة فيما يقبض إلا أن يكون نصابا أو يكون عنده مما حال عليه الحول مما يتم مع ما قبضه نصابا أو يكون مما يتم نصابا من معدن ثم يزكى عما قبض من بعد قل أو كثر.
فصل
والمزكون ضربان عارف بحول أمواله وقد ذكرنا حكمه ومدير لا يعرف حول ماله ولا ينضبط له كسائر التجار الذين يريدون البيع والشراء فلا يتحصل لهم حول يعولون عليه فالوجه في زكاة من هذه صفته أن يكون له شهر من السنة يعرف فيه ما معه من العين ويقوم ما عنده من العروض بحسب ماله من دين يرتجيه فإذا عرف ذلك نظر فإن كان عليه دين أسقط مقابله ثم زكى عما فضل عنه إن كان نصابا.
فصل
وتجب الزكاة في معادن الذهب والفضة فقط ومن شرطها النصاب وليس من شرطها الحول ويبني فيها ما خرج من النيل الواحد بعضه على بعض ولكل نيل حكمه وما خرج بغير كلفة ولا كبير مؤنة كالندرة ففيه الخمس

ولا زكاة في الركاز وفيه الخمس في عينه وعروضه في قليله وكثيره وهو دفن الجاهلية.

باب زكاة المواشي
وتجب زكاة الماشية بثلاثة شروط وهي الحول والنصاب أو مجيء الساعي ولا زكاة في الإبل حتى يبلغ خمس ذود ففيها شاة فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه والغنم المأخوذة فيها من غالب أغنام البلد ثم يزول فرض الغنم ويؤخذ عنهما من جنسها ففي خمس وعشرين بنت مخاض وهى التي قد دخلت في السنة الثانية إلى استكمالها فإن لم تكن فيها فابن لبون ذكر فإن عدما لم يجزأه إلا بنت مخاض فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون أو ولد اللبون هو الذي قد دخل في السنة الثالثة إلى استكمالها.

فإذا بلغت ستا واربعين ففيها حقة وهي التي قد دخلت في السنة الرابعة إلى استكمالها وسميت بذلك لاستحقاقها أن يطرقها الفحل وصلحت للحمل فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة وهي بنت خمس سنين إلى تمامها وهي آخر سن تجب في الزكاة فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين فما زاد ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ويتغير الفرض بزيادة عشر وفي تغييره بما دونها خلاف فإذا قيل يتغير فالتخيير للساعي بين حقتين وبين ثلاث بنات مالك رحمه الله وإلى ثلاث بنات لبون قطعا عند ابن القاسم ثم هي على هذا الحساب إلى مائتين فيخير الساعي في السنين.
فصل
ولا زكاة في البقر حتى تبلغ ثلاثين فيكون فيها تبيع جدع أو جذعه وسنه سنتان إلى أربعين فيكون فيها مسنة ولا يؤخذ إلى الأنثى وسننها أربع سنين ثم ما زاد ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة إلى مائة وعشرين فيكون الساعي مخيرا في السنين.

فصل
ولا زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين ففيها شاة جذعة أو ثنية من غالبها فإن تسأوت فمن واحدة منهما ثم لا شيء فيها حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان إلى مائتين وشاة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة وتسعة وتسعين فيؤخذ منها فيما بعد عى حساب كل مائة شاة.
ويضم أنواع كل جنس من الماشية بعضها إلى بعض كالبخت والعراب من الإبل والجواميس إلى البقر والضأن والمعز في الغنم والعاملة والسائمة سواء وتضم فصلان الإبل إلى أمهاتها وكذلك عجاجيل البقر وسخال الغنم كانت الأمهات نصابا أو دونه فإذا كملت بالسخال نصابا فتزكى بحول الأمهات بقيت الأمهات أو ماتت جميعها أو بعضها إذا كان الباقي منها نصابا من أيها كان.
ويضم ما استفاد اليها من غير نمائها إلى نصاب إن كان عنده منها فيزكى بحوله ولا شيء في الأوقاص والوقص ما بين النصابين ولا يؤخذ في زكاة الماشية كرائمها إلا أن يتطوع بها أربابها وهي المواخض واللوابن والأكولة والفحولة المعدة للضراب ولا يؤخذ ألائمها وهي التيس

والمريضة وذات العيب إلا أن يكون نظرا ومن لم يكن عنده السن الوسط كلف شراؤها.
فصل
وللخلطة في الماشية ثأثير في الزكاة وتأثيرها هو أن المالكين يزكيان زكاة المالك الواحد إذا كان لكل واحد نصاب كامل اختلطا في جميع الحول أو في بعضه إذا بقيا على الخلطة إلى آخره وصفة تأثيرها أن يكون للاثنين ثمانون شاة لكل واحدة أربعون فيأخذ الساعي منها شاتين وإن كانت مائة وعشرين لثلاثة فثلاث شياه هذا إذا كانوا مفترقين فإن اختلطوا أخذ عن الثمانين شاة واحدة وكذلك عن المائة والعشرين وتأثيرها في هاذين الموضعين التخفيف وقد تؤثر التثقيل وهو أن يكون للاثنين مائتان وشاة وفيؤخذ منها ثلاث شياه ولا يجوز للمختلطين أن ينفردا ولا للمنفردين أن يختلطا خيفة ذلك فإن علم ذلك منهما أخذا بما كان عليه قبل ذلك.
وما به يكونان مختلطين هو أن يجتمعا في الراعي والمرعى والفحل والدلو والمسرح والمبيت فقيل يراعي اجتماعها في أكثرها وقيل في وصفين منها وقيل في الراعي واحد وقيل في الراعي والمرعي ولا خلطة في غير المواشي ومن أبدل جنسا من أموال الزكاة بجنسه لم تسقط الزكاة عليه كان بنوعه أو بخلافه وفي العين خاصة إبداله الذهب بالورق والورق بالذهب كإبداله بجنسه ولا يخرج في الزكاة قيمة ولا يجوز الا العين الواجبة.

باب زكاة الحرث
وشرطها النصاب دون الحول وهي واجبة في المقتات والمدخر للعيش غالبا وما يجري مجراه وهو نوعان حبوب وثمار فالحبوب البر ولاشعير والأرز والذرة والدخن

والسلت وسائر القطاني وهي الحمص واللوبيا والعدس والفول والسمسم والترمس والجلبان والبسلة وحب الفجل وما قارب ذلك والثمار ثلاثة أنواع التمر والزبيب والزيتون وتجب الزكاة بطيب الثمر ويبسي الزرع وفي كل جنس منفرد بنفسه لا يضم إليه إلا أنواعه دون جنس غيره الا شيئين الحنطة يضم اليها الشعير والسلت وضم بعض القطاني إلى بعض مختلف فيه والمذهب وجوبه وإذا كانت الثمرة نوعا واحدا أخذت الزكاة منها جيدا كان أو رديئا وإن كانت نوعين أخذ من كل واحد بقدره فإن كانت ثلاثة أنواع أخذ الوسط منها وقيل من كل واحد بقدره والنصاب خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالعراقي ويعرف جملة ذلك من ضم فصيله بعضه إلى بعض والواجب فيه معتبر بسقيه فإن كان شربه سيحا أو بعلا أو ماء السماء أو العيون ففيه العشر وإن كان نضحا أو بدالية فنصف العشر وإن كان بهما فبأكثرها فإن استويا فثلاثة أرباع العشر.

فصل
ويخرص الرطب والعنب فما بلغ نصابا ثمره وزبيبه ففيه الزكاة وما قصر عن ذلك فلا شيء فيه ولا تضر مخالفة الوجود للخرص وما لا يثمر من الرطب أو لا يزبب من العنب فيخرص على تقدير لو تأتي فيه ويخرج عنه من مثله ويجزئ من ثمنه ولا زكاة فيما أنبتت الأرض من المقتات كالبقول والخضروات وما لا يدخر من الفواكه وغيرها وإذا لم تجب في غير المقتات فوجوبها في غير المأكول أبعد.

باب زكاة الفطر
تلزم الرجل عن نفسه وعن من تلزمه نفقته من المسلمين من ولد صغير لا مال له أو كبير زمن فقير أو زوجته أو عبدة وعن والديه إذا لزمته نفقاتهما ويلزم إخراجها عن العبد المشترك بقدر الحصص وعن من بعضه حر وعلى من له فيه بقية رق بقدرة ولا شيء على العبد في نصيبه الحر وقيل عليه بقدره وقدرها صاع من غالب قوت البلد من الأقوات العامة من الحبوب والثمار كالحنطة والشعير والسلت والدخن والذرة والأرز وما أشبه ذلك كالتمر والزبيب ولا ينقص عن صاع من أيها أخرجت وتجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان وقيل بطلوع الفجر من يوم الفطر ووقت استحبابها قبل الغدو إلى المصلى وتجب على من فضل عن قوته وقوت عياله بقدرها.
باب في قسم الصدقات
مصرفها في الأصناف الثمانية وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل فالفقير من له بلغة لا تكفيه لعيشه والمسكين أحوج منه وهو الذي لا شيء له جملة والعاملون عليها جباتها وسعاتها والمؤلفة قلوبهم قوم كانوا في صدر الإسلام يتألفون بدفع سهم من الصدقات إليهم ينكف بإسلامهم غيرهم وقد أغنانا الله بحمده في هذا الوقت عنهم وفي الرقاب وهو أن

كتاب الصيام

مدخل
كتاب الصيام
الصوم الشرعي هو إمساك عن الأكل في جميع أجزاء النهار بنية قبل الفجر أو معه إن أمكن فيما عدا أزمان الحيض والنفاس وأيام الأعياد والذي يجب الإمساك عنه في الصوم نوعان أحدهما إيصال شيء إلى داخل البدن والآخر إخراج شيء عنه فأما الذي يوصل إلى داخل البدن فما يصل إلى الحلق مما يساغ ويقع الاغتذاء به أو لايساغ أو يتطعم أو لا يتطعم وذلك كالطعام والشراب المغذين وكالدراهم والحصى وببلعهما وسائر الجامدات التي لا يتطعم ولا يساغ ولا يقع بها غذاء ومثلها الكحل والدهن والشموم وغير ذلك من المائعات والجامدات الواصلة إلى الحلق وصلت من مدخل الطعام والشراب أومن غير مدخلها من المنافذ كالعين والأنف والأذن وما ينحدر من الدماغ بعد وصوله من بعض هذه المنافذ.
والنوع الآخر إيلاج الذكر في قبل أو دبر قارنه أو إنزال أو لم يقارنه فأما ما يخرج من داخل البدن فنوعان إنزال الماء الدافق عن تلذذ ولا يحتاج أن نقول مما يمكن التحرز منه لأن ما لا يمكن ذلك فيه لا يصح الإمساك عنه والنوع

الآخر عمد الاستقاء وإجهاد النفس فيه.
فصل
فاما ما يفسد الصوم فثلاثة أنواع أحدها إعراؤه مما اشترط فعله فيه من النية والإمساك من غير مراعاة لصفة تركه من عمد أو سهو أو تفريط أو عذر أو تقصر في اجتهاد وذلك كترك النية عمدا أو سهوا أو خطأ أو حرم الإمساك عن شيء مما ذكرناه عمدا أو سهوا أو خطا كالمجتهد في دخول الليل أو طلوع الفجر يتبين له أنه أكل في الوقت الذي كان يلزمه الإمساك فيه.
والنوع الثاني ما يكون عن غلبة وهو ينقسم إلى ضربين ضرب منه لا يكون إلا كذلك فلا يصح وجوده إلا مفسدا للصوم وذلك كالحيض والنفاس المانعين من ابتدائه وقد يمنعان من استصحابه على وجه والضرب الآخر يتصور وقوعه عن غلبة وعن اختيار وذلك كالأكل والشرب وغيرهما مما عددناه فيصح وقوعه اختيارا وعمدا.
وغلبته ضربان ضرب يكون غلبته تنافي الاختيار وذلك كالمكره على الأكل فيأكل خوفا من القتل أو من الضرب المهدد به وضرب يكون غلبته مبتدأة بالإيقاع دون فعل من المكلف كإيجار الطعام والشراب في الحلق

وكذرع القيء ويقرب من الضربين سبق الماء إلى الحلق عند المبالغة في الاستنشاق
والنوع الثالث لا يتصور وقوعه إلا عن اختياره وقصد وهو فعل ما ينافي القربة وذلك نوعان أحداهما الردة والآخر اعتقاد قطع النية وترك استدامتها فهذا جميع ما يفسد الصوم.
فصل
فأما ما يتعلق على ذلك من الأحكام فأربعة أضرب قضاء وكفارة وقطع متتابع وقطع نية وتفصيل ذلك يذكر فيما بعد.
فصل
والصوم ضربان: واجب ونفل والنية مستحقة في جميع أنواعهما يوقعها المكلف لكل يوم من كل نوع من ليلة ويستديمها إلى آخره حكما وليس عليه أن يستديم ذكرها فإن قطعها بطل صومه وأي وقت نوى من الليل جاز ولا يضره أن نام بعدها أو أكل أو جامع ذاكرا لها أو ساهيا عنها فإن طلع الفجر ولم ينو لم يصح منه صوم ذلك اليوم بنية يوقعها بعد الفجر وله في شهر رمضان أن يجمعه بنية واحدة ما لم يقطعه فيلزمه استئناف النية وجوز ذلك في شهري التتابع ولمن شأنه سرد الصوم استحسانا والقياس منعه وصوم شهر رمضان واجب مفروض على أعيان وللعلم بدخوله ثلاث طرق رؤية الهلال أو الشهادة بها من رجلين عدلين والجنس والعدد مستحقان والعدد فيه فلا يقبل النساء ولا الواحد من الرجال فيه كانت السماء مصحية أو مغيمة

وإكمال عدة شعبان ثلاثين عند تعذر ما ذكرناه وليس من جهات العلم بدخوله قول منجم أو حاسب.
وإذا ترآى الناس الهلال فلم يروه فإن كانت السماء مصحية جاز أن يصام الغد أي أنواع الصوم كان ما عدا اعتقاد رمضان وجاز أن يفطر بدلا من صومه وإن كانت السماء متغيبة وبات الناس على الشك فالاختيار إمساكه وترك صومه والأكل فيه من غير حظر كما يجوز مع الأصحاء ثم إن ثبت بعد طلوع فجره أن الهلال رئى في أمسه فلا يخلو المكلف من أحواله إما أن يكون أصبح نأويا لصومه من رمضان قطعا أو على الشك لينظر فإن ثبت من رمضان كان أداء وإلا كان تطوعا أو أن يكون أصبح نأويا غير ذلك من أنواع الصوم أو غير نأو لصوم اصلا فأما من نوى صومه عن رمضان قطعا فإنه لا يجزئه وعليه قضاءه وأما من نواه من غير فلا يخلو أن يكون نواه عن واجب في الذمة أو عن واجب متعين أو عن تطوع فإن نواه عن واجب في الذمة كالقضاء والكفارة والنذر غير المعين فلا يجزئه عما كان نواه ولا ينقلب عن رمضان وعليه قضاؤه لرمضان وإعادته عن ما كان نواه من غيره وأما النأوي به واجبا متعينا كنادر صوم يوم الخميس أو غد الليلة التي يقدم فيها فلان أو غيره فيوافق ذلك اليوم تعين نذره فإنه لا يجزئه عنه ولا عن فرض يومه وعليه قضاؤه عن رمضان ولا قضاء عيله لفواته عن نذره.
وأما من أصبح غير نأو لصوم فلا يخلو أن يكون أكل أو لم يأكل فإن كان أكل كف بقية يومه وإن كان لم يأكل استدام الإمساك إلى انقضائه وعليه في الحالين قضاؤه على ما ذكرناه.
وتعين النية واجب لكل صوم واجب فإن أطلق النية لم يجزه فإن عينها عن نوع منه لم يخل أن يكون في رمضان أو في غيره فإن كان في رمضان لم يجزئه إلا أن يعينه عن الشهر نفسه فإن عين غيره لم يجزه عن رمضان ولا عن ما نواه وإن كان في غيره أجزأه عن ما عينه وإن جمع في بنيته بين وجهين مما يصح صوم اليوم عليه كان كمن لم ينو فلا يجزئه عن واحد منهما.

فصل
وإذا لم ير هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان ثم رؤى من الغد كان الغد يوم رؤيته سواء رؤى قبل الزوال أو بعده ولم يكف الناس عن الأكل هذا هو الظاهر من المذهب.
ويلزم المنفرد برؤية الهلال ما يلزم من شورك في رؤيته من لزوم صومه ومنع فطره ووجوب الكفارة بتعمد إفساده أو ترك صومه من غير اعتبار بثبوته عند الإمام إلا أن عليه إعلامه برؤيته إن كان ممن يرى أنه تقبل شهادته ويلزم في الشهادة على هلال آخره ما يلزم في أوله فإن رؤى ثبت كون الغد من شوال وإن لم ير كان من رمضان ولزم صومه.
فإن ثبت رؤيته بعد الفجر أفطر الناس عند علمهم بذلك أي وقت من اليوم وصلوا العيد إن كان قبل الزوال وإن كان بعده لم يصلوا في بقية اليوم ولا في غده.
فصل
الأيام على خمسة أضرب منها ما لايصح صومه بوجه وهي يوما العيدين ومنها ما يصح صومه على وجه مخصوص وهي أيام التشريق للمتمتع دون غيره ومنها ما يصح أن يصام ويكره على وجه وهو ثالثها ومنها مستحق العين لصوم مخصوص لا يصح صومه عن غيره وهو زمان رمضان ومنها ما يصح صومه على كل وجه من أنواع الصيام سوى رمضان وهو ما عدا رمضان وأيام أعياد.
فأما زمان الحيض والنفاس فإن امتناع الصوم فيه ليس براجع إلى عينه وإنما يرجع إلى الصفة يكون المكلف عليها فيمتنع فيه ويصح في غيره.
فصل
ولا يفسد الصوم ذرع قيء ولا حجامة وأنما كرهت خوف التغرير ولا إصباح على جنابة في الليل وانقطاع دم حيض أو نفاس إذا نوى

الصيام قبل الفجر وتأخر الغسل ولا ركوب مأثم لا يخرجه عن اعتقاد وجوبه ومضيه على نيته أو إمساكه كالغيبة والقذف ولا يكره للصائم السواك في أي أوقات اليوم كان إلا ما يرجع إلى نوع ما يستاك به دون الوقت كالرطب المتطعم خيفة وصول طعمه إلى الحلق ويكره له ذوق قدر ومحو مداد ومضغ علك فإن سلم من وصول شيء من ذلك إلى الحلق فلا شيء عليه.
فصل
والأحكام المتعلقة بإفساد الصوم أربعة وقد ذكرناها وهي القضاء والكفارة وقطع التتابع وقطع النية فأما القضاء فيختلف بحسب اختلاف أنواع الصوم ووجوه إفساده ولا يخلو الصوم المتروك أو المفسد من ثلاثة أقسام أما أن يكون واجبا متعينا أو واجبا غير متعين أو تطوعا والواجب المتعين ضربان ضرب متعين بتعين من الله تعالى وهو رمضان وقضاؤه ما بينه وبين رمضان ثان ومتعين بتعيين المكلف كنذر صوم يوم بعينه يتكرر أولا يتكرر واليوم الذي يقدم فيه فلان وما أشبه ذلك. فأما رمضان فيلزم قضاؤه بإفساده أو تركه على أي وجه كان جملة بغير تفصيل إلا على المنفذ الذي لا يستطيع صومه إلا بخوف التلف وأما المتعين سوى رمضان فيلزم قضاؤه مع عدم العذر في فطره ولا يلزم مع العذر الفاطر بالمرض والإكراه والإغماء والحيض والنفاس فإن لم يفعل لزمه قضاؤه وليس منه السفر.
وأما الواجب غير المتعين كالقضاؤه والكفارة والنذر المطلق فحكمه حكم رمضان نفسه وفي وجوب القضاء بما يوجب قضاءه بغير تفصيل.
وأما التطوع فواجب على الداخل فيه اتمامه وليس له قطعة إلا عذر ومع الأعذار التي ذكرناها لا يلزم قضاؤه ويلزم مع عدمها وفي السفر الطاريء عليه والمبتدأ فيه روايتان.
فصل
فأما الكفارة فضربان: كبرى وصغرى فأما الكبرى فلا تجب إلا في رمضان دون غيره من أنواع الصوم وتجب بالخروج عن صومه على وجه الهتك من كل معتقد لوجوبه من رجل أو امرأة لكل يوم كفارة ولا يسقطها عن يوم وجوبها في آخر من غير أعتبار بالأنواع التي يخرج عن الصوم بها من أكل أو اجماع أو غيره ولا بالوجه الذي يخرج عن الصوم من اعتقاد تركه أو بعد عقدة بقطع

نية أو إمساك ولا بطروء عذر بعد ذلك أو عدمه كمعتمد الفطر بمرض أو تحيض أو يسافر أو يجن.
فصل
والكفارة الكبرى لثلاثة أنواع إعتاق رقبة كاملة غير ملفقة مؤمنة محررة وتحريرها أن يبتديء إعتاقها من غير أن يكون مستحقا بوجه سابق والصوم هو صوم شهرين متتابعين والإطعام هو لستين مسكينا مدا بمد النبي صلي الله عليه وسلم وهي على التخيير دون الترتيب.
وأما الصغرى فهي إطعام مد عن كل يوم ولا تجب إلا على مؤخر قضاء رمضان إلى مجييء آخر من غير عذر دون مؤخرة لعذر متصل.
ولا تجب أيضا على من أفطر في رمضان لعذر يسوغ له الفطر من أجل نفسه أو من أجل غيره سوى أنها تستحب للمرضع والهرم وأما قطع التتابع فهو أن يفطر لغير عذر أولعذر يمكنه دفعه كالسفر وأما ما لايمكنه دفعه من سهو أو مرض أو خطأ عد أو حيض أو نفاس فله البناء معه وأما قطع النية فهو إفساد الصوم أو تركه على الأطلاق لغذر أو لغير عذر أو بحصول الوجه الذي يسقط معه الانحتام وأن أثر الصوم معه كالسفر والمرض ولا يقطع استدامتها وإنما يقطع استصحاب ابتدائها.
فصل
وكل مسافر يجوز له قصر الصلاة فيه فإن انحتام صوم رمضان ساقط عنه في ذلك السفر وهو مخير بين صومه فيه أو فطره وقضائه وصومه أفضل ولا ينحتم عليه إلا بأن يقيم بعزيمته في موضع لا أهل له به أربعة أيام بلياليها.
فإن أقام هذا القدر أو طول مدة الشهر غير عازم على هذه المدة أو عازم على ما دونها فإنه على أصل التخيير والأعذار التي يسوغ معها الفطر في رمضان ضربان منها ما يجب الكف عن الطعام بزواله في بقية اليوم ومنها ما لا يجب ذلك فيه ويعتبر بأن تكون إباحة الفطر مطلقة مع العلم بكون اليوم من الشهر أو بشرط عدمه ففي الأولى لا يلزمه الكف كالمسافر والمريض والمرضع يموت ولدها والثاني يلزمه كالناسي ومخطيء الوقت أو العدة.

باب الاعتكاف
الاعتكاف قربة ومن نوافل الخير ويلزم بالنذر ومعناه في الشرع ملازمة المسجد بنية تخصه مع صوم وأما لغيره والمرأة والرجل سواء فيه.
ولا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلا لأربعة أمور:
أحدها: حاجة الإنسان
والثاني: طرؤ حيض أو نفاس
والثالث: شراء طعام إن اضطر إليه
والرابع: مرض لا يمكنه المقام معه ويلزمه من حكم الاعتكاف في حال خروجه ما يلزمه في حال مقامه فإذا زال عذره عاد إلى المسجد حين زواله ولا يجوز له الخروج لغير ما ذكرناه من عيادة مريض أو صلاة على جنازة وإن كانت لأهله ولا غيرها من الصلوات ولا كتبه علما أو غير ذلك ولا ان يشترط أن له ذلك حين دخوله والمساجد كلها سواء إلا لمريد اعتكاف أيام تتخللها الجمعة فينبغي له أن يعتكف في الجامع دون غيره لئلا يفسد اعتكافه لخروجه لصلاة الجمعة أو يترك به فرضها ويجتنب المعتكف الوطء وجميع أنواع المباشرة والاستمتاع من القبلة واللمس وذلك كله مفسد للاعتكاف إن وقع فيه.
وكذلك ركوب شيء من الكبائر كشرب الخمر أو القذف وله أن يتطيب أو يعقد النكاح لنفسه ولغيره وليل المعتكف ونهاره سواء فيما يلزمه ويجتنبه الإ الصوم وينبغي له التشاغل بالذكر والعبادة والصلاة والدعاء وقراءة القرآن دون التصدي لغير ذلك من أفعال القرب كالانتصاب للأقراء وتدريس العلم والمشي لعيادة مريض أو صلاة على جنازة إلا أن يقرب ذلك من موضعه أو تكلم في يسير مما يسأل عنه من العلم ويختار له أن يدخل إلى معتكفه قبل غروب الشمس من ليلة اليوم الذي هو مبتدأ اعتكافه.
والاختيار فيه إلا ينقص عن عشرة أيام وأقله يوم وليلة وفي حقيقة الواجب أن يدخل قبل طلوع الفجر بما يأمن معه أن يطلع قبل دخوله ويخرج

عقيب مغيب الشمس فإن وافق اعتكافه آخر شهر رمضان استحب له ألا ينصرف إلى بيته إلا بعد شهود العيد وإن تخلف يوم الفطر زمان اعتكافه شهده ثم عاد إلى معتكفه كزمن الليل والاعتكاف مقتض بإطلاقه التتابع بخلاف نذر مطلق الصوم فمن قطع تتابعه عمدا أو جهلا أو يتفريط استأنفه وإن كان لعذر بني عليه إن شاء الله.

كتاب المناسك
الحج فرض واجب علي مستطيعه من أحرار المكلفين الرجال والنساء، مرة في العمر وشرط وجوبه أربعة: البلوغ والعقل والحرية والاستطاعة.
وشروط أدائه شيئان: الإسلام مع القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وإمكان المسير وذلك يختلف باختلاف العادة في الطرق من الأمن والخوف فأما الاستطاعة فمعتبرة بحال المستطيع فمن قدر على الوصول الى البيت من غير تكلف بذلة يخرج بها عن عادته لزمه ذلك.
فان كان ممن لات يمكنه الحج الا بزاد وراحله لم يلزمه الا بحصولهما له وان وجد الزاد وعدم الراحلة لم يلزمه الا أن تكون عادته المشي كالفيوج ومن جرى مجراهم فيلزمه وان وجد راحلة وعدم الزاد لم يلزمه الا أن تكون عادته المسألة.

وليس المحرم للمرأة من الاستطاعة فإن وجد رفقة مأمونة لزمها الحج رجالا كانوا أو نساء ويلزم الأعمى إذا وجد قائدا والبحر لا يمنع الوجوب إذا كان يركب وغالبه السلامة.
وفرض الحج ساقط عن المعضوب الذي لا يستمسك على الراحلة ولا يلزمه أن يحج غيره عنه.
وفرض الحج على الفور لا يجوز للقادر عليه تأخيره وقد قيل السنة والسنتين وذلك استحسان ورفق لصعوبته وموضع الاجتهاد في استطاعته.
ومن مات قبل أن يحج لم يلزم الحج عنه في رأس ماله ولا في ثلثه إلا أن يوصى به فيكون في ثلثه ويلزم النائب في الحج عن غيره أن ينوي به من ينوب عنه ويكره لمن لم يؤد فرض نفسه أن ينوب عن غيره وإن فعل جاز ولم ينقب إحرامه به إلى نفسه ويكره التنقل بالحج قبل أداء فرضه ويصح إن وقع ولا ينقلب إلى الفرض والنيابة في الحج بأجر أو بغير أجر سواء والإجازة للحج صحيحة وهي على ضربين إجارة بعوض يكون ثمنا للمنافع كسائر الإجارات فذلك يكون ملكا للمستاجر فما عجز عن كفايته لزمه اتمامه من ماله وما فضل عن كفاية كان له والوجه الآخر يسميه أصحابنا البلاغ وهو أن يدفع اليه ما لايحج به فهذا لا يجوز له صرفه في غير الحج فإن احتاج إلى زيادة رجع بها وإن فضل شيء رده

والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر ويكره تكرارها في السنة مرارا وحكمها في الاستطاعة والنيابة والإجازة حكم الحج.
فصل
وللحج ميقاتان ميقات زمان وميقات مكان فميقات الزمان شهور الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة قيل جمعية وقيل العشرة الأول منه وفائدة الفرق تعلق الدم بتأخير طواف الإفاضة عن أشهر الحج ويكره الإحرام به قبل أشهره ويصح إن وقع ولا ينقب عمرة ولا ميقات للعمرة من الزمان ويصح الإحرام بها في كل وقت من السنة من غير كراهة الإ في أيام منى لمن حج.
وميقات المكان خمسه مواقيت منقسمة على جهات الحرم وهي ذو الحليفة وقرن لأهل نجد والجحفة لأهل الشام ومصر والمغرب ويلملم لأهل اليمن وذات عرق لأهل العراق وخراسان والمشرق.
والأفضل الإحرام بالحج من ميقاته زمانا ومكانا ويكره تقديمه عليه ويلزم إن فعل وميقات العمرة من مواقيت الحج التي ذكرناها إلا لمن كان في الحرم فالاختيار له أن يحرم من الجعرانة أو التنعيم ولا يجوز لأحد يريد دخول مكة أن يدخلها إلا محرما إلا لمن كان يكثر الترداد إليها كالحنطابين ومن يحمل الفاكهه أو من يخرج عنها من أهلها لحاجة ثم يعود ومن سوى هؤلاء فلا يدخلها إلا محرما فإن خالف ذك فقيل عليه الدم وقيل أساء ولا دم عليه ولا يجوز لمريد الإحرام إذا مر على بعض هذه المواقيت أن يتجأوزه فيحرم بعده لا إلى ميقات سواه ولا إلى غير ميقات إلا أن يتعداه إلى ميقات له كشامي يمر بذي الحليفة فأخر الإحرام إلى الجحفة والمار على ميقات من هذه المواقيت لا يخلو من ثلاثة أحوال.
أحدها: أن يكون مر عليها لحاجة دون مكة فهذا ليس عليه أن يحرم فإن تجددت له نية في الاحرام بعد تجأوزه أحرم من حيث هو ولم يلزمه عود إلى الميقات فإن تجأوز موضعه ثم أحرم لزمه الدم. والثاني: أن يريد دخول مكة فهذا يلزمه الإحرام.

والثالث: أن يمر عليها مريد الإحرام فيلزمه الإحرام منها ولا يجوز له تأخيره إلى ما بعدها فإن تجأوزها رجع ما لم يحرم ولا دم عليه فإن أحرم مضى ولزمه الدم ولا ينفعه رجوعه ومن منزله بعد المواقيت إلى مكة فيمقاته منزله فإن أحرم بعده فعليه دم.
والإحرام من الحرم جائز لمريد الحج ولا يجوز لمريد العمرة أن يحرم إلا من الحل فإن أحرم من الحرم كان عليه أن يخرج إلى الحل ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم وفي إحرام القارن من مكة خلاف.
فصل
وأركان الحج أربعة وهي: الإحرام والطواف والسعي والوقوف بعرفه وزاد عبد الملك رمي جمرة العقبة والقاطع للحج شيئان فوات وإفساد فالفوات متعلق بالوقوف والفساد متعلق بالإحرام وذلك يذكر فيما بعد.
والإحرام هو اعتقاد دخوله في الحج وبذلك يصير محرما وله الشروط من السنن والفروض.
فأما السنن والمندوبات فأن يحرم من الميقات نفسه إن كان منزله منه أو قبله أو مر عليه وأن يغتسل له وأن يتجرد الرجل من مخيط الثياب والخفاف وأن يكشف وجهه ورأسه وأن يصلي نفلا ثم يحرم عقبيه فإن كان في وقت يمنع فيه النفل أقام إلى الوقت الذي يجوز فيه النفل إلا أن تمنعه ضرورة وإن أحرم

عقيب مكتوبة جاز وعقيب النفل أفضل منه بغير صلاة جملة فإذا فرغ من صلاته ركب راحلته فإذا استوت به أحرم ولا ينتظر أن تنبعث به وإن كان ماشيا فحين يأخذ في المشي ويهلل للتلبية حين اعتقاده للإحرام رافعا بها صوته إلا النساء فيكره لهن رفع الصوت.
فأما واجباته فإن يحرم من الميقات ولا يتجأوزه وأن يتجرد من مخيط الثياب وقت إرادته الإحرام ومن كل ما يمنع في الإحرام مما يفسده إذا طرأ عليه والتلبية سنة مؤكدة يبتدئها عند الإحرام ثم في أدبار الصلوات وعند كل شرف ويقطعها بعد الزوال من يوم عرفة وقيل عند الرواح إلى الموقف ويكف عنها في الطواف والسعي ويتشاغل بالدعاء ولا يكثر منها إكثارا يخرجه إلى الإسراف فإن قلل منها ولو مرة فلا دم عليه.
فإن لم يأت بها جملة فعليه الدم والاختيار أن يقتصر في إحرامه على النية في تعيين ما ينويه دون التلفظ به.
وصفة الإحرام بالعمرة صفته بالحج إلا وقت قطع التلبية فالمستحب للمحرم بها من بعض المواقيت أن يقطعها إذا انتهى إلى الحرم وللمحرم بها من الجعرانة إلى دخول مكة ومن التنعيم إلى رؤية البيت.
فصل
الإحرام يمنع الرجل عشرة أشياء: لبس المخيط كله وتغطية رأسه ووجهه ولبس الخفين والشمشكين مع القدرة على النعلين وحلق شعر رأسه وغيره من جميع بدنه والطيب وقص الأظفار وقتل القمل وقتل الصيد وعقد النكاح والوطء في الفرج وإنزال الماء الدافق والاستمتاع بما دون الوطء مكروه إلا أن يقارنه الإنزال فيفسده وذلك يذكر فيما بعد والمرأة مسأوية للرجل في ذلك كله إلا في اللباس فإن عليها كشف وجهها ما فوق الدقن منه وكفيها فإن

غطت بعض ذلك فانتفعت بترفيه فعليها الفدية وكذلك إن لبست القفازين.
ويلزم الرجل الفدية بتغطية رأسه أو بعضه ولا يلزمه بتغطية وجهه وتلزمه بلبس المخيط والخفين وبفعل كل ما ذكرناه من محظورات الإحرام من إماطة الأذى وللمرأة لبس الخفين والمخيط كله والأحسن الإحرام في البياض ولا بأس به في غيره من الألوان إلا المعصفر فيكره له وللمحرم حك رأسه وجلده ويرفق فيما لا يراه من جسده خيفة قتل الدواب وكذلك يكره له غسل رأسه بما لا يأمن معه ذلك وله أكل ما طبخ بطيب واختلف فيا خلط به الطيب من الطعام من غير طبخ. وللرجل أن يكتحل بما لاطيب فيه ولا فدية عليه وعلى المرأة في الكحل
الفدية بما فيه طيب وبما لا طيب فيه وما يوجب الفدية من ذلك فيوجبها عمدا وسهوا أو اضطرارا وجهلا والفدية الواجبة به ثلاثة أنواع صيام وصدقة ونسك مخير فيها غير مرتبة فالصيام ثلاثة أيام يستحب تتابعها والإطعام ستة مساكين مدين والنسك شاة وليس لشىء منها مكان مخصوص.
فصل
ويحرم على المحرم في الحل والحرم وعلى الحلال في الحرم الاصطياد وإتلا صيد البر كله ما أكل لحمه وما لم يؤكل مما لا يبتدىء بالضرر ويلزم الجزاء بقتله أو بتعريضه للقتل إلا أن يتبين سلامته مما عرض له وعلى المشارك من إكمال الجزاء ما على المنفر ويستوي في ذلك عمده وسهوه وخطأوه وجهله وضرورته واختياره ولا يسقط إلا في صولة إذا قصد دفعه فأدى إلى تلفه وأكل الصيد للمحرم جائز إذا لم يصد لأجله أو المحرم سواه فإن أكل مما صيد له دون غيره فعليه الجزاء.

ومن قتل صيدا فأكله فعليه جزاء واحد لقتله دون أكله ولا يجوز أن يدل أحدا محرما على صيد ومن فعل ذلك أثم وكان الجزاء على القاتل دون الدال وللحلال أن يذبح صيدا مملوكا في الحرم وينهى عن قطع شجر الحرم ولا جزاء فيه والجزاء الواجب بإتلاف الصيد مثل المقتول أو مقارية في الخلقة والصورة إن كان له مثل كالنعامة المشبهة للبدنة وحمار الوحش والإبل المشبهين للبقرة وحمار مكة المشبهة للشاة يخرجه هديا وما لا مثله فيه حكومة وذلك كالأرنب واليربوع وحمام الحل.
واختلف في حمام الحرم سوى مكة فقيل كحمام مكة وقيل كحمام الحل وصفة الجزاء فيما له مثل أن يحكم قاتل الصيد حكمين سواه فيخبرا له بين إخراج مثل الصيد المتلف من بهيمة الأنعام وبين قيمته طعام من غالب أنواعه بموضع الإتلاف أو بدلا من الإطعام صياما عن كل مد يوما أو كسوة ثوبا بالغا ما بلغ وفي صغير الصيد مثل ما في كبيرة من الجنس والصفة وأما لا مثل له فقيمة لحمه دون ما يراد له من الأعراض.
وللمحرم قتل السباع العادية المبتدئة بالضرر ولا جزاء عليه فيها وذلك كالأسد والذئب والنمر والفهد.
ومن الطير الغراب والحدأة فأما الكلب العقور والحية والفأرة والزنبور والعقرب فله قتل ذلك بغير معنى الصيد وليس من ذلك الصقر

والبازي ولا القرد والخنزير إلا أن يتبدئ شيء من ذلك بالضرر وقتل صغار ما يجوز قتل كباره من الصيد كالسباع والطير مكروه ولا جزاء فيه فأما صغار الحيات والعقارب والزنانبير فغير مكروه ولا يجوز إخراج شيء من جزاء الصيد بغير الحرم إلا الصيام ولا تصح تذكية المحرم الصيد ومن لم يجد من المحرمين إلا صيدا وميتة أكل الميتة ولم يذبح الصيد.
فصل
والإحرام على ثلاثة أوجه إفراد وتمتع وقران والإفراد أفضلها ثم التمتع فأما القران فصفته اشتراك العمرة والحج في إحرام واحد وذلك على ضربين ابتداء وإردافا فالابتداء أن يحرم بهما في حال واحدة معتقدا ذلك في نيته دون لفظه والإرداف أن يبتديء الإحرام بالعمرة وحدها ثم يردف الحج عليها فقيل ما لم يشرع في الطواف وقيل ما بقي عليه شيء من عملها وفعل القارن كفعل المنفرد فيما يصفه وما يلزمه من فدية أو جزاء ويكفيه طواف وسعي واحد وللصيد جزاء وأنما يختلفان في النية.
وأما المتمتع فله ستة شروط يجمعها أن يقال هو أن يأتي غير الملكي إلى أفقه أو ما كان في حكمه من مسافه ومتى انخرم بعض هذه الأوصاف خرج عن المتمع الموجب للدم وتفصيلها أن له ستة شروط أحدهما الجمع بين العمرة والحج في عام واحد والثاني في سفر واحد والثالث تقديم العمرة على الحج والرابع أن يأتي بها أو ببعضها في اشهر الحج والخامس أن يحرم بعد الإحلال منها بالحج والسادس أن يكون المتمع مقيما بغير مكة فأما الأفراد فما عرى من صفة التمتع والقرآن ولا يكون القران إلا بين عمرة وحجة ولا يكون بين عمرتين ولا حجتين.
ولا يصح إرداف عمرة على حجة فمن أحرم بحجتين أو بعمرتين لزمته واحدة ولا قضاء عليه للأخرى ومن أردف عمرة على حج لم يلزمه شيء بالإرداف ولا دم علي المكي في قرانه إفا عند عبدالملك والواجب بكل واحد من التمتع والقران هدي ينحره بمنى ولا يجوز تقديمه قبل فجر يوم النحر فمن

لم يجده صيام ثلاثة أيام في الحج وهي من وقت إخراجه إلى يوم عرفة فإن فاته ذلك فأيام التشريق وسبعة أيام يصومها في أهله ويجزئه إن صامها راجعا في طريقه ولا يجزئ الصوم ما دام متمكنا من الهدي.
فصل
ويستحب لمن دخل مكة محرما أن يدخل من كداء الثنية التي بأعلا مكة فيبدأ بالمسجد فيستلم الحجر بغية إن قدر فإن لم يقدر وضع يده عليه ثم وضعها على فيه من غير تقبيل ثم يبدأ بطواف القدوم وسنته لغير المكي وصفة الطواف كله صفة واحدة وهي أن يبدأ بعد استلامه فيجعل البيت.
أشواط الثلاثة الأولى خببا والأربعة مشياص فيستلم الحجر كلما مر به فإذا أتمه صلى عند المقام ركعتين ثم عاد فاستلم الحجر ثم مضى للسعي فيصعد على الصفا حتى يرى البيت فيكبر ويهل ويدعو بما يريده ثم ينحدر ماشيا إلى المروة فإذا ظهر عليها فعل مثل ذلك فإذا أكمل سبعة أشواط يبتدا بالصفا ويختم بالمروة فقد كمل سبعة ويستحب له أن يسعى في الوادي بين الشعبين فإذا فرغ من ذلك فإن كان في وقته فضل خرج إلي منى

يوم التروية فصلى بها الظهر والعصر وبات بها ثم راح إلى عرفة ليقف بها بعد الزوال وقطع التلبية حينئذ فجمع بها بين الظهر والعصر مع الإمام ثم يقف حيث يقف الناس فالاختيار أن يقف راكبا وأي موضع جاز ويتنكب عن بطن عرفة ثم يستديم الوقوف إلي غروب الشمس فإذا غربت وهو بها دفع المزدلفة فيجمع بها بين المغرب والعشاء وبات بها في أي موضع شاء ما عدا بطن محسر ويحرك دابته إذا انتهى إليه فإذا صلى الفجر أتى المشعر الحرام فوقف عنده وكبر الله راكبا ثم نحر هديا إن كان معه ثم حلق أو قصر والحلاق للرجال أفضل ثم عاد إلى مكة فطاف طواف الإفاضة ثم رجع إلى منى فبات بها ليالي أيام التشريق يرمي في كل يوم الجمار الثلاثة كل جمرة بسبع حصيات.
وينصرف نهار أيامها في حوائجه فإذا خرجت أيامها وفرغ من رميه عاد إلي مكة فطاف طواف الوداع ثم انصرف هذا جملة أفعال الحج والمكي وغيره فيه سواء إلا في شيئين طواف القدوم وطواف الوداع فإن المكي غير مخاطب بهما ويقتصر على طواف الإفاضة إلا ما يتنقل به ويكون سعيه عقيب طواف الإفاضة والأفضل في أفعال الحج كلها أن تكون بطهارة فإن أتى بها محدثا جاز إلا الطواف فلا يجوز إلا بطهارة ولا يجزئ منكسا ولا يجزئ إلا باستيفاء أشواطه فمن ترك شوطا أو بعضا منه أو من السعي عاد على إحرامه من بلاده لإتمامه وفي ترك ركعتي

الطواف لمن رجع إلى بلده دم وفي ترك طواف القدوم لغير المراهق دم وفي ترك المبيت بالمزدلفه لغير العذر دم وللأمام تقديم ضعفة أهله ليلة المزدلفه إلى منى بشرط الدم وقيل إنها رخصت له خصوصا والحلاق نسك يثاب فاعله وما يفعل بمنى من رمى ونحر وحلاق فلا شيء في تقديم بعض منه على بعض إلا تقديم الحلاق على الرمي ففيه دم ولحج تحللان تحلل أصغر وهو رمي جمرة العقبة بمنى يوم النحر وهذا التحيسل يبيح لبس المخيط وإماطة الأذى وغير ذلك ما عدا قتل الصيد والنساء ويكره الطيب ولا شيء فيه والتحلل الأكبر هو طواف الإفاضة يباح معه الصيد والنساء وجميع محظورات الإحرام.
ويفسد الحج الوطء في الفرج كان معه إنزال أم لا وكل أنزال عن استمتاع بقلبة أو جسة أو استدامة نظر أو فكر ما لم يكن أحد التحللين وإكان بعد الرمي وقبل الطواف فعليه العمرة والهدي على الظاهر من المذهب.
ويجب على مفسد الحج والعمرة المقضي فيهما واستيفاء أفعالهما وعليه قضاء فرضهما وتطوعهما ويتفرق الزوجان إذا أراد القضاء حين يحرمان ويلزم بفساد الحج بدنه تكون هديا ولا يكون الهدي إلا من بهيمة الأنعام يسوقه من الحل إلى الحرم وينحره في الحج بمنى ويلزم مريد نحره بمنى أن يقفه بعرفة فإن فاته ذلك نحره بمكة والمنحر في الحج منى وفي العمرة مكة.
وتقلد البدن وتشعر وكذلك البقر إن كان لها أسنة

ولا تقلد الغنم ولا تشعر ويؤكل من الهدايا كلها إلا جزاء الصيد ونسك الأذى ونذر المساكين وهدي التطوع إذا عطب قبل محله.
فصل
ومن أحصر بعدو فله التحليل بغير هدي ولا قضاء عليه إلا أن يكون ضرورة فيأتي بفرضه الذي عليه في الأصل والمحصر بمرض أو بما سوى العدو فلا رخصة له في التحليل وكذلك ضال الطريق ومن فاته الوقت لم يتحلل إلا بعمل العمرة وعلى جميعهم الهدي ولا رمى عليهم ولا شيء من أفعال المناسك.
وللصغير حج يحرم به وليه وإن كان لا يعقل والزائد على نفقته في مقامه من حال وليه ومن بلغ من الصبيان أو عتق من العبيد بعد تلبسه بالإحرام أتمه ولم يجزئه عن حجة الإسلام.
وليس لامرأة أن تحرم بغير الفريضة الإ بإذن زوجها فإن فعلت فله أن يحللها ولا لعبد أن يحرم بغير إذن سيده فإن فعل فلسيده أن يحله.

فصل
جملة ما يرميه الحاج سبعون حصاة منها في يوم النحر جمرة العقبة بسبع وفي كل يوم الثلاث الجمار بإحدى وعشرين حصاة ولا يرمي إلا بعد الزوال إلا في يوم النحر وله أن يتعجل بأن يرمي ثاني النحر وثالثه ثم ينفر ولمن كان من رعاة الإبل ترك الرمي ثاني النحر ويرمي ثالثه ليومه ولأمسه وينفر ويسقط عنه رمي الغد ما لم يبت أحد من الفريقين فيلزمه الوقوف إلى أن يرمي وطواف الوداع مستحب لا دم على تاركه.

كتاب الجهاد
الجهاد من فروض الكفاية وقد يتعين في بعض الأوقات على من يفاجئه العدو ولا يجوز تركه إلى الهدنة ألا من عذر ولا يكف عنهم إلا بأن يسلموا أو يدخلوا في ذمتنا ويؤدوا الجزية في دارنا وينبغي أن يدعوا قبل قتالهم إلا أن يعاجلونا وتجوز النكاية في العدو بكل ما يقدر عليه من إحراق الأراضي الزروع والعلوفات وقطع النخل والشجر وعقر الدواب وإخراب البلاد ولا تمس النحل إلا أن تكون من الكثرة والاجتماع يؤثر إتلافها وتخمس الغنيمة كلها عنها وعرضها سواء إلا الأراضي فإنها تترك وقفا والسلب وغيره سواء لا يختص به القاتل إلا بإذن الإمام إذا رأى ذلك ويأخذ الإمام من الغنيمة خمسها ويقسم بين الجيش أربعة أخماسها ولا يجوز الغلول ويؤدب فاعله ولا يحرق رحله ولا يحارم سهمه وللعسكر أكل

الطعام وذبح الماشية وأخذ العلوفات بغير إذن الإمام ولا يحتسب له في الغنيمة وما حصل في أيد العدو من أموال المسلمين فإن أسلموا عليه كان لهم فإن عاد شيء من ذلك إلى الغنيمة فهو لمن كان يملكه من المسلمين يأخذه قبل القسم بغير ثمن وهو أحق به بعده بالثمن.
ولا يجوز قسمه إن علم به والنفل كله من الخمس ويستحق الإسهام بثلاثة شروط:
أحدها: أن تغنم الغنيمة بقتال أو إيجاف عليها بخيل أو ركاب فأما ما سوى ذلك ما ينجلي عنه أهله بغير قتال بل رهبة وفزعا فإنه في غير المقسوم يصرفه الإمام في مصالح المسلمين.
والثاني: ما قوتل عليه فالإسهام مستحق فيه بشهود الواقفة عليه ولا يسهم لمن مات قبلها ولا لمدد إن جاء بعدها وليس من شروط من يسهم له أن يكون منه قتال ولا يكون صحيحا غير مريض ولا أن يبقى إلى انقضائها بل يسهم لمن حضر من صحيح ومريض قاتل أو لم يقاتل قاتل في أولها أو بقي إلى انقضائها.

كان مقيما مع المعسكر أو متشاغلا بكمين أو تجسيس ومثل ذلك السرية المنفصلة من جملة العسكر برأي الإمام فإن غنم العسكر شاركوهم في الغنيمة وإن غنمت السرية فالغنائم بينها وبين باقي العسكر خرجت بإذن الإمام أو غيره إذنه فإن خرجت ابتداء من البلد فالغنيمة لها خاصة
والثالث: أن يكون المسهم له من جيش يلزمه القتال وذلك بأربعة أوصاف العقل والحرية والذكورية وإطاقة القتال للبالغ والمراهق ومن سوى هؤلاء من العبيد والمرأة ومن دون المراهق يرضخ لهم ولا يسهم وكذلك الإجراء والصناع والمسهم لهم ضربان فرسان وأراجل فللفارس ثلاثة أسهم سهم بإسمه وسهمان باسم فرسه وللراجل سهم.
ولا يسهم إلا لفرس واحد وإذا أجاز الإمام الهجن والبراذين أسهم لها ولا يسهم بغل ولا حمار ولا لما سوى الخيل.
ولا يقتل النساء والصبيان ولا الشيخ الفاني ولا أهل الصوامع والديارات إلا أن يخاف منهم أذى أو تدبير وترد لهم أموالهم إلا أن يكون كثيرا فيؤخذ ويترك لهم اليسير.

وأمان الأمراء نافذ وأمان غيرهم من سائر الناس عند مالك رحمه الله عليهم نافذ لا يجوز نقضه وقال غيره إليهم إجازته ورد فإذا أجيز فسواء كان من رجل أو امرأة أو عبد أو حر بالغ أو مراهق إذا عقل الأمان.
والإمام في الأسرى مخير في خصال خمس وهي القتل والاسترقاق والمن والفداء وعقد الذمة وفي الجاسوس الاجتهاد وترد الرهائن وإن أسلموا ومن أسلم صلحا فأرضه ملكا له ومن أسلم من

فتحت أرضهم عنوة فهي مغنومة لا ترجع إليهم بإسلامهم يسكنها الإمام من يراه ويأخذ خراجها ممن هي في يده وحكم الفيء والخمس والخراج والجزية واحد يأخذ الإمام حاجته منه بغير تقدير ويصرف الباقي في مصالح المسلمين ويعطي القرابة منه بالاجتهاد.

كتاب الأيمان والنذور
الأيمان على ضربين يمين جائزة ويمين ممنوعة فالجائزة هي اليمين بالله تعالى وبجميع أسمائه كالرحمان والرحيم والسميع والعليم وغير ذلك من أسمائه وبصفات ذاته كعلمه وقدرته وعزته وكلامه وعهده وميثاقه وكفالته وأمانته والممنوعة الحلف بما عدا ذلك ثم هي بعد هذا على قسمين منها ما يصح رفعه فيسقط حكمه وهو القسم الأول الجائز ومنها ما لا يصح ذلك فيه وهو الحلف بغير الله وصفاته.
ورفع اليمين بوجهين: بالاستثناء وبالكفارة.

أما الاستثناء فإن يقرن بيمينه قوله إن شاء الله وإصلابها غير قاطع نأويا بها الاستنثاء فإن قطعها عنه أو أطلق لم تكن شيئا إلا أن يكون قطعها بغير اختيار من سعال أو عطاس أو ما أشبه ذلك.
وأما الكفارة فتذكر فيما بعد وأما النوع الآخر وهو ما لا يصح رفعه فضربان أحدهما لا يتعلق به حكم كقوله والنبي والكعبة وكقوله هو يهودي أو نصراني أو بربىء من الله أو من النبي أو من الإسلام أو أشرك بالله أو أكفر أو ما أشبه ذلك وكقوله لعمري أو عيشي أو عيشك كل هذا لا يتعلق به حكم ولا يتصور فيه رفع.

والآخر أن يكون يمينا بإيقاع شيء معين أو بنذر معين فيلزم به تنفيذ ما حلف به كالطلاق والعتاق والمشي وغيره من نذر الطاعات ولا يرفع شيئا من ذلك استثناء ولا كفارة.
والألفاظ التي يحلف بها في القسم الأول قسمان أحدهما تجريد الاسم المحلوف به كقوله والله لا فعلت والآخر زيادة عليه وهي ضربان زيادة متصلة وزيادة منفصلة.
والمتصلة هي الحروف نحو والله وبالله وتالله وايم الله ولعمر الله والمنفصلة هي الكلمة نحو أحلف وأشهد وأقسم فهذه إن قرنها بالله أو بصفات ذاته نطقا أو نية كانت أيمانا.
وإن أراد بها غير ذلك أو أعراها من نية لم تكن أيمانا يلزم بها حكم ولفظ ماضيها كمستقبلها وليس من الأيمان لا من ألفاظها ولا من معانيها تحريم محلل أو حظره كالمأكل والمشارب وغيرها إلا في الزوجة فإنه يكون طلاقا وفي العبد والأمة إن أراد به العتق لزمه وإن أراد التحريم من غير عتق لم يلزمه شئ.

فصل
والأيمان علي ثلاثة أوجه: لغو وغموس وعقد.
فاللغو والغموس لا كفارة فيهما والعقد هو الذي يتعلق به الكفارة.
واللغو هو أن يحلف علي شئ يظنه غلي ما حلف عليه ثم يتبين له خلافه وقيل: هو القول والله وبلي والله الجاري علي اللسان من غير قصد والغموس هو الكذب فهذا أعظم من أن تكون فيه كفارة.
والمنعقد هو اليمين على مترقب يمكن إتمامها وحلها كان متعلقها من فعله أو من غير فعله ثم لا بد فيه من أحد أمرين بر أو حنث فالبر الموافقة والحنث المخالفة.
والكفارة تجب بالحنث دون البر وصفة البر والحنث راجعة إلى لفظ اليمين فإن كانت اليمين على نفي فالحالف في الحال على بر وحنثه بإيقاع ما حلف على نفيه وإن كانت على إثبات كان في الحال على حنث وكان بره بالإيقاع ومجموع ذلك أربعة ألفاظ للنفي لفظان وهما لا فعلت وإن فعلت فالحالف بذلك على بر لأنه بالانتفاء ما حلف عليه موافق وللإثبات

لفظان وهما لأفعلن وإن لم أفعل فالحالف بذلك في الحال على الحنث لأنه بانتفاء ما حلف عليه مخالف وبره بأن يفعل إلا أن الكفارة لا تلزمه إلا أن ييئس من البر فيتحقق الحنث.
وتجب بالمخالفة سهوا أو عمدا أو خطأ أو قصدا إلا أن يكره على اليمين أو يكون أمرا مضطرا إليه لا يمكنه الانفكاك منه فلا يحنث في ذلك القدر دون ما زاد عليه كالحالف لا ألبس ثوبا هو لابسه ولا أدخل دارا هو فيها ولا أركب دابة هو عليها فيلزمه النزع في أول أوقات الإمكان فإن زاد على ذلك مع الإمكان حنث.
وأعداد الكفارة معتبرة بالأيمان دون متنأولها فإذا حلف يمينا واحدة على عدة أشياء حنث بفعل واحد منها ولزمته الكفارة بذلك ثم لا شيء عليه في باقيها وإن حلف على شيء واحد بأيمان عدة قاصدا بها الاستثناء دون التأكيد والتكرار فإذا حنث كان عليه من الكفارات بأعداد أيمانه.
فصل
ويعتبر في اليمين ثلاثة أشياء أولها النية فيحمل عليها إذا كانت مما يصلح أن يراد اللفظ بها كانت مطابقة له أو زائدة فيه أو ناقصة عنه بتقييد مطلقه أو بتخصيص عامه فإن عدم الحالف تحصيلها نظرا لسبب المثير لليمين ليعرف منه فإن عدم أجرى اللفظ على ما يقتضيه إطلاقه في عرف اللغة وعادة التخاطب دون عادة الفعل وذلك كالحالف لا آكل رؤوسا أو

بيضا أو لا أسبح في نهر أو غدير فإن قصد معنى عاما وعبر عنه بلفظ خاص أو معنى خاصا وعبر عنه بلفظ عام حكم بنيته إذا قارنها عرف التخاطب كالحالف لا أشرب لفلان ماء يقصد قطع المن دون عين المحلوف عليه وقد قال ابن القاسم يؤخذ الناس في الطلاق بألفاظهم.
فصل
والكفارة أربعة أنواع إعتاق وإطعام وكسوة وصوم.
فالإطعام والكسوة والإعتاق مخير فيهما أيهما شاء أن يخرج جاز مع القدرة على ما معه ولا يجزئه الصوم مع القدرة على واحد منها والإطعام والكسوة لعشرة مساكين والعدد فيهما مستحق ولا يجوز النقصان منه ولا زيادة عليه وهو بالمدينة مد بالأصفر وبالأمصار وسط مع الشبع وهو رطلان بالبغدادي وشيء من الأدام والكسوة أقل ما تجزيء به الصلاة ولا يجوز صرفها إلا إلى الأحرار من المسلمين الفقراء ويعطي الصغير المتغذي بالطعام ما يعطي الكبير.
وأما الإعتاق فتحرير رقبة مؤمنة سليمة من العيوب والكبيرة أحب إلينا من الصغيرة وخالية من شركة أو عقد عتق أو استحقاقه ويجمعه خمسة شروط:
أحدها: أن تكون مؤمنة.
والثاني: أن تكون سليمة.
والثالث: أن تكون كلها ملكا للمكفر.
والرابع: ألا يكون فيها عقد من عقود العتق.
والخامس: ألا يستحق إعتاقها حين ملكها بجهة غير الكفارة من نذر أو قرابة.
وأما الصوم فثلاثة أيام يستحب متابعتها ويجزئ تفريقها وفي تقديم الكفارة ى الحنث روايتان ويستوي في ذلك أنواعها.

فصل
النذور على وجهين مطلق ومقيد فالمطلق ما استقل بنفسه عن شىء يتعلقبه به
والمقيد ما تعلق بما ذكرناه لقوله عقيب النذر إن شفى الله مرضى أوقدم غائبي فالأول يلزم أطلاقه والثاني عند وجود شرطه وسواء كان شرطه مباحا أو محظورا أو قربه أو معصية كان فعلا للنادر أو لغيره من العباد أو من الله تعالى.
والنذور نوعان: وجهين مجهول ومعلوم فالمجهول ما لا يتبين نوعه مثل أن يقول لله علي نذر ولا يبين ما هو فهذا فيه كفارة يمين.
والمعلوم ما يبين مخرجه لفظا أو نية ثم لا يعدوا ما يبين من ذلك أحد أربعة أنواع إما طاعة أو معصية أو مكروها أو مباحا ولا يلزم منها إلا الطاعة ويسقط ما عداها.
ولا نذر في غير الملك إلا بشريطته ولا اعتبار بخلاف الوجوه التي يقع النذور عليها من لجاج أو تبرم أو غضب أو غير ذلك ومن حلف بصدقة ماله كله أو نذره لزمه ثلثه يوم حلف لا يوم حنث ويلزم نذرالمشي

إلى بيت الله في حج أو عمرة معينا إن عينه أو مطلقا إن أطلقه ويلزم المشي في الحج إلى آخر طواف الإفاضة وفي العمرة إلى انقضاء السعي وإن ركب في بعضه لعذر عاد قابلا فلفق المشي وأهدى الا أن يكون من الكبر أو المرض بحيث لا يطيق الرجوع فيجزئه الهدى الا أن يكون الذي ركب يسيرا فيغنيه الهدي عن العودة.
ومن نذر المشي الى مسجد الرسول أو الأقصى لصلاة فيهما لزمه ومن نذر المشي الى مسجد الرسول أو الأقصى لصلاة فيهما لزمه ومن نذر ذبح ابنه في يمين أو على وجه القربة فدى عنه هديا وان نذره مجردا لم يلزمه ومن نذر هديا من مال غيره فلا شيء عليه ويلزمه نذر ماله فيهديه إن كان يهدي مثله أو يبيعه إن كان مما لا يهدي مثله ويصرف ثمنه في هدى.

كتاب الضحايا والعقيقة

مدخل
كتاب الضحايا والعقيقة
والأضحية سنة مؤكدة يخاطب بها كل قادر عليها إلا الحاج بمنى وهي إراقة دم كامل لكل مضح منفرد به غير مشارك في ثمنه وإن ضحى رجل بأضحية واحدة عنه وعن أهل بيته بغير عوض جاز ولا يكون إلا من بهيمة الأنعام.
وأفضل الأجناس منها: الغنم ثم البقر ثم الإبل والعجول من كل جنس أفضل من الإناث.
وسنها من الضأن الجذع ومما سواه الثني ويتقي فيها كل عيب ينقص اللحم أو مرض الحيوان وكذلك كالأعمى وبين العور والعجفاء والظلع وقطع بعض الأعضاء المأكورة أو نقصانه في أصل الخلقة وكذلك الشديدة المرض والمكسورة القرن إن كان يدمى.
ومحلها الأيام المعلومات وهي ثلاثة أياما يوم النحر وثانيه وثالثه فأما رابعه فليس من المعلومات وتعجيلها يوم النحر أفضل.
ويستحب إن يلي ذبحها أن كان ممن يحسن الذبح وإن استناب فيها من هو من أهل القربة أجزأه.
وذلك المسلم العاقل فقط حرا كان أو عبدا رجلا أو امرأة بالغا أو مراهقا ووقتها بعد الصلاة والخطبة وبعد ذبح الإمام إن كان ممن يظهر النحر وذلك الأولى به وإلا فليتحر الناس وقت ذبحه أو ذبح أقرب أئمة البلد إليهم ثم إن بان لهم الغلط في تحريهم فلا شيء عليهم ويسمى عند ذبحها ويكبر ولا يباع شيء منها ولا يعأوض به لجار ولا يصرف في ماعون ولا غيره ويجوز أن يطعم الغني والفقير ويأكل منها المضحي ويدخر القدر الذي يجوز أكله.

فصل
والعقيقة سنة مستحبة غير واجبة وهي شاة كاملة عن كل مولود ذكرا كان أو أنثى ووقتها سابع يوم الولادة فإن فات فاتت بفواته وقيل السابع الثاني.
ويحسب السابع إذا سبقت الولادة فجره وإن تأخرت عنه ألغى وحسب غده وسنتها في الجنس والسن واتقاء العيب ووقت الذبح من اليوم وجواز الأكل سنة الأضحية وكسر عظامها مباح غير ممنوع ولا مندوب وحلاق رأس المولود والتصدق بوزنه جائز لمن أراده وتلطيخه بالدم ممنوع وإبداله بالخلوق جائز والختان واجب بالسنة في الذكور ومثله الخفاض في الإناث وليس بواجب وجوب فرض.

باب الذبائح
يتعلق بالذكاة خمسة أشياء: أنواع التذكية وشرط كل نوع منها وصفة الذابح وصفة المذكي وصفة الآلة المذكى بها.

فأما أنواع التذكية فهي ثلاثة: الذبح والنحر والعقر فأما العقر فإنه في غير المقدور عليه وهو في المتوحش طبعا ما لم يقدر عليه وذلك يبين في بابه.
وأما النحر والذبح ففي المقدور عليه إنسيا كان أصله أو وحشيا فتأنس أو قدر عليه مع استيحاشه أو كان غير مقدور عليه لتوحشه بعد أنسه ولا تبيح الضرورة فيما ذكاته النحر أن يذكى بالعقر كالبعير يقع في بئر فلا يوصل إلى تذكية في حلقه ولبته.
فأما شروط الذكاة فشرط الذبح هو استيفاء قطع الحلقوم والودجين في قطع واحد.
وأما النحر ففي اللبة والنحر سنة ذكاة الإبل ويجوز ذبحها للضرورة والذبح سنة ذكاة الغنم ويجوز نحرها للضرورة وسنة البقر الذبح والنحر جائز فيها من غير ضرورة وما ذكى من ذلك بغير سنته لغير ضرورة فقيل لا يؤكل تحريما وقيل كراهة.
فأما سننه ومندوباته فأربعة: إحداد الآلة والتسمية واستقبال القبلة والصبر عليها إلى أن تبرد فإن ترك ذلك كله أو بعضه سهوا أو عمدا كره له ولم تحرم الذبيحة إلا في ترك التسمية فإن تعمد تركها يحرمها عند جمهور أهل المذهب إلا أن يتأول.
فأما صفة الذابح فأن يكون مسلما أو كتابيا عاقلا عارفا بالذبح قاصدا به التذكية فإن قصد اللعب أو إتلاف البهيمة أو دفعها عن نفسه أو تجريب السيف.

ولم يقصد التذكية لم يكن ذلك ذكاة وإن أصاب صورتها وليس من شرطه الذكورية ولا البلوغ إذا كان مراهقا يتأتى منه الذبح ويعرف شروطه.
ولا يجوز ذبح الكافر غير الكتابي ولا المجنون ولا السكران.
فأما صفة المذكي فأن يكون حيا غير ميئوس من بقاءه مثل أن يكون قد أصابه من وقذ أو نطح أو ترد أو عرقا أو حرقا أو عقر سبع أو غير ذلك مما يعلم معه أنه لا يعيش بمستقر العادة فمتى أصابه بعد ذلك لم تصح تذكيته.
وأما الآلة المذكى بها فأن تكون مما ينهر الدم ويحصل به القطع جرحا كالمنحدد من السيف والسكين والرمح والحرية والزجاج والحجر والقطب الذي له حد يصنع ما يصنعه بحد السلاح ولا يجوز التذكية بسن ولا ظفر متصل بالمذكي ولا منفصل ولا بمثقل.

باب الصيد
كل حيوان مأكول اللحم طبعه التوحش والامتناع لا يقدر عليه إلا بالاصطياد فتذكيته بالعقر في أي موضع كان منه من مقتل أو غيره من جارح أو محدد سلاح إذا تلف عنده في حال امتناعه وانتفاء القدرة على تذكيته بالذبح من غير تفريط كأن فوت نفسه مشاهدا لصائده أو غائبا عنه ما لم يفرط في طلبه إلا أن يبيت عنه ففيه تفصيل نذكره إن شاء الله.
والآلة المصيد بها نوعان جوارح وسلاح فأما الجوارح فلجواز أكل ما صيد به شرطان أحدهما أن يكون معلما والآخر أن يكون بإرسال من صاحبه من أي أصناف الجوارح كان من كلب أو باز أو صقر أو شاهين أو غيره من سباع الوحش والطير التي تفقه التعليم.
وتعليمه أن يفقه عن مرسله فيأتمر إذا أمره وينزجر إذا زجره وليس من شرطه ترك الأكل من كلب أو غيره.
وأما الإرسال فأن يبتديء صاحبه بعثه من يده نأويا إرساله للاصطياد والتذكية مسميا لله تعالى عند ذلك.
ثم قتله الصيد بنوعين بعقر وبغير عقر فأما العقر فبجرح من تنبيب

أو تخليب فذكاة له وغير العقر ضربان أحدهما فعل فيه كالصدم والنطح وما أشبه ذلك مما لا يبلغ فيه الجرح وهذا فيه خلاف والآخر أن يتلف عند مشاهدة الجارح طالبا له فزعا أو دهشا فلا يجوز أكله.
وأما السلاح فكل ما جرى فالاصطياد به جائز من سيف ورمح وسكين وسهم ومعراض أصاب بحده دون عرضه فإن بات الصيد عنه بعد إرسال الجارح أو السهم فوجده من الغد مقتولا لم يؤكل من الجارح وفي السهم خلاف.

وشركة الجارح غير المعلم أو مرسل المجوسي مانعة من أكل من شركا فيه جارح المسلم أو سهمه وإذا بان من الصيد عضو أو بضعة يعيش مع مفارقتها لم يؤكل البائن وأكل سائره وإن سأوى البائن ما بقي أكل جميعه ولا يؤكل ما قتلته الحبالة لأنه مقدور عليه ولا ما قتله السهم المسموم لشركة السم في قتله ولا صيد المجوس لأنه كذبه ويكره صيد الكتابي من غير
تحريم ولا يؤكل ما أدركه والجوارح تنهشه فلم يخلصه وهو قادر على ذلك أو طالبا لما يذبحه به للتفريط بذلك كله.

باب الأطعمة والأشربة
الأطعمة ضربان حيوان يحتاج إلى ذكاة ونبات وغيره من الجامدات والمائعات لا يحتاج إلى ذكاة.
فما لا يحتاج إلى ذكاة من جميع الأطعمة المعتادة فأكله جائز ما لم يكن نجسا بنفسه أو مخالطة نجس. وأما الحيوان فنوعان بري وبحري فأما البحري فيؤكل جميعه كان مما له شبه في البر أو مما لا شبه له من غير حاجة إلى ذكاة تلف بنفسه أو بسبب أتلفه مسلم أو مجوسي طفا أو لم يطف.
فأما البري فمحتاج إلى ذكاة وهي مختلفة باختلاف أنواعه على ما بيناه فبهيمة الأنعام والوحش كله مباح ما عدا الخنزير ولا تؤكل فإنه حرام والسباع فإنها مكروهة.
فأما الإنسي من ذوات الحوافر فالخيل مكروهة دون كراهة السباع والبغال والحمير مغلظة الكراهية جدا وقيل محرمة بالسنة دون تحريم الخنزير.

ولا تؤكل الجراد عند مالك رحمه الله إلا أن يتلف بسبب ومن أصحابه من لا يرى فيه السبب. والطير كله مباح ذو المخلب وغيره وما عدا ذلك فمكروه مستقذر غير مقطوع على تحريمه.
وأما الأشربة فلا يحرم منها إلا ما أسكر فيحرم جميعه من أي نوع كان من عنب أو زبيب أو تمر أو رطب أو بسر نيا كان أو مطبوخا قليله وكثيره وشرب الخليطين مما ذكرناه.
وانتباذهما مكروه والانتباذ فيما عدا الدباء والمزفة جائز وفيهما مكروه وشرب العصير جائز وكذلك العقيد إذا ذهب منه بالطبخ الأكثر الثلثان وشبهها.

كتاب النكاح وما يتصل به
والنكاح مندوب إليه للقادر عليه من غير ايجاب والمنكوحات ضربان حرائر وإماء فالحرائر يجوز نكاحهن على الإطلاق والإماء لا يجوز للحر نكاحهن إلا بشرطين عدم الطول وخشية العنت وذلك سيذكر فيما بعد والحرائر نوعان إبكار وثيب وكل واحد من النوعين ينقسم إلى قسمين أصاغر وبوالغ.
ولا نكاح إلا بولي ذكر ولا يجوز لامرأة أن تنكح نفسها ولا غيرها بوجه وذلك باطل متى وقع لا يجوز بوجه ثم الأولياء ضربان آباء وغير آباء فأما صغار النساء فلا يزوجهن أحد من الأولياء سوى الأباء وللأباء إنكاحهن أبكارا وثيبا.
وأما الإبكار البوالغ فلآباء إنكاحهن بغير إذنهن ويستحب استئذانهن من غير إيجاب وينقطع الإجبار عن المعنسة وهي التي برزت وجهها وباشرت الأمور بنفسها وعرفت مصالحها وقيل إنه باق عليها ببقاء البكارة.

وأما الثيب من البوالغ فلا إجبار عليها ولا تنكح إلا بإذنها.
والثيوبة المسقطة للإجبار هي الوطء بنكاح أو ملك أو بشبهتهما.
وأما الحرام المحض فلا يقطع الإجبار كان طوعا أو اغتصابا.
والولاية ولايتان خاصة وعامة فالخاصة في أربعة أوجه نسب أو خلافة نسب أو ولاء أو سلطان فأما ولاية النسب فمستحقة بالتعصيب لا مدخل فيها لذوي الأرحام الذين لا تعصيب لهم كالأخ للأم والخال وغيرهما ثم ما يملك بهما نوعان إجبار وإنكاح بإذن فأما الإجبار فلا يملكه إلا الأب وحده على صغار بناته وأبكار بوالغهن على ما قدمناه والسيد في أمته.
وأما الإنكاح بالاستئذان فيستوي الأب وسائر الأولياء وترتيب العصابات فيه بحسب قوة تعصيبهم فأولاهم البنون ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأب
ثم الأخوة للأب والأم ثم للأب ثم بنو الأخوة للأب والأم ثم بنو الأخوة للأب ثم الأجداد للأب وإن علوا ثم العمومة على ترتيب الأخوة ثم بنوهم على ترتيب بني الأخوة وإن سفلوا ثم الموالى ثم السلطان.
وإن أنكح الأبعد مع وجود الأقرب فيمن تستأذن جاز فأما خلافة النسب فوصى الأب خاصة في البكر هو أولى من سائر الأولياء بإذنها وهو في الثيب واحد منهم.
والمستأذنان أبكار وثيب فإذن الثيب بالقول وإذن البكر بالقول أو بالصمات ويستحب أن تعلم البكر بأن صماتها محمول منها على الإذن.
وأما الولاية العامة فولاية الدين وهو جائز مع تعذر الولاية الخاصة.
فأما مع وجودها فقيل: إنه جائز في الدنية التي لا خطر لها وكل واحد كفؤلها ولا يجوز في ذات القدر والشرف وقيل لا يجوز بحال مع القدرة.
وإذا تقدم العقد على الإذن فالصحيح أن لا يجوز وإن تعقبته الإجازة.
وللولي إنكاح صغار الذكور كان أبا أوصى أبا أو حاكما وإذا أنكح الأب إبنه الصغير فإن سمي الصداق عليه أو على الابن الذي له المال جاز وإن سكتا

عنه فهو على الابن إن كان له مال وعلى الأب إن لم يكن للابن مال ثم لا ينتقل إليه بيسره.
ويجوز خلع الأب عن ولده الصغير الذكر والأنثى وكذلك إنكاحه البكر بأقل من صداق مثلها إذا رءاه حظا والعفو عن نصف صداقها بطلاقها قبل الدخول وللولي أن يلي إنكاح نفسه من وليته التي يجوز له نكاحها بنفسه بأي شيء كانت ولايته.
وإذا زوج الوليان فالداخل من الزوجين أولى ولا ولاية لعبد ولا لمن فيه بقية رق ولا لكافر على مسلمة ولا لمسلم على كافرة إلا بالرق وللسيد إجبار عبيده وإمائه وعبيد من يلي عليه من ولده أو بوصية على النكاح ولا يجوز لعبد ولا لأمة أن ينكحا إلا بإذن سيدهما والسيد في العبد بالخيار إذا نكح بغير إذنه بين أن يجيز أو يرد إلا أن يعتق قبل علمه بالنكاح فيمضي ولا رد له ولا خيار له في الأمة بخلاف العبد.
وللعبد أن ينكح أربعا كالحر وله أن ينكح الأمة مع القدرة على الحرة بخلاف الحر.
والإشهاد من شروط كمال النكاح وفضيلته دون نفوذه وصحته وكذلك الإعلان والتراضي بكتمان العقد يفسده.
ولا يجوز لولي عضل وليته إذا دعته إلى كفء في الدين والحال والمروءة ويزوجها عليه الإمام وإن اتفقا على غير كفء جاز وليس كمال مهر المثل من الكفاءة والمتوك في عقد النكاح جائز.
فصل
الصداق مستحق في عقد النكاح ولا يجوز التراضي على إسقاطه ولا النكاح المشترط فيه سقوطه ولا حد لأكثره وأقله محدود وهو ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم فضة أو ما يسأوي أحداهما من العروض ويجوز أن يكون أعيانا ومنافع والأعيان أحب إلينا.
ولا يجوز الصداق ما لا يجوز بيعه لتحريم عينه أو لغرره كالخمر والخنزير وكالآبق والشارد وفي فسخ النكاح به روايتان إحداهما أنه يفسخ قبل الدخول

وبعده والأخرى أنه يفسخ قبله ويثبت بعده ويجب صداق المثل ويجوز على وصف أو عبد مطلق أو جهاز بيت ويرجع إلى العرف والوسط من ذلك ويجوز تعجيل المهر وتأجيله ويستحب تقديم ربع دينار قبل الدخول والصداق واجب بالعقد والتسمية ويستقر وجوبه بالدخول فيؤمن سقوطه وما لم يكن دخول فهو معرض لأن يسقط نصفه بطلاق أو جميعه بما يكون من جهة المرأة مثل أن ترتد أو تختار نفسها إذا أعتقت أو يبيعها سيدها من زوجها وعلى المرأة أن تتجهز لزوجها من صداقها وغيره بما يجري العرف في موضعها وله إن طلقها قبل الدخول نصف ما ابتاعته إلا أن يكون صرفته في شيء تختص به فتغرمه عينا.
ونكاح الشغار باطل وهو أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما فإن سميا مهرا لهما أو لأحدهما صح النكاح المسمى فيه المهر ووجب صداق المثل.
ونكاح المتعة باطل وهو العقد المشروط فيه الأجل والخطبة على خطبة الغير جائزة على وجه وممنوعة على آخر فجوازها ما لم يكن بينهما إنعام وركون وتقدير صداق وما أشبهه ومنعها مع وجود ذلك وإذا اشترط المنكح في

العقد حباءا لنفسه والصداق للزوجة فهو لها حق بصداقها وما دفعه الزوج إليه بعد العقد فهو له. ونكاح التفويض جائز وصفته أن يعقدا ولا يسميا صداقا أو على أن يفرضاه بعد أعقد ومن فرض منهما فرضية الآخر جاز وكان هو الصداق ومن كره لم يلزمه ونظر فإن كانت المرأة لزمها مما يفرضه صداق المثل دون ما قصر عنه وإن كان الزوج كان خير بين أمور ثلاثة إما أن يبذل لها صداق المثل أو يرضي بفرضها أو يطلق ولا يلزمه شيء بفرضها فإن طلق استحب له أن يمتع والمتعة هي أن يعطيها شيئا يجري مجرى الهبة بحسب ما يحسن من مثله على قدر حاله من يسره وعسره ومن مات من الزوجين قبل الفرض فبينهما الميراث ولا صداق في من لم يفرض والموت في استقرار الصداق به كالدخول.
وصداق المثل معتبر بحالها وما هي عليه من جمال وحال وأبوه فيكون لها بحسب ذلك وما يكون مثله لأقرانها في السن ومن كان في مثل حالها ولا اعتبار بنساء عصبتها ومن أعتق أمته على أن يتزوجها نفذ العتق ولم يلزمها ذلك وإن شرط عتقها صداقها لم يصح ولزمه الصداق وللمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها وليس لها ذلك بعد طوعها بالتسليم. وإذا اختلفا في مقدار الصداق فإن كان قبل الدخول تحالفا وتفاسخا وبدئت باليمين ومن نكل منهما قضى عليه مع يمين صاحبه.

وإن اختلفا بعد الدخول فالقول قول الزوج مع يمينه وإن كان الاختلاف في القبض فالقول قولها قبل الدخول فإن دخل رجع إلى الموضع الذي هما فيه فعمل على غالب أحوالهم وعرفهم فإن عدم ذلك فالقول قولها وإن كان هناك عرف يصدق الزوج ومعها كتاب ذكر الحق فالقول قولها.
فصل
ويثبت الخيار للزوجين بعيوب توجد فيهما أو في أحدهما فيكون الخيار لمن لم توجد به وذلك على ضربين منها ما يختص به الزوج ومنها ما تختص به المرأة ومنها ما يشتركان فيه.
فالذي يختص بالزوج هو ما يمنع الوطء وذلك أربعة عيوب الجب والخصي والعنة والاعتراض فالمجبوب هو المقطوع ذكره وأنثياه والخصي هو المقطوع أحدهما والعنين هو الذي له الذكر لا يتأتى الجماع مثله لصغره وامتناع تأتي إيلاجه والمعترض هو الذي لا يقدر على الوطء لعارض وهو بصفة من يمكنه وربما كان بعد وطء قد تقدم منه وربما كان عن امرأة دون أخرى ففي الجب والخصي والعنة لها الخيار وكذلك إذا كان الخصي قائم الذكر يمكنه الوطء إلا أنه لا ينزل فالخيار لها.
فأما المعترض فيضرب له الأجل سنة من يوم توقفه ويخلي بينه وبينها والقول قوله إن ادعى الوطء في السنة فإن مضت وتقارا على عدم الوطء فالخيار لها وذلك إذا لم يكن منه وطء قبل الاعتراض فلا يقبل قولها في دعوى ذلك به إلا بتصديقه إياها.
والفسخ إذا اختار الفرقة بطلاق وفي تكميل الصداق روايتان إحداهما إثباته على الإطلاق والأخرى بشرط طول إقامتها وتلذذه بها واستمتاعه بقدر تمكنه ثم إن تزوجته ثانية كان لها الخيار أيضا بخلاف المجبوب والخصي لأن هذين لا يتوقع زوال ما بهما ويكمل الصداق في حقهما.

وأما العيوب المختصة بالمرأة فهي داء الفرج المانع من وطئها.
وهو الرتق والقرن فذلك يوجب الخيار إن شاء أقام واستمتع بقدر ممكنة وإن شاء طلق ولا شيء عليه.
وأما المشتركة فالجنون والجذام والبرص فإذا وجد بالزوج فالمرأة بالخيار فإن اختارت الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها وإن وجد ذلك الرجل بالمرأة فهو بالخيار إن شاء دخل ولزمه الصداق كاملا وإن شاء طلق ولا شيء عليه فإن كان دفعه استرده وإن لم يعلم إلا بعد الدخول ترك لها ربع دينار وأخذ ما زاد عليه إن كانت هي الغارة وإن كان الغار وليها رجع الزوج بما دفعه إليها على الولي فلم يترك لها ربع دينار.
وكل هذه إذا كانت العيوب موجودة بمن وجد به منهما في حال العقد ولا خيار إن سلم في حال العقد ثم طرأت عليه.
ولا خيار فيما سوى ذلك من العيوب كالقطع والعمى والعور والحد في الزنا أو كونها ولد زنا أو ما أشبه ذلك.
ويستحب المتعة لكل مطلقة ومن جرى مجراها كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها إلا المطلقة المسمى لها قبل الدخول والمختلعة والملاعنة ولا يجبر عليها من أباها.

فصل
وتجب النفقة للزوجة بالعقد والتمكين من الاستمتاع مع بلوغ الزوج وكونها ممن يستمتع بمثلها إلا أن تنشز والاعتبار في تقديرها بحالهما فيلزمه لها كفايتها على قدر حالها ويخدمها كفايتها إلا أن تتزوجه عالمة بفقره وأنه متكفف لا مال له فلا قول لها ولها في غير ذلك أن تفارق مع الإعسار بعد
ضرب الأجل ليتضح إعساره وطلاقه رجعي وله الرجعة إن أيسر في العدة والخيار لها في الإعسار بالصداق بعد ضرب الأجل على ما يرجى لمثله.
فصل
ونكاح المريض المخوف عليه المحجور عليه في ماله غير جائز ويفسخ إن وقع صح أو لم يصح وقيل يثبت إن صح وطلاقه ثلاثا لا يقطع الميراث جملة بغير تفصيل إلا أن يصح من ذلك المرض ولا نكاح لمولى عليه إلا بإذن وليه.
فصل
ولا يجوز استباحة الفرج في الشرع إلا بأحد وجهين إما عقد النكاح أو ملك يمين فكل امرأة فجائز في الجملة العقد عليها ما لم يكن فيها ما يقتضي تحريمها والتحريم ضربان مؤبد وغير مؤبد فالمؤبد يرجع إلى عين المرأة فلا تحل بوجه وذلك بوجهين أحدهما أصل والأخرى معنى طاريء على العين يحظرها بعد إباحتها وجملته خمسة أشياء نسب ورضاع وصهر ولعان ووطء في العدة.
فالأصل هو النسب والفرع ما عددناه معه فالتحريم بالنسب هو في الأعيان السبعة وهي الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت فالأم اسم لكل أنثى لها عليك ولادة فتدخل في ذلك الأم دنية وأمهاتها وجداتها وأم الأب وجداتها وإن علون والبنت اسم لكل أنثى لك عليها ولادة أو على من له عليها ولادة فتدخل في ذلك بنت الصلب وبناتها وبنات

الأبناء وإن نزلن والأخت اسم لكل أنثى جأورتك في أصليك أو في أحدهما.
والعمة اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك في أصليه أو في أحدهما والخالة اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها أو في أحدهما وبنت الأخ اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة بواسطة أو مباشرة وبنت الأخت اسم لكل أنثى لأختك عليها ولادة بمباشرة أو واسطة.
وأما الرضاع فإنه يكسب من وجد به من الاسم ما يكسبه النسب فإذا أرضعت المرأة طفلا حرمت عليه لأنه أمه وبنتها لأنها أخته وأختها لأنها خالته وأمها لأنها جدته وبنت زوجها صاحب اللبن لأنها أخته وأخته لأنها عمته وأمه لأنها جدته وبنات بنيها وبناتهما لأنهن بنات إخوته وأخواته.
وأما الصهير فأربع أم المرأة وابنتها وزوجة الأب وزوجة الابن.
فالأم تحرم بمجرد العقد الصحيح على ابنتها والبنت تحرم بشرط الاستمتاع بالأم لمن الدخول فما دونه استمتاعا مباحا أو شبهه وفي محض الزنا روايتان وسواء كانت الربيبة في حجر المتزوج بأمها أم لا.
وأما اللعان فيحرم على التأبيد وكذلك وطء المتزوجة في عدة بنكاح أو ملك فهذه جملة التحريم المتأبد.
وأما التحريم غير المؤبد فهو الذي يكون لعارض يزول بزواله وذلك يرجع إلى أمرين أحدهما صفة لأحد المتزوجين يزول التحريم بزوالها.
والآخر صفة في العقد وجملة ذلك أشياء وهي "ستة عشر وجها":
أحداها" أن تكون المرأة ذات زوج.
والثاني: أن تكون في عدة من زوج رجعية أو بائنة.
والثالث: أن تكون مستبرأة من غير الناكح أو حاملا حملا لا يلحق به كان لاحقا بالواطء أو غير لاحق.
والرابع: أن يكون أحدهما مرتدا.
والخامس: أن تكون المرأة كافرة غير كتابية.
والسادس: أن يكون الرجل كافرا أي أنواع الكفر كان.
والسابع: أن تكون أمة كافرة.
والثامن: أن يكون في حال إحرام.

والتاسع: أن تكون المرأة أمته أو أمة ولده.
والعاشر: أن يكون الرجل عبدا للمرأة أو لوالدها.
والحادي عشر: نكاح الأمة المسلمة للحر الذي يجد الطول ولا يخشى العنت.
والثاني عشر: أن يكون جامعا بين أكثر من أربع.
والثالث عشر: أن يكون عنده من ذوات محارمها من لا يجوز له الجمع بينه وبينها.
والرابع عشر: أن يكون أحدهما مريضا مرضا يحجر عليه فيه ويشتد الخوف عليه على ما ذكرناه. والخامس عشر: أن تكون قد ركنت إلى غيره وتمهد الأمر بينهما ولم يبق إلا العقد أو شبيه به. والسادس عشر: فيخ خلاف وهو أن يكون العقد يوم الجمعة والإمام يخطب على المنبر وربما أغفلنا شيئا يرد في التفصيل.
فصل
ولا يجوز العقد على معتدة من غيره وأن يصرح بخطبتها في العدة ويجوز التعريض لها نحو القول إني فيك لراغب والمقرب منك لمؤثر وما أشبه ذلك ويجوز لمن زنا بامرأة أن يتزوجها إذا استبرأها وأن يزوج زانيته بغيره ويكره تزويج المعروفة بالزنا والكتابيات ولا يفسخ نكاح المرأة بزناها عند زوجها ولا يطؤها إلا بعد استبرائها ونكاح حرائر الكتابيات جائز.
ووطء أمهاتهن بالملك دون النكاح جائز وللرجل أن ينكح أمة أبيه وأمه بخلاف أمة ابنه والأم في عبد ابنها.
وإذا أسلم الكافر وتحته من لو ابتدأ العقد عليها في الإسلام جاز ثبت عليها وإن كانت ممن لو أراد ابتداء العقد عليها في الإسلام لم يجز له ذلك لم يثبت عليها كذات المحرم والمرضعة وغيرهما قبل الدخول وبعده وإذا أسلم الكتابي وتحته كتابية ثبت عليها وإن كانت مجوسية عرض عليها الإسلام فإن أسلمت ثبتت معه وإن أبت انفسخ النكاح في الحال كان قبل الدخول أو بعده وكذلك إن كانا مجوسيين أو صابئين أو غير ذلك من أنواع الشرك وإن أسلمت هي

فإن كان قبل الدخول بانت منه وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة فإن أسلم قبل خروجها تمسك بها وإلا بانت منه.
فصل
ومن أنواع التحريم تحريم الجمع وهو التحريم الراجع إلى صفة العقد وذلك ينقسم إلى ضربين أحدهما راجع إلى الأعيان والآخر راجع إلى عدد دون الأعيان.
فالراجع إلى الأعيان كالجمع بين الختين وبين المرأة وعمتها وخالتها وحصر ذلك أن كل امرأتين لو كانت كل واحدة منهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج الأخرى لم يجز الجمع بينهما وما عدا ذلك فجائز وطريق الجواز في الأول أن يحرم الأولى فيخرج عن الجمع ولا يجوز الجمع في الوطء بملك اليمين بين ما يحرم جمعه بالنكاح فتحريمها إن كانت زوجة بأن تبين منه وإن كانت أمة فبإخراجها عن ملكه ببيع أو هبة لمن لا يعتصرها منه أو بأن يزوجها أو يكاتبها أو يقنعها منجزا أو مؤجلا أو غير ذلك.
وأما الراجع إلى العدد دون الأعيان فهو الجمع بين أكثر من أربع نسوة وليس في ملك اليمين حد ومن بانت منه زوجته فله أن يتزوج من كان يمنع الجمع بينه وبينها وإن كانت البائن في عدتها.
وإذا أسلم المشرك وعنده من لا يجوز الجمع بينهن في الإسلام اختار منه أربعا أو واحدة من الأختين وفارق البواقي وله اختيار الأوائل والأواخر كان نكاحهن في عقد واحد أو في عقود متفرقة والعدل بين الزوجات واجب في القسم وغيره من حقوق النكاح.
ومن تزوج بكرا وله زوجة غيرها أقام عندها سبعا وإن كانت ثيبا أقام ثلاثا ثم استأنف التسوية ولم يقض والأمة والحرة في القسم سواء وكذلك المسلمة والكتابية ويقرع بينهن إذا أراد السفر.
فصل
ومن غاب عن امرأته فعمى خبره وانقطع أثره ولم يعلم حياته من موته وأضر ذلك بزوجته فإنها ترفع أمرها إلى السلطان فيبحث عن خبره ويسأل عنه ويجتهد فإن وقف له على خبر حياته فليس بمفقود ويكاتبه بالعود أو الطلاق فإن أقام على الإضرار طلق عليه وإن لم يوقف له على خبر ولم يتميز له حياة ضرب لها حينئذ

أجل أربع سنين ثم اعتدت بعدها عدة الوفاة ثم نكحت فإن جاء في الأجل أو في العدة أو بعدها وقبل أن تتزوج فهي امرأته.
فإن جاء بعد أن تزوجت فإن كان الثاني دخل بها فهي له دون الأول وإن كان لم يدخل بها ففي رجوعه عليها بنصف الصداق روايتان وإن جاء قبل دخول الثاني بها ففيها روايتان والأسير بخلافه فلا يضرب لآمرته أجل وتبقى إلى أن ينكشف أمره.
ولا يقسم مال المفقود بين ورثته إلا ان يأتي عليه ما لا يعيش إلى مثله غالبا وحده سبعون سنة وقيل ثمانون وقيل تسعون وقيل مائة والمفقود في المع يجتهد فيه من غير ضرب أجل فإذا لم يوقف له على حياة اعتدت امرأته وتزوجت.

كتاب الطلاق وأقسامة ومايتصل به
مدخل
كتاب الطلاق وأقسامه وما يتصل به
الطلاق ضربان كامل وناقص فالكامل طلاق الحر وهو ثلاث والناقص طلاق العبد وهو طلقتان.
والطلاق معتبر بالرجال دون النساء فإن أعتق العبد قبل إيقاع شيء منه كمل له وإن أعتق وقد أوقع بعضه لم يكمل له وبقي له بحساب طلاق العبد ثم كل واحد من كل الطلاقين نوعان رجعي وبائن فالرجعي ما دون الثلاث للحر والواحدة للعبد.
والبائن ضربان بائن مطلق وبائن في مقابلة الرجعي.
فالبائن المطلق طلاق غير المدخول بها وطلاق العنين والخلع والفسوخ كلها بائنه كالفسخ بالردة والملك والرضاع وغير ذلك.
والبائن في مقابلة الرجعي هو طلاق المدخول بها من غير عوض وهي ثلاثة للحر واثنتان للعبد مجتمعا كان أو متفرقا والرجعة ثابتة في الرجعي وفي الثلاثة يحرم العقد فلا تحل بنكاح ولا بملك إلا بثلاثة شروط أحدها أن تنكح زوجا غيره نكاحا جائزا والثاني أن يطأها وطئا مباحا في غير حيض ولا إحرام ولا صوم ولا غير ذلك ونكاح المحلل باطل وهو الذي يتزوجها لا لغرض إلا قصده إحلالها لمطلقها ولا اعتبار بقصدها والثالث أن تبين منه بطلاق أو فسح أو موت.
وينقسم الطلاق من وجه آخر إلى ضربين طلاق السنة وطلاق بدعه ويتفرعان إلى قسم ثالث وهو أن يعري بوصفه عن واحد منهما.
فطلاق السنة هو الواقع على الوجه الذي أباح الشرع إيقاعه عليه والسنة والبدعة يرجعان إلى أمرين إلى الوقت والعدد.
ولطلاق السنة ستة شروط:
أحدها: أن تكون المطلقة ممن تحيض مثلها.
والثاني أن تكون طاهرا غير حائض ولا نفساء.

والثالث: أن تكون في طهر لم تمس فيه.
والرابع: أن يكون الطهر تاليا لحيض لم تطلق فيه.
والخامس: أن يطلق واحدة.
والسادس: أن تترك ولا يتبعها طلاقا ومتى انخرم بعض هذه الأوصاف خرج الطلاق عن السنة ثم قد يكون للبدعة وهو أن يكون في حيض أو طهر مس فيه ثم طلق أو اثنتين أو ثلاثا أو واحدة مبتدأة ثم يتبع بتمام الثلاث فكل ذلك البدعه.
وأما من يتسأوى أوقاتها في جواز طلاقها فثلاث الصغيرة واليائسة والحامل البين حملها فطلاق هؤلاء لا يوصف بأنه للسنة ولا للبدعة من حيث الوقت ويوصف بذلك من حيث العدد.
وطلاق الحائض والنفساء محرم ويلزم إن وقع ويجبر المطلق على الرجعة فيما كان منه رجعيا ثم ليس له أن يطلق إلا أن تطهر من الحيضه الثانيه التاليه للحيضة التي طلق فيها فإن طلق في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلق فيها كره له ذلك ولم يجبر على الارتجاع إن غفل عنه فإن اطلع عليه أجبر ما بقي شيء من العدة وقيل إلى الطهر الثاني وفي طلاق غير المدخول بها حائضا خلاف.
والمستحاضة كالطاهر ولا يلزم طلاق غير مكلف من صبي أو مجنون أو نائم أو مبرسم أو هاد في غمرة المرض أو مكره يخاف شدة

الضرب وسواء أكره على إيقاعه أو على الإقرار به والسكران خارج من هؤلاء فيلزم طلاقه.
وعقد الطلاق والعتق بشرط التزويج والملك يلزم على وجه ولا يلزم على آخر والوجه الذي يلزم عليه أن يبقى لنفسه معه بعض الجنس وذلك بثلاثة أوجه:
أحدها: أن يعين صفة من الجنس من نسب أو خلقة أو ما أشبه ذلك.
والثاني: أن يعين بلدا بعينه.
والثالث: أن يضرب أجلا يبلغه عمره.
والوجه الذي لا يلزم عليه أن نعم الجنس كله فلا يبقى لنفسه شيئا منه والطلاق على ضربين معجل ومؤجل.
فالمعجل هو المطلق الذي لا يناط به شرط أو صفة يقف وقوعه على حصولهما والآخر ما يتعلق على ذلك ثم ما يتعلق به خمسة أضرب.
الأول: صفة أو شرط يتوصل إلى حصولهما.
والثاني: أجل لا بد أن يأتي أو صفة لا بد أن تأتي.
والرابع: صفة يجوز مجيئها وامتناعها فيعلق الطلاق على أحد الجائزين فيها على وجه الحلف مع كونها غائبا.
والخامس: صفة لا يقصدها العقلاء كالهزل.
فإما الأول فمثل أن يقول إن دخلت الدار أو كلمت زيدا أو قدم غائبي أو ما أشبه ذلك فهذا تعليق الطلاق بوصف صحيح يمكن أن يكون ويمكن ان لا يكون فيقف الطلاق عليه.
والثاني هو ما لابد أن يأتي فينجز الطلاق معه في الحال كمجيء الشهر أو موت زيد غير أن هذا النوع على ضربين منها ما يمكن بقاء الحالف إلى مجيئه فيلزم كالشهر والسنة ومنه ما يعلم أنه يبلغه كقوله خمسمائة سنة وما أشبه ذلك ففيه خلاف فقيل لا يلزم وقيل يلزم في الحال.
وأما إن صرح بتعليق الطلاق بعد موته كقوله أنت طالق إن مت أو إذا مت فلا يلزمه ويتخرج فيها وجه آخر أنه يلزمه من طريق الهزل.
وأما الثالث فهو ما يغلب مجيئه كقوله: إذا حضت أو طهرت أو وضعت حملك ففيه روايتان إحداهما التنجيز في الحال والآخر الوقوف على مجيئ الصفة.

وأما الرابع فهو قوله أنت طالق إن لم تكون حاملا أو إن لم تمطر السماء غدا أو إن لم تكن في هذه اللوزة توأم فالظاهر أن الطلاق يقع وإن وجد ما حلف عليه.
وأما الخامسة فهو صفات الهزل كقوله إن لم يكن هذا الإنسان إنسانا وإن لم تكن الساعة نهارا أو ما أشبه ذلك فيقع الطلاق لأنه هزل.
وأما تعليق الطلاق بالمشيئة فإنه ينقسم إلى ثلاثة اقسام هي داخلة فيما قدمناه.
أحدها: الاستثناء بمشيئة الله تعالى واشتراطها.
والآخر: اشتراط مشيئة زيد أو غيره.
والثالث: تعليقه بمشيئة من لا تصح مشيئته كالحجر والحمار والمجنون والطفل فأما مشيئة الله تعالى فإن الطلاق لا يقف عليها ويقع الطلاق في الحال سواء أطلق أو كان في يمين وهذا إذا أعاد الاستثناء إلى الطلاق فإن عاد إلى الفعل المحلوف عليه فيه خلاف وأما مشيئة زيد فإن الطلاق يقف عليها ولا يقع دون حصولها وأما مشيئة من لا تصح مشيئة كالشاة والبقر والحمار والحجر فعند ابن القاسم لا يلزمه الطلاق ويلزمه عند سحنون وغيره.
ويجوز استثناء العدد من الطلاق من غير اعتبار لكون الاستثناء اكثر من المبقي أو أقل ويلزمه المبقى وإن لم يبق شيئا كان رجوعا ولزم طلاقه وفي وقوع الطلاق بمجرد عقد القلب خلاف.

فصل في صيغ الطلاق
والفاظ الطلاق أربعة:
أحدها: صريح وهو ما تضمن ذكر الطلاق مثل قوله: أنت طالق أو أنت الطلاق أو مطلقة أو طلقتك أو ما أشبه ذلك.
وكنايات ظاهرة كقوله: أنت خلية أو برية وبتة وبائن وحرام وحبلك على غاربك فهذه جارية مجرى الصريح لا يقبل منه أنه لم يرد الطلاق وهي في المدخول بها ثلاث لا يقبل منه أنه أراد دونها إلا أن يكون على وجه الخلع ويقبل دعواه في غير المدخول بها وفي ألبتة خلاف قيل أنها ثلاث لا يقبل دعواه دونها بوجه.

وأما اعتدى فيقبل منه ما أراده من أعداد الطلاق وإن قال لم أرد طلاقا فإن كان قد تقدم كلام يجوز صرفه إليه قبل منه وإن كان ابتداء كان طلاقا.
وأما خليتك وفارقتك وسرحتك فدعواه ما دون الثلاث مختلف فيه والصحيح أنه لا يقبل منه. والثالث: هو الكناية المحتملة كقوله اذهبي وانطلقي وانصرفي وأغربي وما أشبه ذلك فيقبل منه ما يدعيه من أرادة الطلاق أو غيره أو الثلاث فدونها.
والرابع: هو الطلاق بغير الفاظه كقوله اسقي ماء أو أشبه ذلك ففي وقوع الطلاق به خلاف. وتبعيض الطلاق كتكميله وكذلك المطلقة بعضها جزءا أو عضوا.
وإذا كتب الطلاق بيده قاصدا التطليق به لزمه وإن كتبه مرويا لم يلزمه وإذا قال أنت طالق قبل قوله فيما أراد به فإن لم يرد شيئا كان واحدة.
ولا يهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث وإذا شك في مراده بلفظ الطلاق وفي أعداده كان ثلاثا فإن خرجت من العدة وهو على شكه فأي وقت تزوجها ثم طلقها واحدة لم تحل له إلا بعد زوج وفي تحليلها له بعد ثلاث أنكحة خلاف وإذا حلف بالطلاق على شيء فطلقها ثم تزوجها عادت اليمين عليه ما بقى من الطلاق المحلوق به شيء.

والرجعة بوجهين بالقول وبالاستمتاع بالوطء فما دونه مع القصد به الارتجاع وفسخ النكاح ضربان بطلاق وبغير طلاق ويتصور فائدة الفرق في نقصان عدد الطلاق إذا عد طلاقا وفي تعليل الفرق روايتان:
إحداهما أن الطلاق معتبر فيما فيه خلاف ولا يعتبر فيما لا خلاف فيه.
والثانيه: اعتبار الغلبة وعدمها ففي الغلبة يكون الفسخ بغير طلاق كالرضاع والملك والرده وفي غير الغلبة وهي ما لو شاء الزوجان المقام مع الحال الموجبة للفسخ لكان لهما ذلك فإن الفسخ يكون بطلاق وذلك كالفسخ بالعنة وبإيلاء وبإعسار المهر والنفقة وخيار المعتقة وما أشبه ذلك.
ولا يقبل في الشهادة على الإطلاق إلا الرجال وإذا اختلفا في الزمان أو المكان وكانت الشهادة على قول لزم الطلاق وإن كانت على فعل في يمين حلف بها لم يلزمه دون أن يتفقا على صفته ولا يجب كمال المهر بالخلوة دون المسيس والقول قولها عند التداعي على ظاهر المذهب.
وإذا أعتقت الأمة تحت العبد فلها الخيار في أن تثبت معه أو تفارقه ولا خيار لها تحت الحر.
فصل
والخلع جائز
وهو طلاق وصفته أن يوقع الطلاق بعوض يأخذه من الزوجة أو مس يبذله عنها ثم له ثلاثة أحوال حال يحرم معها العوض وحال يكره وحال يباح ولا يكره.
فأما الحال التي يحرم معه فيرجع إلى أمرين: أحدهما: يرجع إليه والآخر: إلى العوض فأما الراجع إليه فأن يكون مضرا بها مؤذيا لها مسيئا إليها فتبذل له العوض للتخلص من ظلمه وتطلب الراحة من أذيته فهذا ينفذ طلاقه ويرد العوض.

والآخر أن يكون العوض خمرا أو خنزيرا أو ما لا يصلح تملكه فإن الطلاق يلزمه ولا شيء له عليه. وأما الحال التي تكره فأن يقطع منها ما يعلم أنه تستضر به إلا أنه لا يلزمه ولا يمكنها المقام معه فيكره له.
وأما المباح فأن يكون إيثار الفرقة من قبلها أو باختيارها دون الزوج وطلاق الخلع بائن لا رجعة فيه ولا يلحقه إرداف إلا أن يكون متصلا به من غير تراخ فيكون كلفظ الواحد وله أن ينكحها في العدة ولا نفقة لها ولا توارث بينهما.

باب الحكمين
وإذا قبح ما بين الزوجين وظهر الشقاق فإن علم الإضرار من أحدهما أمر بإزالته وإن انغلق الأمر فيه بعث الحاكم حكمين ويختار أحدهما من أهل الرجل والآخر من أهل المرأة فقيهين عدلين ينظران ويجتهدان ويعملان على ما يريانه صلاحا للفريقين من إصلاح أو تفريق من غير اعتبار برضا الزوجين ولا بموافقة حاكم البلد أو مخالفته.
فصل
وللرجل أن يجعل إلى المرأة طلاقها وذلك على والجهين:
أحدهما: أن يوكلها.
والآخر أن يملكها ففي التوكيل له أن يرجع ما لم تطلق نفسها وفي التمليك ليس له ذلك إلا أن تبطل تملكها.
والتمليك على وجهين: تمليك تفويض وتمليك تخيير وهو الخيار على ما ذكره فأما تمليك التفويض فهو أن يقول قد ملكت أمرك أو أمرك بيدك أو طلاقك بيدك أو ما أشبه ذلك ثم لا يخلو حالها من خمسة أقسام أما أن تجيب بصريح يفهم عنها مرادها منه أو أن تجيب بلفظ مبهم يحتمل الإيقاع وغيره أو أن تفعل ما يدل على مرادها أو ان ترد فتقول قد اخترتك ولا حاجة لي إلى التمليك أو أن تمسك ولا يظهر منها جواب ولا ما يدل على مرادها.
فأما الأول فهو أن تجيب بصريح فإنه يعمل عليه ثم لا يخلو من أمرين: إما أن تطلق واحدة أو زيادة عليها ففي الواحدة لا مناكرة له فيها وفيما زاد عليها

له المناكرة وذلك بأربعة شروط:
أحدها: أن ينكر حين سماعه من غير سكوت ولا إمهال وإن سكت عن ذلك ثم أنكر من بعد لم يقبل منه.
والآخر: أن يقر بأنه أراد بتمليكه الطلاق وتكون مناكرته في عدده فإن نفى أن يكون أراد طلاقا لم يقبل منه ويقع ما أوقعته ثم إن ادعى بعد ذلك أنه أراد دون ما قضت به قبل منه عند مالك مع يمينه وقال غيره من أصحابه لا يقبل منه لاعترافه بأنه لم تكن له نية طلاق.
والثالث: أن يدعي أنه نوى واحدة أو اثنتين في حال تمليكه إياها فإن قال لم تكن لي نية لم تكن له مناكرة.
والرابع: أن يكون تمليكه طوعا فإن كان بشرط شرط عليه لم تكن له المناكرة.
فأما القسم الثاني وهو أن تجيب بلفظ مبهم كقولها قبلت أمري أو قبلت ما ملكتني أو قبلت بهما فإنها تسأل عن مرادها فإن قالت أردت البقاء على الزوجية قبل منها وبطل تمليكها وإن قالت أردت طلاقا قبل منها وكان علي ما تقدم وإن قالت أردت بالقبول تقبل ما ملكنيه دون رده وإسقاطه وتأخير إنجازه لأنظر وأرى قبل منها وأخذت الآن بالتخيير من إيقاع أو رد.
وأما الثالث: فهو أن تفعل ما يدل على مرادها مثل أن تنتقل وتنقل قماشها وتنفرد عنه ويظهر من فعلها ما يدل على سرورها بالبعد منه وزوال سلطانه عنها فيحمل ذلك منها على الطلاق ولا يقبل منها إن قالت لم أرده.

وأما الرابع: وهو أن ترد وتصرح باختيارها لزوجها فيقبل منها ويسقط تمليكها وتعود إلى ما كانت.
وأما الخامس: فهو أن تمسك عن جواب أو فعل يقوم مقامه حتى يفترقا أو يطول بهما المجلس طولا يخرج عن أن يكون ما يأتي به جوابا ففيه روايتان:
إحداهما: إبطال حقها من التملك والأخرى: بقاؤه وأخذها بموجبه من تطليق أورد فإن فعلت وإلا رفعت إلى الحاكم ليحكم عليها بسقوط التمليك واختلاف القول فيه لاختلاف ما بني عليه فعلى الأول يكون حكمه حكم العقود التي تبطل بتراخي الجواب وعلى الثانية حكمه حكم التمليكات كخيار العتق وفي طول المجلس بها أيضا خلاف بين أصحابنا.
وأما تمليك التخيير فهو على ضربين: تخيير مطلق وتخيير مقيد فأما المقيد فهو أن يخيرها في عدد بعينه من أعداد الطلاق فيقول لهل اختاريني أو اختاري طلقة أو طلقتين فليس لها أن تختار زيادة على ما جعل لها.
والمطلق هو التخيير في النفس وهو أن يقول لها اختاريني أو اختاري نفسك فهذا يقتضي اختيار ما تنقطع به العصمة وهو الثلاث وإن قالت اخترت واحدة أو اثنتين لم يكن ذلك لها وبطل خيارها فإن قالت اخترت نفسي كانت ثلاثا ولا يقبل منها إن يكون فسرته بما دونه.
فصل
والمولى مخاطب بأحد أمرين إما بالفيء أو بالطلاق.
والإيلاء الشرعي هو الذي يلزم فيه الوقف وهو أن يحلف بيمين يلزم بالحنث فيها حكم على ترك وطء زوجته أو ما يتضمن ترك الوطء زيادة على أربعة أشهر أو بمدة مؤثرة حرة كانت أو أمة مسلمة كانت أو كتابية فإن انحرم بعض ذلك لم يكن إيلاء يلزم به الوقف ويضرب له أجل أربعة أشهر من يوم حلف ويمكن منها فإن فاء فيها سقط عنه حكم الإيلاء وإن مضت ولم يفيء أوقف فإما

فاء وإما طلق ولا يلزمه طلاق بنفس مضى الأجل وهذا إذا قصد الحلف على ترك الوطء.
فإما إن حلف على غيره مما يمنع الوطء إلا بعد بره أو فعل موجبة فإنه يصير موليا بالحكم ويضرب له الأجل حين يحكم عليه ومن ترك الوطء مضارا وعرف ذلك منه وطالبت به المرأة كان حكمه حكم المولي بيمين وأجله حين الحكم.
فصل
والظهار محرم وقول زور ومنكر وحقيقتة تشبيه محللة له بنكاح أو ملك بمحرمة عليه تحريما مؤبدا بنسب أو رضاع أو صهر والشبيه على أربعة أضرب تشبيه جملة بجملة كقوله أنت علي كأمي وتشبيه جملة ببعض كقوله أنت علي كظهر أمي وتشبيه بعض جملة بجملة كقوله فرجك علي كأمي وتشبيه بعض ببعض مثل أن يشبه بعض زوجته ببعض أمه وفي التشبيه بمحرمة عليه على غير التأبيد خلاف قيل هو ظهار وقيل هو طلاق.
ويحرم بالظهار الوطء وجميع أنواع الاستمتاع.
ولا تجب الكفارة فيه إلا بالعود وهو العزم على الوطء والكفارة ثلاثة أنواع مرتبة إعتاق ثم صيام ثم إطعامز
فالإعتاق تحرير رقبة مؤمنة سليمة من العيوب والصوم صيام شهرين متتابعين والإطعام أن يطعم ستين مسكينا مسكيننا مدا لكل مسكين بمد هشام.
ولا يجوز أن يطأ قبل التكفير ولا في خلال الكفارة ويكفر العبد بما سوى الإعتاق.
فصل
واللعان بين كل زوجين حرين أو عبدين عدلين أو فاسقين وهو موضوع لشيئين رفع النسب وسقوط حد في القذف ويجب بثلاثة أوجه:
أحدها: أن يدعي أنه رأي امرأته زنت ويصف ذلك كما يصف الشهود على الزنا وفي اللعان بمجرد قذفها خلاف ومن شروط الالتعان بغير الرؤية ألا يطأ بعدها.
والثاني: أن يستبري ثم لا يطأ حتى يظهر الحمل:
والثالث أن يقول لم أطأها أصلا.

ويتعلق باللعان أربعة أحكام سقوط الحد ونفي السبب وقطع النكاح وتأبيد التحريم فأما سقوط الحد عن الزوج فمتعلق بإلتعانه وحده وكذلك نفي النسب وأما سقوط الحد عن المرأة فمتعلق بإلتعانها وأما الفرقة فمتعلقة بإلتعانهما معا.
وتأبيد التحريم يتبع الفرقة وهي واقفة بنفس فراغهما من اللعان من غير حاجة إلى حكم حاكم. ويلتعن في النكاح الفاسد ولا يرتفع التحريم بإكذابه نفسه.
وصفة اللعان أن يشهد الرجل أربع شهادات بالله لقد زنت ولقد رآها تزنى على الصفة المشترطة ويخمس بأن يقول والإ فلعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تلتعن هي فتشهد أربع شهادات بالله بنقيض ما شهد به وتخمس بأن تقول والإ فغضب الله عليها إن كان من الصادقين.
فإن استلحق النسب بعد الالتعان حد ولحق به الولد ويلاعن الأخرس منها بما يفهم عنه من اشارة أو كتابه ويلاعن الأعمى في نفي النسب وفي القذف خلاف وإذا تصادقا على نفي النسب أو الزنا ففي الاكتفاء بذلك من اللعان خلاف.

باب العدة والاستبراء وما يتعلق بهما
يوجب العدة شيئان طلاق وما في معناه من فسخ والآخر الموت والعدة في غير الموت لا تكون إلا في مدخول بها وأنواع العدة ثلاثة أضرب أقراء ووضع حمل وشهور ثم هي على ضربين منها ما يشترط فيه الطلاق والموت وهو وضع الحمل ومنها ما يشتركان في جنسه دون تعينه وهو الإقراء والشهور على ما نبين تفصيله.
والإقراء ثلاثة هي الأطهار وإذا طلقت في آخر الطهر مخاصت عقيب الطلاق بجزء من الطهر كان ذلك قرءا كاملا وتحل المطلقة بالدخول في دم الحيض الثالثه وعقدة الإمة قرءان وتحل بالدخول في دم الحيض الثانيه وأما وضع الحمل فيستوي فيه جميع المعتدات من الحرائر والإماء المسلمات والكتابيات وفي الأسباب الموجبة له من الطلاق والفسخ والشبهة والموت.

ولا تنقضي العدة الإ بوضع جميعه وسواء كان علقة أو مضغة من غير مراعاة لتمام الخلق أو لتخطيطه فأما العدة بالشهور ففي الطلاق والفسخ بثلاثة أشهر فإن ابتدأت من أول الشهر فعلى ما يكون عليه من تمام أو نقصان وإن ابتدأت من بعضه كمل أوله بالحساب فتجلس بقيته من يوم وجبت العدة وجبت العدة ثم تعتد الشهرين بعده ثم تتم باقي الأول بالعدد المكمل وإن طلقت في بعض يوم حسبت العدة من ذلك الوقت إليه وقيل تلغيه وتحسبه من غده وهذا النوع من الاعتداد في المدخول بها المطيقة للوطء إلا أنها لم تحض لصغر أو ليأس منه من كبر ويستوي فيه الإماء والحرائر المسلمات والكوافر.
وأما عدة الوفاة لغير الحامل فللحرة أربعة أشهر وعشر ليال صغيرة كانت أو كبيرة مدخولة بها أو غير مدخول بها لا يفترقان إلا في الحاجة إلى الحيض

فالمدخول بها لا بد لها من حيضة أما في أثناء العدة أو بعدها إلى غالب مدة الحمل وغير المدخول بها لا تحتاج إلى حيض.
وعدة الأمة شهران وخمس ليال وفي عدة الكتابية من الوفاة روايتان:
إحداهما: أنها كالمسلمة.
والأخرى: استبرأ رحمها.
والمرتابة هي التي ترتفع حيضتها من غير إيياس ولا يخلو ذلك أن يكون لعارض يعلم بالعادة تأثيره في رفعه كالرضاع والمرض أو لغير عارض فإن كان لرضاع فلا يبرئها إلا الحيض طال بها الوقت أم قصر وفي المرض خلاف.
وأما إن كان لغير عارض معلوم فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن حاضت في خلالها حسبت ما مضى قرءا ثم تنتظر القرء الثاني فإن حاضت وإلا انتظرت تمام تسعة أشهر فإن مضت تسعة أشهر ولم تحض اعتدت بثلاثة أشهر فيكون الكل سنة.
فإن حاضت قبل انقضاء السنة ولو بساعة استقبلت الحيض فإن مضت السنة انقضت عدتها ولا تنظر إلى حيضتها بعدها ولو بساعة.
وفي عدة المستحاضة من الطلاق روايتان إحداهما سنة والآخر العمل على التمييز.
وفي الوفاة روايتان: إحداهما تسعة أشهر والأخرى أربعة أشهر وعشرا كغير المستحاضه وعدة أم الولد من وفاة سيدها حيضة أو ثلاثة أشهر إن كانت يائسة والحيضة استبراء في الحقيقة لا عدة وإذا مات عن الرجعية انتقلت إلى عدة الوفاة والبائن تمضي على عدتها.
والمعتقة في العدة تمضي في عدتها ولا تنتقل إلى عدة الحرة إلا أن يموت عنها بعد أن تعتق من طلاق رجعي فتنتقل إلى عدة الوفاة وكل رجعة تهدم العدة إلا رجعة المولى والمعسر بالنفقة فإنهما يقفان على الفيء واليسار وإذا تزوجت في العدة ووطئها الثاني ففي تداخل العدتين روايتان ولا إحداد على مطلقة والإحداد على كل زوجة مات زوجها عنها.
والإحداد هو الامتناع من الزينة والحلي كله والطيب ولباس المصبغ ومن الكحل والحناء والامتشاط بما يختمر في الرأس الإ للضرورة.
ولا إحداد على ملك اليمين ولا يجوز لمعتدة من وفاة أو طلاق أن تنتقل عن بيتها الذي كانت فيه حتى تنقضي عدتها الإ من ضرورة.

فصل
وللرجعية النفقة والسكنى حاملا أو حائلا حتى تنقضي عدتها وللمبتوتة السكنى ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ولا نفقة للملاعنة حاملا كانت أو حائلا ولا للمعتدة من وفاة ولها السكنى إن كانت الدار للميت يملك رقبتها أو سكناها.
وعلى المرأة إرضاع ولدها ما دامت زوجة لأبيه الإأن يكون مثلها لا ترضع إما لشرف أو علو قدر أو لسقم أو قلة لبن فيكون على الأب أن يسترضع له من ماله وليس ذلك عليه إذا طلقت إلا بأجره والمتوفي عنها إذا وضعت فرضاعها من مال الصبي.
فصل
وعلى الرجل نفقة ولده الصغير إذا كان فقيرا وإذا بلغ الابن سقطت نفقته إلا أن يكون مجنونا أو زمنا لا مال له فإن وجوب النفقة مستدام على الأب ولا تسقط نفقة البنت وإن بلغت حتى يدخل بها زوجها ولا نفقة على الأم لولدها وعلى الولد الموسر أن ينفق على أبويه المعسرين ولا نفقة لجد ولا لجدة ولا عليهما لولد ولدهما ولا على سوى من ذكرنا من الأقارب.
وإذا طلق امرأته فالحضانة للأم فإن تزوجت ودخل بها زوجها انقطع حقها من الحضانة وانتقل إلى أمها إن كانت لا زوج لها إلا أن يكون زوجها جد الطفل ثم بعد الجدة إلى الخاله فإن لم يوجد من جهة الأم أحد انتقلت إلى جهة الأب أمة وأخته.
والحضانة للغلام إلى البلوغ وللجارية إلى أن تنكح ويدخل بها زوجها وليس للأب أن يسافر بولده الصغير إلا أن يكون خروج انتقال.

فصل
ومن ملك أمة حاملا لم يكن له وطئها ولا التلذذ بها حتى تضع فإن كانت حائلا فحتى تحيض حيضة أو يمر بها ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض أو تسعة أشهر إن ارتابت وإن كانت معتدة فحتى تخرج من عدتها وليس عليه استبراء فيمن لا يوطء مثلها ولا فيمن يعلم براءة رحمها ولا يجوز لمن وطء أمة أن يبيعها قبل أن يستبرئها ولا يجوز للمشتري أيضا وطئها حتى يستبرئها وإن اتفقا على استبراء واحد جاز.

باب الرضاع
والرضاع يوجب التحريم وينشر حرمة بين المرضع والمرضعة وبين زوجها الذي له اللبن وللتحريم الرضاع ستة شروط:
أحدها: وصول اللبن من المرضعة إلى حلق الرضيع أو جوفه من أي المنافذ كان من فم أو سعوط كان بإرضاع أو وجور قليلا أو كثيرا.
والثاني: ان يكون من أنثى بكرا كانت أو ثيبا موطوءة أو غير موطوءة فأما لو در لبن فأرضع به طفلا لم يحرم به تحريم الرضاع.
والثالث: أن ذلك مقصور على الأدميات لو ارتضع طفلان من لبن بهيمة لم يثبت بينهما إخوة الرضاع.
والرابع: أن يكون في الحولين أو زيادة عليها بالأيام اليسيرة دون ما زاد على ذلك.

والخامس: أن يكون المرضع محتاجا إلى اللبن فاما لو فصل قبل الحولين واستغنى بالطعام مدة بينة ثم أرضع لم يحرم وإن كان في الحولين.
والسادس: أن يكون إما منفردا بنفسه وإما مختلطا بما لم يستهلك فيه فأما إن خاطها ما أستهلك فيه من طبيخ أو دواء أو غير ذلك فلا يحرم عند أصحابنا وليس من شرطه أن تكون المرضعة حية ويحرم لبن الفحل كالذى له امرأتان ترضع إحداهما صبيا والأخرى صبيه وتسافر المراة مع مرضعها وكل من حرم بالولادة حرم بالرضاع.
تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني
وأوله كتاب البيوع

الجزء الثاني

كتاب البيوع
كتاب البيوع
كل بيع فالأصل فيه الجوار إلا ما تعلق به ضرب من ضروب المنع.
وفساد البيع يكون بوجوه:
منها: ما يرجع إلى المبيع.
ومنها: ما يرجع إلى الثمن.
ومنها: ما يرجع إلى المتعاقدين.
ومنها: ما يرجع إلى صفة العقد.
ومنها: ما يرجع إلى الحال التي وقع فيه العقد وربما انفرد بعض هذه الأقسام بنفسه وربما تداخلت أما ما يرجع إلى المبيع فبكونه مما لا يصح بيعه وذلك كبيع الحر والخمر والخنزير في حق المسلم وبيع النجاسات وما لا منفعة فيه كخشاش الأرض والكلاب واختلف فيما يجوز الانتفاع به منها.

وأما ما يرجع إلى الثمن فبكونه مما لا تصح المعأوضة بجنسه ويرجع ذلك إلى أنه لا يصح بيعه.
وأما ما يرجع إلى المتعاقدين فمثل أن يكونا أو إحداهما ممن لا يصح عقده كالصغير والمجنون أو غير عالم بالبيع أو محجور عليه والحجر يؤثر في منع البيع تارة وفي وقفه أخرى وأما ما يرجع إلى صفة العقد فضروب منها الربا ووجوهه ومنها الغرر وأبوابه ومنها المزابنة والبيع والسلف وغير ذلك مما نذكره مفصلا.
فصل
المبيعات ثلاثة أنواع عين حاضرة مرئية وعين غائبة عن المتعاقدين فيجوز بيعها بالصفة ويجب أن تحصر بالصفات المقصودة التي تختلف الأثمان باختلافها وثقل الرغبة وتكثر لأجلها ولا يكتفي بذكر الجنس والنوع فقط ولا يجوز بيعها بغير صفة إلا أن يكون على رؤية متقدمة من وقت لا تتغير في مثله إلى وقت العقد ولا خيار للمبتاع إذا جاءت على الصفة أو على ما يعرف من الرؤية إلا أن يشترطه وله الخيار إن جاءت على دون الصفة وضمانها من البائع إلا أن يشترطه على المشتري في ظاهر المذهب ويجوز النقد فيه بغير شرط فإن كان بشرط فسد البيع إلا في المأمون كالعقار ونحو ذلك كبيع الأعدال على البرنامج فإنه جائز إذا تبين ما تضمنه برنامجه فإن وافق الصفة لزم.
والنوع الثالث هو السلم في الذمة وهو جائز في كل ما تحصره الصفة على ما نذكره.
فصل
والبيع جائز منجزا أو بشرط الخيار والخيار يثبت في البيع بأمرين أحدهما بمقتضى العقد والآخر بالشرط.
فالأول ضربان أحدهما أن يخرج المبيع على خلاف ما دخل عليه وذلك بأن يخالف ما شرطه من الصفة أو بأن يوجد به عيب.
والآخر مختلف فيه وهو ان تكون فيه مغابنة خارجة عن حد ما يتغابن الناس بمثله فقيل أن البيع لازم ولا خيار وقيل للمغبون الخيار إذا دخل على بيع الناس المعتاد.

فأما خيار الشرط فلا يثبت بمقتضى العقد وإنما يثبت بالشرط وليس خيار المجلس من مقتضى العقد ومجرد القول المطلق كاف في لزومه ويجوز شرط الخيار لمن شرطه من المتعاقدين أولهما ثم لمن ثبت له ان يمضي أو يفسخ ولا حد في مدته إلا قدر ما يختبر المبيع في مثله وذلك يختلف باختلاف أنواع المبيعات فإن عينا مدة تحتمل ذلك جاز وإن أطلقا ضرب خيار المثل وإذا اختلفا في الرد والإمضاء فالقول قول مختار الرد ويقوم الوارث فيه مقام الموروث.
ويحكم بالإمضاء في كل تصرف يفعله المالك في ملك لا يحتاج في اختيار المبيع إليه وذلك كالوطء والاستمتاع بما دونه والإعتاق والتدبير والكتابة وتزويج الأمة والعبد وغير ذلك مما في معناه وتلفه من البائع إن كان في يده أو في يد غيرهما ومن المشتري إن كان في يده وكان مما يغاب عليه.
فصل
بيع الربا غير جائز والربا ضربان تفاضل ونساء فالتفاضل على وجهين تفاضل في العين وتفاضل في القيمة فالتفاضل في العين يحرم في جنسين أحدهما الجنس الواحد من المقتات المدخر وما في معناه مما يصلح للأقوات وذلك في المسميات الأربع التي نص عليها الرسول عليه السلام وهي الحنطة والشعير والتمر والملح ويلحق بها ما في معناها كالأرز والدخن والذرة والسمسم والقطاني كالفول واللوبيا والعدس والحمص وكذلك اللحوم والألبان والخلول والزيوت وأثمار كالعنب والزبيب والزيتون واختلف في التين ويلحق بها العسل والسكر ولا يحرم التفاضل في الماء كله ولا في رطب الفواكه التي لا تبقى كالتفاح والبطيخ والرمان والكمثرى

والقثاء والخيار والباذنجان وغير ذلك من الخضروات ولا فيما يدخر من الفواكه للأدوية كالمشمش والإجاص أو على وجه الخصوص والندور كالخوخ وغيره.
وكل مسمى مما يحرم التفاضل فيه فإنه صنف منفرد بنفسه لا يضم إليه سوى أنواعه إلا الحنطة والشعير والسلت فإنها كصنف واحد واختلف قوله في القطنية واللحوم ثلاثة أصناف لحوم ذوات الأربع من الانعام والوحش صنف ولحوم الطير كلها صنف ولحوم دواب الماء صنف وقيل الجراد صنف رابع والجنس الآخر مما يحرم التفاضل في عينه هو الذهب والفضة على اختلاف صفاتها من تبر ومضروب ومهمل ومصوغ فلا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه بجنسه وما غيرته الصنعة من المأكول صار كجنس آخر فيجوز التفاضل بينه وبين ما بقى على صفته وذلك كالحنطة والدقيق والعجين بخبزها واللحم النيئ بمطبوخه والرطب والتمر والزبيب بخلها.
وأما التفاضل في المعنى فمثل صاع معقلي وصاع دقل بصاعين برني لأن المعقلي أعلى من البرني والدقل أدون منه والبرني وسط بينهما وكل ما حرم التفاضل فيه جاز البيع فيه مع التماثل والجهل بالتماثل في المنع كتحقق التفاضل.

فأما النساء فهو على ضربين أحدهما معلل بتفاضل في جنس واحد فكل جنس من أجناس المملوكات المتمولات فإن التفاضل فيه حرام لا يجوز بوجه كان مما يحوز التفاضل في نقده أو يحرم والجنسية المعتبرة فيما لا يحرم التفاضل في نقده اختلاف الأغراض والمنافع دون الخلق والألوان.
والضرب الآخر: المطعومات والنقود فلا يجوز مطعوم بمطعوم نساء على وجه لا متفاضلا ولا متماثلا لا من جنسه ولا من خلافه وكذلك النقود لا يجوز ذهب بذهب ولا فضة بفضة ولا أحدهما بالآخر نساء على الوجه الذي لا يجوز نقدا ولا على خلافه.
فصل
والمزابنة يجمعها بيع معلوم بمجهول من جنسه كالرطب بالتمر والعنب بالزبيب ورطب كل ثمرة بيابسها أو حب كالحنطة المبلولة بيابسها والدقيق

بالعجين والحي الذي يراد للحم كالكبير باللحم من جنسه والمشوي بالنيئ والمالح بالطري والسمسم بالشيرج وما أشبه ذلك وهذا فيما نقده الربا.
ومنها بيع مجهول بمجهول من جنسه كصبرة بصبرة وجزاف بجزاف وثمرة نخلة بثمرة نخلة أخرى.
فأما فيما يجوز التفاضل في نقده فإن تحققت الزيادة جاز وإن لم تتحقق دخله الحظر ويجوز الرطب بالرطب متماثلا وكذلك اللبن باللبن وقسمة اللحم والبيض على التحري جائز.
فصل
والأعيان المبيعة ضربان طعام وغير طعام فغير طعام والشراب من سائر المبيعات من العروض والعبيد والحيوان والعقار وما ينقل ويحول أو لا ينقل ولا يحول فبيعه جائز قبل قبضه في الجملة ما لم يعرض فيه ما يمنع منه.
وأما الطعام فلا يجوز فيما تعلق به حق توفية من كيل أو وزن أو عدد أن يباع قبل قبضة أو يعاوض عليه إلا أن يكون على غير وجه المعاوضة كالهبة والصدقة أو على وجه المعروف كالقروض والبدل فيجوز ثم لا يجوز لمن صار إليه ذلك أن يعاوض عليه قبل قبضه ويجوز فيه إلا حالة والشركة والتولية قبل قبضه وما أبيح منه جزافا أو مصبرا فبيعه جائز قبل نقه إذا خلى البائع بينه وبينه وكل مبيع هلك قبل قبضه فهو من المشتري إن كان متعينا متميزا وإن كان مما يجب فيه حق توفية فهو من البائع وبيع الطعام وسائر المكيلات جزافا جائز في الغرائز وصبر على الأرض وكذلك العروض المكيلة والموزونة كالجص والنورة والقطن وغير ذلك.

ولا يجوز فيما يعظم الغرر فيه كالعبيد والحيوان والثياب والجواهر ومن شرط جواز بيع الجزاف تسأوى المتعاقدين في الجهل بمقداره ولا يجوز مع علم بائعه به ويكون للمشتري الخيار ولو دخل على الرضى بذلك لم يجز ويجوز تصديق المشتري للبائع في كيله إن كان بنقد ويكره في النساء.
فصل
بيع الثمار بعد بدو صلاحها جائز مطلقا وبشرط التبقية والقطع وإطلاقها يقتضي التبقية فأما قبل البدو فيجوز بشرط القطع ولا يجوز مطلقا ولا بشرط التبقية وبدو الصلاح يختلف باختلاف أنواعها ففي النخل باحمرار البسر أو اصفراره وفي العنب بأن يسود أو تدور الحلأوة فيه وفي الفواكه كلها والبقول بإطعامها وتمام بناتها وكل صنف يعتبر طيبه بنفسه لا بغيره وبيع المقاثي والمباطخ جائز يبدو صلاح أوله وإن لم يظهر ما بعده وكذلك الأصول المغيبة في الأرض كالبصل والجزر والفجل وكذلك الورد والياسمين إذا انتفع به ويكون للمشتري إلى آخر إبانة وكذلك الموز إذا ضرب فيه أجلا.
ولا يجوز شراء الكتان إذا استثنى البائع حبه ولا القرط واستثنى برسيمه إلا حال يبسه ولا يجوز بيع الحنطة في سنبلها ويجوز بيع السنبل على حدته ويجوز بيع الجوز والباقلا في قشره الأعلى ومن باع أصل نخل

وفيها ثمر مؤبرة فالثمر للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فإن كان غير مؤبرة فهو للمبتاع بالعقد من غير شرط فإن كان بعضه مؤبرا وبعضه غير مؤبر فإن كانا متسأويين فالمؤبر للبائع وغير المؤبر للمشتري.
فإن كانا متزايدين فقيل هما كالمتسأويين وقيل الأقل تبع الأكثر وفي سائر الشجر بانعقاد الثمر ويبسها يجري مجرى الإبار في النخل والزرع الصغير إذا لم يظهر إذا بيعت الأرض وسكت عنه فقيل للبائع وقيل للمبتاع وبيع الثمار على رؤوس النخل جائز فإن استثنى بعضها فعلى وجهين إن كان جزافا جاز على الإطلاق في القليل والكثير وإن كان كيلا جاز في الثلث فدونه.
واستثناء الجلد والسواقط في الشاة المبيعة جائز حيث تقل قيمتها ويخف خطرها ولا يجوز إذا كان لقيمتها بال.
فصل
والعرية جائزة وهي هبة ثمرة نخلة أو نخلات ولا يجوز لمن أعريها بيعها حتى يبدو صلاحها ثم له بيعها لمن شاء بالذهب والورق ومن معريها خاصة بخرصها تمرا وذلك بثلاثة شروط:
أحدها: أن يدفعها إليه عند الجذاذ فإن شرط أنها حالة لم يجز.
والثاني: أن يكون في خمسة أوسق فدون فإن زاد على ذلك لم يجز.
والثالث: أنه مقصور على معريها دون غيره وهي في كل ثمرة تيبس وتدخر.

فصل
والجوائح موضوع إذا أتت على ثلث مكيلة الثمرة فصاعدا ولا توضع فيما قصر عنه وتكون من مشتريها وذلك مع الحاجة إلى تبقيتها في رؤوس النخل والشجر والبرد والثلج والريح والجراد والعفن والترتيب كل ذلك جائحة واختلف في العسكر والصحيح في البقول أنها كالثمرة.
فصل
وقد بينا تحريم التفاضل في الجنس الواحد من الذهب والفضة بجنسه وأن اختلاف الصفات غير مؤثر في ذلك.
والتقابض في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة وفي أحد الجنسين بالآخر مستحق عقيب العقد ولا يجوز فيه نظرة ولا حمالة ولا حوالة فإن تراخى القبض على العقد أفسده وإن كانا في المجلس ولا يراعى في ذلك التفرق فإن تقابضا فوجد أحدهما رديئا أو زائفا فأراد رده بطل الصرف وله أن يمسكه ولا يبطل العقد.
ويجوز اقتضاء الذهب من الورق والورث من الذهب إذا حلا وتطارحا صرفا ولا يجوز في الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة أن يكون مع أحدهما غيره قليلا كان أو كثيرا.
وكذلك كل جنس فيه الربا فلا يجوز إذا بيع بجنسه أن يكون مع الجنسين أو مع أحدهما غيره كان ذلك الغير مما فيه الربا أو مما لا ربا فيه ولا يجوز دينار ذهب عال ودينار دون بدينارين ويجوز وسط بدل الدينار الناقص بالوازن على وجه المعروف والرفق يدا بيد.

وتجوز المراطلة وهي الذهب بالذهب متماثلة في الميزان بغير صنجة ولا يجوز أن ينضم إلى الصرف عقد بيع إلا في يسير يكون تبعا مثل أن يعجز عن ثمن الدينار نصف درهم فيدفع إليه عرضا بقيمته.
ومن باع بنقد أو اقتراض ثم بطل التعامل به لم يكن له عليه غيره إن وجد وإلا فقيمته إن فقد.
ومن اقترض ذهبا وقدره بقيمته فضة أو اقترض فضة وقدرها بقيمتها ذهبا لم يجز ولزمه دفع مثل ما قبض.
والتفاضل في الفلوس إذا حصل التعامل بها ممنوع وهو في الحقيقة منع كراهة لا نص التحريم وشراء تراب المعادن من الذهب والفضة جائز من الجنس بخلافه وشراء تراب الصاغة غير جائز.
فصل
يجمع بيع الغرر ثلاثة أوصاف.
أحدهما: تعذر التسليم غالبا.
والثاني: الجهل
والثالث: الخطر والقمار.
فأما ما يرجع إلى تعذر التسليم فكالآبق والضالة والشارد والمغصوب والطير في الهواء والسمك في الماء وبيع الأجنة واستثنائها وحبل الحبلة وهو نتاج ما تنتج الناقة

والمضامين وهي ما في ظهور الفحول.
وأما ما يرجع إلى الجهل فيتنوع فمنه الجهل بجنس المبيع كقوله بعتك ما في كمي أو ما في صندوقي أو في يدي ومنه ما يرجع إلى الجهل بصفاته كقولك بعتك ثوبا في بيتي أو فرسا في أصطبلي ومنه الجهل بالثمن في جنسه أو مقداره أو أجله مثل أن يقول بعتك بما يخرج به سعر اليوم أو بما يبيع به فلان متاعه أو بما يحكم به زيد ومنه البيعتان في بيعه وهو قوله بعتك هذا الثوب بعشرة نقدا أو بخمسة عشر إلى أجل على أنه قد وجب بأحد الثمنين ومنه بيع اللحم في جلده والحنطة في تبنها ومنه شرط الخيار الممتد والأجل المجهول نحو قدوم زيد وموت فلان وما أشبه ذلك.
وأما الخطر فبيع مالا ترجى سلامته كالمريض في السياق وما لا يدري أيسلم أم يتلف ولا ظاهر ولا أمارة تغلب على الظن معهما سلامته كبيع الثمرة قبل دو صلاحها.
وأما القمار فكبيع الملامسة وهو أن يلمس الرجل الثوب فيلزمه البيع بلمسه ولم يبينه.
وبيع المنابذة وهو أن ينبذ أحدهما ثوبا إلى الآخر وينبذ الآخر ثوبه إليه فيجب البيع بذلك ومنه بيع الحصاة وصفته أن تكون بيده حصاة فيقول إذا

سقطت من يدي فقد وجب البيع وقيل تكون ثياب عدة فيقول على أيهما سقطت عليه الحصاة فقد وجب البيع ومنه المزابنة وقد ذكرناها وهذه كلها بيوع الجاهلية وكثير منها يتداخل فيجتمع الجهل وتعذر التسليم كالآبق والشارد فإن انضم إلى ذلك جهل بالثمن أو بالأجل تأكد الغرر لكثرة أسبابه.
فصل
وأما ما يرجع إلى الحال فبيع الإنسان على بيع أخيه إذا ركن إليه وقرب اتفاقهما فإن العقد يفسخ على نحو ما ذكرناه في النكاح ومنه بيع النجش وهو أن يزيد التاجر في ثمن السلعة ليغر غيره لا لحاجة منه إليها ومنه تلقى السلع قبل أن تورد للأسواق فهذا ممنوع إلا أنه لا يفسخ ويخير بقية أهل السوق في ان يشاركوا من ابتاع بالتلقي أو يتركوا له ومنه بيع الحاضر للبادي ومنه البيع يوم الجمعة بعد النداء من تلزمها أو أحدهما فرض الجمعة فيفسخ إن وقع.
فصل
وبيع الأعمى وشراؤه جائز والتسعير على أهل الأسواق غير جائز ومن زاد في سعر أخرج من سوق المسلمين إلا أن يلحق بالناس.

والحكرة ممنوعة إذا أضرت بأهل البلد في كل ما بهم حاجة إليه من طعام أو غيره ولا تمنع إذا لم تعد بالضيق والضرر.
ومن جلب طعاما خلى بينه وبينه ولم يجبر على بيعه.
وبيع العربان على وجهين أحدهما ممنوع وهو أن يشتري سلعة بثمن معلوم أو يكثرى دابة بأجرة معلومة ويعربن شيئا على أنه إن رضي كان ذلك العربون من الثمن أو الأجرة وإن كره لم يعد إليه فهذا من أكل المال بالباطل.
والآخر جائز وهو الاحتساب له به إذا أمضى ورده عليه إذا كره فذلك جائز والدين بالدين ممنوع إذا كان من الطرفين.
والوضع على التعجيل ممنوع وهو أن يكون له عليه كراء حنطة جيدة إلى سنة فيعطيه قبل الأجل دون صفته فلا يجوز لأنه وضع الصفة التي له ليتعجل القبض وما كان خارجا عن أصله للرفق والمعروف فلا يقاس عليه.
والإقالة والشركة والتولية في بيع الطعام مستثناة من بيع الرطب بالتمر والسلم مستثنى من بيع ما ليس عندك.
وإذا باع ملك غيره أو اشترى له لم يبطل ووقف على إذنه.
وإذا كان للنصراني عبد نصراني فأسلم بيع عليه وإذا اشترى نصراني عبدا مسلما لم يجز وفسخ العقد وقيل: يصح ويجبر على بيع.
فصل
ومن ابتاع سلعة على السلامة فظهر بها عيب يوجب الرد فهو بالخيار بين أن يرد ويرجع بالثمن شاء البائع أو أبى أو يمسك ولا شيء له من أرش ولا غيره

إلا أن يبذل له البائع الأرش هو ما لا يمكن الرد ولا يلزم بذل الأرش ولا أخذه إلا بالتراضي مادام رد العين ممكنا فإن فات ذلك لم يكن له إلا الأرش والفوت هو ما لا يمكن معه أما للتلف في المبيع كالموت والزمانة والهرم الذي لا يبقى معه انتفاع به أو لتلف الملك كالعتق والتدبير والاستيلاد والكتابة وفى بيعه خلاف والصحيح أنه فوت يوجب الأرض والإباق فوت.
وحدوث عيب عند المشتري ليس بفوت يمنع الرد وهو بالخيار إن شاء رده وما نقصه العيب عنده وإن شاء تمسك به أخذ الأرش إلا أن يكون البائع دلس بالعيب فيكون للمشتري رده من غير أن يؤخذ بما نقصه إلا أن يكون بتصرفه فيه قد أتلفه بوجه لا يتصرف الناس بمثله فليس له إلا الأرش وكذلك إن تلف العبد من العيب الذي دلس به البائع لم يضمنه المشتري ورجع بالثمن ووطء الثيب لا يمنع الرد ولا يوجب على المشتري شيئا ووطء البكر عيب يردها وما نقص وإذا رضى المبتاع بالعيب لم يكن له رده به وكذلك إن تصرف في المبيع أو استعمله

بعد علمه بالعيب كان ذلك رضا منه به ولم يكن له الرد إن تصرف مضطرا ففيه روايتان.
وإن ابتاع رجلان عبدا فوجدا به عيبا فأراد أحدهما الرد والآخر الإمساك ففيه روايتان إحداهما أن لمن شاء منهما الرد أن يرده والأخرى أن عليهما الرد.
وإذا نما المبيع عند المشتري ثم أراد رده بعيب فلا يخلو النماء أن يكون منفعة أو غلة أو عينا فإن كان منفعة أو غلة كان له رده ولا يلزمه شيء لأجله لأن له الخراج بالضمان وإن كان عينا فلا يخلو أن يكون ولادة أو نتاجا أو غيره ففي الولادة والنتاج يردهما مع الأمهات وأما غير ذلك فيختلف.
فأما ثمرة النخل فلا يردها مع الأصل إذا حدثت عنده فإن كان ابتاع الأصل وفيه ثمر فإن كانت لم تؤبر لم يردها وإن كانت مأبورة ففيها خلاف وكذلك في صوف الغنم فأما الألبان والسمون فلا يرد شيئا منها.
ولا يجوز لبائع السلعة المعيبة أن يكتم عيبها لأن ذلك غش.
ولا يقبل دعوى المبتاع أن بالسلعة عيبا دون أن يبينه بالمشاهدة إن كان مشاهدا أو بالبينة إن كان غير مشاهد ثم لا يخلو أن يكون مما لا يحدث عند المشتري أو أن يكون مما يعلم أنه لم يكن عند البائع والقول في الموضعين قول من قوى سببه منهما مع يمينه أو أن يكون محتملا فالقول قول البائع مع يمينه إلا أن ينكل فيحلف المشتري.
والعيوب الموجبة للرد هي ما أثرت نقصا في المبيع أو في الثمن أو في التصرف أو خوفا في العاقبة ومن ذلك نقصان الأعضاء كالعمى والعور والقطع والضلع الزمانة والخصى والإفضاء ونقصان الأحكام كالجنون والجذام والبرص والتعسر والزعر وبياض الشعر والإباق والزنا والبخر والسرقة والزوج والولد في العبد والأمة والحمل والدين.
ومن هذه العيوب ما يعم ومنها ما يخص الرائعة المنتخذة للوطء وذلك بحسب ما يعلم في العادة وزواله قبل الرد مسقط للرد إلا ان يكون مما تبقى علاقته كالزوجة والزوج والاستدامة في سفه وما أشبه ذلك أو مما لا يؤمن عوده.
وعهدة الثلاث لازمة في الرقيق ثم عهدة السنة بعدها من الأدواء الثلاثة الجنون والجذام والبرص في كل بلد جرت عادتهم باشتراطها أو استأنفوها ولا يلزم في الموضع التي لم يتعارفوها إلا بأن يستأنفوا اشتراطها.

ويجوز البيع بشرط البراءة في الرقيق دون غيره ويبرأ من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ مما علمه فكتمه.
والعبد يملك ملكا ناقصا ينتزعه سيده إذا شاء وماله في البيع لسيده وفي العتق يتبع العبد إلا أن يستثنيه السيد وفي هبته والوصية وإسلامه بجنايته خلاف.
ولا يجوز التفرقة بين الأم وولدها الصغير في البيع وحدها ويجوز في الأدب والتصرية عيب وإذا علم المبتاع بعد أن حلبها فله الخيار في إمساكها أو ردها مع صاع من تمر وإذا فات المبيع في البيع الفاسد ضمنه المبتاع بالقيمة يوم القبض وبالمثل فيما له مثل ورد الثمن عليه وإن تلف في يد البائع فتلفه منه.
فصل
والبيع جائز مسأومة ومرابحة فالمسأومة أن يبيعها بما يتقرر بينه وبين المبتاع من الثمن من غير أن يخبره برأس ماله والمرابحة أن يذكر رأس ماله ويتقرر الربح بينهما إما مجملا كقوله شراء هذه السلعة عشرون دينارا فيربحه دينارا أو نصفه وإما مفصلا كقوله قد ابتعتها منك على أن أربحك في كل عشرة دينارا أو اثنين.
ويحتاج في بيع المرابحة إلى بيان ما ينضم إلى السلعة فيكون له قسط من رأس المال والربح أو من رأس المال وحده وذلك على ضربين:
أحدهما: أن ينضم إلى السلعة ماله تأثير في عينها أو ينضم إليها ما لا تأثير له في عينها.
فالأول: كالقصارة والخياطة والصبغ والطرز.
والثاني: مثل الطي والشد والسمسرة والدلالة وكراء حمل المتاع وما أشبه ذلك.

ولا يخلو البائع إذا أخبر برأس مال المتاع أن يخبر بما لزمه من هذه التوابع ويشترط ضمه إلى رأس المال أن يكون له قسط من الربح أو أن يسكت عن اشتراط ضم هذه التوابع إلى رأس المال وعن اشتراط ربح لها ففي الأول له شرطه وفي الثاني يضم إلى رأس المال منها ماله عين قائمة في المتاع ويكون له قسط من الربح ولا يضم إليه مالا تأثير له في عين المتاع مما يمكن توليه بنفسه لا في رأس المال ولا في ربحه وما لا يمكن توليه بنفسه مثل كراء المتاع ونقله من بلد إلى بلد والسمسرة فيما جرت العادة بأنه لا يباع إلا بوسيط فيضم ما لزمه عليه إلى رأس المال ولا يكون له قسط في الربح.
وإذا اختلفا المتبايعان فلا يخلو اختلافهما أن يكون فيما يؤدي إلى فساد العقد أو إلى نفي لزومه أو إلى سقوط بعض حقوقه فإن كان اختلافهما فيما يؤدي إلى فساد العقد مثل أن يقول بعتك هذه السلعة ولم ترها ولم أصفها لك أو بثمن إلى أجل مجهول أو ما أشبه ذلك ويدعى الآخر أنه قد رآها أو وصفها له وأن الأجل في الثمن معلوم فالقول قول مدعي الصحة الصحة منهما مع يمينه وإن كان اختلافهما فيما ينفي اللزوم مثل أن يدعى أحدهما أنه شرط الخيار لنفسه وينكر الآخر ذلك فالقول قول من ينكر وعلى مدعى اشتراطه البينة.
وإن كان ذلك في حق من حقوق العقد فإن كان في عين الثمن أو جنسه تخالفا وتفاسخا وإن كان في مقداره فالأظهر من المذهب أنه إن كان قبل القبض تخالفا وتفاسخا.
وإن كان بعده فالقول قول المشتري مع يمينه وإن كان الاختلاف في قبض الثمن رجع إلى العرف في موضعهما وحلف من شهد له العرف منهما فإن لم يكن عرف فالقول قول البائع مع يمينه.
فصل: في استبراء الأمة
ولا يجوز لمن وطء أمة ثم أراد بيعها أن يبيعها إلا أن يستبرئها بحيضة ولا يجوز للمشتري أن يطأها حتى يستبرئها إلا أن يكون عالما ببراءة رحمها فلا يلزمه ذلك ويجوز أن يتفق هو والبائع على استبراء واحد فإن باعها قبل أن يستبرئها ووطئها المبتاع قبل أن يستبرئها فأتت بولد لأكثر من ستة أشهر من وطء الأول والثاني دعى له القافة فلحق بمن يلحقونه به منهما وإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولستة من وطء الأول فهو للأول دون الثاني ولا يحكم بالقافة في ولد الزوجة.

كتاب الإجارة

مدخل
كتاب الإجارة
الإجارة جائزة وهي معأوضة على منافع الأعيان ولا تصح إلا أن تكون المنافع المعقود عليها معلومة وللعلم بها طريقا:
أحدهما: أن يكون جنسها معلوما كركوب الدابة وبناء الحائط وما أشبه ذلك.
والأخر: أن يكون جنسها غير معلوم فيعلم بالعرف فيحتاج فيه إلى ضرب الأجل ينحصر به ذلك كأجير الخدمة وفي الأول لا يحتاج إلى ضرب الأجل.
وكل عين لها منفعة يجوز تنأولها بغير أجرة فإجارتها لتلك المنفعة جائزة.
وإجارة الأعيان مدة معلومة على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يبين ابتداءها وانتهاؤها فيقول استأجرت منك هذه الدار أو العبد شهرا أو له كذا وآخره كذا أو كذا وكذا يوما أولها كذا وآخرها كذا.
والثاني: أن يذكر المدة ولا يحدها فيقول استأجرت منك هذه الدار شهرا أو سنة فتصح ويكون من وقت العقد.
والثالث أن يستأجرها مشاهرة وهو على حساب الشهر بكذا فيصح وإن لم يعين مدة ما يعقد عليها ويكون لكل واحد منهما الترك إذا شاء ويلزمه من الإجارة بحساب ما سكن وقيل يلزمه أجرة واحدة مما جعلا علما على حساب الأجرة من شهر أو سنة.
وعقد الإجارة لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخة مع إمكان استيفاء
المنافع فإن طرأ ما يمنع ذلك كاحتراق الدار وانهدامها أو غصبها أو مرض العبد أو الدابة فإن العقد ينفسخ معه.
وتسليم الأجرة غير مستحقة بمجرد العقد إلا أن تكون هناك عادة أو شرط أو يقارن العقد ما يوجب التقديم مثل أن تكون الأجرة عرضا معينا أو طعاما رطبا وما أشبه ذلك وما عرى من هذا فلا يستحق تقديم جزء من الأجرة إلا بالتمكين من استيفاء ما يقابله من المنفعة وإذا حصل التمكين فالأجرة مستحقة استوفيت المنفعة أولا.

والإجارة ضربان إجارة عين وإجارة في الذمة.
فالعين يتعلق الحق بها وينفسخ العقد بتلف العين قبل استيفاء المنفعة وتقع المحاسبة.
وأما التي في الذمة فتجوز حالة ومؤجلة ولابد أن تكون معلومة إما بمسافة كركوب الدابة أو الحمل عليها أو اكتراء رسول إلى بلد بعينه أو يكون الفعل متعذرا بنفسه كخياطة القميص أو بضرب مدة ويجب فيها تعجيل أحد الطرفين من الأجرة أو الشروع في الاستيفاء فيخرج عن الدين بالدين.
وموت أحد المتعاقدين لا يوجب فسخ الإجارة ما دام استيفاء المنافع ممكنا.
فصل
وإذا استأجر أرضا للزرع فغرقت سقط كراؤها ولا يسقط بأن لا ينبت زرعها أو بأن لا يسلم من جائحة أو ما عدا الشرب ولا يتعين ما يستوفى به المنافع وإن عين.
وإذا استأجر دابة ليركبها جاز أن يركبها مثله وكذلك إذا استأجرها ليحمل عليها بزافله أن يحمل عليها مافي معناه.
وكذلك ليزرع في الأرض نوعا من الزرع وله أن يزرع ما ضرره كضرره فإن زاد على ذلك ضمن قيمة الزيادة.
وفي الدابة يزيد عليها في المسافة فربها مخير بين كراء الزيادة وبين تضمينه قيمتها يوم التعدي والأجرة الأولى لازمة على كل حال.
والأجرة كالثمن في وجوب انتفاء الجهالة والغرر عنها إلا أنه رخص في الظئر وللأجير أن يستأجر بطعامه وكسوته ويكون له الوسط مما لمثله.

ويجوز أن تكون الأجرة عينا أو منفعة من جنس الشيء المستأجر وغيره مثل أن يستأجر دارا للسكنى دار أخرى أو بخدمة عبدا أو بخياطة ثوب.
وإجارة المشاع جائز منم الشريك وغيره ويجب باستيفاء المنافع في الإجارة الفاسدة أجرة المثل ولا يضمن أجير ما تلف على يده مما سوى الطعام إلا بتفريط.
ولا يضمن الراعي ما هلك من الغنم ولا صاحب الحمام ولا صاحب السفينة إذا غرقت واختلف في كرائه على الراكب إذا عطبت الدابة وقد ضربها أو ساقها على ما يعرف الناس من غير خرق.
ويضمن الصناع الموثرون بصناعتهم كالصائغ والقصار وغيرهما ما سلم إليهم وغابوا عليه عملوه بأجر أو بغير أجر والقول قول الصانع إذا خالفه رب السلعة فيما استأجره عليه.
فصل
والجعل جائز وليس بلازم إلا أن يشرع في العمل ومن شروطه تقدير الأجرة دون العمل ومن ذلك الجعل في المجييء بالآبق والشارد.
فأما مشارطة الطبيب على برء العليل والمعلم على تعليم القرآن فتردد بين الجعل والإجارة.
وكذلك الجعل على استخراج المياه من الآبار والعيون على صفة معلومة من شدة الأرض ولينها وقرب الماء وبعده.

باب القراض
والقراض جائز وصفته أن يدفع الرجل ما لا يتجر به ويبتغي من فضل الله سبحانه ويكون الربح بينهما على ما يتفقان عليه وإن عقده على أن جميع الربح لأحدهما جاز.
ولا يكون رأس المال فيه عرضا ولا غيره سوى الدراهم والدنانير وفي التبر والنقار خلاف.
والقراض عقد خارج عن الأصول وهو مستثنى من أصول ممنوعة وهي الغرر والإجارة المجهولة
وموضوعة الجواز دون اللزوم ولا يجوز التأجيل فيه ولكل واحد منهما تركه إلا أن يتعلق للآخر فيه حق.

ولا يجوز أن ينضم إليه عقد غيره إلا أن يشترط أحدهما الزيادة على صاحبه وله أن يسافر بالمال إلا أن يشترط عليه ترك السفر وليس له أن يبيع بدين إلا أن يؤذن له.
وإذا سافر بالمال فله النفقة الزائدة على نفقة الحضر من المال والخسران على رب المال دون العامل وكذلك ضياع المال إلا أن يكون من العامل تفريط.
وإذا قبض المال ببينة ثم ادعى رفعه لم يقبل منه إلا ببينة وإذا قال قراض وقال ربه سلف فالقول قوله دون العامل وإذا طرأ ربح بعد الخسران فإن لم يكونا تفاصلا لم يكن للعامل شيء إلا بعد إكمال رأس المال وإن كان بعد أن تفاصلا لم يجبر الخسران من هذا الربح وكان له حكم نفسه.
ولا يفسخ العقد بموت أحد المتقارضين ولورثة العامل أن يعملوا بالمال إن كانوا أمناء أو يأتوا بأمين وإن عجزوا أسلموه ولا مقال لربه.
وفي المستحق بالقراض الفاسد روايتان قيل أجرة المثل وقيل قراض المثل وفرق بينهما بأن أجر المثل متعلق بذمة رب المال وقراض المثل يؤخذ من ربح إن كان.
وزكاة رأس المال على رب المال وزكاة الربح تابعة لأصله وتلزم
العامل في حصته بحلول الحول على رأس المال كان ما ناله نصابا أو أقل وأنهما شرط زكاة الربح وحده على صاحبه فإن شرط رب المال على العامل زكاة رأس المال وربح لم يجز.

باب المساقاة وكراء الأرض والمزارعة وما يتبع ذلك
المساقات جائزة في الأصول كلها من النخل والكرم وجميع الشجر وفي الزرع يعجز عنه صاحبه ويجوز في الثمر بعد ظهورها وقبل طيبها واختلف فيها بعد الطيب.
وهي عقد لازم وصفتها أن يدفع الرجل حائطه إلى من يعمل في نخله وشجره ما يصلحه من سقي وإبار وجذاذ وعلوفة دواب وغير ذلك وجميع الكلف والنفعة فيما يحتاج في الثمر على العامل ويكون له جزء من الثمرة يتفقان عليه.
ولا يلزمه عمل ما يبقى بعده كبناء جدار وحفر بئر أو ما أشبه ذلك وانتهاؤها إلى الجذاذ.

والمساقاة على كل أنواع الشجر جائزة وإذا أخرج الحائط خمسة أوسق بين العامل ورب المال ففيه الزكاة وليس لأحدهما زيادة شرط على الآخر كالقراض واشتراط أحدهما الزكاة على الآخر جائز.
وإذا كان في الحائط بياض جاز أن يشترطه العامل لنفسه إن كان قيمة أجرته بقدر ثلث ثمن لثمره بعد وضع قيمة ما يلزم العامل عليها.
وشرط رب الأرض جزءا مما يخرج منها جائز وكذلك من أكثرى دارا يسكنها أو أرضا يزرعها وفيها نخلة أو شجرة فاستثنى ثمرها جاز إن كانت قيمة ثمرتها الثلث فدون ولا يجوز إن زاد على ذلك.
وكراء الأرض للزرع بما عدا الطعام جائز ولا يجوز بالطعام كله كان مما تنبته الأرض أو مما لا تنبته كالسعل واللحم واللبن وغيره ولا ببعض ما تنبته الأرض من غير الطعام كالقطن والكتان والزعفران والمعصفر والجون بالخشب والقصب.
ولا يجوز اشتراط النقد إلا في المأمون منها.
والشركة في الزرع جائزة إذا أمن أن تؤدي إلى ما ذكرناه من المنع أو انتفاء التسأوي فإذا تكافأ في العمل والمؤنة والأرض والبذر جاز.

باب في الشركة
الشركة ضربان بمال أو بدون وضرب آخر غير جائز وهو شركة الوجوه مثل أن يشتركا على الذمم بغير مال ولا صنعة حتى إذا اشتريا شيئا كان في ذمتهما فإذا باعاه اقتسما ربحه فذلك غير جائز.
وشركة المال ضربان عنان ومفاوضة.

فالعنان أن يخرج كل واحد منهما رأس مال ويشترط الربح بقدره ثم يخلطاه مشاهدة أو حكما بأن يكونا في صندوق واحد أو تابوت واحد ويعملان جميعا فيه.
والمفاوضة أن يفوض كل واحد منهما إلى الآخر التصرف مع حضورة وغيبته وتكون يده كيده ولا يكون شركة إلا بما يعقد أن الشركة عليه وكل ذلك جائز.
فأما شركة الأبدان فجائزة ولها شرطان اتفاق الصناعتين والمكان ولا تجوز مع اختلاف الصناعتين كقصار وحداد وإسكاف وخياط ولا أن يكون في صفة واحدة منفردين في مكانين.
وتجوز في الاحتطاب والاصطياد ويجوز أن يكون رأس المال فيها عينا وعرضا وتنعقد على قيمته دون ثمنه كان العرض مما يتميز عينه كالرقيق والحيوان أو مما لا يتميز عينه كالحنطة والشعير.

باب الرهون
معنى الرهن احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفى الحق من ثمنه أو ثمن منافعها عند تعذر أخذه من الغريم مفردة كانت أو مشاعة.
وهو جائز بكل دين لازم أمكن استيفاءه من ثمنه كان الدين من قرض أو بيع أو قيمة متلف أو غير ذلك.
ويصح عقده قبل وجوب الحق وبعده ومقارنا له ويلزم بمجرد القول والقبض شرط في صحته واستدامته وليس بشرط في انعقاده وإذا عقداه قولا لزم وأجبر الراهن على إقباضه للمرتهن.

وإذا تراخى المرتهن في المطالبة به أو رضى بتركه في يده بطل الرهن وإن قبضه ثم رده إلى الراهن بعارية أو وديعة أو استخدام أو ركوب بطل الرهن ويجوز أن يجعلاه على يد أمين يرضيان به.
وضمان الرهن من مرتهنه إن كان مما يغاب عليه إلا أن يقوم بهلاكه بينة وإن كان مما لا يغاب عليه كالعقار والحيوان فضمانه من راهنه وكذلك إن كان على يد أمين.
ونماء الرهن داخل معه إن كان مما لا يتميز عنه كالسمن أو كان نسلا كالولادة والنتاج وما في معناه كغسيل النخل وما عدا ذلك من غلة أو ثمرة أو لبن أو صوف وما أشبه ذلك فلا يدخل فيه إلا أن يشترطه ونفقته على راهنه ومال العبد ليس برهن معه ويثبت رهنا بتقاريرهما ما لم يفلس الراهن.
ولا يقبل إقراره بالإقباض دون معاينة البينة وإذا كان فيه فضل جاز أخذ حق آخر عليه من مرتهنه وكان رهنا بهما ويجوز من غيره بإذن المرتهن الأول واختلف فيه إن لم يأذن.
والرهن متعلق بجملة الحق وبأبعاضه فما بقي جزء منه فهو رهن به.
ولا يجوز غلق الرهن وهو أن يشترط المرتهن أنه يستحقه إن لم يأت به عند أجله وإذا حل الحق وتعذر أخذه من الغريم باعه الوكيل على الراهن واستوفى المرتهن حقه في ثمنه من غير حاجة إلى إذن الحاكم.

ويجوز أن يكون المرتهن وكيلا في بيعه وليس للراهن فسخ والوكالة وإن لم يكن له وكيل فإن المرتهن يثبت حقه عند الحاكم ويرهنه أو يبيعه الحاكم عليه.
وإذا اختلف المراهنات في عين الرهن فالقول قول المرتهن مع يمينه وإذا اختلفا في قدر الحق فلا يخلو الرهن أن يكون باقيا أو تالفا فإن كان باقيا فلا يخلو أن يكون في يد المرتهن أو في يد أمين فإن كان في يد المرتهن حلف على ماادعاه وكان القول قوله في قدر قيمة الرهن ثم حلف الراهن على ما زاد على ذلك ويسقط عنه وإن كان في يد أمين فالقول قول المدعى عليه مع يمينه.
وإذا كان الرهن تالفا فلا يخلو أن يكون اختلافهما في قيمته أو في مقدار الحق أو الأمرين فإن اختلافا في قيمته وتصادقا على مقدار الحق قيل لهما صفا الرهن فإذا وصفاه قوم على تلك الصفة وكان المرتهن قيمتها يقاص بها من دينه ويترادان الفضل.
وإن اختلفا في الصفة فالقول قول المرتهن مع يمينه فإن تصادقا على الصفة واختلفا في قدر الحق كان على ما تقدم من الحكم للمرتهن بقدر قيمته الرهن والتحالف فيما زاد على ذلك.
وإن اختلفا في الأمرين وصفه المرتهن وحلف على صفته وضمنه بقيمة تلك الصفقة.
ومن رهن عبدا ثم أعتقه نفذ عتقه إن كان موسرا وعجل للمرتهن حقه وغن كان معسرا لم ينفذ عتقه وبقى رهنا.
ومن رهن أمة لم يجز له وطؤها وإن وطئها بإذن المرتهن بطل الرهن وإن كان بغير إذنه فإن لم تحمل فهي رهن بحالها وإن حملت كانت أم ولد وعجل

للمرتهن حقه وإن كان معسرا بيعت عليه وقضى الحق من ثمنها وإن وطئها فهو زان ويحد ولا يلحق به الولد ويكون رهنا معها يباح بيعها.
وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن فللمرتهن إجارته وفسخه فإن أجازه بطل حقه في الرهن فإن زعم أن إجازته ليتعجل حقه من الرهن حلف على ذلك وكان له ذلك.

كتاب الحجر والتفليس وما يتصل بهما

مدخل
كتاب الحجر والتفليس وما يتصل بهما
المستحق عليهم الحجر ضربان ضرب يستحق عليهم لحقوقهم والضرب الآخر لحقوق غيرهم فالمستحق عليهم لحقوقهم ضربان صغار وكبار.
فالصغار ذكور وإناث وهم نوعان عقلاء وغير عقلاء فمن له أب فحق الحجر عليه لأبيه فإن عدم فوصيه ثم وصى وصيه فإن لم يكن وصى فالحاكم.
ثم هم نوعان عقلاء وغير عقلاء فغير العقلاء يستدام الحجر عليهم إلى أن يعقلوا والعقلاء ضربان أصاغر وأكابر فالأصاغر يستدام الحجر عليهم حتى يبلغوا ويؤنس منهم الرشد فحينئذ ينفك عنهم الحج وذلك في الغلام بأن يعرف منه إصلاح ماله وحفظه وتأتيه لتنميته والتحرز من تبذيره وإضاعته وإنفاقه في وجوهه ولا تراعى عدالته في دينه أو فسقه إذا كان مصلحا لماله.

وأما في الصغيرة فيراعى مع البلوغ وإصلاح المال أن تتزوج ويدخل بها زوجها.
وحد البلوغ في الذكور ثلاث علامات وفي النساء خمس. فالثلاثة التي يجتمعون فيها الاحتلام والإنبات والانتهاء من السن إلى ما يعلم بالعادة بلوغ من انتهاء إلى مثله وقال أصحابنا مثل ثمانية عشر سنة وما قاربها وما يزيد به الإناث على الذكور شيئان: الحيض والحمل وأما الأكابر فمن كان منهم مبذرا لماله مضيعا له ابتدى الحجر عليه كان ذلك منه لعجز عن إصلاحه أو لتعمد لإضاعته في شهواته فلا يحجر عليه إلا الحاكم ولا ينفك عنه إلا بحكم حاكم.
واما المحجور عليهم لحق غيرهم فأربعة زوجات ومرضى وعبيد ومفلسون فأما الزوجات فكل امرأة ذات زوج فليس لها أن تتصرف في مالها فيما زاد على ثلثه بهبة أو صدقة أو عتق وكل ما ليس بمعأوضة إلا بإذن الزوج فإن فعلت فالأمر للزوج إن أجازه جاز وإن رده فسخ جميعه وقيل ما زاد على الثلث ثم ليس لها التصرف في بقية المال الذي أخرجت ثلثه ولها ذلك في مال آخر إن طرأ لها.
وأما المريض فمحجور عليه لحقوق ورثته إذا كان مرضه مخوفا عليه منه ويلحق بالمريض من كان في حكمه من حصوله في حال يعظم الخوف عليه فيها كالزاحف في الصف والمحبوس للقتل والحامل إذا بلغت ستة أشهر وذلك مذكور في كتاب الوصايا.
وأما العبيد فلساداتهم الحجر عليهم ومنعهم من التصرف في قليل أموالهم وكثيرها بمعأوضة وغيرها كانوا ممن يحفظها أو يضيعها ولسيد العبد أن يأذن له في التجارة ويمنع السيد من انتزاع ماله ويكون دينه في ذمته وفي ماله الذي في يده دون قيمته.
ومن استدان من المحجور عليهم دينا بغير إذن وليه ثم فك حجره لم يلزمه ذلك فيمن حجر عليه لحق نفسه كالسفيه والصغير ولزم فيمن حجر عليه لحق غيره كالعبد يعتق إلا أن يفسخه عنه سيده قبل عتقه.

ولولي المحجور عليه لسفه أو صغر أن يأذن له في التجارة في يسير من ماله يختبره به ويصدق الوصي على ما يذكر من الإنفاق على اليتيم فيما يشبه فإن كان له أم أو حاضنة تمسكه فإن الوصي يدفع إليها نفقته على ما يرى من شهر بشهر أو غير ذلك ويلزمه إقامة البينة على ما يدفعه من ذلك بخلاف ما يتولى إنفاقه بنفسه.
ونفقة الأيتام مختلفة باختلاف أحوالهم وأموالهم فيوسع على من ألف السعة وكان ماله محتملا لذلك في إدامه وكسوته وينفق على أمه إن كانت محتاجة ومن دونه ينفق عليه بالمعروف على قدر ما يحتمله ماله ولا بأس بتأديب اليتيم وضربه إذا احتيج إلى ذلك بالمعروف.
وللولي أن يتجر بماله إذا رأى ذلك حظا له وللناظر في ماله من وصي أو أمين أن يأكل منه بقدر أجرة مثله ولا يقبل قوله في دفع المال إليه بعد بلوغه إلا ببينة بخلاف النفقة.
فصل
فأما المفلس فإذا طلب غرماؤه أو بعضهم الحجر عليه فإن الحاكم يحجر عليه ويمنعه التصرف في ماله وتحل الديون المؤجلة عليه بفلسه ولا يحل ماله من دين مؤجل.
والميت كالمفلس في ذلك كله وتعلق حقوق الغرماء بمال المفلس يختلف فمنهم من يتعلق حقه بمال معين ومنهم من يتعلق حقه مشاعا في جميع أمواله فالأول كالبائع يجد عين سلعته على حالها لم تفت فله الخيار بين أخذها بالثمن الذي باعها به أو تركها والحصاص فإن كان قبض بعض الثمن رده وأخذها وفي الموت لا رجوع له بخلاف الفلس وهو والغرماء أسوة.
والثاني: هو مع سائر الغرماء الذين لا يعرفون أعيان أموالهم فيتسون في المحاصة.
وإذا جمع الحاكم مال المفلس ليبيعه فتلف قبل بيعه فتلفه من المفلس فإن باعه فتلف ثمنه فالتلف من الغرماء وقيل من المفلس وإذا ادعى المديان الفلس.
ولم يعلم صدقة ولا ظهرت أمارة لصدقه لم يقبل منه ويحبس إلى أن ينكشف أمره ومدة الحبس غير مقدرة وهي موكولة إلى اجتهاد

الحاكم فإذا ثبتت عسرته خلى سبيله ولم تكن للغرماء مطالبته ولا إجارته ولا أخذه بعمل صنعة يكتسب منها ولا استئناف بملك إلى أن يوسر وكل دين ثابت في الذمة يستحق المطالبة فإنه يحبس فيه والصناع إذا أقبضوا السلع وأفلس أربابها بأجرتهم فهم أحق بها في الموت والفلس وكذلك مستأجر الأرض للزرع يكون ربها أحق بالزرع والسكنى يكون ربها أحق بما بقى من مدة السكنى.

باب في الصلح والمرافق وإحياء الموات
.
والصلح ضربان معاوضة كالبيع فحكمه حكم البيع فيما يجوز فيه ويمتنع وإسقاط وإبراء ويجوز على الإقرار والإنكار
وافتداء اليمين بشيء يبذله من لزمته جائز وإن علم المبذول له أنه مطالب بغير حق لم يحل له أخذه.
وإحياء الموات على ضربين منهما ما يفتقر إلى إذن الإمام وهو ما كان بقرب العمران بحيث تقع المشاحة ولا تؤمن الخصومة فيها ومنها ما لا يفتقر إلى ذلك وهو ما كان في فيافي الأرض وفلوائها وإحياؤها ما يعلم بالعادة أنه إحياء لمثله من بناء وغراس وحفر بئر وإجراء ماء وغير ذلك من أنواع العمارة وذلك فيما لم يتقدم عليه ملك.
وفيما أحيي ثم خرب ودثر فهو لمن أحياه ثانية وليس لحريم البئر حد إلا الاجتهاد وذلك يختلف باختلاف مواضع الأرض من الصلابة والرخاوة.
ومن أراد أن يحفر بئرا في ملك نفسه ويخاف منه الإضرار بجاره لم يكن له ذلك وقيل إن كان له مندوحة عنه فليس له ذلك وإن لم يكن له مندوحة عنه فله ذلك.
ومن حفر بئرا في ملكه فإن البئر مع الأرض ملك له وله منع الناس منها كسائر أملاكه إلا بعوض إلا أن تنهار بئر جاره وله زرع زرعه على أصل ماء ويخاف عليه التلف فيلزمه أن يدخل له فضل مائه ما دام متشاغلا بإصلاح بئره.

ومن حفر بئرا في بادية فهو أحق بقدر كفايته ثم يكون ما فضل عن ذلك للمسلمين ليس له منعه.
ويستحب لمن سأله جاره أن يغرز خشبة في جداره ألا يمنعه ذلك فإن أبى وشدد لم يحكم عليه فإن أذن له ثم طالبه بالقلع لم يكن له ذلك إلا أن تدعوه الضرورة حاجة إليه.
وللرجل أن يفتح في جداره المنفرد بملكه كوة للضوء إذا لم يتطرف بذلك الى الإشراف على جاره فيمنع حينئذ.
وإذا كان علو الدار لرجل وسفلها للآخر فتنازعا السقف حكم به لصاحب السفلى وكان عليه اصلاحه ولم لشعثه وبناؤه ان انهدم ولصاحب العلو حق الجلوس عليه وان كان فوقه غرفة ثانية فسقفها لصاحب الغرفة الأولى وسقف كل بيت تابع في الملك لسفله.
وإذا تنازعا جدارا بين دارين حكم به لمن يشهد له العرف بأن له فيه من التصرف ما يفعله الملاك في أملاكهم من الرباط ومعاقد القمط ووجوه الآجر واللبن وما أشبه ذلك.
وليس لأحد الشريكين في الحائط أن يتصرف فيه إلا بإذن شريكه.
ومن له حق في إجراء مائه على سطح غيره فنفقة السطح على صاحبه وإذا خيف على المركب الغرق جاز طرح بعض ما فيه من المتاع أذن أربابها أو لم يأذنوا إذا رجى بذلك نجاته وكان المطروح بينهم على قدر أموالهم وإذا اصطدم مركبان في جريهما فانكسرا أو أحدهما فلا ضمان في ذلك.

باب الوديعة والعارية
والوديعة أمانة محضة لا تضمن إلا بالتعدي والقول قول المودع في تلفها على الإطلاق مع يمينه وفي ردها إلا أن يكون قبضها ببينة فلا يقبل منه إلا ببينة.
فليس له أن يودعها غيره إلا من ضرورة ويضمن إن أودعها من غير عذر وليس له أن يسافر بها على وجه إلا أن تكون دفعت إليه في السفر فعرضت له الإقامة فله أن يبعثها مع غيره ولا ضمان عليه.
وإذا أنفقها أو بعضها ثم رد قدر ما أنفق سقط عنه الضمان إلا أن يكون المردود قيمة وقيل الضمان باق.
والعارية تمليك منافع العين بغير عوض وهي أمانة في الرباع والحيوان وما يظهر هلاكه ومضمونه فيما يغاب عليه إلا أن تقوم بينة فإن كانت إلى أجل لم يكن للمعير فيها إلى انقضاء الأجل.
باب التعدي والاستحقاق والغصب وما يتصل بذلك
ومن أتلف مالا لغيره ظلما لزمه بدل ما أتلف.
والأبدال ضربان: مثل المتلف في الخلقة والصورة والجنس وقيمته وذلك لانقسام المتلفات فالمثل يراعى في المكيل والموزون والقيمة تراعى فيما عدا ذلك من سائر العروض والحيوان والاعتبار في القيمة في حال الجناية ثم الجناية ضربان منها ما يبطل قدرا من المنفعة دون جلها والمقصود من العين فهذا يجب فيه ما نقص ومنها ما يذهب بجملتها أو بالمنفعة المقصودة منها والتي لها تراد.
وإن كانت العين باقية ففي إتلاف جملتها تجب القيمة وفي إتلاف المقصود إن شاء أخذ ما نقص وإن شاء أسلمها وأخذ قيمتها كاملا وذلك كالمركوب الذي يجني عليه بما لا يمكنه معه ركوبه.
أما مشاهدة أو عادة وكالعبد الذي يتلف المنفعة المقصودة منه بقطع يده أو عرجه وإن بقيت هناك منافع تابعة غير مقصودة والمغصوب مضمون باليد إلى أن يرده وهو مضمون بقيمته يوم الغصب على أي وجه تلف ولا يبرئه إلا رده ثم لا يخلو رده من ثلاثة أحوال إما أن يرده ناقصا في بدنه أو زائدا فيه أو على الحال التي غصبه عليها فإن رده زائدا في بدنه لزم مالكه أخذه وبريء الغاصب وذلك كالصغير يكبر والعليل يصح والمهزول يسمن وما أشبه ذلك وإن رده ناقصا في

بدنه فالمالك مخير بين أن يسلمه ويضمنه القيمة يوم الغصب وبين أن يأخذه ثم ينظر في ذلك النقص.
فإن كان من قبل الله تعالى لا بفعل من الغاصب لم يكن للمالك اتباع الغاصب بشيء من قبله وإن كان بفعل الغاصب فقيل له اتباعه بالأرش وقيل ليس له إلا أخذه بغير أرش أو إسلامه والرجوع بقيمته يوم الغصب فإن رده بحاله لزمه أخذه.
ولا ضمان على الغاصب في زيادة أن طرأت عنده ثم تلف في بدن أو قيمة ولا له في رده زيادة قيمته بتعلم صنعة أو حوالة سوق.
ولا أجرة على الغاصب في المدة التي يحبس فيها العين المغصوبة من غير انتفاع بها ولا اغتلال
وأما إن انتفع به أو اغتل ففيه خلاف فقيل عليه بدل ذلك وقيل لا بدل عليه وقيل ذلك عليه فيما عدا الحيوان.
وإن غصب ساحة وبني عليها لزمه ردها وإن تلف بناؤه وإن أدرك مالك الأرض وفيها زرع للغاصب فله قلعة إلا أن يكون وقت الزرع قد فات فله الأجرة وقيل له قلعه.
وإذا وجد المغصوب بعد أخذ قيمته كان للغاصب إلا أن يكون أخفاه ويضمن فاتح القفص عن الطير فطار عقيب الفتح أو بعد مهلة.
واختلف في ضمان قيمة ما يتلف على الذمي من خمر أو خنزير على وجه التعدي
فصل
ومن ابتاع أمة فأولدها ثم استحقت فولدها حر وفي أخذها روايتان:
إحداهما: أن للمالك أن يأخذها:

والأخرى: أن يأخذ قيمتها وتكون أم ولد للواطء وفي أخذ قيمة الولد خلاف وإن غرته بأنها حرة فللسيد أخذها وأخذ قيمة الولد إن كان ممن لا يعتق عليه.
فأما الغاصب إذا وطيء الأمة المغصوبة فإن السيد يأخذها وولدها ملكا له ولا يلحق النسب بالغاصب.
ومن بني أرضا أو غرسها ثم جاء مستحقها فلا يخلو الباني والغارس أن يكون غاصبا أو مبتاعا من غاصب أو محييا مواتا.
فأما الغاصب فللمالك أخذه بقلع بنيانه وغرسه أو دفع قيمة إليه مقلوعا بعد حط أجرة القلع.
وأما المبتاع من غاصب فلا يخلو أن يكون عالما بأن البائع غاصب أو غير عالم فإن كان عالما فحكمه حكم الغاصب وإن كان غير عالم فالملك لمالكه ويدفع إلى الباني أو الغارس قيمة العمارة قائمة فإن أبى دفع الآخر إليه قيمة الأرض براحا فإن أبيا كان شريكين بقدر قيمة البراح براحا وقيل العمارة قائمة وحكم المحيي مثل ذلك.

باب الحوالة والحمالة
معنى الحوالة تحويل الحق من ذمة إلى ذمة تبرأ بها الأولي ما لم يكن غارا وفي غيبة الثانية وتشتغل الثانية ويعتبر بها رضا المحيل والمحال دون المحال عليه ولا رجوع فيها وإن تلف الحق إلا بغرور.
وأما الحمالة فمعناها شغل ذمة أخرى بالحق ومعناها ومعنى الكفالة والزعامة والضمان واحد ولا تصح إلا بحق يمكن استيفاؤه من الضامن أو بما يضمن ذلك كالكفالة بالوجه لمن عليه مال تصح الكفالة بما عليه فإن جاء الكفيل به بريء وإن لم يأت به لزمه ما عليه إلا أن يشترط أنه لا يلزمه إلا إحضاره فقط.
فلا يلزم شيء من المال إلا أن يموت المتكفل به فلا يلزم الكفيل شيء شرط أو لم يشترط.

وتصح في المعلوم والمجهول وقبل وجود الحق وبعده وعن الميت والحيي وإن كانت بالمال لم يبرأ الضمين بإحضار الغريم وإن كانت بالوجه بريء بأي الأمرين كان وللطالب أخذ الضمين عند تعذر أخذ الحق من الغريم وفيه مع القدرة على الغريم خلاف.

باب في الوكالة
كل حق جازت فيه النيابة جازت الوكالة فيه كالبيع والشراء والإجارة واقتضاء الديون وخصومة
الخصم والتزويج والطلاق وغير ذلك وهي جائزة من الحاضر والغائب مع حضور الخصم وغيبته.
وهي من العقود الجائزة وليس للوكيل أن يتصرف بعد علمه بعزل الموكل له وتصرفه باطل يضمن به ما أتلف وفي ضمانه بالتصرف بعد العزل وقبل العلم خلاف.
ويجوز إطلاق الوكالة في البيع ومقتضي ذلك ثمن المثل نقدا بنقد البلد وإن كان هو المشتري جاز وكذلك في الشراء يقتضي الإطلاق ثمن المثل فإن كانت في شراء جارية للخدمة أو للوطء أو تزويج أو غير ذلك لزم منه ما يشبه دون ما لا يشبه.
والوكيل مؤتمن فيما بينه وبين موكله والقول قوله في رد ما أودعه أو أمره بالتصرف فيه أو دفعه إليه من ديون قبضها له ثبت قبضه لها ببينة فادعى تسليمها إلى الموكل أو ضياعها فإن لم يكن إلا إقراره أو إقرار الغريم فإن الغريم لا يبرأ إلا ببينة على دفع ذلك إلى الوكيل وإذا وكله بأن يقضي عنه دينا أو يودع له مالا لم يكن له بأن يدفع ذلك إلا ببينة فإن دفعه بغير بينة ضمن إلا أن يقر المدفوع إليه.
باب الإقرار
المقربة ضربان حق الله تعالى وحق الآدمي.

باب اللقطة والضوال وإلاباق
ويستحق لواجد اللقطة أن يأخذها بنية حفظها إن كانت مما لها خطر وبال وتعرف سنة في الموضع الذي أصابها فيه وما يقرب منه فإن جاء من يعرف عفاصها ووكاءها وادعاها سلمت إليه وإن مضت

سنة ولم يأت من يطلبها فإن شاء الملتقط تركها في يده أمانة وإن شاء تصدق بها بشرط الضمان
فإن شاء تملكها على كراهة منا لذلك وأما الطعام الرطب وما يفسد بتركه فإن شاء تصدق به أو أكله وضمنه إن كان في موضع له قيمة.
وأما الضوال فإن كانت من الإبل تركها ولم يتعرض لها وإن كانت من الغنم أخذها إن كانت بقرب قرية أو موضع يضمها إليها وإن كانت بمفازة لا يؤمن عليها الذئب والهلاك فإن شاء تركها وإن شاء أكلها ولا ضمان عليه وإذا أخذ الملتقط ثم ردها ضمنها إن كان أخذها بنية الالتقاط وإن كان ليتأملها وينظر هل يأخذها أم لا فلا شيء عليه.

كتاب الشفعة والقسمة
ولا شفعة إلا في عقار وما يتصل به وما تجب فيه الشفعة ثلاثة أنواع:
أحدها: مقصود لنفسه وهو العقار من الدور والحوانيت والبساتين.
والثاني: تابع لغيره وهو ما يتعلق بالعقار مما هو ثابت فيه لا ينقل ولا يحول وذلك كالبئر وفحل النخل.
وتجب الشفعة فيه ما دام أصله على صفة تجب فيه الشفعة وهو أن يكون مشاعا غير مقسوم فإن قسم أصله فلا شفعة في تبعه.
والثالث مشبه بهذا وهو ما يتعلق الضرر بالشركة فيه كالثمار وكراء الأرض للزرع وكتابة المكاتب وما أشبه ذلك.
وتجب الشفعة بالخلطة ولا تجب في مقسوم ولا شفعة في سائر العروض والحيوان والرقيق.
وما يعتبر في انتقال الملك الذي تجب به الشفعة فيه روايتان:
إحداهما: أن يكون بعوض وذلك كالبيع والصلح والمهر وغير ذلك.
والأخرى أن يكون باختيار وفائدة الفرق يتصور في الهبة والصدقة فأما الميراث فمجمع على أن لا شفعة فيه ولا تجب إلا بشركة في رقبة الملك دون حق من حقوقه كالممر أو سيل الماء أو طريق إلى علو وما أشبه ذلك وهي على قدر الحصص.

والشريك الأخص أولى من الشريك الأعم وذلك كأهل المورث الواحد يتشافعون بينهم دون الشركاء الأجانب ثم أهل السهام أولى من بقية أهل الميراث.
وتجب الشفعة بمثل العوض وصفته إن كان من الأثمان أو مما يكال أو يوزن وبقيمته إن كان من غير ذلك وبقيمة الشقص إن كان في مهر أو دم عمد وليس للشفيع تبعيض الصفقة وإن سلم بقيمة الشفعاء إلا أن تجمع الصفقة ما فيه الشفعة وما لا شفعة فيه فلا يلزمه إلا ما فيه الشفعة ولا تبطل الشفعة إلا بتركها أو ما يدل على الترك أو أن يأتي من طول المدة ما يعلم معه أنه تارك.
ولا تجب إلا بعد تمام البيع واستقراره وهي موروث كسائر الحقوق وإذا بني المشتري أو غرس لم يكن للشفيع أن يأخذ بالشفعة إلا مع قيمة البنيان أو الغراس.
وإذا اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه إذا أتى بما يشبه ومن أتى منهما بما لا يشبه فالقول قول من أتى بما يشبه.
وإذا بيع الشقص بثمن إلى أجل فإن وثق المشتري بالشفيع وإلا أتاه بثقة ملي ويوضع عن الشفيع ما حط عن المشتري من الثمن مما يشبه دون ما زاد عليه.
وفي الحمام وغيره مما لا ينقسم إلا بعد إتلاف صفته روايتان.

فصل
الأعيان ضربان منها ما تنقسم أنواعه دون أعيانه ومنها ما تنقسم أنواعه وأعيانه فالأول كالثوب والدابة والعبد والسفينة وما في حكم العين الواحدة كالخف والنعل والباب وما لا يجوز إفراده.
وإذا تشاح الشريكان في عين من هذه الأعيان ولم يتراضيا بالانتفاع به على الشياع وأراد أحدهما بالبيع فإن أجابه الآخر وإلا أجبر على البيع معه ثم له أخذ حصته بما دفع به إلا أن يختار الشريك بيع حصته مشاعا فلا يلزمه الآخر ببيع حصته معه وإن اختارا أن يتقأوما رقبة المبيع فمن زاد منها على صاحبه أخذه.
وأما النوع الثاني وهو ما ينقسم أعيانه فإنه يقسم ما لم يعد بالضرر وإتلاف حصة أحد الشركاء والقسمة على ثلاثة أضرب مهايأة وهي أن يتهيأ الشريكان بأن يسكن أحدهما دارا والآخر أخرى أو يزرع أحدهما بستانا والآخر غيره فهذه جائزة غير واجبة.
وقسمة بيع وصفتها قريبة من هذه وهي أن يأخذ أحد الشركاء دارا والآخر أخرى.
والنوع الثالث: قسمة قيمة وتعديل ووجهها أن تقسم الفريضة على ما تصح منه فإن اختلفت قيمة الأرض لاختلاف ما فيها من نخل أو شجر أو سبط عدلت بالقيمة على أقل السهام فإن تراضوا على بعض الأطراف وإلا أسهم عليه وصفة

ذلك أن تكتب أسماؤهم في رقاع وتجعل في طين أو شمع ثم ترمى كل رقعة في جهة فمن حصل اسمه في جهة أخذ حقه متصلا في تلك الجهة وقيل تكتب الأسماء والجهات ثم يخرج أول بندقة من الأسماء ثم أول بندقة من الجهات فيعطي من خرج اسمه نصيبه في تلك الجهة.
وإذا أراد بعض الورثة قسمة دور أو دكاكين أو بساتين في كل عين منها وأراد الباقون أن يجمع حظ كل واحد في عين ينفرد بها فينظر في ذلك فإن تسأوت منافعها أو تقاربت واتصلت مواضعها وتقاربت رغبة الناس فيها قسمة على العدد وإن تباينت في ذلك أو في بعضه قسمت كل عين على انفرادها.
وكل ما يحتمل القسمة ولكن تبطل صفته التي هو عليها ففي قسمته روايتان وذلك كالحمام والرحى وأجرة القسام على الرؤوس.
وإذا طلب القسمة بعض أهل سهم قسم لأهل السهام كلهم ثم استؤنف القسم بينهم.
فصل
والصغير مسلم بإسلام أبيه ولا يتبع أمه في الإسلام فقال ابن وهب من أسلم من أبويه نتبعه ومن أنفق على لقيط كان متطوعا وليس له أن يبتديء الإنفاق بشرط إتباعه استأذن الإمام أو لم يستأذن.

كتاب الجنايات وموجباتها من قصاص ودية وما يتصل بذلك من أحكامها
القصاص واجب في القتل وما دونه من الجراح في الجملة ولوجوبه في القتل ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون دم المقتول غير ناقص عن دم القاتل بأن يكون مكافئا له أو زائدا عليه.
والثاني: أن يكون القتل عمدا محضا لا شبهة فيه.
والثالث: أن يكون القتل طارئا على من حياته معلومة متيقنة وتكافؤ الدماء يعتبر بأمرين:
أحدهما: مسأواة المقتول للقاتل في الحرمة أو زيادته عليه ونريد بالحرمة ما يرجع إلى الحرية والرق وأحكامهما.
والآخر: مسأواته له في الدين أو زيادته عليه ولا يراعى في القاتل أن يكون دمه مكافأ لدم المقتول أو ناقصا عنه وإنما يراعى ألا يزيد عليه.
وتفصيل هذه الجملة أن الحر لا يقتل بعبد ولا بمن بعضه رق ولا بمن فيه عقد من عقود العتق من مكاتب أو مدبر أو أم ولد أو معتق بعضه إلى أجل ويقتل كل هؤلاء بالحر.
ولا يقتل مسلم بكافر قصاصا ذميا كان أو معاهدا أو مستأمنا كتابيا أو غير كتابي ويقتل كل هؤلاء بالمسلم.

وكل ما لا يقتص لهم من الحر لنقصان حرمتهم بالرق فدماؤهم متكافئة يقتص بعضهم من بعض وإن رجح أحدهم علي الآخر بعقد من عقود العتق أو بحصول بعض الحرية ما لم يكن حرا كامل الحرية فيخرج حينئذ أن يكون دمه مكافئا لدم من قصر عنه.
وكل من لا يقتص له من مسلم لنقصان عنه من في الدين فيقتص بعضهم من بعض وإن اختلف مللهم وأحكامهم.
وإذا صادف القتل تكافؤ الدماء بين القاتل والمقتول لم يسقط القصاص بزواله من بعد كنصرانيين قتل أحدهما الآخر فأسلم القاتل قبل القصاص وكذلك العبدان.
وليس من شرط تكافؤ الدماء انتفاء القرابة ولا العصبية ولا تسأوي القاتل والمقتول في أعداد النفوس ولا في صفة الخلقة أو نوعها أو صحتها أو السن.
وبيان ذلك أن القصاص واجب بين الأقارب كوجوبه بين الأجانب يقتص للأعلى من الأدنى والأدنى من الأعلى وللمتسأويين فيها فيقتل الأخ بأخيه والعم بابن أخيه وابن الأخ بعمه والأب بابنه والجد بابن ابنه وابن الابن بجده والخال بابن أخته وابن الأخت بخاله وأحد الزوجين بالآخر إلا أنه يراعى في قتل الأب بابنه أن يكون القتل عمدا محضا لا شبهة فيه ولا احتمال كإضجاعه وذبحه وما أشبه ذلك.
فأما المحتمل لمحض العمد بأن يكون أراد أدبه أو ما أشبه ذلك مما لا يكون عذرا في الأجنبي فإنه يكون عذرا في حق الأب فيسقط به عنه القود وتجب الدية مغلظة في ماله والأم في ذلك كالأب وقيل يراعى في الجد مثل ذلك.

وأما الأعداد فإن الجماعة تقتل بالواحد ويقتل الواحد بها إلا أن يكون القتل ثبت بقسامة فلا يقتل بها إلا واحد على ما نذكره.
وأما صفة الخلقة وغيرها فكالذكر والأنثى والأسود والأبيض والكبير والصغير والأعمى والبصير والأقطع والصحيح والمريض الذي لم يبلغ السياق كل هؤلاء يقتل بعضهم ببعض.
وأما تسأوي الديات وتفاضلها فلا عبرة به كالرجل والمرأة والكتابي والمجوسي فهذا جملة ما في تكافؤ الدماء.
فصل
وأما قتل العمد المراعى في وجوب القصاص فهو ما خالف الخطأ واختلف في أنواع القتل فقيل هو نوعان عمد محض وخطأ محض وقيل ثلاثة أنواع زيد فيه شبه العمد.
فأما العمد فيجمعه وصفان:
أحدهما: قصد إتلاف النفس.
والآخر: أن يكون بآله تقتل غالبا من محدد أو مثقل أو بإصابة المقاتل كعصر الأنثيين وشدة الضغط والخنق ويلحق بذلك الممسك لغيره على من يريد قتله عمدا عالما بذلك فيلزمه القود كالذابح.
وأما إن حصل أحدهما مع عدم الآخر مثل أن يقصد الضرب دون القتل فيحصل عنده القتل أو أن يقصد الإتلاف بما لا يقتل مثله غالبا فيتلف عنده النفس فذلك عند من يراعى شبه العمد عمد محض وعند من يراعى شبه عمد لا قصاص فيه.

فأما المكره لغيره فلا يخلو أن يكون ممن تلزم المكره طاعته كالسلطان والسيد لعبده فالقود في ذلك لازم لهما أو أن يكون ممن لا يلزمه ذلك فيقتل المباشر دون الآخر.
ولا يسقط القود في قتل العمد بأن يشارك في الدم من لا يقود عليه أو من لاقود عليه أو من لاقود بفعله كالكبير والصغير والعامد والمخطئ والعاقل والمجنون.
بل يجب القود في ذلك على من يلزمه إذا انفرد وإن سقط عن مشاركة والسكران كالصاحي في ما يلزم بقتل العمد من قود وغيره.
وأما علم حياة المقتول فلأن الجنين إذا سقط ميتا بضرب من ضرب أمه فلا قصاص فيه لأن حياته لم تكن معلومة.
فصل
وأما ما دون النفس فضربان قطع وجرح فالقطع معروف وهو إزالة عضو أو بعضه والجراح ضربان ضرب فيه القصاص وضرب لا قصاص فيه وجملتها إحدى عشرة:
أولها الدامية: وهي التي تدمي الجلد.
ثم الخارصة: وهي التي تشقه.
ثم السمحاق: وهي التي تكشفه.
ثم الباضعة: وهي تبضع اللحم.
ثم المتلاحمة: وهي التي تقطع اللحم في عدة مواضع.
ثم الملطأة: وهي التي يبقى بينها وبين انكشاف العظم ستر رقيق.
ثم الموضحة: وهي التي توضح عن العظم.
ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم.
ثم المنقلة: وهي التي يطير فراش العظم منها مع الدواء.

ثم المأمومة: وهي التي تخرق إلى أم الدماغ ويقال لها أيضا الأمة والجائغة وهي التي تصل إلى الجوف.
ويراعى في وجوب القود بكل ذلك أربعة شروط:
أحدها: تكافؤ الدماء ولا يخلو ذلك من ثلاثة أحوال أحدها أن يوجد التكافؤ من الطرفين كالحر يجرح الحر أو العبد يجرح العبد فهذا لا خلاف في وجوب القصاص فيه.
والثاني: أن يكون دم الجارح مكافئا لدم المجروح ودم المجروح غير مكافيء لدم الجارح فهذا لا قصاص فيه كالحر يقطع يد عبد والمسلم يقطع يد كافر.
والثالث: عكسه وهو أن يكون دم المجروح مكافئا لدم الجارح ودم الجارح غير مكافيء لدم المجروح كمسلم يقطع يده كافر وحر يقطع يده عبد فقيل في هذين لا قصاص فيه لأن المراعي التكافؤ من الطرفين وقيل يجب القصاص كالقتل وهذا أقيس والأول أظهر من المذهب.
والثاني: أن يكون الجرح لا يعظم الخطر فيه ولا يغلب الخوف منه على النفس كالموضحة فما قبلها فإن كان مما يغلب خوفه ويعظم خطره فلا قصاص فيه وفيه الدية حالة في مال الجاني وذلك كالمأمومة والجائفة والمنقلة على خلاف فيها خاصة.

والثالث: أن يكون مما تأتي فيه المماثلة فإن تعذرت لم يجب القود وذلك يكون بثلاثة شروط:
أحدها: يعود إلى الفعل كالشلل وما يضطرب من الكسر وكذهاب بعض البصر والسمع وقطع ما يمنع بعض الكلام من اللسان وما أشبه ذلك.
والثاني: يعود إلى فقد المحل كالأعمى يقلع عين بصير والأقطع يقطع يد الصحيح.
والثالث: يعود إلى عارض يمنعها مع إمكانها قبل حصولها وذلك كعفو بعض الأولياء فيتعذر القود بتعذر تمييز حقه ثم عدنا إلى أصل التقسيم فقلنا.
والرابع: ألا يتعقبه قتل المجروح أو غيره فيجب حينئذ القود في النفس وسقط حكم الجرح إلا أن يكون قصد التمثيل بالمقتول فيجرح ثم يقتل.
واختلف في الواجب بقتل العمد فقيل القصاص فقط ولا تجب الدية إلا بالتراضي وقيل يخير ولي الدم بين القود والدية.
ويجب القصاص في الحل والحرم وقع القتل فيه أو في غيره ولجأ إليه ولا يقاد من قطع أو جرح إلا بعد اندماله فإن اندمل واقفا على قدر الجناية لا زائدا عليها فالقصاص واجب وإن ترامى إلى زيادة عليه فلا يخلو أن يبلغ النفس أو ما دونها فإن بلغ دونها اقتص من عينه دون سرايته ثم لا يخلو اندمال القصاص أن يكون بقدر الجناية وسرايتها فإن كان ذلك فقد استوفى المقتص حقه أو يكون قاصرا عنها فللمجروح ما بينهما.
أو أن يكون زائدا عليها فالزائد هدر كانت النفس أو دونها.
وإن بلغت الجناية النفس فلا يخلو أن يكون ذلك في الحال أو بعد زمان فإن كان في الحال وجب القصاص في النفس وسقط حكم الجرح وإن كان بعد أيام وجب القتل بقسامة وكل هذا في العمد.
فأما إن كان أصل الجناية خطأ فلا قود فيها ولا في سرايتها وفيها الدية ومقدار ما يجب منها معتبر بالجرح ولا يخلو من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يندمل على موضع الجناية ففيه دية تلك الجناية أو الحكومة إن لم يكن فيها شيء مسمى.

والآخر أن يرى إلى زيادة فلا يخلو أن يكون إلى النفس أو دونها فإن كان إلى النفس فلا يخلو أن يكون في الحال أو بعدها فإن كان في الحال ففيه الدية بغير قسامة وإن كان بعد أيام ففيه الدية بقسامه وإن كانت السراية إلى ما دون النفس فلا يخلو أن يسري إلى ما يتفرع عن الجناية أو إلى أجنبي منها فالأول كالموضحة تصير منقلة ففيها دية منقلة والثاني كالموضحة تقضي إلى ذهاب البصر أو السمع ففيها ديتان دية الجناية ودية السراية.
والمماثلة في القصاص معتبرة في ثلاثة أشياء:
أحدها: في صفة الفعل كالجراح أو القطع.
والثاني: في الحل كاليمنى واليسرى والرأس وغيره.
والثالث: فيما يستوفى به القصاص وهو الآلة كالمحدد والمثقل والنار والتغريق وما أشبه ذلك إلا موضعين:
أحدهما: أن يكون بمعصية كاللواط أو ما في معناه فيقتصر به على السيف أو أن يكون الآلة معذبة كالعصى التي تحتاج إلى الإكثار من الضرب بها أو السكين الكالة فيعدل على ما هو أوحي ولا يراعى في ذلك الزمان ولا الحال إلا أن يعرض ما يوجب مراعاته وهو في ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يخاف على المقتص منه التلف بالقطع في شدة البرد أو ما أشبه.
والآخر" أن يكون مريضا يخاف تلفه فيؤخر إلى برئه
والثالث: أن تكون حاملا فتؤخر إلى وضعها.
فصل
والواجب بالقتل وما دونه من الجراح ثلاثة أشياء القصاص والدية والحكومة فالقصاص في العمد المحض على الشروط التي ذكرناها.

والدية في أربعة مواضع:
أحدها: الخطأ المحض
والثاني: العمد المحض إذا تعذر القود.
والثالث: في فعل الأب بابنه مما لا قصاص فيه ويلحق بذلك شبه العمد عند من أثبته.
والرابع: فيما لا قود فيه من جراح العمد ومثله من الجناية على النفس المضمونة بالدية وذلك في موضعين:
أحدهما: ابتداء والآخر إسقاطها بعد وجوبها.
فالابتداء كالمسلم يقتل الكافر وجرح المنقلة والمأمومة والجائفة والثاني عفو بعض الأولياء في العمد الذي فيه القصاص أو الدية ثلاثة أنواع إبل وذهب وفضة ويؤخذ كل نوع منها من أهله الذي يكون غالب أموالهم لا يؤخذ سوى هذه.
وأماالدية الخطأ ففي النفس مائة من الإبل أخماس خمس بنات مخاض "وخمس بنات لبون" وخمس بنون اللبون وخمس حقاق وخمس جذاع وهي من الذهب ألف دينار ومن الورث أثنا عشر ألف درهم.
وأما دية العمد المحض فهي من الإبل أرباع ينقص منها عن الخطأ بنو اللبون وهما في الذهب والورق متسأويان.
وأما دية شبه العمد أو مثل فعل المدلجى بابنه فإنها مغلظة وهي في الإبل ثلاثة أنواع: ثلاثة حقة وثلاثون جذعة وأربعون خليفة وهي الحوامل وفي تغليظها على غير أهل الإبل روايتان:
إحداهما: نفية.
والأخرى: إثباته وفي كيفية تغليظها إذا أثبتناه روايتان:
إحداهما أنها تؤخذ قيمة الإبل المغلظة بلغت ما بلغت إلا أن تنقص عن دية الذهب أو الورق.
وتغلظ في الجروح والأخرى أنه ينظر قدر ما بين دية الخطأ والتغليظ فيجعل جزءا زائدا على دية الذهب والورق.
وتغلظ في الجرح كالقتل إذا كان مما فيه القود وتحمل العاقلة دية الخطأ وتحمل مما دون النفس ما بلغ الثلث فصاعدا وما دون ذلك ففي مال الجاني.

والاعتبار بثلث دية المجروح وقيل غيره وتنجم الدية الكاملة على العاقلة في ثلاث سنين وما دونها مختلف فيه قيل حالة وقيل منجمة والعاقلة العصبة الأقرب فالأقرب فيدخل فيهاالأب والابن ومن بعدت عنه قبيلته أخذ من أقرب القبائل إليها وإن عجزت ضم إليها الأقرب فالأقرب ومن لا عاقلة له ففي بيت المال.
واختلف في جراح العمد الذي لا قود فيه أوفى مثل فعل الأب بابنه فقيل في مال الجاني حالة وقيل على العاقلة حالة.
ومن قتل نفسه فدمه هدر ولا تحمله عاقلة ولا غيرها.
فصل
والدية تختلف باختلاف حرمة المقتول ودينه فدية المسلم الذكر هي الدية الكاملة وقد بيناها ودية المرأة المسلمة نصفها ودية الكتابي الذكر كدية المرأة ودية إناثهم نصف دية ذكورهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم ودية إناثهم على النصف من دية ذكورهم.
وفي أعضائهم وجراحهم بقدرها من دياتهم كالمسلمين وذلك يفصل فيا بعد.
وليس في شيء من الجراح دية إلا في أربع وهي الموضحة ففيها نصف عشر الدية وهي خمس من الإبل والمنقلة ففيها عشر ونصف عشر الدية وهي خمس عشر من الإبل والمأمومة والجائفة ففي كل واحدة منهما ثلث دية وما سوى ذلك من الجراح ففيه حكومة وكل زوج من البدن ففيه دية كاملة وفي الفرد منه نصف الدية وذلك العينان والشفتان واليدان والرجلان وثديا المرأة وإليتاها.
وفي أشراف الأذنين خلاف.
قيل: الدية وقيل حكومة وتجب الدية في العينين بذهاب البصر وفي ذهابه من إحدهما نصف الدية إلا من الأعور ففي عينه الدية كاملة وفي ذهاب بعض البصر بحسابه.
واختباره بأن يعرف نهاية ما ينظر بعينه الصحيحة فتسد ثم ينظر نهاية ما ينظر به من العين المصابة ثم يقاس إحداهما بالأخرى وإذا عرف قدر النقص كان فيه بحسابه.
وفي ذهاب السمع الدية وفيه من أحد الجهتين نصف الدية وفي نقصه ومن إحداهما أو كلتيهما بحسابه واختبار ذلك بأن يصاح به من الجهة السليمة

فإذا سمع بعد الصياح عنه ثم صاح به إلى أن ينتهي سماعه فإذا عرف ذلك صيح به من الجهة الأخرى فإذا انتهى موضع سماعه قيس سماعه بالجهة السليمة فإذا عرف قدر النقص كان فيه بحسابه.
وتجب الدية في اليدين قطعت من المنكب أو من المرافق أو الكوع أو قطعت الأصابع فقط ولو قطعت الأصابع وحدها كان فيها ما في القطع من المنكب ثم قطع بعد ذلك ففيه الحكومة وكذلك الرجلان قطعهما من الفخذين كقطع أصابعهما ثم قطع بعد ذلك ففيه حكومة وفي كل أصبع من أصابع اليد أو الرجل عشر من الإبل وفي كل أنملة ثلاثة أباعر وثلث ألا في الإبهام ففي كل أنملة خمسة أباعر لأنهما أنملتان وفي قطع بعض الأصابع بحساب الأنمله.
وتجب الدية في الثدي بإبطال مخرج اللبن ثم بعد ذلك حكومة وفي العقل الدية وفي الشم إذا ذهب بقطع الأنف أو بعضه الدية وفي قطع الأنف مستوعبا من أصل المارن ومن العظم دية كاملة ذهب الشم أو بقى.
وفي ذهاب أحدهما بعد الآخر دية كاملة وفي ذهابهما في ضربة واحدة دية واحدة وفي قطع بعض الأنف بحسابه من المارن.
وفي كسر الصلب الدية وفي اللسان الدية فأما قطع بعضه فإن منع جملة الكلام ففيه الدية وفي منع بعضه بحسابه وفي الذكر الدية وفي الأنثيين الدية وذلك إذا قطعا معا في ضربة واحدة وفي قطع أحدهما بعد اندمال الآخر حكومة فإذا كان في قطع واحد ففيه روايتان:
واقل ما تجب فيه الدية قطع الخشفة وفي بعضها بحسابه ثم باق الذكر حكومة.
وفي كل واحد من الأسنان والأضراس خمس من الإبل وتتم دية السن بإسودادها ثم في قطعها بعد إسودادها دية أيضا وكل ما فيه جمال منفرد عن منفعة أصل ففيه حكومة كالحاجبين وذهاب شعر اللحية وشعر الرأس وثدي الرجل وأليته.
وصفة الحكومة أن يقوم المجني عليه لو كان عبدا سليما ثم يقوم مع الجناية فما نقص من قيمته جعل جزاء من ديته بالغا ما بلغ.
وفي لسان الأخرس وذكر الخصي واليد واليد الشلاء حكومة.

فصل
وتجب بالجناية على العبد قيمته لا دية وهي في مال الجاني أو في ذمته دون عاقلته ففي نفسه قيمته وقت قتله بالغة ما بلغت وفيما دون ذلك من أعضائه وجراحاته ما نقص من قيمته إلا في الشجاج الأربع وهي الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة ففي كل واحد منهما من قيمته بحساب ما في الحر من ديته.
وإذا جنى العبد فقتل حرا أو عبدا فولي الجاني بالخيار إن شاء أسلمه فصار ملكا للمجني عليه وإن كانت قيمته أضعاف أرش الجناية وإن شاء افتداه بأرش الجناية.
ويضمن السائق والقائد والراكب إلاأن تكون الجناية بغير صنع منهم وما تلف بمعدن أو بئر بهيمة لم يفرط صاحبها في حفظها فذلك هدر فلا شيء فيه.
فصل
والحكم بالقسامة واجب وهو على ضربين في عمد وفي الخطأ وإذا ثبت الدعوى ففي العمد القود وفي الخطأ الدية وللحكم بها شروط:

أحدها: أن يدعي الدم على من لايعرف قاتله ببينة ولا بإقرار من يدعي عليه فأما إن علم ببينة أو بالإقرار بعد الدعوى عليه فإنه يقتل بغير قسامة.
والثاني: أن يكون المقتول حرا مسلما وإن كان عبدا مسلما أو ذميا فلا قسامة فيه.
والثالث: أن يكون في قتل فإن كان في جرح فلا قسامة.
والرابع: أن يكون للأولياء لوث يقوي دعواهم واللوث أشياء منها الشاهد الواحد العدل على رؤية القتل وفي شهادة من لا نعلم عدالته أو العدل يرى المقتول يتشحط في دمه والمتهم نحوه أو قربه وعليه آثار القتل خلاف.
ومنها أن يقول المقتول في العمد دمي عند فلان وفي كون ذلك لوثا في الخطأ روايتان وفي شهادة النساء والعبيد خلاف ثم عدنا إلى أصل التقسيم فقلنا:
والخامس: أن يتفق الأولياء على ثبوت القتل في العمد فإن اختلفوا فلا قسامة فأما في الخطأ إذا ادعاه بعضهم ولم يدعه الباقون فقال مالك إن المدعين يقسمون ويأخذون حقوقهم من الدية.
والسادس: في العمد أن يكون ولاة الدم اثنين فصاعدا فإن كان واحدا لم يقسم إلا أن يعينه عمن عصبته من يحلف معه وإن لم تكن له ولاية كالابن يستعين بعمومته وأما في الخطأ فيقسم الواحد.
والسابع أن يكون الأولياء في العمد رجالا عقلاء بالغين فإن لم يكن إلا نساء فلا قسامة.

وإذا حصل اللوث بدئ بأولياء الدم فحلفوا خمسين يمينا تردد الأيمان عليهم فإن زادوا على الخمسين فقيل يكفي خمسون وقيل يحلف كل واحد يمينا واحدة ولهم أن يستعينوا من عصبته الميت بمن يحلف معهم وإن لم تكن له ولاية معهم في الدم ويكمل كسر اليمين على من عليه أكثرها.
ونكول المستعان بهم غير مؤثر إذا بقي من ولاة الدم اثنان فصاعدا فإن نكل بعض ولاة الدم فللباقين أن يحلفوا ويأخذوا حقوقهم من الدية وقيل: ترد اليمان علي المعي عليه وإن نكل لزمته الدية في ماله وقيل: يحبس إلي أن يحلف.
وإذا عفي بعض الولياء بعد القسامة إلا واحد ويضرب من بقي مائة ويحبس سنة وتقسم الدية بين الورثة كسائر التركة علي أي أنواع القتل وجبت.
ودية الجنين موروثة والجنة خمسة أنواع:
جنين حرة ففيه غرة أو أو وليدة تقوم بعشر دية أمة وهي خمسون دينارا أو ستمائة درهم.
وجنين كتابية حرة من زوجها المسلم ففيه نصف عشر دية أبيه مثل ما في جنين الحرة المسلمة.
وجنين حرة كافرة من زوجها الكافر ففيه ديتها إن ارتفعوا إلينا.
وجنين أمة من سيدها الميلم الحر ففيه مثل ما في جنين الحرة.
وجنين أمة من غير سيدها ففيه عشر قيمتها وهذا كله إذا انفصل منها ميتا فإن انفصل صارخا ثم مات ففيه الدية بكمالها ولو ماتت الأم ثم خرج الجنين ميتا بعد موتها لم يكن فيه شيء.

فصل
وتجب الكفارة في قتل الخطأ دون غيره كان القتل بانفراد أو اشتراك إذا كان المقتول مؤمنا حرا وهي إعتاق وصيام فالإعتاق تحرير رقبة مؤمنة والصيام صوم شهرين متتابعين.
فصل
والردة محبطة للعمل بنفسها من غير وقوف على موت المرتد ويستتاب ثلاثة فإن تاب قبل منه وإن أبى قتل وكان ماله فيئا غير موروث ملكه قبل الردة أو بعدها ولا يلزمه إن تاب قضاء شيء مما ترك من صلاة أو صوم أو غير ذلك من حقوق الله تعالى وعليه استئناف الحج.
والزنديق الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام يقتل ولا تقبل توبته.
ولا يعترض الكافر إذا انتقل إلى ملة أخرى من ملل الكفر مما لو كان عليه في الابتداء لأقر عليه.
ولا تقبل توبة الساحر ويقتل إن عمله بنفسه.
وإذا فاءت الفئة الباغية لم تتبع بما استهلكت من مال أو دم وكذلك لو نصب المرتدون رأيه في الحرب وقاتلوا ثم تابوا بعد أن قاتلوا وأتلفوا أموالا ومن قتل من الفئة الباغية غسل وصلى عليه.
ويقام على المحارب إذا أخذ قبل التوبة حد الحرابة وهو القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف أو النفي والحبس وذلك موكول إلى اجتهاد الحاكم على ما يراه أردع له ولأمثاله.

ويسقط عنه إن جاء تائبا قبل القدرة عليه حقوق الله ويؤخذ بحقوق الآدميين ويقتل فيها المسلم بكافر والحر بالعبد ولا يراعى تكافؤ الدماء.
وصفة المحارب هو القاطع للطريق المخيف للسبيل الشاهر للسلاح المقاتل على المال برا أو بحرا وحكم اللص حكمه.
ولا عفو في الحرابة لولي الدم وللمطلوب ماله أن يمانع عنه فإن آل إلى قتل من يطلبه فهو هدر وإن قتل المطلوب فأجره على الله وللرجل أن يدفع عن نفسه ما يصول عليه من إنسان أو بهيمة ولا ضمان عليه فيما يئول أمره إليه وفي تضمين الطبيب ما أتى على يده مما لم يقصده روايتان:
ومن حفر بئرا في موضع ليس له حفرها فيه ضمن ما أصيب بها وكذلك ممسك الكلب العقور وواقف الدابة بحيث لا يجوز له أن يقفها فيه.
ويضمن أرباب المواشي ما أفسدته في الليل دون النهار.

كتاب الحدود
الزنا موجب للحد والحد الواجب به مختلف باختلاف أحوال الزناة والحد فيه نوعان رجم وجلد ثم الجلد ضربان منفرد بنفسه ومضمون إليه غيره وهو تغريب عام وهو من وجه آخر بتنوع إلى تمام ونقصان.
والزناة ضربان ثيب وبكر فالثيب هو المحصن وحده الرجم حتى يموت ولا يجلد قبله وشروط الحصانة ستة وهي البلوغ والعقل والإسلام والحرية والتزويج الصحيح والوطء المباح فيه وإذا حقق ما يحصنه أو وجد ثلاثة منها وهي الحرية والتزويج والوطء وما عدا ذلك مشترط في أصل الزنا وليس من شرطه أن يجتمع الإحصان من الطرفين.
وأما الجلدالكامل فهو جلد مائة بانفرادها أو مع غيرها فحد الزاني البكر لا يخلو من ثلاثة أقسام إما أن يكون رجلا حرا فحده مائة وتغريب عام وهو نفيه إلى غير بلده وحبسه فيه سنة أو أن تكون المرأة حرة فحدها مائة بانفرادها من غير تغريب.
أو مملوكا ذكرا أو أنثى فحده خمسون من غير تغريب والأسباب التي يثبت بها الزنا ثلاثة وهي الإقرار والبينة وظهور الحمل فأما الإقرار فيكفي منه مرة يقيم عليها فإن رجع عنه إلى شبهة أو أمر يعذر به قبل منه وإن أكذب نفسه ففيه روايتان.
وأما البينة فشهادة أربعة رجال عدول يشهدون مجتمعين لا تراخي بين أوقات إقامتهم الشهادة على معاينة الزنا الواحد ورؤية فرجه في فرجها كالمرود

في المكحلة وما جرى مجرى ذلك فإن قصر عددهم في الابتداء أو بوقوف أحدهم على الشهادة أو برجوعه بعد إقامتها وقبل الحكم بها لم يحد المشهود عليه وحد الشهود كلهم وإن كان ذلك بعد إقامة جميعهم الشهادة حد الراجع وحده.
وأما الحمل فإن يظهر من غير عقد ولا شبهة ولا ظهور أمارة تدل على استكراه.
ويقام الحد على المشهور عليه حين تتم الشهادة عليه تاب أو لم يتب ولا يؤخر إلا أن يعرض ما يوجب التأخير والعوارض الموجبة بذلك ثلاثة:
منها: معنى في المحدود يختص به.
ومنها: معنى فيه يتعلق بغيره.
ومنها: معنى منفصل عنه.
فالأول: كالمرض الذي يخاف منه إن حد تلفه.
والثاني: الحمل الذي يخاف تلفه بحد الحامل.
والثالث: الزمن الذي يعلم الخطر فيه فيؤدي إلى التلف ولا حد على الزاني بجارية ابنه ولا على واطيء أمة له فيها شرك وتقوم عليه إن حملت وفيه خلاف إن لم تحمل ويحد إن زنا بجارية أبيه. ومن أكره امراة فزنا بها فذلك على ضروب:
أحدها: أن يكره حرة فعليه صداق مثلها بكرا كانت أو ثيبا.
والثاني: أن يكره أمة فعليه ما نقص من قيمتها دون الصداق.
والثالث: أن يستكره نصراني حرة مسلمة فيقتل.
والرابع: أن يستكره أمة مسلمة فعليه ما نقص من ثمنها بكرا كانت أو ثيبا وعلى المسلم في كل ذلك الحد.
وللسيد أن يقيم على عبده وأمته حد الزنا بالبينة أو الإقرار أو ظهور الحمل وفي علمه خلاف.
وذلك إذا لم تكن لها زوج أجنبي فإن كانت لها زوج أجنبي فلا يكون للسيد حدها وله ذلك إن كانت لا زوج لها أو كان زوجها عبدا له وله حدهما في الشرب وليس له ذلك في السرقة.

وينبغي للإمام إحضار طائفة من المؤمنين وأقلهم أربعة ممن تجوز شهادتهم ويجب بالإيلاج في اللواط الرجم عليها من غير مراعاة إحصان وطريقة إثباته طريق إثبات الزنى.
ويؤدب من أتى بهيمة ولا يقتل هو ولا البهيمة.
فصل
القذف موجب للحد والمراعاة في ذلك تسع خصال اثنتان في القاذف وخمس في المقذوف واثنتان في الشيء المقذوف به وخمس في المقذوف واثنتان في الشئ المقذوف به.
فما يراعى في القاذف البلوغ والعقل وما يراعى في المقذوف فالعقل والبلوغ والإسلام والحرية والعفة عما رمي به ويختلف حكم البلوغ في المقذوف بالذكورية والأنوثية فيراعى في الذكر بلوغ التكليف وفي الأنثى إطاقة الوطء.
وأما ما يراعى في الشيء المقذوف به فهو أن يكون القذف بوطء يلزم به الحد وهو الزنا واللواط أو نفي نسب المقذوف عن أبيه فقط.
ويلزم بالتعريض الذي يفهم منه القذف وحدالقذف مختلف بالحرية والرق فهو على الحر ثمانون وعلى العبد أربعون.
والحدود كلها سواء في الإيجاع والصفة وما كان منها من جنس واحد وسببه واحد تداخل وأجزأ واحد عن جميعه وذلك مثل أن يزني مرارا أو يشرب مرارا أو يقذف مرارا واحدا أو جماعة فيجزئ من كل سبب حد واحد عن جميع ما فعل منه ولو قذف وشرب ألزم حدا واحدا.
ومن سب النبي صلي الله عليه وسلم قتل ولم تقبل توبته وذلك إن كان مسلما فأما الكافر إذا قال أنا أسلم ففيه روايتان.

كتاب القطع
ويجب القطع في السرقة باجتماع أوصاف تكون في السارق والشيء المسروق والموضع المسروق منه وصفة السرقة.
فأما ما يراعى في السارق فأن يكون بالغا عاقلا وأن يكون غير مالك للمسروق منه فإن كان مالكا له لم يقطع كالعبد يسرق من مال سيده.
وأما ما يراعى في المسروق فأن يكون مما ينتفع به وذلك على ضربين مال وغير مال فأما المال فيراعى فيه أن يكون نصابا أو ما قيمته نصاب لا ملك فيه لسارق ولا شبهة ملك.
والنصاب ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الورق وكل صنف أصل بنفسه لا يقوم بالآخر. والعروض تقوم بأغلبهما من نقود موضعه وذلك حين السرقة ولا اعتبار بوقت القطع وكذلك ملك المسروق وأن يكون مما تصح سرقته دون ما لا تصح فيقطع سارق العبد الصغير وسارق العبد الكبير الأعجمي الشديد البلادة دون البالغ البلادة دون البالغ الفصيح لأن مثل هذا لا يصح أن يسرق.

ولا يقطع الأبوان في سرقتهما من مال ولدهما لشبهتهما فيه واختلف في السرقة من المغنم فأوجب مالك رحمه الله القطع فيها ولم يره شبهة ورآه عبد الملك شبهة تسقط القطع.
ويقطع في سرقة جميع المتمولات الجائز بيعها وأخذ العوض عليها كان أصلها مباحا أو محظورا طعاما كان أو غيره.
وفي رطب الطعام ويابسه قدر ما يراعي في المال فأما في غير المال فلا يتصور إلا في الحر الصغير فإنه يقطع سارقه وقيل في المجنون الحر إن كان ينتفع به قطع سارقه.
فأما الموضع المسروق منه فأن يكون حرزا لمثل ذلك المسروق وذلك
يختلف باختلاف عادة الناس في إحراز أموالهم فمن سرق شيئا من موضع قد أحرز فيه وهو حرز مثله في عادة الناس قطع.
والدور والدكاكين إحراز لما يجوز فيها والقبر حرز للكفن إذا سد وأدرج الميت في أكفانه وأبنية حوانيت الباعة حرز لما يوضع فيها من الأحمال والأعدال والإنسان حرز لما معه في جيبه أو كمه أو يده أو وسطه أو ثوب على كتفه لبسه لبس مثله.
ولا قطع في ثمر معلق إلا إذا أواه الجرين فذلك حرزه ولا حريسة جبل إلا إذا أوت في المراح والصبي ليس بحرز لما معه أو عليه من ثياب أو حلي إلا أن يكون معه من يحفظه وفروع هذا الباب كثيرة جدا.
وأما صفة السرقة فان يخرج المسروق من الحرز وهو يساوي نصابا فإن أتلفه في الحرز ثم أخرجه فلا قطع عليه ولا يراعى أن يخرجه بمباشرة أو بمعاونة وذلك بأن يأخذ بيده ويخرج به بنفسه وكذلك إن رماه إلى خارجه أو أخرجه بيده إلى خارج الحرز فأخذه غيره وأخرجه على ظهر دابة أو كانوا جماعة فرفعوه على رأس أحدهم أو ظهره فخرج به وبقواهم في الحرز أو خرجوا معه ففي كل ذلك القطع.

ولا قطع على مختلس ولا مستلب ولا مكابر ولا غاصب ولا مستعير جحد وإذا أكملت للسارق أسباب القطع وكان ذلك أول سرقته وهو صحيح الأطراف قطعت يمنى يديه وفي الثانية يسرى رجليه وفي الثالث يسري يديه وفي الرابعة يمنى رجليه وفيما بعد ذلك الضرب والحبس.
ومن لم يكن له الطرف المستحق قطعه قطع ما بعده ومثله إن كان أشل لا منفعة فيه.

كتاب العتق والولاء وما يتصل به من عقوده
ولا يجوز تبعيض العتق ابتداء ومن بعض العتق باختياره له أو بسبب لزمه تكميله كان باقي المعتق له أو لغيره بشرطين:
أحدهما: وجود ثمنه والآخر بقاء ملكه وقيل في هذا يلزم في ثلاثة سواء كان أحد الثلاثة مسلما أو ذميا ولا يعتق نصيب شريكه بالسراية ولكن بعد أن يقوم عليه ويدفع القيمة إلى الشريك وتكون القيمة يوم الحكم.
والولاء لمن أعتق عليه ولا يراعى في ذلك اختيار الشريك أو العبد أو إباؤهما إلا أن يبدل الشريك إعتاق نصيبه فيكون له ذلك ويسقط حينئذ عن المبتدي بالإعتاق والتكميل.
وإن كان باقية له فقيل بالسراية وقيل بالحكم وإن كان مريضا قوم عليه نصيب الشريك في ثلثه وعتق باقيه إن كان له في الثلث.
ومن لم يجد ثمن حصة الشريك كاملة قوم عليه بقدر ما يجده منها وبقي الباقي رقا وإن مات العبد قبل تقويمه مات عبدا وسقطت المطالبة عن العتق وإذا بعض العتق عدة الشركاء في لفظ متفق زمانه قوم باقية على عدد رؤوسهم فإن كان بعضهم بعد بعض ألزم الأول دون من بعده.
وإذا أعتق المريض المحجور عليه عبيدا له هم جميع ماله أقرع بينهم بعد موته فاعتق ثلثهم ممن وقع عليه السهم ورق باقيهم ولو أعتق جزءا منهم فذلك على ضربين أن نسب الجزء إلى جميعهم أقرع بينهم كأنه قال ثلث عبيدي أحرار أو ربعهم وإن نسب إلى كل واحدة عتق ذلك القدر من كل واحد بغير قرعة.
ومن مثل بعبده مثلة بينة ظاهرة قاصدا لذلك عتق قيل بنفس المثلة وقيل بالحكم وله ولاؤه وإن كان ذلك عن غير قصد وإنما جر إليه غيره لم يعتق عليه ويعتق الحمل بإعتاق الحامل ولا تعتق الحامل بعتق الحمل ولا يجوز إعتاق دون البالغ ولا غير العاقل ولا المولى عليه وإن كان بالغا عاقلا ولا المديان إلا بإجازة غرمائه ولاالراهن إلا بيساره.

ويعتق بالقرابة ثلاثة أصناف عمود النسب علوا أو سفلا والإخوة نفسها من غير مجأوزة إلى ولدها وعتقهم بنفس الملك من غير حاجة إلى حكم.
فصل
والولاء للمعتق إذا كان عنه فإن كان عن غيره فلمعتق عنه بإذنه كان أو بغير إذنه وولاء السائبة للمسلمين ولا يحل بيع الولاء ولا هبته وهو لعصبته المعتق الذكور ولا شيء للإناث وأولاهم به الابن ثم ابنه ثم الأب ثم ولد الأب والأم ثم ولد الأب ثم بنوهم على ترتيب آبائهم ثم الجد ثم العمومة على ترتيب الإخوة ثم بنوهم على ترتيب آبائهم ثم الجد ثم العمومة على ترتيب الإخوة ثم بنوهم آبائهم ثم الموالي ذكورهم دون إناثهم بخلاف النسب.
ويستحق الولاء بالكبر لا يصل إلى البطن الثاني إلا بعد انقراض البطن الذي قبله وصورة ذلك أن يترك الرجل ثلاثة بنين وله ولاء فيموت أثنان عن ولد ثم يموت المولي فيكون ميراثه للباقي دون ولد أخويه.
ولا ولاء بموالات ولا على منبوذ لملتقطه ولا لغيره ولا على من أسلم على يدي رجل ولا ولاء لعبد فيما يعتقه وإن كان بإذن سيده إلا أن يعتق قبل علم سيده ولا لمن فيه بقية رق أو عقد من عقود العتق والولاء لسادتهم ولا يرجع إليهم بعد عتقهم إلا المكاتب وحده وكذلك المسلم يعتق الكافر.
وجر الولاء ثابت ولا يجره إلا الأب أو الجد وصفته أن يتزوج عبد معتقة لقوم فيولدها فإن ولاء ولده منها لموالي أمه ما دام الأب رقا فإن عتق جر ولاء ولده إلى معتقه.
ولو كان للعبد أب عبد فأعتق قبل ابنه جر ولاء ابنه إلى من أعتقه ما دام ابنه رقيقا فإن أعتق الابن جر ولاء ولده إلى مواليه وانتقل عن موالي أبيه الذي هو الجد فإن تزوج العبد حرة لا ولاء عليها ورث من يموت من ولدها بعد نصيب أمه المسلمون.
وإن أعتق العبد قبل موت الولد جر ولاءهم إلى معتقه ولا يكون جر الولاء فيمن مسه رق.

وولد الملاعنة العربية لا ولاء عليه وإن كانت معتقة كان لمواليها فإن اعترف به الأب عاد إليه أو إلى مواليه ولا ولاء لامرأة إلا في ثلاثة مواضع:
أحدها: أن تعتق مباشرة.
والثاني: أن تعتق معتقها.
والثالث: أن يموت معتقها عن ولد من أمته أو من معتقته.
فأما عتقها بالمباشرة فإنها إذا أعتقت عبدا أو أمة فماتا عن غير وارث فميراثه لها وما يعتقه معتقها فمثل أن يعتق هذا العبد الذي أعتقه عبدا ويموت المعتق الأول عن غير وارث فيكون ولاء الثاني لها. والقسم الثالث أن يتزوج عبدها أمة فيولد له ثم تعتقه أو يتزوج بعد عتقه فيكون الولاء لها إما ابتداء أو جرا على الترتيب الذي قدرناه.

فصل
الكتابة جائزة لا يجبر السيد عليها إن طلبها العبد بقيمته أو بأكثر أو بأقل وفي إجبار السيد إياه عليها خلاف وهي جائزة بما يتراضيان عليه من القليل والكثير بكل ما يجوز أن يكون عوضا في بيع أو إجازة أو نكاح كالوصفاء وإن لم يوصفوا ويلزم الوسط منهم ولا تكون إلا منجمة أو مؤجلة فإن كانت حالة جاز وتكون قطاعه وهي عتق بصفة أداء جميعها.
ويرق بالعجز عن بعضها قل أم كثر ويستحب للسيد وضع شيء من آخرها قل أو كثر من غير إيجاب وللمكاتب تعجيلها ويعتق لوقته وليس للسيد الامتناع عليه وبيع رقبة المكاتب غير جائز وبيع كتابته جائز من المكاتب وغيره وجوازها منه على الإطلاق بكل ما كمان يجوز ابتداؤها به ومن غيره بعرض معجل إن كانت ذهبا أو ورقا وإن كانت بعرض فيذهب أو ورق بعرض مخالف له معجل كل ذلك جائز.
فإذا أدى إلى المشتري كتابته عتق وكان ولاؤه لمكاتبه دون مشترى كتابته وإن عجز رق وكانت رقبته ملكا للمشتري كتابته.
ولا تجوز بيع نجم منها وفي بيع الجزء خلاف.
وإذا أعتق المكاتب تبعه ماله وولده الذين حدثوا من أمته بعد عقد كتابته دون من كان قبلها بولادة أو حمل أو من زوجة إلا أن يشترطهم في كتابته فيعتقون بعتقه وإذا مات المكاتب عن ولد معه في كتابته إما بالشرط أو بمقتضى العقد لم تنفسخ الكتابة بموته وتؤدى الكتابة حالة إن ترك وفاء ثم لهم ما بقي إرثا دون ولده الأحرار الذين لم يدخلوا معه في كتابة وإن لم يترك وفاء وقوى ولده على السعي سعوا وأدوا باقي الكتابة وإن كانوا صغارا أدي عنهم إن كان في المال وفاء وإلا أتجر لهم به وأدى على نجومه إلى بلوغهم فإن قدروا على السعي وإلا رقوا.

ويجوز الجمع بين عدة عبيد في كتابة واحدة ويلزم كل واحد منهم بقدر قوته وبعضهم حملاء عن بعض.
وليس للعبد تعجيز نفسه مع قدرته على الأداء ولا للسيد تعجيزه وفي اتفاقهما على ذلك خلاف إلا أن يكون له ولد فلا يجوز.
وإذا أوصى السيد لمكاتبه بكتابته كلها وضع في الثلث الأقل من قيمتها أو قيمة رقبته فإن حمل الثلث ذلك وإلا بقدر ما يحمله.
وليس للمكاتب أن يتصرف في ماله بإتلاف ولا غيره إلا بما يؤدى إلى مصلحته وتنميته ولا ينكح ولا يسافر إلا بإذن سيده وحاله في جراحه وحدوده وشهادته وطلاقه وقذفه وغير ذلك حال العبد.
ولا يجوز للسيد وطء مكاتبه ولا انتزاع مال مكاتبه وعقل ما يخرح به المكاتب له يحتسب به من كتابته.
فصل
والتدبير إيجاب وإلزام وهو أن يقول السيد لعبده أنت مدبر أو قد دبرتك أو أنت حر عن دبر مني أو إذا مت فأنت حر بالتدبير أو لفظ يفيد تعليق عتقه بموته على الإطلاق لا على وجه الوصية فإن قيد ذلك بوجه مخصوص كقوله إن مت من مرضي هذا كان وصية ولم يكن تدبيرا أو إن قال أنت حر بعد موتي فقيل يكون وصية وقيل: يكون تدبيرا.
ولا يجوز بيع المدبر ولا إبطال تدبيره ويكمل بتبعيض التدبير كالعتق.
وللسيد انتزاع مال مدبره واستخدامه واجارته ووطؤها إن كانت أمة وجنايته في خدمته.
وإذا مات سيده عتق في ثلثه أو ما يحمله الثلث وإن كان عليه دين يستغرق تركته رق وبطل وبطل تدبيره وإن لم يترك غيره عتق ثلثه ورق باقية للورثة.
وللسيد مقاطعته على مال يتعجل به إعتاقه وحاله في جراحه وحدوده وطلاقه وشهادته حال عبد.

فصل
حمل الأمة من سيدها الحر يوجب لها حرمة يمنع بيعها وهبتها وإجارتها وإسلامها في جناية وعتقها عن سبب موجب للعتق ولا يبقى للسيد فيها إلا الاستمتاع وما يقرب من الاستخدام الذي لا يشق مثله فإذا مات عتقت من رأس ماله لا يردها دين قبل حملها أو بعده ولا يراعى وضع ولد كامل الخلقة بل مااستحال عن النطفة إلى علقة أو مضغة فتثبت لها به حرمة الاستيلاد وإن ولدت منه قبل ملكه وهي زوجة لم تكن بذلك أم ولد فإن ملكها حاملا ففيها روايتان وليس له مكاتبتها وله انتزاع مالها وولد كل من وجبت له عقد عتق من مدبر ومكاتب وأم ولد ومعتق إلى أجل فإن كان عن وطء بزوجيه أو زنا فهو تابع في الحرية والرق لأمه وإن كان عن وطء بملك يمين فهو تابع لأبيه.
وللسيد إجارة ولد أم ولده بخلاف أمهم ولا يجوز إسلامها في جناية ويلزم السيد افتكاكها بأقل من الأرش أو قيمتها وحكمها في الحدود والشهادات والعدة حكم الأمة.

كتاب الأقضية والشهادات
ولا يستقضي إلا فقيه من أهل الاجتهاد لا عامي مقلد لأنه يحتاج فيما ينزل من الحوادث إلى الاجتهاد فلا يصح أن يكون عاميا لأنه ليس بمجتهد وإنما هو مقلد غيره ولأن الحاكم يتفقد الأحكام في غيره فلم يصح أن يكون مقلدا.
ولا يكون الحاكم عبدا ولا امرأة وينبغي للحاكم أن يجلس في المسجد وأن يسوي بين الخصمين في المجلس والإقبال عليهما ولا يحكم بعلمه في شيء من الأشياء لا فيما علمه قبل ولايته ولا بعدها لا في مجلسه ولا في غيره وله أن يقبل شهادة من علمه عدلا من غير حاجة إلى تزكيته ويرد شهادة من علمه فاسقا.
ولا تقبل شهادة من لاتعلم عدالته إلا بتزكية ولا تقبل التزكيه إلا من عالم بوجوه التعديل والتجريح عارف بطرقها ولا يكفي في ذلك أقل من اثنين وإذا نسي الحاكم حكما حكم به فإن شهد به عنده.
عدلان أنفذه بشهادتهما وكذلك يلزم كل من شهد به عنده ولا يحلف المدعى عليه بمجرد دعوى المدعي دون أن ينضم إليها سبب يقويها من مخالطة أو ما يجري مجراها وإذا حكم المتداعيان بينهما أو رجلا ارتضا به جاز حكمه عليهما إذا حكم بما يسوغه الشرع وافق حكم قاضي بلدهما أو خالفه.
ويحكم على الغائب وتسع البينة عليه وقيل يتوقف في الرباع.
وإذا ثبت حق عند قاضي بلد لرجل في بلد غيره وكتب به إلى قاضي البلد الذي فيه صاحب الحق ينفذ المكتوب إليه ما كتب به إليه مات الكاتب أو عزل أو بقي ولو مات المكتوب إليه قبل وصول الكتاب إليه لزم المنصوب مكانه من إنفاذها ما لزمه.
وحكم الحاكم ينفذ في الظاهر ولا يحيل الباطن عما هو عليه ولا تقبل شهادة غير العدول ولا يكفي ظاهر الإسلام من العدالة وشروط العدالة أن يكون

الشاهد بالغا عاقلا حرا مسلما أمينا عفيفا منتفية عنه سمات الفسق كلها متيقظا ضابطا غير مغفل عارفا بالشهادات.
وشروط تحملها وأدائها متحرز من الحيل التي تتم على من يقل تحفظه حافظا لمروءته من الدناءة ومما يطرق التهم عليه وقد يعرض في العدل ما يمنع قبول شهادته وذلك يرجع إلى التهمة ويعتبر في ثلاثة مواضع:
أحدها: فيما بين الشاهد والمشهود له عليه
والثاني: في المشهود به أو فيه.
والثالث: ما يرجع إلى الحال.
فالأول: مثل شهادة الابن للأبوين والأبوين له وكذلك جهات عمودي النسب الأعلى والأسفل أحدهما للآخر وأحد الزوجين لصاحبه وشهادته على عدوه وما يجر به نفعا إلى نفسه كشهادته لغريم له مفلس بدين له على آخر أو ما يدفع به ضررا عنه أو عارا كجرحه من شهد على أبيه أو ابنه أو أخيه بزنى.
والثاني: كشهادة ولد الزنا في الزنا وشبهه واختلف فيمن كان على كبيرة من الفسق كالزنا وشرب الخمر ثم تاب منها وعرفت عدالته وقبلت شهادته هل تقبل في النوع الذي تاب منه فقيل تقبل وقيل لاتقل.
والثالث: شهادة البدوي للقروي أو عليه في الحقوق لأن التهمة تقوى في بطلان ما شهد به والانتفاء التهمة قبلناها في القتل والجراح.
ومثله أن يشهد الفاسق أو الصبي أو العبد أو الكافر بشهادة في حال النقص فترد ثم بلغ الصبي أو أعتق العبد أو أسلم الكافر ويحسن حال الفاسق في التوبة فتقبل شهادتهم في غير ذلك الشيء ولا تقبل فيه للتهمة لأنهم يحبون زوال النقص عنهم بما رد من شهادتهم.
وفي تبعيض الشهادة تفصيل فإن جمعت ما فيه تهمة وما لا تهمة فيه ردت جميعها وإن جمعت ما يختلف جنسه في قبول شهادة الشاهد في بعضه قبلت فيما تقبل يه وردت في الباقي.
والمراعى في تزكية الشاهد المزكي بأنه عدل رضا وذلك يغني عما سواه ولا يغني عنه غيره وإذا زكاة شاهدان وجرحه آخران فقيل يؤخذ بأعدلهما وقيل الجرح أولى من التعديل.
واختلف في قبول الجرح مجملا فقيل يقبل وقيل لا يقبل إلا بعد تعيين ما يجرح به.

وتحمل الشهادة والقيام بها فرض على الكفاية إلا أن يتفق ما يتعين معه وجوبها كخوف الفوات ولا يوجد غير الشاهدين.
فصل
والبينات تختلف باختلاف الحقوق المشهود بها من التوسعة والتضييق والضعف والتأكيد وما تدعو إليه الضرورة فيجوز فيه ما لا يجوز في غيره.

وجملته ثلاثة أنواع شهادة ويمين وكتاب قاض إلى قاض وتزيد على ذلك رابعا وهو معنى يقتضيه شاهد الحال ثم بعد ذلك على ثلاثة أضرب منها منفرد بنفسه ومنها ما لا ينفرد بنفسه ومنها ما تختلف أحكامه فينفرد بعضه ولا ينفرد سائره وجملة أعدادها قد أتينا على ذكره وهو في التفصيل ستة عشر.
منها أربعة شهود من الرجال البالغين:
الثاني: رجلان عدلان.
والثالث: رجل وامرأتان
والرابع: شاهد ويمين.
والخامس: امرأتان ويمين.
والسادس: وشاهد ونكول المدعى عليه.
والسابع: امرأتان ونكول المدعى عليه.
والثامن: يمين المدعي ونكول المدعى عليه.
والتاسع: امرأتان مع ظهور المشهود به واستفاضته.
والعاشر: امرأتان بانفرادهما.

والحادي عشر: شهادة الصبيان في الجراح.
والثاني عشر: كتاب قاض إلى قاض.
والثالث عشر: اللوث مع أيمان الأولياء في القسامة.
والرابع عشر: معرفة العفاص والوكاء في اللقطة.
والخامس عشر: اليمين مع قوة السبب.
والسادس عشر: شهادة السماع.
والحقوق المشهود فيها ستة وهي:
أحدها: حقوق أبدان وأحكام تثبت فيما يطلع عليها الرجال في غالب الحال وذلك كالنكاح والطلاق والعتاق والرجعة ورؤي الأهلة والقتل والجراح.
والثاني: حقوق أبدان مستتريها جملة عن الرجل والنساء كالزنا واللواط.
والثالث: حقوق أبدان لا يطلع عليها الرجال في غالب الحال ويطلع عليها النساء كعيوب النساء والولادة والاستهلال والرضاع.
والرابع: أموال كالقرض والوديعة والعارية والرهن والغصب وغير ذلك.
والخامس: حقوق أبدان متعلقة بأموال هي المقصودة بها كالوكالة في الأموال وحقوقها.
والسادس: حق يندر من ذلك ويقل وقوعه وقد يكون في البدن وقد يكون في المال كاللقطة والسرقة وجراح الصبيان وما تدعو إليه الضرورة ثم نحن نفصل ذلك على ترتيب الكتاب.
فأما الأربعة الشهود فللزنا واللواط والشهادة على الشهادة فيهما وكتاب القاضي بهما وأما الرجلان فلحقوق الأبدان التي يطلع عليها الرجال غالبا وأما الرجل والمرأتان فللأموال وحقوقها وفي حقوقها المتعلقة بالأبدان خلاف.
وأما الشاهد واليمين والمرأتان واليمين والشاهد والنكول فللأموال وما يقصد به المال فقط دون حقوق الأبدان المتعلقة بالأموال وقد بينا الخلاف في الشاهد والنكول وحكم المرأتين والنكول وحكم الشاهد واليمين وكذلك يمين المدعي مع النكول.

وأما المرأتان بانفرادهما ففي عيوب النساء والولادة والاستهلال وأما المرأتان مع الظهور والاشتهار ففي شهادتين بالرضاع وقيل تكفي شهادتهما فقط.
وأما شهادة الصبيان في الجراح والقتل على شروط تسعة:
وهي أن يكونوا ممن يعقل الشهادة وأن يكونوا أحرارا ذكورا محكوما لهم بالإسلام وأن يكون المشهود به جرحا أو قتلا وأن يكون ذلك بينهم خاصة لا لكبير على صغير ولا لصغير على كبير وأن يكونوا اثنين فأكثر وأن يكون ذلك قبل تفرقهم وتحبيهم وأن تكون شهادتهم متفقة غير مختلفة. وإذا شهدوا بما حصل عليهم ثم رجعوا عنه بعد تفرقهم إلى غيره أخذوا بأول شهادتهم ولم يلتفت إلى آخر قولهم.
وأما كتاب قاض إلى قاض فيعم كل مشهود به من الحقوق والحدود.
وأما اللوث في القسامة ومعرفة العفاص والوكاء في اللقطة واليمين مع قوة السبب فقد تقدم كل نوع من ذلك في موضعه.
وأما شهادة السماع ففيما لا يتغير وذلك أربعة أشياء في النسب والموت والولاء والحبس والوقف وقيل في النكاح وتقادم الملك وشهادة الأعمى جائزة وكذلك الأخرس إذا فهم عنه.
ومن شهد بشهادة ثم رجع عنها فلا يخلو أن يرجع بإكذاب نفسه أو بادعاء غلط في الشهادة فإن كان بإكذاب نفسه نظر فإن كان قبل الحكم لم يحكم بشهادته الأولى ولا غيرها وإن كان بعد الاستيفاء فلا يخلو المشهود به أن يكون قتلا أو حدا أو طلاقا أو مالا ففي القتل والحد خلاف قيل يقتص منهما في العمد وقيل يغرمان الدية وفي ادعائهما الغلط يغرمان الدية ولا يمنع ذلك قبول شهادتهما في المستأنف.
وفي المال يغرمان ما تلف بشهادتهما وفي الطلاق إن كانوا شهدوا به والزوج مقر بالطلاق ومنكر للدخول غرموا نصف الصداق وكذلك لو كان قبل الدخول والزوج منكرللنكاح وفي العتق يغرمان قيمة العبد ولذلك فروع لا يحتمله الكتاب.
ولو ثبت فسق الشهود بعد الحكم والاستيفاء بشهادتهم لم يلزم الحاكم شيء مما أتلف بشهادتهم ولو ثبت رقهم أو كفرهم ضمن.

فصل في تداعي الرجلين شيئا في أيديهما
وإذا تداعى رجلان شيئا بأيديهما أو يد غيرهما ممن لا يدعيه لنفسه أو ليس في يد أحدهم حكم به لمن أقام البينة على أنه له فإن أقام كل واحد منهما بينة فإن كان مالا حكم بأعدل البينتين وإن تسأويا أحلفا فإن نكل أحدهما حكم به للحالف فإن حلفا قسم بينهما.
ولو كان التداعي في شيء بيد أحدهما فعلى الخارج إقامة البينة فإن أقامها حكم له به وإن لم تكن بينة حكم به لصاحب اليد مع يمينه.
ومن ترك ابنتين فأقر أحدهما بثالث أعطاه ثلث ما في يده ولو أقر بزوجة أعطاها ثمن ما في يده وإن أقر بدين على أبيه أعطي المقر له نصف الحق ويعتبر ذلك بأن ينظر ما كان نصيب المقر به ولو ساعده باقي الورثة فيلزمه ذلك القدر مع إنكارهم.
ويحكم في تداعي الزوجين متاع البيت بدعوى الأشبه مع يمين مدعيه وفي اتفاقهما في الأشبه يكون للرجل مع يمينه وقيل يقسم بينهما بعد أيمانهما ومن مات عن دين فيه شاهد وعليه دين فللورثة أن يحلفوا ويحكم لهم ثم يأخذ الغرماء ديونهم منه فإن فضل كان للورثة وإن ابى الورثة أن يحلفوا حلف الغرماء واستحقوا.
ومن أحلف خصيمه ثم على علم بأن له بينة أقامها وحكم له بها ولو حلفه عالما بها تاركا لها لم يكن له ذلك وفيه خلاف ويحلف الحالف على فعل نفسه قطعا وعلى فعل غيره علما.
وتغلظ الأيمان بالمكان والزمان ويراعى في الأمكنة شرفها وحيث يعظم أهلها ففي المدينة عند منبر النبي صلي الله عليه وسلم وفي مكة عند البيت وفي غيرها في المساجد الجامعة وغيرها مما هو معظم عند أهل ذلك البلد.
وتغلظ في الدماء والطلاق واللعان ولا يحلف عند المنبر إلا في ربع دينار فما زاد وتغلظ على أهل الذمة في بيعهم وكنائسهم.
وأما الزمان ففي الدماء واللعان بعد العصر ولا تغلظ بالألفاظ ولا يزاد على أن يحلفا بالله الذي لا إله إلا هو ويحلف الحالف في كل الحقوق قائما وقيل مستقبل القبلة وافتداء اليمين في الجملة جائز. ومن أدرك كتب وثيقة على غيره أمللها المكتوب عليه وله أن يستنيب صاحب الحق في ذلك.

كتاب الأحباس والوقوف والصدقات والهبات وما يتصل بذلك
ويلزم الوقف والحبس إذا كان على سبيله من غير حاجة إلى حكم حاكم ويلزم في محوز الرباع ومشاعها وفي الحيوان روايتان وعلى رواية الجواز يباع ما يخشى عليه التلف ويستبدل به ولاتباع الرباع بوجه.
وألفاظ الوقف والحبس ضربان ضرب يتجرد وهو قوله وقفت وحبست وتصدقت وضرب يقترن به ما يقتضي التأبيد وهو أن يقوم محرم مؤبد ولا يباع ولا يوهب أو أن يكون على مجهولين أو موصوفين كالعلماء والفقراء فيجري مجرى المحرم باللفظ ولفظ الوقف مفيد بمجرده التحريم.
وأما الحبس والصدقة ففيها روايتان وكذلك في ضم أحدهما إلى الآخر خلاف أيضا إلا أن يريد بالصدقة هبة الرقبة فيخرج عن هذا.
والوقف في الصحة من رأس المال وفي المرض لوصية من الثلث.
ومن شروطه خروجه عن يد الواقف وتركه الانتفاع به ومن وقف أو حبس ولم يجعل له مخرجا صح وصرف في وجوه الخير والبر.
والعمرى جائزة وهي تمليك المعمر منفعة العين دون رقبتها مدة عمره وكذلك الإسكان هو تمليك المسكن سكنى الربع إما حياته أو المدة المضروبة له وكذلك إخدامه عبده ونفقة المخدم على المالك وقيل على من أخدمه.
ويلزم عقد الصدقة والهبة بالقول ويجبر الواهب على الإقباض وتصح في المحوز والمشاع ولا تبطل إلا بتراخي الموهوب له عن القبض أو موت الواهب قبل أن يقبض الموهوب إلا أن يهب لولده الصغير فيكون قبض الأب قبضا له.
وهبة الثواب جارية مجرى البيع والموهوب له مخير إن شاء قبل وأثابه وإن شاء رده ولا يبطلها عدم الرد ولا يبطلها عدم القبض والثواب الذي يلزم قبوله قيمة الموهوب ولا يلزم الواهب قبول دونها ولا الموهوب بذل زائد عليها.
وإذا اختلفا المتواهبان وتداعيا الثواب حكم لمدعي الأشبه مع يمينه وفي الاحتمال القول الواهب مع يمينه.

ويكره للرجل أن يبتاع صدقته ويستحب للمتصدق على ولده التسوية بينهم في الصدقة والهبة فإن فضل أو خص جاز ولم تبطل.
وللأبوين الرجوع فيما وهباه للولد ما لم يتعلق به حق لغيره مثل أن يتزوج البنت ويستدين الابن فيمنع الأبوان حينئذ من الرجوع.

كتاب الوصايا والفرائض والمواريث
والوصية مندوبة إليها وفيها احتياط للدين وللموصي من ماله الثلث فإن زاد عليه وقف على إجازة الورثة والوصية لغير وارث جائزة وللوارث موقوفة على إجازة الورثة كان ما أوصى به قليلا أو كثيرا فإن أوصى لوارث وغيره فلم يجز الورثة وصية الوارث فلهم محاصة الأجنبي بمقدار وصية الوارث ومن أجاز منهم لزمه ولكل واحد منهم حكم نفسه في الإجازة والرد.
ومن لا وارث له فليس له أن يوصي بكل ماله وإذن الورثة معتبر بأن يكون طوعا من غير خوف في الحال التي تتعلق لهم حق بمال الموصى بكل ماله وذلك بعد الموت أو في حال شدة المرض المخوف.
وليس للمريض المخوف عليه إخراج ماله في غير معأوضة فإن فعل وقف على صحته فيلزم أو موته فيصير الحق للورثة ويلزمهم منها الثلث فدونه ويقف ما زاد عليه على إجازتهم.
وإذا أوصى بوصايا زائدة على الثلث فلم يجز الورثة قسم الثلث على الموصي لهم بقدر الوصايا من مسأوات أو مفاضلة.
ومن أوصى لرجل بنصيب أحد بنيه دفع إليه نصيب الابن لولم يوص فإن كان له ابن واحد فللموصى له كل المال وإن كان له ابنان فله النصف أو ثلاثة فله الثلث ومن أوصى لرجل بمثل نصيب أحد ورثته يعطى جزءا بعدد رؤوسهم وفي السهم والجزء خلاف والأظهر سهم مما بلغته سهام الورثة في الفريضة.
وتصح وصية السفيه ومن يعقل القرب من الصبيان وللموصى أن يعين النوع الذي يوصى فيه ولا يكون الوصي النظر في غيره وله أن يطلق فيكون وصيا في كل شيء يوصى فيه وليس للموصى أن يأبى النظر بعد القبول ولا يترك الفاسق وصيا ومن أوصى له بشيء بعينه فتلف فلا شيء له.

ومن أوصى له بنفقة عمره عمر سبعين سنة وأعطى بحساب ما بقي له منها.
وحكم الحامل إذا بلغت ستة أشهر والمحبوس للقود والزاحف في الصف وراكب البحر إذا حصل في اللجة على خلاف في هذا وحده حكم المريض المخوف عليه.
وتجب الوصية بموت الموصى وقبول الموصى له بعده وإذا ضاق الثلث على الوصايا قدم آكدها على ما دونه.
ويقدم المدبر في الصحة على المبتل في المرض ويقدم الواجب على التطوع ويقدم عتق العبد المعين على المطلق.
وتجوز الوصية للقاتل والذمي وللميت إذا علم الموصى بموته ومن أوصى بنوع من تركته وهي أنواع كثيرة من عقار وناض ورقيق

وعروض وديون فأوصى بجملة الناض لرجل فأبى الورثة أن يجيزوا فإنهم بالخيار بين أن يجيزوا جميع الثلث.
فصل
أسباب التوارث ثلاثة رحم وولاء ونكاح.
والعلل المانعة من الميراث ثلاثة كفر ورق وقتل.
ولا توارث بين مسلم وكافر وقليل الرق وكثيره وكماله ونقصه سواء.
لا يرث قاتل العمد من مال ولا دية مقتولة ويرث قاتل الخطأ من ماله دون ديته.
ولا يرث الجنين إلا بعد وضعه والعلم بحياته وذلك بالاستهلال وهو الصراخ أو ما يقوم مقامه من طول مكث أو ارتضاع واختلف في العطاس ولا يرث مرتد ولا يورث إذا مات على ردته أو قتل وماله فئ.
ولا يجب ميراث بشك ولا يتوارث الغرقى والهدمي ومن جرى مجراهم ممن لا يعلم سبق موت أحدهما ويرث كل واحد منهم أحياء ورثته.
وما بقي من ميراث ولد الملاعنة المعتقة لموالي أمه والغريبة للمسلمين وولد الزنا لا حق بأمه ويتوارث توأمهما بأنهما أخوان لأم وتوأما الملاعنة بأنهما شقيقان.
ولا يقبل دعوى الأعاجم في السبي لأنسابهم إلا ببينة وما فضل عن ذوي السهام فللعصبة فإن لم يكونوا فللموالي فإن لم يكونوا فلبيت المال ولا يرد على ذوي السهام.

وأتوام الملاعنة يتوارثان بالأب والأم وأتوام الزانية والمغتصبة بالأم وحدها وأتوام السبية من قبل الأم والأب إذا كانت الولادة في بلد الإسلام ولا ميراث لذوي الأرحام ويعتبر في الخنثى بالمبال وفي المشكل نصف الميراثين وإذا اجتمع في الشخص سببان يورث بهما ورث بأقواهما إلا إبن عم يكون أخا لأم فإنه يرث بهما والزوج يكون ابن عم فإنه يرث بالسببين معا وكذلك البنت والزوج يكونان موليان.
فصل
قد ذكرنا أن جهات التوارث ثلاثة نسب وولاء ونكاح.
والوارثون عشرة أصناف ولد الصلب ذكورهم وإناثهم وولد الابن ذكورهم وإناثهم وإن نزلوا والأبوان والجد أب الأب وآباؤه وإن علوا والإخوة ذكورهم وإناثهم وبنو الأخوة لغير الأم دون بناتهم والعمومة لغير الأم وبنوهم دون بناتهم وإن نزلوا والزوجان والموالي ذكورهم وولدهم وباقي عصبتهم.

وقد ألف الناس عبارات الفرضيين وهو الوارثون من الرجال عشرة الابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد أب الأب وإن علا والأخ وابن للأخ وإن سفل والعم وابن العم وإن سئل والزوج ومولي النعمة.
ومن النساء سبع الابنة وابنة الابن وإن سفلت والأم والجة وإن علمت والأخت والزوجة ومولاة النعمة.
والميراث بوجهين بتعصيب وبفرض والفروض ستة وهي النصف ونصفه وهو الربع ونصفه وهو الثمن والثلثان ونصفها وهو الثلث ونصفه وهو السدس.
فالنصف لخمسة لابنة الصلب وابنة الابن والأخت للأب وأم أو لأب والزوج مع عدم الولد أو ولد الابن والربع فرض الصنفين الزوج مع الولد أو ولد الابن والزوجة أو الزوجات مع عدمهم والثمن فرض صنف واحد وهو الزوجة والزوجات إذا اجتمعن مع الولد أو ولد الابن والثلثان فرض أربع الابنتين فصاعدا من بنات الصلب والاثنتين فصاعدا من بنات الابن والاثنتين فصاعدا من الأخوات للأب والأم أو لأب فقط والاثنتين فصاعدا من الأخوات للأب.
والثلث فرض لصنفين الأم مع عدم الولد أو ولد الابن والاخوة وفرض الاثنين فصاعدا من ولد الأم والسدس فرض سبعة فرض كل واحد من الأبوين مع الولد أو ولد الابن واحد فروض الجد والجدة أو الجدات إذا اجتمعن وفرض

بنات الابن مع بنت الصلب وفرض الأخوات للأب مع الأخت للأب والأم وفرض الواحد من ولد الأم ذكرا كان أو أنثى وكل واحد من ذوي الفروض فذلك فرضه إذا انفرد عمن يحجبه عنه وحجبه عنه يكون إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: إسقاط:
والآخر: حجب إلى نقصان منه وهو انتقال إلى فرض آخر دونه.
والثالث: إزالته عنه إلى تعصيب وإلى نقصان فنبدأ بمن فرضه النصف فنقول إن ابنة الصلب يحجبها عن النصف إلى التعصيب بنو الصلب فقط الواحد فما زاد عليه فترث معهم للذكر مثل حظ الأنثيين ويحجبها إلى النقصان بغير تعصيب بنت أو بنات إن كن معها للصلب إلا ابن معهن وينتقل فرض الكل إلى الثلثين ويقتسمنه على عدد رؤسهن وأما ابنة الابن فيحجبها عن النصف إلى التعصيب الواحد فصاعدا من بني الابن إخوة كانوا أو بني عمومة فيأخذون المال للذكر مثل حظ الأنثيين ويحجبها إلى النقصان بنت الصلب فقط فتنتقل إلى فرض آخر وهو السدس تكمله الثلثين ويحجبها بنت الابن أو بنات ابن إن كن معها فيقتسمن الثلثين بينهن.
وأما الأخت الأب والأم فيحجبها عن النصف إلى التعصيب صنفان إخوتها لأبيها وأمها الواحد فما زاد فتقاسمهم للذكر مثل حظ الأنثيين والواحدة فصاعدا من بنات الصلب أو بنات الابن فإذا أخذت الواحدة النصف والجماعة الثلثين أخذت الأخت ما بقي بالتعصيب.

وأما الأخت للأب فيحجبها إلى التعصيب أخوتها لأبيها وأمها أو لأبيها فتقاسمهم على المفاضلة ويحجبها بنات الصلب وبنات الابن إلى التعصيب فتأخذ معهن ما بقي بعد فروضهن قل أم كثر ويحجبها الواحدة من الأخوات للأب والأم إلى السدس تكمله الثلثين.
ويحجبها أخوات إن كن معها فيكون فرضهن الثلثين.
وأما الزوج فحجبه بنوع واحد وهو الانتقال إلى الربع فيحجبه الولد أو ولد الابن الواحد فأكثر الذكور والإناث منه أو من غيره.
فأما حجب أصحاب الربع فإن الزوج لا يحجب عنه بوجه ويحجب الزوجة عنه الولد وولد الابن إلى الثمن ومشاركة زوجة أخرى أو زوجات فيقتسمنه على عدد رؤوسهن وأما الحجب عن الثمن فإنما يكون بالمشاركة فيه فيقتسمنه على عدد رؤوسهن وأما حجب أصحاب الثلثين فيحجب بنات الصلب عنه بنو الصلب إلى التعصيب فيقتسمون للذكر مثل حظ الأنثيين وليس فيه حجب إلى نقصان وأما بنات الابن فيحجبهن عنه إلى التعصيب بنو الابن فيتقسمون للذكر مثل حظ الأنثيين ويحجبهن إلى النقصان بنت الصلب يأخذن السدس يقتسمنه على عدد رؤوسهن.
وأما الأخوات للأب والأم فيحجبهن عنه إلى التعصيب نوعان:
أحدهما الأخوة للأب والأم فيقتسمون للذكر مثل حظ الأنثيين.
والنوع الآخر: بنات الصلب وبنات الابن وإن سفلن الواحد فصاعدا فيقتسمن ما بقي بعد أخذ البنات فروضهن على عدد رؤوسهن بالتعصيب وأما الأخوات للأب فيحجبهن عن الثلثين إلى التعصيب الإخوة للأب فيقتسمون للذكر مثل حظ الأنثيين وبنات الصلب وبنات الابن على سبيل حجب الأخوات للأب والأم ويحجبهن إلى السدس الأخت للأب والأم وأما حجب أصحاب الثلث فإن الأم يحجبها عنه إلى السدس الولد وولد الولد والاثنان فصاعدا من الإخوة أو الأخوات ويحجبها عنه الأب إلى ثلث ما بقي في مسئلتين وهما زوج وأبوان وزوجة وأبوان فيأخذ ثلث ما بقى عن فروض الزوجين فمرة يكون السدس ومرة يكون الربع.

وأما الإخوة والأخوات للأم فلا يتصور فيهم حجب إلا الإسقاط وأما حجب أصحاب السدس فيحجب بنات الابن عنه مع بنت الصلب بنو الابن إلى المقاسمة وكذلك الأخوات للأب مع الأخت للأب والأم يحجبهن الإخوة للأب وأما الحجب الذي هو الإسقاط فإنه لا يكون في ثلاثة أصناف وهم ولد الصلب والأبوان والزوجان ويكون فيمن عداهم.
وأما ولد الابن فلا يحجبهم إلا ذكور ولد الصلب فقط ويحجب إناثهم الاثنان فصاعدا من إناث ولد الصلب إذا لم يكن مع إناث ولد الابن ذكر في درجتهن أو أنزل منهن وأما الأجداد فلا يحجبهم إلا الآباء وكل أب يحجب من فوقه فالأب دنية يحجب الجد أباه والجد يحجب أباه وهو جد الأب على هذا.
والأخوة والأخوات للأب والأم يحجبهم البنون وبنو البنين والأب ويحجب الإخوة والأخوات للأب ذكور الإخوة للأب والأم وكل من يحجبهم ويحجبهم الأخوات والأم مع البنات ويحجب إناث ولد الأب الاثنتان فصاعدا من إناث ولد الأب والأم إلا أن يكون معهن ذكر في درجتهن خاصة وأما ولد الأم فيحجبهم أربعة الولد وولد الابن والأب والجد ويحجب بني الإخوة للأب والأم آباؤهم وكل من حجب آباؤهم ويحجبهم الجد والإخوة للأب ويحجب بنو الإخوة للأب آباؤهم وكل من حجبهم ويحجبهم الجد وبنو الإخوة للأب والأم ويحجب العمومة بنو الإخوة ومن يحجبهم ويحجب بني العمومة وكل من حجبهم.
ولا يرث مولى وهناك عصبة ويحجب الجدات الأمهات على سبيل حجب الآباد الأجداد وهذه في الجملة ثم نتكلم عن التفصيل.
فصل
أما بنو الصلب فإن الابن الواحد يجوز المال إذا انفرد والاثنان والجماعة يقتسمون المال بالسواء وإذا اجتمع الذكور والإناث اقتسموا المال للذكر مثل حظ

الأنثيين وفرض الواحدة إذا انفردت النصف وفرض الاثنتين فصاعدا الثلثان وأما ولد الابن فميراثهم مع عدم ولد الصلب على سبيل ميراث ولد الصلب جملة بغير تفصيل.
وميراثهم مع إناث ولد الصلب أن يأخذ ذكورهم ما فضل عن فرض الإناث بالتغصيب وإن كان معهم إناث قاسموهن للذكر مثل حظ الأنثيين وأما إناثهم فيأخذون مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين الواحدة والجماعة ويسقطهن مع الاثنتين فصاعدا إلا أن يكون معهن ذكر في درجتهن أو أنزل منهن فيعصبهن.
وأما إذا انفردت فميراثهن كميراث إناث ولد الصلب للواحدة النصف وللاثنتين فصاعدا الثلثان وإن كان معهن ذكر تقاسموا على المفاضلة وإن كان معهن ذكور أنزل منهن أخذوا الفاضل عنهن فإن كان معهن إناث فقط أنزل من درجتهن سقط من سفل منهن بمن علا إذا كن اثنتين فصاعدا إلا أن يكون مع النوازل ذكر في درجتهن أو أنزل منهن.
وأما الأب فإذا انفرد حاز المال بالتعصيب فإن كان معه ذو فرض سواء إناث ولد الصلب وولد الابن أخذوا فروضهم وأخذ هو الباقي بالتعصيب وأما ميراثه مع ولد الصلب وولد الابن فيفرض له مع ذكورهم وإناثهم السدس ثم إن فضل عن إناثهم فضل آخذه بالتعصيب.
وأما الأم ففرضها الثلث إلا مع الولد وولد الابن والاثنين من الإخوة والأخوات فإن فرضها مع هؤلاء السدس وإن كان معها أب وزوج أو زوجة ففرضها بعد أخذ الزوج أو الزوجة ثلث ما بقى.
وأما الجد فيجوز المال إذا انفرد ويأخذ السدس مع الولد وولد الابن إذا لم يكن إخوة وأخوات على سبيل ميراث الأب.

فأما ميراثه مع الإخوة والأخوات فيقاسم ذكورهم بالسواء ما كانت المقاسمة أحظى له من ثلث جميع المال ويقاسم كذلك إناثهن إذا انفردون للذكر مثل حظ الأنثيين كإخوتهن وإذا اجتمع إخوة وأخوات كان الجد كأخ معهم في مقاسمة وميراثه مع ولد الأب إذا انفردوا كميراثه مع ولد الأب والأم وكل هذا يراعى فيه الأحظ له من المقاسمة أو الثلث فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه ثم نظر في الأحظى له من ثلاثة أشياء:
أما المقاسمة أو ثلث ما بقي أو سدس من رأس المال إلا في مسألة واحدة وهي الأكدرية وهي زوج وأم وأخت لأب وأم وجد فإنه إذا فرض له السدس جمع حقه وحق الأخت وقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإذا اجتمع ولد الأب مع ولد الأب والأم والجد عاذوه بهم إخوة الأب وأم وقاسموه ثم رجع ولد الأب والأم على ولد الأب فيأخذون ما معهم على سبيل فروضهم ولو لم يكن جد فإن فضل شيء كان لولد الأب وإن لم يفضل فلا شيء لهم ومثال ما لا يفضل أن يكون جد وأخ لأب وأم وأخ لأب فيقسمون المال أثلاثا ثم يأخذ الأخ للأب والأم ما مع الأخ للأب ويبقي بغير شيء ومثال ما يفضل أن يكون جد وأخت لأب وأم وأخ لأب فيقاسمهم الجد للذكر مثل حظ الأنثيين على خمسة أسهم للجد سهمان وللأخ سهمان ولأخت سهم ثم ترجع الأخت على الأخ للأب فتأخذ تمام النصف ويأخذ الأخ ما فضل.
وأما الجدات فقد ذكرنا أن فرض الواحدة السدس إذا انفردت فإن كان معها أخرى اشتركتا فيه ولا يرث منهن إلا جدتان أم الأم وأمهاتها وأم الأب وأمهاتها ولا ترث أم جد وإذا اجتمع جدتان فإن كانت من جنس واحد فالسدس للقربى وتسقط البعدي كأم أم وأمها وأم أب وأمها وإن كانت من جهتين أسقطت القربى من جهة الأم البعدي من جهة الأب ولا تسقط القربى من جهة الأب البعدي من جهة الأم بل تشتركان في السدس.

وأما ميراث الإخوة والأخوات للأب والأم والإخوة للأب فعلى سبيل ميراث ولد الصلب والابن والأخ للأب والأم إذا انفرد حاز المال وإن كانوا إخوة اقتسموا بالسواء فإن كان معهم إناث اقتسموه للذكر مثل حظ الأنثيين وفرض الواحدة إذا انفردت النصف والأنثيين فصاعد الثلثان وفرض ولد الأب إذا انفردوا كميراث ولد الأب والأم فأما إذا اجتمعوا معهم فإن ذكور ولد الأب والأم يسقطون ولد الأب جملة.
فإذا اجتمع ولد الأب مع إناث ولد الأب والأم فإن ذكورهم يأخذون ما بقي بالتعصيب بعد فرض الإناث ويأخذ إناثهم مع الواحدة من إناث ولد الأب والأم السدس تكمله الثلثين ويسقطن مع الأنثتين إلا أن يكون معهم ذكر في درجتهن خاصة فيعصبهن.
وأما ولد الأم فللواحد السدس وللاثنين فصاعدا الثلث الذكر والأنثى فيه سواء فإذا اجتمع معهم ولد الأب أو ولد الأب والأم كانوا كسائر أهل السهام لا حجب بينهم ولا إسقاط إلا في موضع واحد وهو أن يجتمع زوج وأم واثنان من ولد الأم وأخ أو أخوات ذكور من ولد الأب والأم فها هنا يشاركون ولد الأم في الثلث وتسمى هذه المسألة المشتركة.
وأما العمومة وبنو العمومة فيرثون بالتعصيب ويقدم منهم ولد الأب والأم على ولد الأب ومن كان منهم أخا لأم أخذ بالفرض والتعصيب ولا يرث إناثهم وقد تقدم ميراث الزوجين والموالي.
فصل
وأصول مسائل الفرائض سبعة مبنية على الفروض وقد ذكرنا أن الفروض ستة النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس.
وأصول المسائل السبعة وهي الاثنان والثلاثة والأربعة والستة والثمانية والاثنى عشرة والأربعة والعشرون فالاثنان النصف وما بقى وللنصفين

كزوج وأخت لأب وأم أو للأب فأما ما بقي فليست له مسألة بعينها فلا وجه لذكره.
وأما الثلاثة فللثلث والثلثين اجتمعا أو انفردا والاربعة للربع وللربع والنصف وللربع وثلث ما بقى وهذا في امرأة وأبوين خاصة والسنة للسدس وللنصف والسدس والثلث والنصف وللنصف والثلثين وللثلثين والسدس وللنصف والثلثين والسدس وللنصف وثلث ما بقى وهذا في زوج وأبوين خاصة وللثلثين والسدسين وأكثر هذا بالعول وأما الثمانية فللثمن وله وللنصف وأما الاثنى عشر فلا تكون بفرض منفرد وإما تكون باجتماع الربع مع الاثلاث والاسداس وربما اجتمع معه النصف ولكن الأصل ما ذكرناه وأما الأربعة والعشرون فخاصيتها في اجتماع الثمن مع الأثلاث والأسداس وقد يجتمع مع ذلك النصف.
واعلم أن ثلاثة من هذه الأصول تعول وهي الستة والاثنى عشر والأربعة والعشرون فالأربعة لا تعول فعول الستة إلى السبعة كزوج وأختين لأب وأم أو لأب أو زوج وأخت لأب وأم وأخت لأب وإلى ثمانية كزوج وثلاثة أخوات مفترقات وإلى تسعة كزوج وأم وثلاث أخواتم فترقات وإلى عشرة كزوج وأم وأختين لأب وأختين لأم وهذه نهاية عول الستة و تسمى ما عال إلى عشرة أم الفروج.
وأما الإثنا عشر فعولها إلى ثلاثة عشر كزوج وبنت وأبوين وإلى خمسة عشر كزوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات وإلى سبعة عشر كزوجة وجدة وأختين لأب وأختين لأم وهذا نهاية ما تعول إليه الإثنا عشر.
ومن هذا العول ثلاث زوجات وجدتان وثمان أخوات لأب وأربع أخوال لأم وتسمى أم الأرامل وربما ألغزتفيقال لك سبعة عشر أنثى ورثن سبعة عشر دينارا فاقتسمتها دينارا دينارا.

وعول الأربعة والعشرون عول واحد وهو إلى سبعة وعشرين ومن مسائله زوجة وأبوان وابنتان.
فصل
وإذا انقسمت السهام على الورثة فقد صحت عليهم فأغنى ذلك عن ضرب وإذا لم تنقسم عليهن فانكسرت إما على بعضهن أو على جميعهم فذلك يتفرع إلى وجوه كثيرة منها أن تنكسر على حيز من الورثة فقط فلا توافق سهامهم أبدانهم فهذا بابه أن نضرب عدد المنكسر عليهم في المسألة أو في عولها إن كانت عائلة فما انتهى بك الضرب إليه فمنه تصح.
مثاله زوج وإخوة لأب فهي من اثنين للزوج النصف سهم ويبقى سهم للأخوات وينكسر عليهم فتضرب عددهم في المسألة فإن كانوا ثلاثة ضربتها في المسألة فكانت ستة للزوج النصف ثلاثة ويبقى ثلاثة للإخوة وهم ثلاثة.
ومنها أن تنكسر على حيز واحد وتكون أبدانهم موافقة لسهامهم فتأخذ العدد الموافق من أبدانهم لسهامهم فتضربه في المسألة فما بلغ فمنه تصح والموافقة هي أن تكون لأبدانهم جزء صحيح وتكون لسهامهم مثله كان منتسبا أو أصح كنصف ونصف وربع وربع وواحد من إحدى عشر أو ثلاثة عشرا وسبعة عشر أو تسعة عشر ومثاله زوجة وستة إخوة أصلها من أربعة للزوجة الربع سهم والباقي وهو ثلاثة للإخوة وهم ستة لا تصح عليهم وتجد لعددهم ثلثا صحيحا ولسهامهم مثله فتضرب ثلث عددهم وهو اثنان في المسألة فتكون ثمانية تنقسم عليهم فإذا أردت معرفة نصيب كل واحد من الورثة فأضرب تفصيل سهام المسألة فيما ضربت فيه الجملة.
ومنها أن تنكسر على صنفين مختلفين وأبدانهم لا توافق سهامهم فبابه أن تضرب أحد العددين في الآخر فما حصل معك فاضربه في المسألة أو في عولها إن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح ثم اعمل في معرفة نصيب كل واحد من الورثة

على ما بينت لك ومثاله زوجتان وخمسة أخوة أصلها من أربعة وسهام كل واحد من الحيزين منكسر عليه ولا يوافقه بوجه فتضرب أحد العددين في الآخر فتكون عشرة ثم في المسألة فتكون أربعين ومنها تصح فإذا أردت أن تعرف حصة الزوجين فقد كان لهما من الأربعة سهم مضروب لهما فيما ضربت القريضة فيه وهو عشرة فيكون عشرة وكان للإخوة ثلاثة مضروبة لهم فيما ضربت القريضة فيه فتكون ثلاثين.
ومنها أن تنكسر على صنفين متسأويين في الأعداد من غير موافقة بينهما وبين سهامهما فبابه أن تضرب أحد العددين في سهام المسألة ويكون العدد الآخر كأنه لم يكن كأربع زوجات وأربعة إخوة فنضرب أحد الأربعين في المسألة وهي أربعة فتكون ستة عشر ومنها تصح.
ومنها أن تنكسر على جنسين لا موافقة بين أعدادهما وسهامهما وهما يتداخلان ومعنى التداخل أن يكون أحدهما جزءا من الآخر كاثنين من أربعة وثلاثة من تسعة فهذا يكتفي فيه بضرب العدد الأكثر ويصير الأقل كأنه لم يكن وذلك مثل أربع زوجات وثمانية إخوة أصلها من أربعة وينكسر على الفريقين وعدد الزوجات داخل في عدد الإخوة فيكتفي بعدد الإخوة فتضربه في المسألة فيكون اثنين وثلاثين ومنها تصح.
ومنها أن تنكسر على حيزين يتفق أعدادهما من غير موافقة بينهما وبين سهامهما فبابه أن تضرب وفق أحدهما في الآخر ثم في المسألة.
مثاله: أربع زوجات وأخت لأب وأم وستة عمومة أصلها من أربعة وتنكسر على الزوجات والعمومة ولا موافقة بينهما وبين سهامهما وأعدادهما يتفق بالإنصاف فتضرب نصف أيهما شئت في كل الآخر فيكون اثنى عشر ثم في المسألة فتكون ثمانية وأربعين ومنها تصح ووجه معرفة الموافقة أن تسقط أقل العددين من أكثرهما أبدا إلى أن يبقى من الأكثر أقل من العدد الأقل فتسقط من الأقل فإن فنى به فالموافقة بينهما بواحد من العدد الذي فنى به كائنا من كان فإن لم يغن به

نقصت ما بقي من الأقل أبدا فإن بقي واحد فلا موافقة بينهما مثال ذلك إذا قيل لك بم توافق الستة خمسة عشر.
فبابه أن تسقط الستة من خمسة عشر فإذا أسقطها مرتين علمت أنه بقى ثلاثة فتسقطها من الستة فتفنى بها فتكون الموافقة بواحد من ثلاثة وهي الثلث وكذلك إذا قيل لك بم توافق الستة والستون الثمانية والثمانين فبابه أن تسقط الستة والستين من الثمانية فيبقى اثنان وعشرون فتسقطها من ستة وستين فتفنى بها فتعلم أن الموافقة بواحد من اثنين وعشرين فتضرب وفق الستة والستين وهو ثلاثة في ثمانية وثمانين أو وفق الثمانية والثمانين وهو أربعة في ستة وستين فيغنيك ذلك عن ضرب جملة أحد العددين أحدهما في الآخر.
ومنها أن تنكسر على حيزين يوافق أحدهما سهامه ويكون وفقه مسأويا للعدد الآخر فتكتفي بضرب أي المتسأويين في المسألة مثاله بنت وأربع زوجات وأربعة إخوة وأربع أخوات لأب أصلها من ثمانية للابنة النصف أربعة وللزوجات الثمن سهم ينكسر عليهن ولا يوافق ولولد الأب ثلاثة ينكسر عليهم ويوافق عددهم سهامهم بالأثلاث فتأخذ وفق عددهم وهو أربعة فتجده مسأويا لعدد الزوجات فتضرب أيهما شئت في المسألة فتكون اثنين وثلاثين ومنها تصح.
ومنها أن تنكسر على حيزين يوافق أحدهما سهامهم ويكون وفقه وجملة الحيز الآخر متداخلين فهذا يكتفي فيه بضرب الأكثر كما تفعل ذلك في جملة العددين المتداخلين مثاله أربع زوجات وثمانية إخوة وثمان أخوات أصلها من أربعة للزوجات سهم ينكسر عليهن ولا يوافق ولد الأب ثلاثة وأعدادهم أربعة وعشرون ينكسر عليهم ويوافق بالأثلاث فتأخذ ثلث عددهم وهو ثمانية فتجد عدد الزوجات داخلا فيها فتضرب الثمانية في المسألة وهي أربعة فتكون اثنين وثلاثين ومنها فتصح.
ومنها موافقة الموافقة وهي أن تنكسر على حيزين يوافق عدد أحدهما سهامه ثم يكون وفقه موافقة لجملة عدد الآخر فبابه أن توفق بين وفق عدد الموافق

لسهامه وبين جملة العدد الآخر إذا عرفت الموافقة أخذت جزءها من أحدهما فتضربه في كل الآخر مثاله ثمان بنات وستة بني ابن أصلها من ثلاثة للبنات الثلثان بسهمين ينكسر عليهن ويوافق بالإنصاف فيرجعن إلى أربع وسهم بني الابن ينكسر عليهن ولا يوافق وفق أعداد البنات الذي هو الأربعة يوافق جملة عدد بني الابن وهو ستة بالإنصاف فتضرب نصف أحدهما في كل الآخر فيكون اثنى عشر ثم في أصل المسألة فيكون ستة وثلاثين ومنها تصح.
ومنها والباب بحاله أن يكون وفق أحدهما وجملة العدد الآخر مختلفين فبابه أن تضرب وفق العدد الموافق لسهامه في جملة العدد الآخر ثم تضرب ما بلغ في المسألة مثاله أربع بنات وخمسة بني ابن أصلها من ثلاثة للبنات الثلثان سهمان ينكسر عليهن ويرجعن بالموافقة إلى اثنين وسهم بني الابن ينكسر عليهم ولا يوافق فتضرب وفق عدد البنات وهو اثنان في جملة عدد بني الابن فيكون عشرة ثم في المسألة فيكون ثلاثين ومنها تصح.
ومنها أن يكون الجنسان المنكسر عليهما عددهما موافق لسهامها ووفقهما متسأويان أو متداخلان أو متفقان أو متباينان فبابه إنك إذا عرفت وفق كل واحد منها جعلته كأصل العدد وعملت فيه ما تعمل في أصله وقد بيناه.
ومنها أن يكون الكسر على ثلاثة أصناف مختلفة غير موافقة لسهامها فبابه أن تضرب بعضها في بعض فما اجتمع فاضربه في المسألة أو عولها إن كانت عائلة ومثاله ثلاث أخوات لأب و خمس لأم وجدتان أصلها من ستة وتعول إلى سبعة فإذا ضربت الأصناف بعضها في بعض وجدتها ثلاثين فتضرب بها في المسألة بعولها وهي سبعة فتكون مائتين وعشرة من له شيء من سبعة مضروب له في الثلاثين ومنها تصح.
ومنها أن تكون الأحياز الثلاثة موافقة لسهامها ووفقها فيه أحد الأقسام الأربعة وهي المتسأواة أو المتداخلة أو الاتفاق أو الاختلاف فتعمل فيه كما تعمل في الحيزين وقد ذكرناه.

وكذلك الكسر على أربعة أحياز وهو نهاية ما تنكسر عليه.
وإن كان في المسالة خمسة أحياز فما زاد فلا بد أن تصح على بعضها ولأهل الفرائض طريقة في الحساب والأعداد التي يوافق بعضها بعضا ينقسم إلى طريقين يؤديان إلى شيء واحد.
فالبصريون يسمونها الموقوفة والكوفيون لا يلقبونها بأكثر من الاتفاق فأما الكوفيون فإنهمن يوفقون بين عدد وبين عدد آخر ثم يضربون وفق أحدهما في جملة العدد الآخر فما اجتمع وفقوا بينه وبين العدد الثالث فما اجتمع ضربوا وفق أحدهما في كل الآخر فما اجتمع ضربوه في المسألة.
وأما البصريون فإنهم يوفقون أحد الأحياز ثم يوفقون بينه وبين كل واحد من الأحياز الباقية فما حصل من وفق كل واحد من الاحياز عملوا فيه ما يعملونه في أصل الأعداد من الأقسام فما حصل من ذلك ضربوه في العدد الموقوف ثم في أصل المسألة مثاله سبع وعشرون بنتا وست وثلاثون جدة وخمس وأربعون أختا لأب فعلى طريقة الكوفيين إذا وفقت بين السبع والعشرين والستة والثلاثين وجدتهما يتفقان بالاتساع فتضرب تسع أحدهما في كل الآخر فتجده مائة وثمانية فتوافق بينهما وبين الخمس والأربعين فتجده تتفق بالاتساع فتضرب تسع أحدهما في كل الآخر فيكون خمسمائة وأربعين ثم في المسألة فتكون ثلاثة آلاف ومائتين وأربعين ومنها تصح.
وعلى طريقة البصريين يوقف أحد الأحياز والأحسن عندهم إيقاف الأكثر فتوقف الخمس والأربعين وإذا وفقت بينها وبين السبعة والعشرين وجدتها يتفقان بالاتساع فتأخذ تسع السبعة والعشرين وهو ثلاثة ثم توفق بين الستة والثلاثين وبين الخمس والأربعين فتجدهما يتفقان بالاتساع فتأخذ تسع الستة والثلاثين وهو أربعة ثم تجد وفقين مختلفين فتضرب أحدهما في الآخر فيكون اثنى عشر في العدد الموقوف فيكون خمسمائة وأربعين ثم في أصل المسألة.

فصل
في المناسخات صفتها أن يموت بعض الورثة قبل قسمة المال ويتفرع ذلك إلى بطن ثالث ورابع إلى ما لا يتناهى.
ووجه أن تنظر فإن كان ورثة الميت الثاني هم بقية ورثة الميت الأول يرثون الثاني على الوجه الذي ورثوا الأول فإنك تقسم التركة بينهم على أعدادهم وتدع المسألة الثانية لأن الاشتغال بها لا يفيد إلا الضرب والحساب الذي لا يرجع إلى إثبات فائدة ومثاله أن يموت رجل عن ثلاثة بنين فلا يقسم المال حتى يموت أحدهم فالوجه أن نقول أن التركة بينهما على سهمين لأن حصة الميت الثاني قد صارت إلى أخويه إذا لم يترك غيرهما وإن كان معهما من يرث من الأول ولا يرث من الثاني فإنك تفرد ذلك الوارث بنصيبه وتعمل في حصة الباقيين على ما تقدم ومثاله امرأة توفيت عن زوج وثلاثة بنين وثلاث بنات والزوج ليس بأبيهم فلم يقسم المال حتى مات ابنان وابنتان فإنك تجعل المسألة كأنها ماتت عن زوج وابن وابنة فتعطى الزوج الربع وما بقي بين الابن والابنة للذكر مثل حظي الأنثيين ولا فائدة في التطويل.
فأما إذا كان الورثة الأحياء غير عصبة للميتين وفيهم من يرث الثاني دون الأول أو الأول دون الثاني فبابه أن تصحح المسألة الأولى وتعرف حصة الميت الثاني منها ثم تصحح مسألته ثم تنظر فإن انقسمت تركته على مسألته فإن المسألتين تصحان مما صحت منه الأولى مثاله زوج وخمس أخوات مات الزوج قبل القسمة عن ابنين وابنة فإذا نظرت وجدت المسألة الأولى تصح من عشرة للزوج خمسة وهي مسألته فتصح المسألتان من عشرة.
فإن كانت تركة الميت الثاني لا تنقسم على مسألته فلا يخلو أن يكون سهامه من المسألة الأولى يوافق مسألته أو لا يوافق فإن لم يوافق ضربت جملة المسألة الثانية في جملة الأولى فما بلغ فالمسألتان تصحان منه.

ومعرفة نصيب كل وارث من المسألة الأولى بأن تضرب سهامه منها في المسألة الثانية ومعرفة نصيب كل وارث من المسألة الثانية بأن تضرب سهامه منها في سهام الميت الثاني من المسألة الأولى ومثاله زوج وثلاثة إخوة ثم مات الزوج وخلف ثلاثة بنين وابنتين فالمسألة الأولى تصح من ستة للزوج ثلاثة ولكل أخ سهم والمسألة الثانية من ثمانية ولا موافقة بين الثلاثة وبين الثمانية فنضرب المسألة الثانية في الأولى فتكون ثمانية وأربعين فمنه تصح المسألتان من له شيء في المسألة الأولى مضروب له في المسألة الثانية ومن له شيء من المسألة الثانية مضروب له في سهام الميت الثاني من الأولى فحصة الإخوة من الأولى ثلاثة أسهم مضروب لهم في ثمانية فتكون أربعة وعشرين وحصة ورثة الميت الثاني ثمانية مضروب لهم فيما مات عنه ميتهم من الأولى وهو ثلاثة فتكون أربعة وعشرين.
فإن كانت مسألة الميت الثاني توافق سهامه من المسألة الأولى ضربت الجزء الوفق من مسألته في جملة المسألة الأولى فما بلغ فمنه تصح المسألتان ومعرفة نصيب كل وارث بأن تضرب سهامه من المسألة الأولى في الوفق من الثانية ومن له سهام من الثانية ضربتها في وفق سهام الميت الثاني من المسألة الأولى مثاله والمسألة على حالها لو مات الزوج عن ابنين وابنتين مسألته من ستة وسهامه من الأولى ثلاثة يتفقان بالأثلاث من له شيء من المسألة الأولى مضروب له في وفق الثانية وهو اثنان ومن له شيء من الثانية مضروب له في وفق سهام الميت الثاني وهو واحد وعلى هذا تجري مسائل هذا الباب.
فصل
وإذا أردت قسمة التركة وهي دنانير أو دراهم على السهام فلذلك ثلاثة طرق أحدها أن تقدر الفريضة وتعرف سهام كل وارث فإذا أردت ما يخصه

فاضرب سهام كل وارث في التركة ثم اقسم على عدد سهام المسألة فما بلغ فهو خصته مثاله زوج وأم وأخت لأب والتركة عشرون دنارا المسألة من ثمانية بالعول فإذا أردت معرفة نصيب الزوج فاضرب سهامه وهي ثلاثة في التركة تكن ستين فأقسم له على سهام المسألة من كل ثمانية دينارا تكون سبعة دنانير ونصفا وللأم على هذا خمسة دنانير وللأخت سبعة دنانير ونصف.
والطريق الثاني أن توفق بين سهام المسألة وعدد التركة ثم تصنع في الوفقتين ما كنت صانعة في الجملتين مثاله والمسألة بحالها أن الثمانية توافق العشرين بالأرباع وخصة الزوج من ثمانية ثلاثة فتضرب له في وفق العشرين وهي خمسة فتكون خمسة عشر فتقسم له على وفق الثمانية وهو اثنان فتكون سبعا في حصة كل وارث.
والطريق الثالث أن تقسم التركة على سهام المسألة فما خرج لكل سهم ضربته في حصة كل وارث فما بلغ علمت أنه نصيبه مثاله والمسألة على حالها إنا إذا قسمنا العشرين على الثمانية خرج لكل سهم ديناران ونصف وللزوج ثلاثة أسهم وإذا ضربته في الاثنين والنصف كان سبعة ونصفا.
فإن كان في التركة كسر بسطها من نوع ذلك ثم عملت فيها على ما تقدم فإن كانت التركة مشتملة على دنانير وعرض مثل ثوب أو سيف فأخذ بعض الورثة ذلك بحصته فأحببت أن تعلم قدر قيمته فبابه أن تسقط سهامه من المسألة على ما بيناه ثم تضرب سهام هذا الوارث في التركة فما بلغ قسمته على باقي سهام المسألة فما بلغ فهو حصته وهو قدر قيمة العرض.
مثاله: أخت وأم وعم والتركة خمسة عشر دينارا وثوبا أخذت الأخت الثوب بحصتها فالمسألة من ستة للأخت ثلاثة تسقط سهامها فيبقى من المسألة ثلاثة للأم سهمان وللعم سهم فتضرب سهام الأم وهما اثنان في التركة فيكون ثلاثين ثم تقسم لها على ثلاثة فيكون عشرة وللعم نصف ذلك ثم تضرب سهام الأخت وهي ثلاثة في التركة فتكون خمسة وأربعين فتقسمها على ثلاثة فتكون خمسة عشر وذلك قيمة الثوب.
ولهذا الباب فروع كثيرة.
والحمد لله رب العالمين.
انتهى كتاب التلقين
لأبي محمد عبدالوهاب المالكي البغدادي.