كتاب : بستان العارفين
المؤلف : ابن شرف النووي

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الحمد لله الواحد القهار. العزيز الغفار. مقدر الأقدار. مصرف الأمور مكور الليل على النهار. تبصرة لأولى القلوب والأبصار. الذي أيقظ من خلقه من اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار وفق من اختار من عبيده فجعله من الأبرار. وبصر من أحبه للحقائق فزهدوا في هذه الدار. فاجتهدوا في مرضاته والتأهب لدار القرار. واجتناب ما يسخطه والحذر من عذاب النار.
أحمده حمدا على جميع نعمائه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله إقرارا بوحدانيته، واعترافا بما يجب على الخلق كافة من الاذعان لربوبيته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه المصطفى من خليقته، وأكرم الأولين والآخرين من بريته، أكرم الخلق وأزكاهم وأكملهم وأعرفهم بالله تعالى وأخشاهم وأعلمهم به وأتقاهم وأشدهم اجتهادا وعبادة وخشية وزهادة، وأعظمهم خلقا، وأبلغهم بالمؤمنين تلطفا ورفقا، صلوات الله وسلامه عليه وعلى النبيين وآل كل وصحابتهم أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
أما بعد، فإن الدنيا دار نفاذ لا دار إخلاد، ودار عبور لا دار حبور، ودار فناء لا دار بقاء، ودار انصرام لا دار دوام، وقد تطابق على ما ذكرته دلالات قواطع النقول وصحائح العقول، وهذا مما استوى في العلم به الخواص والعوام، والأغنياء والطغام، وقضى به الحس والعيان حتى لم يقبل الوضوحة إلى زيادة في العرفان:
وليس يصح في الأسماع شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
ولما كانت الدنيا بالحال التي ذكرتها، والعظة التي قدمتها جاء في القرآن العزيز من التحذير من الركون إليها والاغترار بها والاعتماد عليها ما هو أعرف من أن يذكر وأشهر من أن يشهر، وكذلك جاءت الأحاديث النبوية والآثار الحكمية، فلهذا كان الايقاظ من أهلها العباد، وأعقل الناس فيها الزهاد ولقد أحسن القائل في وصفها:
أنظر إلى الأطلال كيف تغيرت ... من بعد ساكنها وكيف تنكرت
سحب البلا أذياله برسومها ... فتساقطت أحجارها وتكسرت
ومضت جماعة أهلها لسبيلهم ... وتغيبت أخبارهم وتنكرت
لما نظرت تفكراً لديارهم ... سحت جفوني عبرة وتحدرت
لو كنت أعقل ما أفقت من البكا ... حسبي هناك ومقلتي ما أبصرت
نصبت لنا الدنيا زخارف حسنها ... مكراً بنا وخديعة ما فترت
وهي التي لم تحل قط لذائق ... إلا تغير طعمها وتمررت
خداعة بجمالها إن أقبلت ... فجاعة بزوالها إن أدبرت
وهابة سلابة لهباتها ... طلابة لخراب ما قد عمرت
وإذا بنت أمراً لصاحب ثروة ... نصبت مجانقها عليه فدمرت
وقال آخر:
ومن يحمد الدنيا لعيش يسره ... فسوف لعمري عن قليل يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة ... وإن أقبلت كانت كثيراً همومها
فإذا علم ما ذكرته وتقرر ما وصفته كان حقا على الانسان أن يسلك طريق العقلاء ويذهب مذهب البصراء فنسأل الله الكريم الرؤوف الرحيم أن يمن علينا بذلك ويهدينا إلى أرشد المسالك، وها أنا شارع في جمع كتاب يكون مبينا لسلوك الطريق التي قدمت وسبيلا إلى التخلق بالأخلاق الجميلة التي وصفت، أذكر فيه إن شاء الله تعالى جملا من نفائس اللطائف وحقائق المعارف، وأنثر ما ذكره فيه نثرا ليكون أبعد لمطالعه عن الملل وأقرب للذكرى، ولا التزم فيه ترتيبه على الأبواب فإن ذلك مما يجلب الملل للناظر في الكتاب، وأذكر فيه إن شاء الله تعالى من الآيات الكريمات والأحاديث النبويات وأقاويل السلف المنيرات، ومستجاد لمأثور عن الأخيار من عيون الحكايات والأشعار المستحسنة الزهديات، وأبين في أكثر الأوقات صحة الأحاديث وحسنها وحال روايتها، وبيان ما يخفى ويشكل من معانيها وأضبط ما يحتاج إلى تقييد حذرا من التصحيف وفرارا من التغيير والتحريف.

ثم إني أذكره بإسنادي فيه، لكونه أوقع في نفوس مطالعيه، وقد أحذف الاسناد للاختصار وخوفا من التطويل والاكثار، ولكونه هذا الكتاب موضوعا للمتعبدين ومن ليسوا إلى معرفة الاسناد بمحتاجين بل يكرهونه معظم الحالات لما يلحقهم بسببه من السآمات، وأكثر ما أذكره مما أرويه بحمد الله وفضله بالأسانيد المشهورة المعروفة من الكتب الظاهرة المتداولة المعروفة ، وإذا كان في الحديث أو الحكاية لفظة لغة أو إسم شخص قيدتها وأوضحتها بالضبط المحكم وأتقنتها، وما احتاج فيها إلى شرح شرحته وما كان معرضا لأن يغلط في معناه بينته، ويندرج في ضمن هذا الكتاب إن شاء الله تعالى أنواع في العلوم الشرعية، وجمل من لطائفها الحديثية والفقهية والآداب الدينية، وطرف من علم الحديث ودقائق الفقه الخفية، ومهمات من أصول العقائد، وعيون من نفائس القواعد، وغرائب لطيفة مما يستحسن في المذكورات، ويستحب ذكره في مجالس الجماعات، ومعارف القلوب وأمراضها وطبها وعلاجها، وربما يجيء شيء يحتاج إلى بسط لا يحتمله هذا الكتاب، فأذكر مقصوده مختصرا، أو أحيل بسط شرحه إلى كتاب بعض العلماء ذوي البصائر والألباب وربما أحلته على كتاب صنفته أنا، ولا أقصد بذلك إن شاء الله تعالى التبجح والافتخار، ولا إظهار المصنفات والاستكثار، بل الارشاد إلى الخير والاشارة إليه، وبيان مظنته والدلالة عليه، وإنما نبهت على هذه الدقيقة لأني رأيت من الناس من يعيب سالك هذه وذلك لجهالته وسوء ظنه وفساده ولحسده وقصوره وعناده، فأردت أن يتقرر هذا المعنى في ذهن مطالع هذا التصنيف، وليطهر نفسه من الظن الفاسد والتعنيف وأسأل الله الكريم توفيقي لحسن النيات والاعانة على جميع أنواع الطاعات وتيسيرها والهداية لها دائما في ازدياد حتى الممات، وأسأله ذلك لجميع من أحبه ويحبني لله تعالى وسائر المسلمين والمسلمات وأن يجمع بيننا وبينهم في دار كرامته بأعلى المقامات وأن يرزقنا رضاه، وسائر وجوه الخيرات، اعتصمت بالله، استعنت بالله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم إني أسألك بكل وسيلة، وأتشفع إليك بكل شفيع أن تنفعني وأحبابي والمسلمين أجمعين، بهذا الكتاب نفعا عاما بليغا، يا من لا يعجزه شيء، ولا يتعاظمه أمر وهذا حين شروعي في مقصود الكتاب.

باب في الإخلاص وإحضار النية
في جميع الأعمال الظاهرة والباطنة
قال الله تعالى: (وَما أمِرُوا إلاَّ لِيَعبُدُوا اللّهَ مُخلِصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ويُؤتُوا الزَّكاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةَ) معناه الملمة المستقيمة وقيل القائمة بالحق والله أعلم.
وقال تعالى: (ومَن يَخرُج من بِيِتِه مُهاجِراً إلى اللّهِ ورَسولِه ثم يُدرِكهُ المَوتُ فَقد وَقَعَ أجرُه عَلى اللّهِ).
وقال تعالى: (ربُّكم أعلمُ بَما في نُفوسِكم).
وقال تعالى: (لَن يَنالَ اللّهَ لحُومُها وَلا دِمَاؤُهَا وَلكِن يَناله التَّقوَى مِنكم).
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما معناه ولكن يناله النيات منكم، وقال إبراهيم التقوى ما يراد به وجهه، وقال الإمام أبو الحسن الواحدي قال الزجاج المعنى لن يتقبل الله الدماء واللحوم وإذا كانت من غير تقوى الله تعالى وإنما يتقبل منكم ما ستتقونه به وهذا دليل على أن شيئا من العبادات لا يصح إلا بالنية وهو أن ينوي به التقرب إلى الله تعالى وأداء ما أمر به.
أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعيد بن الحسن بن المفرج بن بكار المقدسي النابلسي الشافعي رضي الله عنه قال أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن سليمان الواسطي حدثنا أبو نعيم عبد بن هشام الحلبي عن ابن المبارك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرِىءٍ ما نَوى، فمَن كانت هِجرتُه إلى اللّهِ ورسولهِ فهِجرَته إلى اللّهِ ورَسولهِ، ومَن كانت هِجرتهُ إلى دنيا يُصيبُها أو امرأةٍ يتزَوَّجها فَهجرَته إلى مَا هاجرَ إليه( هذا حديث متفق على صحته مجمع على عظم موقعه وجلالته وهو أحد قواعد الإيمان وأول دعائمه وأشد الأركان وهو حديث فرد غريب باعتبار مشهور باعتبار آخر ومداره على يحيى بن سعيد الأنصاري: قال الحافظ لا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من جهة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا عن عمر إلا من جهة علقمة ولا عن علقمة إلا من جهة إبراهيم بن محمد التيمي ولا عن محمد إلا من جهة يحيى بن سعيد وعن يحيى انتشرت روايته عن أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة ورواه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في صحيحه في سبعة مواضع فرواه في أول كتابه في الإيمان ثم في النكاح ثم في العتق ثم في الهجرة ثم في ترك الحيل ثم في النذر، ثم أن هذا الحديث روي في الصحيح بألفاظ: إنما الأعمال بالنيات، إنما الأعمال بالنية، وأما الذي وقع في أول كتاب الشهاب، الأعمال بالنيات وحذف إنما، فقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني لا يصح إسناد هذا، وأما معنى النية فهو القصد وهو عزم القلب، وإنما لفظة موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه، فمعنى الحديث لا تصح الأعمال الشرعية إلا بالنية، ومن قصد بهجرته رضاء الله تعالى، ومن قصد بها الدنيا فهي حظه ليس له غيرها، وفي هذا الحديث اشتراط النية في الوضوء وغيره والغسل والتيمم والصلاة والزكاة والصوم والاعتكاف والحج وغيرها، قال أمامنا أبو عبد الله محمد بن ادريس الشافعي رضي الله تعالى عنه يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من الفقه. وقال أيضا يدخل في هذا الحديث ثلثي العلم. وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه يدخل فيه ثلث العلم وكذا ذكره أيضا غيرهما قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أول كتابه مختصر السنن معنى قول الشافعي رضي الله تعالى عنه يدخل فيه ثلث العلم أن كسب العبد إنما يكون بقلبه ولسانه ونياته. والنية أحد أقسام كسبه وهي أرجحها لأنها تكون عبادة بانفرادها بخلاف القسمين الآخرين لأن القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء ولا يدخل النية. واستحب العلماء رضي الله تعالى عنه عنهم أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث وممن ابتدأ به في أول كتابه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله في أول حديثه في صحيحه الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. وروينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال لو صنفت كتابا بدأت في أول كل باب منه بهذا الحديث. وروينا عنه أيضا قال من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بهذا الحديث. وروينا عن الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي رحمه الله فيما قرأته في أول كتابه الاعلام في شرح صحيح البخاري قال كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء ينشأ ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها. وبلغنا عن جماعات من السلف رضي الله تعالى عنهم أشياء كثيرة من نحو هذا من الاهتمام بهذا الحديث والله أعلم. وهي أن إسناده شيء يستحسن ويستغرب عند المحدثين وهي أن رواته اجتمع فيهم ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم يحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إبراهيم التيمي وعلقمة بن وقاص وهذا وإن كان مستطرفا فهو كثير في الأحاديث المستظرفة الصحيحة يجتمع ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض وأربعة تابعيون بعضهم عن بعض. وقد جمعها الحافظ عبد القادر الرهاوي رحمه الله في جزء صنفه فيها وأنا أرويها وقد اختصرتها في أول شرح صحيح البخاري رحمه الله. وضممت إليها ما وجدته مثلها فبلغ مجموعها زيادة على ثلاثين حديثا والله أعلم. ومما ينبغي الاعتناء به بيان الأحاديث التي قيل إنها أصول الإسلام وأصول الدين أو عليها مدار الإسلام أو مدار الفقه والعلم فنذكرها في هذا الموضع لأن أحدها حديث الأعمال بالنية ولأنها مهمة فينبغي أن تقدم وقد اختلف العلماء في عددها اختلافا كثيرا وقد اجتهد في جمعها وتبيينها الشيخ الإمام الحافظ أبو عمر وعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح رحمه الله تعالى ولا مزيد على

تحقيقهقه وإتقانه فأنا أنقل ما ذكره رحمه الله مختصرا. وأضم إليه ما تيسر مما لم يذكره فإن الدين النصيحة: ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تستغرب إلى قائلها فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حال. ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائما. وإتقانه فأنا أنقل ما ذكره رحمه الله مختصرا. وأضم إليه ما تيسر مما لم يذكره فإن الدين النصيحة: ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تستغرب إلى قائلها فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حال. ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائما.
قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله بعد أن حكم أقوال الأئمة في تعيين الأحاديث التي عليها مدار الإسلام واختلافهم في أعيانهم وعددها فبلغت ستة وعشرين حديثا.
)أحدها( حديث، إنما الأعمال بالنيات.
)الثاني( عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ منهُ فَهُو ردٌّ(.
هذا حديث متفق على صحته رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما وفي رواية لمسلم: )من عمل عملاً ليس عليه أمرنا( ومعنى رد مردود كالخلق بمعنى المخلوق.
)الثالث( عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )إنَّ الحَلالَ بيِّنٌ والحرامَ بيِّنٌ، وبَينَهُما مُشتَبَهاتٌ لا يَعلمهُنَّ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ، فمَن اتَّقَى الشُّبُهاتِ استَبرَأ لِدينهِ يوشِكُ أن يَرتعَ فيهِ ألاَ وإنَّ لِكلِّ مَلكٍ حِمًى، ألاَ وإنَّ حِمى اللّهِ محَارمُه، ألاَ وإنَّ في الجسدِ مُضغةً إذَا صلَحت صلَحَ الجسَدُ كلُّه، وإذا فسدَت فسَدَ الجسَدُ كلُّه ألاَ وهيَ القَلبُ(.
هذا حديث متفق على صحته، رويناه في صحيحيهما يوشك بضم الياء وكسر الشين المعجمة أي يسرع.
)الرابع( عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الصدوق: ) إنَّ أحَدكم يُجمعُ خَلقِه في بطنِ أمِّه أربعينَ يوماً نُطفةً ثمَّ يكونُ عَلقةً مِثلَ ذلكَ، ثمَّ يكونُ مِن ذاكَ مُضغَةً مثلَ ذلكَ، ثمّ يُرسَلُ المَلَكُ فيَنفُخُ فيهِ الرُّوحَ ويُؤمرُ بأربعِ كلِماتٍ بكَتبِ رزقهِ وأجَلهِ وَعملهِ، وَشقيٌّ أو سعيدٌ، فوالذي لا إلهَ غيرُهُ إنَّ أحَدكم لِيَعملُ بعَملِ أهلِ الجنَّةِ حتَّى ما يكونُ بينَه وبينَها إلاّ ذراعٌ فيَسبقُ علَيهِ الكتابُ فيَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ النَّارِ فيَدخلُها وإنَّ أحَدكم ليَعملُ بعَملِ أهلِ النَّارِ حتَّى ما يكونُ بَينَهَ وبينَها إلاَّ ذَراعٌ فيَسبقُ عليهِ الِكتابُ فيَعملُ بعَمَلِ أهلِ الجنَّةِ فيَدخُلها( رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما قوله بكتب بالباء الموحدة الجارة.
)الخامس( عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: )دَع ما يَريبُك إلى ما لاَ يريبُك(.
حديث صحيح رواه أبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي، قال أبو عيسى الترمذي حديث صحيح. وقوله: يريبك بفتح أوله وضمه لغتان الفتح أشهر.
)السادس( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )ومن حسنِ إسلامِ المرءِ تركهُ ما لا يعنيهِ( حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجة.
)السابع( عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ) لا يؤمنُ أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه( متفق على صحته.
)الثامن( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )أيُّها النَّاسُ إنَّ اللّهَ طيِّبٌ لا يقبَلُ إلا طيِّباً، وإنَّ الله تعالى أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ به المرسلين( فقال تعالى: (يا أيُّها الرُّسُلُ كلُوا من الطيِّباتِ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك رواه مسلم في صحيحه.

)التاسع( حديث لا ضرر ولا ضرار رواه مالك مرسلا ورواه الدارقطني وجماعة من وجوه متصلا وهو حديث حسن ) العاشر( عن تميم الدارمي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم( رواه مسلم )الحادي عشر( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: )ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم( متفق على صحته.
)الثاني عشر( عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله )دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس( حديث حسن رواه ابن ماجة )الثالث عشر( عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة(. متفق على صحته )الرابع عشر( عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى( متفق على صحته )الخامس عشر( عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان( متفق على صحته )السادس عشر( عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما )أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعطي الناس بدعواهم لا ادعى رجال أموال قوم ودماءهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر( حديث بهذا اللفظ وبعضه في الصحيحين )السابع عشر( عن وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جئت تسأل عن البر والاثم قال قلت نعم قال استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والاثم ما حاك في النفس وتردد في النفس وإن أفتاك الناس وأفتوك. وفي رواية )وإن أفتاك المفتون(.
حديث حسن رواه أحمد بن حنبل والدارمي وغيرهما. وفي صحيح مسلم من رواية النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال )البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس( )الثامن عشر( عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )إن الله كتب الاحسان على كل شيء فإذا قتلتم فاحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته( رواه مسلم. والقتلة والبحة بكسر أولهما )التاسع عشر( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه( متفق على صحته )العشرون( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه )أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب. رواه البخاري في صحيحه )الحادي والعشرون( عن أبي ثعلبة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تبحثوا عنها( رواه الدارقطني بإسناد حسن.

)الثاني والعشرون( عن أبي ذر ومعاذ رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن( رواه الترمذي وقال حديث حسن وفي بعض نسخه المعتمدة حديث حسن صحيح )الثالث والعشرون( عن معاذ رضي الله تعالى عنه قال )قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير. الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه الجهاد ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله قال فأخذ بلسانه قال كف عليك هذا فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ذروة السنام أعلاه وهي بضم الذال وكسرها )الرابع والعشرون( عن العرباض بن سارية قال )وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة( رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح )الخامس والعشرون( عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال )يا غلام إني أعلمك كلمات. احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي )احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك( وفي آخره )واعلم أن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا( )السادس والعشرون( حديث ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في الايمان بالقدر وبيان الايمان والاسلام والاحسان وبيان علامات القيامة فهذه الأحاديث التي ذكرها الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى ومما في معناها أحدها وهو )السابع والعشرون( عن سفيان بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله قل لي في الاسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك )قال قل آمنت بالله ثم استقم( رواه مسلم )الثامن والعشرون( عن أبي مسعود البدري عقبة بن عمر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم )إذا لم تستح فاصنع ما شئت( رواه البخاري في صحيحه )التاسع والعشرون( عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال )أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس المكتوبات وصمت رمضان وحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئا أدخل الجنة قال نعم ( رواه مسلم.

فصل في حقيقة الاخلاص والصدق

أما الاخلاص فقال الله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) الآية وروينا عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاخلاص ما هو فقال سألت جبريل عن الاخلاص ما هو فقال سألت رب العزة عن الاخلاص ما هو فقال سر من أسراري أودعته قلب من أحب من عبادي( وروينا عن الأستاذ الامام أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى قال الاخلاص افراد الحق في الطاعة بالقصد وهو يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من التصنع لمخلوق واكتساب محمدة عند الناس أو منحة مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى. قال ويصح أن يقال الاخلاص التوقي عن ملاحظة الأشخاص. وروينا عن الأستاذ أبي علي الدقاق رحمه الله تعالى قال الاخلاص التوقي عن ملاحظة الخلق والصدق والتبقي عن مطالعة النفس فالمخلص لا رياء له والصادق لا إعجاب له. وروينا عن أبي يعقوب السوسي رضي الله تعالى عنه قال متى شهدوا في إخلاصهم الاخلاص احتاج إخلاصهم إلى إخلاص. وروينا عن السيد الجليل ذي النون رضي الله تعالى عنه قال: ثلاث من علامات الاخلاص استواء المدح والذم من العامة ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال واقتضاء ثواب العمل في الآخرة. وعن أبي عثمان المغربي رحمه الله تعالى قال الاخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق وعن حذيفة المرعشي رحمه الله تعالى قال الاخلاص أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن. وعن السيد الجليل فضيل بن عياض رحمه الله تعالى قال ترك العمل لاجل الناس رياء والعمل لاجل الناس شرك والاخلاص أن يعافيك الله منهما. وعن السيد الجليل أبي محمد سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى أنه سئل أي شيء أشد على النفس قال إخلاص لأنه شيء ليس لها فيه نصيب. وعن يوسف بن الحسين رحمه الله تعالى قال أعز شيء في الدنيا الاخلاص. وعن أبي عثمان المغربي رحمه الله تعالى قال اخلاص العوام ما لا يكون للنفس فيه حظ وإخلاص الخواص ما يجري عليهم لا بهم فتبدو منهم الطاعات وهم عنها بمعزل ولا تقع لهم عليها رؤية ولا لهم عليها اعتداد. وروينا عن السيد الجليل الإمام التابعي مكحول رضي الله تعالى عنه قال ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. وروينا عن سهل التستري قال من زهد في الدنيا أربعين يوما صادقا من قلبه مخلصا في ذلك ظهرت له الكرامات ومن لم يظهر له فإنه عدم الصدق في زهده فقيل لسهل كيف تظهر له الكرامات قال يأخذ ما يشاء كما يشاء من حيث يشاء. قال سهل التستري رحمه الله نظر الأكياس في تفسير الاخلاص فلم يجدوا غير هذا أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى وحده لا يمازجه شيء لا نفس ولا هوى ولا دنيا. وقال السري رحمه الله لا تعمل للناس شيئا ولا تترك لهم شيئا ولا تعط لهم شيئا ولا تكشف لهم شيئا. وأما الصدق فقال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وروينا عن الأستاذ القشيري رحمه الله قال الصدق عماد الأمر وبه تمامه وفيه نظامه قال وأقل الصدق استواء السر والعلانية. وروينا عن سهل رحمه الله تعالى قال لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره. وروينا عن ذي النون قال الصدق سيف الله ما وضع على شيء إلا قطعه. وروينا عن السيد الجليل الإمام العارف الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى قال الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يحب إطلاع الناس على مثاقيل من حسن عمله ولا يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله فإن كراهته دليل على أنه يحب الزيادة عندهم وليس هذا من إخلاص الصديقين. وقيل إذا طلبت من الله تعالى الصدق أعطاك مرآة تبصر فيها ك شيء من عجائب الدنيا والآخرة. وروينا عن السيد الجليل أبي القاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه قال الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة قلت معناه أن الصادق يدور مع الحق كيف كان فإذا رأى الفضل الشرعي في أمر عمل به وإن خالف ما كان عليه عادته وإذا عرض أهم منه في الشرع ولا يمكن الجمع بينهما انتقل إلى الأفضل ولا يزال هكذا وربما كان في اليوم الواحد على مائة حال أو ألف وأكثر على حسب تمكنه في المعارف وظهور الدقائق له واللطائف وأما المرائي فيلزم حالة

واحدةدة بحيث لو عرض له مهم يرجحه الشرع عليه في بعض الأحوال لم يأت بهذا المهم بل يحافظ على حالته لأنه يرائي بعبادته وحاله المخلوقين فيخاف من التغير ذهاب محبتهم إياه فيحافظ على بقائها والصادق يريد بعبادته وجه الله تعالى فحيث رجح الشرع حالا صار إليه ولا يعرج على المخلوقين. وقد بسطت القول في هذه الحكاية في أول شرح المهذب وذكرت دلائلها وأوضحتها بالأمثلة ومقصودها ما ذكرته هنا فاقتصرت عليه والله أعلم. بحيث لو عرض له مهم يرجحه الشرع عليه في بعض الأحوال لم يأت بهذا المهم بل يحافظ على حالته لأنه يرائي بعبادته وحاله المخلوقين فيخاف من التغير ذهاب محبتهم إياه فيحافظ على بقائها والصادق يريد بعبادته وجه الله تعالى فحيث رجح الشرع حالا صار إليه ولا يعرج على المخلوقين. وقد بسطت القول في هذه الحكاية في أول شرح المهذب وذكرت دلائلها وأوضحتها بالأمثلة ومقصودها ما ذكرته هنا فاقتصرت عليه والله أعلم.

فصل
اعلم أنه ينبغي لمن أراد شيئا من الطاعات وإن قل أن يحضر النية وهو أن يقصد بعمله رضا الله عز وجل وتكون نيته حال العمل ويدخل في هذا جميع العبادات من الصلاة والصوم والوضوء والتيمم والاعتكاف والحج والزكاة والصدقة وقضاء الحوائج وعيادة المريض واتباع الجنائز وابتداء السلام ورده وتشميت العاطس وإنكار المنكر والأمر بالمعروف وإجابة الدعوة وحضور مجالس العلم والأذكار وزيارة الأخيار والنفقة على الأهل والضيف وإكرام أهل الودوذوي الأرحام ومذاكرة العلم والمناظرة فيه وتكراره وتدريسه وتعليمه ومطالعته وكتابته وتصنيفه والفتاوي وكذلك ما أشبه هذه الأعمال حتى لا ينبغي له إذا أكل أو شرب أو نام يقصد بذلك التقوى على طاعة الله أو راحة البدن للتنشيط للطاعة وكذلك إذا أراد جماع زوجته يقصد إيصالها حقها وتحصيل ولد صالح يعبد الله تعالى واعفاف نفسه وصيانتها من التطلع إلى حرام والفكر فيه فمن حرم النية في هذه الأعمال فقد حرم خيرا عظيما كثيرا ومن وفق لها فقد أعطى فضلا جسيما فنسأل الله الكريم التوفيق لذلك وسائر وجوه الخير ودلائل هذه القاعدة ما قدمناه من قوله رسول صلى الله عليه وسلم )إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى( قال العلماء من أهل اللغة والأصول والفقه إنما للحصر تفيد تحصيل المذكور ونفي ما سواه وقد قدمنا هذا في أول الباب وقد قالوا أنه قيل لأبي يحيى حبيب بن أبي ثابت التابعي مفتي أهل الكوفة والمعول عليه عندهم رحمه الله حدثنا عن أشق شيء قال مجيء النية. وعن سفيان الثوري رحمه الله قال ما عالجت أشد علي من نيتي. وعن يزيد بن هارون رحمه الله ما عزت النية في الحديث إلا لشرفها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال إنما يحفظ الرجل على قدر نيته. وعن غيره إنما يعطي الناس قدر نياتهم. وعن لإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي بالاسناد الصحيح أنه قال وددت أن الخلق تعلموا هذا على أن لا ينسب إلى حرف منه وقال الشافعي أيضا ما ناظرت أحدا قط على الغلبة ووددت إذا ناظرت أحدا أن يظهر الحق على يديه. وقال أيضا ما كلمت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعاون ويكون عليه رعاية من الله تعالى وحفظ. وقال الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أريدوا بعلمكم الله تعالى فإني لم أجلس في مجلس قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم ولم أجلس مجلسا قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح.
فصلوقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )إن اللّهَ تعالى كتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئات، فمَن همَّ بِحَسنةٍ فلم يعمَلها كتَبها اللّهُ عندَه حسَنةً وإن همَّ بها فعَملَها كتَبها اللّهُ عشرَ حسَناتٍ إلى سَبعِمائةٍ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ(.
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الجيش الذين يقصدون الكعبة: )يُخسَفُ بأوَّلهم وآخرِهم، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها يا رسولَ اللّهِ كيفَ يخسفُ بأوَّلهم وآخرِهم وفيهم أشرافٌ، ومَن ليسَ منهم فقال يُخسفُ بأوَّلهم وآخرِهم ثم يُبعثُونَ على نيَّاتهم(.
وثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )لا هِجرة بعدَ الفَتح ولكن جِهادٌ ونيَّةٌ(.

قلت اختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء في معنى لا هجرة بعد الفتح فقيل معناه لا هجرة من مكة إذ صارت دار إسلام. وقيل لا هجرة بعد الفتح كاملة الفضل. وأما الهجرة من دار الكفار اليوم فواجبة وجوبا متأكدا على من قدر عليها إذا لم يقدر على إظهار دين الاسلام هناك فإن قدر استحب ولا يجب والله تعالى اعلم وروينا عن السيد الجليل أبي ميسرة عمر بن شرحبيل التابعي الكوفي الهمذاني باسكان الميم وبالدال المهملة رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا أخذ عطاءه تصدق منه فإذا جاء إلى أهله فعده وجدوه سواء فقال لابن أخيه ألا تفعلون مثل هذا فقالوا لو علمنا أنه لا ينقص لفعلنا قال أبو ميسرة إني لست أشرط هذا على ربي عز وجل . وقال أمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله خير الدنيا والآخرة في خمس خصال غنى النفس وكف الأذى وكسب الحلال ولباس التقوى والثقة بالله عز وجل على كل حال وروينا عن السيد الجليل حماد بن سلمة رحمه الله وكان يعد من الابدال قال من طلب الحديث لغير الله تعالى مكر به وقال أحمد بن أبي الحواري السيد الجليل في كتاب الزهد الذي صنفه وسترى ما أنقل من النفائس إن شاء الله تعالى ولم يحصل إلى الآن إسناده ولكن عندي منه نسخة جيدة محققة متقنة ذكر لي بعض أهل العلم والخبرة أنها بخط الدارقطني رحمه الله. قال أحمد حدثنا إسحاق بن خلف قال حدثنا حفص بن غياث قال كان عبد الرحمن بن الأسود رضي الله تعالى عنه لا يأكل الخبز إلا بنية قلت لاسحاق وأي شيء النية في أكل الخبز قال كان يأكل فإذا ثقل عن الصلاة خفف ليخف بها فإذا خفف ضعف فأكل ليقوى فكان أكله لها وتركه لها قلت معنى يخف أي ينشط وتسهل عليه ويلتذ بها. وأحمد بن الحواري يقال بفتح الراء وبكسرها والكسر أشهر والفتح سمعته مرات من شيخنا الحافظ أبي البقاء يحكيه عن أهل الإتقان وعن بعضهم والله تعالى أعلم.
وقال أحمد بن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يعني الداراني رحمه الله يقول عاملوا الله بقلوبكم معناه طهروا قلوبكم وصفوها وهذبوها ولا تخلوا شيئا من الأعمال الظاهرة. والداراني يقال بالقنون بعد الألف الثانية ويقال بهمزة بدل النون وهو ابلنون أشهر وأكثر استعمالا والهمز أقرب إلى الأصل وهو منسوب إلى دارنا القرية الكبيرة النفيسة بجانب دمشق وكان أبو سليمان من كبار العارفين وأصحاب الكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة والحكم المتظاهرة واسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية وسيمر بك إن شاء الله تعالى جمل ما أنقله عنه من النفائس وهو أحد متأخري بلادنا دمشق وما حولها رضي الله تعالى عنه قال ما أدرك ما عندك من أدرك بكثرة صلاة ولا صوم ولكن بسخاء النفس وسلامة الصدر والنصح للأمة وقال أمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه من أراد أن يقضي الله تعالى له بالخير فليحسن الظن بالناس. أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء بقراءتي عليه قال أخبرنا الحافظ عبد الغني إجازة أخبرنا أبو طاهر السلفي أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الدوني قال سمعت أبا الحسن علي بن محمد الأسد أبادي أخبرنا علي بن الحسين بن علي أخبرنا أبو منصور يحيى بن أحمد المروزي قال سمعت أبا العباس أحمد بن منصور قال سمعت أبا طاهر محمد بن الحسين بن ميمون يقول سمعت أبا موسى هارون بن موسى يقول قال أبو حاتم محمد بن إدريس سمعت أبا قبيصة يقول رأيت سفيان الثوري في المنام فقال ما فعل الله تعالى بك فقال:
نظرت إلى ربي كفاحا فقال لي ... هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد
لقد كنت قواما إذا أظلم الدجا ... بعبرة مشتاق وقلب عميد
فدونك فاختر أي قصر أردته ... وزرني فإني منك غير بعيد

قلت السلفي بكسر السين المهملة وفتح اللام منسوب إلى جده يقال له سلفة كان هذا الجد مشقوق الشفة فقلب بالفارسية سيه لفة بكسر السين وفتح اللام أي ذو ثلاث شفاه ثم عربت فقيل سلفة وكان أبو طاهر السلفي أحد حفاظ عصره. وأما الدوني بضم الدال وإسكان الواو فمنسوب إلى الدون قرية بخراسان من أعمال الدينورو اما الأسدابادي فمنسوب إلى بني ثور بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وأما قوله نظرت إلى ربي كفاحا فهو بكسر الكاف ومعناه معاينة من غير حجاب ولا رسول وقوله إذا أظلم الدجا هو الظلام وقوله عميد أي محب صادف الحب لله. قال أهل اللغة العميد القلب الذي هزه العشق.
أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء رحمه الله أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن معالي أخبرنا القاضي أبو بكر الخطيب أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس أخبرنا محمد بن أحمد الوراق قال سمعت عبد الله بن سهل الرازي يقول سمعت يحيى بن معاذ الرازي رضي الله تعالى عنه يقول كم من مستغفر ممقوت وساكت مرحوم هذا استغفر الله وقلبه فاجر وهذا ساكت وقلبه ذاكر. وبالاسناد إلى الخطيب قال حدثنا أبو الحسن الواعظ قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن عطاء الروزبادي رحمه الله يقول من خرج إلى العلم يريد العلم به نفعه قليل العلم. وبهذا الاسناد قال أبو عبد الله بن عطاء العلم موقوف على العمل به قلت يعني العلم النافع المطلوب كما قال أمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه ليس العلم ما حفظ. العلم ما نفع. وأخبرنا شيخنا أبو البقاء أخبرنا أبو محمد أخبرنا أبو بكر أخبرنا الخطيب أخبرنا علي بن محمود الصوفي أخبرنا عبد الوهاب بن الحسن الكلابي حدثنا سعيد بن عبد العزيز الحلبي قال سمعت قاسما الجوعي رضي الله تعالى عنه يقول الدين الورع فأفضل العبادة مكابدة الليل وأفضل طريق الجنة سلامة الصدر قلت الجوعي بضم الجيم وإسكان الواو. وقال الإمام الحافظ أبو سعيد السمعاني في كتاب الانساب قاسم الجوعي هذا له كرامات منسوب إلى الجوع. قال ولعله كان يبقى جائعا كثيرا وأخبرنا شيخنا أبو البقاء أخبرنا أبو محمد أخبرنا أبو بكر أخبرنا الخطيب أخبرنا أحمد بن الحسن بن السماك قال سمعت أبا بكر الدقي قال سمعت أبا بكر الزقاق رضي الله تعالى عنه يقول بني أمرنا هذا على أربع لا نأكل إلا على فاقة ولا ننام إلا عن غلبة ولا نسكت إلا عن خيفة ولا نتكلم إلا عن وجد قلت الدقي بضم الدال وإسكان القاف المشددة وهو من كبار الصوفية وأهل المعارف والكرامات توفي سنة ستين وثلاثمائة وأما الزقاق فبفتح الزاي وتشديد القاف قال السمعاني هو نسبة إلى الزق وعمله وبيعه كان أبو بكر الزقاق هذا من كبار الصوفية أصحاب الكرامات الظاهرات والمعارف والمتظاهرات وبهذا الاسناد إلى الزقاق قال كل أحد ينسب إلى نسب إلا الفقراء فإنهم ينسبون إلى الله عز وجل وكل حسب ونسب ينقطع إلا حسبهم فإن نسبهم الصدق وحسبهم الفقر. وبلغنا عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فيما رواه البيهقي رحمه الله بإسناده عن يونس بن عبد الله وقيل بن عبد الأعلى قال قال الشافعي رضي الله تعالى عنه يا أبا موسى لو اجتهدت كل الجهد على أن ترضى الناس كلهم فلا سبيل إليه فإن كان كذلك فأخلص عملك ونيتك لله عز وجل.
وأخبرنا شيخنا أبو البقاء أخبرنا أبو محمد أخبرنا أبو بكر أخبرنا الخطيب أخبرنا أحمد بن الحسين الواعظ قال سمعت أبا بكر الطرسوسي يقول سمعت أبا بكر بن شيبان يقول سمعت أبا عبد الله المغربي يقول صوفي بلا صدق الروزجار أحسن منه قلت هو براء مضمومة ثم واو ساكنة ثم زاي ثم جيم ثم ألف ثم راء وهو الذي يعمل في الطين بالمجرفة ونحوها.

وروينا بأسانيد متعددة عن مقاتل بن صالح الخراساني قال دخلت على حماد بن سلمة رضي الله تعالى عنه فإذا ليس في البيت بيته إلا حصير وهو جالس عليه ومصحف يقرأ فيه وجراب فيه علمه ومطهرة يتوضأ فيها فبينا أنا عنده إذ دق داق الباب فقال يا صبية أخرجي أنظري من هذا قالت هذا رسول محمد بن سليمان قال قولي له يدخل وحده فدخل وسلم وناوله كتابا فقال اقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة أما بعد فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته وقعت مسألة فانا نسألك فيها فقال يا صبية هلمي بالدواة ثم قال اكتب في ظهر الكتاب.
اما بعد: فأنت صبحك بما صبح به أولياءه وأهل طاعته أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحدا فإن وقعت مسألة فائتنا فتسألنا عما بدا لك وأن أتيتني فلا تأتني إلا وحدك ولا تأتني بخيلك ورجلك فلا أنصحك ولا أنصح نفسي والسلام. فبينا أنا عنده جالس إذ دق داق الباب فقال يا صبية أخرجي انظري من هذا فقال محمد بن سليمان قال قولي له يدخل وحده فسلم ثم جلس بين يديه فقال مالي إذا نظرت إليك امتلأت رعبا فقال حماد سمعت ثابتا يعني البناني يقول سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول العالم إذا أراد بعلمه وجه الله تعالى هابه كل شيء وإذا أراد يكثر به الكنوز هاب من كل شيء فقال ما تقول يرحمك الله في رجل له ابنان وهو عن أحدهما أرضى فأراد أن يجعل له في حياته ثلثي ماله فقال لا ويرحمك الله فإني سمعت ثابتا البناني يقول أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل إذا أراد أن يعذب عبدا بماله وفقه عند موته لوصية جائرة. قال فحاجة قال هات ما لم تكن رزية في دين الله قال أربعين ألف درهم تستعين بها على ما أنت عليه قال أرددها على من ظلمته بها قال والله ما أعطيتك إلا ما ورثته قال لا حاجة لي فيها قال اروها عني روى الله عنك أوزارك قال فغير هذا قال هات ما لم يكن رزية في دين الله قال تأخذها فتقسمها قال فلعلي إن عدلت في قسمتها أن يقول بعض من لم يرزق منها أنه لم يعدل في قسمتها فيأثم اروها عني روى الله عنك أوزارك قلت ما أحسن هذه الحكاية وما أحسن فوائدها وما جمعت من النفائس والتنبيه على قواعد مهمة وهي بارزة لا تحتاج إلى التنصيص عليها ولكن فيها أحرف من اللغة نضبطها وإن كانت معروفة صيانة لها. فقوله ومصحف يقرأ فيه يقال مصحف بضم الميم وكسرها وفتحها ثلاث لغات الضم أفصح وقد أوضحتها وبينت أصولها واشتقاقها في كتاب تهذيب الأسماء واللغات. وقوله جراب هو بكسر الجيم وفتحها لغتان والكسر أجود. وقوله مطهرة هي بكسر الميم وفتحها لغتان وهي كالإبريق والركوة وغيرهما مما يتطهر به. وقوله هلمي بمعنى اعطيني وهذه إحدى اللغتين والأخرى هلم للرجل والمرأة والمثنى والمجموع وهي أفصح وبها جاء القرآن قال الله عز وجل (هلم شهداءكم) و (هلم الينا) وقوله هات هو بكسر التاء بلا خلاف. أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء بقراءتي عليه أخبرنا الحافظ عبد الغني اجازة أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخطيب أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران أخبرنا الحسين بن صفوان حدثنا عبد الله بن محمد حدثني أبو عبد الله التميمي عن أبيه قال رأيت حماد بن سلمة في النوم فقلت ما فعل بك ربك قال خيرا قلت ماذا قال قال لي طالما كدت نفسك فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعوبين من أجلي بخ بخ ماذا أعددت لهم.

باب في نفائس مأثورة
روينا في صحيح البخاري رحمه الله قال قال عمار رضي الله عنه في هذه الكلمات ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الانصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والانفاق في الاقتار.

قلت قد جمع رضي الله عنه في هذه الكلمات خيرات الآخرة والدنيا وعلى هذه مدار الاسلام لأن من أنصف من نفسه فيما الله تعالى وللخلق عليه ولنفسه من نصيحتها أو صيانتها فقد بلغ الغاية في الطاعة وقوله بذل السلام للعالم هو بفتح اللام يعني الناس والتكبر عليهم الارتفاع فوقهم يعني للناس كلهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم )وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف( وهذه من أعظم مكارم الأخلاق. وهو متضمن للسلامة من العداوات والأحقاد واحتقار الناس والتكبر عليهم والارتفاع فوقهم وأما الانفاق من الاقتار فهو الغاية في الكرم وقد مدح الله سبحانه وتعالى على ذلك فقال تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. وهذا عام في نفقة الرجل على عياله وضيفه والسائل منه وكل نفقة في طاعة الله عز وجل. وهو متضمن للتوكل على الله تعالى والاعتماد على سعة فضله والثقة بضمان الرزق. ويتضمن أيضا الزهد في الدنيا وعدم إدخار متاعها وترك الاهتمام بشأنها والتفاخر والتكاثر بها ويتضمن غير ما ذكرته من الخيرات لكني أؤثر في هذا الكتاب الاختصار البليغ خوفا من الملل. وقد روينا هذه الكلمات في شرح السنة للبغوي عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
روينا في صحيح مسلم رحمه الله قال حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا عبد الله بن أبي يحيى بن أبي كثير قال سمعت أبي يقول لا يستطاع العلم براحة الجسم.
وروينا في صحيح البخاري رضي الله تعالى عنه قال قال ربيعة يعني شيخ مالك بن أنس الإمام رضي الله تعالى عنهما لا ينبغي لمن عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه قلت في معنى كلام ربيعة قولان أوضحتهما في شرح صحيح البخاري واختصرتهما هنا أحدهما معناه من كانت فيه نجابة في العلم وحصل طرفا منه وظهرت فيه أمارات التبريز فيه فينبغي له أن أن يجتهد في تتمته ولا يضيع طلبه فيضع نفسه والثاني معناه من حصل له العلم ينبغي له أن يسعى في نشره مبتغيا به رضا الله تعالى ويشيعه في الناس لينتقل عنه وينتفع به الناس وينتفع هو وينبغي أن يرفق في نشره بمن يأخذه منه ويسهل طرق أخذ ليكون أبلغ في نصيحة العلم فإن الدين النصيحة.
وقد اختلف أصحاب الشافعي رحمه الله وإياهم فيمن كان بالصفة المذكورة في الأول هل يتعين عليه تتميم الطلب ويحرم الترك أم يبقى في حقه فرض كما كان فلا يحرم عليه الترك إذا قام به غيره وهذا الثاني هو قول أكثرهم وهو الصحيح المختار والله أعلم.
وروينا عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال من رق وجهه رق علمه. ومعناه من استحيا في طلب العلم كان علمه رقيقا أي قليلا.
وروينا في صحيح البخاري رضي الله تعالى عنه قال قال مجاهد رحمه الله لا يتعلم العلم مستحي ولا متكبر.
وروينا في صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
وروينا في صحيح البخاري قال قال عمر رضي الله تعالى عنه تفقهوا قبل أن تسودوا ومعناه أحرصوا على إتقان العلم والتمكن في تحصيله وأنتم شبان لا أشغال لكم ولا رئاسة ولا سن فإنكم إذا كبرتم وصرتم سادة متبوعين امتنعتم من التفقه والتحصيل وهذا نحو ما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه تفقه قبل أن ترأس فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه. أخبرنا شيخنا أبو البقاء أخبرنا أبو محمد أخبرنا أبو بكر أخبرنا الخطيب أخبرنا أبو محمد الأصبهاني حدثنا جعفر الخالدي قال سمعت الجنيد رحمه الله يقول ما أحب أن أموت حيث أعرف أخاف أن لا تقبلني الأرض وافتضح بهذا الاسناد قال الجنيد سمعت سريا يقول إني لأنتظر إلى أنفي كل يوم مرتين مخافة أن يكون قد اسود وجهي.

وبهذا الإسناد إلى الخطيب قال حدثنا علي بن القاسم قال سمعت الحسين بن أرجك يقول من خير المواهب العقل ومن شر المصائب الجهل. وبالإسناد إلى الخطيب قال أخبرنا عبد العزيز حدثنا محمد قال سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله تلميذ بشر بن الحارث قال سمعت ابن الحارث رضي الله عنه يقول كانوا لا يأكلون تلذذا ولا يلبسون تنعما قال وهذا طريق الآخرة والأنبياء والصالحين ومن بعدهم فمن زعم أن الأمر في غير هذا فهو مفتون. وبالإسناد إلى الخطيب قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد النيسابوري حدثنا محمد بن عبد الله بن بهلول الفقيه حدثنا أحمد بن علي بن أبي حمير قال سمعت سهل بن عبد الله رحمه الله يقول حرام على قلب أن يشم رائحة اليقين وفيه سكون إلى غير الله تعالى وحرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكرهه الله تعالى. وبالإسناد إلى الخطيب قال أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد الأهوازي حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار حدثنا موسى بن هارون حدثنا محمد يعني ابن نعيم بن هصيم قال سمعت بشر هو ابن الحارث رحمه الله يقول: أوحى الله تعالى إلى داود صلى الله عليه وسلم يا داود لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا فيصدك بسكره عن طريق محبتي أولئك قطاع طريق عبادي نسأل الله العافية أخبرنا شيوخنا الثلاثة الأئمة القاضي الإمام بقية المشايخ أبو الفضل عبد الكريم بن القاضي أبي القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري والإمام الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف والشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن عبد المحسن بن محمد بن منصور الأنصاري الدمشقيون قال أخبرنا الشيخ الإمام أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري أخبرنا أبو إسحاق بن عمر بن أحمد البرمكي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن ناشي أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكحي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال لا يعلم الناس عون الله بالضعيف ما عالوا بالظهر. وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه. عليك بالزهد فالزهد على الزاهد أحسن من الحلى على الناهد. وقال الربيع رحمه الله تعالى قال لي الشافعي رضي الله عنه يا ربيع فيما لا يعنيك فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها.

وقال المزني رحمه الله سمعت الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول ليس لأحد إلا له محب ومبغض فإذا لا بد من ذلك فليكن المرء مع أهل طاعة الله عز وجل. وروينا عن الحسن بن عمران بن عيينة أن سفيان بن عيينة رضي الله تعالى عنه قال له بالمزدلفة في آخر حجة حجها قد وافيت هذا الموضع سبعين مرة أقول في كل مرة اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان وقد استحييت من الله عز وجل من كثرة ما أسأله فرجع فتوفي في السنة الداخلة. أخبرنا الشيخ الأمين السيد أبو الفضل محمد بن محمد بن محمد بن التيمي البكري بقراءتي عليه بكلاسة جامع دمشق. قال أخبرنا الشيخ أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد قال أخبرنا الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي قال سمعت عبد الدائم بن الحسن الهلالي يقول سمعت عبد الوهاب بن الحسن الكلابي يقول سمعت محمد بن خريم العقيلي يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول تمنيت أن أرى أبا سليمان الداراني رحمه الله في المنام فرأيته بعد سنة فقلت يا معلم ما فعل الله بك فقال يا محمد جئت من باب الصغير فلقيت وسق شيخ فأخذت منه عودا ما أدري تخللت به أو رميت به فأنا في حسابه منذ سنة إلى هذه الليلة قلت ما أبلغ هذه الحكاية في الحث على الورع والتحذير من التساهل في محقرات المظالم، والوسق بفتح الواو وبكسرها لغتان وهو الحمل، ومعمر المذكور بضم الميم الأول وفتح الثانية وتشديدها، وخريم بضم الخاء وبالراء، والعقيلي بضم العين.أخبرنا شيخنا الإمام الصالح الحافظ المتقن أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى بن يوسف المرادي بقراءتي عليه قال أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن بن هبة الله الحميري أخبرنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن زنجويه أخبرنا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري قال سمعت أبا أحمد الغطريفي يقول سمعت أبا العباس محمد بن إسحاق السراج يقول سمعت عبد الله بن محمد الوراق يقول مروا بمعروف أيام الفتنة يتقاتلون وهو يقول لهم مروا أصحبكم الله مروا بارك الله فيكم فقيل له إنهم يخرجون عن القتال فقال إن أصحبهم الله لم يقاتلوا.
أخبرنا شيخنا أبو إسحاق بهذا الاسناد إلى السراج قال سمعت ابن أبي الدنيا يقول جلس إلى معروف فاغتاب رجل منهم رجلا فقال يا هذا اذكر يوم يوضع القطن على عينيك، وبهذا الإسناد قال السراج سمعت يحيى بن أبي طالب يقول سمعت يعقوب بن أخي معروف يقول سمعت عمي يقول كلاما فيما لا يعنيه خذلان من الله تعالى. وبهذا الاسناد قال السراج سمعت علي بن الموفق يقول كان من دعاء معروف يا مالك يا قدير يا من ليس له نظير. وبهذا الإسناد إلى الغطريفي بن أدهم بالشام فقلت ما أقدمك ها هنا فقال أما إني لم أقدمها لجهاد ولا لرباط ولكن قدمتها لأشبع من خبز حلال. وروينا عن الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي قال ربعي بن خراش تابعي ثقة لم يكذب قط كان له ابنان عاصيان زمن الحجاج فقيل للحجاج إن أباهما لم يكذب قط لو أرسلت إليه فسألته عنهما فأرسل إليه فقال أين ابناك فقال هما في البيت فقال قد عفونا عنهما بصدقك وقال الحارث الغزي آلى ربيع بن خراش أن لا يصير ضاحكا حتى يعلم أين مصيره فما ضحك إلا بعد موته وآلى أخوه ربعي بعده أن لا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أو في النار. قال الحارث ولقد أخبرني غاسله أنه لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا من غسله.

وروينا عن أحمد بن عبد الله قال اجتمع قراء أهل الكوفة في منزل الحكم بن عتيبة فأجمعوا على أن أقرأ أهل الكوفة طلحة بن مصرف فبلغه ذلك فقعد إلى الأعمش يقرأ عليه ليذهب لذلك الاسم عنه. قلت عتيبة بتاء مثناة من فوق ثم ياء مثناة من تحت ثم باء موحدة ومصرف بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الراء المشددة على المشهور. وقيل بفتح الراء. وعن الإمام الشافعي رحمه الله قال قيل لأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه يا أبا المنذر عظني قال وأخي الاخوان على قدر تقواهم ولا تجعل لسانك بدأت لمن لا يرغب فيه ولا تغبط الحي إلا بما تغبط به الميت. وعن الشافعي رحمه الله قال قال فضيل بن عياض رضي الله تعالى عنه كم ممن يطوف بهذا البيت وآخر بعيد منه وأعظم أجرا منه. وعن الشافعي عن فضيل قال قال داود النبي صلى الله عليه وسلم إلهي كن لابني كما كنت لي فأوحى الله تعالى إليه يا داود قل لابنك يكن لي كما كنت لي أكون له كما كنت لك. وعن الشافعي رحمه الله قال قال هشام بن عبد الملك ارفع حاجتك إلي فقال قد رفعتها إلى الجواد الكريم. وروينا في رسالة القشيري رحمه الله في باب كرامات الأولياء قال كان لجعفر الخلدي فص فوقع يوما في دجلة وكان عنده دعاء مجرب للضالة ترد فدعا به فوجد الفص في وسط أوراق كان يتصفحها. قال القشيري سمعت أبا حاتم السجستاني يقول سمعت أبا نصر السراج يقول إن ذلك الدعاء يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع على ضالتي. قلت وقد جربت هذا الدعاء فوجدته نافعا سببا لوجود الضالة على قرب غالبا وأنه لم ينخرم. وسمعت شيخنا أبا البقاء يقول نحو ذلك وهو علمنيه أولا قول فص هو بفتح الفاء وكسرها لغتان الفتح أجود. وأما جعفر الخلدي هو بضم الخاء المعجمة وإسكان اللام قال الحافظ الإمام أبو سعيد السمعاني في الأنساب الخلد محلة ببغداد ينسب إليها صبيح الراوي عن عثمان بن عفان وعائشة رضي الله تعالى عنهما. قال وأما جعفر بن محمد بن نصر الخلدي الخواص أبو محمد أحد مشايخ الصوفية له كرامات ظاهرة وإنما قيل له الخلدي لأنه كان يوما عند الجنيد فسأل يوما على مسألة فقال الجنيد أجبهم فأجابهم فقال له الجنيد من أين لك هذه الأجوبة فقال من خلدي فبقي عليه هذا الاسم حتى توفي سنة ثمان وأربعين وثلثمائة روى عنه الدارقطني وأبو حفص بن شاهين وغيرهما وكان ثقة روى عن الحارث بن أبي أسامة وغيره وقال أحمد بن أبي الحواري في كتاب الزهد سمعت بعض أصحابنا أظنه أبا سليمان يعني الداراني رضي الله عنه قال لإبليس شيطان يقال له متقاض ابن آدم عشرين سنة ليخبر بعمله الذي يعمله سرا فيظهر له ليزيح عنه ما بين السر والعلانية وروينا عن إبراهيم بن سعيد قال قلت لأبي سعد بن إبراهيم بم فاقكم الزهري قال كان يأتي المجالس من صدورها ولا يأتيها من خلفها ولا يبقى في المجلس شاب إلا سائله ولا كهل إلا سائله ولا عجوز ولا فتى إلا سائله ثم يأتي الدار من دور الأنصار فلا يبقي فيها شاب إلى سائله ولا كهل إلا سائله ولا عجوز إلا سائلها ولا كهلة إلا سائلها حتى يحاور أرباب الحجول. ومن أحسن ما يتأدب به في ترك الاعتناء بحسن اللباس والمأكل والمشرب ونحوها ما روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بإسنادنا إلى أبي عوانة الاسرايني قال حدثنا أبو حبيب المصيصي حدثنا حجاج قال سمعت شعبة يحدث عن قتادة قال سمعت أبا عثمان النهدي رحمه الله قال أتانا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد.

أما بعد فاتزروا وارتدوا وانتعلوا وارموا بالخفاف والقوا السراويلات وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل صلى الله عليه وسلم وإياكم والتنعم وزي العجم وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب وتمعدوا وأخشوشنوا واخلولقوا واقطعوا الركب وارموا الأغراض. قوله اخلولقوا لم أقف على ضبطه ولعلها بالخاء المعجمة من قول العرب اخلولق السحاب إذا استوى واخلولق الرسم إذا استوى بالأرض. أما ضبط ألفاظه فالمصيصي بكسر الميم والصاد المشددة ويقال بفتح الميم وتخفيف الصاد والأول أشهر وأرجح نسبة إلى المصيصة البلدة المعروفة بناحية طرسوس ببلاد الأرمن وأبو عثمان النهدي بفتح النون وإسكان الهاء منسوب إلى جد له من أجداده والأول اسمه نهد بن زيد بن ليث. واسم أبي عثمان عبد الرحمن بم مل بفتح الميم وضمها وكسرها واللام مشددة فيها. ويقال ملء بكسر الميم وإسكان اللام وبعدها همزة وهو من كبار التابعين المخضرمين وأحدهم مخضرم بفتح الراء وهو من أدرك الجاهلية. والإسلام وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره صلى الله عليه وسلم وقد بينت هذا القدر من حالة في الإرشاد في علوم الحديث الذي اختصرته من كتاب الشيخ أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى. وكان أبو عثمان رحمه الله عظيم القدر كبير الشأن قال بلغت نحوا من ثلاثين ومائة سنة وما من شيء إلا وقد أنكرته إلا أملي فإني أجده كما هو. ولما قتل الحسين رضي الله تعالى عنه تحول من الكوفة إلى البصرة وقال لا أسكن بلدا قتل فيه ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات سنة خمس وتسعين من الهجرة وقيل سنة مائة رحمه الله بأذربيجان. هو إقليم معروف. وفي ضبطه وجهان مشهوران أحدهما بإسكان الذال المعجمة من غير مد وفتح الراء وبعدها باء موحدة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم جيم والثاني بمده في أوله وفتح الذال وإسكان الراء وقوله وزي العجم هو بكسر الزاي وقوله وتمعدوا أي تخلقوا بعادة أبيكم معد بن عدنان في خشونة العيش. واختلف النحويون في ميم معد هل هي أصلية أم زائدة فقال سيبويه أصلية وغيره يقول زائدة وقوله أرموا الأغراض أي ارموا بالقسي وقوله وتروا معناه إذا ركبتم الخيل فبتوا من الأرض ولا ترتفعوا على حدر ونحوه ولا تركبوا بالركب المعتادة للعجم في سروجهم.
أخبرنا الشيخ الفقيه المسند أبو محمد عبد الرحمن بن سالم بن يحيى الأنباري قال أخبرنا الحافظ عبد القادر الزهاوي قال حدثنا القاضي أبو سليمان داود بن محمد بن الحسين الخالدي قال أخبرنا عمر بن محمد بن أحمد النسفي أخبرنا الحسن بن عبد الملك أخبرنا الحسين بن محمد بن نعيم أخبرنا عبد الله بن محمد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عيسى بن حميد الراسي أبو همام حدثنا أبو حفص النضر عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه أتى رجلا يسأله عن ستر المؤمن فقلت لست أنا ذاك ولكن ذاك رجل يقال له شهاب فسار جابر فأتى عاملها يعني عامل البلدة الوالي رجلا يقال له مسلمة فأتى الباب فقال للبواب قل للأمير ينزل إلي فدخل البواب وهو مبتسم فقال له الأمير ما شأنك قال رجل على بعير قال قل للأمير ينزل إلي فقال ألا سألته من هو فرجع فسأله فقال أنا جابر بن عبد الله الأنصاري فرجع إلى الأمير وأخبره فوثب عن مجلسه فأشرف عليه وقال اصعد فقال جابر ما أريد أن أصعد ولكن حدثني أين منزل شهاب قال اصعد فأرسل إليه فيقضي حاجتك فقال لا أريد أن يأتيه رسولك فإن رسول الأمير إذا جاء رجلا راعه ذاك وأنا أكره أن يروع رجل من المسلمين بسببي فنزل الأمير يمشي معه حتى أتى شهابا فأشرف عليهم شهاب فقال إما أن تصعدوا وإما أن أنزل إليكم قال جابر ما أريد أن تنزل إلينا وما نريد أن نصعد إليك ولكن حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ستر على أخيه المؤمن فكأنما أحياه. ومما أنشدوا في اكرام من له نسبة إلى المحبوب قول بعضهم:
الا حي الديار بسعد اني ... أحب لحب فاطمة الديارا
سعد بضم السين المهملة وإسكان العين اسم موضع بنخل قال أبو بكر الهمذاني في كتاب الاشتقاق أصله سعد يضم مخفف بإسكانها وهو جمع سعيد كرغيف ورغف وإنما لم يصرفه الشاعر وإن كان مذكورا لأنه جعله اسما لأرض بعينها ويشبه هذا قول الآخر:

أحب الأيامي إذ بثينة أيم ... وأحببت لما ان عنيت الغواني
الأيامي النسوة التي لا أزواج لهن والغواني المزوجات وقوله عنيت هو بكسر التاء أي تزوجت وهذا الضرب من بديع الكلام أن يرجع من الغيبة إلى المخاطبة فقال بثينة ثم قال عنيت وله نظائر كثيرة في القرآن العزيز منها قوله تعالى (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك) وقوله (والحمد لله رب العالمين) إلى قوله (إياك نعبد) وهو جاء عكسه وهو الرجوع من الخطاب إلى الغيبة فمن ذلك قوله تعالى (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم). أخبرنا الأنباري عبد الحافظ أخبرنا عبد القادر الرهاوي أخبرنا عبد الرحيم بن علي الشاهد أخبرنا محمد بن طاهر المقدسي الحافظ أخبرنا أبو الفتح المفيد أخبرنا أبو الحسن بن علي بن محمد بن طلحة حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال سمعت أبا يحيى زكريا بن يحيى الساجي رحمه الله قال كنا نمشي في أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين فأسرعت المشي وكان مع رجل منهم ماجن في دينه فقال ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ فما زال في موضعه حتى جفت رجلاه وسقط. وقال الحافظ عبد الحافظ إسناد هذه الحكاية كالوجد أو كرأي العين لأن رواتها أعلام أئمة.
وبالاسناد إلى المقدسي قال أخبرنا أبو الحسين يحيى بن الحسين العلوي أخبرنا ابن الحسين الضبعي: قال سمعت عبد الله بن محمد بن محمد العكبري يقول سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب المتوثي يقول سمعت أبا داود السجستاني يقول كان في أصحاب الحديث رجل خليع إلى أن سمع بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع فجعل في عقبيه مسامير حديد وقال أريد أن أطأ أجنحة الملائكة فأصابه أكلة في رجليه. قلت المتوثي بميم مفتوحة ثم تاء مثناة من فوق مشددة مضمومة وواو ساكنة ثم ثاء مثلثة ثم ياء النسب.
وذكر الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي رحمه الله في كتابه شرح صحيح مسلم هذه الحكاية فيها وشلت رجلاه ويداه وسائر أعضائه. قال وقرأت في بعض الحكايات أن بعض المبتدعة حين سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم )إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإِناء حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده(. قال ذلك المبتدع على سبيل التهكم أنا أدري أين باتت يدي في الفراش فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه. قال التيمي فليتق المرء الاستحفاف بالسنن ومواضع التوقيف فانظر كيف وصل إليهما شؤم فعلهما. قلت ومعنى هذا الحديث ما قاله الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وغيره من العلماء رضي الله تعالى عنهم أن النائم تطوف يده في نومه على بدنه فلا يأمن أنها مرت على نجاسة من دم بثرة أو قملة أو برغوث أو على محل الاستنجاء وما أشبه ذلك والله أعلم.
قوله شلت يداه أي يبست وبطلت حركتها وهو بفتح الشين على اللغة الفصيحة وفيها لغة أخرى بضمها والله أعلم. قلت ومن هذا المعنى ما وجد في زمامنا هذا وتوارثت به الأخبار وثبتت عند القضاة أن رجلا بقرية ببلاد بصرى في أوائل سنة خمس وستين وستمائة كان شاب سيئ الاعتقاد في أهل الخير وله ابن يعتقد فيهم فجاء ابنه يوما من عند شيخ صالح ومعه مسواك فقال ما أعطاك شيخك؟ مستهزئا قال هذا المسواك فأخذه منه وأخله في دبره احتقارا له فبقي مدة ثم ولد ذلك الرجل الذي أدخل المسواك في دبره جروا قريب الشبه بالسمكة فقتله ثم مات الرجل في الحال أو بعد يومين عافانا الله الكريم من بلائه ووفقنا الله لتنزيه السنن وتعظيم شعائره.
أخبرنا الشيخ الفقيه المسدد أبو محمد عبد الرحمن بن سالم الأنباري رحمه الله أخبرنا القاضي الإمام أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري أخبرنا الإمام أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي الزاهد رضي الله تعالى عنه أخبرنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي فيما كتب إلي قال أخبرنا أحمد بن يعقوب الهروي قال حدثنا أبو عبد الله الروزبادي حدثنا عمر بن مخلد الصوفي قال قال ابن أبي الورد قال معروف الكرخي رضي الله تعالى عنه علامة مقت الله تعالى للعبد أن تراه مشتعلا بما لا يعنيه.

أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء رحمه الله أخبرنا أبو محمد أخبرنا القاضي أبو بكر أخبرنا الخطيب أخبرنا أبو سعيد يعني محمد بن موسى بن الفضل بن إبراهيم قال سمعت الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى يقول تسأله الجنة وتأتي ما يكره ما رأيت أحدا أقل نظرا منك لنفسك.
أخبرنا أبو البقاء حدثنا أبو محمد حدثنا أبو بكر الخطيب أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن السراج قال سمعت أبا بكر أحمد بن السائح قال سمعت القاسم بن محمد صاحب سهل يقول سمعت سهل بن عبد الله يقول ليس بين العبد وبين الله حجاب أغلظ من الدعوى ولا طريق إليه أقرب من الافتقار.
وروينا بأسانيد صحيحة عن أبي يحيى النكراوي قال ما رأيت أعبد لله من شعبة حتى جف جلده على عظمه ليس بينهما لحم وبلغنا عن الشافعي رحمه الله قال خير الدنيا والآخرة في خمس خصال غنى النفس وكف الأذى وكسب الحلال ولباس التقوى والثقة بالله عز وجل على كل حال.
وعن الشافعي رحمه الله تعالى قال من غلبت عليه شدة الشهوة لحب الدنيا لزمته العبودية لأهلها ومن رضي بالقنوع زال عنه الخضوع.
وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه من أحب أن يفتح الله قلبه ويرزقه العلم فعليه بالخلوة وقلة الأكل وترك مخالطة السفهاء وبعض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب. وقال الشافعي رضي الله تعالى أنفع الذخائر التقوى وأضرها العدوان. وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه ورحمه أفضل الأعمال ثلاثة ذكر الله تعالى ومواساة الأخوان وإنصاف الناس من نفسك: يعني هذه الثلاثة من أفضل الأعمال. وقال الشافعي رحمه الله لا يعرف الرياء إلا مخلص. يعني لا يتمكن في معرفة حقيقته والاطلاع على غوامض خفياته إلا من أراد الإخلاص فإنه يجتهد أزمانا في مطاولة البحث والفكر والتنقيب عنده حتى يعرفه أو يعرف بعضه ولا يحصل هذا لكل أحد وإنما يحصل هذا للخواص. وأما من يزعم من آحاد الناس أنه يعرف الرياء فهو جهل منه بحقيقته.
وسأذكر في هذا الكتاب بابا إن شاء الله تعالى ترى فيه من العجائب ما تقر به عينك إن شاء الله تعالى، ويكفي في شدة خفائه ما رويناه عن الأستاذ الإمام أبي القاسم القشيري رحمه الله في رسالته بإسنادنا المتقدم عنه قال سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت الحسن بن علوية يقول قال أبو يزيد رضي الله تعالى عنه كنت ثنتي عشرة سنة حداد نفسي وخمس سنين كنت مرآة قلبي وسنة أنظر فيما بينهما فإذا في وسطي زنار ظاهر فعملت في قطعه ثنتي عشرة سنة ثم نظرت فإذا في باطني زنار فعملت في قطعه خمس سنين أنظر كيف أقطع فكشف لي فنظرت إلى الخلق فرأيتهم موتى فكبرت عليهم أربع تكبيرات.
قلت يكفي في شدة خفاء الرياء اشتباهه هذا الاشتباه على هذا السيد الذي عز نظيره في هذا الطريق وأما قوله فرأيتهم موتى فهو في غاية من النفاسة والحسن قل إن يوجد في غير كلام النبي صلى الله عليه وسلم كلام يحصل معناه وأنا أشير إلى معناه بعبارة وجيزة فمعناه أنه لما جاهد هذه المجاهدة وتهذيب نفسه واستنار قلبه واستولى على نفسه وقهرها وملكها ملكا تاما وانقادت له انقيادا خالصا نظر إلى جميع المخلوقين فوجدهم موتى لا حكم لهم فلا يضرون وله ينفعون، ولا يعطون ولا يمنعون ولا يحيون ولا يميتون ولا يصلون ولا يقطعون ولا يقربون ولا يبعدون ولا يسعدون ولا يشقون ولا يرزقون ولا يحرمون ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، وهذه صفة الأموات أن يعاملوا معاملة الموتى في هذه الأمور المذكورة وأن لا يخافوا ولا يرجوا ولا يطمع فيما عندهم ولا يراؤوا ولا يداهنوا ولا يشتغل بهم ولا يحتقروا ولا ينتقصوا ولا تذكر عيوبهم ولا تتبع عثراتهم ولا ينقب عن زلاتهم ولا يحسدوا ولا يستكثر فيهم ما أعطاهم الله تعالى من نعمة ويرحموا ويعذروا فيما يأتونه من النقائص مع أنا نقيم الحدود عليهم ما جاء الشرع به من الحدود ولا يمنعنا إقامة الحد ما قدمناه ولا يمنعنا أيضا ما قدمناه من إقامة الحد أنا نحرص على ستر عوراتهم من غير تنقص لهم بها يفعل ذلك بالميت وإذا ذكرهم ذاكر بشين نهيناه عن الخوض في ذلك كما ننهاه عن ذلك في الميت ولا نفعل شيئا لهم ولا نتركه ولا نمتنع من القيام بشيء من طاعات الله بسببهم ولا نمتنع من ذلك بسبب الميت ولا نتكثر بمدحهم.

ولا نحبه ولا نكره سبهم إيانا ولا نقابله فالحاصل أنهم كالعدم في جميع ما ذكرناه فهم مدبرون تجري فيهم أحكام الله تعالى فمن عاملهم هذه المعاملة جمع خير الآخرة والدنيا نسأل الله الكريم التوفيق لذلك. فهذه الأحرف كافية في الاشارة إلى شرح كلامه رضي الله عنه والله أعلم.
وروينا بإسنادنا إلى القشيري رحمه الله قال سمعت الشيخ أبا عبدالرحمن يعني السلمي إما الصوفية في زمانه وبعده قال سمعت العباس البغدادي يقول سمعت جعفرا يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري رحمه الله يقول يا معشر الشباب جدوا قبل أن تبلغوا مبلغي فتضعفوا وتقصروا كما قصرت قال وكان في ذلك الوقت لا تلحقه الشباب إلى العبادة. وقال أحمد بن أبي الحواري في كتاب الزهد حدثنا سويد قال رأيت إبن أبي مرئد في السوق وفي يده عرق ورغيف وهو يأكل وكان طلب للقضاء ففعل ذلك حتى تخلص قلت العرق بفتح العين وإسكان الراء هو العظم عليه قليل لحم ومما يشبه هذا ما رواه الإمام البيهقي بإسناد عن الإمام الشافعي رحمه الله قال دخل سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه على أمير المؤمنين فجعل يتجانن عليهم ويمسح البساط ويقول ما أحسنه بكم أخذتم هذا قال البول البول حتى أخرج يعني حتى أخرج يريد أنه احتال ليتباعد عنهم. ويسم من أمرهم قال الشافعي رضي الله تعالى عنه مات ابن للحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما فلم ير عليه كآبة فعوتب في ذلك فقال أنا أهل بيت نسأل الله تعالى فيعطينا فإذا أراد ما نكره فيما يجب رضينا. وقال أحمد بن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يقول ما نحب من نحب إلا بطاعتهم لمؤدبهم وأنت تعصيني قد أمرتك أن تفتح أصابعك. وفي الترمذي ضمها. وعن سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه أنه نظر إلى ابنه فاقل إني لأعلم خلة فيك قال وما هي قال تموت فاحتسبه. وعن أبي الحسن المدائني قال قيل لأعرابية ما أحسن عزاك على ابنك فقالت أن فقد أبيه أنسى المصائب بعده. وقال موسى بن المهتدي لإبراهيم بن سلم وعزاه بابنه فقال أسرك وهو بلية وفتنة وحزنك وهو صلوات ورحمة. قال وكتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه بإبنه أما بعد فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة وإذا قدمه فصلاة ورحمة فلا تجزع على ما فاتك من حزنه وفتنته ولا تضيع ما عوضك الله تعالى من صلاته ورحمته. وقال أحمد بن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يقول أقمت عشرين سنة لم أحتلم فأحدثت بمكة حدثا فما أصبحت حتى احتلمت فقلت وأي شيء كان الحدث قال تركت صلاة العشاء الآخرة في المسجد الحرام في جماعة.
وروينا عن الإمام مالك رضي الله عنه تلقى الرجل وما يلحن حرفا وعمله لحن كله.
وروينا عن الإمام أبي بكر محمد بن يحيى بن عبدالله بن العباس بن محمد بن صول المصولي بضم الصاد المهملة وإسكان الواو قال بعض الزهاد أعربنا في كلامنا فما نلحن ولحنا في أعمالنا فما نعرب قال الشاعر:
لم نؤت من جهل ولكننا ... نستر وجه العلم بالجهل
نكره أن نلحن في قولنا ... وما نبالي اللحن في الفعل
وأخبرنا الشيخ أبو محمد اسماعيل بن أبي إسحاق إبراهيم بن أبي البشر شاكر أخبرنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد الاكفاني حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الحافظ أخبرنا عبيدالله بن عمر الواعظ حدثني عبدالله بن محمد بن نصر بن علي الجهضمي حدثني محمد بن خالد حدثنا علي بن نصر قال رأيت الخليل بن أحمد رحمة الله في النوم فقلت في منامي لا أرى أحدا أعقل من الخليل فقلت ما صنع الله بك قال رأيت ما كنا فيه فإنه لم يكن شيء أفضل من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وفي رواية قال علي بن نصر رأيت الخليل بن أحمد في المنام فقلت له ما فعل ربك بك قال غفر لي قلت بم نجوت قال بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.قلت كيف وجدت علمك أعني العروض والأدب والشعر قال وجدته هباء منثورا.
وبهذا الاسناد إلى أحمد بن علي بن ثابت قال أنشدنا أبو الحسن محمد بن المظفر أنشدنا أبو بكر أحمد بن سليمان النجار أنشدنا هلال بن العلاء لنفسه:
سيبلى لسان كان يعرف لفظه ... فيا ليته في وقفة العرض يسلم
وما ينفع الاعراب إن لم يكن تقي ... وما ضر ذا التقوى لسان معجم

باب في كرامات الأولياء ومواهبهم
قال الله تعالى: (ألاَ إنَّ أولياءَ اللّهِ خَوفُ عليهم وَلا هم يَحزَنونَ. الذينَ آمَنوا وكانُوا يتَّقونَ. لهمُ البُشَرى في الحَياةِ الدنُّيا وَفي الآخرَةِ لا تَبديل لِكلماتِ اللّهِ ذلكَ هَو الفَوزُ العظيم).
اعلم أن مذهب أهل الحق إثبات كرامات الأولياء وأنها واقعة موجودة مستمرة في الأعصار ويدل عليه دلائل العقول وصرائح النقول. أما دلائل العقل فهي أمر يمكن حدوثه ولا يؤدي وقوعه إلى رفع أصل من أصول الدين فيجب وصف الله تعالى بالقدرة عليه وما كان مقدورا كان جائز الوقوع. وأما النقول فآيات في القرآن العظيم وأحاديث مستفيضة. أما الآيات فقوله تعالى النقول فآيات في القرآن العظيم وأحاديث مستفيضة. أما الآيات فقوله تعالى في قصة مريم.
(وهزَّي إليكِ بجذعِ النَّخلةِ تُساقِط عليكِ رُطبَاً جنيًّا).
قال الإمام أبو المعالي رحمه الله تعالى إمام الحرمين ولم تكن مريم بنبية باجماع العلماء وكذا قاله غيره بل كانت ولية صديقة كما أخبر الله تعالى عنها.
وقوله تعالى: (كلَّما دخَلَ علَيها زكريَّا المِِحرابَ، وَجَدَ عِندها رزقاً، قالَ يا مريمُ أنَّى لكِ هذا قالت هوَ من عندِ اللّهِ).
ومن ذلك قصة صاحب سليمان عليه السلام حيث قال: (أنَا آتِيك بهِ قبلَ أن يَرتدَّ إليكَ طرفُك).
قال العلماء ولم يكن نبيا. ومن ذلك ما استدل به إمام الحرمين وغيره من قصة أم موسى. ومن ذلك ما استدل به أبو القاسم القشيري من قصة ذي القرنين. واستدل القشيري وغيره بقصة الخضر مع موسى عليه السلام قالوا ولم يكن نبيا بل وليا وهذا خلاف المختار والذي عليه الأكثرون أنه كان نبيا. وقبل كان نبيا رسولا وقيل كان وليا وقيل ملكا. وقد أوضحت الخلاف فيه وشرحته في تهذيب الأسماء واللغات وفي شرح المهذب. وفي ذلك قصة أهل الكهف وما اشتملت عليه من خوارق العادات. قال إمام الحرمين وغيره ولم يكونوا أنبياء بالإجماع.
وأما الأحاديث فكثيرة منها حديث أنس أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحدا حتى أتى أهله. أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة وفي علامات النبوة هذان الرجلان عباد بن البشر وأسيد بن حضير بضم أولهما وفتح ثانيهما. وحضير بضم الحاء المهملة وبالضاد المعجمة. ومنها حديث أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا إلى الغار فأطبقت صخرة عليهم بابه فدعا كل واحد منهم بدعوة فانفرجت عنهم الصخرة وهو مخرج في صحيحي البخاري ومسلم. ومنها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في قصة جريج أنه قال للصبي الرضيع من أبوك قال فلان الراعي وهو مخرج في الصحيح. ومنها حديث أبي هريرة قال: )قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر( وفي رواية )قد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء( رواه البخاري في صحيحه. ومنها الحديث المشهور في صحيح البخاري وغيره في قصة حبيب الأنصاري بضم الخاء المعجمة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقول ابنة الحارث فيه والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وأنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول أنه لرزق الله رزقه خبيبا. والأحاديث والآثار وأقوال السلف والخلف في هذا الباب أكثر من أن تحصر فيكتفي بما أشرنا إليه وسترى في هذا الباب جملا من ذلك وباقي الكتاب إن شاء الله تعالى.

قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين الذي صار إليه أهل الحق جوار انخراق العادة في حق الأولياء وأطبقت المعتزلة على إنكار ذلك ثم من أهل الحق من صار إلى أن الكرامة الخارقة للعادة شرطها أن تجري من غير إيثار واختيار من الولي وصار هؤلاء إلى أن الكرامة تفارق المعجزة من هذا الوجه. قال الإمام وهذا القول غير صحيح. وصار آخرون منهم إلى تجويز وقوع الكرامة على حكم الاختيار ولكنهم منعوا وقوعها على مقتضى الدعوى فقالوا إذا ادعى الولي الولاية واعتضد في إثبات دعواه بما يخرق العادة فكان ذلك ممتنعا. وهؤلاء فرقوا بين الكرامة المعجزة بهذا قال وهذه الطريقة غير مرضية أيضا قال ولا يمتنع عندنا ظهور خوارق العوائد مع الدعوى المفروضة. قال وصار بعض أصحابنا إلى أن ما وقع معجزة النبي لا يجوز تقدير وقوعه كرامة لولي فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر وينقلب العصا ثعبانا ويحيى الموتى إلى غير ذلك من آيات الأنبياء كرامة لولي. قال الإمام وهذه الطريقة غير سديدة أيضا قال والمرضى عندنا جواز خوارق العادات في معارض الكرامات الفرق بين المعجزة والكرامة فلا يفترقان في جواز العقل إلا بوقوع المعجزة على حسب دعوى النبوة ووقع دون ادعاء النبوة. قال الإمام وقد جرى من الآيات في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا ينكره منتم إلى الإسلام وذلك قبل النبوة والانبعاث. والمعجزة لا تسبق دعوى النبوة فكان كرامة قال فإن زعم متعسف أن الآيات التي استدللنا بها كانت معجزات لنبي كل عصر فذلك اقتحام منه للجهالات فإنا إذا بحثنا عن الأعصار الخالية لم نجد الآيات التي تمسكنا بها مقترنة بدعوى نبوة ولا وقعت عن تحدي متحد فإن قالوا وقعت للأنبياء دون عوامهم قلنا شرط المعجزة الدعوى فإذا فقدت كانت خارقة للعادة كرامة للأنبياء ونجعل ذلك غرضنا إلى إثبات الكرامات. ولم يكن وقت مولد نبينا محمد صلى الله وسلم نبي تستند آياته. قال الإمام فقد وضحت الكرامات جوازا ووقوعا سمعا وعقلا. قال الامام وغيره في الفرق بين السحر والكرامة أن السحر لا يظهر إلا على فاسق قال وليس ذلك من مقتضيات العقل ولكنه ملقى من إجماع الأمة. قال الامام ثم الكرامة وإن كانت لا تظهر على فاسق معلن بفسقه فلا تشهد بالولاية على القطع إذ لو شهدت بها لأمن صواحبها العواقب وذلك لم يجز لولي في كرامة باتفاق. هذا آخر كلام إمام الحرمين.
قال الامام الاستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله فيما رويناه في رسالته ظهور الكرامات علامة صدق من ظهرت عليه في أحواله فمن لم يكن صادقا فظهور مثله عليه لا يجوز قال ولا بد من أن تكون الكرامة فعلا ناقضا للعادة في أيام التكليف ظاهرا على موصوف بالولاية في معنى تصديقه في حاله قال وتكلم أهل الحق في الفرق بين الكرامة والمعجزة فكان الإمام أبو إسحاق الاسفرايني رحمه الله يقول المعجزات دلالات صدق الأنبياء ودليل النبوة لا يوجد مع غير النبي. وكان يقول الأولياء لهم كرامات منها إجابة سنة الدعاء فأما جنس ما هو معجزة للأنبياء فلا. وقال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى المعجزات دلالات الصدق فإن ادعى صاحبها النبوة دلت على صدقه وإن أشار صاحبها إلى الولاية دلت على صدقه في حالته فتسمى كرامة ولا تسمى معجزة وإن كانت من جنس المعجزات للفرق وكان رحمه الله يقول من الفرق بين المعجزات والكرامات أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مأمورن بإظهارها والولي يجب عليه سترها وإخفاؤها والنبي يدعي ويقطع القول به والولي لا يدعيها ولا يقطع بكرامته لجواز أن يكون ذلك فكرا وقال أوحد وقته في فنه القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله تعالى عنه المعجزات تختص بالأنبياء والكرامات تظهر للأولياء ولا يكون للأولياء معجزة لأن من شرط المعجزة إقتران دعوى النبوة بها والمعجزة لم تكن معجزة لعينها وإنما كانت. معجزة لحصولها على أوصاف كثيرة فمتى اختل شرط من تلك الشرائط لا تكون معجزة واحد تلك الشرائط دعوى النبوة والولي لا يدعي النبوة فالذي يظهر لا يكون معجزة واحد تلك الشرائط دعوى النبوة والولي لا يدعي النبوة فالذي يظهر لا يكون معجزة.

قال القشيري وهذا الذي قاله هو الذي نعتمده وندين به فشرائط المعجزة كلها أو أكثرها توجد في الكرامة إلا هذا الشرط الواحد فالكرامة فعل لا محالة وهو ناقض للعادة وتحصل في زمن التكليف على عبد تخصيصا له وتفضيلا، وقد يحصل اختيارية ودعائية وقد لا تحصل وقد تكون بغير اختياره في غالب الأوقات ولم يؤمر الولي بدعاء الخلق إلى نفسه ولو أظهر شيئا من ذلك عمن يكون اهلا له لجاز.
واختلف أهل الحق في الولي هل يجوز أن يعلم أنه ولي أم لا؟ فكان الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله يقول لا يجوز لأنه يسلبه الخوف ويوجب له الأمن وكان الأستاذ أبو علي الدقاق رحمه الله يقول بجوازه وهو الذي نؤثره ونقول به وليس ذلك بواجب في جميع الأولياء حتى يكون لكل ولي يعلم أنه ولي واجبا ولكن يجوز أن يعلم بعضهم ذلك كما لا يجوز أن يعلم بعضهم فإذا علم بعضهم أنه ولي كانت معرفته تلك كرامة له وانفرد بها وليس كل كرامة لولي يجب أن تكون تلك بعينها لجميع الأولياء بل إذا لم يكن لولي كرامة ظاهرة في الدنيا لم يقدح عدمها في كونه وليا بخلاف الأنبياء فإنه يجب أن تكون لهم معجزات لأن النبي مبعوث إلى الخلق فبالناس حاجة إلى معرفة صدقه ولا يعلم إلا بالمعجزة، وحال الولي بعكس ذلك لأنه ليس بواجب على الخلق ولا على الولي العلم بأنه ولي والعشرة من الصحابة رضى الله عنهم صدقوا رسول الله صلى الله عليه في أنهم من أهل الجنة. وأما قول من قال لا يجوز ذلك لأنهم تخرجهم من الخوف فلا بأس أن لا يخافوا تغيير العاقبة والذي يجدونه في قلوبهم من الهيبة والتعظيم والاجلال للحق سبحانه وتعالى يزيد على كثير من الخوف.
قال الاستاذ القشيري واعلم انه ليس للولي مساكنة إلى الكرامة التي تظهر عيه ولا ملاحظكة وربما يكون لهم في ظهور جنسها قوة يقين وزيادة بصيرة لتحققهم أن ذلك فعل الله تعالى فيستدلون بها على صحة ما هم عليه من العقائد والله أعلم.

فصل
قال القشيري رحمه الله إن قيل كيف يجوز إظهار الكرامات الزائدة في المعاني على معجزات الرسل؟ قلنا هذه الكرامة لاحقة بمعجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن كل من ليس بصادق في الإسلام تمتنع عليه الكرامات فكل نبي ظهرت له كرامة على واحد من أمته فهي معدودة من جملة معجزاته إذ لو لم يكن ذلك الرسول صادقا لم تظهر على من تابعه المعجزة يعني التي هي الكرامة لهذا الواحد.
فصلقال القشيري هل يجوز تفضيل الولي على النبي قلنا رتبة الأولياء لا تبلغ رتبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام للاجماع المنعقد على ذلك.
فصلقال الأستاذ القشيري رحمه الله هذه الكرامات قد تكون إجابة دعوة وقد تكون إظهار طعام في أوان فاقه من غير سبب ظاهر أو حصول ماء في وقت عطش أو تسهيل قطع مسافة في مدة قرية أو تخليص من عدو أو سماع خطاب من هاتف وغير ذلك من فنون الأفعال المناقضة للعادة.
قال واعلم أن كثيرا من المقدورات يعلم اليوم قطعا أنه لا تجوز أن تقطع كرامة للأولياء وبالضرورة أو شبه الضرورة يعلم ذلك فمنها حصول إنسان من غير أبوين. وقلب جماد بهيمة وأمثال هذا كثيرة.
فصلقال القشيري يحتمل الولي أمرين أحدهما أن يكون فعيلا مبالغة في الفاعل كالعليم بمعنى العالم والقدير بمعنى القادر فيكون معناه توالت طاعته من غير تخلل معصية. والثاني أن يكون فعيلا بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول وجريح بمعنى مجروح وهو الذي يتولى الله سبحانه وتعالى حفظه وحراسته على الادامة والتولي فلا يخلق له الخذلان الذي هو قدرة المعصية ويدوم توفيقه الذي هو قدرة الطاعة قال الله تعالى وهو يتولى الصالحين.
فصلأما العبد الصالح فينطلق على النبي والولي قال الله تعالى: (واسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين) وقال تعالى: (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) وفي الحديث الصحيح )أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عبدالله بن عمر أنه رجل صالح( والآيات والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة.
وأما حد الصالح فقال الإمام أبو إسحاق الزجاج في كتابه معاني القرآن وأبو إسحاق بن قرقول صاحب مطالع الأنوار هو المقيم بما يلزمه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد.
فصل

قال الإمام القشيري فإن قيل هل يكون الولي معصوما أم لا قلنا اما وجوبا كما يقال في حق الأنبياء وإما يكون محفوظا فلا يصر على الذنوب وإن حصلت هفوات في أوقات أو زلات فلا يمتنع ذلك في وصفهم. وقد قيل للجنيد العارف يزني فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال وكان أمر الله قدرا مقدورا.

فصل
قال القشيري رحمه الله فإن قيل هل يسقط الخوف عن الأولياء قلنا الغالب على الأكابر كان الخوف وذلك فيما تقدم على جهة الندرة يعني القلة غير ممتنع وهذا السري السقطي رضي الله تعالى عنه يقول لو أن واحدا دخل بستانا فيه أشجار كثيرة وعلى كل شجرة طير يقول له بلسان فصيح السلام عليك يا ولي الله ولم يخف أنه مكر لكان ممكورا به وأمثال هذا من حكاياتهم كثيرة. قال فإن قيل هل يجوز أن يزايل الولي خوف المرك قلنا إن كان مصطلما عن شاهده مختطفا عن إحساسة بحاله فهو مستهلك عن فيما استوليى عليه والخوف من صفة الحاضرين بهم.
فصلقال الشيري فإن قيل ما الغالب على الولي في حال صحوه قلنا صده في أداء حقوق الله تعالى ثم رأفته وشفقته على المق في جميع أحواله ثم انبساط رحمته للخلق كافة ثم داوم تحمله عنهم بجميل الخلق وابتداؤه بطلب الإحسان من الله تعالى إليهم من غير التماس منهم وتعلق الهمة بنجاة الخلق وأمنهم والتوقي عن استشعار حقهم عليهم مع قصر اليد عن أموالهم وترك الطمع بكل وجه فيهم وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم والتصاون عن شهود مساويهم ولا يكون خصما في الدنيا والآخرة قلت معناه أنه يعفو عن حقوقه في الدنيا فلا يطالبهم بها في الدنيا فلا يبقى له عندهم شيء يطالب به في الآخرة. قال الله تعالى (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) وقال تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) وروينا في كتاب عمل اليوم والليلة لابن السني بإسناده عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم قالوا ومن أبو ضمضم يا رسول الله قال كان إذا أصبح قال اللهم إني وهبت نفسي وعرضي لك فلا يشتم من شتمه ولا يظلم من ظلمه ولا يضرب من ضربه(.
قلت معناه لا يقتص ممن ظلمه كما قال الله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).
فصلقال القشيري واعلم أن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعة والعصمة من المعاصي والمخالفات قد يدخل في المخالفات ما ليس معصية كالمكروه كراهة التنزيه وكترك الشهوات التي يستحب تركها.
فصلقال القشيري فإن قيل فهل تجوز رؤية البارىء تبارك وتعالى بالأبصار اليوم في الدنيا من جهة الكرامة؟ قلنا الأقوى أنه لا يجوز لحصول الاجماع عليه قال ولقد سمعت الامام أبا بكر بن فورك يحكي عن أبي الحسن الأشعري رحمه الله أنه قال في ذلك قولين في كتاب الرؤية الكبير قلنا قد نقل جماعة الإجماع على أن رؤية الله تعالى لا تحصل للأولياء في الدنيا لا لامتناعها وإلا فهي ممكنة بالعقل عند أهل الحق. وقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى الإسراء والمختار عند الأكثرين أو الكثيرين أنه رأى وهو قول عباس وقد بسطت مقاصد ذلك في أوائل شرح صحيح مسلم رحمه الله.
فصلقال القشيري فإن قيل هل يجوز أن يكون وليا في الحال ثم تتغير عاقبته؟ قلنا من شرط الولاية حسن الموافاة لا يجوز ذلك ومن قال إنه في الحال مؤمن على الحقيقة وان جاز أن يتغير حاله لا يبعد أن يكون وليا في الحال صديقا ثم يتغير قال وهذا الذي نختاره ويجوز أن يكون من جملة كرامات الولي أن يعلم أنه مأمون العاقبة وأنه لا يتغير عاقبته فتلحق هذه المسألة بما ذكرناه من أن الولي يجوز أن يعلم أنه ولي.
فصل
في منثور حكايات في المواهب والكرامات
أما الكرامات فتقدم بيان حدها وأما المواهب فجمع موهبة وهي أمر ليس بخارق للعادة ولكنه قليل مستبعد في العادة يتميز به بعض الناس ولا يختص ذلك بالأولياء بل يكون لهم ولغيرهم وأنا أذكر في هذا الباب جملا من الكرامات والمواهب المستحسنة إن شاء الله تعالى قال الله تعالى (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) وقال تعالى (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده).

أخبرنا شيخنا الإمام الصالح القاضي أبو محمد عبد الرحمن بن الشيخ الإمام الصالح أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة قال حدثنا ابو جعفر عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد قال حدثنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي قال حدثنا أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد الأزدي وأبو بكر أحمد بن عبد الصمد الخزرجي وأبو نصر عبد العزيز بن عمر الرفاني قال حدثنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن الجراح الجراحي قال حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي قال حدثنا الإمام أبو عيسى الترمذي قال حدثنا عمران بن حفص حدثنا عبد الله بن وهب عن عمر بن الحارث عن دراج عن أبي القاسم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يسبع المؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة قال الترمذي حديث حسن.

وبهذا الاسناد إلى الترمذي قال حدثنا علي بن حجر قال حدثنا مسلمة بن عمرو قال كان عمر بن هانىء يصلي كل يوم ألف سجدة يعني ألف ركعة ويسبح مائة ألف تسبيحة. أخبرنا شيخنا أبو البقاء الحافظ قال حدثنا أبو محمد حدثنا أبو بكر حدثنا الخطيب حدثنا الحسن بن محمد البزار حدثنا محمد بن جعفر الآدمي حدثنا محمد بن موسى الشطوبي حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمرة عن عثمان عن عطاء عن أبيه قال قالت أمراة أبي مسلم يعني الخولاني يا أبا مسلم ليس لنا دقيق قال عندك شيء قالت درهم بعنابه غزلا قال أبعينيه أي أعطينيه وهاتي الجراب فدخل السوق فوقف على رجل يبيع الطعام فوقف عليه سائل وقال يا أبا مسلم تصدق علي فهرب منه وأتى حانوتا آخر فتعه السائل فقال تصدق علنيا فلما أضجره أعطاه الدرهم ثم عمد إلى الجراب فملأه من نحاتة النجارين مع التراب ثم أقبل إلى باب منزله فنقر الباب وقلبه مرعوب من أهله فلما فتحت الباب رمى بالجراب وذهب فلما فتحته إذا هي بدقيق حواري فعجنت وخبزت فلما ذهب من الليل الهوى جاء أبو مسلم فنقر الباب فلما دخل وضعت بين يديه خوانا وأرغفة حواري فقال من أين لكم هذا فقالت يا أبا مسلم من الدقيق الذي جئت به فجعل يأكل ويبكي قلت ما أنفس هذه الحكاية وأكثر فوائدها. قوله الجراب بفتح الجيم وكسرها لغتان الكسر أفصح قوله الحواري هو بضم الحاء المهملة وتشديد الواو وفتح الراء وتخفيف الياء وهو الأشهر وقوله الهوى هو بكسر الواو وتشديد الياء وأما الهاء فتفتح وتضم لغتان الفتح أفصح وأشهر هو قطعة في الليل قبل نحو ربعه أو ثلثه. وقوله خوانا هو بضم الخاء وكسرها لغتان الكسر أفصح وأشهر وهو عجمي معرب وجمعه اخونة وخون. وأما أبو مسلم صاحب هذه الكرامة فاسمه عبد الله بن ثوب بثاء مثلثة مضمومة ثم واو مفتوحة مخففة ثم باء موحدة ويقال ابن ثواب ويقال ابن أثوب ويقال ابن عبد الله ويقال ابن عوف ويقال ابن يسلم ويقال اسمه يعقوب بن عوف والصحيح المشهور ما قدمناه وهو من أهل اليمن سكن الشام بداريا بالقرية المعروفة بجانب دمشق وكان من كبار التابعين وعبادهم وصالحهم وأهل الكرامات الظاهرات والأحوال السنية المتظاهرات وكان قد رحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق فجاء ولقي أبا بكر الصديق وعمر وغيرهما من الصحابة. ومن نفائس كراماته ما رواه الامام أحمد بن حنبل في كتاب الزهد له أن أبا مسلم الخولاني مر بدجلة وهي ترمي الخشب من برها فمشي على الماء ثم التفت إلى الصحابة فقال هل تفقدون من متاعكم شيئا فتدعوا الله عز وجل. ورواه من طريق آخر وفيه أنه وقف على دجلة ثم حمد الله تعالى وأثنى عله ثم ذكر آلاءه وذكر سير بني اسرائيل في البحر ثم نهر دابته فانطلقت تخوض في دجلة واتبعها الناس حتى قطعها الناس. وبإسناد الامام أحمد أيضا أن أبا مسلم كان بأرض الروم فبعث الوالي سرية ووقت لهم وقتا فأبطأوا عن الوقت فاهتم أبو مسلم بإبطائهم فبينما هو يتوضأ على شط نهر وهو يحدث نفسه في أمرهم إذ وقع غراب على فأرة مقابلة فقال يا أبا مسلم اهتممت بأمر السرية فقال أجل فقال لا تهتم فإنهم قد غنموا وسيردون عليكم يوم كذا في وقت كذا فقال به أبو مسلم من أنت يرحمك الله فقال أنا مفرح قلوب المؤمنين فجاء القوم في الوقت ذكر على ما ذكر. وبإسناد أحمد أن أبا مسلم كان جالسا مع اصحابه في أرض الروم يحدثهم فقالوا يا أبا مسلم قد اشتهينا اللحم فلو دعوت الله تعالى فرزقنا فقال اللهم قد سمعت قولهم وأنت على ما سألوا قادر فما كان إلا أن سمعوا صياح العسكر فإذا بظبي قد أقبل حتى مر بأصحاب أبي مسلم فوثبوا إليه فأخذوه. وبإسناد احمد أن الناس قحطوا على عهد معاوية فخرج يستسقي بهم فلما وصلوا إلى المصلى قال معاوية لأبي مسلم قد ترى ما حل بالناس فأدع الله تعالى قال افعل على بعض شرط فقام وعليه برنس فكشف البرنس عن رأسه ثم رفع يديه ثم قال اللهم إنا منك نستمطر وقد جئت إليك بذنوبي فلا تخيبني عندك لي خير فاقبضني إليك وكان ذلك يوم الخيمس فما أبو مسلم يوم الخميس المقبل رضي الله تعالى عنه. وبإسناد الحافظ إلى طاهر السلفي عن شرحبيل بن مسلم أن الأسود بن قيس العنسي الكذاب لما ادعى النبوة باليمن بعث إلى أبي مسلم الخولاني فلما جاءه قال أتشهد أني رسول الله قال ما أسمع

قال أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم فردد ذلك عليه فأمر بنار عظيم فأججت فألقى فيها أبا مسلم فلم تضره فقيل انفه عنك وإلا أفسد عليك من تبعك فأمره بالرحيل فأتي أبو مسلم المدينة وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأناخ أبو مسلم راحلته بباب المسجد فقام يصلي إلى سارية فبصر به عمر فقام إليه فقال ممن الرجل فقال من أهل اليمن قال فلعلك الذي حرقه الكذاب بالنار قال ذلك عبد الله بن ثوب قال نشدتك الله أنت هو؟ قال اللهم نعم فاعتنقه ثم بكى ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر فقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه من فعل به كما فعل بإبراهيم صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن قلت هذا من أجل الكرامات وأنفس الأحوال الباهرات وقوله لا أسمع يحتمل وجهين أحدهما معناه لا أقبل الثاني أنه على ظاهره وأن الله تعالى سد مسامعه عن هذا الباطل الشديد الفحش. وقد اقتصر بعض الأئمة على الاحتمال الأول والاحتمال الثاني عند أظهر. وقال أحمد بن أبي الحواري في كتاب الزهد له حدثني سليمان كان عبد الواحد بن زياد رضي الله تعالى عنه أصابه الفالج فسأل الله عز وجل أن يطلقه في أوقات الوضوء فكان إذا كان وقت الوضوء قام من سريره حتى يذهب فيتوضأ فإذا عاد إلى سريره عاد إليه الفالج والله اعلم. وروينا بإسنادها السابق للقشيري رحمه الله قال سمعت أبا حاتم السجستاني يقول سمعت أبا نصر السراج يقول دخلنا تستر فرأينا في قصر سهل بن عبد الله رحمه الله بيتا كان الناس يسمونه بيت السباع فسالنا الناس عن ذلك فقالوا كانت السباع تجيء إلى سهل فكان يدخلها هذا البيت ويضيفها ويطعمها اللحم ثم يخليها. قال أبو نصر ورأيت أهل تستر كلهم متفقين على هذا وهم الجمع الكثير. وبه إلى القشيري قال سمعت أحمد بن محمد اليمني يقول سمعت عبدالله بن على الصوفي يقول سمعت حمزة بن عبد الله العلوي يقول دخلت على أبي الخير التيناتي رحمه الله وكنت اعتقدت في نفسي أن أسلم عليه وأخرج ولا آكل عنده طعاما فلما خرجت من عنده ومشيت قدرا وإذا به أتى خلفي وقد حمل طبقا عليه طعام وقال يا فتى كل هذا فقد خرجت الساعة من اعتقادك قال وابو الخير هذا مشهور بالكرامات. أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم فردد ذلك عليه فأمر بنار عظيم فأججت فألقى فيها أبا مسلم فلم تضره فقيل انفه عنك وإلا أفسد عليك من تبعك فأمره بالرحيل فأتي أبو مسلم المدينة وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأناخ أبو مسلم راحلته بباب المسجد فقام يصلي إلى سارية فبصر به عمر فقام إليه فقال ممن الرجل فقال من أهل اليمن قال فلعلك الذي حرقه الكذاب بالنار قال ذلك عبد الله بن ثوب قال نشدتك الله أنت هو؟ قال اللهم نعم فاعتنقه ثم بكى ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر فقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه من فعل به كما فعل بإبراهيم صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن قلت هذا من أجل الكرامات وأنفس الأحوال الباهرات وقوله لا أسمع يحتمل وجهين أحدهما معناه لا أقبل الثاني أنه على ظاهره وأن الله تعالى سد مسامعه عن هذا الباطل الشديد الفحش. وقد اقتصر بعض الأئمة على الاحتمال الأول والاحتمال الثاني عند أظهر. وقال أحمد بن أبي الحواري في كتاب الزهد له حدثني سليمان كان عبد الواحد بن زياد رضي الله تعالى عنه أصابه الفالج فسأل الله عز وجل أن يطلقه في أوقات الوضوء فكان إذا كان وقت الوضوء قام من سريره حتى يذهب فيتوضأ فإذا عاد إلى سريره عاد إليه الفالج والله اعلم. وروينا بإسنادها السابق للقشيري رحمه الله قال سمعت أبا حاتم السجستاني يقول سمعت أبا نصر السراج يقول دخلنا تستر فرأينا في قصر سهل بن عبد الله رحمه الله بيتا كان الناس يسمونه بيت السباع فسالنا الناس عن ذلك فقالوا كانت السباع تجيء إلى سهل فكان يدخلها هذا البيت ويضيفها ويطعمها اللحم ثم يخليها. قال أبو نصر ورأيت أهل تستر كلهم متفقين على هذا وهم الجمع الكثير. وبه إلى القشيري قال سمعت أحمد بن محمد اليمني يقول سمعت عبدالله بن على الصوفي يقول سمعت حمزة بن عبد الله العلوي يقول دخلت على أبي الخير التيناتي رحمه الله وكنت اعتقدت في نفسي أن أسلم عليه

وأخرج ولا آكل عنده طعاما فلما خرجت من عنده ومشيت قدرا وإذا به أتى خلفي وقد حمل طبقا عليه طعام وقال يا فتى كل هذا فقد خرجت الساعة من اعتقادك قال وابو الخير هذا مشهور بالكرامات.رج ولا آكل عنده طعاما فلما خرجت من عنده ومشيت قدرا وإذا به أتى خلفي وقد حمل طبقا عليه طعام وقال يا فتى كل هذا فقد خرجت الساعة من اعتقادك قال وابو الخير هذا مشهور بالكرامات.
حكي عن إبراهيم الرقي قال قصدته مسلما عليه فصلى المغرب فلم يقرأ الفاتحة مستويا فقلت في نفسي ضاعت سفرتي فلما سلمت خرجت للطهارة فقصدني السبع فعدت إليه وقلت أن الأسد قصدني فخرج وصاح على الأسد وقال الم أقل لك لا تتعرض لضيفاني فتنحى وتطهرت فلما رجعت قال اشتغلتم بتقويم الظواهر فخفتم الأسد واشتغلنا بتقويم القلب فخافنا الأسد. قلت قد يتوهم من يتشبه بالفقهاء ولا فقه عنده ان صلاة أبي الخير هذا كانت فاسدة لقوله لم يقرأ الفاتحة مستويا وهذه جهالة وغباوة ممن يتوهم ذلك وجسارة منه على إرسال الظنون في أولياء الرحمن فليحذر العاقل من التعرض لشيء من ذلك بل حقه إذا لم يفهم حكمهم المستفادة ولطائفهم المستجادة أن يتفهمها ممن يعرفها وكل شيء رأيته من هذا النوع مما يتوهم من لا تحقيق عند أنه مخالف ليس بمخالف مخالفا بل يجب تأويل أفعال أولياء الله تعالى وجواب هذا من ثلاثة أوجه أحدها أنه جرى منه لحن لا يخل بالمعنى ومثل هذا لا يفسد الصلاة بالاتفاق الثاني أنه مغلوب على ذلك بخلل في لسانه فتصح صلاته بالاتفاق الثالث أنه لو لم يكن له عذر فقراءة الفاتحة ليست بمتعينة عند أبي حنيفة وطائفة من العلماء ولا يلزم هذا الولي أن يتقيد بمذهب من أوجبها ورأيته بخط الشيخ رضي الله تعالى عنه.

باب في حكايات مستظرفة

اعلم أن هذا الباب وإن لم يكن من أبواب الزهد فهو مما تستريح النفس به إذا ملت وكان الزاهد قد يحتاج إلى أحاديث غيره مما لا يؤثر الزهد لا يفهم كثيرا فربما يتحدثوا في أمور الناس وانجر بهم الكلام إلى الحديث في حرام من غيبة. ونحوها فإذا اشتغلوا بهذا انبعثت نفوسهم لسماعه إن شاء الله تعالى من فوائد ينتفع بها طالب الآخرة وبالله التوفيق. روينا عن أبي حاتم الرازي الامام أحد أركان الحديث قال حضرت مجلس سليمان بن حرب رحمه الله ببغداد فحزروا من حضر مجلسه أربعين ألف رجل وكان مجلسه عند قصر المأمون فبنى له منبر وصعد سليمان وكان المأمون فوق قصره وقد فتح باب القصر وقد أرسل سترا وهو خلفه يكتب ما يملي سليمان فسئل عن أول شيء حدثت حوشب بن عقيل فلعله قد قال حدثنا حوشب بن عقيل اكثر من عشر مرار وهم يقولون لا تسمع حتى قالوا ليس الرأي إلا أن يحضر المستملي فذهب جماعة فأحضروه فلما حضر قال من ذكرت فإذا صوته خلاف الرعد فسكتوا وقعد المستملون كلهم وإستملى هارون قال أبو حاتم لا يسأل عن حديث الاحدث من سمعه. وذكر أبو سعيد السمعاني أنه كان يحضر مجلس املاء الامام القاضي أبو عبد الله المحاملي عشرة آلاف رجل. رأيت بخط الشيخ رحمه الله في مواضع مفرقة سمعت شيخنا وسيدنا الامام الحافظ زين الدين رضي الله تعالى عنه مرتين آخرهما يوم الاربعاء الثالث من شهر رمضان المعظم سنة سبع وخمسين وستمائة يقول وعظ الشيخ الجليل شهاب الدين السهروردي رضي الله تعالى عنه بدمشق حماها الله تعالى وصانها فقرأ القرآن االأعز بن إبراهيم بن محمد الممدوح بن علي الربيني بين عبد الله الجواد بن جعفر فتواجد الشيخ وخلع أثوابه فاشتراه منهم جمال الدين للتبرك بخمسمائة درهم. وكان رضي الله تعالى عنه. وكان شيخنا رضي الله عنه قد لبس منه خرقة وصحبه مدة في بغداد بالرباط رضي الله تعالى عنهما سمعت شيخنا وسيدنا الامام الصالح العارف بقية شيوخ الطريقة شرف الدين أبا إسماعيل محمد بن إبراهيم بن صري بن هرماس بن نجار بن عقيل بن جابر بن حكام بن حكمة بن يوسف بن جعفر الطيار بن أبي طالب وهذا نسبه أملانيه يوم الجمعة الرابع عشر من شهر رمضان سنة تسع وخمسين وستمائة بالمدرسة الرواحية بدمشق حماها الله تعالى وصانها سمعته يقول عن الشيخ الفقيه الامام الصالح محمد البرسي قال ننظر الحافظ عبد الغني ونحن جماعة فيهم جماعة يفتون فلما وضع رجله على درجة الكرسي قلت في نفسي بأي شيْ فضلك الله علينا فالتفت إلي وقال يا مدبر من خدم خدم من خدم خدم من خدم خدم فقلت آمنت بالله. وسمعت سيدنا الشيخ كمال الدين سلار حفظه الله تعالى يحكى عن بعض الفقهاء أنه وضع المهذب تحت رأسه ونام فاحتلم في منامه ورأى الشيخ أبا إسحاق مصنف المهذب في المنام فدفعه برجله وقال له اقعد ما يكفيك أنك وضعت المهذب تحت رأسك ثم صرت جنبا " أو كما قال سمعت شيخنا وسيدنا الامام الفاضل والعلامة البارع عز الدين أبا جعفر عمر بن أسعد بن أبي غالب الايلي المفتي الشافعي رحمه الله يوم الثاني من شعبان سنة تسع وخمسي وستمائة بالمدرسة الرواحية بدمشق حماها الله وصانها وسائر بلاد الاسلام وأهلها آمين يقول قال لي بعض الفقهاء كتب الشيخ كتاب نهاية المطلب وكان لي عادة أن أكتب في الليل أوراقا معلومة فكنت ليلة اكتب فنظرت إلى السراج فوجدت زيته قليلا لا يكفيني لتمام الوظيفة قال واشتغلت بالكتابة وذهلت عنها فما ذكرت ذلك حتى كتبت الوظيفة فعددت الأوراق فلما فرغت من عددها وذكرت دعائي فنظرت إلى السراج فانطفأ مع نظري إليه أو كما قال توفي إلى رحمة الله تعالى ورضوانه الشيخ الفقيه نجم الدين عيسى الكردي الشافعي سنة ست وخمسين وستمائة أظنه في شعبان وكان فقيها بالمدرسة الرواحية صانها الله تعالى بمدينة دمشق حماها الله تعالى وصرف عنها كل قاصد لها بسوء وأدامها دار الاسلام أبدا وسائر بلاد الاسلام وأهلها فرأيته في المنام بعد موته بأيام ليلة الجمعة وعرفت أنه قد مات فسلمت عليه وقلت له أحييت يا يجم الدين وجئت وقلت له قد قال الغزالي في كتاب الموت من كتاب أحياء علوم الدين إن الموت أمر عظيم ولم يأتنا أحد بعد الموت يخبرنا عن حقيقته ولا يعرف حقيقته إلا من ذاقه ثم قلت أخبرنا عن حقيقة الموت فقال هو وإن كان صعبا لكنه لحظة يسيرة ثم تنقضي قلت فما كان حالك بعده

فقال هناك يعني عند الله تعالى خير كثير كأنه يشير إلى أن حالته حسنة بفضل الله تعالى وإن رحمة الله تعالى مؤخرة أو كما رأيت. ومات في هذه السنة الفقيه شمس الدين محمد النووي رضي الله تعالى عنه وعليه قرأت الختمة الشريفة فرأيته في المنام رحمه الله بعد موته فعرفت أنه ميت فقلت له ما حالك يا شمس الدين أنت في الجنة فقال اليوم لا ندخل الجنة بل نتنعم في غيرها يعني وانا لا ندخل الجنة إلا بعد قيام الساعة فقلت له صدقت فإنه لا يدخل الجنة اليوم إلا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والشهداء واما غيرهم فينعم في غيرها قبل مجيء الآخرة ثم يدخلون الجنة بعد قيام الساعة كما جاءت الشريعة. ثم قلت له قد جاء أن الروح ترجع إلى البدن قبل مسألة منكر ونكير قبل رجوعها إلى الجسد بعد الوضع في القبر أو قبله في حال حمل الميت في النعش فقال بعد الوضع في القبر رحمه الله وإياي ووالدينا ومشايخنا ومن نفعنا وأصحابنا ومن أسانا إليه وسائر المسلمين آمين.ل هناك يعني عند الله تعالى خير كثير كأنه يشير إلى أن حالته حسنة بفضل الله تعالى وإن رحمة الله تعالى مؤخرة أو كما رأيت. ومات في هذه السنة الفقيه شمس الدين محمد النووي رضي الله تعالى عنه وعليه قرأت الختمة الشريفة فرأيته في المنام رحمه الله بعد موته فعرفت أنه ميت فقلت له ما حالك يا شمس الدين أنت في الجنة فقال اليوم لا ندخل الجنة بل نتنعم في غيرها يعني وانا لا ندخل الجنة إلا بعد قيام الساعة فقلت له صدقت فإنه لا يدخل الجنة اليوم إلا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والشهداء واما غيرهم فينعم في غيرها قبل مجيء الآخرة ثم يدخلون الجنة بعد قيام الساعة كما جاءت الشريعة. ثم قلت له قد جاء أن الروح ترجع إلى البدن قبل مسألة منكر ونكير قبل رجوعها إلى الجسد بعد الوضع في القبر أو قبله في حال حمل الميت في النعش فقال بعد الوضع في القبر رحمه الله وإياي ووالدينا ومشايخنا ومن نفعنا وأصحابنا ومن أسانا إليه وسائر المسلمين آمين.
سمعت صاحبنا الشيخ الإمام الزاهد الورع العارف شمس الدين يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من جمادي الأولى سنة إحدى وستين وستمائة بالخانقاه السميصاتية بدمشق حماها الله تعالى يقول جرى من أيام يعني قليلة كلام بين شيخين إمامين من أصحابنا شهود ما عينهما لي لا أؤثر أنا ذكرهما قال وجرى بينهما مباحثة في أن القرآن في المصاحق والصدور لا على سبيل الحلول كما قاله أصحابنا وأن نفس الحبر المكتوب ليس هو الكلام القديم بل دال عليه ثم أنهما طلبا الارشاد لامام الحرمين لينظرا ما ذكر فيه فنظراه ثم انصرفا فرايت في تلك الليلة كان بحرا في وسطه شيء وذلك الشيء هو مطلوب الناس وجميع علماء المسلمين يحيطون به ينظرون إلى ذلك الشيء شاخصون إليه لا يدرون ما هو ولا يدركونه قال ورأيت إمام الحرمين دخل بين الناس وشمر ثوبه ودخل في ذلك نحو خمسة عشر ذراعا ثم لم يقدر على مجاوزة فوقف هناك كما هو وسائر العلماء كما هم يحيطون بالبحر ناظرون إلى ذلك الشيء قال ووراء العلماء خلق كثير ممن كان يشتغل بعلوم الأوائل أعني العلوم العقلية كعلم الهيئة وعلم المنطق وأصول الدين ومن كان يشتغل بالخلاف ممن ينسبون إلى قلة الدين وترك الصلاة وسوء الاعتقاد وهم من أعرفهم فرأيتهم كلهم وراء الناس وهناك كلاب تبول على جميعهم وعين لي منهم إنسان أعرفه أنا ممن كان فنه الخلاف حسب ونسب إلى قلة الدين لا أؤثر أنا تعيينه قال رأيته سكران أو كما قاله شرف الدين نسأل الله الكريم المنان ذا العظمة والسلطان والفضل والامتنان الرؤوف الرحمن أن يحسن العاقبة لنا ولوالدينا ومشايخنا وأصحابنا ومن نحب والمسلمين أجمعين آمين .

قال الحافظ ابو سعيد السمعاني في كتاب الانسان ختم الشيخ ابو بكر محمد بن علي بن جعفر الكتاني في الطواف اثنتي عشرة الف ختمه ومات سنة اثنين وعشرين وثلثمائه وذكر السمعاني في الأنساب أن أبا يعقوب إسحاق بن ممشاد الزاهد الكرامي كان حسن الوعظ فاسلم على يده خمسة آلاف رجل وامرأة من أهل الكبائر والمجوس. وروينا عن الإمام ابي بكر الأنباري قال سمعت أحمد بن يحيى يعني أبا العباس يقول سمعنا من القواريري مائة الف حديث يعني بالقواريري عبد الله بن عمر بن ميسر ابا سعيد الحشمي ملاهم البصري ثم البغدادي ورأيت بخط الشيخ رحمه الله تعليقا في مواضع متفرقة سمعت شيخنا القاضي الإمام مجموع أنواع المحاسن بقية الشيوخ والعلماء بدر الدين أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن خلكان الاربلي الشافعي رضي الله تعالى عنه يوم الأربعاء السادس عشر من رجب سنة ستين وستمائة يقول رايت امرأة يظنها قال صالحة ومعناه حفظت القرآن العزيز كله في سبعين يوما سمعت شيخنا قاضي الاسلام كمال الدين سلار رضي الله تعالى عنه يقول حفظت التنبيه في أربعة أشهر سمعت شيخنا البتليسي حفظه الله مرات يقول أحصيت كتب الغزالي رحمه الله تعالى التي صنفها ووزعت على عمره فخصت كل يوم أربع كراريس وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء قلت ومن المشهودين بكثرة التصنيف أمامنا الامام ابو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي والإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله تعالى عنهما وقد عدد الامام أبو بكر البيقهي رحمه الله تعالى مصنفات الشافعي وعدد الامام حافظ الشام بل حافظ الدنيا ابو القاسم المعروف بابن عساكر رضي الله تعالى عنه في كتابه تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري تصانيف الأشعري أنها نحو ثلثمائة تصنيف سمعت شيخنا وسيدنا الامام الجليل والسيد النبيل الحافظ المحقق والمقتبس المدقق الضابط المتقن والمشفق المحسن الورع الزاهد والمجتهد العابد بقية الحفاظ المفتي شيخ الأئمة والمحدثين ضياء الدين أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي يقول في يوم الأربعاء السابع في شوال ثمان وخمسين وستمائة بالمدرسة البادرانية بدمشق حماها الله وصانها قال سمعت الشيخ عبد العظيم رحمه الله يقول كتبت بيدي تسعين مجلدة وكتبت سبعمائة جزء كل ذلك من علوم الحديث تصنيف غيره وكتب ذلك من مصنفاته وغيرها أشياء كثيرة قال شيخنا ولم أر ولم أسمع أحدا أكثر اجتهادا منه في الاشتغال كان دائم الاشتغال في الليل والنهار وقال وجاورته في المدرسة يعني بالقاهرة حماها الله بيتي فوق بيته اثني عشر سنة فلم استيقظ في ليلة من الليالي في ساعة من ساعات الليل إلا وجدت ضوء السراج في بيته وهو مشتغل بالعلم وحتى كان في حال الأكل والكتاب والكتب عنده يشتغل فيها وذكر من تحقيقه وشدة بحثه وتفننه ما أعجز عن التعبير عنه قال وكان لا يخرج من المدرسة لا لعزاء ولا لهناء ولا لفرجه ولا لغير ذلك إلا لصلاة الجمعة بل يستغرق الأوقات في العلم رضي الله تعالى عنه وعن والدينا والمسلمين سمعت شيخنا ضياء الدين رضي الله عنه يقول كتبت صحيح البخاري في ست مجلدات بقلم واحد ولكن كنت أبريه وكتبت بذلك القلم أشياء بعد البخاري وذلك بمدينة القاهرة حماها الله تعالى. قال ابن قتيبة في أدب الكاتب بريت العلم أبريه بريا قال أبو سعيد السمعاني في كتاب الأنساب ختم الشيخ أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكتاني في الطواف اثني عشر ألف ختمة ومات سنة اثنتين وعشرين وثلثماية.
كرر على حديثهم يا حادي ... فحديثهم يجلي الفؤاد الصادي
سمعت شيخي وسيدي الإمام العلامة المفتي المدقق المتقن مجموع أنواع المحاسن عز الدين ابا حفص عمر بن أسد بن ابي غالب الأربلي الشافعي رضي الله تعالى عنه مرات آخرها يوم الجمعة الرابع والعشرين من رجب سنة تسع وخمسين وستمائة يقول كل عامل لله عز وجل بطاعة فهو ذاكر لله عز وجل ثم رأيت ذلك منقولا في شرح السنة لأبي محمد البغوي منقولا عن سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه.
هذا آخر ما وجد رضي الله تعالى عن مؤلفه ولي الله الشيخ محي الدين النووي رضي الله تعالى عنه وعنا وعن والدينا ومشايخنا وأصحابنا وجميع المسلمين والحمد لله وحده. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين صلاة وسلاما متلازمين إلى يوم الدين.