كتاب : عمدة الفقه
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن قدامة المقدسي

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة
المؤلف
الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، حمداً يفضل على كل حمد، كفضل الله على خلقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة قائم بحقه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله غير مرتاب في صدقه، صلى الله عليه وسلم وصحبه وسلم ما جاد سحاب بودقه، وما رعد برقه.
أما بعد: فهذا كتاب في الفقه، اختصرته حسب الإمكان، واقتصرت فيه على قول واحد، ليكون عمدة لقارئه، فلا يلتبس الصواب عليه باختلاف الوجوه والروايات.
سألني بعض إخواني تلخيصه، ليقرب على المعلمين، ويسهل على الطالبين، فأجبته إلى ذلك، معتمداً على الله سبحانه في إخلاص القصد لوجهه الكريم، والمعونة على الوصول إلى رضوانه العظيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وأودعته أحاديث صحيحة تبركاً بها، واعتماداً عليها، وجعلتها من الصحاح، لأستغني عن نسبتها إليها.
كتاب الطهارة
باب أحكام المياه
باب أحكام المياه
خلق الماء طهورا يطهر من الأحداث والنجاسات فلا تحصل الطهارة بمائع غيره فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جاريا لم ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه وما عدا ذلك ينجس بمخالطة النجاسة والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي1.
وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور وكذلك ما خالطه فغلب على اسمه أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته.
وإذا شك في طهارة الماء أو غيره أو نجاسته بني على اليقين وإن خفي موضع النجاسة من الثوب أو غيره غسل ما تيقن به غسلها وإن اشتبه ماء طهور بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب بعدد النجس وزاد صلاة.
وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعا إحداهن بالتراب ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية وإن كان على الأرض فصبة واحد تذهب بعينها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء" 2.
ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح3، وكذلك المذي ويعفي عن يسيره ويسير الدم وما تولد منه من القيح والصديد ونحوه وهو ما لا يفحش في النفس ومني الآدمي وبول ما يؤكل لحمه طاهر.
ـــــــ
1 القلتان: واحدتها قلة، سميت بذلك، لأن الرجل العظيم يقلها بيديه، أي يرفعها، وتقدر حالياً بحوالي 195, 122 كلغ. انظر: المطلع ص8، والفقه الإسلامي وأدلته 1/122.
2 أخرجه البخاري "219"، ومسلم "284"، من حديث أنس بن مالك.
3 النصح: الرش. انظر: القاموس المحيط: "نضح".
باب الآنية
لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحائفها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" 1. وحكم المضب حكمهما إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة.
ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهر واتخاذها واستعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها وصوف الميتة وشعرها طاهر وكل جلد ميتة دبغ أو لم يدبغ فهو نجس وكذلك عظامها وكل ميتة نجسة إلا الآدمي وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" 2، وما لا نفس له سائلة إذا لم يكن متولدا من النجاسات.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5426"، ومسلم "2067"، من حديث حذيفة بن يمان.
2 أخرجه أبو داود "83"، والترمذي "69"، والنسائي"333"، وابن ماجه "386" من حديث أبي هريرة.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
باب قضاء الحاجة
يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: "بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث" 1 "ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم" 2 وإذا خرج قال: "غفرانك" 3 "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" 4 ويقدم رجله
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "142"، ومسلم "375"، من حديث أنس بن مالك مرفوعاً، بلفظ: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" والخبث إناث الشياطين، والخبائث ذكرانها. انظر فتحر الباري 1/243.
2 أخرجه ابن ماجه "299"، من حديث أبي أمامة مرفوعاً، بلفظ: "لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النسج الشيطان الرجيم" .
قال في الزوائد: إسناده ضعيف.
3 أخرجه أبو داود "30"، والترمذي "7"، وابن ماجه "300"، من حديث عائشة.
قال الترمذي: هذا حديث غريب حسن.
4 أخرجه ابن ماجه "301" من حديث أنس بن مالك.
قال في الزوائد: الحديث بهذا اللفظ غير ثابت.

اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا من حاجة ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى وإن كان في الفضاء أبعد واستتر وارتاد لبوله موضعا رخوا ولا يبولن في ثقب ولا شق ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة ولا يستقبل شمسا ولا قمرا ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها" 1 ويجوز ذلك في البنيا انقطع البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثا ولا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بها ثم يستجمر وترا ثم يستنجي بالماء وإن اقتصر على الاستجمار أجزأه إذا لم تتعد النجاسة موضع العادة ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات منقيه ويجوز الاستجمار بكل طاهر إلا الروث والعظام وما له حرمة.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "394"، ومسلم "264"، من حديث أبي أيوب الأنصاري.

باب الوضوء
لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" 1 ثم يقول بسم الله2 ويغسل كفيه ثلاثا ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا يجمع بينهما بغرفة أو ثلاث ثم يغسل وجهه ثلاثا من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن وإلى أصول الأذنين ويخلل لحيته إن كانت كثيفة وإن كانت تصف البشرة لزمه غسلها ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ويدخلهما في الغسل ثم يمسح رأسه مع الأذنين يبدأ بيديه من مقدمه ثم يمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ويدخلهما في الغسل ويخلل أصابعهما ثم يرفع نظره إلى السماء فيقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"3.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1"، ومسلم "1907"، من حديث عمر بن الخطاب.
2 لحديث: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" أخرجه الترمذي "25"، وابن ماجه "398"، من حديث سعيد بن زيد.
قال الترمذي: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد.
3 أخرجه مسلم "234"، من حديث عقبة بن عامر الجهني.

والواجب من ذلك النية والغسل مرة مرة ما خلا الكفين ومسح الرأس كله وترتيب الوضوء على ما ذكرنا وأن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف ما قبله.
والمسنون التسمية وغسل الكفين والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائما وتخليل اللحية والأصابع ومسح الأذنين وغسل الميامن قبل المياسر والغسل ثلاثا ثلاثا وتكره الزيادة عليها والإسراف في الماء.
ويسن السواك عند تغير الفم والقيام من النوم وعند الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" 1 ويستحب في سائر الأوقات إلا للصائم بعد الزوال.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "887"، ومسلم "252"، من حديث أبي هريرة.

باب المسح على الخفين
يجوز المسح على الخفين وما أشبههما من الجوارب الصفيقة التي تثبت في القدمين والجراميق1 التي تجاوز الكعبين في الطهارة الصغرى يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهم للمسافر من الحدث إلى مثله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم يوما وليلة" 2.
ومتى مسح ثم انقضت المدة أو خلع قبلها بطلت طهارته ومن مسح مسافرا ثم أقام أو مقيما ثم سافر أتم مسح مقيم.
ويجوز المسح على العمامة إذا كانت ذات ذؤابة3 ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه ومن شرط المسح على جميع ذلك أن يلبسه على طهارة كاملة ويجوز المسح على الجبيرة إذا لم يتعد بشدها موضع الحاجة إلى أن يحلها والرجل والمرأة في ذلك سواء إلا أن المرأة لا تمسح على العمامة.
ـــــــ
1 الجراميق: جمع جرموق، وهو ما يلبس فوق الخف. انظر: القاموس المحيط: "جرمق"، والمصباح المنير : جرم.
2 أخرجه مسلم "276"، من حديث علي بن أبي طالب.
3 الذؤابة: طرف العمامة. انظر: المصباح المنير: "ذاب"
باب نواقض الوضوء
هي سبعة: الخارج من السبيلين والخارج النجس من غيرهما إذا فحش وزوال العقل إلا النوم اليسير جالسا أو قائما ولمس الذكر بيده ولمس امرأة
باب الغسل من الجنابة
والموجب له: خروج المني وهو الماء الدافق والتقاء الختانين.
والواجب فيه النية و بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق وتسن التسمية ويدلك بدنه بيديه ويفعل كما روت ميمونة قالت سترت النبي صلى الله عليه وسلم فاغتسل من الجنابة فبدأ فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه ثم ضرب بيده على الحائط والأرض ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفاض الماء على بدنه ثم تنحى فغسل رجليه1.
ولا يجب نقض الشعر في غسل ا إذا روى أصوله.
وإذا نوى بغسله بغسله الطهارتين أجزأ عنهما وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "281"، ومسلم "317".
باب التيمم
وصفته أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار: "إنما يكفيك هكذا" 1 وضرب بيديه على الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز.
وله شروط أربعة:
أحدها: العجز عن استعمال الماء إما لعدمه أو خوف الضرر باستعماله لمرض أو برد شديد أو خوف العطش على نفسه أو رفيقه أو بهيمته أو خوف على نفسه أو ماله في طلبه أو إعوازه إلا بثمن كثير فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه أو وجد ماء لا يكفيه لطهارته استعمله وتيمم للباقي.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "347"، ومسلم "368".
باب الحيض
ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة وجوبها وفعل الصيام والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف واللبث في المسجد والوطء في الفرج وسنة الطلاق والاعتداد بالأشهر.
ويوجب الغسل والبلوغ والاعتداد به فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم والطلاق ولم يبح سائرها حتى تغتسل ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء غير النكاح" 1 وأقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما ولا حد لأكثره وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين وأكثره ستون.
والمبتدأة إذا رأت الدم لوقت تحيض في مثله جلست فإذا انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض وإن جاوز ذلك ولم يعبر أكثر الحيض فهو حيض فإذا تكرر ثلاثة أشهر بمعنى واحد صار عادة وإن عبر ذلك فالزائد استحاضة.
وعليها أن تغتسل عند آخر الحيض وتغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي وكذا حكم من به سلس البول وما في معناه فإذا استمر بها الدم في الشهر الآخر فإن كانت معتادة فحيضها أيام عادتها وإن لم تكن معتادة وكان لها تمييز وهو أن يكون بعض دمها أسود ثخينا وبعضه رقيقا أحمر فحيضها زمن الأسود الثخين.
وإن كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ولا تمييز لها فحيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة لأنه غالب عادة النساء.
والحامل لا تحيض إلا أن ترى الدم قبل ولادتها بيوم أو يومين فيكون دم نفاس.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "302"، من حديث أنس بن مالك.
باب النفاس
وهو الدم الخارج بسبب الولادة وحكمها حكم الحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط به وأكثره أربعون يوما ولا حد لأقله ومتى رأت الطهر اغتسلت وهي طاهر وإن عاد في مدة الأربعين فهو نفاس أيضا.

كتاب الصلاة

مدخل
كتاب الصلاة
روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" 1.
فالصلوات الخمس واجبة على كل مسلم بالغ عاقل إلا الحائض والنفساء، فمن جحد وجوبها لجهله عرف ذلك وإن جحدها عنادا كفر.
ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها إلا لناو جمعها أو مشتغل بشرطها فإن تركها تهاونا بها استتيب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "1420"، والنسائي "462"، وابن ماجه "1401".
قال ابن عبد البر في التمهيد 23/288: حديث صحيح ثابت.
باب الأذان و الإقامة
باب الأذان والإقامة
وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها للرجال دون النساء.
والأذان خمس عشرة كلمة لا ترجيع2 فيه والإقامة إحدى عشرة.
وينبغي أن يكون المؤذن أمينا صيتا عالما بالأوقات ويستحب أن يؤذن قائما متطهرا على موضع عال مستقبل القبلة فإذا بلغ الحيعلة التفت يمينا وشمالا ولا يزيل قدميه ويجعل أصبعيه في أذنيه ويترسل في الأذان ويحدر الإقامة3 ويقل في أذان الصبح بعد الحيعلة الصلاة خير من النوم مرتين ولا يؤذن قبل الأوقات إلا لها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" 4.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "1420"، والنسائي "462"، وابن ماجه "1401".
قال ابن عبد البر في التمهيد 23/288: حديث صحيح ثابت.
2 الترجيع في الأذان: تكرار الشهادتين. انظر: المطلع ص 49.
3 حدر الإقامة: أسرع فيها. انظر: المصباح المنير: "حدر".
4 أخرجه البخاري "617"، ومسلم "1092"، من حديث ابن عمر.

ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول" 1.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "611"، ومسلم "383"، من حديث أبي سعيد الخدري.

باب شرائط الصلاة
وهي ستة:
الشرط الأول: الطهارة من الحدث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ" 1.
الشرط الثاني: الوقت ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ووقت العصر وهي الوسطى من آخر وقت الظهر إلى أن تصفر الشمس ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس ووقت المغرب إلى أن يغيب الشفق الأحمر ووقت العشاء من ذلك إلى نصف الليل ثم يبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني ووقت الفجر من ذلك إلى طلوع الشمس.
ومن كبر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها والصلاة في أول الوقت أفضل إلا في العشاء الآخرة وفي شدة الحر في الظهر.
الشرط الثالث: ستر العورة بما لا يصف البشرة وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة.
ومن صلى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصح صلاته.
ولبس الذهب والحرير مباح للنساء دون الرجال إلا عند الحاجة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: "هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم" 2.
ومن صلى من الرجال في ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزاه ذلك فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين فإن لم يكفهما ستر
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "135"، ومسلم "225"، من حديث أبي هريرة.
2 أخرجه أبو داود "4057"، والنسائي "5150"، وابن ماجه "3595"، من حديث علي بن أبي طالب.
قلت: نقل عبد الحق عن ابن المديني قوله: إنه حديث حسن رجاله معروفون.
انظر: بيان الوهم والإيهام لابن قطان 5/179، وتلخيص الحبير لابن حجر 1/53.

أحدهما فإن عدم بكل حال صلى جالسا يومئ بالركوع والسجود وإن صلى قائما جاز.
ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا أو مكانا نجسا صلى فيهما ولا إعادة عليه.
الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته إلا النجاسة المعفو عنها كيسير الدم ونحوه وإن صلى وعليه نجاسة لم يكن يعلم بها أو علم بها ثم نسيها فصلاته صحيحة وإن علم بها في الصلاة أزالها وبنى على صلاته.
والأرض كلها مسجد تصح الصلاة فيها إلا المقبرة والحمام والحش1 وأعطان الإبل2 وقارعة الطريق.
الشرط الخامس: استقبال القبلة إلا في النافلة على الراحة للمسافر فإنه يصلي حيث كان وجهه والعاجز عن الاستقبال لخوف أو غيره فيصلي كيفما أمكنه ومن عداهما لا تصح صلاته إلا مستقبل الكعبة فإن كان قريبا منها لزمته الصلاة إلى عينها وإن كان بعيدا فإلى جهتها.
وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدل بمحاريب المسلمين وإن أخطأ فعليه الإعادة وإن خفيت في السفر اجتهد وصلى ولا إعادة عليه.
وإن اختلف مجتهدان لم يتبع أحدهما صاحبه ويتبع الأعمى والعامي أوثقهما في نفسه.
الشرط السادس: النية للصلاة بعينها ويجوز تقديمها على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها.
ـــــــ
1 الحش: البستان، ويطلق على بيوت الخلاء، لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين.
انظر: المطلع ص 65.
2 أعطان الإبل: مباركها. انظر: المطلع ص66.

باب آداب المشي إلى الصلاة
يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار ويقارب بين خطاه ولا يشبك أصابعه ويقول: باسم الله {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} الآيات إلى قوله {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 78-89] ويقول: "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج اشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة

خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" 1فإن سمع الإقامة لم يسع إليها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" 2 وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول وقال باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال ذلك إلا أنه يقول وافتح لي أبواب فضلك3.
ـــــــ
1 أخرجه ابن ماجه "787" من حديث أبي سعيد الخدري.
قال في الزوائد: هذا إسناده مسلسل بالضعفاء، عطية هو العوفي، وفضيل بن مرزوق، والفضل بن الموفق كلهم ضعفاء، لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق فضيل بن مرزوق فهو صحيح عنده.
2 أخرجه البخاري "908"، ومسلم "602"، من حديث أبي هريرة.
3 أخرج مسلم "713" عن أبي حميد أو أبي أسيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك".
قال مسلم: سمعت يحيى بن يحيى يقول: كتبت هذا الحديث من كتاب سليمان بن بلال، وقال: بلغني أن يحيى الحماني يقول: وأبي أسيد.

باب صفة الصلاة
وإذا قام إلى الصلاة قال الله أكبر يجهر بها الإمام وبسائر التكبير ليسمع من خلفه ويخفيه غيره ويرفع يديه عند ابتداء التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ويجعلهما تحت سرته ويجعل بصره إلى موضع سجوده ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يقول بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بشيء من ذلك لقول أنس صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم1 ثم يقرأ الفاتحة ولا صلاة لمن يقرأ بها إلا المأموم فإن قراءة الإمام له قراءة، ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "399"

يجهر فيه ثم يقرأ بسورة تكون في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي سائر الصلوات من أوسطه ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأولين من المغرب والعشاء ويسر فيما عدا ذلك ثم يكبر ويركع ويرفع يديه كرفعه الأول ثم يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعه ويمد ظهره ويجعل رأسه حياله ثم يقول سبحان ربي العظيم ثلاثا ثم يرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده ويرفع يديه كرفعه الأول فإذا اعتدل قائما قال ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ويقصر المأموم على قول ربنا ولك الحمد ثم يخر ساجدا مكبرا ولا يرفع يديه ويكون أول ما يقع على الأرض منه ركبتاه ثم كفاه ثم جبهته وأنفه ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه ويجعل يديه حذو منكبيه ويكون على أطراف قدميه ثم يقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا يرفع رأسه مكبرا ويجلس مفترشا فيفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويثني أصابعها نحو القبلة ويقول ربي اغفر لي ثلاثا ثم يسجد الثانية كالأولى ثم يرفع رأسه مكبرا وينهض قائما فيصلي الثانية كالأولى فإذا فرغ منهما جلس للتشهد مفترشا ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ويده اليمنى على فخذه اليمنى ويقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة في تشهده مرارا ويقول: "التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد أن لا الله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" 1 فهذا اصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ثم يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ويستحب أن يتعوذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك.
وإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين نهض بعد التشهد الأول كنهوضه من السجود ثم يصلي ركعتين لا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئا فإذا جلس للتشهد الأخير تورك فنصب رجله اليمنى وفرش اليسرى وأخرجها عن يمينه ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما فإذا سلم استغفر الله ثلاثا وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "831"، ومسلم "402"، من حديث عبد الله بن مسعود.

باب أركان الصلاة وواجباتها
أركانها اثنا عشر: القيام مع القدرة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والركوع والرفع منه والسجود على السبعة الأعضاء والجلوس عنه والطمأنينة في هذه الأركان والتشهد الأخير والجلوس له والتسليمة الأولى وترتيبها على ما ذكرناه فهذه الأركان لا تتم الصلاة إلا بها.
وواجباتها سبعة التكبير غير تكبيرة الإحرام والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة والتسبيح والتحميد في الرفع من الركوع وقول ربي اغفر لي بين السجدتين والتشهد الأول والجلوس له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير فهذه إن تركها عمدا بطلت صلاته وإن تركها سهوا سجد لها وما عدا هذا فسنن لا تبطل الصلاة بعمدها ولا يجب السجود لسهوها.
باب سجود السهو
والسهو على ثلاثة اضرب:
أحدها: زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو ركن فتبطل الصلاة بعمده ويسجد لسهوه وإن علم وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال وإن سلم عن نقص في صلاته أتى بما بقي عليه منها ثم سجد.
ولو فعل ما ليس من جنس الصلاة لاستوى عمده وسهوه فإن كان كثيرا أبطلها وإن كان يسيرا كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حمله أمامة1 وفتحه الباب لعائشة2 فلا بأس.
الضرب الثاني: النقص كنسيان واجب فإن قام عن التشهد الأول فذكر قبل أن يستتم قائما رجع فأتى به وإن استتم قائما لم يرجع وإن نسي ركنا فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده وإن ذكره بعد ذلك بطلت الركعة التي تركه منها وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات فذكر في التشهد سجد في الحال فصحت له ركعة ثم يأتي بثلاث ركعات.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "516"، ومسلم "543"، من حديث أبي قتادة.
2 أخرجه أبو داود "922"، والترمذي "601"، والنسائي "1207"، من حديث عائشة. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

الضرب الثالث: الشك فمتى شك في ترك ركن فهو كتركه ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين إلا الإمام خاصة فإنه يبني على غالب ظنه.
ولكل سهو سجدتان قبل السلام إلا من سلم عن نقص في صلاته والإمام إذا بنى على غالب ظنه والناسي للسجود قبل السلام فإنه يسجد سجدتين بعد سلامه ثم يتشهد ويسلم.
وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه.
ومن سها إمامه أو نابه أمر في صلاته فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء.

باب صلاة التطوع
وهي على خمسة أضرب:
أحدها: السنن الرواتب وهي التي قال ابن عمر رضي الله عنه عشر ركعات حفظتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الفجر1 حدثتني حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين2 وهما آكدها ويستحب تخفيفهما وفعلهما في البيت أفضل وكذلك ركعتا المغرب.
الضرب الثاني: الوتر ووقته ما بين صلاة العشاء والفجر وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين ويقنت في الثالثة بعد الركوع.
الضرب الثالث: التطوع المطلق وتطوع الليل أفضل من النهار والنصف الأخير أفضل من الأول وصلاة الليل مثنى مثنى وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم.
الضرب الرابع: ما تسن له الجماعة وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: التراويح وهي عشرون ركعة بعد العشاء في رمضان.
والثاني: صلاة الكسوف فإذا ما كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة إن أحبوا جماعة وإن أحبوا أفرادا فيكبر ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1180"، ومسلم "729".
2 أخرجه البخاري "1181"، ومسلم "723"

ويركع ركوعا طويلا ثم يرفع فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون التي قبلها ثم يركع فيطيل دون الذي قبله ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يقوم فيفعل مثل ذلك فتكون أربع ركعات وأربع سجدات.
الثالث: صلاة الاستسقاء إذا أجدبت الأرض واحتبس القطر خرج الناس مع الإمام متخشعين متبذلين1 متذللين متضرعين فيصلي بهم ركعتين كصلاة العيد ثم يخطب بهم خطبة واحدة ويكثر فيها الاستغفار وتلاوة الآيات التي فيها الأمر به ويحول الناس أرديتهم وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا ويؤمرون أن ينفردوا عن المسلمين.
الضرب الخامس: سجود التلاوة وهي أربع عشرة سجدة في الحج منها اثنتان ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع ويكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ثم يسلم.
ـــــــ
1 متبذلين: أي بسين ثياب البذلة، وهي ما يمتهن من الثياب في الخدمة. انظر: المصباح المنير: "بذل".

باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها
وهي خمس بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول وبعد العصر حتى تتضيف1 الشمس للغروب وإذا تضيفت حتى تغرب.
فهذه الساعات التي لا يصلى فيها تطوعا إلا في إعادة الجماعة إذا اقيمت وهو في المسجد وركعتي الطواف بعده والصلاة على الجنازة وقضاء السنن الرواتب في وقتين منها وهما بعد الفجر وبعد العصر ويجوز قضاء المفروضات في جميع الأوقات.
ـــــــ
1 تضيف الشمس: دنت للغروب وقربت. انظر: لسان العرب: "ضيف".
باب الإمامة
روى أبو مسعود البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فاعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ولا
باب صلاة المريض
والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالسا فإن لم يطق فعلى جنبه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك" 1 فإن شق عليه فعلى ظهره فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ إيماء.
وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين العشائين في وقت إحداهما فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند فعلها ويعتبر استمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما ولا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء وإن أخر اعتبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية وأن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر ويجوز في المطر بين العشائين.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1117"
باب صلاة المسافر
وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخا1 وهي مسيرة يومين قاصدين2 وكان مباحا فله قصر الرباعية خاصة إلا أن يأتم بمقيم لو لم ينو القصر أو نسي صلاة حضر فيذكرها في السفر أو صلاة سفر فيذكرها في الحضر فعليه الإتمام وللمسافر أن يتم والقصر أفضل ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإن لم يجمع على ذلك قصر أبدا.
ـــــــ
1 وتقدر الآن بحوالي 89 كلم. انظر: الفقه الإسلامي وأدلته 2/321.
2 أي معتدلين طولاً وقصراً: انظر: كشاف القناع 1/504.
باب صلاة الخوف
وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمختار منها1 أن يجعلهم الإمام طائفتين طائفة تحرس والأخرى تصلي معه ركعة فإذا قام إلى الثانية نوت مفارقته وأتمت صلاتها وذهبت تحرس وجاءت الأخرى فصلت معه الركعة الثانية فإذا جلس للتشهد قامت فأتت بركعة أخرى وينتظر حتى تتشهد ثم يسلم بها وإن اشتد الخوف صلوا رجالا وركبانا إلى القبلة وإلى غيرها يومئون بالركوع والسجود وكذلك كل خائف على نفسه يصلي على حسب حاله ويفعل كل ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره.
ـــــــ
1 قال في العدة ص103: وهو ما روى صالح بن خوات عن من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف. اهـ.
قلت: أخرجه البخاري "4131"، ومسلم "841".
باب صلاة الجمعة
كل من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة إن كان مستوطنا ببناء وبينه وبين الجامع فرسخ1 فما دون ذلك إلا المرأة والعبد والمسافر والمعذور بمرض أو مطر أو
ـــــــ
1 الفرسخ:ثلثة أميال وتساوي5544م. انظر: الدر النقي ص 262 والفقه الإسلامي وأدلته 1/75.
باب صلاة العيدين
وهي فرض على الكفاية إذا قام بها أربعون من أهل المصر سقطت عن سائرهم.
ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال والسنة فعلها في الصحراء وتعجيل الأضحى وتأخير الفطر والفطر في الفطر خاصة قبل الصلاة ويسن أن يغتسل ويتنظف ويتطيب.
فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام فصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة يكبر في الأولى سبعا بتكبيرة الإحرام وفي الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام ويرفع يديه مع كل تكبيرة ويحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين ثم يقرأ الفاتحة وسورة ويجهر فيهما بالقراءة فإذا سلم خطب بهم خطبتين فإذا كان فطرا حثهم على الصدقة وبين لهم حكمها وإن كان أضحى بين لهم حكم الأضحية والتكبيرات الزوائد والخطبتان سنة ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضعها.

ومن أدرك الإمام قبل سلامه أتمها على صفتها ومن فاتته فلا قضاء عليه فإن أحب صلاتها تطوعا إن شاء ركعتين وإن شاء أربعا وإن شاء صلاها على صفتها.
ويستحب التكبير في ليلتي العيدين ويكبر في الأضحى عقيب الفرائض في الجماعة من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق وصفة التكبير شفعا الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

كتاب الجنائز
وإذا تيقن موته أغمضت عيناه وشد لحياه وجعل على بطنه مرآة أو غيرها كحديدة فإذا أخذ في غسله سترت عورته ثم يعصر بطنه عصرا رفيقا ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها ثم يوضئه ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر ثم شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة يمر في كل مرة يده على بطنه فإن خرج منه شيء غسله وسده بقطن فإن لم يستمسك فبطين حر ويعيد وضوءه وإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع ثم ينشفه بثوب ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده1 وإن طيبه كله كان حسنا ويجمر أكفانه2 وإن كان شاربه أو أظفاره طويلة أخذ منه ولا يسرح شعره والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة يدرج فيها إدراجا وإن كفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس والمرأة تكفن في خمسة أثواب في درع3 ومقنعة4 وإزار ولفافتين.
وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك ثم الأب ثم الجد ثم الأقرب فالأقرب من العصبات وأولى الناس بغسل المرأة الأم ثم الجدة ثم الأقرب فالأقرب من نسائها إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده.
والصلاة عليه: يكبر ويقرأ الفاتحة ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكبر ويقول اللهم أغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا صغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا وأنت على كل شيء قدير اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة ومن توفيته فتوفه عليهما اللهم اغفر له وارحمه وعافه
ـــــــ
1 قال في الدر النقي ص301: مواضع السجود: الجبهة وأنفه وكفاه وركبتاه وقدماه. والمغابن: عيناه وفمه وأذناه وإباطاه.
2 جمر الثوب: بخره. انظر المصباح المنير: "جمر".
3 درع المرأة: قميصها. انظر لسان العرب : "درع".
4 المقنعة: ما تغطي به المرأة رأسها. انظر لسان العرب: "قنع".

واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وجوارا خيرا من جواره وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار وافسح له في قبره ونور له فيه ثم يكبر ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه ويرفع يديه مع كل تكبيرة.
والواجب من ذلك التكبيرات والقراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء الحي للميت والسلام.
ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر إلى شهر وإن كان الميت غائبا عن البلد صلى عليه بالنية.
ومن تعذر غسله لعدم الماء أو الخوف عليه من التقطع كالمجدور أو المحترق أو لكون المرأة بين رجال أو الرجل بين نساء فإنه ييمم إلا أن لكل من الزوجين غسل صاحبه وكذلك أم الولد مع سيدها.
والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل ولم يصل عليه وينحى عنه الحديد والجلود ثم يزمل في ثيابه وإن كفن بغيرها فلا بأس.
والمحرم يغسل بماء وسدر ولا يلبس مخيطا ولا يقرب طيبا ولا يغطى رأسه ولا يقطع شعره ولا ظفره.
ويستحب دفن الميت في لحد1 وينصب عليه اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم2 ولا يدخل القبر آجرا ولا خشبا ولا شيئا مسته النار.
ويستحب تعزية أهل الميت والبكاء عليه غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة.
ولا بأس بزيارة القبور للرجال ويقول إذا مر بها أو زارها: سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم نسأل الله لنا ولكم العافية.
وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك.
ـــــــ
1 اللحد: الشق يكون في عرض القبر. انظر: القاموس المحيط: "لحد".
2 أخرج مسلم "966"، أن سعد بن وقاص قال في مرضه الذي هلك فيه: ألحدوا لي لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم.

كتاب الزكاة

مدخل
كتاب الزكاة
وهي واجبة على كل مسلم حر ملك نصابا ملكا تاما.
ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول إلا في الخارج من الأرض ونماء النصب من النتاج والربح فإن حولهما حول أصلهما.
ولا تجب الزكاة إلا في أربعة أنواع السائمة من بهيمة الأنعام والخارج من الأرض والأثمان وعروض التجارة.
ولا زكاة في شيء من ذلك حتى يبلغ نصابا وتجب فيما زاد على النصاب بحسابه إلا السائمة فلا شيء في أوقاصها1.
ـــــــ
1 الأوقاص، جمع وقص: وهو ما بين الفريضتين من نصب الزكاة مما لا شيء فيه. انظر: المصباح المنير: "وقص".
باب زكاة السائمة
وهي الراعية وهي ثلاثة أنواع:
أحدها: الإبل ولا شيء فيها حتى تبلغ خمسا فيجب فيها شاة وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي العشرين أربع شياه إلى خمس وعشرين ففيها بنت مخاض وهي بنت سنة فإن لم تكن عنده فابن لبون وهو ابن سنتين إلى ست وثلاثين فيجب فيها بنت لبون إلى ست وأربعين فيجب فيها حقه لها ثلاث سنين إلى إحدى وستين فيجب فيها جذعة لها أربع سنين إلى ست وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ثم في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون إلى مائتين فيجتمع فيها الفرضان فإن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء خمس بنات لبون.
ومن وجبت عليه سن فلم يجدها أخرج أدنى منها ومعها شاتان أو عشرون درهما وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ شاتين أو عشرين درهما.
النوع الثاني: البقر ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة

لها سنة إلى أربعين ففيها مسنة لها سنتان إلى ستين ففيها تبيعان إلى سبعين ففيها تبيع ومسنة ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة.
النوع الثالث: الغنم ولا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ثم في كل مائة شاة.
ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا ذات عوار1 ولا هرمة ولا الربي2 ولا الماخض3 ولا الأكولة4 ولا يؤخذ شرار المال ولا كرائمه إلا أن يتبرع به أرباب المال ولا يخرج إلا أنثى صحيحة إلا في الثلاثين من البقر وابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها إلا أن تكون ماشية كلها ذكور أو مراض فيجزئ واحد منها ولا يخرج إلا جذعة من الضأن أو ثنية من المعز والسن المنصوص عليها إلا أن يختار رب المال إخراج سن أعلى من الواجب أو تكون كلها صغارا فيخرج صغيرة وإن كان فيها صحاح ومراض ذكور وإناث وصغار وكبار أخرج صحيحة كبيرة قيمتها على قيمة المالين فإن كان فيها بخاتي5 وعراب6 وبقر وجواميس ومعز وضأن وكرام ولئام وسمان ومهازيل أخذ من أحدهما بقدر قيمة المالين.
وإن اختلط جماعة في نصاب من السائمة حولا كاملا وكان مرعاهم وفحلهم ومبيتهم ومحلبهم ومشربهم واحدا فحكم زكاتهم حكم زكاة الواحد وإذا خرج الفرض من مال أحدهم رجع على خلطائه بحصصهم منه ولا تؤثر الخلطة إلا في السائمة.
ـــــــ
1 العوار: العيب. انظر: مختار الصحاح: "عور".
2 الربى: الشاة التي وضعت حديثاً. انظر: الصحاح: "ربب".
3 الماخض: هي التي أخذها المخاض، أي: الولادة. انظر: الدر النقي ص326.
4 الأكولة: هي التي تسمن للأكل، وليست بسائمة. انظر: الزاهر ص228.
5 البخاتي: إبل غلاظ ذات سنامين. انظر: أنوار المشارق 1/215.
6 نقل ابن منظور عن الكسائي قوله: المعرب من الخيل الذي ليس فيه عرق هجين، والأنثى معربة، وإبل عراب كذلك. انظر: لسان العرب: "عرب".

باب زكاة الخارج من الأرض
وهو نوعان:
أحدهما: النبات فتجب الزكاة منه في كل حب وثمر ويكال ويدخر إذا خرج من أرضه وبلغ خمسة أوسق1 لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق" 2 والوسق ستون صاعا والصاع رطل بالدمشقي وأوقية وخمسة أسباع أوقية فجميع النصاب ما يقارب ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلا وستة أسباع رطل.
ويجب العشر فيما سقي من السماء والسيوح ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي3 والنواضح4 وإذا بدا الصلاح في الثمار واشتد الحب وجبت الزكاة ولا يخرج الحب إلا مصفى ولا الثمر إلا يابسا.
ولا زكاة فيما يكتسبه من مباح الحب والثمر وفي اللقاط ولا ما يأخذه أجره لحصاده.
ولا يضم صنف من إلى غيره في تكميل النصاب فإن كان صنفا واحدا الحب والثمر مختلف الأنواع كالتمور ففيها الزكاة ويخرج من كل نوع زكاته وإن أخرج جيدا عن الرديء جاز وله أجره.
النوع الثاني: المعدن فمن استخرج من معدن نصابا من الذهب أو الفضة أو ما قيمته نصابا من الجواهر أو الكحل والصفر والحديد أو غيره فعليه الزكاة ولا يخرج إلا بعد السبك والتصفية.
ولا شيء في اللؤلؤ والمرجان والعنبر والمسك ولا شيء في صيد البر والبحر وفي الركاز الخمس أي نوع كان من المال قل أو كثر ومصرفه مصرف الفيء وباقية لواجده.
ـــــــ
1 ويساوي 653 كلغ. انظر: الفقه الإسلامي وأدلته 1/76.
2 أخرجه مسلم "979"، من حديث أبي سعيد الخدري.
3 الدوالي: واحدها دالية، وهي: الدولات تديرها البقر والناعور يديرها الماء. انظر الدر النقي ص377.
4 النواضح، جمع ناضح وناضحة، وهما: البعير والناقة يسقى عليها. انظر: الدر النقي ص337.
باب زكاة الأثمان
وهي نوعان: ذهب وفضة ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم ولا في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا فيجب فيها نصف مثقال فإن كان فيهما غش فلا زكاة فيهما حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابا فإن شك في ذلك خير بين الإخراج وبين سبكهما ليعلم قدر ذلك.
ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال والعارية ويباح للنساء كل ما جرت العادة بلبسه من الذهب والفضة ويباح للرجال من الفضة الخاتم وحلية السيف والمنطقة1 ونحوها فأما المعد للكراء أو الادخار والمحرم ففيه الزكاة.
ـــــــ
1 المنطقة، والمنطق النطاق: كل ما شد به وسطه. انظر: لسان العرب: "نطق".
باب حكم الدين
من كان له دين على مليء أو مال يمكن خلاصه كالمجحود الذي له به بينة والمغصوب الذي يتمكن من أخذه فعليه زكاته إذا قبضه لما مضى وإن كان متعذرا كالدين على مفلس أو على جاحد ولا بينة به والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده فلا زكاة فيه وحكم الصداق حكم الدين ومن كان عليه دين يستغرق النصاب الذي معه أو ينقصه فلا زكاة فيه.
باب زكاة العروض
ولا زكاة فيها حتى ينوي بها تجارة وهي نصاب حولا ثم يقومها فإذا بلغت أقل نصاب من الذهب والفضة أخرج الزكاة من قيمتها.
وإن كان عنده ذهب أو فضة ضمها إلى قيمة العروض في تكميل النصاب وإذا نوى بعروض التجارة القنية فلا زكاة فيها ثم إن نوى بها بعد ذلك التجارة استأنف له حولا.
باب زكاة الفطر
وهي واجبة على كل مسلم إذا ملك فضلا عن قوته وقوت عياله ليلة العيد ويومه وقدر الفطرة صاع من البر أو الشعير أو دقيقهما أو سويقهما أو من التمر أو الزبيب فإن لم يجده أخرج من قوته أي شيء كان صاعا.
ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه مؤنته ليلة العيد إذا ملك ما يؤدى عنه فإن كانت مؤنته تلزم جماعة كالعبد المشترك أو المعسر القريب لجماعة ففطرته عليهم حسب مؤنته وإن كان بعضه حرا ففطرته عليه وعلى سيده.
ويستحب إخراج الفطرة يوم العيد قبل الصلاة ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد ويجوز تقديمها عليه بيوم أو يومين.
ويجوز أن يعطى واحدا ما يلزم الجماعة والجماعة ما يلزم الواحد.
باب إخراج الزكاة
لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها إذا أمكن إخراجها فإن فعل فتلف المال لم تسقط عنه الزكاة وإن تلف قبله سقطت ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب ولا يجوز قبل ذلك فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه وإن صار عند الوجوب من أهلها.
وإن دفعها إلى مستحقها فمات أو استغنى أو ارتد أجزأت عنه وإن تلف المال لم يرجع على الآخذ.
ولا تنقل الصدقة إلى بلد تقصر إليه الصلاة إلا أن لا يجد من يأخذها في بلدها.
باب من يجوز دفع الزكاة إليه
وهم ثمانية:
الأول: الفقراء وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم بكسب ولا غيره.
الثاني: المساكين وهم الذين يجدون ذلك ولا يجدون تمام الكفاية.
الثالث: العاملون عليها وهم السعاة عليها ومن يحتاج إليه فيها.
الرابع: المؤلفة قلوبهم، وهم السادة المطاعون في عشائرهم الذين يرجى بعطيتهم دفع شرهم أو قوة إيمانهم أو دفعهم عن المسلمين أو إعانتهم على أخذ الزكاة ممن يمتنع من دفعها.
الخامس: الرقاب وهم المكاتبون وأعتاق الرقيق.
السادس: الغارمون وهم المدينون لإصلاح نفوسهم في مباح أو لإصلاح بين طائفتين من المسلمين.
السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم.
الثامن: ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به وإن كان ذا يسار في بلده.
فهؤلاء هم أهل الزكاة لا يجوز دفعها إلى غيرهم ويجوز دفعها إلى واحد منهم لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وقال لقبيصة: "أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها" 1.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1044".

ويدفع إلى الفقير والمسكين ما تتم به كفايته وإلى العامل قدر عمالته وإلى المؤلف ما يحصل به تأليفه وإلى المكاتب والغارم ما يقضي به دينه وإلى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه وإلى ابن السبيل ما يوصله إلى بلده ولا يزاد واحد منهم على ذلك.
وخمسة منهم لا يأخذون إلا مع الحاجة وهم الفقير والمسكين والمكاتب والغارم لنفسه وابن السبيل أربعة يجوز الدفع إليهم مع الغني وهم العامل والمؤلف والغازي والغارم لإصلاح ذات البين.

باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه
لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب ولا تحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم مواليهم ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علوا ولا إلى الولد وإن سفل ولا من تلزمه مؤنته ولا إلى كافر.
فأما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء وإلى غيرهم.
ولا يجوز دفع الزكاة إلا بنية إلا أن يأخذها الإمام قهرا.
وإذا دفع الزكاة إلى غير مستحقها لم يجزه إلا الغني إذا ظنه فقيرا.

كتاب الصيام

مدخل
كتاب الصيام
يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم ويؤمر به الصبي إذا أطاقه.
ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان ورؤية هلال رمضان ووجود غيم أو قتر ليلة الثلاثين يحول دونه.
وإذا رأى الهلال وحده صام فإن كان عدلا صام الناس بقوله ولا يفطر إلا بشهادة عدلين ولا يفطر إذا رآه وحده.
وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثون يوما أفطروا وإن كان بغيم أو قول واحد لم يفطروا إلا أن يروه أو يكملوا العدة.
وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه وإن وافق قبله لم يجزه.
باب أحكام المفطرين في رمضان
ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام:
أحدها: المريض الذي يتضرر به والمسافر الذي له القصر فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء وإن صاما أجزأهما.
الثاني: الحائض والنفساء تفطران وتقضيان وإن صامتا لم يجزئهما.
الثالث: الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا.
الرابع: العاجر عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكينا.
وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير إلا من أفطر بجماع في الفرج فإنه يقضي ويعتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين

مسكينا فإن لم يجد سقطت عنه فإن جامع ولم يكفر حتى جامع ثانية فكفارة واحدة وإن كفر ثم جامع فكفارة ثانية وكل من لزمه الإمساك في رمضان فجامع فعليه كفارة.
ومن أخر القضاء لعذر حتى أدرك رمضان آخر فليس عليه غير القضاء وإن فرط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكينا.
وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكينا إلا أن يكون الصوم منذورا فإنه يصام عنه وكذلك كل نذر طاعة.

باب ما يفسد الصوم
ومن أكل أو شرب أو استعط أو أوصل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان أو استقاء فقاء أو استمنى أو قبل أو لمس فأمنى أو أمذى أو كرر النظر حتى أنزل أو احتجم عامدا ذاكرا لصومه فسد وإن فعله ناسيا أو مكرها لم يفسد صومه.
وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار أو تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء أو فكر فأنزل أو قطر في إحليله أو احتلم أو ذرعه1 القيء لم يفسد صومه.
ومن أكل يظنه ليلا فبان نهارا فعليه القضاء ومن أكل شاكا في طلوع الفجر لم يفسد صومه وإن أكل شاكا في غروب الشمس فعليه القضاء.
باب صيام التطوع
أفضل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما2 وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي يدعونه المحرم وما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة وصيام يوم عرفة كفارة سنتين ولا يستحب لمن بعرفة أن يصومه ويستحب صيام أيام البيض والاثنين والخميس.
والصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه وكذلك سائر التطوع إلا الحج والعمرة فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما.
ـــــــ
1 ذرعه القيء: غلبه وسبقه. انظر: المصباح المنير: "ذرع".
باب صيام التطوع
أفضل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما1 وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي يدعونه المحرم وما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة وصيام يوم عرفة كفارة سنتين ولا يستحب لمن بعرفة أن يصومه ويستحب صيام أيام البيض والاثنين والخميس.
والصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه وكذلك سائر التطوع إلا الحج والعمرة فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1131"، ومسلم "1159"، من حديث عمرو بن العاص.
باب الاعتكاف
وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى فيه وهو سنة إلا أن يكون نذرا فيلزم الوفاء به.
ويصح من المرأة في كل مسجد غير مسجد بيتها ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة واعتكافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل.
ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره إلا المساجد الثلاثة فإن نذر ذلك في المسجد الحرام لزمه وإن نذر الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام وإن نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى فله فعله في أيهما أحب.
ويستحب للمعتكف الاشتغال بفعل القرب واجتناب ما لا يعنيه من قول وفعل ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك.
ولا يخرج من المسجد إلا لما لا بد له منه إلا أن يشترط ولا يباشر امرأة وإن سأل عن المريض في طريقه أو عن غيره ولم يعرج إليه جاز.
كتاب الحج و العمرة
مدخل
كتاب الحج والعمرة
يجب الحج والعمرة مرة في العمر على المسلم العاقل البالغ الحر إذا استطاع إليه سبيلا والاستطاعة أن يجد زادا وراحلة بآلتهما مما يصلح لمثله فاضلا عما يحتاج إليه لقضاء دينه ومؤونة نفسه وعياله على الدوام.
ويشترط للمرأة وجود محرمها وهو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو بسبب مباح.
فمن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة.
ولا يصح من كافر ولا مجنون ويصح من الصبي والعبد ولا يجزئهما عنهما ويصح من غير المستطيع والمرأة بغير محرم.
ومن حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه أو عن نذره أو عن نفله وفعله قبل حجة الإسلام وقع حجه عن فرض نفسه دون غيره.
باب المواقيت
وميقات أهل المدينة ذو الحليفة وأهل الشام والمغرب ومصر الجحفة واليمن يلملم ولنجد قرن وللمشرق ذات عرق فهذه المواقيت لأهلها ولكل من يمر عليها ومن منزلة دون الميقات فميقاته من منزلة حتى أهل مكة يهلون منها لحجهم ويهلون للعمرة من أدنى الحل ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه.
ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات غير محرم إلا لقتال مباح وحاجة تتكرر كالحطاب ونحوه ثم إذا أراد النسك أحرم من موضعه وإن جاوزه غير محرم رجع فأحرم من الميقات ولا دم عليه لأنه أحرم من ميقاته فإن أحرم من دونه فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع والأفضل أن لا يحرم قبل الميقات فإن فعل فهو محرم.
وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
باب الإحرام
من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويتجرد عن المخيط ويلبس إزارا ورداء أبيضين نظيفين ثم يصلي ركعتين ويحرم عقبيهما وهو أن ينوي الإحرام ويستحب أن ينطق بما أحرم به ويشترط ويقول اللهم إني أريد النسك الفلاني فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.
وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران وأفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران والتمتع أن يحرم بالعمره في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه والإفراد أن يحرم بالحج وحده.
والقران أن يحرم بهما أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد إحرامه بالعمرة.
فإذا استوى على راحلته لبى فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
ويستحب الإكثار منها ورفع الصوت بها لغير النساء وهي آكد فيما إذا علا نشزا أو هبط واديا أو سمع ملبيا أو فعل محظورا ناسيا أو لقي ركبا وفي أدبار الصلاة المكتوبة وبالأسحار وإقبال الليل والنهار.
باب محظورات الإحرام
وهي تسعة: [الأول والثاني] حلق الشعر وقلم الظفر ففي ثلاثة منها دم وفي كل واحد مما دونه مد طعام وهو ربع الصاع وإن خرج في عينه شعر فقلعه أو نزل شعره فغطى عينه أو انكسر ظفره فقصه فلا شيء عليه.
الثالث: لبس المخيط إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا فدية عليه.
الرابع: تغطية الرأس والأذنان منه.
الخامس: الطيب في بدنه وثيابه.
السادس: قتل الصيد وهو ما كان وحشيا مباحا وأما الأهلي فلا يحرم وأما صيد البحر فإنه مباح.
السابع: عقد النكاح حرام ولا فدية فيه.

الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج فإن أنزل بها فعليه بدنة وإلا ففيها شاة وحجه صحيح.
التاسع: الوطء في الفرج فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ووجب المضي في فاسده والحج من قابل ويجب على المجامع بدنه وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة ويحرم من التنعيم ليطوف محرما وإن وطئ في العمرة افسدها ولا يفسد النسك بغيره.
والمرأة كالرجل إلا أن إحرامها في وجهها ولها لبس المخيط.

باب الفدية
وهي على ضربين:
أحدهما: على التخيير وهي فدية الأذى واللبس والطيب فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين أو ذبح شاة وجزاء الصيد مثل ما قتل من النمم إلا الطائر فإن فيه قيمته إلا الحمامة ففيها شاة والنعامة فيها بدنة ويتخير بين إخراج المثل وتقويمه بطعام فيطعم كل مسكين مدا أو يصوم عن كل مد يوما.
الضرب الثاني: على الترتيب وهو المتمتع يلزمه شاة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
وفدية الجماع بدنة فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع وكذلك الحكم في دم الفوات.
والمحصر يلزمه دم فإن لم يجد فصيام عشرة أيام.
ومن كرر محظورا من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة فإن كفر عن الأول قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفر عنه وإن فعل محظورا من أجناس فلكل واحد كفارة.
والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه وسائر المحظورات لا شيء في سهوه.
وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم إلا فدية الأذى فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق به وهدي المحصر ينحره في موضعه وأما الصيام فيجزئه بكل مكان.
باب دخول مكة
يستحب أن يدخل مكة من أعلاها ويدخل المسجد من.باب بني شيبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل منه1 فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وحمده ودعا ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا أو بطواف القدوم إن كان مفردا أو قارنا فيضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويقبله ويقول بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ثم يأخذ عن يمينه ويجعل البيت عن يساره فيطوف سبعا يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر ويمشي في الأربعة الأخرى وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل ويقول بين الركنين {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ويدعو في سائره بما أحب ثم يصلي ركعتين خلف المقام ويعود إلى الركن فيستلمه ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقى عليه ويكبر الله ويهلله ويدعوه ثم ينزل فيمشي إلى العلم ثم يسعى إلى العلم الآخر ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل كفعله على الصفا ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه حتى يكمل سبعة اشواط يحتسب بالذهاب سعيه وبالرجوع سعية يفتتح بالصفا ويختتم بالمروة ثم يقصر من شعره إن كان معتمرا وقد حل إلا المتمتع إن كان معه هدي والقارن والمفرد فإنه لا يحل والمرأة كالرجل إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعي.
ـــــــ
1 أخرجه الطبراني في الأوسط "495"، عن ابن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلنا معه، من باب بني عبد مناف، وهو الذي يسميه الناس باب بني شيبة.
قال في مجمع الزوائد 3/238: فيه مروان بن أبي مروان، قال السيلماني: فيه نظر، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وأورده البيهقي 5/27 وقال: إسناد غير محفوظ. ثم رواه عن عطاء وقال: وهذا مرسل جيد.
باب صفة الحج
وإذا كان يوم التروية فمن كان حلا أحرم من مكة وخرج إلى عرفات فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين ثم يروح إلى الموقف وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة ويستحب أن يقف في موقف

النبي صلى الله عليه وسلم1 أو قريبا منه على الجبل قريبا من الصخرات ويجعل حبل المشاة بين يديه ويستقبل القبلة ويكون راكبا ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار ويكون ملبيا ذاكرا لله عز وجل فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما ثم يبيت بها ثم يصلي الفجر بغلس2 ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو ويستحب أن يكون من دعائه اللهم وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ*ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:198- 199] ويقف حتى يسفر3 جدا ثم يدفع قبل طلوع الشمس فإذا بلغ محسرا أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الحذف ويكبر مع كل حصاة ويرفع يديه في الرمي ويقطع التلبية بابتداء الرمي ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة ولا يقف عندها ثم ينحر هديه ثم يحلق رأسه أو يقصره ثم قد حل له كل شيء إلا النساء ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كا متمتعا أو ممن لم يسع مع طواف القدوم ثم قد حل من كل شيء.
ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحب ويتضلع منه ثم يقول اللهم اجعله لنا علما نافعا ورزقا واسعا وريا وشبعا وشفاء من كل داء واغسل به قلبي واملأه من خشيتك وحكمتك.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1218"، من حديث جابر.
2 الغلس: ظلام آخر الليل. انظر المصباح المنير: "غلس".
3 أسفر الصبح: أضاء انظر: المصباح المنير: "سفر".

باب ما يفعله بعد الحل
ثم يرجع إلى منى ولا يبيت لياليها إلا بها فيرمي بها الجمرات بعد الزوال من أيامها كل جمرة بسبع حصيات يبتدئ بالجمرة الأولى فيستقبل القبلة ويرميها

بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة ثم يتقدم فيقف فيدعو الله ثم يأتي الوسطى فيرميها كذلك ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل الغروب فإن غربت الشمس وهو بمنى لزمه المبيت بمنى والرمي من غد فإن كان متمتعا أو قارنا فقد انقضى حجه وعمرته وإن كان مفردا خرج إلى التنعيم فأحرم بالعمرة منه ثم يأتي مكة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر فإن لم يكن له شعر استحب أن يمر الموسى على رأسه وقد تم حجه وعمرته.
وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد لكن عليه وعلى المتمتع دم لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196].
وإذا أراد القفول1 لم يخرج حتى يودع البيت بطواف عند فراغه من جميع أموره حتى يكون آخر عهده بالبيت فإن اشتغل بعده بتجارة أعاده ويستحب له إذا طاف أن يقف في الملتزم بين الركن والباب فيلتزم البيت ويقول اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل أن تنأي عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم أصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير ويدعو بما أحب ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن خرج قبل الوداع رجع إليه إن كان قريبا وإن بعد بعث بدم إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما ويستحب لهما الوقوف عند باب المسجد والدعاء.
ـــــــ
1 القفول: الرجوع من السفر.انظر: لسان العرب: "قفل".

باب أركان الحج والعمرة
أركان الحج الوقوف بعرفة وطواف الزيارة وواجباته الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الليل والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل والسعي والمبيت بمنى والرمي والحلق وطواف الوداع.

وأركان العمرة والطواف وواجباتها الإحرام والسعي والحلق.
فمن ترك ركنا لم يتم نسكه إلا به ومن ترك واجبا جبره بدم ومن ترك سنة فلا شيء عليه ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج فيتحلل بطواف وسعي وينحر هديا إن كان معه وعليه القضاء.
وإن أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك وإن فعل ذلك نفر منهم فقد فاتهم الحج.
ويستحب لمن حج زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه رضي الله عنهما.

باب الهدي والأضحية
والهدي والأضحية سنة لا تجب إلا بالنذر والتضحية أفضل من الصدقة بثمنها والأفضل فيهما الإبل ثم البقر ثم الغنم ويستحب استحسانها واستسمانها.
ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني مما سواه وثني المعز ما له سنة وثني الإبل ما كمل له خمس سنين ومن البقر ما له سنتان.
وتجزئ الشاة عن واحد والبدنة والبقرة عن سبعة ولا تجزئ العوراء البين عورها ولا العجفاء التي لا تنقى1 ولا العرجاء البين ظلعها ولا المريضة البين مرضها ولا العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها وتجزئ الجماء2 والبتراء3 والخصي وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من نصفها.
والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى وذبح البقر والغنم على صفاحها ويقول عند ذلك بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك.
ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل.
ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد إلى آخر يومين من أيام التشريق.
وتتعين الأضحية بقوله هذه أضحية والهدي بقوله هذا هدي وإشعاره وتقليده مع النية.
ـــــــ
1 العجفاء: الضعيفة ولا تنقي: أي لا تسمن. انظر: الدر النقي ص791.
2 التي لا قرن لها. انظر: المطلع ص205.
3 البتراء: المقطوعة الذنب. انظر: المطلع ص205.

ولا يعطي الجزار بأجرته شيئا منها والسنة أن يأكل ثلث أضحيته ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها وإن أكل أكثر جاز وله أن ينتفع بجلدها ولا يبيعه ولا شيئا منها فأما الهدي إن كان تطوعا استحب له الأكل منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جزور ببضعة فطبخت فأكل من لحمها وحسا من مرقها1 ولا يأكل من واجب إلا من هدي المتعة والقران. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئاً حتى يضحي" 2
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1218"، من حديث جابر.
2 أخرجه مسلم "1977"، من حديث أم السلمة.

باب العقيقة
وهي سنة عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة تذبح يوم سابعه ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه ورقا فإن فات يوم سابعه ففي أربعة عشر فإن فات ففي إحدى وعشرين وينزعها أعضاء ولا يكسر لها عظما وحكمها حكم الأضحية فيما سوى ذلك.

كتاب البيوع

مدخل
كتاب البيوع
قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] والبيع معاوضة المال بالمال.
ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح إلا الكلب فإنه لا يجوز بيعه ولا غرم على متلفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وقال: "من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان" 1.
ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه ولا بيع ما لا نفع فيه كالحشرات ولا ما نفعه محرم كالخمر والميتة ولا بيع معلوم كالذي تحمل أمته أو شجرته أو مجهول كالحمل والغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته ولا معجوز عن تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والسمك في الماء ولا بيع المغصوب إلا لغاضبه أو من يقدر على أخذه منه ولا بيع غير معين كعبد من عبيده أو شاة من قطيعه إلا فيما تتساوى أجزاؤه كقفيز2 من صبرة3.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5480"، ومسلم "1574"، من حديث ابن عمر.
2 القفيز مكيال يساوي 12 صاعاً. انظر: الزاهر ص306.
3 الصبرة: الطعام المجتمع في مكان واحد، وجمعها صبر، سميت بذلك لإفراغ بعضها على البعض. انظر: الدر النقي ص461.
فصل [في البيوع المنهى عنها]*
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة4، وهي أن يقول: أي ثوب لمسته فهو لك بكذا، وعن المنابذة5، وهي أن يقول: أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا، وعن بيع الحصاة6 وهو: أن يقول: ارم الحصاة، فأي ثوب وقعت عليه فهو
ـــــــ
* ما بين المعقوفتين زيادة من المحقق للإيضاح.
4 أخرجه البخاري "2146"، ومسلم "1511"، من حديث أبي هريرة.
5 تقديم تخريجه في الحديث السابق.
6 أخرجه مسلم "1513"، من حديث أبي هريرة.

بيع الرجل عن بيع أخيه، وعن بيع حاضر لباد وهو :أن يكون له سمسارا وعن النجش1 وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها وعن بيعتين في بيعة2 وهو أن يقول بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة أو يقول بعتك هذا على أن تبيعني هذا أو تشتري مني هذا وقال: "لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق" 3 وقال: "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" 4
ـــــــ
1 ورد النهي عن ذلك أحاديث كثيرة منها: ما أخرجه البخاري "2150"، ومسلم "1515"، عن أبي هريرة مرفوعاً، بلفظ: "لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد.." .
2 أخرجه الترمذي "1231"، والنسائي "4636"، من حديث أبي هريرة.
قال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
3 أخرجه البخاري "2165"، ومسلم "1526"، من حديث ابن عمر.
4 أخرجه البخاري: "2126"، ومسلم "1526"، من حديث ابن عمر.

باب الربا
عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى" 1
ولا يجوز بيع مطعوم مكيل أو موزون بجنسه إلا مثلا بمثل ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناولا موزون كيلا وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يدا بيد ولم يجز النسأ فيه ولا التفرق قبل القبض إلا في لثمن بالمثمن.
وكل شيئين جمعهما اسم خاص فهما جنس واحد إلا أن يكونا من أصلين مختلفين فإن فروع الأجناس أجناس وإن اتفقت أسماؤها كالأدقة والأدهان.
ولا يجوز بيع رطب منها بيابس من جنسه ولا خالصة بمشوبة ولا نيئة بمطبوخة.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة2 وهو شراء التمر بالتمر في رءوس النخل ورخص في بيع العرايا3 فيما دون خمسة أوسق أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1587".
2 أخرجه البخاري"2172"، ومسلم "1543"، من حديث ابن عمر.
3 أخرجه البخاري "2190"، ومسلم "1541"، من حديث أبي هريرة.
باب بيع الأصول والثمار
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع" 1 وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره باديا فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة فهو للبائع ما لم يشترطه المبتاع وإن كان يجز مرة بعد مرة أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2379"، ومسلم "1543"، من حديث ابن عمر.
فصل [في بيع الثمار وصلاحها]
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها1 ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز فإن أصابتها جائحة رجع بها على البائع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟" 2 وصلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر والعنب أن يتموه وسائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2194"، ومسلم "1534"، من حديث ابن عمر.
2 أخرجه مسلم "1554"، من حديث جابر بن عبد الله.
باب الخيار
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة فيكونان على شرطهما وإن طالت المدة إلا أن يقطعاه.
وإن وجد أحدهما بما اشتراه عيبا لم يكن علمه فله رده أو أخذ أرش العيب وما كسبه المبيع أو حدث فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له لأن الخراج بالضمان.
وإن تلفت السلعة أو عتق العبد أو تعذر رده فله أرش العيب وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيا أمسكها وإن سخطها ردها وصواعا من تمر" 1 فإن علم بتصريتها قبل حلبها ردها ولا شيء معها وكذلك كل مدلس لا يعلم
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2148"، ومسلم "1515"
باب السلم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: "من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم" 1
ويصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة إذا ضبطه بها وذكر قدره بما يقدر به من كيل أو وزن أو ذرع أو عد وجعل له أجلا معلوما وأعطاه الثمن قبل تفرقهما.
ويجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة وإن شاء اسلم ثمنا واحدا في شيئين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس ومن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره.
ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه ولا الحوالة به وتجوز الإقالة2 فيه أو في بعضه لأنها فسخ.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2239"، ومسلم "1604"
2 الإقالة: فسخ البيع بين البائع والمشتري. انظر: الزاهر ص318.
باب القرض وغيره
عن أبي رافع: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه
ـــــــ
5 البكر: الفتي من الإبل. انظر المصباح المنير: "بكر"
باب أحكام الدين
من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله ولم يحجر عليه من أجله ولم يحل بتفليسه ولا بموته إذا وثقه الورثة برهن أو كفيل.
وإن أراد سفرا يحل قبل مدته أو الغزو تطوعا فلغريمه منعه إلا أن يوثق بذلك.
وإن كان الدين حالا على معسر وجب انظاره فإن ادعى الإعسار حلف وخلى سبيله إلا أن يعرف له مال قبل ذلك فلا يقبل قوله إلا ببينة فإن كان موسرا لزمه وفاؤه فإن أبى حبس حتى يوفيه فإن كان ماله لا يفي بدينه كله فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم فإذا حجر عليه لم يجز تصرفه في ماله ولم يقبل إقراره عليه.
ويتولى الحاكم قضاء دينه ويبدأ بمن له أرش جناية من رقيقه فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من أرشها أو قيمة الجاني ثم بمن له رهن فيدفع إليه أقل الأمرين من دينه أو ثمن رهنه وله أسوة الغرماء1 في بقية دينه ثم من وجد متاعه الذي باعه بعينه ولم يزد زيادة متصلة ولم يأخذ من ثمنه شيئا فله أخذه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره" 2 ويقسم الباقي بين الغرماء على قدر ديونهم وينفق على المفلس وعلى من
ـــــــ
1 أسوة الغرماء: أي مثلهم. انظر: الدر النقي ص492.
2 أخرجه البخاري "2402"، ومسلم "1559"، من حديث أبي هريرة.

تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة فإن وجب له حق بشاهد فأبى أن يحلف لم يكن لغرمائه أن يحلفوا.

باب الحوالة والضمان
ومن أحيل بدينه على من عليه مثله فرضي فقد برئ المحيل ومن أحيل على مليء لزمه أن يحتال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع" 1.
وإن ضمنه عنه ضامن لم يبرأ وصار الدين عليهما ولصاحبه مطالبة من شاء منهما فإن استوفى من المضمون عنه أو أبرأه برئ ضامنه وإن أبرأ الضامن لم يبرأ الأصيل وإن استوفى من الضامن رجع عليه.
ومن تكفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه ما عليه فإن مات برئ كفيله.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2287"، ومسلم "1564"، من حديث أبي هريرة.
باب الرهن
وكل ما جاز بيعه جاز رهنه وما لا فلا ولا يلزم بالقبض إلا بالقبض وهو نقله إن كان منقولا والتخلية فيما سواه وقبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه والرهن أمانة عند المرتهن أو أمينه لا يضمنه إلا أن يتعدى ولا ينتفع المرتهن بشيء منه إلا ما كان مركوبا أو محلوبا فللمرتهن أن يركب ويحلب بمقدار العلف وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه لكن يكون الراهن رهنا معه وعليه غرمه من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات.
وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاد فعليه قيمته تكون رهنا مكانه وإن جنى عليه غيره فهو الخصم الراهن فيه زانه فيه وما قبض بسببه فهو رهن وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته فإن فداه فهو رهن بحاله.
وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع وأوفى الحق من ثمنه وباقيه للراهن وإذا شرط الرهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه وأبى الضمين أن يضمن خير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين.
باب الصلح
ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي في يده جاز ما لم
باب الوكالة
وهي جائزة في كل ما تجوز النيابة فيه إذا كان الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وفسخه لها وجنونه والحجر عليه لسفه وكذلك في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة والجعالة والمسابقة.
وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظا أو عرفا وليس له توكيل غيره ولا الشراء من نفسه ولا البيع لها إلا بإذن موكله وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز وإلا لزم من اشتراه.
والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد والقول قوله في الرد والتلف ونفي التعدي وإذا قضي الدين بغير بينة ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل.
ويجوز التوكيل بجعل وبغيره فلو قال بع هذا بعشرة فما زاد فلك صح.
باب الشركة
وهي على أربعة أضرب:
شركة العنان: وهي أن يشتركا بماليهما وبدنيهما.
وشركة الوجوه: وهي أن يشتركا فيما يشتريان بجاهيهما.
والمضاربة: وهي أن يدفع أحدهما إلى الآخر مالا يتجر فيه ويشتركان في ربحه.
وشركة الأبدان: وهي أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما من المباح إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فجاء سعد بأسيرين ولم آت أنا وعمار بشيء1.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "3388"، والنسائي "4701"، وابن ماجه "2288".
باب المساقاة والمزارعة
تجوز المساقاة في كل شجر له ثمر بجزء من ثمره مشاع معلوم والمزارعة في الأرض بجزء من زرعها سواء كان البذر منهما أو من أحدهما لقول ابن عمر عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع وثمر1 وفي لفظ على أن يعمروها من أموالهم.
وعلى العامل ما جرت العادة بعمله ولو دفع إلى رجل دابة يعمل عليها وما حصل بينهما جاز على قياس ذلك.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2329"، ومسلم "1551" "1".
ولفظ: "على أن يعتملوها من أموالهم" أخرجه مسلم "1551" "5".
باب إحياء الموات
وهي الأرض الداثرة التي لا يعرف لها مالك فمن أحياها ملكها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" 1 وإحياؤها عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها كالتحويط عليها وسوق الماء إليها إن أرادها للزرع وقلع أشجارها وأحجارها المانعة من غرسها وزرعها.
وإن حفر فيها بئرا فوصل إلى الماء ملك حريمه2 وهو خمسون ذراعا من كل جانب إن كانت عادية وحريم البئر البديء3 خمسة وعشرون ذراعا.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "3073"، من حديث سعيد بن زيد، والترمذي "379"، من حديث جابر بن عبد الله.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
2 حريم البئر: ما حولها من مرافقها وحقوقها. انظر: الدر النقي ص547.
3 البئر البديء: البئر التي حفرت في الإسلام حديثة، والعادية: البئر القديمة التي لا يعلم لها رب ولا حافر. انظر: لسان العرب: "بدأ"، والدر النقي ص546.
باب الجعالة
وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا فمن فعل ذلك استحق الجعل لما روى أبو سعيد إن قوما لدغ رجل منهم فأتوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا هل فيكم من راق فقالوا لا حتى تجعلوا لنا شيئا فجعلوا لهم قطيعا من الغنم فجعل رجل منهم يقرأ بفاتحة الكتاب ويرقي ويتفل حتى برأ فاخذوا الغنم وسألوا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وما يدريكم أنها رقية خذوا واضربوا لي معكم بسهم" 1 ولو التقط اللقطة قبل أن يبلغه الجعل لم يستحقه.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5007"، ومسلم "2201".
باب اللقطة
وهي على ثلاثة أضرب:
أحدها: ما تقل قيمته فيجوز أخذه والانتفاع به من غير تعريف لقول جابر رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به1.
الثاني: الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل ونحوهما فلا يجوز أخذها لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال: "مالك ولها دعها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها" 2 ومن أخذ هذا لم يملكه ولزمه ضمانه ولم يبرأ منه إلا بدفعه إلى نائب الأمام.
الثالث: ما تكثر قيمته من الأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع فيجوز أخذه ويجب تعريفه حولا في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه بغير بينة وإن لم يعرف فهو كسائر ماله ولا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه وصفته فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه أو مثله إن كان قد هلك وإن كان حيوانا يحتاج إلى مؤنة أو شيئا يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف أو بيعه ثم يعرفه لما روي عن زيد بن خالد قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال: "أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "1717".
قال المنذري: في إسناده المغيرة بن زياد وقد تكلم فيه غير واحد.
2 أخرجه البخاري "91"، ومسلم "1722"، من حديث زيد بن خالد الجهني.

سنة فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه" وسأله عن الشاة فقال: "خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب" 1 وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد فلا ضمان فيها.
ـــــــ
1 تقدم تخريجه في الحديث السابق. والوكاء: الخيط الذي يشد به الوعاء. والعفاص: الوعاء تكون فيه النفقة جلداً كان أو غيره، ويطلق أيضاً على الجلد الذي يكون على رأس القارورة. انظر: شرح مسلم للنووي12/21.

فصل في اللقيط
هو الطفل المنبوذ وهو محكوم بحريته وإسلامه وما وجد عنده من المال فهو له وولايته لملتقطه إذا كان مسلما عدلا ونفقته في بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه وما خلفه فهو فيء ومن ادعى نسبه ألحق به إلا إن كان كافرا ألحق به نسبا لا دينا ولم يسلم إليه.
باب السبق
تجوز المسابقة بغير جعل في الأشياء كلها ولا تجوز بجعل إلا في الخيل والإبل والسهام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" 1 فإن كان الجعل من غير المستبقين جاز وهو للسباق منهما وإن كان من أحدهما فسبق المخرج أو جاءا معا أحرز سبقه ولا شيء له سواه وإن سبق الآخر أخذه وإن أخرجا جميعا لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رميهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن من أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد امن أن يسبق فهو قمار" 2 فإن سبقهما أحرز سبقيهما وإن سبق أحدهما أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه ولا بد من تحديد المسافة وبيان الغاية وقدر الإصابة وصفتها وعدد الرشق وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "2574"، والترمذي "1700"، والنسائي "3616"، وابن ماجه "2878"، من حديث أبي هريرة. قال الترمذي: هو حديث حسن.
قال في "العدة" ص 623: والمراد بالحافر: الخيل خاصة، وبالخف الإبل، وبالنصل السهام.
2 أخرجه أبو داود "2579"، وابن ماجه "2876"، من حديث أبي هريرة. انظر بيان الوهم والإيهام 3/480، وتلخيص الحبير 4/163.
باب الوديعة
وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى.
وإن لم يحفظها في حرز مثلها أو مثل الحرز الذي أمر بإحرازها فيه أو تصرف فيها لنفسه أو خلطها بما لا تتميز منه أو أخرجها لينفقها ثم ردها أو كسر ختم كيسها أو جحدها ثم أقر بها أو امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها وإن قال ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه.
وإن قال مالك عندي شيء ثم ادعى ردها أو تلفها قبل.
والعارية مضمونة وإن يتعد فيها المستعير.

كتاب الإجارة

مدخل
كتاب الإجارة
وهي عقد على المنافع لازم من الطرفين لا يملك أحدهما فسخها ولا تنفسخ بموته ولا جنونه وتنفسخ بتلف العين المعقود عليها أو انقطاع نفعها وللمستأجر فسخها بالعيب قديما كان أو حادثا ولا تصح إلا على نفع معلوم أما بالعرف كسكنى دار أو بالوصف كخياطة ثوب معين أو بناء حائط أو حمل شيء إلى موضع معين وضبط ذلك بصفاته أو معرفة أجرته وإن وقعت على عين فلا بد من معرفتها.
ومن استأجر شيئا فله أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه وإن استأجر أرضا لزرع فله زرع ما هو أقل منه ضررا فإن زرع ما هو أكثر منه ضررا أو يخالف ضرره فعليه أجرة المثل وإن اكترى إلى موضع فجاوزه أو لحمل شيء فزاد عليه فعليه أجرة المثل للزائد وضمان العين إن تلفت وإن تلفت من غير تعد فلا ضمان عليه.
ولا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة بعينها فيما يتلف في يده من غير تفريط ولا على حجام أو ختان أو طبيب إذا عرف منه حذق في الصنعة ولم تجن أيديهم ولا على الراعي إذا لم يتعد ويضمن القصار والخياط ونحوهما ممن يستقبل العمل ما تلف بعمله دون ما تلف من حرزه.
باب الغصب
وهو استيلاء الإنسان على مال غيره بغير حق.
من غصب شيئا فعليه رده وأجرة مثله إن كله له أجرة مدة مقامه في يده وإن نقص فعليه أرش نقصه.
وإن جنى المغصوب فأرش جنايته عليه سواء جنى على سيده أو أجنبي وإن جنى عليه أجنبي فلسيده تضمين من شاء منهما.
وإن زاد المغصوب رده بزيادته سواء كانت متصلة أو منفصلة وإن زاد أو نقص رده بزيادته وضمن نقصه سواء زاد بفعله أو بغير فعله فلو نجر الخشبة بابا

أو عمل الحديد إبرا ردهما بزيادتهما وضمن نقصهما إن نقصا ولو غصب قطنا فغزله أو غزلا فنسجه أو ثوبا فقصره أو فصله وخاطه أو حبا فصار زرعا أو نوى فصار شجرا أو بيضا فصار فراخا فكذلك وإن غصب عبدا فزاد في بدنه أو بتعليمه ثم ذهبت الزيادة رده وقيمة الزيادة.
وإن تلف المغصوب أو تعذر رده فعليه مثله إن كان مكيلا أو موزونا وقيمته إن لم يكن كذلك ثم إن قدر على رده رده ويأخذ القيمة.
وإن خلط المغصوب بما لا يتميز به جنسه فعليه مثله منه وإن خلطه بغير جنسه فعليه مثله من حيث شاء.
وإن غصب أرضا فغرسها أخذ بقلع غرسه وردها وأرش نقصها وأجرتها وإن زرعها وأخذ الغاصب الزرع ردها وأجرتها وإن زرعها وأخذ الغاصب الزرع ردها وأجرتها وإن أدرك مالكها الزرع قبل حصاده خير بين ذلك وبين أخذ الزرع بقيمته.
وإن غصب جارية فوطئها وأولدها لزمه الحد وردها ورد ولدها ومهر مثلها وأرش نقصها وأجرة مثلها وإن باعها فوطئها المشتري وهو لا يعلم فعليه مهرها وقيما ولدها أن أولدها وأجرة مثلها ويرجع بذلك كله على الغاصب.

باب الشفعة
وهو استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها.
ولا تجب إلا بشروط سبعة:
أحدها: البيع فلا تجب في موهوب ولا موقوف ولا عوض خلع ولا صداق.
الثاني: أن يكون عقارا أو ما يتصل به من البناء والغراس.
الثالث: أن يكون شقصا مشاعا فأما المقسوم المحدود فلا شفعة فيه لقول جابر قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة1.
الرابع: أن يكون مما ينقسم فأما ما لا ينفسم فلا شفعة فيه.
الخامس: أن يأخذ الشقص كله فإن طلب بعضه سقطت شفعته ولو كان
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2214"، ومسلم "1608".

له شفيعان فالشفعة بينهما على قدر سهامهما فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر إلا أخذ الكل أو الترك.
السادس: إمكان أداء الثمن فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته وإذا كان الثمن مثليا فعليه مثله وإن لم يكن مثليا فعليه قيمته وإن اختلفا في قدره ولا بينة لهما فالقول قول المشتري مع يمينه.
السابع: المطالبة بها على الفور ساعة يعلم فإن أخرها بطلت شفعته إلا أن يكون عاجزا عنها لغيبة أو حبس أو مرض أو صغر فيكون على شفعته متى قدر عليها إلا أنه إن أمكنه الإشهاد على الطلب بها فلم يشهد بطلت شفعته فإن لم يعلم حتى تبايع ثلاثة فأكثر فله مطالبة من شاء منهم فإن أخذ من الأول رجع عليه الثاني بما أخذ منه والثالث على الثاني ومتى أخذه وفيه غرس أو بناء للمشتري أعطاه الشفيع قيمته إلا أن يختار المشتري قلعه من غير ضرر فيه وإن كان فيه زرع أو ثمر باد فهو للمشتري يبقى إلى الحصاد أو الجذاذ وإن اشترى شقصا وسيفا في عقد واحد فللشفيع أخذ الشقص بحصته.

كتاب الوقف

مدخل
كتاب الوقف
وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة.
ويجوز في كل عين يجوز بيعها وينتفع بها دائما مع بقاء عينها ولا يصح في غير ذلك مثل الأثمان والمطعومات والرياحين ولا يصح إلا على بر أو معروف مثل ما روي عن عمر أنه قال يا رسول الله إني أصبت مالا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني فيه قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث" قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف.
ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه.
ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه، مثل أن يبني مسجدا ويأذن في الصلاة فيه أو سقاية ويشرعها للناس.
ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه بالكلية فيباع ويشترى به ما يقوم مقامه والفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشتري به ما يصلح للجهاد والمسجد إذا لم ينتفع به في مكانه بيع ونقل إلى مكان ينتفع به.
ويرجع في الوقف ومصرفه وشروطه وترتيبه وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بها وكذلك الناظر فيه والنفقة عليه إلى شرط الواقف فلو وقف على ولد فلان ثم على المساكين كان الذكر والأنثى بالسوية إلا أن يفضل بعضهم فإذا لم يبق منهم أحد رجع إلى المساكين ومتى كان الوقف على ما يمكن حصرهم لزم استيعابهم به والتسوية بينهم اذا لم يفضل بعضهم وإن لم يكن حصرهم جاز تفضيل بعضهم على بعض وتخصيص واحد منهم به.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري (2772) , ومسلم (1632).
باب الهبة
وهي تمليك المال في الحياة بغير عوض وتصح بالإيجاب والقبول والعطية المقترنة بما يدل عليها وتلزم بالقبض ولا يجوز الرجوع فيها إلا الأب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" 1 والمشروع في عطية الأولاد أن يسوى بينهم على قدر ميراثهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" 2.
إذا قال لرجل أعمرته داري أو هي لك عمري فهي له ولورثته من بعده وإن قال سكناها لك عمرك فله أخذها متى شاء.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "3539"، والترمذي "1298"، وابن ماجه "2377"، والنسائي "3733"، من حديث ابن عمر.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
2 أخرجه البخاري "2587"، ومسلم "1623"، من حديث النعمان بن بشير.
باب عطية المريض
تبرعات المريض مرض الموت المخوف ومن هو في الخوف كالمريض وكالوقوف بين صفين عند التقاء القتال ومن قدم ليقتل وراكب البحر حال هيجانه ومن وقع الطاعون ببلده إذا اتصل بهم الموت حكمها حكم وصيته في ستة أحكام:
أحدها: إنها لا تجوز لأجنبي بزيادة على الثلث ولا لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة لما روي أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا فأعتق اثنين وارق أربعة.
الثاني: أن الحرية تجمع في بعض العبيد بالقرعة إذا لم يف الثلث بالجميع للخبر.
الثالث: أنه إذا أعتق عبدا غير معين أو معينا فأشكل أخرج بالقرعة.
الرابع: أنه يعتبر خروجها من الثلث حال الموت فلو أعتق عبدا لا مال له سواه أو تبرع به ثم ملك عند الموت ضعف قيمته تبينا أنه عتق كله حين اعتاقه
ـــــــ
3 أخرجه مسلم (1668) من حديث عمران بن حصين.

وكان ما كسبه بعد ذلك له وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء ولا يصح تبرعه به ولو وصى له بشيء فلم يأخذه الموصى له زمانا قوم عليه وقت الموت لا وقت الأخذ.
الخامس: أن كونه وارثا يعتبر حالة الموت فيها فلو أعطى أخاه أو وصى له ولا له ولد فولد له ابن صحت العطية والوصية ولو كان له ابن فمات بطلتا.
السادس: أنه لا يعتبر رد الورثة وإجازتهم إلا بعد الموت فيهما.
وتفارق العطية الوصية في أحكام أربعة:
أحدها: أن العطية تنفذ من حينها فلو أعتق عبدا أو أعطاه إنسانا صار المعتق حرا وملكه المعطى وكسبه له ولو وصى به أو دبره لم يعتق ولم يملكه الموصى له إلا بعد الموت وما كسب أو حدث فيه من نماء منفصل فهو للورثة.
الثاني: أن العطية يعتبر قبولها وردها حين وجودها كعطية الصحيح والوصية لا يعتبر قبولها ولا ردها إلا بعد موت الموصي.
الثالث: أنها تقع لازمة لا يملك المعطي الرجوع فيها والوصية له الرجوع فيها متى شاء.
الرابع: أن يبدأ بالأول فالأول منها إذا ضاق الثلث عن جميعها والوصية يسوى بين الأول منها والآخر ويدخل النقص على كل واحد بقدر وصيته سواء كان فيها عتق أو لم يكن وكذلك الحكم في العطايا إذا وقعت دفعة واحدة.

كتاب الوصايا

مدخل
كتاب الوصايا
روي عن سعد قال قلت يا رسول الله قد بلغ بي الجهد ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي قال: "لا" قلت: فالشطر قال: "لا" قلت: فالثلث قال: "الثلث والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" 1
ويستحب لمن ترك خيرا الوصية بخمس ماله.
وتصح الوصية والتدبير2 من كل من تصح هبته ومن الصبي العاقل والمحجور عليه لسفه ولكل من تصح الهبة له وللحمل إذا علم أنه كان موجودا حين الوصية له.
وتصح بكل ما فيه نفع مباح ككلب الصيد والغنم وبما فيه نفع من النجاسات وبالمعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته.
وتصح بما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء وبما لا يملكه كمائة درهم لا يملكها وبغير معين كعبد من عبيده ويعطيه الورثة منهم ما شاءوا وبالمجهول كحظ من ماله أو جزء ويعطيه الورثة ما شاءوا.
وإن وصى له بمثل نصيب أحد ورثته فله مثل أقلهم نصيبا يراد على الفريضة فلو خلف ثلاثة بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم فله الربع فإن كان معهم ذو فرض كأم صححت مسألة الورثة بدون الوصية من ثمانية عشر وزدت عليها بمثل نصيب ابن فصارت من ثلاثة وعشرين.
ولو وصى بمثل نصيب أحدهم ولآخر بسدس باقي المال جعلت صاحب سدس الباقي كذي فرض صححتها كالتي قبلها فان كانت وصية الثاني بسدس باقي الثلث صححتها كما قلنا سواء ثم زدت عليها مثلها فتصير تسعة وستين وتعطى صاحب
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1295"، ومسلم "1628".
2 التدبير: لفظ خص به العتق بعد الموت. انظر:الزاهر ص561.

السدس سهما واحدا والباقي بين البنين والوصي الآخر أرباعا وإن زاد البنون على ثلاثة زدت صاحب سدس الباقي بقدر زيادتهم فإن كانوا أربعة أعطيته مما صححت منه المسألة سهمين وإن كانوا خمسة فله ثلاثة وإن كانت الوصية بثلث باقي الربع والبنون أربعة فله سهم واحد وإن زاد البنون على أربعة زدته بكل واحد سهما.
وإن وصى بضعف نصيب وارث أو ضعفيه فله مثلا نصيبه وثلاثة أضعاف ثلاثة أمثاله.
وإن وصى بجزء مشاع كثلث وربع أخذته من مخرجه وقسمت الباقي على الورثة.
وإن وصى بجزأين كثلث وربع أخذتهما من مخرجهما وهو اثنا عشر وقسمت الباقي على الورثة فإن ردوا جعلت سهام الوصية ثلث المال وللورثة ضعف ذلك.
وإن وصى بمعين من ماله فلم يخرج من الثلث فللموصى له قدر الثلث إلا أن يجيز الورثة.
وإن زادت الوصايا على المال كرجل وصى بثلث ماله لرجل ولآخر بجميعه ضممت الثلث إلى المال فصار أربعة أثلاث وقسمت التركة بينهما على أربعة إن أجيزت لهما والثلث على أربعة إن رد عليهما.
ولو وصى بمعين لرجل ثم وصى به لآخر أو أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى آخر فهو بينهما وإن قال ما أوصيت به للأول فهو للثاني بطلت وصية الأول.

فصل [في بطلان الوصية]
إذا بطلت الوصية أو بعضها رجع إلى الورثة فلو وصى أن يشتري عبد زيد بمائة فيعتق فمات أو لم يبعه سيده فالمائة للورثة وإن وصى بمائة تنفق على فرس حبيس فمات الفرس فهي للورثة ولو وصى أن يحج عنه زيد بألف فلم يحج فهي للورثة وإن قال الموصى له أعطوني الزائد على نفقة الحج لم يعط شيئا ولو مات الموصى له قبل موت الموصي أو رد الوصية ردت إلى الورثة ولو وصى لحي وميت فللحي نصف الوصية ولو وصى لوارثه ولأجنبي بثلث ماله فللأجنبي السدس ويوقف سدس الوارث على الإجازة.
باب الموصى إليه
تجوز الوصية إلى كل مسلم عاقل عدل من الذكور والإناث بما يجوز للموصي فعله من قضاء ديونه وتفريق وصيته والنظر في أمر أطفاله.
فصل [في الحجر واختبار الرشد]
ولوليهم أن يأذن للمميز من الصبيان بالتصرف ليختبر رشده والرشد هنا الصلاح في المال فمن آنس رشده دفع إليه ماله اذا بلغ وأشهد عليه ذكرا كان أو أنثى فإن عاود السفه أعيد عليه الحجر ولا ينظر في ماله إلا الحاكم ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكمه ولا يقبل إقراره في المال ويقبل في الحدود والقصاص والطلاق فإن طلق أو عتق نفذ طلاقه دون إعتاقه.
فصل [في الإذن للعبد في التصرف]
وإذا أذن السيد لعبده في التجارة صح بيعه وشراؤه وإقراره ولا ينفذ تصرفه إلا في قدر ما أذن له فيه وإن رآه سيده أو وليه يتصرف فلم ينهه لم يصر بهذا مأذونا له.

كتاب الفرائض

مدخل
كتاب الفرائض
وهي قسمة الميراث والوارث ثلاثة أقسام ذو فرض وعصبة وذو رحم فذو الفرض عشرة الزوجان والأبوان والجد والجدة والبنات وبنات الابن والأخوات والإخوة من الأم فللزوج النصف إذا لم يكن للميتة ولد فإن كان لها ولد فله الربع ولها الربع واحدة كانت أو أربعا إذا لم يكن له ولد فإن كان له ولد فلهن الثمن.
فصل [في أحوال الأب في الميراث]
وللأب ثلاثة أحوال: حال له السدس وهي مع ذكور الولد وحال يكون عصبة وهي مع عدم الولد وحال له الأمران مع إناث الولد.
فصل [في أحوال الجد في الميراث]
والجد كالأب في أحواله وله حال رابع وهو مع الأخوة والأخوات للأبوين أو للأب فله الأحظ من مقاسمتهم كأخ أو ثلث جميع المال فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه ثم كان للجد الأحظ من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال وولد الأبوين كولد الأب في هذا إذا انفردوا فإن اجتمعوا عادوا ولد الأبوين الجد بولد الأب ثم أخذوا ما حصل لهم إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ النصف وما فضل فلولد الأب فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس أخذه الجد وسقط الإخوة إلا في الأكدرية1 وهي زوج وأم وأخت وجد فإن للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف ثم
ـــــــ
1 اختلفوا لم سميت، فقيل: لأنها كدرت على زيد أصوله. وقيل نسبة إلى رجل اسمه أكدر. انظر: الدر النقي ص586-587.
فصل [في أحوال الأم في الميراث]
وللأم أربعة أحوال حال لها السدس وهي مع الولد أو الاثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات وحال لها ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين وهي مع الأب وأحد الزوجين وحال لها ثلث المال وهي فيما عدا ذلك وحال رابع وهي إذا كان ولدها منفيا باللعان أو كان ولد زنا فتكون عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبة.
فصل [في أحوال الجدة في الميراث]
وللجدة إذا لم تكن أم السدس واحدة كانت أو أكثر إذا تحاذين فإن كان بعضهن اقرب من بعض فهو لقراباهن وترث الجدة وابنها حي ولا يرث أكثر من ثلاث جدات أم الأم وأم الأب وأم الجد ومن كان من أمهاتهن وإن علون ولا ترث جدة تدلي باب بين أمين ولا باب أعلى من الجد فإن خلف جدتي أمه وجدتي أبيه سقطت أم أبي أمه الميراث للثلاث الباقيات.
فصل [في أحوال البنات في الميراث]
وللبنت النصف وللبنتين فصاعدا الثلثان وبنات الابن بمنزلتهن إذا عدمن فإن اجتمعن سقط بنات الابن إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكر فيعصبهن فيما بقي وإن كانت بنت واحدة وبنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي.
فصل [في أحوال الأخوات في الميراث]
فصل [في أحوال الأخوات فيا الميراث]
والأخوات من الأبوين كالبنات في فرضهن والأخوات من الأب معهن كبنات الابن مع البنات سواء ولا يعصبهن إلا أخوهن والأخوات مع البنات عصبة لهن ما فضل وليست لهن معهن فريضة مسماة لقول ابن مسعود رضي الله عنه في بنت وبنت ابن واخت أقضي فيها بقضار رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت1.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "6742".
فصل [في أحوال الإخوة والأخوات من الأم في الميراث]
والإخوة والأخوات من الأم سواء ذكورهم وإناثهم لواحدهم السدس وللاثنين السدسان فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث.
باب الحجب
يسقط ولد الأبوين بثلاثة بالابن وابنه والأب ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة وبالأخ من الأبوين ويسقط ولد الأم بأربعة بالولد ذكرا أو أنثى وولد الابن والأب والجد ويسقط الجد بالأب وكل جد بمن هو أقرب منه.
باب العصبات
وهم كل ذكر يدلي بنفسه أو بذكر آخر، إلا الزوج والمعتقة وعصباتها وأحقهم بالميراث أقربهم وأقربهم الابن ثم ابنه وإن نزل ثم الأب ثم أبوه وإن علا ما لم يكن إخوة ثم بنو الأب ثم بنوهم وإن نزلوا ثم بنو الجد ثم بنوهم وعلى هذا لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أدنى منه وإن نزلوا وأولى كل بني أب أقربهم إليه فإن استوت درجاتهم فأولاهم من كان لأبوين وأربعة منهم يعصبون أخواتهم ويقتسمون ما ورثوا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وهم الابن وابنه والأخ من الأبوين أو من الأب وما عداهم ينفرد الذكور بالميراث كبني الإخوة والأعمام وبنيهم وإذا انفرد العصبة ورث المال كله فإن كان معه ذو
باب ذوي الأرحام
وهم كل قرابة ليس بعصبة ولا ذي فرض ولا ميراث لهم مع عصبة ولا ذي فرض إلا مع أحد الزوجين فإن لهم ما فضل عنه من غير حجب ولا معاولة ويرثون بالتنزيل فيجعل كل إنسان منهم بمنزلة من أدلى به فولد البنات وولد بنات الابن والأخوات بمنزلة أمهاتهم وبنات الإخوة والأعمام وبنو الإخوة من الأم كآبائهم والعمات والعم لأب كالأب والأخوال والخالات وأبو الأم كالأم فإن كان معهم اثنان فصاعدا من جهة واحدة فأسبقهم إلى الوارث أحقهم فإن استووا قسمت المال بين من أدلوا به وجعلت مال كل واحد منهم لمن أدلى به وساويت بين الذكور والإناث إذا استوت جهاتهم منه.
فلو خلف ابن بنت وبنت وبنت أخرى وابنا وبنت بنت أخرى قسمت المال بين البنات على ثلاثة ثم جعلته لأولادهن للابن الثلث وللبنت الثلث وللابن والبنت الأخرى الثلث الباقي بينهما نصفين.

وإن خلف ثلاث عمات متفرقات وثلاث خالات متفرقات فالثلث بين الخالات على خمسة والثلثان بين العمات على خمسة وتصح من خمسة عشر وإن اختلفت جهات ذوي الأرحام نزلت البعيد حتى يلحق بوارثه ثم قسمت على ما ذكرنا والجهات ثلاث البنوة والأمومة والأبوة.

باب أصول المسائل
وهي سبعة: فالنصف من اثنين والثلث والثلثان من ثلاثة والربع وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو مع النصف من ثمانية فهذه الأربعة لا عول فيها وإذا كان مع النصف ثلث أو ثلثان أو سدس فهي من ستة وتعول إلى عشرة وإن كان مع الربع أحد هذه الثلاثة فهي من اثني عشر وتعول إلى سبعة عشر وإن كان مع الثمن سدس أو ثلثان فهي من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين.
باب الرد
1
وإن لم تستغرق الفروض المال ولم يكن عصبة فالباقي يرد عليهم على قدر فروضهم إلا الزوجين فإن اختلفت فروضهم أخذت سهامهم من أصل ستة ثم جعلت عدد سهامهم من أصل مسألتهم فإن انكسر على بعضهم ضربته في عدد سهامهم وإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته سهمه من أصل مسألته وقسمت الباقي على مسألة أهل الرد فإن انقسم وإلا ضربت مسألة أهل الرد فإن انقسم وإلا ضربت مسألة أهل الرد في مسألة الزوج ثم تصحح بعد ذلك على ما سنذكره وليس في مسألة يرث فيها عصبة عول ولا رد.
ـــــــ
1 الرد: صرف المسألة عما هي عليه من الكمال إلى النقص. وهو عكس العول، فإن العول ينقص السهام والرد يكثرها. انظر: المطلع ص304.
باب تصحيح المسلئل
باب تصحيح المسائل
إذا انكسر سهم فريق عليهم ضربت عددهم أو وفقه إن وافق سهامهم في أصل مسألتهم أو عولها إن عالت أو نقصها إن نقصت ثم يصير لكل واحد منهم مثل ما كان لجميعهم أو وقفة وإن انكسر على فريقين فأكثر وكانت مماثلة أجزأك
باب المناسخات
1
إذا لم تقسم تركة الميت حتى مات بعض ورثته وكان ورثه الثاني يرثونه على حسب ميراثهم من الأول قسمت التركة على ورثة الثاني وأجزأك وإن اختلف ميراثهم صححت مسألة الثاني وقسمت عليها سهامه من الأولى فإن انقسم صحت المسألتان مما صحت منه الأولى وإن لم تنقسم ضربت الثانية أو وفقها في الأولى ثم كل من له شيء من الأولى أخذه مضروبا في الثانية أو وفقها ومن له شيء في الثانية أخذه مضروبا في سهام الميت الثاني: أو وفقها ثم تفعل فيما زاد من المسائل كذلك أيضا.
ـــــــ
1 قال الجوهري: التناسخ في الميراث: أن يموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يقسم. انظر: الصحاح: "نسخ".
باب موانع الميراث
وهي ثلاثة:
أحدها: اختلاف الدين فلا يرث أهل ملة أهل ملة أخرى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" 1.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين شتى" 2 والمرتد لا يرث أحدا وإن مات فماله فيء.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "6764"، ومسلم "1614"،من حديث أسامة بن زيد.
2 أخرجه أبو داود "2911"، والنسائي في الكبرى "6384"، وابن ماجه "2371"، من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه الترمذي "2108"، وأخرجه الترمذي "2108"، من حديث جابر. وأخرجه أيضاً النسائي في الكبرى "6381"، من حديث أسامة بن زيد.
قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير 2/135: رواه النسائي من حديث أسامة بن زيد بإسناد صحيح، ووهم عبد الحق فعزاه إلى مسلم. ورواه أيضاً أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه من جده، وإسناد أبي داود والدارقطني إسناد صحيح. ورواه الترمذي من رواية جابر بإسناد ضعيف.
باب مسائل شتى
إذا مات عن حمل يرثه وقفت ميراث اثنين ذكرين إن كان ميراثهما أكثر وإلا ميراث أنثيين وتعطى كل وارث اليقين وتقف الباقي حتى يتبين.
وإن كان في الورثة مفقود لا يعلم خبره أعطيت كل وارث اليقين ووقفت الباقي حتى يعلم حاله إلا أن يفقد في مهلكة أو من بين أهله فينتظر أربع سنين ثم يقسم.
وإن طلق المريض في مرض موته المخوف امرأته طلاقا يتهم فيه لقصد حرمانها عن الميراث لم يسقط ميراثها ما دامت في عدته وإن كان الطلاق رجعيا توارثا في العدة سواء كان في الصحة أو في المرض.
وإن أقر الورثة كلهم بمشارك لهم في الميراث فصدقهم أو كان صغيرا مجهول النسب ثبت نسبه وإرثه وإن اقر به بعضهم لم يثبت نسبه وله فضل ما في يد المقر عن ميراثه.
باب الولاء
الولاء لمن أعتق وإن اختلف دينهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق" 1 وإن أعتق عليه برحم أو كتابة أو تدبير أو استيلاد فله عليه الولاء وعلى أولاده من حرة معتقة أو أمة وعلى معتقي معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقيهم أبدا ما تناسلوا ويرثهم إذا لم يكن له من يحجبه عن ميراثهم ثم عصباته من بعده.
ومن قال اعتق عبدك وعلي ثمنه ففعل فعلى الآمر ثمنه وله ولاؤه وإن لم يقل عني فالثمن عليه والولاء للمعتق ومن أعتق عبده عن حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق وإن أعتقه عنه بأمره.
فالولاء للمعتق عنه بأمره وإذا كان أحد الزوجين الحرين حر الأصل فلا ولاء على ولدهما وإن كان أحدهما رقيقا تبع الولد الأم في حريتها ورقها فإن كانت الأم رقيقة فولدها رقيق
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2168"، ومسلم "1504"، من حديث عائشة.
باب الميراث بالولاء
الولاء لا يورث وإنما يرث به أقرب عصبات المعتق ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتقه من أعتقن وكذلك كل ذي فرض إلا الأب والجد لهما السدس مع الابن وابنه والولاء للكبر1 فلو مات المعتق وخلف ابنين وعتيقه فمات أحد الابنين عن ابن ثم مات عتيقه فماله لابن المعتق وإن مات الابنان بعده وقبل المولى وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة فولاؤه بينهم على عددهم لكل واحد عشر وإذا أعتقت المرأة عبدا ثم ماتت فولاؤه لابنها وعقله لعصبتها.
ـــــــ
1 الكبر: أكبر الجماعة. انظر: الدر النقي ص596.
باب العتق
وهو تحرير العبد ويحصل بالقول والفعل.
فأما القول فصريحه لفظ العتق والتحرير وما تصرف منهما فمتى أتى بذلك
فصل [في تعليق العتق على شرط]
وإذا قال لعبده أنت حر في وقت سماه أو علق عتقه على شرط يعتق إذا جاء ذلك الوقت أو وجد الشرط ولم يعتق قبله ولا يملك إبطاله بالقول وله بيعه وهبته والتصرف فيه ومتى عاد إليه عاد الشرط.
وإن كانت الأمة حاملا حين التعليق أو وجد الشرط عتق حملها وإن حملت ووضعت فيما بينها ولم يعتق ولدها.
باب التدبير
وإذا قال لعبده أنت حر بعد موتي أو قد دبرتك أو أنت مدبرا صار مدبرا يعتق بموت سيده إن حمله الثلث ولا يعتق ما زاد إلا بإجازة الورثة ولسيده بيعه وهبته ووطء الجارية ومتى ملكه بعد عاد تدبيره.
وما ولدت المدبرة والمكاتبة وأم الولد من غير سيدها فله حكمها.
ويجوز تدبير المكاتب وكتابة المدبر فإن أدى عتق وإن مات سيده قبل أدائه عتق إن حمل الثلث ما بقي عليه من كتابته وإلا عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما عتق وكان على الكتابة بما بقي.
باب المكاتب
والمكاتبة: شراء العبد نفسه من سيده بمال في ذمته إذا ابتغاه العبد المكتسب الصدوق من سيده.
واستحب له إجابته إليها لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: 33].
ويجعل المال عليه منجما فمتى أداها عتق ويعطى مما كتب عليه الربع لقول الله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قال علي رضي الله عنه هو الربع1.
والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم إلا أنه يملك البيع والشراء والسفر وكل ما فيه مصلحة ماله وليس له التبرع ولا التزوج ولا التسري إلا بإذن سيده.
وليس لسيده استخدامه ولا أخذ شيء من ماله ومتى أخذ منه شيئا أو جنى عليه أو على ماله فعليه غرامته ويجري الربا بينهما كالأجانب إلا أنه لا بأس أن يجعل لسيده ويضع عنه بعض كتابته.
وليس له وطء مكاتبته ولا بنتها ولا جاريتها فإن فعل فعليه مهر مثلها وإن ولدت منه صارت أم ولد فإن أدت عتقت وإن مات سيدها قبل أدائها عتقت وما في يدها لها إلا أن تكون قد عجزت فيكون ما في يدها للورثة.
ويجوز بيع المكاتب لأن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة وهي مكاتبة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم2.
ويكون في يد مشتريه مبقي على ما بقي من كتابته فإن أدى عتق وولاؤه لمشتريه وإن عجز فهو عبد.
ـــــــ
1 أخرجه النسائي في الكبرى 3/199.
2 تقدم تخريجه ص83.

وإن اشترى المكاتبات كل واحد منهما الآخر صح شراء الأول وبطل شراء الثاني فإن جهل الأول منهما بطل البيعان.
وإن مات المكاتب بطلت الكتابة وإن مات السيد قبله فهو على كتابته يؤدي إلى الورثة وولاؤه لمكاتبه.
والكتابة عقد لازم ليس لأحدهما فسخها وإن حل نجم فلم يؤده فلسيده تعجيزه وإذا جنى المكاتب بدء بجنايته وإن اختلف هو وسيده في الكتابة أو عوضها أو التدبير أو الاستيلاد فالقول قول السيد مع يمينه.

باب أحكام أمهات الأولاد
إذا حملت الأمة من سيدها فوضعت ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان صارت له بذلك أم ولد تعتق بموته وإن لم يملك غيرها وما دام حيا فهي أمته أحكامها أحكام الإماء في حل وطئها وملك منافعها وكسبها وسائر الأحكام إلا أنه لا يملك بيعها ولا رهنها ولا سائر ما ينقل الملك فيها أو يراد له وتجوز الوصية لها وإليها.
فإن قتلت سيدها عمدا فعليها القصاص وإن قتلته خطأ فعليها قيمة نفسها وتعتق في الحالين.
وإن وطئ أمة غيره بنكاح ثم ملكها حاملا عتق الجنين وله بيعها.

كتاب النكاح

مدخل
كتاب النكاح
النكاح من سنن المرسلين وهو أفضل من التخلي منه لنفل العبادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد على عثمان بن مظعون التبتل1 وقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة2 فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء3" 4.
ومن أراد خطبة امرأة فله النظر منها إلى ما يظهر عادة كوجهها وكفيها وقدميها ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه إلا أن لا يسكن إليه.
ولا يجوز التصريح بخطبة معتدة ويجوز التعريض بخطبة البائن خاصة فيقول لا تفوتيني بنفسك وأنا في مثلك لراغب ونحو ذلك.
ولا ينعقد النكاح إلا بإيجاب من الولي أو نائبه فيقول أنكحتك أو زوجتك وقبول من الزوج أو نائبه فيقول قبلت أو تزوجت.
ويستحب أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود رضي الله عنه قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الحاجة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويقرا ثلاث آيات: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب:70-71]5.
ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف للنساء.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5073"، ومسلم "1402"، من حديث سعد بن أبي وقاص.
2 قال ابن الجوزي في غريب الحديث 1/89: الباءة: المنزل، ثم قيل لعقد النكاح باءة، لأن من تزوج امرأة بوأها منزلاً، ويقال للجماع باءة.
3 الوجاء: رض الخصيتين، والمراد هنا: أن الصوم يقطع الشهوة ويقطع شر المني كما يفعله الوجاء. انظر: شرح مسلم للنووي "9/173".
4 أخرجه البخاري "1905"، ومسلم "1400"، من حديث ابن مسعود.
5 أخرجه أبو داود "2128"، والترمذي "1105".
قال الترمذي: حديث عبد الله حديث حسن.
باب ولاية النكاح
لا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين وأولى الناس بتزويج الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا ثم ابنها ثم ابنه وإن نزل ثم الأقرب فالأقرب من عصباتها ثم معتقها ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم السلطان ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه.
ولا يصح تزويج أبعد مع وجود أقرب إلا أن يكون صبيا أو زائل العقل أو مخالفا لدينها أو عاضلا1 لها أو غائبا غيبة بعيدة.
ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه إلا المسلم إذا كان سلطانا أو سيد أمة.
ـــــــ
1 قال الأزهري: عضل أيمه، إذا منها من النكاح الذي أحبه الله عز وجل لها، انظر: الزاهر ص406.
فصل [في الاستئذان في التزويج]
وللأب تزويج أولاده الصغار ذكورهم وإناثهم وبناته الأبكار بغير إذنهم ويستحب استئذان البالغة وليس له تزويج البالغ من بنيه وبناته الثيب إلا بإذنهم وليس لسائر الأولياء تزويج صغير ولا صغيرة ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها.
وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صماتها" 1.
وليس لوي امرأة تزويجها بغير كفئها والعرب بعضهم لبعض أكفاء وليس العبد كفئا لحرة ولا الفاجر كفئا لعفيفة.
ومن أراد أن ينكح امرأة هو وليها فله أن يتزوجها من نفسه بإذنها، وإن زوج أمته عبده الصغير جاز أن يتولى طرفي العقد وإن قال لأمته أعتقتك وجعلت عتقك صداقك بحضرة شاهدين ثبت العتق والنكاح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها2.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1421"، من حديث ابن عباس.
2 أخرجه البخاري "5086"، ومسلم "1365"، من حديث أنس بن مالك.
فصل [في تزويج العبيد والإماء]
وللسيد تزويج إمائه كلهن وعبيده الصغار بغير إذنهم وله تزويج أمة موليته بإذن سيدتها ولا يملك إجبار عبده الكبير على النكاح.
وإيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر فإن دخل بها فمهرها في رقبته كجنايته إلا أن يفديه السيد بأقل من قيمته أو المهر.
ومن نكح أمة على أنها حرة ثم علم فله فسخ النكاح ولا مهر عليه إن فسخ قبل الدخول وإن أصابها فلها مهرها وإن أولدها فولده حر يفديه بقيمته ويرجع بما غرم على من غره ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء فإن كان ممن يجوز له ذلك فرضي فما ولدت بعد الرضا فهو رقيق.
باب المحرمات في النكاح
وهن الأمهات والبنات والأخوات وبنات الإخوة وبنات الأخوات والعمات والخالات وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء والربائب والمدخول بأمهاتهن.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وبنات المحرمات محرمات إلا بنات العمات والخالات.
ومن وطئ امرأة حلالا أو حراما حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمهاتها وبناتها.
فصل [في التحريم بالجمع]
ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بينها وبين خالتها" 1.
ولا يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ولا للعبد أن يجمع إلا اثنتين فإن جمع بين من لا يجوز الجمع بينه في عقد واحد فسد العقد وإن كان في عقدين لم يصح الثاني منهما.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5109"، ومسلم "1408"، من حديث أبي هريرة.
فصل [في التحريم في الملك]
ويجوز أن يملك أختين وله وطء إحداهما فمتى وطئها حرمت أختها حتى تحرم الموطوءة بتزويج أو إخراج عن ملكه ويعلم أنها غير حامل فإذا وطئ الثانية ثم عادت الأولى إلى ملكه لم تحل له حتى تحرم الأخرى وعمة الأمة وخالتها في هذا كأختها.
فصل [في موانع نكاح الإماء]
وليس للمسلم وإن كان عبدا نكاح أمة كافرة ولا لحر نكاح أمة مسلمة إلا أن لا يجد طول1 حرة ولا ثمن أمة ويخاف العنت وله نكاح أربع إذا كان الشرطان فيه قائمين.
ـــــــ
1 الطول: الفضل، أي: لا يجد فضلاً ينكح به حرة. انظر: الدر النقي ص628.

كتاب الرضاع

مدخل
كتاب الرضاع
حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية فمتى أرضعت المرأة طفلا صار ابنا لها وللرجل الذي ثاب اللبن بوطئه فيحرم عليه كل من يحرم على ابنها من النسب وإن أرضعت طفلة صارت بنتا لهما تحرم على كل من تحرم عليه ابنتهما من النسب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" 1
والمحرم من الرضاع ما دخل الحلق من اللبن سواء داخل بارتضاع من الثدي أو وجور أو سعوط2 محضا كان أو مشوبا إذا لم يستهلك.
ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة:
أحدهما: أن يكون لبن امرأة بكرا كانت أو ثيبا في حياتها أو بعد موتها فأما لبن البهيمة أو الرجل أو الخنثى المشكل فلا يحرم شيئا.
الثاني: أن يكون في الحولين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام" 3.
الثالث: أن يرتضع خمس رضعات لقول عائشة أنزل في القرآن عشر رضعات يحرمن فنسخ من ذلك خمس فصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك4.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2645"، ومسلم "1447"، من حديث ابن عباس.
2 قال في العدة ص377: الوجور أن يصب في اللبن في حلقه فيحرم، لأنه ينشر العظم وينبت اللحم، فأشبه الارتضاع، وأما السعوط فهو أن يصب في أنفه فيحرم، لأنه سبيل لفطر الصيام فكان سبيلاً للتحريم بالرضاع كالفم.
3 أخرجه الترمذي: "1152"، من حديث أم سلمة.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
4 أخرجه مسلم "1442".

ولبن الفحل محرم فإذا كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما بلبنه طفلا والأخرى طفلة صار أخوين لأن اللقاح واحد وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتا له دونهما فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها ولزمه نصف مهرها ويرجع به عليهما أخماسا ولم ينفسخ نكاحهما ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات ثلاثا من لبنه واثنتين من لبن غيره صارت أما لها وحرمتا عليه وحرمت الطفلة على الرجل الآخر على التأبيد وإن لم تكن الطفلة امرأة له لم ينفسخ نكاح المرضعة.
ولو تزوجت امرأة طفلا فأرضعته خمس رضعات حرمت عليه وانفسخ نكاحها وحرمت على صاحب اللبن تحريما مؤبدا لأنها صارت من حلائل أبنائه.

فصل [في تحريم النكاح وفسخه بسبب الرضاع]
ولو تزوج رجل كبيرة ولم يدخل بها وصغيره فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة وثبت نكاح الصغيرة.
وإن كانتا صغيرتين فأرضعتهما الكبرى حرمت الكبرى وانفسخ نكاح الصغيرتين وله نكاح من شاء من الصغيرتين وإن كن ثلاثا فأرضعتهن متفرقات حرمت الكبرى وانفسخ نكاح المرضعتين أولا وثبت نكاح الثالثة وإن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعدها معا انفسخ نكاح الثلاث وله نكاح من شاء منهن منفردة وإن كان دخل بالكبرى حرم - الكل عليه على الأبد ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها وإن كان قد دخل بها فلها مهرها وعليه نصف مهر الأصاغر يرجع به على الكبرى.
ولو دبت الصغرى على الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها خمس رضعات حرمتها على الزوج ولها نصف مهرها يرجع به على الصغرى إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فلها مهرها كله لا يرجع به على أحدا ولا مهر للصغرى.
ولو نكح امرأة ثم قال هي أختي من الرضاع انفسخ نكاحها ولها المهر إن كان دخل بها ونصف المهر إن كان لم يدخل بها ولم تصدقه وإن صدقته قبل الدخول فلا شيء لها وإن كانت هي التي قالت هو أخي من الرضاع فأكذبها ولا بينة لها فهي امرأته في الحكم.
باب نكاح الكفار
لا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال ولا لمسلم نكاح كافرة إلا الحرة الكتابية.
ومتى أسلم زوج الكتابية أو أسلم الزوجان الكافران معا فهما على نكاحهما وإن أسلم أحدهما غير زوج الكتابية أو ارتد أحد الزوجين المسلمين قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال وإن كان ذلك بعد الدخول فأسلم الكافر منهما في عدتها فهما على نكاحهما وإلا تبينا أن النكاح انفسخ منذ اختلف دينهما.
وما سمي لها وهما كافران فقبضته مهر مثلها أو نصفه حيث وجب ذلك.
فصل [في فسخ نكاح الإماء]
وإن أسلم الحر وتحته إماء فأسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن لا يحل له نكاح الإماء انفسخ نكاحهن وإن كان ممن يحل له نكاحهن أمسك منهن من تعفه وفارق سائرهن.
باب الشروط في النكاح
إذا اشترطت المرأة دارها أو بلدها أو أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى فلها شرطها وإن لم يف به فلها فسخ النكاح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج" 1.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة2 وهو أن يتزوجها إلى أجل وإن شرط يطلقها في وقت بعينه لم يصح كذلك ونهى عن الشغار3 وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ولا صداق بينهما ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثة ليحللها لمطلقها.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5151"،ومسلم "1418"، من حديث عقبة بن عامر.
2 أخرجه مسلم "1406"، عن سبرة الجهني عن أبيه عن جده قال: أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها.
3 أخرجه البخاري "5112"، ومسلم "1415"، من حديث ابن عمر.
باب العيوب التي يفسخ بها النكاح
متى وجد أحد الزوجين الآخر مملوكا أو مجنونا أو أبرص أو مجذوما أو وجد الرجل المرأة رتقاء1 أو وجدته مجبوبا2 فله فسخ النكاح إن لم يكن علم ذلك قبل العقد ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم.
وإن ادعت المرأة أن زوجها عنين3 لا يصل إليها فاعترف أنه لم يصبها أجل سنة منذ ترافعه فإن لم يصبها خيرت في المقام معه أو فراقه فإن اختارت فراقه فرق الحاكم بينهما إلا أن تكون علمت عنته قبل نكاحها أو قالت رضيت به عنينا في وقت وإن علمت بعد العقد وسكتت عن المطالبة لم يسقط حقها وإن قال قد علمت عنتي ورضيت بي بعد علمها فأنكرته فالقول قولها وإن أصابها مرة لم يكن عنينا وإن ادعى ذلك فأنكرته فإن كانت عذراء أوريت النساء الثقات ورجع إلى قولهن فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه.
ـــــــ
1 الرتقاء وتسمى المتلاحمة والعفلاء، والعفل: اللحم الزائد في الفرج حتى يرتق، أي يلتحم، فلا ينفذ فيه الذكر. انظر: الزاهر ص422.
2 المجبوب الذي قطع ذكره من أصله. انظر: الزاهر ص423.
3 العنن: الاعتراض، وسمي الرجل عنيناً، لأن ذكره يعترض إذا أراد إيلاجه. انظر: الزاهر ص423.
فصل [في التفريق للعتق]
وإن عتقت المرأة وزوجها عبد خيرت في المقام معه أو فراقه ولها فراقه من غير حكم حاكم فإن أعتق قبل اختيارها أو وطئها بطل خيارها وإن أعتق بعضها أو عتقت كلها وزوجها حر فلا خيار لها.

كتاب الصداق

مدخل
كتاب الصداق
وكل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا قليلا كان أو كثيرا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي قال له زوجني هذه المرأة إن لم يكن لك بها حاجة قال: "التمس ولو خاتما من حديد" 1
فإذا زوج الرجل ابنته بأي صداق جاز ولا ينقصها غير الأب من مهر مثلها إلا برضاها فإذا أصدقها عبدا بعينه فوجدته معيبا خيرت بين أرشه ورده أو أخذ قيمته وإن وجدته مغصوبا أو حرا فلها قيمته وإن كانت عالمة بحريته أو غصبه حين العقد فلها مهر مثلها وإن تزوجها على أن يشتري لها عبدا بعينه فلم يبعه سيده أو طلب به أكثر من قيمته فلها قيمته.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5135"، ومسلم "1425"، من حديث سهل بن سعد الساعدي.
فصل [في من لم يسم لها المهر]
فإن تزوجها بغير صداق صح فإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها إلا المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وأعلاها خادم وأدناها كسوة تجوز لها الصلاة فيها.
وإن مات أحدهما قبل الدخول والفرض فلها مهر نسائها لا وكس ولا شطط1، وللباقي منهما الميراث وعليها العدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق لما مات زوجها ولم يدخل بها ولم يفرض لها أن لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة2.
ولو طالبته قبل الدخول أن يفرض لها فلها ذلك فإن فرض لها مهر نسائها أو أكثر فليس لها غيره وكذلك إن فرض لها أقل منه فرضيت.
ـــــــ
1 الوكس: النقص، والشطط: الجور: انظر: النهاية في غريب الحديث 5/219.
2 أخرجه أبو داود "2115"، والترمذي "1145"، والنسائي "3357"، وابن ماجه "1891"، من حديث ابن مسعود.
قال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث صحيح.
فصل [في سقوط المهر واستقراه]
وكل فرقة جاءت من المرأة قبل الدخول كإسلامها أو ارتدادها رضاعها أو إرتضاعها أو فسخ لعيبها أوضح نعيبه أو إعساره يسقط به مهرها.
وإن جاءت من الزوج كطلاقه وخلعه يتنصف مهرها بينهما إلا أن يعفو لها عن نصفه أو تعفو هي عن حقها وهي رشيدة فيكمل الصداق لآخر.
وإن جاءت من أجنبي فعلى الزوج نصف المهر يرجع به على من فرق بينهما.
ومتى تنصف المهر وكان معينا باقيا لم تتغير قيمته صار بينهما نصفين وإن زاد زيادة منفصلة كغنم ولدت فالزيادة لها والغنم بينهما وإن زادت زيادة متصلة مثل أن سمنت الغنم خيرت بين دفع نصفها زائدا وبين دفع نصف قيمتها يوم العقد وإن نقصت فلها الخيار بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ نصف قيمته يوم العقد وإن تلفت فلها نصف قيمتها يوم العقد.
ومتى دخل بها استقر المهر ولم يسقط بشيء وإن خلا بها بعد العقد وقال لم أطأها وصدقته استقر المهر ووجبت العدة.
وإن اختلف الزوجان في الصداق أو قدره فالقول قول من يدعي مهر المثل مع يمينه.
باب معاشرة النساء
وعلى كل واحد من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف وأداء حقه الواجب إليه من غير مطل ولا إظهار الكراهية لبذله.
وحقه عليها تسليم نفسها إليه وطاعته في الاستمتاع متى أراد ما لم يكن لها عذر وإذا فعلت ذلك فلها عليه قدر كفايتها من النفقة والكسوة والمسكن بما جرت به عادة أمثالها فإن منعها ذلك أو بعضه وقدرت له على مال أخذت منه قدر كفايتها وكفاية ولدها بالمعروف لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهند حين قالت له إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" 1 لم تقدر على الأخذ لعسرته أو منعها
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2211"، ومسلم "1714"، من حديث عائشة.

فاختارت فراقه فرق الحاكم بينهما سواء كان الزوج صغيرا أو كبيرا وإن كانت صغيره لا يمكن الاستمتاع بها أو لم تسلم إليه أو لم تعطه فيما يجب له عليها أو سافرت بغير إذنه أو بإذنه في حاجتها فلا نفقة لها عليه.

فصل في الإيلاء
ولها عليه المبيت عندها ليلة من كل أربع إن كانت حرة ومن كل ثمان إن كانت أمة إذا لم يكن لها عذر وأصابتها مرة في كل أربعة أشهر إذا لم يكن عذر فإن إلى منها أكثر من أربعة أشهر فتربصت أربعة أشهر ثم رافعته إلى الحاكم فأنكر الإيلاء أو مضى الأربعة أو ادعى أنه أصابها وكانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه وإن أقر بذلك أمر بالفيئة عند طلبها وهي الجماع فإن فاء فإن الله غفور رحيم فإن لم يف أمر بالطلاق فإن طلق وإلا طلق الحاكم عليه ثم إن راجعا أو تركها حتى بانت فتزوجها وقد بقي أكثر من مدة الإيلاء وقف لها كما وصفت ومن عجز عن الفيئة عند طلبها فليقل متى قدرت جامعتها ويؤخر حتى يقدر عليها.
باب القسم والنشوز
1
وعلى الرجل العدل بين نسائه في القسم وعماده الليل فيقسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية وليس عليه المساواة في الوطء بينهن وليس له البداءة في القسم بإحداهن ولا السفر بها إلا بقرعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه2.
وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضراتها بإذن زوجها أو له فيجعله لمن شاء منهن لأن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة3.
وإذا أعرس على بكر أقام عندها سبعا ثم دار وإن أعرس على ثيب أقام عندها ثلاثا لقول أنس: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أن
ـــــــ
1 النشوز: كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه لسوء عشرته. انظر: الدر النقي ص667.
2 أخرجه البخاري "2593"، ومسلم "2445"، من حديث عائشة.
3 أخرجه البخاري "5212"، ومسلم "1463"، من حديث عائشة.
فصل [في آداب الجماع]
ويستحب التستر عند الجماع وأن يقول ما رواه ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا" 1.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5165"، ومسلم "1434"، من حديث ابن عباس.
فصل [في النشوز]
وإن خافت المرأة من زوجها نشوزا أو إعراضا
فلا بأس أن تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها كما فعلت سودة حين خافت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم1.
وإن خاف الرجل نشوز امرأته وعظها فإن أظهرت نشوزا هجرها في المضجع فإن لم يردعها ذلك فله أن يضربها ضربا غير مبرح.
وإن خيف الشقاق بينهما بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها مأمونين يجمعان إن رأيا أو يفرقان فما فعلا من ذلك لزمهما.
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص99.
باب الخلع
1
وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وخافت أن لا تقيم حدود الله في طاعته فلها أن تفتدي نفسها منه بما تراضيا عليه.
ويستحب أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإذا خلعها أو طلقها بعوض بانت منه ولم يلحقها طلاقه بعد ذلك ولو واجهها به.
ـــــــ
1 الخلع: أن يفارق الرجل امرأته على عوض تبذله له. انظر: الدر النقي ص662.

كتاب الطلاق

مدخل
كتاب الطلاق
ولا يصح الطلاق إلا من زوج مكلف مختار ولا يصح طلاق المكره ولا زائل العقل إلا السكران.
ويملك الحر ثلاث تطليقات والعبد اثنتين سواء كان تحته حرة أو أمة فمتى استوفى عدد طلاقه لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويطأها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة: "لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" 1.
ولا يحل جمع الثلاث ولا طلاق المدخول بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه لما روى ابن عمر أنه طلق امرأة له وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن بدا له أن يطلقها فليقطلقها قبل أن يمسها" 2.
والسنة في الطلاق أن يطلقها في طهر لم يصبها فيه واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فمتى قال لها أنت طالق للسنة وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت وإن كانت في طهر أصابها فيه أو حيض لم تطلق حتى تطهر من حيضتها.
وإن قال لها أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت وإن لم تكن كذلك لم تطلق حتى يصيبها أو تحيض.
فأما غير المدخول بها والحامل التي تبين حملها والآيسة والتي لم تحض فلا سنة لطلاقها ولا بدعة فمتى قال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة طلقت في الحال.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5260"، ومسلم "1433"، من حديث عائشة.
2 أخرجه البخاري "4908"، ومسلم "1471".
باب صريح الطلاق وكنايته
صريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه كقوله أنت طالق أو مطلقة وطلقتك فمتى أتى به بصريح الطلاق طلقت وإن لم ينوه وما عداه مما يحتمل

الطلاق فكناية لا يقع به الطلاق إلا أن ينويه فلو قيل له ألك امرأة قال لا ينوي الكذب لم تطلق فإن قال طلقتها طلقت وإن نوى الكذب وإن قال لامرأته أنت خلية أو برية أو بائن أو بتة أو بتلة ينوي بها طلاقها طلقت ثلاثا.
إلا أن ينوي دونها وما عدا هذا يقع به واحدة إلا أن ينوي ثلاثا وأن خير امرأته فاختارت نفسها طلقت واحدة وإن لم تختر أو اختارت زوجها لم يقع شيء قالت عائشة قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكان طلاقا؟1.
وليس لها أن تختار إلا في المجلس إلا أن يجعله لها فيما بعده وإن قال أمرك بيدك أو طلقي نفسك فهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5263"، ومسلم "1477"

باب تعليق الطلاق بالشروط
يصح تعليق الطلاق والعتاقة بشرط بعد النكاح والملك ولا يصح قبله فلو قال إن تزوجت فلانة فهي طالق أو ملكتها فهي حرة فتزوجها أو ملكها لم تطلق ولم تعتق.
وأدوات الشروط ست إن وإذا وأي ومتى ومن وكلما.
وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما.
وكلها إذا كانت مثبتة ثبت حكمها عند وجود شرطها فإذا قال إن قمت فأنت طالق فقامت طلقت وانحل شرطه وإن قال كلما قمت فأنت طالق طلقت كلما قامت.
وإن كانت نافية كقوله إن لم أطلقك فأنت طالق كانت على التراخي إذا لم ينو وقتا بعينه فلا يقع الطلاق إلا في آخر أوقات الإمكان.
وسائر الأدوات على الفور فإذا قال متى لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها طلقت في الحال وإن قال كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه ثلاثا ولم يطلقها طلقت ثلاثا إن كانت مدخولا بها وإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت توأمين طلقت بالأول وبانت بالثاني لانقضاء عدتها به ولم تطلق به وإن قال إن حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض فإن تبين أنه ليس بحيض لم تطلق فإن قالت قد حضت فكذبها طلقت وإن قال قد

حضت وكذبته طلقت بإقراره فإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فإن قالت قد حضت فكذبها طلقت دون ضرتها.

باب ما يختلف به عدد الطلاق وغيره
المرأة إذا لم يدخل بها تبينها الطلقة وتحرمها الثلاث من الحر والاثنتان من العبد إذا وقعت مجموعة كقوله أنت طالق ثلاثا أو أنت طالق وطالق وطالق وإن أوقعه مرتبا كقوله أنت طالق فطالق أو ثم طالق أو طالق بل طالق أو أنت طالق أنت طالق وإن طلقتك فأنت طالق ثم طلقها أو كلما طلقتك فأنت طالق أو كلما لم أطلقك فأنت طالق وأشباه هذا لم يقع بها إلا واحدة.
وإن كانت مدخولا بها وقع بها جميع ما أوقعه.
ومن شك في الطلاق أو عدده أو الرضاع أو عدده بني على اليقين.
وإن قال لنسائه إحداكن طالق ولم ينو واحد بعينها خرجت بالقرعة.
وإن طلق جزءا من امرأته مشاعا أو معينا كأصبعها أو يدها طلقت كلها إلا الظفر والسن والشعر والريق والدمع ونحوه لا تطلق به.
وإن قال أنت طالق نصف تطليقة أو أقل من هذا طلقت واحدة.
باب الرجعة
إذا طلق امرأته بعد الدخول بغير عوض أقل من ثلاث أو العبد أقل من اثنتين فله رجعتها ما دامت في العدة لقول الله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} [البقرة: 228].
والرجعة أن يقول لرجلين من المسلمين اشهدا أنني قد راجعت زوجتي أو رددتها أو أمسكتها من غير ولي ولا صداق يزيده ولا رضائها وإن وطئها كان رجعة.
والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار ولها التزين لزوجها والتشرف له وله وطؤها والخلوة والسفر بها.
وإذا ارتجعها عادت على ما بقي من طلاقها ولو تركها حتى بانت ثم نكحت زوجا غيره ثم بانت منه وتزوجها الأول رجعت إليه على ما بقي من طلاقها.
باب العدة
ولا عدة على من فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس والخلوة لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49].
والمعتدات ينقسمن أربعة أقسام:
إحداهن: أولات الأحمال فعدتهن أن يضعن حملهن ولو كانت حاملا بتوأمين لم تنقض عدتها حتى تضع الثاني منهما والحمل الذي تنقضي به العدة وتصير به الأمة أم ولد يتبين فيه خلق الإنسان.
الثاني: اللآتي توفي أزواجهن يتربصن أربعة أشهر وعشرا والإماء على النصف من ذلك وما قبل المسيس وما بعده سواء.
الثالث: المطلقات من ذوات القروء يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقرء الأمة حيضتان.
الرابع: اللائي يئسن من المحيض فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن والأمة شهران.
ويشرع التربص مع العدة في ثلاثة مواضع:
إحداها: إذا ارتفع حيض المرأة لا تدري ما رفعه فإنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد عدة الآيسات وإن عرفت ما رفع الحيض لم تزل في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به.
الثاني: امرأة المفقود الذي فقد في مهلكة أو من بين أهله فلم يعلم خبره وتتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة وإن فقد في غير هذا كالمسافر للتجارة ونحوها لم تنكح حتى تتيقن موته.
الثالث: إذا ارتابت المرأة بعد انقضاء عدتها لظهور أمارات الحمل لم تنكح حتى تزول الريبة فإن نكحت لم يصح النكاح وإن ارتابت بعد نكاحها لم يبطل

نكاحها إلا إذا علمت أنها نكحت وهي حامل ومتى نكحت المعتدة فنكاحها باطل ويفرق بينهما وإن فرق بينهما قبل الدخول أتمت عدة الأول وإن كان بعد الدخول بنت على عدة الأول من حين دخل بها الثاني واستأنفت العدة للثاني وله نكاحها بعد انقضاء العدتين وإن أتت بولد من أحدهما انقضت به عدته واعتدت للآخر وإن أمكن أن يكون منهما أرى القافة1 وألحق بمن ألحقوه منهما وانقضت به عدتها منه واعتدت للآخر.
ـــــــ
1 القافة: جمع قائف، وهو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود. انظر: القاموس الفقهي ص309.

باب الإحداد
وهو واجب على من توفي عنها زوجها وهو اجتناب الزينة والطيب والكحل بالأثمد ولبس الثياب المصبوغة للتحسين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على الزوج أربعة أشهر وعشرا" 1 ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب2 ولا تكتحل وتمس طيبا إلا إذا اغتسلت نبذة من قسط3 أو أظفار4 وعليها المبيت في منزلها الذي وجبت عليها العدة وهي ساكنة فيه إذا أمكنها ذلك فإن خرجت لسفر أو حج فتوفي زوجها وهي قريبة رجعت لتعتد في بيتها وإن تباعدت مضت في سفرها والمطلقة ثلاثا مثلها إلا في الاعتداد في بيتها.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1282"، ومسلم "1486"،من حديث زينب بنت جحش.
2 العصب: برد يصبغ غزله ثم ينسج. وقال السهيلي: العصب: صبغ لا ينبت إلا باليمن. انظر: المصباح المنير: "عصب".
3 القسط: عقار معروف في الأودية طيب الرائحة، تبخر به النساء والأطفال. انظر: النهاية في غريب الحديث 4/60.
4 الأظفار:جنس من الطيب، وقيل هو شيء من العطر الأسود،والقطعة منه شبيهة بالظفر. انظر: النهاية في غريب الحديث 3/158.
باب نفقة المعتدات
وهي ثلاثة أقسام:
أحدها: الرجعية ومن يمكن زوجها إمساكها فلها النفقة والسكنى ولو أسلم
باب استبراء الإماء
وهو واجب في ثلاثة مواضع:
أحدها: من ملك أمة لم يصبها حتى يستبرئها.
الثاني: أم الولد والأمة التي يطؤها سيدها لا يجوز له تزويجها حتى يستبرئها.
الثالث: إذا أعتقهما سيدهما أو عتقا بموته لم ينكحا حتى يستبرئا أنفسهما.
والاستبراء في جميع ذلك بوضع الحمل إن كانت حاملا أو حيضة إن كانت تحيض أو شهر إن كانت آيسة من اللائي لم يحضن أو عشرة أشهر إن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه.
كتاب الظهار
وهو أن يقول لامرأته أنت علي كظهر أمي أو من تحرم عليه على التأبيد أو يقول أنت علي كأبي يريد تحريمها به فلا تحل له حتى يكفر بتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
وحكمها وصفتها ككفارة الجماع في شهر رمضان فإن وطئ قبل التكفير عصى ولزمته الكفارة المذكورة.
ومن ظاهر من امرأته مرارا ولم يكفر فكفارة واحدة.
وإن ظاهر من نسائه بكلمة واحدة فكفارة واحدة وإن ظاهر منهن بكلمات فعليه كفارة لكل واحدة.
وإن ظاهر من أمته أو حرمها أو حرم شيئا مباحا أو ظاهرات المرأة من زوجها أو حرمته لم يحرم وكفارته كفارة يمين.
والعبد كالحر في الكفارة سواء إلا أنه لا يكفر إلا بالصيام.

كتاب اللعان

مدخل
كتاب اللعان
إذا قذف الرجل امرأته البالغة العاقلة الحرة العفيفة المسلمة بالزنا لزمه الحد إن لم يلاعن.
وإن كانت ذمية أو أمة فعليه التعزير إن لم يلاعن ولا يعرض له حتى تطالبه.
واللعان أن يقول بحضرة الحاكم أو نائبه أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا ويشير إليها فإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها ثم يوقف عند الخامسة فيقال له اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فإن أبى إلا أن يتم فليقل وإن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا.
ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ثم توقف عند الخامسة تخوف كما يخوف الرجل فإن أبت إلا أن تتم فلتقل وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به زوجي هذا من الزنا.
ثم يقول الحاكم قد فرقت بينكما فتحرم عليه تحريما مؤبدا.
وإن كان بينهما ولد فنفاه انتفى عنه سواء كان حملا أو مولودا ما لم يكن أقر به أو وجد منه ما يدل على الإقرار لما روى ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالأم1.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5315"، ومسلم "1494".
فصل [في لحوق النسب]
ومن ولدت امرأته أو أمته التي أقر بوطئها ولدا يمكن كونه منه لحقه نسبه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" 1 ولا ينتفي ولد المرأة إلا باللعان ولا ولد الأمة إلا باللعان ولا ولد الأمة إلا بدعوى عدم استبرائها.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2218"، ومسلم "1457"، من حديث عائشة.

وإن لم يمكن كونه منه مثل أن تلد أمته لأقل من ستة أشهر منذ وطئها أو امرأته لأقل من ذلك منذ أمكن اجتماعهما ولو كان الزوج ممن لا يولد لمثله كمن له دون عشر سنين أو الخصي والمجبوب لم يلحقه.

فصل [في إلحاق مجهول النسب]
وإذا وطئ رجلان امرأة في طهر واحد بشبهة أو وطئ رجلان شريكان أمتهما في طهر واحد فأتت بولد أو ادعى نسب مجهول النسب رجلان أرى القافة معهما أو مع أقاربهما فألحق بمن ألحقوه منهما وإن ألحقوه بهما لحق بهما وإن أشكل أمره أو تعارض أهي القافة أو لم يوجد قافة ترك حتى يبلغ فيلحق بمن انتسب إليه منهما ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون عدلا مجربا في الإصابة.
باب الحضانة
أحق الناس بالطفل أمه ثم أمهاتها وإن علون ثم الأب ثم أمهاته ثم الجد ثم أمهاته ثم الأخت من الأبوين ثم الأخت من الأب ثم الأخت من الأم ثم الخالة ثم العمة ثم الأقرب فالأقرب من النساء ثم عصباته الأقرب فالأقرب ولا حضانة لرقيق ولا فاسق ولا امرأة مزوجة لأجنبي من الطفل فإن زالت الموانع منهم عاد حقهم من الحضانة.
وإذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه فكان عند من اختار منهما وإذا بلغت الجارية سبعا فأبوها أحق بها.
وعلى الأب أن يسترضع لولده إلا أن تشاء الأم أن ترضعه بأجر مثلها فتكون أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة فإن لم يكن له أب ولا مال فعلى ورثته أجر رضاعه على قدر ميراثهم منه.
باب نفقة الأقارب والمماليك
وعلى الإنسان نفقة والديه وإن علوا وأولاده وإن سفلوا ومن يرثه بفرض أو تعصيب إذا كانوا فقراء وله مال ينفق عليهم.
وإن كان للفقير وارثان فأكثر فنفقته عليهم على قدر ميراثهم منه إلا الابن فإن نفقته على أبيه خاصة.
باب الوليمة
وهي دعوة العرس وهي مستحبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف حين أخبره أنه تزوج: "بارك الله لك أولم ولو بشاة" 1 والإجابة إليها واجبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله" 2 ومن لم يحب أن يطعم دعا وانصرف.
والنثار3 والتقاطه مباح مع الكراهة وإن قسم على الحاضرين كان أولى.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2049"، ومسلم "1427"، من حديث أنس بن مالك.
2 أخرجه البخاري "5177"، ومسلم "1432"، من حديث أبي هريرة.
3 النثار: ما نثر في حفلات السرور من حلوى أو نقود. انظر: القاموس الفقهي ص347.

كتاب الأطعمة

مدخل
كتاب الأطعمة
وهي نوعان: حيوان وغيره فأما غير الحيوان فكله مباح إلا ما كان نجسا أو مضرا كالسموم والأشربة كلها مباحة إلا ما أسكر فإنه يحرم قليله وكثيره من أي شيء كان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق1 فملء الكف منه حرام" 2.
وإذا تخللت الخمر طهرت وحلت وإن خللت لم تطهر.
ـــــــ
1 الفرق: مكيال يسع ستة عشر رطلاً، أي ما يعادل 10كغ. انظر: المصباح المنير "فرق"، والفقه الإسلامي وأدلته "1/75".
2 أخرجه أبو داود "3687"، والترمذي "1866"، من حديث عائشة.
قال الترمذي: حديث حسن.
فصل [في ما يحل ويحرم من الحيوان]
والحيوان قسمان بحري وبري فأما البحري فكله حلال إلا الحية والضفدع والتمساح وأما البري فيحرم منه كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير كالنسور والرخم وغراب البين الأبقع والحمر الأهلية والبغال وما يأكل الجيف من الطير وما يستخبث من الحشرات كالفأر ونحوها إلا اليربوع والضب لأنه أكل مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينظر وقيل له أحرام هو؟ قال: "لا" 1 وما عدا هذا مباح ويباح أكل الخيل والضبع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في لحوم الخيل2 وسمى الضبع صيدا3.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5537"، ومسلم "1945"، من حديث ابن عباس.
2 أخرجه البخاري "5524"، ومسلم "1941"، من حديث جابر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر وأذن في لحوم الخيل".
3 أخرجه أبو داود "3801"، والترمذي "1791"، والنسائي "4320"، وابن ماجه "3236"، من حديث جابر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: "هو صيد، ويجعل في كبش إذا صاده المحرم" .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
باب الذكاة
يباح كل ما في البحر بغير ذكاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: "الحل ميتته" 1 إلا ما يعيش في البر فلا يحل حتى يذكى إلا السرطان ونحوه ولا يباح من البري شيء بغير ذكاة إلا الجراد وشبهه.
والذكاة تنقسم ثلاثة أقسام نحر وذبح وعقر.
ويستحب نحر الإبل وذبح ما سواها فإن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر فجائز ويشترط للذكاة كلها ثلاثة شروط:
أحدها: أهلية المذكي وهو أن يكون عاقلا قادرا على الذبح مسلما أو كتابيا فأما الطفل والمجنون والسكران والكافر الذي ليس بكتابي فلا تحل ذبيحته.
والثاني: أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح وإرسال الآلة في الصيد إن كان ناطقا وإن كان أخرس أشار إلى السماء فإن ترك التسمية على الذبيحة عامدا لم تحل وإن تركها ساهيا حلت وإن تركها على الصيد لم يحل عمدا كان أو سهوا.
الثالث: أن يذكي بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره إلا السن والظفر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم ذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر" 2.
ويعتبر في الصيد أن يصيد بمحدد أو يرسل جارحا فيجرح الصيد فان قتل الصيد بحجر أو بندق أو شبكة أو قتل الجارح الصيد بصدمته أو خنقه أو روعته لم يحل وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده دون ما قتل بعرضه وإن نصب المناجيل للصيد وسمى فعقرت الصيد أو قتلته حل.
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص14.
2 أخرجه البخاري "5503"، ومسلم "1968"، من حديث رافع بن خديج.
فصل [في شروط الذكاة]
ويشترط في الذبح والنحر خاصة شرطان:
أحدهما: أن يكون في الحلق واللبة فيقطع الحلقوم والمريء وما لا تبقى الحياة مع قطعه.

الثاني: أن يكون في المذبوح حياة يذهبها الذبح فإن لم يكن فيه إلا كحياة المذبوح وما أبينت حشوته لم يحل بالذبح ولا النحر وإن لم يكن كذلك حل لما روى كعب قال كانت لنا غنم ترعى بسلع فأبصرت جارية لنا شاة موتى فكسرت حجرا فذبحتها به فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمر بأكلها1.
وأما العقر فهو القتل بجرح في غير الحلق واللبة ويشرع في كل حيوان معجوز عنه من الصيد والأنعام لما روى أبو رافع أن بعيرا ند فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم فحسبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لهذه البهائم أوابد2 كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا"3 .
ولو تردى بعير في بئر فتعذر نحره فجرح في أي موضع من جسده فمات به حل أكله.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5505"، وسلع: موضع بالمدينة المنورة. انظر: معجم البلدان 3/336.
2 المراد أن لها توحشاً، انظر: فتح الباري 9/628.
3 أخرجه البخاري (5509), ومسلم (1968), من حديث رافع بن خديج.

كتاب الصيد

مدخل
كتاب الصيد
كل ما أمكن ذبحه من الصيد لم يبح إلا بذبحه وما تعذر ذبحه فمات بعقره حل بشروط ستة ذكرنا منها ثلاثة في الذكاة.
والرابع: أن يكون الجارح الصائد معلما وهو ما يسترسل إذا أرسل ويجيب إذا دعي ويعتبر في الكلب والفهد خاصة أنه إذا أمسك لم يأكل ولا يعتبر ذلك في الطائر.
الخامس: أن يرسل الصائد الآلة فإن استرسل الكلب بنفسه لم يبح صيده.
السادس: أن يقصد الصيد فإن أرسل سهمه ليصيب به غرضا أو كلبه ولا يرى صيدا فأصاب صيدا لم يبح.
ومتى شارك في الصيد ما لا يباح قتله مثل أن يشارك كلبه أو سهمه كلب أو سهم لا يعلم مرسله أو لا يعلم أنه سمي عليه أو رماه بسهم مسموم يعين على قتله أو غرق في الماء أو وجد به أثرا غير أثر السهم أو الكلب يحتمل أنه مات به لم يحل لما روى عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فأمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه وإن قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب له ذكاة فغن أكل فلا تأكل فأني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فأنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره وإذا أرسلت سهمك فاذكر اسم الله عليه وإن غاب يوما أو يومين ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكله إن شئت وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو قتله سهمك" 1.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "5484"، ومسلم "1929".
باب المضطر
ومن اضطر في مخمصة1 فلم يجد إلا محرما فله أن يأكل منه ما يسد رمقه2.
وإن وجد متفقا على تحريمه ومختلفا فيه أكل من المختلف فيه.
فإن لم يجد إلا طعاما لغيره به مثل ضرورته لم يبح له أخذه وإن كان مستغنيا عنه أخذه منه بثمنه فإن منعه منه أخذه قهرا وضمنه له متى قدر فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه وإن قتل المانع فلا ضمان فيه.
ولا يباح التداوي بمحرم ولا شرب الخمر لمن عطش ويباح دفع الغصة بها إذا لم يجد مائعا غيرها.
ـــــــ
1 المخمصة: المجاعة. انظر: المصباح المنير: "خمص".
2 الرمق: الروح، وقد يطلق على القوة، ويأكل المضطر ما يسد به الرمق، أي: ما يمسك قوته ويحفظها. انظر: المصباح المنير: "رمق".
باب النذر
من نذر طاعة لزمه فعلها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" 1 فإن كان لا يطيقها كشيخ نذر صوما لا يطيقه فعليه كفارة يمين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين" 2.
ومن نذر المشي إلى بيت الله الحرام لم يجزه المشي إلا في حج أو عمرة فإن عجز عن المشي ركب وكفر.
وإن نذر صوما متتابعا فعجز عن التتابع صام متفرقا وكفر وإن ترك التتابع لعذر في أثنائه خير بين استئنافه وبين البناء والتكفير وإن تركه لغير عذر وجب استئنافه.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "6696"، من حديث عائشة.
2 أخرجه أبو داود "3322"، وابن ماجه "2128"،من حديث ابن عباس.
قال أبو داود: وروى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي الهند أوقفوه على ابن عباس.
وقال في فتح الباري: "11/587": رواته ثقات، لكن أخرجه بن أبي شيبة موقوفاً، وهو أشبه.

وإن نذر معينا فأفطر في بعضه أتمه وقضى وكفر بكل حال.
وإن نذر وجب وإن نذر رقبة فهي التي تجزئ عن الواجب إلا أن ينوي رقبة بعينها.
ولا نذر في معصية ولا مباح فيما لا يملك ابن آدم ولا فيما قصد به اليمين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" 1 وقال: "لا نذر إلا فيما ابتغى به وجه الله سبحانه" 2.
وأن جمع في النذر بين الطاعة وغيرها فعليه الوفاء بالطاعة وحدها لما روى ابن عباس قال أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قائما فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال: "مروة فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" 3.
وإن قال لله علي نذر ولم يسمه فعليه كفارة يمين.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1641"، من حديث عمران بن حصين.
2 أخرجه أبو داود "3273"، من حديث عبد الله بن عمرو.
قال في مجمع الزوائد "4/186": فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون.
3 أخرجه البخاري "6704".

كتاب الأيمان

مدخل
كتاب الأيمان
ومن حلف أن لا يفعل شيئا ففعله، أو ليفعلنه في وقت فلم يفعله فيه فعليه كفارة يمين إلا أن يقول إن شاء الله متصلا بيمينه أو يفعله مكرها أو ناسيا فلا كفارة عليه.
ولا كفارة في الحلف على ماض سواء تعمد الكذب أو ظنه كما حلف فلم يكن ولا في اليمين الجارية على لسانه من غير قصد إليها كقوله في عرض حديثه لا والله وبلى والله لقول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة:89].
ولا تجب الكفارة إلا في اليمين بالله تعالى أو اسم من أسمائه أو صفة من صفات ذاته كعلمه وكلامه وعزته وقدرته وعظمته وعهده وميثاقه وأمانته إلا في النذر الذي يقصد به اليمين فإن كفارته كفارة يمين.
ولو حلف بهذا كله والقرآن جميعه فحنث أو كرر اليمين على شيء واحد قبل التكفير أو حلف على أشياء بيمين واحدة لم يلزمه أكثر من كفارة وإن حلف أيمانا على شيء فعليه لكل يمين كفارتها.
ومن تأول في يمينه فله تأويله إلا أن يكون ظالما فلا ينفعه تأويله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" 1.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1653"، من حديث أبي هريرة.
باب جامع الأيمان
ويرجع فيها إلى النية فيما يحتمله اللفظ فإذا حلف لا يكلم رجلا يريد واحدا بعينه أو لا يتغدى يريد غداء بعينه اختصت يمينه به وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يريد قطع منته حنث بكل ما فيه منه وإن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها يريد قطع منتها فباعه وانتفع بثمنه حنث وإن حلف ليقضينه حقه

غدا يريد أن لا يتجاوزه فقضاه اليوم لم يحنث وإن حلف لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه بأكثر منها لم يحنث إذا أراد أن لا ينقصه عن مائة وإن حلف ليتزوجهن على امرأته يريد غيظها لم يبر إلا بتزوج يغيظها به وإن حلف ليضربنها يريد تأليمها لم يبر إلا بضرب يؤلمها وإن حلف ليضربنها عشرة أسواط فجمعها فضربها ضربة واحدة لم يبر.
فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها فيقوم مقام نيته لدلالته عليها فإن عدم ذلك حملت يمينه على ظاهر لفظه فإن كان له عرف شرعي كالصلاة والزكاة حملت يمينه عليه وتناولت صحيحه ولو حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا لم يحنث إلا أن يضيفه إلى ما لا يصح بيعه كالحر والخمر فتناول يمينه صورة البيع وإن لم يكن له عرف شرعي وكان له عرف في العادة كالرواية والظعينة حملت يمينه عليه فلو حلف لا يركب دابة فيمينه على الخيل والبغال والحمير وإن حلف لا يشم الريحان فيمينه على الفارسي وإن حلف لا يأكل على شواء حنث بأكل اللحم دون غيره والشواء هو اللحم المشوي وإن حلف لا يطأ امرأته حنث بجماعها وإن حلف لا يطأ دارا حنث بدخولها كيفما كان وإن حلف لا يأكل لحما ولا رأسا ولا بيضا فيمينه على كل لحم ورأس كل حيوان وبيضه والأدم كل ما جرت العادة بأكل الخبز به من مائع وجامد كاللحم والبيض والجبن والزيتون وإن حلف لا يسكن دارا تناول ما يسمى سكنى فإن كان ساكنا بها فأقام حتى يصبح أو خاف على نفسه فأقام حتى أمن لم يحنث.

باب كفارة اليمين
وكفارتها: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89].
وهو مخير بين تقديم الكفارة على الحنث أو تأخيرها عنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير" 1 وروى: "فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" 1.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1650" "13" "14"، من حديث أبي هريرة.

ويجزئه في الكسوة ما تجوز الصلاة فيه للرجل ثوب وللمرأة درع وخمار.
ويجزئه أن يطعم خمسة مساكين ويكسو خمسة ولو أعتق نصف رقبة أو أطعم خمسة أو كساهم أو أعتق نصف عبدين لم يجزه.
ولا يكفر العبد إلا بالصيام ويكفر بالصوم من لم يجد ما يكفر به فاضلا عن مؤنته ومؤنة عياله وقضاء دينه.
ولا يلزمه أن يبيع في ذلك شيئا يحتاج إليه من مسكن وخادم وأثاث وكتب وآنية وبضاعة يختل ربحها المحتاج إليه.
ومن أيسر بعد شروعه في الصوم لم يلزمه الانتقال عنه.
وإن لم يجد إلا مسكينا واحدا ردد عليه عشرة أيام.

كتاب الجنايات

مدخل
كتاب الجنايات
القتل بغير حق ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: العمد وهو أن يقتله بجرح أو فعل يغلب على الظن أنه يقتله كضربة بمثقل كبير أو تكريره بصغير أو إلقائه من شاهق أو خنقه أو تحريقه أو تغريقه أو سقيه سما أو الشهادة عليه زورا بما يوجب قتله أو الحكم عليه به أو نحو هذا قاصدا عالما بكون المقتول آدميا معصوما فهذا يخير الولي فيه بين القود والدية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل وأما أن يفدى" وإن صالح القاتل عن القود بأكثر من دية جاز.
الثاني: شبه العمد وهو أن يتعمد الجناية عليه بما لا يقتله غالبا فلا قود فيه والدية على العاقلة.
الثالث: الخطأ وهو نوعان:
أحدهما: أن يفعل ما لا يريد به المقتول فيفضي إلى قتله أو يتسبب إلى قتله بحفر بئر أو نحوه وقتل النائم والصبي والمجنون فحكمه حكم شبه العمد.
النوع الثاني: أن يقتل مسلما في دار الحرب يظنه حربيا أو يقصد رمي صف الكفار فيصيب سهمه مسلما ففيه كفارة بلا دية لقول الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92].
ـــــــ
1 أخرجه البخاري (6880), ومسلم (1355) من حديث أبي هريرة.
باب شروط وجوب القصاص واستيفائه
ويشترط لوجوبه أربعة شروط:
أحدها: كون القاتل مكلفا فأما الصبي والمجنون فلا قصاص عليهما.
الثاني: كون المقتول معصوما فإن كان حربيا أو مرتدا أو قاتلا في المحاربة أو زانيا محصنا أو قتله دفعا عن نفسه أو ماله أو حرمته فلا ضمان فيه.

الثالث: كون المقتول مكافئا للجاني فيقتل الحر المسلم بالحر المسلم ذكرا كان أو أنثى ولا يقتل حر بعبد ولا مسلم بكافر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مؤمن بكافر" 1 ويقتل الذمي بالذمي ويقتل الذمي بالمسلم ويقتل العبد بالعبد ويقتل الحر بالحر.
الرابع: أن لا يكون أبا للمقتول فلا يقتل والد بولده وإن سفل والأبوان في هذا سواء ولو كان ولي الدم ولدا أو له فيه حق وإن قل لم يجب القود.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "6915"، من حديث علي بن أبي طالب.

فصل [في شروط جواز استيفاء القصاص]
ويشترط لجواز استيفائه شروط ثلاثة:
أحدها: أن يكون لمكلف فإن كان لغيره أو له فيه حق وإن قل لم يجز استيفائه وإن استوفى غير المكلف حقه بنفسه أجزأ ذلك.
الثاني: اتفاق جميع المستحقين على استيفائه فإن لم يأذن فيه بعضهم أو كان فيهم غائب لم يجز استيفاؤه فإن استوفاه بعضهم فلا قصاص عليه وعليه بقية ديته له ولشركائه حقهم في تركة الجاني ويستحق القصاص كل من يرث المال على قدر مواريثهم.
الثالث: الأمن من التعدي في الاستيفاء فلو كان الجاني حاملا لم يجز استيفاء القصاص منها في نفس ولا جرح ولا استيفاء حد منها حتى تضع ولدها ويستغنى عنها.
فصل [في سقوط القصاص]
ويسقط بعد وجوبه بأمور ثلاثة:
أحدها: العفو عنه أو عن بعضه فإن عفا بعض الورثة عن حقه أو عن بعضه سقط كله وللباقين حقهم من الدية وإن كان العفو على مال فله حقه من الدية وإلا فليس له إلا الثواب.
الثاني: أن يرث القاتل أو بعض ولده شيئا من دمه.
الثالث: أن يموت القاتل فيسقط وتجب الدية في تركته ولو قتل واحد
باب الاشتراك في القتل
وتقتل الجماعة بالواحد فإن تعذر قتل أحدهم لأبوته أو عدم مكافأته للقتيل أو العفو عنه قتل شركاؤه وإن كان بعضهم غير مكلف أو خاطئا لم يجب القود على واحد منهم.
وإن أكره رجل رجلا على القتل فقتل أو جرح أحدهما جرحا والآخر مائة أو قطع أحدهما من الكوع والآخر من المرفق فهما قاتلان وعليهما القصاص وإن وجبت الدية استويا فيها.
وإن ذبحه أحدهما ثم قطع الآخر يده أو قده نصفين فالقاتل الأول وإن قطعه أحدهما ثم ذبحه الثاني قطع القاطع وذبح الذابح.
وإن أمر من يعلم تحريم القتل به فقتل فالقصاص على المباشر ويؤدب الآمر وإن أمر من لا يعلم تحريمه به أو لا يميز فالقصاص على الآمر.
وإن أمسك إنسانا للقتل فقتل قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت.
باب القود في الجروح
يجب القود في كل عضو بمثله فتؤخذ بمثله فتؤخذ العين بالعين والأنف بالأنف وكل واحد من الجفن والشفة واللسان والسنن واليد والرجل والذكر والأنثيين بمثله وكذلك كل ما أمكن القصاص فيه.
ويعتبر كون المجني عليه مكافئا للجاني وكون الجناية عمدا والأمن من التعدي بأن يقطع من مفصل أو حد ينتهي إليه كالموضحة التي تنتهي إلى العظم فأما كسر العظام والقطع من الساعد والساق فلا قود فيه ولا في الجائفة ولا في شيء من شجاج الرأس إلا الموضحة إلا أن يرض مما فوق الموضحة بموضحة ولا قود في الأنف إلا من المارن وهو ما لان منه.
ويشترط التساوي في الاسم والموضع فلا تؤخذ واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلى إلا بمثلها ولا تؤخذ إصبع ولا أنملة ولا سن إلا بمثلها ولا
فصل [في القود والدية بالأجزاء]
إذا قطع بعض لسانه أو مارنه أو شفته أو حشفته أو أذنه أخذ مثله يقدر بالأجزاء كالنصف والثلث ونحوهما وإن أخذت ديته أخذ بالقسط منها وإن كسرت بعض سنه برد من سن الجاني مثله إذا أمن انقلاعها.
ولا يقتص من السن حتى ييأس من عودها ولا من الجرح حتى يبرأ.
وسراية القود مهدرة وسراية الجناية مضمونة بالقصاص والدية إلا أن يستوفي قصاصها قبل برئها فيسقط ضمانها.

كتاب الديات

مدخل
كتاب الديات
دية الحر المسلم ألف مثقال من الذهب أو اثنا عشر ألف درهم أو مائة من الإبل فإن كانت دية عمد فيها ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهن الحوامل وتكون حالة في مال القاتل وإن كان شبه عمد فكذلك في أسنانها وهي على العاقلة في ثلاث سنين في رأس كل سنة ثلثها وإن كانت دية خطأ فهي على العاقلة كذلك إلا أنها عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة.
ودية الحرة المسلمة نصف دية الرجل وتساوي جراحها جراحه إلى ثلث الدية فإذا زادت صارت على النصف.
ودية الكتابي نصف دية المسلم ونساؤهم على النصف من ذلك.
ودية المجوسي ثمانمائة درهم ونساؤهم على النصف من ذلك.
ودية العبد والأمة قيمتها بالغة ما بلغت.
ومن بعضه حر ففيه بالحساب من دية حر وقيمة عبد.
ودية جنين إذا سقط ميتا غرة عبد أو أمة قيمتها خمس من الإبل موروثة عنه ولو شربت الحامل دواء فأسقطت به جنينها فعليها غرة لا ترث منها شيئا وإن كان الجنين كتابيا ففيه عشر دية أمة وإن كان عبدا ففيه عشر قيمه أمه وإن سقط الجنين حيا ثم مات من الضربة ففيه دية كاملة إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله.
باب العاقلة وما تحمله
وهي عصبة القاتل كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والموالي إلا الصبي والمجنون والفقير ومن يخالف دينه دين القاتل.
ويرجع في تقدير ما يحمله كل واحد منهم إلى اجتهاد الإمام فيفرض عليه قدرا يسهل ولا يشق وما فضل فعلى القاتل وكذلك الدية في حق من لا عاقلة له.

لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا مادون الثلث ويتعاقل أهل الذمة ولا عاقلة لمرتد ولا لمن أسلم بعد جنايته أو أنجز ولاؤه بعدها.

فصل [في جناية العبد والبهائم]
وجناية العبد في رقبته إلا أن يفديه السيد بأقل الأمرين من أرشها أو قيمته ودية الجناية عليه ما نقص من قيمته في مال الجاني.
وجناية البهائم هدر إلا أن تكون في يد إنسان كالراكب والقائد والسائق فعليه ضمان ما جنت بيدها أو فمها دون ما جنت برجلها أو ذنبها.
وإن تعدى بربطها في ملك غيره أو طريق ضمن جنايتها كلها.
وما أتلفت من الزروع نهارا لم يضمنه إلا أن تكون في يده وما أتلفت ليلا فعليه ضمانه.
باب ديات الجراح
كل ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه دية كلسانه وأنفه وذكره وسمعه وبصره وشمه وعقله وكلامه وبطشه ومشيه وكذلك في كل واحد من صعره وهو أن يجعل وجهه في جانبه وتسويد وجهه وخديه واستطلاق بوله أو غائطه وقرع رأسه ولحيته دية.
وما فيه منه شيئان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها كالعنين والحاجبين والشفتين والأذنين واللحيين واليدين والثديين والإليتين والأنثيين والأسكتين والرجلين.
وفي الأجفان الأربعة الدية وفي أهدابها الدية وفي كل واحد ربعها فإن قلعها بأهدابها وجبت دية واحدة.
وفي أصابع اليدين الدية وفي أصابع الرجلين الدية وفي كل أصبع عشرها وفي كل أنملة ثلث عقلها إلا الإبهام في كل أنملة نصف عقلها.
وفي كل سن خمس من الإبل إذا لم تعد.
وفي مارن الأنف وحلمة الثدي والكف والقدم وحشفة الذكر وما ظهر من السن وتسويدها دية العضو كله وفي بعض ذلك بالحساب من ديته.
باب الشجاج وغيرها
الشجاج هي جروح الرأس والوجه وهي تسع:
أولها: الحارصة وهي التي تشق الجلد شقا لا يظهر منه دم ثم البازلة: التي ينزل منها دم يسير ثم الباضعة: التي تبضع اللحم بعد الجلد ثم المتلاحمة: التي أخذت في اللحم ثم السمحاق: التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة فهذه الخمس لا توقيت فيها ولا قصاص بحال ثم الموضحة وهي التي وصلت إلى العظم وفيها خمس من الإبل أو القصاص إذا كانت عمدا ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه وفيها عشر من الإبل ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها وفيها خمسة عشر من الإبل ثم المأمومة: وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وفيها ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى الجوف فإن خرجت من جانب آخر فهي جائفتان.
وفي الضلع بعير وفي الترقوتين بعيران وفي الزندين أربعة أبعرة.
وما عدا هذا مما لا مقدر فيه ولا هو في معناه ففيه حكومة وهي أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقص من قيمته فله بقسطه من الدية إلا أن تكون الجناية على عضو فيه مقدر فلا يجاوز به أرش المقدر مثل أن يشجه دون الموضحة فلا يجب أكثر من أرشها أو يجرح أنملة فلا يجب أكثر من ديتها.
باب كفارة القتل
ومن قتل مؤمنا أو ذميا بغير حق أو شارك فيه أو في إسقاط جنين فعليه كفارة وهي تحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله سواء كان مكلفا أو غير مكلف حرا أو عبدا.
ولو تصادم نفسان فماتا فعلى كل واحد منهما كفارة ودية صاحبه على عاقلته وإن كان فارسين فمات فرساهما فعلى كل واحد منهما ضمان فرس الآخر وإن
باب القسامة
روى سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن محيصة وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته" فقالوا: أمر لم نشهده فكيف نحلف قال: "فتبرئكم اليهود بأيمان خمسين منهم" قالوا: قوم كفار فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من قبله1 فمتى وجد قتيل فادعى أولياءه على رجل قتله وكانت بينهم عداوة ولوث كما كان بين الأنصار وأهل خيبر أقسم الأولياء على واحد منهم خمسين يمينا واستحقوا دمه فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين وبرئ فإن نكلوا فعليهم الدية فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال ولا يقسمون على أكثر من واحد وإن لم يكن بينهم عداوة ولا لوث حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "6898"، ومسلم "1669".

كتاب الحدود

مدخل
كتاب الحدود
ولا يجب الحد إلا على مكلف عالم بالتحريم ولا يقيمه إلا الإمام أو نائبه إلا السيد فإن له إقامته بالجلد خاصة على رقيقه القن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها" 1 وليس له قطعة في السرقة ولا قتله في الردة ولا جلد مكاتبه ولا أمته المزوجة وحد الرقيق في الجلد نصف حد الحر ومن أقر بحد ثم رجع عنه سقط.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "2135"، ومسلم "1703"، من حديث أبي هريرة.
فصل [في وسائل إقامة الحد وكيفيته]
ويضرب في الجلد بسوط لا جديد ولا خلق ولا يمد ولا يربط ولا يجرد ويتقي وجهه ورأسه وفرجه.
ويضرب الرجل قائما والمرأة جالسة وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها.
ومن كان مريضا يرجى برؤه أخر حتى يبرأ لما روي عن علي رضي الله عنه أن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن اقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أحسنت" 1 فإن لم يرج برؤه وخشي عليه من السوط جلد بضغث فيه عيدان بعدد ما يجب عليه مرة واحدة.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1705".
فصل [في اجتماع الحدود]
وإن اجتمعت حدود لله تعالى فيها قتل قتل وسقط سائرها ولو زنى أو سرق مرارا ولم يحد فحد واحد.
وإن اجتمعت حدود من أجناس لا قتل فيها استوفيت كلها ويبدأ بالأخف منها.
فصل [في استيفاء الحدود في الحرم والغزو]
ومن أتى حدا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم أو لجأ إليه من عليه قصاص لم يستوف منه حتى يخرج لكن لا يبايع ولا يشارى وإن فعل ذلك في الحرم استوفي منه فيه وإن أتى حدا في الغزو لم يستوف حتى يخرج من دار الحرب.
باب حد الزنا
No pages
باب حد القذف
ومن رمى محصنا بالزنا أو شهد عليه به فلم تكمل الشهادة عليه جلد ثمانين جلدة إذا طالب المقذوف والمحصن هو الحر البالغ المسلم العاقل العفيف.
ويحد من قذف الملاعنة أو ولدها.
ومن قذف جماعة بكلمة واحدة فحد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم فإن عفا بعضهم لم يسقط حق غيره.
باب حد المسكر
ومن شرب مسكرا قل أو كثر مختارا عالما أن كثيره يسكر جلد لحد أربعين جلدة لأن عليا رضي الله عنه جلد الوليد بن عقبة في الخمر أربعين وقال جلد النبي أربعين وأبو بكر وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي1 وسواء كان عصير العنب أو غيره.
ومن أتى من المحرمات ما لا حد فيه لم يزد على عشر جلدات لما روى أبو بردة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد أحد أكثر من عشر جلدات إلا في حد من حدود الله" إلا أن يطأ جارية امرأته بإذنها فإنه يجلد مائة.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1707"
2أخرجه البخاري "6848" , ومسلم "1708" .
باب حد السرقة
ومن سرق ربع دينار من العين أو ثلاثة دراهم من الورق أو ما يساوي أحدهما من سائر المال فأخرجه من الحرز قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت فإن عاد حبس ولا يقطع غير يد ورجل.
ولا تثبت السرقة إلا بشهادة عدلين أو اعتراف مرتين.
ولا يقطع حتى يطالب المسروق منه بماله وإن وهبها للسارق أو باعه إياها قبل ذلك سقط القطع وإن كان بعده لم يسقط.
وإن نقصت عن النصاب بعد الإخراج لم يسقط القطع وإن كان قبله لم يجب وإذا قطع فعليه رد المسروق إن كان باقيا أو قيمته إن كان تالفا.
باب حد المحاربين
وهم الذين يعرضون للناس في الصحراء جهرة ليأخذوا أموالهم فمن قتل منهم وأخذ المال قتل وصلب حتى يشتهر ودفع إلى أهله ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ولم يصلب ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحسمتا ولا يقطع إلا من أخذ ما يقطع السارق به ومن أخاف السبيل
فصل [في دفع الصائل]
ومن عرض له من يريد نفسه أو ماله أو حريمه أو حمل عليه سلاحا أو دخل منزله بغير إذنه فعليه دفعة بأسهل ما يكون أنه يندفع به فإن لم يندفع إلا بقتله فله قتله ولا ضمان عليه وإن قتل الدافع فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه.
ومن صالت عليه بهيمة فله دفعها بمثل ذلك ولا ضمان في ذلك.
ومن اطلع في دار إنسان أو بيته من خصاص1 الباب أو نحوه فخذفه بحصاة ففقأ عينه فلا ضمان عليه.
وإن عض إنسان يده فانتزعها منه فسقطت ثناياه فلا ضمان.
ـــــــ
1 الخصاص: كل خلل وخرف في باب ومنخل وبرقع ونحوه، أو الثقب الصغير. انظر: القاموس المحيط: "خصص".
باب قتال أهل البغي
وهم الخارجون على الإمام يريدون إزالته عن منصبه فعلى المسلمين معونة إمامهم في دفعهم بأسهل ما يندفعون به فإن آل إلى قتالهم أو تلف مالهم لا شيء على الدافع وإن قتل الدافع كان شهيدا.
ولا يتبع لهم مدبر ولا يجهز على جريح ولا يغنم لهم مال ولا تسبى لهم ذرية ومن قتل منهم غسل وكفن وصلي عليه.
ولا ضمان على أحد الفريقين فيما أتلف حال الحرب من نفس أو مال.
وما أخذ البغاة حال امتناعهم من زكاة أو جزية أو خراج لم يعد عليهم ولا على الدافع إليهم.
ولا ينقض من حكم حاكمهم إلا ما ينقض من حكم غيره.
باب حكم المرتد
ومن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وجب قتله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" 1 ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل بالسيف.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "6922"، من حديث ابن عباس.

كتاب الجهاد

مدخل
كتاب الجهاد
وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين ويتعين على من حضر الصف أو حضر العدو بلده ولا يجب إلا على ذكر حر بالغ عاقل مستطيع.
والجهاد أفضل التطوع لقول أبي هريرة رضي الله عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله" قال: ثم أي قال: "الجهاد في سبيل الله ثم حج مبرور" 1 وعن أبي سعيد قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل قال: "رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه" 2
وغزو البحر أفضل من غزو البر ويغزو مع كل بر وفاجر ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو.
وتمام الرباط أربعون يوما وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ومن مات مرابطا أجرى له أجره إلى يوم القيامة ووقي الفتان" 3.
ولا يجاهد من أحد أبويه مسلم إلا بإذنه إلا أن يتعين عليه ولا يدخل من النساء دار الحرب إلا امرأة طاعنه في السن لسقي الماء ومعالجة الجرحى ولا يستعان بمشرك إلا عند الحاجة إليه ولا يجوز الجهاد إلا بإذن الأمير إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه أو تعرض فرصة يخافون فوتها وإذا دخلوا دار الحرب لم يجز لأحد أن يخرج من العسكر لعلف أو احتطاب أو غيره إلا بإذن الأمير.
ومن أخذ من دار الحرب ما له قيمة لم يجز له أن يختص به إلا الطعام والعلف فله أن يأخذ ما يحتاج إليه فإن باعه رد ثمنه في المغنم وإن فضل معه منه بعد رجوعه إلى بلده لزمه رده إلا أن يكون يسيرا فله أكله وهديته.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "26"، مسلم "83".
2 أخرج البخاري "2786"، ومسلم "1888".
3 أخرجه مسلم "1913"، من حديث سلمان الفارسي.

ويجوز تبييت الكفار ورميهم بالمنجنيق وقتالهم قبل دعائهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون1 وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم2.
ولا يقتل منهم صبي ولا مجنون ولا امرأة ولا راهب ولا شيخ فان ولا زمن3 ولا من لا رأي لهم إلا أن يقاتلوا؟
ويخير الإمام في أسارى الرجال بين القتل والاسترقاق والفداء والمن ولا يختار إلا الأصلح للمسلمين وإن استرقهم أو فاداهم بمال فهو غنيمة.
ولا يفرق في السبي بين ذوي رحم محرم إلا أن يكونوا بالغين ومن اشترى منهم على أنه ذو رحم فبان بخلافه رد الفضل الذي فيه التفريق.
ومن أعطى شيئا يستعين به في غزوة فإذا رجع فله ما فضل إلا أن يكون لم يعط لغزاة بعينها فيرد الفضل في الغزو وإن حمل على فرس في سبيل الله فهي له إذا رجع إلا أن يجعل حبيسا.
وما أخذ من أموال المسلمين رد إليهم إذا علم صاحبه قبل القسمة وإن قسم قبل علمه فله أخذه بثمنه الذي حسب به على أخذه وإن أخذ أحد الرعية بثمن فلصاحبه أخذه بثمنه وإن أخذه بغير شيء رده.
ومن اشترى أسيرا من العدو فعلى الأسير أداء ما اشتراه به.
ـــــــ
1 أي: غافلون. انظر: فتح الباري5/170.
2 أخرجه البخاري "2541"، ومسلم "1730"، من حديث ابن عمر.
3 زمن: من الزمانة، وهو مرض يدوم طويلاً. انظر: المصباح المنير: "زمن".

باب الأنفال
وهي الزيادة على السهم المستحق وهي ثلاثة أضرب:
أحدها: سلب المقتول غير مخموس لقاتله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه" 1 وهو ما عليه من لباس وحلي وسلاح وفرسه بآلتها وإنما يستحقه من قتله حال قيام الحرب غير مثخن ولا ممنوع من القتال.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "3142"،ومسلم "1751"، من حديث أبي قتادة.

الثاني: أن ينفل الأمير من أغنى عن المسلمين غناء من غير شرط كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم سلمة بن الأكوع يوم ذي قرد سهم فارس وراجل1 ونفله أبو بكر رضي الله عنه ليلة جاءه بأهل تسعة أبيات امرأة منهم.2
الثالث: ما يستحق بالشرط وهو نوعان:
أحدهما: أن يقول الأمير من دخل النقب أو صعد السور فله كذا ومن جاء بعشر من البقر أو غيرها فله واحد منها فيستحق ما جعل له.
الثاني: أن يبعث الأمير في البداءة سرية ويجعل لها الربع وفي الرجعة أخرى ويجعل لها الثلث فما جاءت به أخرج خمسه ثم أعطى السرية ما جعل لها وقسم الباقي في الجيش والسرية معا.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1807"، وذو قرد: ماء على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان. انظر: شرح مسلم للنووي "12/173".
2 أخرجه مسلم "1755".

فصل [في من يرضخ له]
ويرضخ1 لمن لا سهم له من النساء والصبيان والعبيد والكفار فيعطيهم على قدر غنائمهم ولا يبلغ بالراجل منهم سهم راجل ولا بالفارس سهم فارس وإن غزا العبد على فرس لسيده فسهم الفرس لسيده ويرضخ للعبد.
ـــــــ
1 يرضخ لهم: أي: يعطيهم شيئاً قليلاً دون السهام المقاتلين. انظر: الزاهر ص385.
باب الغنائم وقسمتها
وهي نوعان:
أحدهما: الأرض فيخير الإمام بين قسمتها ووقفها للمسلمين ويضرب عليها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هي في يده كل عام أجرا لها وما وقفه الأئمة من ذلك لم يجز تغيره ولا بيعه.
الثاني: سائر الأموال فهي لمن شهد الوقعة ممن يمكنه القتال ويستعد له من التجار وغيرهم سواء قاتل أو لم يقاتل على الصفة التي شهد الوقعة فيها من كونه فارسا أو راجلا أو عبدا أو مسلما أو كافرا.
فصل [في الفيء]
وما تركه الكفار فزعا وهربوا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب أو أخذ منهم بغير قتال فهو فيء يصرف في مصالح المسلمين.
ومن وجد كافرا ضالا عن الطريق أو غيره في دار الإسلام فأخذه فهو له وإن دخل قوم لا منعة لهم أرض الحرب متلصصين بغير إذن الإمام فما أخذوه فهو لهم بعد الخمس.
باب الأمان
ومن قال لحربي قد أجرتك أو أمنتك أو لا بأس عليك ونحو هذا فقد أمنه.
ويصح الأمان من كل مسلم عاقل مختار حرا كان أو عبدا رجلا كان أو امرأة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم" 1.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "1751"، والنسائي "4838"، من حديث علي بن أبي طالب.
والجزء الأخير عند البخاري "7300"، ومسلم "1370"، من حديث علي مرفوعاً،بلفظ: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم".
فصل [في الهدنة]
وتجوز مهادنة الكفار إذا رأى الإمام المصلحة فيها ولا يجوز عقدها إلا من الإمام أو نائبه وعليه حمايتهم من المسلمين دون أهل الحرب وإن خاف نقض العهد منهم نبذ إليهم عهدهم وإن سباهم كفار آخرون لم يجز لنا شراؤهم.
وتجب الهجرة على من لم يقدر على إظهار دينه في دار الحرب وتستحب لمن قدر على ذلك ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار إلا من بلد بعد فتحه.
باب الجزية
ولا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب وهم اليهود ومن دان بالتوراة والنصارى ومن دان بالإنجيل والمجوس إذا التزموا أداء الجزية وأحكام الملة ومتى طلبوا ذلك لزم إجابتهم وحرم قتالهم.
وتؤخذ الجزية في رأس كل حول من الموسر ثمانية وأربعون درهما ومن المتوسط أربعة وعشرون درهما ومن دونه اثنا عشر درهما.
ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا شيخ فان ولا زمن ولا أعمى ولا عبد ولا فقير عاجز عنها ومن أسلم بعد وجوبها سقطت عنه وإن مات أخذت من تركته.
ومن اتجر منهم إلى غير بلده ثم عاد أخذ منه نصف العشر وإن دخل إلينا تاجر حربي أخذ منه العشر.
ومن نقض العهد بامتناعه من التزام الجزية وأحكام الملة أو قتال المسلمين ونحوه أو الهرب إلى دار الحرب حل دمه وماله ولا ينتقض عهد نسائه وأولاده بنقضه إلا أن يذهب بهم إلى دار الحرب.

كتاب القضاء

مدخل
كتاب القضاء
وهو فرض كفاية يلزم الإمام نصب من يكتفى به في القضاء ويجب على من يصلح له إذا طلب منه ولم يوجد غيره الإجابة إليه وإن وجد غيره فالأفضل تركه ومن شروطه أن يكون رجلا حرا مسلما سميعا بصيرا متكلما عدلا عالما.
ولا يجوز له أن يقبل رشوة ولا هدية ممن لم يكن يهديه إليه ولا الحكم قبل معرفة الحق فإن أشكل عليه شاور فيه أهل العلم والأمانة ولا يحكم وهو غضبان ولا في حال يمنع استيفاء الرأي ولا يتخذ في مجلس الحكم بوابا.
ويجب العدل بين الخصمين في الدخول عليه والمجلس والخطاب.
باب صفة الحكم
إذا جلس إليه الخصمان فادعى أحدهما على الآخر لم تسمع الدعوى إلا محررة تحريرا يعلم به المدعى عليه فإذا كان دينا ذكر قدره وجنسه وإن كان عقارا ذكر موضعه وحده وإن كان عينا حاضرة عينها وإن كانت غائبة ذكر جنسها وقيمتها ثم يقول لخصمه ما تقول؟ فإن اقر حكم المدعي وإن أنكر لم يخل من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تكون في يد أحدهما فيقول للمدعي ألك بينة فإن قال نعم وأقامها حكم له بها وإن لم تكن له بينة قال فلك يمينه فإن طلبها استحلفه وبرئ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه" 1 وإن نكل عن اليمين وردها على المدعي استحلفه وحكم له وإن نكل أيضا صرفهما وإن كان لكل واحد منهم بينه حكم بها للمدعي فإن اقر صاحب اليد لغيره صار المقر له الخصم فيها وقام مقام صاحب اليد فيما ذكرنا.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "4552"، ومسلم "1711"، من حديث ابن عباس.

الثاني: أن تكون في يديهما فإن كانت لأحدهما بينة حكم له بها وإن لم يكن لواحد منهما بينة أو لهما بينتان قسمت بينهما وحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به وإن ادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها ولا بينة قسمت بينهما واليمين على مدعي النصف وإن كانت لهما بينتان حكم بها لمدعي الكل.
الثالث: أن تكون في يد غيرهما وإن اقر لأحدهما أو لغيرهما صار المقر له صاحب اليد وإن اقر لهما صارت كالتي في يديهما وإن قال لا أعرف صاحبها منهما ولأحدهما بينة فهي له أو لكل منهما بينة إستهما على اليمين فمن خرج سهمه حلف وأخذها.

باب في تعارض الدعاوى
إذا تنازعا قميصا أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو للابسه.
وإن تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليه حمل فهي له.
وإن تنازعا أرضا فيها شجر أو بناء أو زرع لأحدهما فهي له.
وإن تنازع صانعان في قماش دكان فآلت كل صناعة لصاحبها.
وإن تنازع الزوجان في قماش البيت فللزوج ما يصلح للرجال وللمرأة ما يصلح للنساء وما يصلح لهما بينهما.
وإن تنازعا حائطا معقودا ببنائهما أو محلولا منها فهو بينها وإن كان معقودا ببناء أحدهما وحده فهو له.
وإن تنازع صاحب العلو والسفل في السقف الذي بينهما أو تنازع صاحب الأرض والنهر في الحائط الذي بينهما أو تنازعا قميصا أحدهما آخذ بكمه وباقيه مع الآخر فهو بينهما.
وإن تنازع مسلم وكافر في ميت يزعم كل واحد أنه مات على دينه فإن عرف أصل دينه حمل عليه وإن لم يعرف أصل دينه فالميراث للمسلم وإن كانت لهما بينتان فكذلك وإن كانت لأحدهما بينة حكم له بها.
وإن ادعى كل واحد من الشريكين في العبد أن شريكه أعتق نصيبه وهما موسران عتق كله ولا ولاء لهما عليه وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا عتق نصيب الموسر وحده وإن كانا معسرين لم يعتق منه شيء وإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق حينئذ ولم يسر إلى باقيه ولا ولاء عليه وإن ادعى كل واحد من الموسرين أنه أعتقه تحالفا وكان ولاؤه بينهما.

وإن قال رجل لعبده إن برئت من مرضي هذا فأنت حر وإن قتلت فأنت حر فادعى العبد برءه أو قتله وأنكرت الورثة فالقول قولهم وإن أقام كل واحد منهم بينة بقوله عتق العبد لأن بينته تشهد بزيادة.
ولو مات رجل وخلف ابنين وعبدين متساويي القيمة لا مال له سواهما فأقر الابنان أنه أعتق أحدهما في مرض موته عتق منه ثلثاه إن لم يجيزا عتقه كله وإن قال أحدهما أبي أعتق هذا وقال الآخر بل هذا عتق ثلث كل واحد منهما وكان لكل ابن سدس الذي اعترف بعتقه ونصف الآخر وإن قال الثاني أبي أعتق أحدهما لا أدري من منهما أقرع بينهما وقامت القرعة مقام تعيينه.

باب حكم كتاب القاضي
يجوز الحكم على الغائب إذا كانت للمدعي بينة ومتى حكم على الغائب ثم كتب بحكمه إلى قاضي بلد الغائب لزم قبوله وأخذ المحكوم عليه به ولا يثبت إلا بشاهدين عدلين يقولان قرأه علينا أو قرئ عليه بحضرتنا فقال اشهدا علي أن هذا كتابي إلى فلان أو إلى من يصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم.
فإن مات المكتوب إليه أو عزل فوصل إلى غيره عمل به وإن مات الكاتب أو عزل بعد حكمه جاز قبول كتابه ويقبل كتاب القاضي في كل حق إلا الحدود والقصاص.
باب القسمة
وهي نوعان:
الأول: قسمة إجبار وهي ما يمكن قسمته من غير ضرر ولا رد عوض إذا طلب أحد الشريكين قسمة فأبى الآخر أجبره الحاكم عليه إذا ثبت عنده ملكهما ببينة فإن أقر به لم يجبر الممتنع عليه وإن طلباها في هذه الحال قسمت بينهما وأثبت في القضية أن قسمة كان عن إقرار لا عن بينة.
والثاني: قسمة التراضي وهي قسمة ما فيه ضرر بأن لا ينتفع أحدهما بنصيبه فيما هو له أو لا يمكن تعديله إلا برد عوض من أحدهما فلا إجبار فيها.

كتاب الشهادات

مدخل
كتاب الشهادات
تحمل الشهادة وأداؤها فرض كفاية إذا لم يوجد من يقوم بها سوى اثنين لزمهما القيام بها على القريب والبعيد إذا أمكنهما ذلك من غير ضرر لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ} الآية [النساء: 135].
والمشهود عليه أربعة أقسام:
أحدها: الزنا وما يوجب حده فلا يثبت إلا بأربعة رجال أحرار عدول.
الثاني: المال وما يقصد به المال فيثبت بشاهدين أو رجل وامرأتين وبرجل مع يمين الطالب.
الثالث: ما عدا هذين مما يطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلا يثبت إلا بشهادة رجلين.
الرابع: ما لا يطلع عليه الرجال كالولادة والحيض والعدة والعيوب تحت الثياب فيثبت بشهادة امرأة عدل لأن عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف وقد زعمت ذلك" 1
وتقبل شهادة العبد في كل شيء إلا الحدود والقصاص وتقبل شهادة الأمة فيما تقبل فيه شهادة النساء للخبر وشهادة الفاعل على فحله كالمرضعة على الرضاع والقاسم على القسمة وشهادة الأخ لأخيه والصديق لصديقه وشهادة الأصم على المرئيات وشهادة الأعمى إذا تيقن الصوت وشهادة المستخفي.
ومن سمع إنسانا يقر بحق وإن لم يقل للشاهد أشهد علي وما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في قلبه جاز أن يشهد به كالشهادة على النسب والولادة ولا يجوز ذلك في حد ولا قصاص.
وتقبل شهادة القاذف وغيره بعد توبته.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "88".
باب من ترد شهادته
لا تقبل شهادة صبي ولا زائل العقل ولا أخرس ولا كافر ولا فاسق ولا مجهول الحال ولا جار إلى نفسه نفعا ولا دافع عنها شرا ولا شهادة والد وإن علا لولده ولا ولد لوالده ولا سيد لعبيده ولا مكاتبه ولا شهادتهما له ولا أحد الزوجين لصاحبه ولا شهادة الوصي فيما هو وصي فيه ولا الوكيل فيما هو وكيل فيه ولا الشريك فيما هو شريك فيه ولا العدو على عدوه ولا معروف بكثرة الغلط والغفلة ولا من لا مروءة له كالمسخرة وكاشف عورته للناظرين في حمام أو غيره.
ومن شهد بشهادة يتهم في بعضها ردت كلها.
ولا يسمح في الجرح والتعديل والترجمة ونحوها إلا شهادة اثنين وإذا تعارض الجرح والتعديل قدم الجرح.
وإن شهد شاهد بألف وآخر بألفين قضى له بألف وحلف مع شاهده على الألف الآخر إن أحب وإن قال أحدهما ألف من قرض وقال الآخر من ثمن مبيع لم تكمل الشهادة.
وإذا شهد أربعة بالزنا أو شهد اثنان على فعل سواه واختلفوا في المكان أو الزمان أو الصفة لم تكمل شهادتهم.
باب الشهادة على الشهادة والرجوع عنها
تجوز الشهادة على الشهادة فيما يجوز فيه كتاب القاضي إذا تعذرت شهادة الأصل بموت أو غيبة أو مرض ونحوه بشرط أن يستدعيه شاهد الأصل فيقول أشهد على شهادتي إني اشهد أن فلانا أقر عندي أو أشهدني بكذا.
ويعتبر معرفة العدالة في شهود الأصل والفرع ومتى لم يحكم بشهادة الفرع حتى حضر شهود الأصل وقف الحكم على سماع شهادتهم وإن حدث من بعضهم ما يمنع قبول الشهادة لم يحكم بها.
فصل [في تغيير الشهادة]
ومتى غير العدل شهادته فزاد فيها أو نقص قبل الحكم قبلت وإن حدث منه ما يمنع قبولها أدائها ردت وإن حدث ذلك بعد الحكم بها لم يؤثر.
باب اليمين في الدعاوي
اليمين المشروعة في الحقوق هي اليمين بالله تعالى سواء كان الحالف مسلما أو كافرا.
ويجوز القضاء في الأموال وأسبابها بشاهد ويمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين1.
والأيمان كلها على ابت إلا اليمين على نفي فعل غيره فإنها على نفي العلم.
وإذا كان للميت أو المفلس حق بشاهد فحلف المفلس أو ورثة الميت ثبت وإن لم يحلف فبذل الغرماء اليمين لم يستحلفوا.
وإذا كانت الدعوى لجماعة فعليه لكل واحد يمين وإن قال أنا أحلف يمينا واحدة لجميعهم لم يقبل منه إلا أن يرضوا.
وإن ادعى واحد حقوقا على واحد فعليه في كل حق يمين.
وتشرع اليمين في كل حق لآدمي ولا تشرع في حقوق الله من الحدود والعبادات.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1712"، من حديث ابن عباس.
باب الإقرار
وإذا أقر المكلف الحر الرشيد الصحيح المختار بحق أخذ به.
ومن أقر بدراهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوفا أو صغارا أو مؤجلة لزمته جيادا وافية حالة وإن وصفها بإقراره لزمته كذلك.
وإن استثنى مما أقر به أقل من نصفه متصلا بذلك متصلا به صح استثناؤه وإن فصل بينهما بسكوت يمكنه الكلام أو بكلام أجنبي أو استثني أكثر من نصفه أو من غير جنسه لزمه كله.
فصل [في من يقبل إقراره]
ولا يقبل إقرار غير المكلف بشيء إلا المأذون له من الصبيان في التصرف في قدر ما أذن له.
وإن أقر السفيه بحد أو قصاص أو طلاق أخذ به وإن أقر بمال لم يقبل إقراره وكذلك الحكم في إقرار العبد إلا أنه يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق إلا أن يكون مأذونا له في التجارة فيصح إقراره في قدر ما أذن له فيه.
ويصح إقرار المريض بالدين لأجنبي ولا يصح إقراره في مرض الموت لوارث إلا بتصديق سائر الورثة ولو اقر لوارث فصار غير وارث لم يصح وإن أقر له وهو غير وارث ثم صار وارثا صح إقراره ويصح إقراره بوارث.
وإذا كان على الميت دين لم يلزم الورثة وفاؤه إلا إن خلف تركة فيتعلق دينه به فإن أحب الورثة وفاء الدين وأخذ التركة فلهم ذلك.
وإن أقر جميع الورثة بدين على مورثهم ثبت بإقرارهم وإن أقر به بعضهم ثبت بقدر حقه.
فلو خلف ابنين ومائتي درهم فاقر أحدهما بمائة دينار على أبيه لزمه خمسون درهما فإن كان عدلا وشهد بها فللغريم أن يحلف مع شهادته ويأخذ باقيها من أخيه.
وإن خلف ابنا ومائة فادعى رجل مائة على أبيه فصدقه ثم ادعى آخر مثل ذلك فصدقه الابن فإن كان في مجلس واحد فالمائة بينهما وإن كانا في مجلسين فهو للأول ولا شيء للثاني وإن كان الأول ادعاها فصدقه الابن ثم ادعاها آخر فصدقه الابن فهي للأول ولا شيء للثاني ويغرمها لأنه فوتها عليه بإقراره.
آخر الكتاب
والحمد لله رب العالمين