كتاب : الجماهر في معرفة الجواهر
المؤلف : البيروني


بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين الذي لما توحد بالأزل والأبد - وتفرد بالدوام والسرمد جعل البقاء في الدنيا علة الفناء - والسلامة والصحة داعية الآفات والأدواء - ثم قسم الأرزاق ووفق الآجال وصير سببها الإشاحة في الأعمال كما سخر الشمس والقمر دائبين على رفع الماء إلى السحاب - حتى إذا أقلت الثقال ساقتها الرياح إلى ميت التراب - وأنزلت إلى الأرض ماء مباركا - فأخرجت به خيرا متداركا - متاعا للأنام والأنعام إلى أن يعود يجريه إلى البحار والاستقرار ويعلم ما يلج في الأرض ويخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها - وقد أحاط بكل شيء علما - وأمضى فيه بقدرته وحكمته حكما - وصلى اللّه على من كشف به الضلالة - وختم بإرساله الرسالة محمد وعلى من اهتدى بهديه واعتز بعزه من آله وأهل بيته والمنتجبين من أصحابه واللّه الموفق - .

فصل
قد أزاح اللّه تعالى وله الحمد علل جميع المخلوقات بكنه حاجاتها وبقدر لا إسراف فيه ولا تقتير وجعل النمو هو زيادة في جميع أقطار القابل له طارية عليه ومستحيلة له سببا وهو الاغتذاء - وصير النبات مكتفيا بالقليل من الغذاء ما سكا له لا ينهضم بسرعة فاقتنع وثبت مكانه - يأتيه رزقه من كل مكان فيجذبه عروق في دقائق في دقة الماء ساريا إلى جرثومته وترفع شخونة الجو بالشمس من أغصانه رطوبا له فينجذب ما حصل في الاسافل إلى أعالي أفنانه وينمو به - ثم يجري إلى ما خلق له بالإيراق والإزهار والإثمار - ولما أسرع انهضم الغذاء في الحيوان وكان منفصلا عن منبته فلم يأته رزقه الذي كان يأتيه في حال الاتصال حتى يشبعه ويكفيه بل دام احتياجه إلى الهضم والخضم جعل منتقلا بآلات الحركة في أكناف الأرض لطلب القوت فأنعم عليه وأعطى للشعور بمالاءمة مما يأتيه وغايره حواس خمسا - من بصر يدرك به المرعوب فيه من بعيد فيسرع إلى اقتنائه والمرهوب حتى يهرب منه ويستعد لاجتنابه واتقائه - ومن سمع يدرك به الأصوات من حيث لا يدركها البصر فيتأهب لها - ومن شم يدله عليها من خواص فيها فيقتفيه وذوق يظهر له به الموافق من الغذاء وغير الغذاء الموافق ولمس يعرف به الحر والقر والرطب واليابس والصلب واللدن والخشن واللين - فينتظم بها في الدنيا معاشه ويدوم انتعاشه -
ترويحة
الحواس تنفعل بمحسوساتها باعتدال يلذ ولا يؤذى دون إفراط يؤلم ويقوى فالبصر محسوسة النور الحامل في الهواء ألوان الأجسام خاصة وان حمل أيضاً غيرها من الأشكال والهيآت حتى يعرف بها كمية المعدودات - والسمع محسوسة الأصوات والهواء يوصلها بحواملها إلى الخياشيم إذا انفصلت من الشموم كانفصال البخار من الماء باختلاط أجزائه المتبددة في الهواء والذوق محسوسة الطعوم والرطوبة تحملها وتوصلها إلى الذائق وتولجها في خلله فان آلاته من اللسان والحنك - واللهوات متى كانت يابسة لم تحس بشيء من الطعوم - وهذه الحواس الأربع متفرقة في البدن مختصة بأماكن لها لا تعدوها - وأما خامستها وهي اللمس فأنها عمت جميع البدن في أعضائه وفي آلات سائر حواسه ولم تنفرد بها دونه وأول ما يلاقى واليه اسبق ما وراءه أولاً فأولاً بحسب اللين واللطف الا أن يبلغ الأغلظ الأكثف من دعائم البدن فيزول به حس اللمس عن الطعام -
ترويحة

المشاعر - وإن جعلت طلائع الحيوان للاقتناء والاتقاء فأن نوع الإنسان قد فضل جملة الحيوان بما شرف به من قوة العقل حتى أكرم بمكانها ورشح للخلافة في الأرض على التعمير وإقامة السياسة فيها ولهذا أذلت له طوعا وكرها فانقادت مسخرة لمصالحه ليلا ونهارا - قال اللّه تعالى(أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) ولولا هذا الأنعام على الإنسان لما قاوم أدونها وهو مختلف في القوة عرى عما لها من آيات الدفاع والنزاع صادق في قوله المحكي عنه سبحانه (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) ثم لما أكرم بتلك العطية وأهل التكليف من بين البرية ليتأيد بكسبه بعد المنية إذ الرغائب بالمتاعب ونيل البر بالأنفاق من الخبائب أفرد من حواسه اثنتان هما السمع والبصر فجعلتا له مراقي في المحسوسات إلى المعقولات - أما البصر فللاعتبار بما يشاهد من آثار الحكمة في المخلوقات والاستدلال على الصانع من المصنوعات - قال اللّه تعالى(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) وقال سبحانه وتعالى (الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خائسا وهو حسير) وقال تعالى(وكائن من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) واما السمع فليسمع به كلام اللّه بأوامره ونواهيه ويعتصم فيها بحبله فيصل إلى جواره ويبلغ حق مأمنه وليس ذلك بخفي عن خاص او عام أعشى بني ربيعة:
كأن فؤادي بين جنبي عالم ... بما ابصرت عيني وسمعت أذني
فأنه أبان حصول العلم بهاتين الحاستين وأضافه إلى الفؤاد دون الدماغ فأنه الرأي المشهور بين الكافة قال اللّه تعال(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) وقال أبو تمام:
ومما قالت الحكماء طرّا ... لسان المرء من خدم الفؤاد
وقال جميل بن معمر العذري:
إذا كنا بمنزلة للهو ... نخاف السمع فيه والعيونا
لأنها آلتا الرقيب فيتأمل من الخلل ويتسمع حتى يقف على المغيب عنه - فليس يعرف قدر النعمة في شيء الا عند فقدها فلذلك لا يعرف فضيلة هذه الحاسة إلا بعدمها في للأخرس وقياسه غلى الاكمه بعدم البصر حتى يتحقق قول اللّه تعالى(افأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يُبصرون) غلى قوله(أفانت تُسمع الصم ولو كانوا لايعقلون) وكقوله في التأنيب كإعدام النهار والليل - وأما الحواس الباقية فأنها بالبدن أليق منها بالنفس وبحيوانيتها أشبه منها بالإنسانية وان كان الإنسان تصرف فيها أفكاره واستنباطاته حتى بلغ بمحسوساتها أيضاً إلى أقصى غاياتها -

ترويحة
الاستئناس يقع بالتجانس حتى قيل (إن الشكل إلى الشكل ينزع والطير مع ألافها تقع) ألا ترى الابكم ان سائر الناس عنده بكم لأنه لا يتمكن من مخاطباتهم الا بالإشارات والإيماء بالأعضاء إلى علامات تدل إلى الأرادات كيف يسكن غلى اخرس مثاه إذا وجده وكيف يقبل عليه بكله كمن وجد إنسانا بفهم لغته فيما بين قوم لا يفهمون لغته عنه - قال اللّه تعالى(هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها) وقال تعالى(ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) فإذا انضاف إلى ذلك أمن الشر فهو الغنيمة الباردة التي يتضاعف بها الأنس ويزول النفار وان حصل في البين انتفاع عائد على أحدهما أو كليهما فذلك اقصى الغايات في ائتلاق الأهواء المؤدي عند التكاثر إلى التعاون المفضي بهم إلى الاجتماع قرى ومدنا ودساكر -
ترويحة
الإنسان في جبلته مركب البدن من أمشاج متضادة لا تجتمع إلا بقهر قاهر والنفس في أكثر أحوالها تابعة لمزاج البدن فتتلون لذلك وتختلف أخلاقها ومعلوم أن المقهور على اجتماع دائم النزاع إلى إزالة القهر عنه بالافتراق وان وكد الضد هو مغالبة الضد الذي له وأحالته إلى ما عنده وإن كان سبب ما يلحق الحيوان من الآفات والأدواء التي تهتاج من داخله من المتضادات المطيفة به من خارج ثم ان الإنسان يعراه في ذاته ومسكنته بعدم آلاته مقصود بالبلايا من غيره دائم الحاجة إلى ما يقيه والاضطرار على ما يكفيه - قال:

تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقى
وليست من جنس واحد فيستقل بعبئها ويكفيه معاون عليها إنما هي أنواع فلا يفي بها الانفر ولهذا احتاج التمدن - وقد خالف اللّه عز اسمه من أجل التخيير والتحزب وهذا الاجتماع في القرى بين الأهواء والهمم كيلا يطبقوا على اختيار واحد هو الأفضل فيضيع ما دونه ويؤدي تساويهم إلى هلاك جملتهم - فلما اختلفت المقاصد والارادات افتنت الحرف والصناعات واتخذ بعضهم بعضا سخريا - يعمل له بالعدل دائما في التعاوض في التسخير بالجور والاستيجار لا يدوم ولا يستقيم الا ان كثرة الأراب وتباين أوقاتها واستغناء الواحد أحيانا عما عند الآخر ألجأهم إلى طلب أثمان عامة بدل الاعواض الخاصة فاختاروا لها ما راق نظره ورواءه - وعز وجوده وطال بقاؤه - ثم انقاد للتعظيم بالتوحيد والتصغير بالتجزئة والتبديد والتختم بالتنقيش والتصوير مترددا بين صنوف الهيآت والصور ثابت هي ولاؤه ومادته - وكما أن اللّه عز وجل أزاح علل خلقه من الآلات وهدى الإنسان بالعقل المنبه على الآيات ثم أرسل صلوات اللّه عليهم أجمعين المرشدين إلى صلاح العقبى وبالملوك خلفائهم في الورى بحمل الكافة على قضية العدل في مصالح الدنيا كلها - كذلك لرأفته على خلقه وظاهر عنايته بهم حزن لهم قبل خلقه إياهم جميع الموزونات في أرحام الأرضين تحت الرواسي الشامخات الانتفاع بها في الاجتلاب والدفاع - إليه يرجع قوله تعالى - (والقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) ثم قدر في الفضة والذهب جميع ما صالح الناس عليه حتى يحكى أثمان المطلوبات وهداهم إليها فاستخرجوها من معادنهما التي عديا فيها دهورا ووكل السياسة بهما ليحفظوهما من تمويه الخونة أشباههما المغايرة إياهما إبدالاً عنهما وليهذبوهما عن الأدناس بالسبك والطبع فما من حق مع محق الا بازائه بأكل مع مبطل يروم به تروجيه في مكانه - وهذا وأمثاله هو المحوج أولى الرياسة إلى مراءاة شروط السياسة ليستحقوا اسم الخلافة في الخلق وسمة الظل في الأرض عند التقبل بأفعاله سبحانه في التعديل بين الرفيع والوضيع والتسوية بين الشريف والضعيف من خلائقه ووفق اللَه تعالى للخير كل مستوفق إياه -

ترويحة
لما سهل اللّه على الناس تكاليف الحياة وتصاريف المعاش بالصفراء والبيضاء انطوت الأفئدة على حبهما ومالت القلوب إليهما كميلها في أيديهم من واحدة إلى أخرى واشتد الحرص على أدخارهما والاستكثار منهما وجل محلهما من الشرف والأبهة وضعا لا طبعا واصطلاحا فيما بينهم لا شرعا لأنهما حجران لايشبعان بذاتهما من جوع ولا يرويان من صدى ولا يدفعان باسا ولا يقيان من أذى وكل ما لم ينتفع به في غذاء يقيم الشخص ويبقى النوع وفي ملبوس يدفع بأس الناس ويقي أذى الحر والبرد وفي كن يعين على ذلك ويقبض به الشر فليس بمحمود طبعا - وإنما حمد بالعرض وضعا غدا حصل به ما يضطر إليه وأعوز بغيره - ولذلك سموه خيرا كالمطلق لاحتوائه على المناجح في المآرب ونطق التنزيل بما تعارفوا به قال اللّه تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا) وقال(منّاع للخير معتد اثيم) وقال(انه لحب الخير شديد) وجرى على الألسن - أن الجائد بالدرهم جائد بجميع الخير لأنها في ضمنه وان لم يكن ذلك طبعه

فقد أخبر بعض من سافر بالبحر أن الريح أفضت بمركبهم إلى جزيرة عادلة عن الجادة فارفوا عندها وانه خرج مع الخارجين إليها ودفع غلى من رأى حاجته معه دينارا فأخذه وقلبه وشمه وذاقه فلما لم يؤثر منه في هذه الحواس أثر نفع لذة رده عليه إذ لم يستجز دفع ما ينتفع به بما لا نفع له فيه - وهذا لعمري هو المعاملة الطبيعية التي بها حقيقة نظام المعاش في المتمدنين للتعاون - وأما المعاملة الوضيعة فعلى الأعم فيما اتصل بنا خبره من البلدان والممالك هي بالفلزات التي ازدانت في اعين الناس وشغف بها قلوبهم لصرف اللّه بلطفه إياها إليها اصطلاحا بينهم لا لأنفسهم - قال اللّه تعالى (اعلموا إنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) وقال جلّ ذكره(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا واللّه عنده حسن المآب) وأبان سبحانه عن صلاح المعيشة بالنساء وقرة العين بالبنين وقوة القلب بالاحتكار وإدخال الأموال وإنها لا نقنطر إلا بالصعلكة والسلطنة أو الرهن والدهقنة - وأنكر ذلك من الكانزين فقال (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشرهم بعذاب أليم) وسبيل اللّه فيما خلقهما له من انتفاع الناس بترددهما في أيديهم أثمانا لمصالحهم فمهما كنزا انقطع الانتفاع للخلق بهما وخولف أمر اللّه ومشيئته فيهما وغطت منته بردهما إلى مثل حالهما الأولى في بطن الأرض كرد الأجنة من المشيم إلى الرحم للأم فان الذهب والفضة إذا أخرجا من معادنهما صارا كالزروع المحصودة والأنعام المذبوحة لا يسوغ غير أكلها وأنفاقها - وكذلك هذا المال ليس له بعد الاستنباط غير الطبع عينا وورقا وترديده في الأيدي على حسبة تجارة أو إيتاء حقوقه -

ترويحة
المروءة تقتصر على الرجل في نفسه وذويه وحاله والفتوّة تتعداه وإياها إلى غيره والمرء لا يملك غير نفسه وقيته التي لا ينازع فيها أنها له فإذا احتمل مغارم الناس وتحمل المشاق في إراحتهم ولم يضن بما أحل اللّه وحرمه على من سواه فهو الفتى الذي اشتهر بالقدرة عليها وعرف بالحلم والفوق والرزانة والاحتمال والتعظم بالتواضع ترقى إلى العليا وان لم يكن من أهلها وسود باستحقاق لاعن خلود دار كما حدّث جحظة البرمكي أنه كان رجل بالبصرة يلبس كل يوم أحسن ثيابه ويركب افره دوابه ويسعى في حاجات الناس - فقيل له في ذلك فأجاب - إني قد تلذذت بصافي عقار الدنان وشربتها على اوتار مجيدات القيان كأنها أصوات الأطيار في الأشجار بغرائب الألحان في أطيب الزمان فما سررت منها بشيء سروري برجل أنعمت عليه فشكرني عند الأخوان - ولهذا حدت الفتوّة بأنها بشر مقبول ونائل مبذول وعفاف معروف وأذى مكفوف وكان توسل إلى إسمعيل بن احمد الساماني أحد إخلاف أهل البيوتات بآبائه فوقع في كتابه - كن عصامياً لا عظامياً - عنى قول الشاعر -
نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الكر والأقداما
وإليه يرجع قوله تعالى (الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) وقال بعض اليونانية من مت بقراباته وافتخر بسالف أمواته فهو الميت وهم الأحياء - كما قال الشاعر:
إذا المرء لم ينهض بنفس إلى العلا ... فليس العظام الباليات بمفخر
وربما افرط الفتى فتجاوز إيثار إفراط الغير على الملك إلى بذل النفس انفه من تحمل العار أو دفعاً للظلم وحفظاً لحق الجوار إما بالبسالة كالمذكورين في صعاليك العرب فمنهم الذين فدوا أضيافهم والمستجيرين بهم أنفسهم حتى ان فيهم من خرج به فعله إلى سخف او جنون من حمايته الجراد النازل حول خبائه وقتاله دون صيدها - وإما بالكرم والسماحة كحاتم الطائي الذي غرر بنفسه في هبة الرمح لخصمه وقد أشفى على الهلاك وبلغت نفسه التراقي فاحتال بأستيهابه الرمح فاستنكف حاتم عن رده ودفعه إليه - وككعب بن مامة الأيادي بإيثار القرين بحصته من الماء المقسوم بالحصى إذ قال - اسق أخاك النميري - فسقاه إياه حتى هلك عطشا قال الشاعر الجود بالنفس أقصى غاية الجود وقال آخر:
وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى
لشرب صبوح أو لشرب غبوق ... لضر عدو أو لنفع صديق
وقال علي بن الجهم:

ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارا ان يزول التجمل
عنى بالأول الفتوة إذ لم يتمكن منها إلا بسعة اليد واتساع النعمة - وربما استوى الاجتهاد في حيازتها ولا ملام على من لم تساعده المقادير على نيل المطلب0 وعنى بالأخير المروءة فأن مرارة أنفس الأحرار تأبى الانخزال وتبعث على التصون من الابتذال فيظهر السعة ويخفى الضيق ما أمكن حتى يحسبهم الجاهل بأحوالهم أغنياء من التعفف لما يراهم عليه من التوسعة في النفقة والنظافة في البدن والنقاء فيما جاوره من الشعار وإشراك الغير فيما رزقه اللّه ولم يحرمه من غير امتنان ولا قهر لأجله على امتهان كما علّم اللّه وأدب بقوله تعالى(ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) واخبرنا بإحباط نفقات الذي يرائي لغرض مذموم من غير ان يهزه لها كرم أو يحتسب منها عند اللّه قبولاً يحصل له به أجر -

ترويحة
العاقل لا يلتذ إلا بالأمور النفسانية الباقية والغبي عن حقائق أحوال المحسوسات وإيذانها باللذات يجعل عينه على ما زين من الأرض بصنوف الزينة ووشح به من الزخارف البهجة التي تطرب الحيوان غير الناطق فليعب فيها ويتمرغ في لينها وتأخذه الأريحة من روائحها فضلاً عن الناطق المميز لكنها - غنما يلذ العاقل لذة نفسانية إذا لاحظهما بعين البصيرة والاعتبار كما يلذ الغافل لذة جثمانية في الاصطباح، والاغتباق والتقلب بين الخمر والخمّار ولما لك يبق له ولأمثاله إلا مدّة يسيرة دومت بعدها وعقبها عند تصرم آجالها فسادها حتى اصفرت بعد الخضرة وتحطمت في اثر النضرة وعادت هشيما تذروه السوافي وتجعله العواصف هباء وتحمله السيول غثاء فيذهب جفاء عوضاً منها وهي افاقية تذاكير بقيت في أنفسهم بقيت لهم بعد انقضائها والوجنات الوجلة مراي الغرار المعصفر والشنبليد المزعفر والاحداق الرواني مناظر العبهر والشفاه اللُعس فيق الجلنار والشقائق وشنب الثغور البيض حواشي القاحي غب المطر وزقب الشوارب وإلا عذره رياض الخيري والبنفسج لكن هذه التذاكير لما كانت أعراضاً محمولة في أشخاص محدودة الأعمار بالية على معاورة الليل والنهار لم تخلد خلودها في ولدان الجنة المخلدين على حالهم الباقين على صفاتهم الموعودة دون الفرطة التي ظنها بعضهم الخلد فأقيم لها بدلها من الجواهر المخزونة تحت الثرى الأحجار المنضودة ومن المكنونة المصونة في أعماق البحار المسجورة ما كان أبقى على قرون تمضى وأحقاب تمر وتنقضي - وكانت منّه عليهم في قوله تعالى(يخرج منها اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان) وقوله تعالى، (وتستخرجون منه حلية تلبسونها) وشبه بها ساكنات الجنة فقال عز من قائل(كأنهن الياقوت والمرجان) ولولا الزينة فيها لما انفصلت عن الذهب والفضة فان سبيلهما في عدم الغنى عند الضرورات سبيلهما بل هي مختلفة عن فضلهما في تثمين الحوائج والحاجات فانها كذلك مثمّنة بهما - وربما كانت على وجه التعويض مزيحة العلل وهي جواهر جسمانية نفاستها بما يحسن الحس منها فيمدح بحسب ذلك مادامت مستبدة به فإذا قرنت بالجواهر النفسانية انكشفت وذم منها ما كان يحمد على مثال وصف أبي بكر الخوارزمي رجلاً، انه درّة من درر الصدف وياقوته من يواقيت الأحرار لا من يواقيت الأحجار -
ترويحة

الملذ بالحقيقة ما ازداد الحرص عليه إذا دام اقتناؤه - وهذه حالة النفس الانسانية عند استفادة ما لا يعلم إلا ان يغلبها البدن عند طلب الراحة من تعب المساعي ويلهيها عمّا كانت فيع بسبب العجز عن استماع حين تخل الحواس بأفاعيلها وتقتصر القوة المتخيلة في النوم على تخايلها واللذة في عرفان المعاني التي في حشو الاصوات المسموعة فانها إذا تجردت نغمات خالية عن معنى يفيده ماتها النفس على طبيعتها فاستروحت منها إلى السكون والسكوت؟ - وأما اللذات البدنية بالتحقيق معقبة الآلام مؤدية إلى الاستقام تمل إذا دامت وتؤذي إذا افرطت يكفيك دليلاً عليه طيب الطعام فان غاية ما تشتهي منه في أوائله ثم ترجع القهقرى متناقصاً إلى أن تبلغ في أواخره إلى حد يفضي إلى الغثيان والتهرع والقذف أن غشى تبعه إكراه عيه خلاف التلذذ النفس بمعاملها فإن له مبدأ يقبل على الازدياد غير واقفة فيه عند غاية بل يزيد إيقاناً أن أطائب الدنيا خبائث ومحاسنها قبائح؟ أمر الجماع الذي يستهتر بع المسرفون على أنفسهم فغنك ترى المجامع يروم ما لايقدر عليه من الاتحاد بسكنه والاندساس بكليته في جوف عشيقته لولا المانع من بلوغ غايته الباعث على الرجوع غلى الوراء لإعادة الفعل برجعه قد ضامها العناق ليتلاصق الصدران ويتقارب القلبان وناسمها ليتصل الأنفاس ويشترك النسيم بين الفئدة والأحشاء وأدخل لسانه في فيها يردده بين الحنك واللهوات ويرتشف الريق من الثنايا واللثات ليفعل بالفم مثل فعله بالهنء فتتضاعف اللذة بتثنية الفعل إلى أن يفرغ بالإفراغ ويصرع أشد الصراع كالعائذ النذور - والمخالف يستريح بالجهد من الجهد وينبطح على حال المرحمة فإذا انتعش عاد أليه كالمخمور من العقار وقد أكسبته الانسية الاختيار فيما هو للبهيمة ضروري طبيعي - كما حكى عن المتوكل أن أعضاؤه ضعفت عن حركات الرهز ولم يشبع من الجماع فملى له حوض من الزئبق وبسط عليه النطع ليحركه الزئبق من غير أن يتحرك فاستلذه وسأل عن معدنه فأشير إلى الشيز بآذربيجان فولى حمدون النديم ثم ليجهز إليه الزئبق - فقال -
ولاية الشيز عزل ... والعزل عنها ولايه
فولني العزل عنها ... ان كنت بي ذا عنايه
وتضرع حتى أعفاه - وهذان ألمان التجاء في ضعف القوة وفي معرض اللذة ونوعان من الأذى خيلا بصورة الطيبة ونصبا فخين في مصائد الخلقة والطبيعة مقصورة بهما إبقاء الشخص مدة والنوع دائماً ما بقيت اللذة والطيبة مكثوا ويغتر بهما الغر وينخدع لهما الغبي عمّا بفعل حتى يحصل منهما الغرض الإلهي في تعمير العالم بالحرث والنسل والحيوان ثم أن الإنسان خاصة معرض لعارض التغير في النطهة ان سلمت منه في أصل الجبلة وكذلك لتوسط القذار الوسخة والخبائث الدنسة منه بين المغيض والفوهة في جوف الشورة فيكره استنكافه عقيب النوم وعلى الجوع وفي البكر بعد ذلك التنافس في إتحاد النكهتين بالقبل والريق والرشف - قال ابن الرومي -
كذلك أنفاس الرياض بسحرة ... تطيب وأنفاس الورى تتغير

ولا يخفى مع ذلك أنه دائم التعرق أما باحتدام الهواء المحيط وأما بإنعام التدثر للأمان من برده وأما بمتاعب الحركات في مطالبه ومقاصده فيزدحم في مسام جلده ما كان يخرج بالنفشاش رويداً والتحلل الخفي قليلاً قليلاً إلى ما إذا تراكم في الإبط ذوى بالصنان وان مكث في الارفاغ وخلل الأصابع وباطن الأقدام لم يخل من مكروه والنتن الجوربي بل هو بصدد ريح الحمأ المسنون تفوح من بشرته عند تحّاك الأعضاء الذي لابد منه في الحركات يربكه حك باطن احدى المعصمين على أختها بالتواتر إلى أن يحمان وما في البدن موضع الأوله من العرق والوسخ قسط وان خفى أحياناً عن البصر - والرأس أشرف عضو فيه كما قال ابن أبي مريم التعمم والتلئم عندما سئل عن سببه؟ ان عضو اجمع ما أعرف به الدنيا واصل بمشاعره إلى المطالب القصوى لحقيق أن أشرفه بالزينة وأخصه بالصيانة عن الأذى والقذى - فتأمل ما ينبع من منافذه دائماً ويسيل منها متتابعاً من قذر تكره رؤيته ويجتنب مسه بل يستقذر ذكره ثم ربما حسنه عند نعضهم هو النفس الأمارة بالسوء بعزوب اللب في جنون العشق المغطى على عيوب الحب فاستحسن منه قطرات دموعه وشبهها بنثر الدر واستطاب طعم رضابه فمثله بالأرى والخمر وريح نفسه بسحيق المسك والعنبر ولم يشعر لخلاعته ومحونه يقبح ما استحسن إلا إذا تم عليه مفارقة ذلك المستطاب بدون المحبوب أدنى مفارقة أو جمود ما سال من العين والفم فان الدمعة بمكثها في المأقين تنعقدر مصا رهو ببياضة أشبه بالدرة الصافية والبلورية ومتى زايلت عينها والخد - وتلك الريقة شفتها والثغر كرهها ذلك المستطيب ويحتويه وأستجسها بالمس فضلاً عن الذوق وما أظنه مسيغا لمطعوم إذا تفل فيه معشوقة شيئاً من لعابه سيما إذا كانت مع سعلة تصعد بحاء التنحنح نفثا من الرئة إلى الشفة وبخدر بحاء التأخخ لزج الدبس بين الخياشيم إلى الحلاقيم وان عسى علاه اللجاج كانت الحكومة إلى امرئ برئ من آفته فلن يعاند في ان نفسه أحب شيء إليه وان ما يحب سواه فلاجلها وان حبه إياها يخفى عليه عيوبها وعوارها - (فحبك الشيء يعمى ويصم) ثم انه لن يستحسن من نفسه ولن يستطيب منها ما استحسن ذلك من غيره واستطاب ولكنه يستقبحه ويستقذره فيضرحه ولهذا ورد في الأثر نهى عن النفخ في المطعوم والمشروب فيستبن بذلك أن الأصل فيما ذكرناه هو الاستقباح وان الاستحسان فيه عارض حادث والعارض لا محالة زائل وإلى الأصل آئل -

ترويحة
للناس في دنياهم أحوال مختلفة يتقلبون فيها فيحمدون على بعضها ويدمون على بعض وفضل المحامد ظاهر من كراهة صاحب الدام أن يذكر بما فيه منها وحبه التكذب في نسبة المحامد إليه وان لم يكن فعلها هرباً من الخزي وظناً أنه بمفازة من العذاب ثم أن المحامد قطبها المروءة ومدار المروءة على الطهارة والنظافة والمقتدر عليها باختيار وهو الممكن من الوفر والخارج عنها هو المفتقر الطهر - بالفقر وفيما بينما المكفى في عيشته المرام بمادة تدور ولا تنقطع عنه وسعادته في صديق مخلص ممدوح الخليقة محمود السيرة والطريقة قد اتحدا بالنفس وتغايرا بالبدن كالقول في حق الصديق انه أنت إلا انه غيرك - بنفر كل واحد منهما عمّا لا يرضاه لصاحبه ما يريده لنفسه - واعتبار من أعداد الأصدقاء والندماء كمثله بالواحد فانه محدود بالمبدأ وما وراءه من أعدادهم فليس له حد غير مقدار الحال واتساعه لاصطناعهم وارتباطهم حتى تكون المروءة عند تكاثرهم على حالها ويكون بهم الترقي إلى مراتب الرياسة والملك - والهمة تعتلي بحبالها الخير ورة في طلب الخير لكافة الخليقة عامّة وأهل الجنس خاصّة تمنيا عند العجز وفعلا لدى القدرة - ونفي الإنسان أقرب قريب منه وأولى من تقدم في طلب الخير لها وبعدها ما طاف لها من مواقفتها أدناها فالأدنى من ملبس يماس بدنه ويباشر بشرته وكن يحيط به وخادم يقوم لحاجاته ومطعم ومشرب في أوانيه وآلاته فاما الحسن في الصورة والجمال في الهيئة فهما محبوبان يرغبون فيهما ممن يلاقى حتى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يستوفد حسان الصور والأسماء وكان ينقا الأسماء المستكرهة في الناس والبقاع والجبال إلى الأسماء المستحسنة - لكن الصور عطايا في الأرحام لا سبيل إلى تغييرها لأحد من الأنام

وأما صور النفس في الأخلاق والسير فما لك هواه قادر على نقلها من المذام إلى المحامد مهما هذّب نفسه وداواها بالطب الروحاني وأزال عنها أسقامها بالتدريج والطُرُق المذكورة في كتب الأخلاق - وأول ما يلاقي منن بدن الإنسان بشرته ومنظر صورته ولئن عجز عن تبديل الصورة أنه لن يعجز عن تنظيفها إذا استنجس التخلف فيه عن الحيوان غير أن الناطق كالسنانير الأهلية لما ساكنت الناس في دورهم وأوت إلى ما واهم حفظت مجالسهم وفرشهم عن نفض الفضول فيها وأفردت لها موضعاً هو لها كالمستحم للإنسان ثم قامت طبعاً ما أمر اللّه به شرعاً في قوله تعاى(يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم غلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم إلى الكعبين) - فتأمل تنظيفها بإخفاء السوءة تحت التراب باحتياط يخفى فيه وتنقطع رائحتها ثم إقبالها على تنظيف المخرجين بمثل الطهور وتطهير الأطراف باللحس وغسل الوجه والتعطس بحك المناخر بالبرثن من القائم مقام السبابة في الجانب الأنسى من أيديها حتى تنقص الرطوبات عنها بمثل المضمضة والاستنشاق ثم المس على الرأس والأذنين بالكف المندى بالريق - ومدار الأمر في نظافة الإنسان على الماء الطهور الذي يراح من ريحه وطيبه روح الريح ويوجد به طعم الحياة وليس بنقى ما يكره منظرا وريحا من الأدناس غيره أو ما يشابهه فينوب عنه المياه المحظورة في الأمور الشرعية فانها تفعل في هذا الباب فعله - ووصايا العرب والعربيات بناتهن ترجع إليه وتدور عليه - قال عبد اللَه بن جعفر لأبنته حين زوجها أياك والغيرة فأنها مفتاح الطلاق وأنهاك عن أكثار العتاب فانه يورث البغضاء وعليك بالزينة وأزينها الكحل وبالطيب وأطيبه الماء - وزوج عامر بن الظرب العدواني ابنته من ابن أخيه وقال لأمها مري ابنتك أن لا تنزل الفلاة إلا ومعها الماء فانه بلاء على جلاء وللأسفل نقاء وان لا تمنعه شهوته فان الحظوة في الموافقة ولا تطيل مضاجعته فان البدن إذا مل مل القلب - وقال أحدهم لابنته ليلة الهداء، كوني لزوجك أمة يكنلك عبدا وعليك باللطف فانه أبلغ من السحر والماء فانه رأس الطيب - وأوصت أم ابنتها فقالت، كوني له فراشا يكن لك معاشا وكوني له وطاء يكن لك غطاء وإياك والاكتئاب إذا كان فرحا والفرح إذا كان مكتئبا ولا يطلعن منك على قبيح ولا شيمن منك إلا طيب ريح ولا تفشين له سرا إلا تسقطين من عينيه وعليك بالماء والدهن والكحل فانه أطيب الطيب وقالت أم لأبنتها عطّري جلدك وأطيعي زوجك واجعلي الماء أكثر طيبك - وقالت أخرى أدنى سترك واكرمي زوجك واجتنبي المراء والستطيبي بالماء وقالت أخرى، لا تطاوعي زوجك فتمليه ولا تعاصيه فتكسعيه واصدقيه الصفا واجعلي طيبك الماء - فهذا هذا وهذا نظف المتجمل البشرة ونقى المنافذ والأجحرة بصب الماء وإدامة الاغتسال حق له أن يزيد في تحسينها ويزينها بالألوان التي هي محسوس البصر بمعونة الضياء أما في البدن فبتبييض البشرة بالغمر وتوريدها وخاصة إن كان بها صفار أصلى أو عارض ثم تسويك الأسنان وتسنينها وتنقية الأشفار والعين وتكحيلها وخضب الشعر عند الحاجة وترجيلها وقص أطراف بعض ونتف بعضها وقلم الاظفار وتسويتها - وأما في أحاط بالبدن فالثياب أولاها وأولها لمماستها إياه فواجب ان ينظفها غلى اللون العام المحمود وهو البياض ويصقلها لئلا يتشبث الغبار والدخان بها أو بلونها بحسب الوقت وعادة أهل الزمان في البلاد فتزول آفاتهما عنهما ولتشابه الجواهر التي خلقت للزينة - قال عمر بن الخطاب رضي الل!ّه عنه حين سئل عن المروءة ما هي فقال، إنها النظافة في الثياب - وكما قال غيره، المروءة الظاهرة في الثياب الطاهرة - وهذا لأن من نظف ثيابه يبدأ ببدنه لئلا يدنسها باوساخه ودرنه من داخلها وتلاه بالبيت والمجلس كيلا يلوثها ويتربها من خارج فتم المراد في الجميع بوساطة الثياب ويكفيه في ذلك باعثا على ذلك ما قيل في من خالفه -
لا يليق الغنى بوجه ابي الفت ... ح ولا نور بهجة الإسلام
وسخ الثوب والعمامة والبر ... ذون والوجه والقفا والغلام

ولجلالة محلها في هذا الباب عبر عن طهارة النفس والقلب بنقاء الثوب والأزرار والجيب - وقال بعض أهل التفاسير في قوله تعالى(وثيابك فطهر) أن معناه قلبك ونيتك وهو محتمل وظاهر الآيه وباطنها كليهما في نهاية الحسن على موجب العقل - وهذا هو صفة المروءة على أقل حدودها فإن كان بعضهم وصفها بأنها حب الرياسة لا تنال إلا بالصيانة وبذل الجهد - وهذه صفة الفتوة لا المروءة - قال النابغة -
رقاق النعال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب
قالوا في السباسب أنه يوم الشعانين لأن البيت مقول في الغسانية وكانوا على النصرانية وكأنهم عنوا بالريحان ما كان في أيدي الداخلين مع المسيح عليه السلام بيت المقدس من قضبان الزيتون والأترج وهو تخريج غير بعيد ولكن المقصود في البيت عزة الرياحين أيام قطه المهامه وانهم يحيّون فيها بهلولا يعوزهم ما يعوز غيرهم مثل ما يحمل من الرياحين والبقول في البادية مع من حج من الملوك وكبار المترفين - وكل ما عز وجوده يتيمن به - قال بكر بن النطاح الحنفي -
جئتك بالرامش رامِشْنة ... أطيب من رامِشنة الآس
وهذه الرامشنة ورقتا آس متحدتان إلى الوسط متباينتان منه إلى الرأس وتوجد في الندرة فيحيى بها الكبار وخاصة الديلم - ويتلو الثياب زينة الجواهر أنفسها بحسب الرسومم المعتادة في كل بقعة ولكن طبقة من الخواتيم للذكران والتيجان للملوك وما رصع من الوشح والمناطق والقلانس والقفازات والقضبان والأعمدة لهم ولمن مثل بين أيديهم وللإناث ما لهن من المدارى والأكاليل والأسورة والخلاخيل والحبيرات والمعاضد والعقود حتى يتعداها المبذرون والمترفون إلى ما هو أبعد عن البدن حتى حيطان الدور وسقفها وأبوابها ورواشنها فيجعلونها بمثل حليهم - كل ذلك لتحسين أول ما يلاقى منهم وإظهار التفاخر والتكاثر لتلويح عزة الاستغناء وفضل الاقتدار وبالتمويه لا بالتحقيق -

ترويحة

ان من أظهر الأدلة على كمال المروءة تكميل النظافة بالأرايح الأرجة التي تتعدى إلى الغير فتلذه وترغبه في الاقتراب والمناسمة وتخفى ما في الإنسان من العوار والوصمة وإليها يرجع قول من حد المروءة إنها الإرادة للغير ما يراد للنفس - وقول من حدها باجتناب المحارم وكف الأذى - بل لوحدت بالاعتصام بالديانة لمل خرج عنها ما قالوا فالدين يوجب العدل والتسوية وقمع الظلم الذي يراد للنفس وإعانة المظلوم ولم يبعد من وصفها بأن لا يعمل سراً ما يستحي منه في العلن - ومن حسن خلقه بتحسين الخلق وهيأ مطعمه بالطيب من الحلال وأشرك فيه غيره بالتسوية واحتشد فيما زاول بالنظافة وتممه بالطيب الذي هو أحد ما حبب إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم من علائق الدنيا فقد سرّ أكليله وآنس جليسه وأكرم نديمه وكفّ أذاه وأراد له ما أراد لنفسه وخرج عن العهدة الواردة فيمن منع رفده وأكل وحده وضرب عبده ومما يشبه نظافة الثياب ان كان معناها الطوية وتدعوا إلى حسن الطاعة وعز القناعة والأخذ بالأصوب في اليوم والعاقبة ان معز الدولة أحمد بن بويه كان يفرط في التشيّع وانه أشخص من نواحي فارس أحد كبار العلويين مشتهر بالديانة وحسن السيرة والصيانة واسر إليه بتبرمه بتقبيل أكمام االمخانيث يشير بذلك إلى المطيع وانه إنما استحضره ليوصل الحق إلى ذويه ويسلم الملك والخلافة إلى أهليه ةانه أولى بسياسة الأمة بحق الوراثة وما خصه اللّه وجمعه فيه من الفضل والعدل وحسن الطريقة - فدعا إلى العلوى وشكره شكراً كثيراً ومدحه على اعتقاده في أهل بيت الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأولاد البتول وأحمده على ما نوى من التقرب إلى اللّه تعالى بإنعاشهم وإعزاز الدين بهم ثم استأذنه في الإفصاح بما عنده في ذلك فأذن له فقال ان عامة الناس في الأقطار والأمصار قد اعتادوا الدعوة العباسية ودانوا بدولتهم وأطاعوهم كطاعة اللّه والرسول ورأوهم أولى الأمر وتزاحموا على الأنقياد إلى ولاتهم ولم يعهدوا غلى العلوية الناجمين غير الأسر والقتل فاعتقدوا فيهم العصيان والكفران بالخروج على خلفاء اللّه وولاة الأمر فإذا فعلت ما أضمرته وازمعته بادهت الجمهور بما تعودوا غيره فلم ينقادوا له دفعة وحسدك من لا يخالفك في العقد على اتحاده ذلك بك دونه فلن تستغن في نقل الملك من قبيلة غلى اخرى عن حروب تتوالى عليك حتى تضجرك وأنا سببها فتراني حينئذ بعين المقت والبغضة وتنطوي فيما فعلت إلى الندامة والحسرة فيحيط اجر ما انتدبت له من تلك الفعلة - هذا إذا رزقت في مغازيك الفلح والنصرة وأما إن جرى الأمر بخلافه فقد زال ملكك ولم يستقر بي قرار ما دمت في دار السلام إلى أن أتحول إلى بخوت بحشاشتي إلى دار الحرب وعبدة الأصنام فما الذي يدعوك إلى التعرض للحتوف والمهالك وأنا الآن حيث أسكن معظم مبجل فاضل النعمة على كل تاني ودهقان نافذ الأمر في القاصي والداني لاترتفع فوق يدي يد رئيس أو عامل أو أمير فخل بيني وبين ما رزقني اللّه تعالى لا تهنأ به تهنؤك ولا تستنكف كُم هو أنظف واطهر كثيراً من شفاه دسمة وثغور وسخة وأنفاس بخرة تولع ليلاً ونهاراً بتقبيلها ولست تأنف منها ولا تستقذرها وسل اللّه عز وجل ما فيه صلاح دينك ودنياك وارتهن دعائي لك بالخير في عقباك - فأضغى معز الدولة إلى قوله وقبّل رأسه وعينيه وصرفه إلى وطنه مكرماً معظماً ولم يتخلف عنه من ينشد ما قيل بفكرة ثاقبة ويعمل عليه -
إذا كنت في نعمة فأرعها ... فان المعاصي تزيل النعم
فبه تنال النجاة في الدنيا والآخرة ورضى أولياء النعم من اللّه تعالى ومن الأنس -

ترويحة

الناس كلهم بنو أب وأشباه في الصور لايخلون فيما بينهم عن التنافس والتحاسد الذي في غرائزهم بتضاد أمشاجهم وأمزجتهم وطبائعهم والاشتمال على ما للعين منذ عهد ابنى آدم المقربين قرباناً مقبولاً من احدهما مردوداً على الآخر لولا ما يزع عن ذلك من خوف جل من اللّه تعالى أو عاجل من السلطان وما يكن السلطان قوياً نافذ الأمر صادق الوعد لم تتم له سياسة من تحت يده فكل واحد منهم يرى انه مثله وانه احق بما له وملكه ولهذا قصر الملك على قبيلة اتنقبض أيدي سائر القبائل عنه ثم على شخص فضل أشخاصها ثم على نسل له ولي عهد فصار الملك ملكا لهم ثم أضيف غلى ذلك حال معجز بلغ به غاية القوة وهو التأييد السماوي والأمر الإلهي بالنص على نسب لا يتعدى عموده كما كانت عليه الفرس في الكاسرة وكما كان عليه الأمر في الإسلام من قصور الإمامة على قريش ومن وجبت له المودّة لهم بالقربى وكما أعتقد أهل التُبّت في خاقانهم الأول أنه ابن الشمس نزل من السماء في جوشن وأهل كابل أيام الجاهلية في برهمكين أول ملوكهم من الأتراك أنه خلق في غار هناك يسمى الآن بغبرة فخرج منها متقلسا وأمثال ذلك من أساطير الأمم الصادرة من حكمه بجمع للناس طوعا على الطواعية وبحسم الأطماع عن نيل كل أحد رتبة الملك - وكما تميز الملوك عن غبرهم بهذه الخصال كذلك تمموا التميز بإعلاء الأيوانات وتوسيع القصور وترحيب الرحب والميادين ورفع المجالس على السرر - كل ذلك سموا غلى السماء وإشرافا على الخاص والعام من العلاء - وإليه ذهب البحتري في قوله -
وليس للبدر إلا ما حبيت به ... ان يستنير وان تعلو منازله
ولم تكن للزيادة في القدرة حيلة فجعلوها بالتيجان والقلانس وأستطالوا بالأيدي حتى وصفت ببلوغ الكواكب كما سمى الهند أحد ملوكهم مهاباهو أي طويل العضد والفرس بهمن أرشير ريونددست في ذرى الجبال كل ذلك علامات اعلو الهمّة وانبساط اليد بالقدرة - ثم تزينوا بصنوف الزينة المثمنة ليحلو في القلة جلالة الأموال في العيون فتتوجه إليهم الأطماع ويناط بهم الآمال واحتالوا بحيل تفاوضت في البدعة والحسن والغرابة للغوص على سرائر الخاص من البطانة وأفعال العام من الرعية ومقابلتها بواجبها في إسراع ذلك على تنازح الديار بالفتوح المتناقلة والبرد المرتبة والسفن المطيرة والحمامات الهادية الطاوية للمسافات حاملة للوامر والأمثلة في المدد اليسيرة حتى خيفوا في السر والعلن واجتنبت خيانتهم فيهما ونوقف على ذلك من أخبار دهاة الملوك وجبابرتهم

ترويحة
الملوك أحوج الناس إلى جمع الأموال لأنهم بها يملكون الأزمة ويسيرون العنة - قال المنصور لحاجبه؟ يا ربيع أنا أجمع الأموال فان الناس يبخلوننى وقد بر انى اللّه من هذه الشيمة الذميمة ولكني لمّا رأيتهم عبي الدينار والدرهم رمت أستعبادهم بهما إذا احتاجوا إليهما ثم كانا معي وليس جمعهم لها خزنا بالحقيقة وكنزا فان التفرق إلى مجموعاتهم أسرع من الماء إلى الحدور لكثرة الأفواه الفاغرة نحو نعمهم والأيدي المشمولة إلى عطياتهم وضلاتهم والأعين الطامحة إلى الاهلة الطالعة لحلول أرزاقهم وجراياتهم والأصابع اللاعبة بحسبان أيام أطماعهم وفروضهم ولذلك هم اشفق من النقاد وأخوف من انقطاع الأمداد - فكل مجموع لا محالة متفرق وما تفرق إلى نفاد - وليد كرنى من الأمير الماضي يمين الدولة محمود رحمه اللّه وما ذكرنا في طباعه أثبت وأحكم يدل على انه لم يكن يفرغ من فريسة قصدها وظفر بها إلا ويخيل بصره بعدها لخرى يزحف إليها ويحوزها كأنه مبتغى الوادي إلى أنفاق مرتب او مسرف فيه - وحملتني النشوة على ما لم يزل كان يشكوه مني ويجفوني بضجره به فقلت؟ اشكر ربك واسأله واستحفظه راس المال وهو الدولة ولإقبال فما جمعت تلك الذخائر إلا بهما ولن يقاوم بأسرها خرج يوم واحد غير منتظم بزولهما فأمسك ومن اعتبر قولي بحال الأمير الشهيد مسعود أعلى اللّه درجاته بسعادة الشهادة تحقق حقه عند الحادثة عليه وزوال النظام عن أمره وعمّا في يديه كيف تبددت أمواله الدثرة مكتسبها والموروثة في يوم كيوم الدخان ثم تلاشت هباء منثورا لم يكشف عن عاد ربه فقرأ لو لم يظهر في كسير جبرا وكان امر اللّه تعالى قدرا مقدورا -
ترويحة

الدفائن الباقية تحت الأرض ضائعة في بطن الأرض تكون في الأغلب لطبقتين من الناس شديدتي التباين متباعدتين القصيين وهما أهل السلطنة وأهل المسكنة - أما المساكين فانهم إذا تعودوا الأستماحة اعتمدوها في القوت علما منهم بإنها رأس المال لا ينقص وخاصة مع الألحاف في السؤال والألحاح في الطلب فإذا استغنوا بها عن شري مطعم أو مشرب أخذوا في جمع الفلوس والحبات والقراريط ذودا إلى ذود يصرفون الفلوس بالدراهم والدراهم بالدنانير وليس لهم امين غير الأرض لأنها تؤدى ما تستودع وبأمانتها جرى المثل فقيل، آمن من الأرض - ثم يموت أكثرهم إما فجاءة من خشونة التدبير وإفراط التقتير وإما في سوء حال لا ييأس فيه مع الحرص من الأقبال والإبلال ولا تسمح نفسه فيما شقي في جمعه ان يكون لغيره حتى يتفوه بالإيصاء به فيبقى مدفونا قل أو كثر - وأما الملوك فلكثرة نوائبهم يعدون الذخائر للعدد ويحصنون الأموال في القلاع والمعاقل وان يكون حمل ذلك إليها مستور التوسط النقلة والحفظة وبينها فيحتاجون معها إلى خبايا لا يطلع عليها غيرهم - فمنهم من لا يراقب اللّه تعالى في الأتيان على ناقليها إلى المدافن ومنهم من يحتاط في ذلك ويحتال بإيداع الفعلة صناديق فارغة ويتولى سوق البغال معهم إلى المواضع فإذا أخرج القوم؟ بالليل من تلك الصناديق لم يعرفوا أثرهم من العالم وإذا فرغوا من الدفن أعيدوا غليها وردوا فحصل المرام وبعد عنه الأثام - ولهذا شريطة هي أن لا يحمل منهم النفر مرتين فان تعافصوا فيه ولا يستعدوا فقد اغفل بعضهم هذه الشريطة والمرشح للعمل مترصد فيه للمعاودة وقد جعل في اسفل الصندوق ثقبة واعد مع نفسه كيسا من أرز اخذ ينثرها قليلا قليلا واقتفاها في الغد حتى فازوا بالمذخور ولم يقف صاحبه عى الحال الا بعد عشرين سنة لما احتاج أليها ولم يجد فيه غير حساب بهلول - ثم يعرض للمدخر حالات تبقى الكنوز تحت الارض ولا توجد الا اتفاقا او بحال من حوادث السيول وغيرها تدل عليه - فقد بقيت اموال بجكم الماكاني في المدافن التي ولع بها لما بادهته الطعنة تلف فيها كما بقيت اموال ابي علي محمد بن الياس في مفاوز كرمان لما انتقل عنها الى الصغد مكرها من ابنه غير مختار - (رب ساع لقاعد آكل غير حامد) -

ترويحة

لما احتاج الملوك في حركاتهم وانتقالاتهم الاختيارية والاضطرارية إلى أصحاب أموال تصحبهم من اجلها خدمهم وينزاح بهم العلل في اخراجاتهم وعوارضهم وكان الورق أخف محملا من المثمن به في المصالح نظروا الى الفاضل عليه في ذلك فوجدوه العين فان المثمن من المطالب يكون عشرة أضعاف ما يحصل بالورق على الاصل القديم المعين في الديات والزكوات وان تغير بعد ذلك لعزازة الوجود ونزارته في بعض الأحايين دون بعض او لفساد النقود - وأما في اصل الجبلة في كل عالم فان الذهب اعز وجودا من الفضة والفضة اقل وجودا من النحاس ويناسبها صغر الحجم وعظمه ورجحان الوزن ونقصانه - ثم من العجب ما في زرويان من معدن واحد يعطى جواهر هذه الأجناس الثلاثة بتفاضل مقارب لهذه النسبة وذلك ان عطية الوقر فيه من الذهب وزن عشرة دراهم ومن الفضة وزن خمسين درهما ومن النحاس خمسة عشر منا - فلهذا اثروا العين على الورق في الاصطحاب وخف عليهم محمله وحين لم يأمنوا الواقعات النائبة سجالا وقد عرف أن النجاء فيها بالقلة والخفة مالوا الى الجواهر اذ كان حجمها عند حجم الذهب اقل قدرا من حجم الذهب عند الفضة وحجم الفضة عندما يشتري بها من المصالح فاصطحبوها معهم وقرنوها بأنفسهم ولكنها عند إلجاء تلك الحوادث الى التنكر - ربما صارت ساعية بهم دالة عليهم كما نم بفتية الكهف عتق السكة في الورق حتى اتجهت عليهم التهمة بوجود ذخيرة عتيقة - وذلك ان الجواهر خاصة من آلات الملوك فاذا كانت عند غيرهم مما لا يليق بحاله تلونت الظنون فيه بأنها أما مسروقة والسارق مطلوب وأما متملكة حقا لمتنكر من الكبار ومثله مرصود - وقد كان فضلاء الملوك يجمعون الأموال في بيوتها من المساجد ويجلبونها من اجل وجوهها - ثم يكنزونها بالتفرقة في أيدي حماة الحريم ثم الدافعين مغار العدو عن الحوزة إذ كانت أول فكرتهم أخر عملهم - وهم كالخلفاء الراشدين ومن تشبه بهم مقتديا مثل عمر بن عبد العزيز والكثير من المروانية والقليل من العباسية أذ كانوا يرون ما قلدوه عبأ ثقيلا قد حملوه ويحتسبونه محنة ابتلوا بها وكانوا يجتهدون في نقص أصرها ويتحرجون عن التردي في وزرها - يحكى عن قاطني أحد البلاد في أقاصي بلاد المغرب أن الأمارة تدور فيما بين اعيانهم وثباتهم على نوب يقوم بها من ينوبه ثلاثة اشهر ثم ينعزل عنها بنفسه عند انقضاء أمدها فيتصدق شكرا فيرجع إلى أهله مسرورا كأنما انشط من عقال ويشتغل بشأنه - وذلك لأن حقيقة الامارة والرياسة هي هجر الراحة لراحة المسوسين في أصناف مظلومهم من مظالمهم وأتعاب البدن في الذياد عنهم وحمايتهم في أهليهم وأموالهم ودمائهم وأنصاب النفس في إنشاء التدابير للقتال دونهم والذب عن جمهورهم وما يجمعونه له من الوظائف المقسطة بينهم كالأجرة المفروضة لحارس المحلة مثل ما يجمع المبذرق الرفقة بحسب فعله وقدر رتبته وقد انقضى ذلك بانقضاء زمانه - ولكل زمان مراسم يجب ان تراعى في اهله واىزلال النظام بعد التشابه والالتئام -

ترويحة
إنما حرم شرب الماء في أواني الذهب والفضة لمل تقدم ذكره من انقطاع النفع العام بها واتجاه قول الشيطان عليه(وآمرنهم فليغيرون خلق اللّه) ولنكتة ربما قصدت فيه وهي ان هذه الاواني لاتكون الا للملوك دون السوقة وللأنام بين الأيام من الضيق والسعة دول تدول وأحوال تحول فاذا صرف ما حقه يبث في الأعوان الى تلك أواني اتكالا على كثرة القنية أيام الرخاء ثم دار الزمان واتى بضده أحوج الى سبكها وطبعها دراهم ودنانير ففترت النيلت بظهور الضيقة وطمع الأعداء بانتشار خبر الضعف والإفلاس بين الناس فهم عبيد الطمع وما نعو الحقوق إذا أمكن وهو المعنى المظنون به انه محشو تحت التحريم فلن يخلو الشرع الشريف من مصلحة عامة او خاصة دنياوية أو آخرية وفق اللّه تعالى الكافة للتأمل واعتبار المستأنف بالماضي وصانهم بالقناعة عن احقاب الاوزار ورزقهم السلامة من الغاشين والدعار بمنه وكرمه -
فصل

نريد ألان نخوض في تعديد الجواهر والأعلاق النفسية المذخورة في الخزائن ونفرد لها مقالة تتلوها ثانية في أثمان المثمنات وما يجانسها من الفلزات فكلاهما رضيعا لبان في بطن الأم وفرسا رهان في الزينة والنفع ويكون مجموعها تذكرة لي في خزانة الملك الأجل السيد المعظم المؤيد شهاب الدولة وقطب الملة وفخر الأمة أبي الفتح مودود بن مسعود بن محمود قرن اللّه بشبابه اغتباطا وزاد يده بالنصر تطاولا وانبساطا فانه لما فوض الى اللّه تعالى أمره تولى إعزازه ونصره ونصب حب اللّه بين عينيه عفا عن من استغاث باسمه وأمّن من استأمن بذكره وأخفى صدقاته بعد صلاته البادية ليفوز بما هو خير له في السر والعلانية حقق اللّه آماله وتقبل أعماله بمنه وسعة جوده - ولم يقع إلى من هذا الفن غير كتاب أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي في الجواهر والأشباه قد افترع فيما عذرته وظهر ذروته كاختراع البدائع في كل ما وصلت اليه يده من سائر الفنون فهو أمام المحدثين وأسوة الباقين - ثم مقالة لنصر بن يعقوب الدينوري الكاتب عملها بالفارسية لمن لم يهتد لغيرها وهو تابع للكندي في أكثرها - وسأجتهد في أن لا يشذ عني شيء مما في مقالتيهما مع مسموع لي من غيرهما وان كانت طبقة الجوهر بين في أخبارهم المتداولة بينهم غير بعيدة عن طبقة القناص والبازياريين في أكاذيبهم وكبائرهم التي لو انفطرت السماوات والأرض لشيء غير أمر اللّه لكاتبه ولنا ببطليموس أسوة في تأمله من تحريصات التجار الذين لم يجد بدا من الاستماع منهم لتصحيح أطوال البلاد وعروضها من أخبارهم بالمسافات والعلامات - واللّه تعالى استوفق لما قدرت واستعينه على ما نويت واللّه الموفق -

المقالة الاولى
في الجواهر
ابتدأ نصر بن يعقوب بتعديد اسامي المشهورين من طبقة الجوهريين في الأيام المروانية والعباسية مثل عون العبادي وايوب الأسود البصري وبشر بن شاذان وصباح ويعقوب المندي وأبي عبد الرحمن بن الجصاص وابن خباب ورأس الدنيا وابن بهلول وتحامينا اتبأعهلان هذه العدوة تتكاثر في الأزمنة والأمكنة وتشتهر عند الملوك الاجلة وتتفاضل بحسب العلم والفطنة وفوق كل ذي علم عليم -
الياقوت
وأول هذه الجواهر وأنفسها وأغلاها الياقوت - قال الله تعالى في تشبيه الحور العين في مقر الثواب (كأنهن الياقوت والمرجان ) واليواقيت بالقسمة الأولى أنواع منها الأبيض والأكهب والأصفر والأحمر ولم يعن منها فى هذه الصفة غير أشخاص الأحمر فان الكهبة في الوجه والجلد من عوارض المخنوقين والملطومين والصفرة من لوازم الماروقين والخائفين - قال الحمزة بن الحسن الأصفهاني ان اسمه بالفارسية ياكند والياقوت معربة فان الفرس كانوا يلقبونه بسبج أسمور اي دافع الطاعون وهو سبج بالفارسية وقد وصف أحره في الكتب المعمولة في خواص الأحجار بما ذكر حمزة في معنى لقبه - والهند يسمونه بدْمَ راكك ويختارون منه المشبع الحمرة الصافي الشفاف وكان بدم اسمه وهو راك وبدم صفت له وانه في لغتهم اسم للنيلوفر الأحمر ويكثر الابيض في مستنقاعتهم وحياضهم دون الاكهب المسمى بالنيل على وجه التشبيه فلم نره في أرضهم إلا ان كان مجلوبا إليهم عارية لديهم وهذا الاكهب محمر عند الليل في الضلام خيالا لا حقيقة لحمرته تلك فإذا أعيد إلى نور الشمس عادت كهبته الأصلية ويشاركه فيها كل وردة كهباء كحب النيل وأمثاله من الزهر وهى أيضا تحمر بمس الخل أياها كما يخضر الورد الأحمر المبلول بالماء إذا نثر عليه مردا سنج مبيض بالتربية وذلك به وترك ساعة فانه يخرج بين الزنجارية والفستقية

ولون الياقوت الأحمر يترتب فيما بين طرفين أحدهما أقصى الغاية المطلوبة منه والأخر أقصى الرذالة التي تسقط عندها الرغبة فيه فأجوده الرماني ثم البهرماني ثم الأرجواني ثم اللحمي ثم الجلناري ثم الوردي - فمنهم من توسط بين الأرجواني والحمى لونا بنفسجيا وأكثرهم لا يفرقون بين ذلك الأرجواني وبين ذلك البنفسجي - وأسماء هذه المراتب مقولة على وجه التفرس في التشبه ولهذا تختلف في كل موضع وعند كل فرقة - وقد قيل في الرماني والبهرماني انهما صفتان لموصوف واحد الا أن الأول برسم أهل العراق والأخر برسم أهل الجبل وخرسان؟ وشهد لهذا ترتيب الكندي الوانه فانه جعل البهرماني أعلى درجاته وقيل في أعتار لون رمانية بالمثال أن يقطر على صفيحة فضة خالصة مجلوة دم قرمزي فيحصل عليها لون الياقوت الرمانى وهو الدم المعتدل المحمود في العروق والدم الذي في الايمن من تجويفي القلب قرمزي - وابتدأ الكندي بالوردي آخذا من جنبه البياض الى لون الورد ووضع الخيرى فوقه لفضل حمرته على الوردي وزيادة الفرفيرية فيه وهى كالبنفسجية تأخذ من الوردية الى ان تبلغ مشابه وردة الخيري - وفوقه الاحمر العصفري في صبغ العصفر الناصع المشرق التابع للزردج ثم البهرمان العصفرى الخالص الذي لا يشوبه شيء من النشاستج الزردج يتفاضل من عند الأحمر أن ينتهي عند الغاية وهى البهرماني فكل واحد من هذه الألوان يختلف في الصفات التي هي جودة الصبغ ووفورة وكثرة الماء والشعاع والنقاء من العيوب وتتفاضل أثمانه بحسب ذلك - قال نصر في تعديدها؟ الوردي المشمع الذي على لون الورد الأحمر الصافي المضيء - والرابع الجمري الذي على لون الجمر المتقد - واضن الخيري الذي في كتاب الكندي هو تصحيف الجمري والله أهلم - والرماني يضرب من بين الوردي والجمري - وقيل في كتاب مجهول؟ إن خير اليواقيت البهرمانى ثم المورّد - وقيل في الارجواني انه شديد الحمرة فان كان دونه فهو بهرمانى والبهرمان هو العصفر يقال ثوب مبهرم اى معصفر - ولس يعنون في صفة الياقوت زهرته فأنها صفراء رطبة لحمية يابسة وانما يعنون صبغة السائل بعد خروج نشاستجه الأصفر الذي هو سلافته السابقة والمعصفر بالرمان إلف وموافقة فلا يجود جريا له الابه - ثم بعد الرمان ما ينوب عنه من الحموضات - والجريال ربما أوقع على نفس العصفر كقول النابعة الجعدى -
ورقيق حاشية الإزار تركته ... بثيابه كعصارة الجريال
والجريال الراووق وربما اوقع على اللون دون حامله كقول الأعشى في تشبيه الخمر -
وسبيئة مما تعتق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريا لها
وقال الخليل بن أحمد - البهرمان ضرب من العصفر - فان كان كما قال فهو أجود ضروبه حتى يوصف الياقوت به - وقال السري الرفاء في كتاب المشموم ان العصفر لغة حميرية،وقال حمزة العصفر معلاب وفارسية هسكفر فان نباته هسك والقرطم هسك دانه وماؤه آفة وهو العندم وورده بهرامه ويعرب على البهرم والبهرمان والبهرامج وهو الذي يصبغ به الثياب - وانا اظن كوكب المريخ سمى بالفارسية بهرام للونه الأحمر - والعصفر بالهنديو كُسُنْب وفي كتاب المشاهير، أن الرنف بهرامج البر وهذا يقتضيه العصفر البرى وقال ابو حنيفة الدينورى في كتاب النباب، الرنف من شجر الجبال وهو المعروف بالخلاف البلخى - وبهرامبج البر ينضم ورقه الى قضبانه بالليل وينتشر بالنهار وهو في الأصل فارسي ومنه مانوره مشرب حمره هادب النور - فأما ما ذكره من انضمام أوراقه بالليل فليس كانضمام اللينوفر والآذريون وانما هو انسدال باسترخاء وأوراق الخلاف البلخي ويسمى ببلخ سرشك باسم مائه الذي يعتصر منه ويقطر منه بالتصعيد اصغر من اوراق السوسن ولكنها تشابهها في اصطفافها على قصبها سماطين أعنى صفين فإذا طلعت الشمس قابلها السماطان بوجههما فإذا غربت فكذلك وفي نصف النهار ينضم السماطان منتصبين نحوهما ينسدلان على تحت كالذابلين هكذا حال سائر الأوراق في دورانها مع الشمس الا ان ذلك في بعضها اظهر وفي بعضها أخفى بحسب رقة الرطوبة التي فيها ولطافة الجرم - وإما ما ذكره حمزة في حريال العصفرانه العندم عند أصحاب اللغة نبت احمر بالبادية يذكرون انه اكبر من الثفاء أعنى الحرف ولذلك حملوه على كل احمر كما فعل حمزة وحمله آخرون على البقم لأن طبيخه غير مغاير لجريال العصفر - وقال العجاج

يجيش من بين تراقيه دمه ... كمرجل الصباغ جاش بَقَّمُه
فالبقم والعندب يشتركان في تشبيه الدم بهما - ورق ابقم كورق السذاب ويباع بخيبر المعروف بصفير وزنا كل وزن تل وكل تل مائة قاطية وكل قاطية منا وربع وسعره هناك كل تل بطينة ستة عشر ماشجة والماشجة أربع دوانيق ذهب وصرف ذهبهم على نصف دينار النيسابورى - وحمل قوم العندم على الأيدع وهو عروق السدر - وقال أبو حنيفة مخبرا عن بعض ولم اسمعه من غيره - وقال في ديوان كتاب الأدب؛ ان العندم هو دم الأخوين ويسمى بالفارسية خون سيازشان لاعتقادهم فيه انه ينبت من دم سياوش بن كيكاؤس المفسوح على الارض - وقريب منه تسمية الهند اياهما باندورت يعنون دم باندو وهم قوم جرى بينهم وبين اعمامهم الملقبين بكورو حروب مشهورة اجلت عن تفاني الفريقين في القتال - قال العجاج
فادرع القوم سرابيل الدم ... على النحور كرشاش العندم
وقال ايضا
من أسد خفان يخال العندما ... منه بلبات وخطم أسحما
ومثله كثير واذا لم يكن يخلو من شعر عربي عن ذكر العندم وتشبيه الدم به والشراب وأمثالهما ثم اختلفوا في ماهية هذا الاختلاف المبين عن الجهل به - لم يستنكر خفاء اسم المجسطى على أهل التنجيم وهو كتاب لهم أليه الإسناد وعليه الاعتماد وليس على غايته ازدياد ثم لا يعرفون معنى اسمه وبأية لغة هو فليس بيونانى - قال ابن دريد في الأرجوان؛ انه فارسي معرب وهو اشد الحمرة ويقال له القرمز وانه إذا بولغ في نعت حمرة الثوب قيل ثوب ارجواني وثوب بهرماني أما التعريب فانه بالفارسية كل أرغَوان - وترى هذه الزهرة على شجرة لا تنشق جدا وهي صغار مشبعة بالحمرة الضاربة الى الخمرية عديمة الرائحة نزهة في المنظر - وسواء أن كان عربيا او معربا فانه مستعمل بين العرب - وقال عمرو بن كلثوم
كأن ثيابنا منا ومنهم ... خضبن بأرجوان او طلينا
والأرجوان لباس قياصرة الروم وكان لبسه فيما مضى محظورا على السوقة وذكر انه دم حَلَزون عرفه اهل بلد صور من خطم كلب كان أكل هذا الحيوان في الساحل فتلون فوه بدمه - وذكر بان ينال الثنوى في جملة ما كتب عنه بحضرة الساسانية - أن لباس عظيم قتاي الأرجوان وهو له خاصة لا يلبسه غيره وقال جالينوس في دود القرمز انه إن اخذ من البحر وهو طرى برد وهذا يوهم ما حكى عن اهل صور - ولنرجع إلى ما كنا فيه مما أنحرمنا عنه إلا لإشباع التفهيم - ونقول - أن الكندى عدد العيوب الأصلية في الياقوت وهي النمش في سنخه ولا حيلة لإزالتهما إذا كثرت وفشت وغاصت وعمقت - وخلط الحجارة تسمى الحرمليات والحرمل هو الأبيض ويسمى بالفارسية كُنجَدَه - والرَيم وهو الوسخ فيه يشبه الطين - والثقب المانع عن الشفاف ونفوذ الضياء وهو كالصدع في الزجاجة والبلور إذا صودمت فانكسرت وتتميز حتى يخرج به منه الماء وهذا يكون طبيعيا في الأصل ويكون عارضا بعده - ومنها اختلاف الصبغ في الأجزاء حتى يكون في بعض أشبع وفي بعض اضعف فيصير بذلك أبلق - ومنها غمامة صدفية بيضاء متصلة به من جانب ويسمى الأسين فان لم يكن غائرا فيه ذهب به الحك والا فلا حيلة في الغائر - ثم يقول، إن المعدن من معدن وهو الإقامة فكأن المطلوب منه ما أقام فيه دهورا وأن مستنبطيه يقيمون على استخراجه فلا يسأمون من حفر الغيران عليه ومعدن اليواقيت هو جزيرة سرنديب في غب من بحر هر كند وفي الجبال التي تحاذيها على الساحل - وقد ذكروا في أحمرها - انه يحفر في معدنه عن رضراض فيوجد في خلالها مغلفا كالرمان في قشره وليس بذلك مستبعد فاللعل البدَ خشى يوجد كذلك في غلاف كالبلورى - وجميع المشفات في الأصل مياه مائعة قد تحجرت يد لك عليه اختلاط ما ليس من جنسها من نفاخة الهواء وقطرة ماء وورق الحشيش وقطع الخشب كما سنذكره في البلور - وكل سائل فانه في حال أنمياعه غير مستغن عن وعاء يمسكه ويمنعه عن الانتشار إلى ان يجمد ويمتنع عن السيلان ثم يبقى عليه وقاية له وهذا منها بالأمر الكلي معلوم - فإما كيفية جمودها وسببه وحصول الألوان المختلفة لها فلا مدخل للعقول القائسة الى معرفة ذلك أصلا وإنما هو مفوض إلى علم صائغها اللّه عز وجل

ثم يشهد لما قلنا الياقوت فانه لنا أحوج إلى الأخماء كي يصفو لونه وتخلص حمرته عما عسى أن يكون فيها من بنفسجية ثم لم يتجرد عن تراب يخالطه ورمل يتخلله أو حجارة هوائية تمازجه نظروا الى ذلك فان قارب وجهه قعروا سطحه الأعلى حتى يذهب ما فيه من نقصان يلحق وزنه بنقصان جرمه وزوال الاستواء عن وجهه ولا يعود بشين لأنه يشابه تقعيرا قد اتفق له في اصل الخلقة وان عمق عن سطحه ثقبوا إليه ثقبة ليطرقوا لخروج الهواء منها لئلا يتشقق في الحمى - ويمكن أن تكون هذه الثقوب هي التي عناها ابو تمام في قوله -
نفق المديح ببايه فكسوته ... عقدا من الياقوت غير مثقب
العقد هي القلادة إذا كانت من القرنفل تسمى سخابا وعبر بالنفاق عن تتابع الصلات وبعقد الياقوت بما اكتسبه من الثناء واكثر العقود تكون للأيدي فجعله مكافأة لليد الفائضة بالأعطية ولما شبه المدح بعقد الياقوت وتمامه بالثقب نفاه رجوعا في التشبيه الى التحقيق ليعلم انه عقد غير مؤتلف من الأحجار إنما هو من فائق الأشعار على مثال ما يقول البحترى -
ننظم منها لؤلؤ في سلوكه ... ومن عجب تنظيم ما لم يثقب
وللواواء المشقي
ارى الدر يثقبه الناظمون ... ولم يثقبوا اذ فكيف انتظم
وقوله غير مثقب يدل على غاية الصفاء والنقاء والبراءة من العيوب المذكورة إذا عناها ومن المحشوة بمسامير الذهب فأنها توهم رم انكسار وحينئذ لا يعنى بها الثقب المقصود للسلك فان العقد لا ينعقد الا بها والاكتساء هو عبارة عن اللبس ولن يتم الا بحصول السلك فيها على ان لها باعتراضه في جوفه وإنسلاك ما ليس في جنسه في وسطه خيطا من تنقيص الرونق فالنقاء إذا لا يكمل إلا بعد الثقوب والثقوب إذ هي من جنس العيوب أيضا فإذا الثقوب من القوادح في محاسن الياقوت - قال أبو نواس في وصف الخمر -
أنى بذلت لها لما سمعت بها ... صاعا بصاع من الياقوت ما ثقبا
وللواواء المشقي
أرى الدر يثقبه الناظمون ... ولم يثقبوا اذا فكيف انتظم
وقوله غير مثقب يدل على غاية الصفاء والنقاء والبراءة من العيوب المذكورة إذا عناها ومن المحشوة بمسامير الذهب فأنها توهم رم انكسار وحينئذ لا يعنى بها التثب المقصود للسلك فان العقد لا ينعقد إلا بها والاكتساء هو عبارة عن اللبس ولن يتم ألا بحصول السلك فيها على ان لها باعتراضها في جوفه وانسلاك ما ليس من جنسه في وسطه خيط من تنقيص الرونق فالنقاء إذا لا يكمل إلا بعدم الثقوب إذ هي من جنس العيوب أيضا فإذا الثقوب من القوادح في محاسن الياقوت - قال أبو نواس في وصف الخمر -
أني بذلت لها لما سمعت بها ... صاعا بصاع من الياقوت ما ثقبا
ومن معائب الثقوب امكان التسميم بها اذا حشيت بمثل الهلال القاتل بوزن خردلة فان من عادة الجوهريين ان يجعلوا الجوهر في الفم ويرطبوه نفيا لما عسى غشى وجهه من غبار او هبا آت وصقلا له - وأظن ما يحكى عن من آثر عز الاقبار على ذل الحياة في الاسار انه امتص خاتمه فاستراح من العار هو من هذا الجنس - وكانت قلوبطرا بنت بطليموس لما خافت فضيحة الأنوثة من قهر أغسطس إياها أرسلت أفاعي على ثدييها حتى وجدت متوجه جالسة قد اعتمدت رأسها بيمناها لم يظفر بها العدو - وتلك الثقب إما أن تكون جالبة هواء وجلاؤها لا يجدي على الياقوت شيئا فإنها صادرة عن شوب ومعائب في الأصل مقصرة به عن غايته - وأما ان تكون محشونة بما يزيد في حمرة الياقوت فيكون ذلك نوعا من التمويه وحيلة لإتمام نقصان فيه - وكل ذلك من المذام وقد يكون هذا التمويه في الياقوت غير صناعي بأن يكون لون القطعة غير مرضي ثم يتفق فيهال نقطة مشعة الحمرة فتشرق على سأئرها وتلونها بأسرها وتحسنها

وفي كتاب الأحجار المنسوب الى اسم ارسطوطاليس (فما اظنه إلا منحولا عليه) انه ربما اتفق في الياقوت نكتة فاضلة الحمرة على سائرها فإذا نفخ عليه في النار انبسطت النكتة فيه فزادته حسنا وان كانت سوداء ذهب بعض سوادها ويشبهه ما حكى الجاحظ في ياقوت وقع في يد إنسان فابتلعته نعامة ولم يحضر غير نفرين من زنادقة المانوية شاهدها وأتجهة التهمة عليهما عند افتقاده فضربا ضرب التقرير وكل واحد منهما يبرئ صاحبه إذا أخذ في تذليله وحين عرف انهما ثنويان سئل على الحال ووقف على أمر النعامة من غير جهتهما فانهما لم يستحلا تسليمها للقتل أسرع إلى ذبحها وإخراج الجوهر من قانصتها وقد نقص وزنه وحسن لونه لأن حرها قام له مقام النار الحامية ولولا أن هذا كان أمرا مشتهرا لما صار من مسائل المطارحة حتى سئل الشافعي رضى اللّه عنه عنها فأجاب، إني لست في أمر صاحب الجوهر بشيء لكنه ان كان كيسا عدا على النعامة وذبحها واستخرج جوهره منها ثم ضمن لصاحبها فضل ما بين قيمته حية ومذبوحة - وذهب ابو القاسم بن بابك إلى خلاف ما ذهب اليه أبو تمام فقال -
عليه عقود الدر فصل بينها ... من الدر والياقوت نظم مثقب
وذكر الكندي انه اشترى كيسا فيه حصيات مجلوبة من لمرض الهند غير مصلحة بالنار وانه أحمى بعضها فجاد صبغ أحمرها وكان فيها قطعتان إحداهما شديدة السواد يلوح من شفافها في النور حمرة خفية والأخرى تشف بصبغ أقل وانه نفخ عليهما في البوطقة مدة ينسبك فيها خمسون مثقالا من الذهب وأخرجهما منها لما بردا وقد نقى اقلهما صبغا وقد قارب الوردي قليلا وأما المظلم فانه انسلخ اللون عنه حتى بقي كالبلور السرنديبي وامتحنه فكان أرخى من الياقوت - لا ومن اجل هذا يزيل الإحماء عن أحمره ما عسى إن يمازجه من سائر الألوان فيصفوا منها - قال، ومتى أزال الحمرة دل على ان المحمى ليس بياقوت ولا تنعكس هذه القضية كل ما ثبت حمرته ياقوتا لأن الحديد وليس بياقوت يقوم على النار - وربما اخرج الياقوت من النار حيث يزاول فلم يتم نقاؤه بعد فاستقل عادته إليها او خشي عليه آلافات فترك فإذا وقع في أيدي تجار العراق ورأوا سواده شرهوا الى الزيادة في ثمنه فأحموه بين بوطقتين من الطين الصغدى وهو ابيض صابر على النار قد طين الوصل بينهما وجعل في كوز الخواتيمين مدة أنسباك مثقال ذهب فيها ثم اخرج وطرح عليه نخالة حتى يبرد وقد نقى وزاد في ثمنه - لا اما حيث يزاول فانه بعد الثقب والتنقية من آفات التجاويف يطلونه بطين مأخوذ من معادنه مسحوق بغرىّ فإذا يبس احموه بالحطب في مدة يعرفونها واقلها ساعة وأكثرها يوم وليلة ثم يخرجونه اذا برد وربما أعادوا عليه ان لم يكن نقى بكماله - وقيل في معدن الياقوت انه في جزيرة سرنديت في غبها المعروف بها في موضع يسمى غزوانه يستنبط من الجبل - وسرنديب بالهندية سنكلديب وديب عبارة عن كل جزيرة وأتخيل من معناه انه جزيرة الزيادة ومجمع الجزائر فإنها كإلام للديبجات التي هي جزائر يلحق عددها بالألوف كعادة العرب في الترخيم - قال عمرو بن احمر -
فخر وجال المهرذب شماله ... كسيف السرندي لاح في كف صيقل

وفرضة سرنديب على الساحل وهي بلد منترى بتن والخراسانية يسمونه مَدْرَبَتان وهو اول حدود مملكة خولة وهذا لقب كل من ملكها ومستقر بلد بيجاور فوق هذا الحد نحو الشرق حد سِيَلان ثم بلكران وفيه معدن الياقوت الأصفر والكحلي وفوقه حدرونك وفيه جبل البرق وتحته معدن الياقوت الأحمر - يزعمون ان ذلك البرق يربيه وهذا ليس ببرق كالسحابي المنقدح من جوق الغيم بالريح المحتبس في جوفه إنما هو نار على ذلك الجبل دائمة الاتقاد وشديدة الخفق والاضطرام ولهذا شبهت بالبرق وبها تهتدي المراكب في البحر بالليل كما تهتدى بالنيران المشعلة وراء عبادان في خشبات كنكوان وفي منارة الاسكندرية وليس يرى من هذا البرق بالنهار إلا شبه الدخان - ويذكر المسعودى في كتاب المسالم والممالك جبل الراهون هناك وانه مهبط آدم عليه السلام وأظنه معرب رونك - وذكر بعضهم في تقوية أمر المهبط ان الحشائش التي هناك تسمو بعد نباتها قليلا ثم تنعطف نحو الأرض قليلا وتنعطف ثانية نحو العلو ثم تمر على سمته فتكون كأعناق الابل وان ذلك من اجل السجدة التي تعبد الملائكة لآدم ولا يعلمون ان المسجد غير المهبط وقال الكندى؟ ان موضع الياقوت في سحان من جزيرة خلف سرنديب وفيه جبل عظيم يسمى الراهون تحدر منه الرياح السافية السيول الاتية الياقوت وتلك الجزيرة ستون فرسخا في مثلها ويوشك إن يكون من اخبر بها عبر عن الحد بالجزيرة وعن الوراء بخلف لأن الساحل والجزيرة يشتركان بملاقاة الماء من جانب وجوانب ووراء وخلف وان كانا بمعنى واحد في جهات الإنسان فان الوراء يعبر به عن ابعد الشيئين عن مركز القابل وخلف في الجزائر يوقع على الجانب الذي فيه معظم البحر - وذكر نصر هذه الجزيرة إلا أنه سماها مندرى تبن وهذه البلدة كما ذكرنا على ساحل البحر لا جزيرة في البحر - وقالوا ان الشمس اذا أشرقت على اليواقيت رؤى كأنه برق يسمى برق الراهون وليس يسلك أليه لأنه في يد العدو - وهذا من أشباه الخرافات التي سأحكي بعضها عن الفرس - وهذا البرق يكون عند غيبوبة الشمس ويخفى عند شروقها - ويحكى في مثل هذه النار في جبال سواحل الزابج ترى في النهار سوداء وفي الليل حمراء وتظهر على مسيرة أيام ولها صواعق - وقال ان ما احدره السيل من اليواقيت يكون خيرا مما يوجد في التراب الحمأة وليس ذلك بمستنكر ويقاربه ما حاكاه أحد البحريين أن الريح ألجأتهم الى الجبل الأخضر الذي عن شرق جبل البرق فأدلوا الأناجر وارفوا باالمراكب وعلى ساحل ذاك المرسى شجر فاريقون وهو الساذج زعم وفي بعض هذا الاسم مشابه اليونانية وان كان اسمه فيها فوللن وهذا بالهندية كندبير قال - وان خدمهم خرجوا الى الشاطيء ووصفوا عند منصرفهم للناخدا وهو صاحب الناوه اى السفينة نزهة المكان فقصدوه وحمل معه ما يحمل الى المنتزه وألفى وسط الغيضة حوضا وعلى ضفته رجلا شيخا فاتحفه بشيء مما حمله معه من جوز ولوز وتمر وامثال ذلك فقام الشيخ الى مأواه وهو غير بعيد وعاد بدرج من خوص منسوج واخرج منه فصا ياقوتا احمر اكثر من وزن مثقال وألقاه أليه مكافأة على البر فوجه الرجل الى المركب من حمل اليه من الفواكه اضعاف ما كان حمل معه اولا مع تحف من ثياب وفوط وملح أتحف الشيخ بها فجاءه بقطعة أخرى وزنها ستة مثاقيل لكنها كانت رقيقة بسيطو جدا - فسأله الناخدا من اين لك هذا؟ فاخذ بيد التاجر وذهب به الى وادي رمل يابس واخبره ان سيول الامطار تأتي بذلك الا أنه لايتعرض لطلبه لاستغنائه عنه واشتغاله بالنسك والزهادة ثم وعده ان يتكلف ذلك من اجله ويحتمل منه شيئا كثيرا يوصله أليه عند منصرفه ولم يتفق له الالتقاء به - ويتخيل من ذلك ان مجرى الوادي من الجبال التي فيها معادن الياقوت - وكذلك ذكروا في اخبار الصين من كتاب المخزون بان انواع اليواقيت بألوانها ترتفع من سرنديب واكثر ما يظهر لهم في وقت المدوديد حرجه الماء عليهم من كهوف ومغارات ومسايل وان للملك عليها رصدا وحفظة - ولهذا قال بكير الشامي -
ما يهاب الحسام الا بحديه ... وتحسين غمده لايهاب
وقال ابو بكر الخوارزمي -
وانك منهم وكذاك ايضا ... من الماء الفرائد واللآلي
وتسكن دارهم وكذاك سكنى ... الجواهر والزبرجد في الجبال

وربما استنبطوها من المعادن فيخرج االجوهر وقد التصقت به الحجارة فتكسر عنه - ويوافق حديث اسنباطه ان بارض الهند من جملة الحبوب المأكولة من الأرز والعدس وانواع الماش حبا يسمى الكلت اغبر اللون رمادية كأنه كرسنة او جابّبانة قد عصرت بالصبعين حتى عرضت وتفرطحت على هيئة العدسة واعرض منها لفضل جئته وله فى تفتيت حصى المثانة خاصية وقوة بليغة مذكورة في الكتب وزعموا ان فعله يتجاوز هذا الحصى الى الاحجار الجبلية ويبلغ اللى أن مستنبطى الياقوت اذا انتهوا فى المعدن الى موضع ثلب يعتذر عليهم حفره صبوا عليه طبيخ كلت وتركوه مدة يعرفونها فيسهل عليهم بها كسره وتفتيته كما يوقد فى معادن الذهب والفضة على مثله بالخشب والأدهان - والياقوت بصلابته يغلب مادونه من الاحجار ثم يغلبه الألماس فلا يقطعه غير قطعا وخدشا لاكسرا - قال الكندى؟ ان الياقوت لايجلى بخشب العشر الرطب الرطب كغيره وانما يجلى بالماء على صفيحة نحاس يحك عليها مع كلس الجزع اليماني المحرق كاحراق النورة وذالك بعد التسوية بالسنباذج على صفيحة اسراب ربمايسيل ذالك منه الى الماء الموضوع فيه اصل الصفيحة فان كان المطلوب جلاءه غائرا فالشهر مكان الصفيحة النحاسية - قال، ومن خواصه الشعاع فلس من المشفة الاله والصقالة فانه ايضا اشدها صقالة ولذالك يشبه بجمر الغضا لانه اصدق ضوءا واشد حمرة واطول ترمدا - قال الراعى -
جمان وياقوت كأن فصوصه ... وقود الغضا زان الجيوب الروادعا
وقال جوهر يو بلادنا في وقتنا هذا؛ ان ما يوجد منه رمانيا فائقا فان صاحي سرنديب يستأثر به ويكون له خاصة وما دونه فللتجارة والتجار ولذلك لايحمل الى ديارنا الآن شيء من الرماني والذي يوجد فيها فقديم - وذكر بطليموس في كتاب جاوغرافيا جبلا احمر محيطا بجزيرة الياقوت يدخل من البر اليها سيتدير عليها وفي ضمنها مدن وعيون وانهار وما وصف في اطواله وعروضه مقتضى موضعه على الشرق المعمورة في نهايتها وعلى خط الاستواء وما يقاربه ولم يشر الى شيء يعرف به انه معدن الياقوت او انه سمى لحمرته ولا يكاد يعثر على احد يكون عنده منه خبر - وربما سمى بموضع باسم ليس له فيه مسمى ففي البحر الاخضر في حدود الديبجات والزابج الى جزائر ديوه وجاوة جزيرة تعرف بجزيرة الياقوت ليس فيها من سمة وانما سميت بذلك لجمال نسائها كما قيل في نساء غب القمر الذي انما نسب الى القمر لاستدارة شكله ودوران الماء فيه بتعاقب المد والجزر - والغب موضع يدخل فيه البحر الى البر يتحاماه المراكب لأنه ضخاخ والجزر مصب الماء الجاري في البحر اذا اتسع عند مدخله وظنه بعضهم عكس الغب فقال - عنق من الارض يدخل في البحر وليس كذلك

ثم حكى ان صاحب تلك الجزيرة وجه الى الحجاج بن يوسف بنسوة مسلمات ولدن بها من التجار ومات آباؤهن فبقين عطلا واراد به التقرب اليه بذلك فقطع ميدوهم لصوص الديبل والبوارج أصحاب بيره وهي السفن بلغتهم على ذلك المركب واغتصبوا تلك النسوة - فصاحت واحدة منهن من بني يربوع مستغيثة ونادت - يا حجاج - فبلغه الخبر فاجابها بيا لبيك كما اجاب المعتصم نداء الأرملة في ثغور الروم، وامعتصماه - بيا لبيكاه - ثم ان الحجاج راسل داهر بن ججه في تخلية النسوة فلم يعبأ بقوله واجاب بأنه لايقدر على ارتجاعهن من اللصوص فولى محمد بن القاسم بن منبه وهو ابن ستة عشر سنة ثغر السند وشكا اليه عوز الخل واضطرار اصحابه اليه فنقع الحجاج القطن المحلوج في خل خمر ثقيف مرات كل مرة يجففه في الظل حتى يشربه ثم عباه ووجهه اليه ثم كتب بان ينقع منه في الماء يصطنع به ويعمل في الطبيغ فورد محمد السند وكابد داهر بن ججه حتى اهلكه واستولى على السند ومدينتها بمهنو وتسميها الفرس بمناباذ وفي ذبج الاركند برهمنآباذ - ولما دخلها قال، نصرت - فسميت المنصورة وقصد مولتان وفتحها - قال عند دخولها عمرت فسميت المعمورة ولم تشتهر اشتهار المنصورة ولكنها اشتهرت بفرج الذهب اي ثغره وذلك انه جمع الاموال في بيت مقفل مختوم عشرة اذرع في ثمان كان الصب فيه من كوة في السقف فمن اجله سمى المولتان ثغر الذهب اذ كان كالمملوء من الذهب بسبب صنم كان فيه من الخشب مغشى بالسختيان الاحمر في عينيه ياقوتتان نفيستان واسمه ادت باسم الشمس وكان يحج اليه من اقصى البلاد ويحمل اليه الاموال قرابين - فتركه محمد على حاله على وجه الاستصلاح حتى كسره حكم ابن شيبان في قريب من ايام المقتدر وجرت بينه وبين سدنته امور ورفع خزائنه - واللّه الموفق -

قيم الجواهر الحقق

فاما قيم الجواهر فليس لها قانون ثابت على حال لايتعير باختلاف الامكنة ومضى الازمنة وتلون الشهوات بحسب الامزجة وانحطاطها الى هوى الرؤساء فيها وابتياعها اياهم ثم حدود احوالها من جهة الكثرة والقلة الموجبتين فيها تداول العزة والذلة والذي سنذكره من قيمتها فهو بالاضافة الى زماننا وحواليه وببلد غزنة وما يليه والعين بعراة هراة فهو المستعمل فيه - وان عرفنا غير ذلك اشرنا اليه - فقد حكى عن المتقدمين ان قيمة وزن المثقال من البهرمان الذي لاغاية وراءه خمسة الآف دينار وقيمة نصف مثقال ألفي دينار ولا قيمة لما اتزن مثقالين والاختيار اليك في تقويمه - وذكر الجوهريون الآن ان فص الياقوت الرماني اذا كان مشبع اللون صافيا ومن معائب الثقب والنمش والحرملات والغمامات بريئا ثم كان ممسوح الوجه مستويا ومربعا مستطيلا اذا كان هو المختار من اشكاله ثم المضاربى بعده وشابه أسفله السندان فقد بلغ اقصى محامد الصفات وسموه نجما والنجم باللؤلؤ اليق من باب التشبيه الصادق - قالوا - وزن الطسوج من هذا الفص النجم الموصوف يقوم بانفراده في الابتداء بخمسة دنانير وضعفه بضعفها والدانق اعنى سدس المثقال بثلاثين دينارا وضعه باربعة أضعاف ونصف المثقال بأربع مائة دينار والمثقال بألف دينار والمثقال والنصف بالفى دينار - وما رأينا زعموا ارجح من هذا المقدار بتلمك الصفات على ان المثقال منه نادر كندرة اللؤلؤ المختار الموازن اياه - ودانق الياقوت اعز واشرف في تزايد الوزن من دانق اللؤلؤ قالوا والمثقال من البهرمان الذي وصفوه دون الرماني بدرجة يسوى بحسب ذلك ثماني مائة دينار - ومن الارجواني خمي مائة دينار ومن كل واحد من اللحمى والجلنارى مائة دينار ويقاربهما الوردى الصافى وربما اتفق فيما عدا الرماني من الانواع ما يتزن عشرين مثقالا الى ثلاثين مثقالا - قال الكندى - في أعظم ما رأينا في الاحمر وزن مثقال وثلث وارجح منه قليلا وأما سماعه وحكاية فعشرة مثاقيل وأعظم ما رأينا من الوردى ثلاثون مثقالا - وقال نصر - جودة الياقوت في الشبع من اللون واستكمال الماء والرونق والصفاء والشعاع والبراءة من المعائب فعلى هذا الاصل يتبع العلو في الغلاء استيفاء هذه الصفات ويوجب البهرمان الغلاء ثم العصفرى بعده ثم الجمرى ثم الوردى - ومعلوم ان كل ما شبه به من الوردى والاصفرى واللحمى انواعا يختلف فيها اللون ومثاله الوردى - فانا نأخذ من الابيض اليقق ثم يشرب حمرة يسيرة ويزيد فيها الى ان شيابه الخدود الحمر ثم يزداد حتى يقارب الشقائق ويميل الى شيء من السواد فكما انه يعنى بتفضيل الوان اليواقيت بتشبيهها كذلك واجب على المعتنى بالتقرير والتفهيم بنوع المشبه به ويجتهد بتقرير حاله وضروبه وامكنته - ووقع الى كتاب مكتوب في الشام في زمان عبد الملك بن مروان قد اشتمل على نكت من هذا الفن وقيم الجواهر وقته دلت على ان الياقوت الاحمر وفائق اللؤلؤ كانا زمانئذ في القيمة ومقدار الثمن كفرسي رهان - وسأذكر في مل باب من ذلك ما هو وفقه ولفقه -

أشباه اليواقيت
ومن اشباه اليواقيت الاحمر يسمى كركند اي الياقوت الاصم لانه منعقد ضعيف الشفاف كدر لايجاوز قيمته اى كهب قال الكندى؟ واجود انواع الكركند واشدها شبها بالياقوت العصفرى هو المعروف بالسندبا وله شعاع ما ومنه ما يجلى بجلود الجرب وهو ارخاها واردأها - وبعده نوع شبيه بالملح لايقبل الجلاء وهو اخس اصنافه - ومن الاشباه نوع يوجد في معادن الياقوت يسمى كُربُز سهل المكسر وردى اللون حسن المنظر وللينه يغلبه كركند حتى يكسره وان لم يساوه في الحسن - وله مراتب كمراتب الياقوت وبهرمانه يشلبه البهرمان الغاية من الياقوت حتى ربما انه ذهب امره على كثير من مبرزى الجوهريين اذا تغافلوا عن تحقيق امنحانه فراح عليهم ياقوتا - وهذا الكربز لايختص بمشابه الاحمر فانما له ألوان تشبه بكل واحد منها نظيره من الوان اليواقيت - قال حمزة في صفته؟ انه نوع من الجواهر ظاهره كالياقوت ولامرجوح له ويعرب على الجربز فقال للرجل الخب كربز وجربز وكرك بزد - وذكر الكندى في اشباه الياقوت الاحمر الا فلح الاحمر يغلط المبرزين تغليط الكربز اياهم - وما نحكيه عن الكندى فاكثر الأسامى فيه منقول عن كتابة غير مسموع على فساد نسخته التي معنا والاعتراف ابلغ الاعتذار

قال نصر في اشباهه؟ انها اربع الكركند والكركهن والجربز والبيجاذى الذهبي اللون - والياقوت يخدش الكركند واكثر انواعه شعاعا ألسنديا وهو أحمر يضرب الى صفرة ويقبل لون الياقوت في النار ومنه كالملح لايقبل الجلاؤ - ومنه ابلج لايتخلف عن الياقوت الا بالرخاوة وهذا هو الذى حكيناه عن الكندى افلح وبينا العذر فيه - قال والكركهن احمر يضرب قليلا الى السواد ولا يضيء الا في الشمس ولا يصبر على النار ويكون معه صفرة كصفرة الياقوت الاصفر - ويكون منه خلوقي وزيتي وفسستقي وآسمانجونى يرى هذه الألوان اذا قلبته كما يريها أبو قلمون وأبو براقش واصفره يروج في اعداد الياقوت الاصفر لولا تخلفه عنه في الشعاع وقبوا الجلاء - وكلها توجد في معادن الياقوت ما خلا الا بلج فانه يجلب من سرنديب - والجربز اشدها صقالا واكثرها بالياقوت البهرمان في اللون والماء والشعاع شبها - وربما غلط فيه المبرز الا أن يمتحنه بالنار ويحكه بالياقوت - والبيجاذى الذهبي هو اللعل البدخشى ومن البيذاجى ما يشتد شبهه بالياقوت ثم لايخفى على ذوى البصر بالصناعة لونه وقل ما يكون له كشعاعه وقيل في الفرق بين لونيهما ان الياقوت كالنار الصافية والبيجاذى كالنار ذات الدخان - وعلى مثله حال الكركند والابلج في تخلف شعاعهما عن شعاع الياقوت واقربها لحوقا به الجربز ثم السنديا من الكركند واجود امتحانات الاشباه هو الياقوت الخالص وانه يجرحها بحدته وينمشها في الحك ولا ينفعل عنها كانفعالها عنه - وقال الكندى؟ كانت الاشباه فيما مضى تباع في أعداد اليواقيت وتقيم كقيمتها وان ايوب الاسود البصرى كان يبيع الكركند والجربز والافلح من االمهدى بألوف دنانير على انها يواقيت حتى اطلعه عون العبادى من بني سليم على تمويه ايوب وأعلمه ان هذه الاشباه اذا دخلت النار لاتصبر عليها صبر الياقوت الاحمر الخالص فانه يزداد بها حسنا وجودة فادخل المهدى أحجار كل واحد منهما الى النار فاحترق الكركند ما يزن ثثلاث مثاقيل ومن الافلح خمس مثاقيل -

اخبار في اليواقيت والجواهر
ذكر الجواهريون ان لملك سرنديب قطعة ياقوت مستطيلة على هيئة نصاب السكين يديم تقليبها في مفه ووزنها خمسة وخمسين مثقاى ولم يخبر احد باكثر من هذا المقدار وكنت سمعت انه وجد في سرنديب بين الرضاض ياقوت كبير احمر مغلف وانه لما كشطت عنه الغشاوه ظهر منها على هيئة الصليب فنحت واحمى وحمل الى ملك الروم فاشتراه بمال له خطر ورصع به جبين تاجه الا انها حكاية مطلقة ليست بصادرة عن ركن يركن اليه - فان حقت شابهت ما ذكر في سبب تنصر قسطنطين المظفر من ظهور شهاب في السماء على هيئة الصليب ةانه جعله شعارا راياته على مثال صورته فرزق الفلح والنصر في حروبه بعد ان لم يكن له مقاومة بعسكر عدوه

وفي كتاب اخبار الخلفاء - ان المتوكل جلس لهدايا النيروز فقدم اليه كل علق نفيس وكل ظريف فاخر وان طبيبه جبريل بن بختيشوع دخل فكان يانس به فقال - ما ترى في هذا اليوم - قال، مثل خربشات الشحاذين اذ ليس لها قدر واقبل على ما معى - ثم اخرج من كمه درج آبنوس مضبب بالذهب وفتحه عن حرير أخضر انكشف عن ملعقة كبيرة جوهر لمع منها شهاب ووضعها بين يديه - فراى المتوكل ما لا عهد له بمثله وقال، من اين لك هذا؟ قال، من الناس الكرام - ثم حدث، انه صار الى ابي من أم جعفر زبيدة في ثلاث مرات بثلاث مائة ألف دينار بثلاث شكايات عالجها فيها واحداها انها شكت عارضا في حلقها منذر بالخناق فأشار عليها بالفصد والتطفئة والتغذى بحسو وصفه فاخضر على نسحته في غضارة صينية عجيبة الصفة فيها هذه الملعقة فغمزني ابي على رفعها ففعلت ولففتها في طيلسانى وجاذبنيها الخادم فقالت له لاطفه ومره بردها وعوضه منها عشرة الآف دينار - فامتنعت وقال أبي، يا ستي ان ابني لم يسرق قط فلا تفضحيه في اول كراته لئلا ينكسر قلبه - فضحكت ووهبتها له ولى - هذا وان لم يكن في خبر نسيج الملعقة فلمعان الشعاع في الحكاية يدل من الياقوت على احمره - وسأل عن الآخرتين فقال، انها اليه تغير النكهة باخبار احدى بطانتها اياها وذكرت ان الموت اسهل عليها من ذلك، فجوعها الى العصر واطعمها سمكا وسقاها دردى نبيذ دقل باكراه فغثت نفسها وقذفت فكرر عليها ذلك ثلاثة ايام ثم قال لها،تنكهى في وجه من اخبرك بذلك واستخبريه هل زال - والثالث انها اشرفت على التلف من فواق شديد كان يسمع من خارج الحجرة فأمر الخدم باصعاد جوابي الى سطح الصحن وتصفيفها حوله على الشفير وملأها ماء وجلس خادم خلف كل جب حتى اذا صفق بيده على الاخرى دفعوها الى وسط الدار ففعلوا وارتفع لذلك صوت شديد ارعبها فوثبت وزايلها الفواق - وكانت الجواهر تغرر في ايام بني أمية واوائل ايام دولة بني العباس حتى قالوا انه كان يعمل منها أوان واهذا قال الشافعي في كتاب حرملة، لايجوز استعمال أواني الياقوت والبلور لأن قيمتها قيمة الذهب والسرف فيها اكثر من السرف فيه - وقال في الأم، ان استعمالها مباح لأن المعنى خص الذهب والفضة باالمنع - وحدث بعض الواردين من العراق ان عند ابي طاهر بن بهاء الدولة الذي كان يلى الصبرة ثم ملك بغداد قطعة كبيرة من ياقوت احمر مغروسة في سبيكة ذهب ويسميها جبلا وكأنه كان لفخر الدولة فقد شابهه وصفا - وذكر الحسن والحسين الاخوان الرازيان ان الامير يمين الدولة محمود رحمه اللّه أراهما ياقوتا على مثل حبة العنب وزنها اثنا عشر مثقالا وانهما قوماها بعشرين الف دينار فصدقهما وقال، هذا كان لتروجنبال الشاه وكان رهنه عند بعض تجارهم على اربع مائة الف درهم ولو لم يسو عنده عشرين الف دينار لما ما كان فكه على انه لم يضاه المثقال والنصف ولا المثقال من الرمانى المربع الموصوف اولا بالنجم - ويحكى عن جولة ان له منه قطعة كبيرة مركبة على آلة الاركاب يأخذها نفران باطراف الاربع حتى يضع هو رجله عليها ويطأ الجوهر فيرفعونه الى العمارية ويستوى فيها على ظهر البغلة - وذكر الأخوان، انه اشترى للأمير الشهيد مسعود اسعد اللّه درجاته بما نال من الشهادة ايام اقامه بالرى وارض الجبل ياقوت احمر مستطيل على صورة أسد بسبعة الآف دينار نيسلبورية وقيل انه الجيل فكأنه الذى كان يملكه سياه وزير أخي قابوس فانه أخذه عوضا عن حصته من ملك ابيه وكان يحكى انه كأسد اذا قبض الكف عليه كان باديا من جانب الخنصر والابهام - وكانوا يتحدثون اجازته على الرصد بسرنديب شبه الخرافة ان مخرجه حلق رأسه وصاغ له فروة من نحاس ثقبها حتى صارت كالمنخل وجعل فيها موضعا للجوهر وسعه عند نقره القفا وادخل رأسه فيها ولبث الى ان نبت شعره المحلوق وبرز من الثقب والتف على تلك الفروة حتى أخفاها وتوكأ على عكازة وذهب عريانا في صورة المكدين الى ان اجتاز على موضع التعرض - وكنت رأيت بخوارزم في جملة ما كان يصدر في كل سنة من الهدايا الى الامير يمين الدولة سكينا نصابه ياقوت احمر اذا قبضت اليد عليه رؤى طرفاه فوق القبضة وتحتها ولكنه كان منعقدا - فذكرت بعد فصوله انه ربما كان كركندا ثم لم اسمع له خبر بعد ذلك

فاما التسمية بالجبل فهو ظن منهم انه سمة تستحق بالعظم في الجثة حتى صار وا يسمون كل ما كان من اليواقيت اعظم حجما وانما هو سمة لثقل الثمن او تشبيه بجوهر رمانى او بهرمانى كان في خزانة الخلفاء مثل الكف في غلظ صالح ونواتى بارزة منه ووزنه ثلاثون مثقالا ولقبه جبلية - وكان فيها آخر مستطيل معقف رأسه لطرف الصنج اسمه العنقاء وزنه احد وعشرون مثقالا - وكان فيها المنقار بوزن خمسة عشر مثقالا - وذكروا انه كان على خلقة طائر من ياقوت احمر ومنقاره اصفر وهو الاعجوبة وذكر نصر في المنقار، انه كان فصا ووزنه مثقالان الا دانق وانه فاق الجبل في اللون والماء ولم يشر الى علة تسميته بالمنقار - قال، وكان لخالة المقتدر فص يلقب بورقة الآس لانه كان على مقدارها وزنه مثقال الا شعيرتان وشراؤه ستين الف درهم وكان فيها البحر من ياقوت احمر وزنه ثمانية وعشرين مثقالا الا انه كان رقيقا ومقعرا بحيث كان يمكن الشرب فيه - الى سائر ما كان فيها من الجواهر الملقبة وغير الملقبة لأن الجواهر كانت قنية الاكاسرة مجتمعة من لدن اردشير بن بابك يرثها عن القائمين بعده كابر عن كابر الى انقلاب دولتهم نحو العرب فألقت ارض فارس الى الدولة المتجددة اقلادها واخرجت الى اصحابها اثقالها، وحال الخلفاء الاربعة في الانقباض عنها وصرفها الى سائر المسلمين ظاهرة وكذلك من قام بعدهم من ينس أمية ومروان فقد كانت دولتهم عربية لم يترعن فيها غير نفر أو نفرين فاتسعت الجواهر المذكورة في ايامهم وامتلأت بها خزائنهم ثم فاجأتهم الدولة العباسية فكانت في مبدأها لما جمعوا كالذر ذودا تمشت ما وجدت واشترطته فانتقل الى ملكهم واقبلوا على انمائه والزيادة منه ولم تزل جواهر الخلافة في الازدياد الى ايام المقتدر فأنه كان ذا أم مستولية ومؤثرا لما لا فلاح لمثله معه من مجالسة النساء في اللعب والبطالة فوقع في الاموال كاللص المغير وتجاوزها الى الجواهر فبذرها فيهن وضيعها بايديهن واحتشم وزيره العباس ورام اسكاته بالاشراك في النهب وتلويثه بالخيانة ليعمى عليه وانفذ اليه من الجواهر ما يعظم مقداره تكرمة له فردها العباس قائلا، انها زينة الاسلام وعدة الخلافة وليس تفريقها بصواب - فخجل وصار سبب ذلك ثقله على قلبه - ولما ولى علي بن عيسى من مكة وكان قد نفى اليها بعد الوزارة ولقى المقتدر اجرى حديث سمط اخذ من ابن الجصاص بثلاثين الف دينار من مال موافقته وسأله عنه فقال، هو في الخزانة - زساله ان يحضره فطلب ولم يعثر على اثر فأخرجه حينئذ علي بن عيسى من كمه وقال، قد اشترى لي بمصر واذا وقع هذا في الجوهر ففى ماذا يقع؟ فأشتد على المقتدر وعلى بن عيسى واتاهما به زيدان القهر مان وكيف لا وبشحها يضرب المثل ولكنما لم تحقق صفتها فنحكيها بالتفضيل - وقال الصادق في قوله -
فلا كانت الدنيا اذ ساها النسا ... وان سسن يوما فالسلام على الدنيا
وان ترشدها هدى على صدقه فقل من تحمد من النساء كزبيدة في اكثر الفضائل وسبحتها من يواقيت رمانية كالبنادق مخروزة بمثل شرائح البطيخة - اذا وجد منها الآن شيء عرف بها ونسب اليها والدر المثقوب بالتصليب من امرها لتتخذ منها للوصائف ثيابا منسوجة منها - وخبر قردها ومقتله وصلاتها عليه واستماعها مرثيته وبكاها عليه من القوادح في العقل - وحكايتها محظورة لعظم الحرمة - ثم ماذا يقال بعدها في من لايصلح ان يكون ترابا لموطأها - وقد كان الخلفاء قبل المقتدر يبسطون ايديهم في الجواهر بقدر لايجحف ولا يلامون عليه - وكان في جملة حظيات الرشيد واحدة لم ترزق جارية من الجمال ما رزقته هي وكان الرشيد اذا اتحفهن بشيء ردت المذكورة حصتها وهو يغتاظ من ذلك واتفق يوما انه نثر عليهن جواهر لها قيم فالتقطنها ولم تمد تلك اليها يدا ثم احضر جواهر غيرها وخيرهن فيها فاخترن وقال لتلك، لم لا تختارين اسوة صوحبك؟ قالت، ان كان لي ما أختاره فسافعل وجاءت وأخذت بيده وقالت له، هذا أختياري من جميع جواهر العالم فأعجب بها الرشيد وسماها خاصلة وفاقت سائرهن في الحظوة منه في الثوائب واصلات والمواهب واتفق ان جائزة الرشيد تأخرت عن ابي نواس فقال -
لقد ضاع شعرى على بابكم ... كما ضاع در على خالصه

واتصل ذلك بخالصة فشكته الى الرشيد فاستحضره وقال له يا فاسق ما حملك على هذا؟ فأجابه، ان الغلط وقع من الراوى بظنه الهمزة عينا - فأظهر الرضا به منخدعا للتكرم ومرضيا للشاكية - ومتى يذهب ذلك على مثل الرشيد وهو من جهابذة الشعر - وكما حكى عن عمر بن الخطاب وهو مع ذلك يتغابى فيه ويذب عن الحطيئة في هجائه الزبرقان لولا إفساد حسان بن ثابت ما رامه عمر من اصلاح ذات البين وقطع لسان الحطيئة عن نفسه الاصطناع ولم يزل هو واولو الهمم العالية والانفس الأبية يقتفون أثر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أمره بقطع لسان الشاعر بشفر البر ويتغفلون عن الشعراء اذا ساء أدبهم عند الهيم في واد لايعنيهم شأنه - ألا ترى تغافل عبيد اللّه وزير المعتضد عن علي بن بسام وقوله عند موت احد لبنيه -
قل لأبي القاسم المرجى ... قابلك الدهر بالعجائب
مات لك ابن زينا ... وعاش ذو النقص والمعائب
حياة هذا كموت هذا ... فلست تخلو من المصائب
وبلغ عبي اللّع خبرها فدعا بالبسامى وقال له، يا علي كيف قلت؟ فاتقى الشر وقال مرتجلا، قد قلت -
قل لأبي القاسم المرجى ... لن يدفع الموت كف غالب
لئن تولى بما تولى ... وفقده اعظم المصائب
لقد خطت لك المنايا ... عن حامل عنك للنوائب
وانما اقتبس من قول ابن المعتز في تسلية عبيد اللّه -
قل للوزير كذا الزمان وصرفه ... والمرء ذو أجل يصير اليه
فلقد غبنت الدهر اذ شاطرته ... بأبي الحسين وقد ربحت عليه
وابو محمد الجليل مضابه ... لكن يمين المرء خير يديه
ولما خرج من عنده جمح به طبعه الى اعادة الاساءة فقال -
ابلغ وزير الامير عني ... وناد ياذا المصيبتين
يموت خلف الندى ويبقى ... خلف المخازى أبو الحسين
فانت من ذا عميد قلب ... وانت من ذا سخين عين
حياة هذا كموت هذا ... فالطم على الرأس باليدين
فانتشرت الابيات الاولى في الالسن وتمثل بها في كل شيء وهدت في لعب الشطرنج كالعادة من غير قصد - فحدث ابن حمدون النديم انه لعب بالشطرنج مع المعتضد يوما ما اذ دخل عب اللّه وهو يستأذنه في شيء ثم انصرف بما مثل له في ذلك الامر فلما ولى انشد المعتضد - حياة هذا كموت هذا - واشتغل باتمام الدست وهو يكرر البيت وعاد القاسم اليه لأمر آخر والمعتضد مشتغل بلعبه مكرر لما أنشد لاه عنه لايشعر بدخوله فاحتال ابن حمدون لتعريفه بحضوره فرفع اليه رأسه واستحيا منه حتى ظهرت حمرة التشوير في وجهه - وقال له؟ يا ابا الحسين(قد حمله الخجل على التكنية) لم لاتقطع لسان هذا الماجن ةتدفع شره عنك؟ فانصرف القاسم مبادرا وللفرصة في البسامى مهتبلا وامر بطلبه للتشفى منه ودهش ابن حمدون لذلك حتى ارتعشت يده وفسد لعبه إشفاقا على البسامى أن يلحقه مكروه فقال المعتضد؟ ما بدا لك؟ فقال يا أمير المؤمنين ان القاسم ليصطلى لباره وكالى به قطع لسان البسامى من فرط الحنق والرجل احد نبلاء الشعراء وفيما يناله سبه على امير المؤمنين - فامر باحضار القاسم وساله عما عمنل في حق البسامى فقال؟ تقدمت الى مؤنس بإحضاره لأقطع لسانه - قال؟ انما أمرناك ان تبره وتصله وتكرمه ليعدل عن هجائك الى مدحك - قال؟ يا امير المؤمنين لو عرفته حق المعرفة وسمعت قوله لاستجزت قطع لسانه - فاستدركها المعتضد وتبسم وقال؟ انما امرنا بتخريب البحيرة لذلك فتقدم انت باحضاره واخرج اليه ثلثمائة دينار فان ذلك احسن بنا من غيره؟ ففعل وخلع عليه وولاه بريد الصيمرة ولم يزل بعمارة البحيرة وتحفيفها بالرياض وانفق على الأبنية ستين الف دينار وكان يخلو فيها مع جواريه وله فيما بينهن حظية ستمى ذُريره فقال البسامى -
ترك الناس بحيرة ... وتخلى في البحيره
قاعدا يضرب بالطبل ... على حر ذريره

وبلغ المعتضد ذلك فلم يظهر لأحد انه سمعه وامر بتخريب ما استعمره منها - نرجع الآن الا ما كنا فيه فنقول غن الجبل المشهور الذي ينتحل اسمه لغيره فانه كان فصا من ياقوت احمر على اقصى النهاية في النفاسة ذكر ابراهيم بن المهدي انه اشترى لبيه بثلثمائة الف دينار وكانت أكياسا لما نضد بعضها على بعض كالجبل وانه وهبه للهادي ووهب للرشيد الخاتم المعروف باسماعيل من زمردة لم ير مثلها وفيها ثقبة وطلب لها سنين ما يشابهها ليسد تلك الثقبة به حتى وجده بعد حين وعمل ما يهندم فيها واحضر الصواغ وصاغوا بين يديه خاتما وطلى المنحوت بمصطكي ليركبه في ثقبة الفص فوضعه الرشيد على كفه ينظر اليه معتبرا للمشابه بينهما فوقعت عليه ذبابة وتعلق برجلها وطارت وذهبت به فقال الرشيد - صدق اللّه تعالى في قوله(ضعف الطالب والمطلوب) ولما استخلف الهادي ودخل عليه الرشيد رأى الاسماعيلي في يده فحسده عليه وأراد ان يقترن بالجبل - وحين خرج من عنده أتبعه الفضل بن الربيع مع اسمعيل الاسود بان يبعث الاسماعيلي اليه وان لم يفعل فجئني برأسه - ولقه الربيع واخبره بالقصة فقال - واللّه لا أعطيه الا بيدي - فرجع مع الى ان بلغا الجسر فأخرجه من اصبعه وقال يا فضل أهو الاسماعيلي؟ قال - نعم فرمى به في دجلة - وطلبوه فلم يوجد الى أن استخلف الرشيد ومضت من خلافته سنة وكان بالخلد يذكر ما عاملع به موسى فتذكر الخاتم وامر الفضل بالغوص لطلبه فقال - يا سيدي قد طلب مرارا وانى لأظن ان قد علاه اكثر من اربع اذرع من الطين لتطاول المدة - ثم مضى الفضل بالغواصين فقال له احدهم قف موقف الرشيد وارم بمدره في قدر الخاتم كما رمى به - ففعل واول ما غاص الغواص في مسقط المدره بعد ان قدر ما يميل الماء به الى ان بلغ القرار اخرج الخاتم بعينه كما هو وقرنه الرشيد بالجبل كما اراد الهادي ولم يكن ان تبلغه المقادير ما اراد وذكر نصر انه كان احمر بهرمانا معصفرا صافيا يتزن ثلاثة مثاقيل غير دانق وقيمة مائة الف الف دينار ثم ان الرشيد كان شديد الولوع بالجواهر حريصا على اقتنائها وانه بعث بالصباح الجوهري جد الكندي الى صاحب سرنديب لابتياع جواهر في ناحيته فاكرمه الملك ورحب به وأراه خزانة جواهره وهو يقلبها ويتعجب من جلالتها وعظن اجرامها الى ان بلغ ياقوتا احمر ولم يكن راى في خزائن الملوك مثله فاشتد اعجابه وقال له الملك؟ هل لك عهد بمثله قال؟ لا واللّه - قال فهل تقدر على توقيمه اذ عجز الكل عنه - قال؟ افعل - وشق ذلك على الملك وقال له؟ كنت استرجح عقلك فكذبت فراستي فيك لادعائك ما اعجز الكافة - قال الصباح؟ ما اخطأت فراستك وان اردت صدقتها فاجمع عندك من ذوي البصر بأمر الجواهر - فجمعهم واستحضر الصباح ملاءة وبسطها ودفع أطرافها الى اربع نفر يمسكونها في الهواء ثم رمى بالياقوتة فوق الملاءة بأقصى قوته ولما سقطت على الملاءة قال للملك قيمتها ان تنصب العين على الارض الى ان تعلو الى حيث بلغت بالرمى - فاستحسن القوم قوله في اعينهم وعين الملك وامر فحشى فوه بالجوهر الرائق وخلع عليه وصرفه بقضاء ماورد له - وحدث السلامى عن اللحام ان ابا البشر السيرافي كام عند خاله بسرنديب ذات ليلة فاحضر فص ياقوت احمر وكان يضعه على احرف الكتاب يقرأه وتعجب الحاكي من ذلك ظنا منه أن ذلك في ظلام الليل وان يضيء مشف من غير ضياء واقع عليم من مضيء؟ وكان ذلك الياقوت كنصف كرة بسطحها نحو الكتاب فالخطوط الدقائق تقرأ بمثلها من البلور لأن الخط يغلظ من ورائها في المنظر والسطور تتسع وعلل ذلك موكلة الى صناعة المناظر

ومما يشبه امر الاسماعيلي ان الامير امين الدولة ركب يوما ببلخ الى المتصيد وتعرض لخ مستميح من اهل بخارا يدعو ويبرم وكان يضجر بامثاله فامر ان يعلى بالمقارع واتفق ان حرك يده فسقط الفص من الخاتم وذلك بمراى من البخاري المصفوع فتربص البخاري مرور الموكب ثم جاء ورفع الفص من الطريق ووقع بصر الامير على الخاتم عندما انصرف فأمر بطلب الفص وشدد فيه ثم ركب من الغد وقد وقف له البخاري في موقفه بالامس وعاد الى اضجاره فامر بشدخ رأسه بالدبابيس - فقال له البخاري، ان كنت غير معطيني شيئا من مالك فخذ ما معي من مالك - وناوله الفص فبهت له وساله عن خبره فأخبره بالقصة - قال، ارغمني اللّه بك - وامر بثلثمائة دينار وقال - خذها ولا تشكرني عليها فليست بعطيتي انما هي من اللّه تعالىولو كانت الى ما اعطيتك واحدا - واعجب من هذا ان رجلا من اهل فراوة يسمى احمد بن الحسن اليزيدي كان مولعا بالشراب خالعا عذاره فيه وانه شرب ذات ليلة مع اصحابه في ربض الجرجانية بخوارزم وندر الفص من خاتمه وهو لايشعر به الى الغد وقد نسى الموضع واتى على الحديث سنتان فدق عليه بابه ليلا وقال، ان الفقيه الاخشيدي الخطيب انفذ اليك هذا الفص - واذابه فص خاتمه تامفقود فغدا اليه وسأله عنه وكان لذلك الفقيه اتانين شيوى فيها اللبنات اجرا - فقال، كنت واقفا عند الاتون وحاملو اللبن ينقلونها من الظهور الى الارض فوقعت من يد احدهم لبنة وانكسرت زظهر من مكسرها هذا الفص وعرفته من اسمك المكتوب عليه - وخلاف هذا ان المأمون لمل قدم بغداد منصرفا من خراسان اهدى اليه الفضل ابن الربيع فص ياقوت لم ير مثله فأخذ المأمون يقلبه ويحمله من يد الى يد ويقول لجلسائه، ما رأيت احسن من هذا الفص - ثم حدثهم ان ابا مسلم سرح زياد بن صالح الى الصين فوجه اليه بفص وقع من جهته البى ابي العباس السفاح فوهبه لعبد اللّه بن علي وصار منه الى المهدي ثم الى الرشيد فبينما هو يرمي قوس جلاهق اذ ندر الفص من خاتمه وكرب ذلك الموضع، حواليه فلم يعثر له على اثر واغتم له جدا - واشترى صاحب المصلى فصاعد يم المثل بعشرين الف دينار وبعث به اليه ليسليه عنه فلما نظر اليه قال اين هذا من فصى؟ ثم قال المأمون، لأضعن من قدر هذه الحجارة النى لامعنى لها - ورده على الفضل وقال لرسوله، قل له ذهبت دولتك يا ابا العباس ولما رجع الفص الى الفضل وجم له وقال لأحد بطانته، ان المأمون لايعيش من يومه الا اقل من سنة - وما امسى الا ودق اتاه الخبر بالقصة فأسرها ولم يبدها الى ان حال الحول وركب في جناره العباس بن المسيب فعرض له بباب اللشام بعض اولاد الفضل ودعا له وانتسب فاستدناه حتى قرب من ركابه فانحنى اليه وادنى اليه رأسه مسرا ثم قال أعلم ابا العباس ان الوقت قد مضى - واللّه لقد كان عمر بن عبد العزيز اشد وضعا من هذه الحجارة مع عفاف نفسه عنها وعن امثالها بل وعن الدنيا كلها وقد كان يملكها وانه سمع ان ابنه عبد اللّه اشترى فصا بالف درهم فكتب اليه اما بعد فقد بلغني انك اتخذت خاتما اشتريت فصه بالف درهم فعزيمة منه اليك إلا بعته واطعمت بثمنه الف جائع وعملت خاتما من ورق فصه منه وكتبت عليه؛ رحم اللّه امرء عرف قدره ففعل ما امره به - واما ذهاب فص الرشيد بين الباب والدار فيمكن ان يفوز به احد الكرابين الارضين في طلبه ويمكن ان ينقض طائر وهو في الهواء ثم يهوى الى الارض فيبتلعه لحما فيأخذه بفيه ثم يرمي به اذا تباعد - وكان مع عبد اللّه بن مروان بن محمد فص احمر قيمته الف دينار مكتسى بمقربة(وهو) ينشى راجلا في منصرفه من ارض النوبة ويقول ليت لي به دابة أركبها وقال بعض اهل مروان - لم يكن لنا في هربنا شيء انفع من الجوهر الخفيف الثمن الذي لايجاوز قيمته الخمسة دنانير اذ الصبي والخادم يخرجه ويبيعه وكنا لانجترئ على اخراج الثمين من الجوهر فما كان ينفعنا كثرة ىثمنه بل كان يضرنا وهذا كما لم ينفع يزدجرد ما معه من الجوهر في منطقته بدل اربعة دراهم طلبها منه الطحان بل كان فيها حتفه تحت الطاحونة ولهذا قل ما تجد مجوسيا خاليا عن اربعة دراهم تصحبه اينما كان اعتبارا بيزدجر

قال نصر - كان للامير الرضى نوح بن منصور السامانى زوج خاتم يسمى كل واحد منهما بطيخة فص احدهما ياقوت احمر وكحبة العنب والآخر ألماس مجانس له في القدر والشكل فقيل انه لم ير الناس اعظم حبة منه - وكان ملوك الاسلام يعظمون بيت اللّه الكعبة ويهدون اليه ما استحسنوه تمثيلا بعبد المطلب حين احتفر بئر زمزم زكان مطموسا فوجدوا فيها اسيافا قلعية صرفها الى باب الكعبة وغز الى ذهب مرصعين احدهما الى تحلية الباب وعلق الآخر في داخلها تاسيا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم في تعليقه البرسم الذهبي الذي اهداه اليه باذان الفارسي من اليمن عند اسلامه يريه التبرؤ من المجوسية وترك رسومها وابتدأ بعده في مثل عمر بن الخطاب فعلق الهلالين المحمولين اليه من فتح المدائن مع الكاودوشة والقدحين المعمولين من جوهر فات الثمن والقيمة وكانت كلها مرصعة بالجوهر الفاخر والزبرجد المرتفع في الكعبة - ثم بعث يزيد بن معاوية بهلالين كانا في الكنيسة بدمشق مرصعين بالكبريت الاحمر أي الياقوت الرمانى وبلغ الهلال منهما مائة الف دينار فلم يبعهما يزيد ولكنه بعث بهما الى الكعبة مع قدحين احدهما عقيق والآخر مها وقارورتين احداهما عقيق والاخرى من ياقوت - وضرب عبد اللّه بن الزبير بابي الكعبة بصفائح الذهب - وحمل عبد الملك بن مروان الى الكعبة شمستين وقدحين من قوارير والبس الاسطوانة الوسطى بصفائح الذهب - وبعث الوليد بن عبد الملك قدحين لم يذكر في الكتب حالهما - وبعث السفاح اليها صحيفة خضراء من زبرجد اشتراها باربعة آلاف دينار - وبعث المنصور بالقارورة الفرعونية مع لوح عظيم من فضة كان اهداه اليه ملك الروم - وبعث المأمون مع الاصنام الذهبية والفضية المأخوذة من اصبهبذ كابل لما أسلم وبالياقوتة التي كانت تعلق على وجه الكعبة في المواسم - وبعث المتوكل اليها شمسة من ذهب مكللة بالدر والياقوت والزبرجد وكانت وكانت سلسلتها تعلق كل موسم وكانت قبيحة بنت المعتز ادخرت من الجواهر شيئا كثيرا لم تنتفع به في دين او دنيا ولم تغث به ابنها حين طلب منه الاتراك خمسين الف دينار على أن يقتلوا صالح بن وصيف ويريحوه منه فلاذ بأمه وشحت عليه وما زادت في الجواب على ان لا مال لها - ووجد صالح بعد قتله المعتز لها في مخبأ ثلاثة اسفاط في اولها قدر مكوك من زمرد لم يقدر المتوكل ولا غيره على مثله وفي سفط دونه قدر نصف مكوك حب كبار ما ظن ان مثله يقع ويكون في ايدي العالم وفي الثالث دونه قدر نصف كيلجة ياقوت احمر ما سمع بصفة مصله وقومت لصالح عوضا على البيع بالفي دينار ومع تلك الاسفاط من غير الجواهر ما قيمته الف الف دينار قد ضيعتها بجهالة وشح نفس بعد تضييع الابن وتوهين الخلافة وما رحت تجارتها غير الافتضاح بارتكاب صالح منها ما خرجت به الى الحج حرمانة عريانة تفضح بالفضيحة بالدعاء عليه - وما ايذكر من الجواهر غير معلومة بالتفضيل فان منها ما حكى عن عامل خراسان وقد وجد لبعض الاكاسرة نخلة مصوغة من ذهب عليها انواع الجواهر منظومة بين السعف على مثال البسر والتمر فحملها الى مصعب بن الزبير بالعراق وقومت بالفي الف دينار فقال لجلسائه من ترون اهلا لها؟ قالوا - انت فدعها لولدك - قال - ر ولكني ادفعها الى رجل قدم لدينا يدا وهو انفع لهم منا - ادفعوها الى عبد اللّه بن ابي فروة - فأخذها - ولما دخل المسلمون الى نهاوند وجمع المسلمون الاسلاب اللا السائب صاحب الاقباض اقبل الهربذ الى حذيفة بن اليمان وقال له هل لك ام تؤمنني حتى اخبرك بما اعلم؟ قاله - نعم فهات ما معك قال - ان النحيرجان اودعني ذخيرة كسرى فان امنتني وامنت من شئت؟ وسميت اخرجها لك - قال - قد اعطيتك ذلك - فجاء فسفطين عظيمين ليس فيهما غير اليواقيت والدر واجمع رأي المسلمين عل تخصيص عمر بها دونهم وقدم السائب بهما عليه فقال له - ادخلهما بيت المال حتى انظر في شأنهما والحق انت بجندك - ففعل وبات عمر يروى في ذلك وحين اصبح اناخا بعيرهما سواء وقال للسائب - الحق بامير المؤمنين ففعل فلما رآه قال - مالي وم لابن ام السائب بل ما لابن ام السائب ولي خذ هذين السفطين لا أبالك واحملهما الى حيث حملتهما منه واصرف ثمنهما في عطية المسلمين - ففعل ما امره به ووضعها في مسجد الكوفة فابتاعهما عمر بن حريث بألفي الف درهم وباعهما في ارض الاعاجم بأربعة آلاف الف درهم

وفي سنة اثنين وتسعين عبر طارق مولى موسى بن نصير من جانب ارض المغرب الى الاندلس فقتل ملكها في المعركة وهو في قبة مكللة بأنواع الجواهر على سرير كذلك تجره دابتنا على رسم العجلات التي كانت اليونان تسميها مراكب القتال والهند اتو وهي الرخاخ في الشطرنج - ثم كان الواحد من البرابرة يجيء بالحمل ليس فيه غير الجواهر والديابيج المنسوجة فيبيعه جزافا من العربي بدهم الى درهمين - ثم سار موسى بن نصير في سنة ثلاث وتسعين الى الاندلس قتلقاه طارق مولاه وسار معه الى مدينة طليطلة من الاندلس وفتحاها وأصابن مائدة سميت باسم سليمان بن داود كعادة العوام في نسبة كل ما استغربوا صنعته واستعبدوا عمله اليه وينسب كل بناء وغواص من الشياطين المقهورين وكانت تلك المائدة خلطين من ذهب وفضة مرصعة بالجواهر في ثلاثة اطواق يحملها البغل - ففك طارق منها احدى قوائمها بأخرى من حديد لسوء ظن وأخذ بالحزم في الانف ووجد في بعض المدن التي افتتحهابيت فيه اربعة وعشرون تاجا من تيجان ملوكهم لم يهتد لقيمة التاج منها فكأنها كانت تحفظ لكل ملم مضى منهم حتى يعرف بها عددهم وتواريخ ملكهم او أن ذلك كان سنة مشروعة لهم - وفي سنة ست وتسعين خرج موسى الى الوليد بن عبد الملك واهدى له المائدة فقال طارق للوليد - انا اصبتها دونه ولكنى احتشمتها فتركتها له - فكذبه الوليد وكان قد استظهر بقائمتها فقال - سل موسى عنها. فقال - هكذا اصبتها - وحينئذ اخرج طارق قائمتها الاصلية فعرف الوليد صدقه واجازه وكذب موسى - وحاصر خالد بن برمك اصبهبذي الجبل والمصمغان في قلعة بجبال طبرستان فلما ضاق الامر بهما سألاه الأمان والنزول على حكم امير المؤمنين فأجابهما اليه وخرجا فوكل بالباب من يمنع من اخراج شيء من الفئ منها - وعمد رجل الى سنور فشق بطنه زحشاه بجواهر ثم خالطه ورمى به الى خارج الحصن ولم يحظ بتقديم الاطلاع فاتفق رجل من العسكر قريب من موقعه فأخذه وجاء به الى خالد فأمر بالتشديد في حفظه في الخزائن اذ كانت الاكاسرة وقت هربهم من العراق الى مروا ودعوا ملوك الجبل نفيس جواهرهم وخف اموالهم وذخائرهم فوجد خالد من ذلك ما لم يدر له قيمة - وكان بارض الدوار صنم يسمى زون معمول من ذهب وعيناه ياقوتتان فقلعهما عبد الرحمن بن سمرة وقطع يدا الصنم ثم قال لمرزبانها دونك الذهب والجوهر فما اردنا بما فعلت الا انه اعلمك انه لاينفع عابده ولا يضر معانده - وقالوا؟ واتى المنصور رجل واخبره انه دخل ناووس فىن الملك من الاكاسرة فرأى عليه تاجا من الجواهر واللالى قد فات القيمة وانه كره ان يمد يده لشيء منها دون إخباره بها - فامر المنصور ان يضرب سبعين سوطا وينادى عليهظ هذا جزاء من تخطى عرصة ملك حيا كان او ميتا وهذا هو مستوجب السياسة ومقتضى المروءة والحرية لكن من درس الاخبار واطلع منها على افعال العرب في العجم عند انتزاع ارضهم ونعمتهم وعلى الموجود في قبور بني امية حين نبشها عبد اللّه بن علي بعلة الثأر والترة وحرص المنصور على الاموال يعلم بطلان هذا الخبر وان كان فيه تحسين الادب - وفي اخبار الفرس التي لاتخلو من زيادتهم امر الاكاسرة وتفضيل ملكهم والمملكة التي لهم ان صاحب سرنديب حمل الى انوشر وان سبع الغوص وعشرة افيلة ومائتي الف ساجة واهدى صاحب الصين فرسا بفارسه منضودا من درر وعيناهما من ياقوت احمر وثوب صيني عشاري لازوردى الارض فيه صورة االملك بتاجه وحلله وهو في اثوابه والخدم على راسه تحمل ذلك الثوب جارية قد غابت في شعرها وفاقت اقرانها حسنا وجمالا والثوب في صندوق من ذهب - واهدى اليه ملك الهند الف مناعود يذوب بالنار حتى يكتب بسواده الذائب وجا ياقوت احمر مملؤ من الدر وعشرة امناء كافور كاالفستق خلقه واكبر منه وفرشا من جلود الحيات موشى الين من الحرير وجاريه في قدر سبعة اذرع وانفذ خاقان مائة جوشن مذهبة ومفضضة بعد التذهيب واربعة آلاف مناسك تبتى

وقالوا انه كان في جملة اموال خزانة ابرويز المسماة بهار خرم بالمدائن التي هي طيسفون واظن انها سميت مدائن لانها كانت دار مقر شاهنشاه فهي ايضا مدينة المدائن يعد العين والورق واواني الذهب والفضة احد عشر سفطا في كل واحد ثلاثون الف حجر ياقوت احمر وعشرة اسفاط في كل سفط اثنى عشر الف قصبة زمرد في كل سفط الف نافجة مسك ومن الكافور مائة جراب كلها مما لايأباه الا مكان وتوجه له الوجوه - فربما خفط في الخبر شؤيطة الامكان في الاوعية وما وعت عددا ومساحة والتفاضب في الاكثر والاقل من الاشرف والارذل وكل ما ارتفع عنه الامتناع فقد تنقبض عنه يد الانتقاد الخفاء موضع الصدق فيه والكذب - واما الخرافات المضحكة التي ربما يتلهى باستماعها فكثيرة عندهم جدا ويكفي منها ما يتصل بهذا الذي نحن فيه وهو قولهم في ابرويز انه خص بسستة عشر خصلة اعجزت غيره واعوزت عند من سواه وتعديدها يمل ويخرج عما نحن فيه بصدده - وبما شهد الجبال لتردد الصدى بها في تجاويفها واحدها كوراوند وكان من حجر على هيئة بقرة وانه كان مدفونا فعثر عليه ورفع الى الحسين جد بدر بن حسنويه ووقف على انه موراوند وكان يصب فيه الشراب فلا يزال يسقى ولا ينقطع ولو كثر الشراب فجربه الى ان طلبه منه كردى من اقاربه كان حمل اليه رأس عدوه فلم يجد بدا من اسعافه به ووسوس الخلق بفعله وكسره بنصفين ليقف على خبر ما فيه فوجد في جوفه عصارين قد شُدّ ناصية احدهما بناصية الآخر يعصران عنب ذهب - فرام جبر ما كسره فاعياه وبطل امره - وحكلا ابن زكرياء في كتاب الخواص، ان بمصر كنيسة فيها ميتان على سرير يخرج الزيت من تحته كذلك فما ينقطع واستغفر اللّه من هذا - ومما زعموا الكنز المحترق وهو ان خزانة كانت له بأرض فارس مشحونة بالعين والورق وانواع الجواهر والعطر والادهان وقع فيها حريق من الصواعق ودام ايقاده اربعة اشهر وقتلت رائحته الحيوانات الى اربعين فرسخا حوله ولم يخبر احد باخباره الا يعتاقها مدعاها كعادته في امثاله من الحادثات ولما انطفأت النار بذاتها وخمد وقودها فتشوا رماد المحترق وما انسبك تحته فوجدوا البسيطة كلها ياقوتا احمر قطعة واحدة متحدة فسرى عنه وسربه اذ كانت قيمته مثل ما في الدنيا من النعم عشرة ألاف مرة وبه ترأس على نظرائه وفاق من تقدم وتأخر عنه من ملوك الارض وأمر أن يخرط منها مائة لوح في كل لوح الف مثقال وما بقى من أواني الشرب وشرب في جميعها - وكيفية ما كان فهذا في الارض ويكاد أن يتصابر الانسان عليه فيحتمل الاذى فيه ولكن ما يقال على السموات وكونها من هذه الخسائس الأرضية غير محتمل عند من لايزن الخير والشر ولا يوزن بين الفضل والسرف بهذه الاثمان ولا يتدبر قول اللّه تعالى(لن ينال اللّ؟ه لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم) حق تدبر حتى يتحقق به كيفيات ما يستحق الفرح به وتميز النفيس من الخسيس فيصبر باعراضه عن الباطل بمن ارتضاهم اللّه من عباده في قوله تعالى(وذا مروا باللغو مروا كراما واذا خاطبهم الجاهل قالوا سلاما) - ومما يضحك ايضا ما ذكر في كتب الفتوح، ان سعد كتب الى عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه، لني احصيت في الفئ صندوقا من ذهب مقفلا بذهب ولم افتحه وان رجلا يعطى فيه ما لا سماه وورد الجواب بأن بعه فما احسبه الا من حماقات العجم - ففعل وفتحه المشتري فأفضى الى درج فتحه واذا فيه كتاب فاحضر من يقرؤه واذا فيه تسريحة واحدة للحية من جانب الحلق انفع من الف تسريحة من عند الخد - فاستقاله المشتري وكتب بذلك الى عمر بن الخطاب واجابه؟ ان يستحلفه أكان مقيلنا لو وجد فيه كنزا اكثر مما امل - فسئل وقال، ما كنت مقيلكم - وقال، ونحن ايضا لانقيلك - وفي مثل هذا قال اسمعيل بن علي في بعضهم:
كالسفط المقفل قد زخرفت ... حاشيه بفنون النقط
يقزا من غر به مشرحا ... كم جوهر ضمن هذا السفط
حتى اذا اسلمه قفله ... لم يك الا الريح فيه فقط

باب سائر الجواهر واليواقيت

قيل خير اليواقيت بعد انواع الاحمر هو المورد الاصفر ثم الا كهب وأدونه الابيض - قال الاخوان الرازيان، ان القطعة الواحدة ربما جمعت جميع الالوان وانه قد وقع اليهما واحدة كذلك تركبت من كل لون حتى حوت الحمرة والصفرة والخضرة والكهبة والبياض وكانا يعلمان ان النار تسلخ جميعها وتبيضها ولا يبقى منها غير الحمرة الثابتة على حالها فقط فانها لها كالاصل وسائر الالوان كالاعراض تبطل بلإحماق ويبقى الجوهر صافيا كالبلور - وما ذكر الكندي من لقط المعادن التي اشتراها يدل عليه - (الاصفر) قالوا، ان المختار منه هو المشبع الصفرة المقارب بالتشبه بالجلنار من الاحمر وبعده المشمشي ثم الاترجي ثم التبني ولا يزال يتراجع بضعف اللون الى ان يقارب البياض ثم يبلغه - وقيمة اجوده اذا اتزن مثقالا مائة دينار ثم تتناقص القيمة بانحطاط الرتبة حتى يبلغ مثقاله الدينار الواحد - وقال الكندى، ومن اشباهه الكركهن في جميع انواعه - فمنه الخلوقى والزيتي والفستقي وبو قلمون يوجد فيه كل لون من الخلوقية والصفرة والخضرة والسماوية ترى فيه هذه الوان عند تحريكه فيتلون ضروبا كبوبراقش في تلون ريشه بحسب الظل والضح ووضعهما منه - قال، والكركهن الاصفر مغالط لانه لايغادر اصفر الياقوت الا في الشعاع والحك فأما الرطوبة فانها رطبة جدا - وقول الكندى في الالوان المختلفة انها تترا يا فيه الحركات يدل انها ليست فيه ذاتية انما هي مخايل - أبو قلمون وأبو براقيش وقد يرى في مكاسر البلورى في الشمس هذه الالوان على احسن ما يكون - كذلك يراها في ضيق فتح عينيه واشرف عليها رشعرة حاجبه ووسطها بين عينيه وعين الشمسي - وقال نصر اول هذا النوع الاصفر الناقع ذو الماء والرونق والشعاع - والثاني الخلوقي وهو اشبع لونا ثم الجلنارى اشبع من الخلوقي واوفر ضياء وهو أجودها(الأكهب) قالوا ان اجوده الطاوسى ثم الآسمانجونى ثم النيلي ثم الآبجون وهو اقرب الى البياض - ومن انواعه الكحلي والنفطي وان ضربا الى السواد وقيمة وزن المثقال من الطاوسي عشرة دنانير ثم ينحط فيما بعده الى ان يبلغ الدينار - قال نصر، ان للاكهب مراتب تتفاضل بالشبع من اللون فأوله الآسمانجونى الازرق ثم اللازوردى ثم النيلي ثم الحكحلي وهو اشبعها - وقال الكندى، انه ربما كان في آسمانجونى صفرة فيدخل النار قليلا بمقدار ما تنسلخ عنه الصفرة وان اخطأ الفاعل ذهبت الكهبة معها - وهذا من قوله دليل على ان الضفرة اقل بقاء فيه من الكهبة - وقال، ان اعظم ما رأينا من آسمانجونىه حول الارعين مثقالا ومن الابيض ما يقاربه - وقد كان عندنا في الخزانة بخوارزم قطعة بين الآسمانجونى والكحلي وزنها ارجح قليلا من ستين مثقالا وقد خرط منها جارية مقعية ركبتاها على صدرها وذقنها عليهما ويداها على ظنبوب الساقين شبكت الاصابع بعضها في بعض - وذكر الكندى في الكيس المشترى انه كان فيه سائر الحصى في المنظر وما بلآثار وانعام التأمل بحد النور فقد اشتملت على ان تكون من احمر الياقوت واصفره وآسمانجونيه - ومن اصناف الكركند والكركهن الاصفر والفستقي والوزيتي والخلوقي ومن ضروب الجربز ما هو شديد الحمرة ومنها رقيقها ولن تظهر الوانها الا بعد الحك فصوصا ثم جود الاحماء منه ما كان احمر - وقرئ علىّ من كتاب هندي في نوع الاكهب ان اجوده واصلبه هو مشبع اللون المدور الشكل خلقة واذا قوبل به الشمس مال لونه الى السواد - وزعم بعض البحريين انهم بلغوا في سيرهم جبلا مطلا على كهف كالزاوية فيه من ماء البحر كالدردور وان ركاب المراكب انتقلوا منه الى القوارب ودخلوا بها تحت تلك الظلة يلزمون حواشي الماء ويتقون وسطه ويحذرونه وكانت اليواقيت الكهب تلمع من خلل السقف المتعالي فيرمونه بالمشاقيص والمعابل العراض النصول حتى تنكسر من الجبال عراضا تساقط فيلتقطون قطاعا منها ما يقع منه على يبس الشاطئ او ضحضاح الماء المتباعد عن الوسط ويتركون ما وراءه بالقرب منه حتى جمعوا من ذلك جملة وباعوها من الحكاكين - وقال الكندى ان من الافلح الآسمانجونى ما يغالط فيروج مكان سميه من الياقوت - ومنه ما يميل الى السواد وهو اردأ النوعين - قال، وجميع الاشباه تجلب من معادن الياقوت الا الافلح فانه يجلب من مندرون من بلاد سرنديب وكأنه عنى مندرى تبن الفرضة

ولو قايست بين أعظم ما يوجد من كل لون من الوان الياقوت وجدته بحسب ما لها من الرتب في القيمة ووجدت الصغر في الجثة مقرونا بالعزة والعظم فيها مع الكثرة على مثال الفلزات وما ذكرناه من مقادير الذهب والفضة والنحاس من جواهرها في الحفيرة الواحدة بحسب صروفها في القيمة - واما اوزان اليولقيت اذا تساوت في الحجم واختلفت في اللون بحسب ما اعتبرناه وتولينا امتحانه - واما الاكهب فانا وجدناه اثقل من الاحمر بشيء يسير أو همت قلته في سبب انه ما كان في الاحمر من الثقب وانها لصغرها لم تطرق للماء فيدخلها وبقيت خالية من الماء مملؤة من الهواء على مثال السحارة فان ضيق الثقب في اسفلها لايسوغ الهواء ان يدخلها مع خروج الماء منها - فان وسعت حتى وسعت الهواء والماء معا سال الماء منها - وقد كان عملنا في هذا الامتحان مائيا فقصرت عليه مقالة تضمنت حقائقه وأدى الى أن الاكهب اذا كان في الوزن مائة كان وزن الاحمر الذي يساويه في الحجم سبعة وتسعين وثمن ولإزالة الكسر يكون نسبة وزن الاحمر الى وزن الاكهب نسبة السبعمائة والسبعة والسبعين الى الثماني مائة ولم يتفق لنا عرض شيء من هذه الالوان على هذا الامتحان وما اظن الابيض منه والاخضر والاسود يخالف الاكهب فانها صم كصممه وثقال كثقله عديمة الخلل غير مثقوبة كالاحمر - وقد جعلنا وزن المائة من الاكهب قطبا في قياس سائر ما عداه واليه نرجع كالجوع الى القانون - واما الكندى فانه قال في الياقوت بالاطلاق انه اثقل الجواهر المساوية لقدره في الفسحة اي سعة المكان فان سعتهبقدر المتمكن ومساحتهما وهما تعليميان غير طبيعيين واحدة ولم بفعل فيه لونا عن لون ولو كان وصف الجواهر بعدم الذوب لكان اشد مبالغة في الاحتياط فان الذهب والزئبق والاسرب يفضل عليه في الثقل - (الاخضر) قالوا ان خير اخضره الزيتي ثم الفستقي ثم ينحط لونه بالتدريج حتى يبلغ البياض وقيمته لا تبعد عن قيمة الاكهب - قال أبو العباس العمانى - ان من الاكهب جنسا يسمى أو قلة وهو أقلها لونا وأردأها والينها - واظن ان الذي سماه الكندى الافلح وان جعله في كتابه بالحاء وان نصراهو الصائب في ذكره بالجيم فانه حينئذ تعريب او قلة وهو الافلج - قال الاخوان الرازيان - الذي رفعه الامير امين الدولة من بيت الاصنام ببلد ناهورة كان او قلة وكان وزنه اكثر من خمسة وثلاثين مثقالا ومعدنه بالهند ومنزلته من الياقوت منزلة االجمست والبلور منها وكان معلقا على رأس صنم من خمسة وتسعين مثقالا من الذهب - فصل اعضاء وسبك للتكاثر والتفاخر بين الاقران - كان ذكره في كتاب الفتح ياقوتا اكهب ورأيته في الطريق عند منصرفة فوجدته مائل اللون الى خضرة الزجاج غير مشبعة يملأ الكفين مثقوبا في احد اركانه مسلوكا فيها حلقة ذهب وعندها بخطهم كاسم او ما اشبهه - شلته بيدي فاستخففته ولمح ذلك المرء فأخذه من يدي لئلا أتبين فيه بخلاف ما يرى الناس منه

(الابيض والاسود) - قالوا في الاسودانه النفطي والكحلي او هما من انواع الاكهب اذا تراكمن اللون فيهما وتكدر - وأما الابيض فمنه ما يخلس بياضه ومنه ما شابه شيء من الالوان فيحك حتى يصير على الشكل المستعمل في ذلك اللون ويروج مكانه او فيما بينه - وربما ثقبت في الابيض مواضع ولون بما يدخل فيها من الاصباغ للتمويه - ويحمل ذها الابيصض من سرنديب ويكون رزينا باردا في الفم - قال نصر - ابيضه نوعان بلوري ويشابه البلور في البياض والصفاء وكثرة الماء - والاخر مختلف عن الاول في اوصافه التي ذكرناها وفاضل عليه في الصلابة ولهذا انتسب الى الذكورة - ويجري على السنة جمهور الهند كذر حجر القمر وسيمونه جندر كاندأي شعاع القمر وليس بالذي ذكره يحيى النحوي في رده على ابروقلس انه على اللون يظهر على سطحه لطخة بياض وتأخذ في الزيادة بزيادة لون القمر الى بدوره ثم تأخذ في النقصان حتى يضمحل في المحاق ويعود عند الهلال بل تزعم الهند ان الماء يقطر منه اذا وضع في سمرة - وكنت اظنه البلور واحمل عليه في ما ذكر في اخبار السند من اتحاف ملكها الاسكندر في جملة ما أهداه اليه بقدح يمتلي زعموا من ذاته ماء واوجه له بالممكن الكون وجوها وليس يبعد ان يكون ذلك الحجر القمري المذكور - والياقوت الابيض فانه اوزن من البلور والبرودة في الفم من لوازمه وذلك معين على اجتماع الماء عليه قطرات كاجتماعه على اواني الفلزات المملوءة ثلجا الموضوعة في الظل صيفا المظنون بها عند العامة انما رشح من الداخل الى خارج وخاصة في هواء بلاد الهند الحار الرطب وأنى تكون تلك القطرات رشحا وهي ان جمعت في مرات كان لوزنها مقدار ولم ينقص من وزن الآنية بها بما فيها في الوزن متى استوئق من فيها بصمامة محكمة - وذكر سسرد في كتابه المجمل والمفصل هذا الحجر واستعمل ما يقطر منه من الماء في علاجاته وقال؛ ان الذي يرشح من هذه الخرزة نافع من الحميات وارواح السوء - وعند العمامة ان جرم الياقوت يتردد في الوانه بين الاكهب والابيض والاصفر الى ان يبلغ الاحمر - قال الغضائري
ازبسى كستن بحال ازحال شد ياقوت باك ... بيشتر اصفر بباشد لنكهى احمر شود
وهذا بسبب ما سمعوه من الطبيعيين ان الياقوت الاحمر بالغ عاية كما له كما الذهب الابريز في غاية اعتدالة وظنوا ان الياقوت تردد في الوانه وتدرج فيها الى الحمرة ثم وقف لديها اذ ليس وراء الكمال شيء - وان الذهب ايضا يتردد في انواع الذائبات من عند أبويه الزئبق والكبريت واجتاز على الرصاص والنحاس والاسرب والفضة الى ان يستوفى الصبغ والرزانة فوقف فلا يتجلوز رتبة الكمال - لذلك زعموا يزداد في التراب وزنا ولا يستحيل فيه ولم يعن الطبيعيون فيها الا ما يعنون في الانسان انه بالغ اقصى رتبة الكمال بالاضافة الى ما دونه من الحيوان ويذهبون فيه الى سنخه وجوهره لا انه صعد الى الانسانية من انواعها حتى ارتقى من الكلبية الى الدبيه ثم الى القردية الى ان يأنس - وقال ابو بكر علي بن الحسين القهستانى
كذا اليواقيت فيما قد سمعت به، ... من طول تأثير جرم الشمس في الحجر
فان عنى انها اطالت التأثير في اي حجر كان حتى صار بذلك ياقوتا فهو محقق في ظنه وان عنى المادة المستعدة لقبول الياقوتية فهو محقق صادق كما أشرنا في بيته فيب الاصل - وقال منصور مورد - كجا خاك دركاهش ازكيمياست - كيا قوت كرد دهمى رومدر وجميع ما في العالم يستحيل بعضه الى بعض بحسب امتداد زمانه ولكن هذا طريق الشعراء من الاغراق في المدح بالأكاذيب -

ذكر اللعل البدخشى

الجواهر الفاخرة في الاصل ثلاثة وهي الياقوت والزمرد واللؤلؤ ومن حق الترتيب فيها ان يتلو بعضها بعضا الا انه لما جرى في باب الياقوت ذكر لأشباهه وجب الحاق اللعل لها فانه منها واباها - فاقول انه جوهر احمر مشف صاف يضاهي فائق الياقوت في اللون وربما فضل عليه حسنا ورونقا ثم يخلف عنه في الصلابة حتى اسرع التأثير اللى زواياه وحروفه من مماسة الاشياء ومصاكتها ويجاوز ذلمك الى سطوحه المستوية حتىذهب بمائه الى ان يعاد عليه الجلاء بالمارقشيثا وان تنوع انواعا بالوانه ونسب صفره الى الذهب والبيضه الى الفضة واحمره الى النحاس وادكنه الى الحديد فان الذي يستعمله الجلاؤون هو الذهباني لم اتحقق فيه الى الآن اذ لك لخاصية فيه معدومة في سائر انواعه ام هو من جهة كثرته وقلة سائره - وهذا اللعل هو الذي سماه الكندي ونصر بيجاذيا ذهبي اللون ولست اعرف لهذه التسمية علة سوى احتياجه في الجلاء الى ذهبي المارقشيثا واسبعدها مع ذلك انه ليس للذهب بلونه اتصالا يحتمل التشبيه والاختلاط كما ترى في غيره من قطع اللازورد - ونسب نصر معدنه الى بدخشان وقال انه يشترى الى ايام آل بويه بقيمة الياقوت ثم عرفوه فتخلف عن نفاقه بتلك القيمة - وليس بدشخان منه بشيء ولكنه ينسب اليه لأن ممر حامله عليه وفيه يجلى ويسوى فبدخشان له باب ينتشر نمنه في البلاد كما ينسب الهليلج والعود والبرنك الى كابل لأن كابل كان فيما مضى اقرب ثغور الهندالى ارض الاشلام وبها مقر المتلقبين بالشاهية من الاتراك والبراهنة بعدهم فكان كابل ايامئذ كالفرضة المقصودة لجلب تلك السلع منها والا فذلك العود الخالص محمول اليها من سواحل الهند الجنوبية والهليلج من جالهندر وبينهما مسيرة اكثر من شهرين بسير الرفق - والبرنك محمول اليه من نواحى قيرات المصاقبة لحدود كشمير والقندهار - ومعلوم انه لايقوم على النار من انواع اليواقيت غير احمره وان لونى اصفره واكهبه سنسلخان عنها في الحمى لكن احد من يزاول صنعة الحك والجلاء بتلك النواحي اخبر ان هذا الجوهر اللعل يقاوم النار ان احمى بالتديج وتركت البزطقة في الكور الى ان تبرد بالتدريج ايضا فان النار تزيده حسنا وصفاء ولم اشاهد ذلك ولم اتمكن من امتحانه - ومعادن اللعل في بقاع بها قرية تسمى وَرزَقنج على مسيرة ثلاثة ايام من بدخشان بخروخان في مملكة شاهنشاه ومقره شكاسم قريب من تلك المعادن والطريق اليها يتياسر من شكاسم ويمر فيهل بينه وبين شكنان ولهذا استأثر صاحب وخان بغلاوة الجوهر ويجوزه سرا ولايطلق لمستنبطيه حمل شيء عظيم الحجم الى موضع الا بمقدار من الوزن فرضه لهم ورخص في حمله وما زاد عليه فهو له ومحظور عليهم حمله الى غيره - وذكروا في اول ظهور هذا الجوهر ان الجبل هناك انشق وتقطع بزلزلة أرجفت الارض حتى تساقطت الصخور العظام وانقلب الموضع عاليها سافلا وظهر اللعل منه ورأته النساء وظنته صابغا للثياب وسحقته فلم تلون منه شيئا وأرينه رجالهن وانتشر الحديث به وشهر به اصحلب المعادن بأمره فاستنبطوه بالحفر ونسبت المعادن ما اخرج من كل واحد منها نسب اليه كالبلعباسي والسليمانى والرحماني وربما الى ما قاربها من القرى والبقاع كالنيازكى فانها نسبت الى انف جبل هناك سيمى نيازك لا اتصال له بشيء من ذكر النصل

وطلب اللعل ينقسم الى قسمين احدهما بحفر المعدن والآخر بتفتيشه لبن الحصى والتراب النهالة من تقطع تلك الجبال بالرجفات وإسالة السيول الى السفوح ويسمى هذا الطلب هناك تاترى واسنتباط المعادن كالخصال في القمار وكاعتساف الهامه خزافا والقفار والتهور في ركوب البحر لادليل لفاعليها معينا على بلوغ المرام غير التفرس وكذلك هؤلاء يبتدؤن في عمله وأكل الجبل كأكل السوس والأرضة على عمياء ليس فيها الالعل وعسى فان طال بهم الامر على ذلك عادوا بالخسران والخيبة وان وصلوا الى حجر ابيض يشابه الرخام في لونه لين منفرك قد احتف به من جانبيه إما حجر الزنود واما حجر آخر يسمونه غدود على وجه تشبيه بغدد اللحم وهو ابيض يضرب قليلا الى الكهوبة استمروا فيه على العمل وكان اول امارات النجاح في العمل والامل وعند ذلك يفضى بهم الى ما يسمونه شرستة وهو جوهر متفرك اذا أخرج انتشر ولم ينتفع به لكنه عندهم من طلائع المقصود ثم يفضى بهم الى الحفر الى شيء غير متفرك بل متماسك يعمل منه خرز مؤاتية للثقب ونسبته الى المطلوب كنسبة الكركند الى الياقوت اعنى بالكمودة والصمم ونزارة الشفاف غير التام فاذا جاوزوه بلغوا موضع الجوهر - ومما يجرى على ألسنتهم في التشبيه ان هذا جزاء الجوهر كملك مشتهر في الممالك بالسخاء مقصود منها بتأميل العطاء والحباء يحتاج الى قطع مسافة مديدة في فلاة عديمة الماء والمرعى يعيا في قطعها الخريت وهي مثال الجبل المحفور فإذا اقتحمها انتهى الى تخوم المملكة فاستبشر الى بالانتهاء الى العمارة كالاستبشار بالحجر الابيض المبشر بالنجاح - واذا اخترق العمران من قرية الى أخرى شابه الشرستة الاولى والبلد كالثانية وقد بلغ قصر الملك المقصود فيه - وهذا اللعل يوجد في وعاء كأنه من ذلك الحجر الابيض كالبلور واسم الوعاء بما فيه مغل ويختلف بالصغر والعظم فيأخذ من كالبندقة الى قدر البطيخة ولم يذكروا منه ما يفضل الى الثلاثة ارطال - واذا كشطت عنه تلك القشرة بدا الجوهر اما قطعة واحدة وذلك عزيز الوجود واما قطاعا مهندمة كهندام حب الرمان في قشره متفاوتة في الحجم الى ان يبلغ في المغل من القطعة الواحدة الى الكثيرة المتشابهة في الصغر الارزن وربما وجد الجوهر غير متغلف ايضا ويختاف لونه في حفائر معادنه فيميل بعضها الى البياض وفي بعض ال سواد وتخلص الحمرة في بعض كالذي في المعدن المعروف بأبي العباس فانه على غاية الحمرة المشبعة - والذي يعرف بالرحمانى فانه اردأها - واجود الجميع هو المعروف بالنيازكي بهرمان عصفري في غاية الصفاء - وفي ايامنا قيمة ما يكون منه وزن درهم عشرة دنانير هروية فان بلغت القطعة من وزن عشرين درهما الى مائة درهم كانت قيمة كل وزن درهم منه عشرين دينارا الى ثلاثين

وذكر جوهر يو الامير يمين الدولة انهم شاهدوا منه ما يفضل على وزن المائة درهم - فطابق قولهم ما يحكى عن بعضهم انه عثر على مغل اتزن منا ونصفا وانكشفت جادتها عن قطعة واحدة من فائق النيازكي فخاف ان يقبض عليها وتؤخذ منه فكسرها قطعا وحمل احديها الى يمين الدولة وكان وزنها نيف وتسعين درهما - واهذا يقال في ثمن المغل؟ فربما كان فيه غناء من يجده مدة العمر وكنت اسمع فيما مضى ان اللعل يوجد احيانا في وعائه مائعا سائلا واذا ضربته كيفية الهواء استحجر وصلب هكذا سمعنا ايضا احد من مكث في تلك النواحي وانكره سائر المخبرين وليس انكارهم يفيد يقينا على امتناع ذلك فربما كان ذلك في الندرة ولم يتفق لهم ولا وصل خبره بهم اذ تقرر في باب البلور تحجره بعد الميعان في غاية الرقة - ويوجد من جوهر هذا اللعل بنفسجي واكهب واخضر واصفر وقد شاهت من هذه الالوان شيئا لم يشبع خضرة اخضره شبع المينا الاخضر بل كان بالزجاج اكثر شبها - وذكر الحكاك الذي حكيت عنه ان بعض الكبار بتلك تانواحى احمى الاخضر بمشهده مرات متوالية فما استحال عن لونه ولم تقدح النار فيه قدحة في الزمرد - واكثر ما يوجد هذا الاخضر من التراب والحصى في التفتيش أما اصفره فانه لايصبر على النار ولكنه يتغير - وهذا مضاه لما ذكره الكندى في اكهب الياقوت اذا شابته صفرة ثم انه ليس في رزنق الياقوت الاصفر حتى يكون من اشباهه ولا في ماء اصفر المينا وهذا ارخى انواعه واقبله للتفتت والتناثر ويوجد هذا الاصفر في جميع حفائر المعادن ويكثر وجوده بالقرب من قرية ورزفنج في سفح الجبل قرب الماء وهناك معدن يعرف بناونولون جوهره مشمشي - وأما البنفسجى الضارب الى الكهوبة فيوجد حول المعدن البلعباسي وفوق ذها المعدن معدن يعرف بالشريفي يغلب السواد في جوهره على الحمرة حتى يخفى شفافه حمرته الا اذا اقيم بازاء الشمس بينها وبين البصر - وعلى ظهر الجبل الذى فيه هذا المعدن يوجد البلور على هيئة نبات السكر النباتي ولقد حمل الى منه نوع اكهب فكان كالياقوت الكحلى الناصع - وأما وجود قطعة واحدة بعضها احمر وبعضها اصفر فهو مما يكثر التحدث به وذكر بعض الجوهريين انه يكون منه قطعة واحدة تجمع الاحمر والاصفر والاخضر مختلطة لا بالتماس بين المتميزات ولكن باتحاد المادة واتصال الملونات بتلك الالوان وهي في ذاتها واحدة - وكان نصر بن الحسن بن فيروزان مولعا بجمع الغرائب وخاصة من الحصى والاحجار وذكر ان عنده ياقوت احمر في عرض الكف وطلبه من خوارزم شاه ليراه فاهداه اليه وكان غلظا مقاربا لغلظ الاصبع في عرض يستر الكف اذا أطبق عليه ووجهه محبب كالاترج والعنب المندمج وبطنه مسطح ولونه احمر يضرب قليلا الى الخمرية غير تام الصفاء واخبر انه وجد بأرض الهند ملتحما على حجر وانه امر بحكه بالسنبادج حتى تميز منه ولما لم يقم للمبرد قلنا انه بعض الاشباه - واتفقت لي اعجوبة في غار مشرف على بطحاء متاخمة بقصيا على قرب فرسخين من قرية سالياهة نحو كشمير وفي جباله وذلك اني لمحت على ارض ذلك المغار نصف كرة حمراء في قدر الرمانة الكبيرة زظننتها من مشابه ما وجد نصر بن الحسن وقربت منها وزاولتها فاذا انها نصف كرة من طين قد نبت عليها حبات كحبات الرمان على حمرة تامة رمانية تلمع في وسط كل حبة نواة دقيقة مستطيلة وقدر كل حبة منها كحبتين او ثلاث من حب الرمان السمين متطاولة الخلقة وقد برز اصل كل واحدة الى الطين مثل ما يبرز من حبة الرمان كالخيط وينغرس في شحمه فأخرجت نواها وزرعتها فلم تنجب - وتعجبت من حصول حب على طين من غير توسط شجرة او نبات بينهما - فاما قياس ما بين اللعلوالياقوت الاكهب المتساوى المساحة فهو سبعون وثلث وثمن عند المائة - ولا يزال اللغويون والشعراء يشتقون الاسامى للتفاؤل والتيمن والتشاءم - فقد كتب الحاكم ابو سعد بن دوست النيسابورى الى صديق له عقيب النثر -
ففي الخاتم لاشك ... على الودين ختمان
فلولا الفأل ما كان ... قبول المال من شان

البيجاذى

البيجاذى الداعى الى ذكره هل هنا انه من اشباه الياقوت ولان الكندى ونصرا جعلا اللعل جنسا وفصلا منه بالنسبة الى الذهب - والبيجاذى لايخلو من حمرته ما يضرب بها الى سمة من البنفسج وخيره السرنديبى المشبع الحمرة والمتلهب اللون بالصفاء وكل ما كان اصلب جرما واعظم جثة واحمل لزغب الري المنتوف فهو انفس وربما بلغت قيمة وزن الدرهم منه دينارا - قال الكندى؟ انه ظهر اولا في جبل الراهون ثم ظهر له معدن بين وخان وشكنان فبي موضع يدعى يدخشان من اطراف طخارستان وهذا هو اللعل والامشتغلون بامره لايقرنون ذكره بالبيجاذى ولا يرون بينهما وصلة ما - والمتوجه من بدخشان الى شنكشان يتيا من عنه جبال مباينة لمعادن اللعل ويعرف البيجاذى هناك بالسحرى نسبة الى قرية بحدود وخان هذا اسمها - وما يقع الى كشمير من البيجاذى من المعادن الشكنانية فانه من نواحي الجبال التي قصبتها هبليك الى شكنان مسيرة يومين والى كدكد مستقر شاه بلول سبعة ايام من حدود تشرف على قاع كشمير وقصبة اردستان - قال الكندى؟ وان البيجاذى يوجد في معادن الياقوت وطابقته حكاية الحكاك انها مقدمة الياقوت بمنزلة شرشستة الباينة لجوهر اللعل وان البيجاذى اينما وجد فممكن ان يكون هناك ياقوت وان لم يجب ذلك - ثم ذكر احد العلوية بتلك النواحى(انه) اخرج من بين دقاق البيجاذى قطع يواقيت رمانية في الغاية قصر وزن كل واحدة منها عن وزن دانق - وقد رأيت عند الامير يمين الدولة مما حمل اليه من بيوت الاصنام ببلد ناهورة قطعة بيجاذى على هيئة الحصاة الململمة بجريان الماء مطاولة الشكل مفرطحة في غاية الضاربة الى شيء من الخمرية وعلى نهاية الصفاء والنقاء قدرت وزنها فيما بين العشرين درهما والثلاثين ولم اشلها بيدي - واما النسبة بين البيجاذى والياقوت الاكهب في الوزن فلم يتفق لي امتحانهما واظن تخمينا انها تكون موافقة الى ما ذكرناه في اللعل - وقال الصنوبرى -
لا وانصباب مدامة مشمولة ... كدم الذبيح يصب في خرداذى
في بطن جوهرة كان فرندها ... ماء يذوّب فيه فص بجاذى
وقال منصور القاضي الهروي
فان يرتجون البدر في العام مرة ... يلذ عامه من كاشف بملاذ
كما جذبت قلبي جفونك لم يكن ... ليحسن جذب التبن فص بجاذى
وقال ايضا
اذا انت طالعت الهلال تركته ... بغور ويبدو من كسوف على أمن
كما سلبت عيناك قلبي لم يكن ... ليجذب بيجاذيه ورق التبن
وقال ايضا
يا من وقع الكسوف بدر ... كنت له لمحة المحاذى
كما سلبت الفؤاد منى ... ما سلب التبنة البجاذى

ولسنا نجتزئ على حكاية ما ليس بمسموع - ومنه ما في كتاب الكندى من اشباهه وانواعه والخربون وهو لا يختلف عن نوع منه يسمى أسبيد جشمة الا بفتور ويعلوه كالسحابة فاما للاسبيد جشمة فقد ذكره حمزة في الجواهر وانه جوهر كالبيجاذى - وذكر نصر بن احمد بن الخطي انه حجر يجلب من ارض المغرب الى مصر أدون من الياقوت واصفى نمن البيجاذى واشبع لونا من المعل البدخشي يسمى اسبيد جشمة ويعرف بالغروى وقيمة المثقال منها تبلغ ثلاثين دينارا مغربية - قال - ولم ار منه الا خرزات تبلغ الواحدة منها في الوزن نصف مثقال - وقال ابو القاسم بن صالح الكرمانى انه يشبه الجزع لكنه شفاف وفيه كالدخانية يتختم به الشيعة بفارس وكان سبب ذلك وجلبه من ناحية المغرب ظهور اصحاب مصر بها قبل ورودهم مصر - قال، وليس فيه كثير ثمن اذ لايرغب فيه غيرهم - وذكر نصر في اسبيد جشمة انه نوع من البيجاذى وفيه صفرة العقيق الرومى حسن اللون ويزاد في تحسينه بتبطين الفص منه في الخاتم - قال الكندى، انه شديد الحمرة لايمازجه بنفسجية بل تشوبه صفرة خلوقية وانه رطب جدا وان منه نوع اصفى يشبه العقيق الرومى ويتخلف عن الصبغ عن الخرجون ويعرف بالزردول - ونوع آخر يضرب الى الصفرة اصم عديم الماء يعرف بالتاربان - قال ومزاولة جميع اصنافه في الحك والجلاء على مثل ما يستعمل في اللزمرد ويحفر اسفله ليضيء على البطائن فانه لايضيء بغير حفر الا اذا كان في غاية النقاء والرطوبة مشابها للياقوت فيضيء حينئذ على ملاسة اسفله وذلك نادر شاذ - قال، قد يتفق في البيجاذى الخراساني ان يخرج بوزن رطل اعنى الكندى ونصر جوهر اسمياه الماذينج كان يجلب من جبل في حدود سندان فوق ارض اليبل وقد انقطع معدنه ونفد ما فيه ووصفاه بشدة الحمرة وشابهاه الكركند مع ميله الى السواد لايمكنه من الاضاءة الا بلالباطنة ويتخلف عن البيجاذى وربما بلغ ربعه او خمسه - وقال المتجرون انه كان يبلغ وزن القطعة منه رطلا - وفي الزهر سمى له او هو سمى ذلك على وجه التشبيه - قال الصنوبرى -
الى لازوردو فيروزج ... وماذينج اللون اسرنج
ودل لونه على اقتران ذكره باسرنج كاقتران الاكهبين قبلهما والاسرنج آنك محرق وبالكبريت محمر على مثال الزنجفر - وذكر حمزة في جملة ما ذكر حجر اسماه المنك وزعم انه كان عند ملوك الفرس لا لون له وكان يبطن ببطانة فيؤدى لونها وهذه صفة المها والياقوت الابيض - والهند يفعلون مثل ذلك في البلور - وكنت ارى مثل ذلك على برانج صنم سومنات التي كانت يتزين بها وهي من ذهب في سعة تقلرب الذراعين وسمك اكثر من شبر ونصف يتهندم بعضها في بعض ويرتفع على رأسه حتى يصير كالاسطوانة وعلى تاجه فوقها انصلف لكر من المها قد بطنت في القاعدة وما في الترصيع من جوانبه باللك فكانت تحمر منه في المنظر - وذكر حمزة ايضا ماذه سورى وانه كان عرب على الماسورى ولم يشر الى ما يفهم منه مائيته - واللّه الموفق -

الألماس
انما قدمت ذكر الألماس على ما ذكر مما بقى من مثمنة الجواهر التي لها رياسة اعنى اللؤلؤ زالزمرد لأنه الفاعل في الياقوت الفاعل فيما دونه وغيره منفعل بشيء فوقه ولا متأثر مما دونه الا بالمقدار الذى يخصه فعله من جهة انه من جملة الكائنات الفاسدات وان امتد ببقائه أزمنة وسنوات منزلته منها من جميعها منزلة السيد المطاع من السفل والرعاع - والمناسبة بينه وبين الياقوت اقرب الناسبات بالرزانة والصلابة وقرب الجوار في المعدن وقهر الغير بالثقب والقطع على ان اللؤلؤ جنس حيوانى مائى على خلاف الجواهر الارضية الموات الجماد ومنفصل عنها بالنمو ثم لن يقدح تأخير ذكره مما له الشرف والرساية والنفاسة - واسم الألماس بالهندية هيرا وبالرومية اذا مسوايضا ادمنطو قال الكندى معناه الذى لاينكسر وهو بالسريانية ألمياس وكيفاد الأماس وكأن معناه حجر الألماس وخاصيته لنه لايكسره شيء ويكسر كل شيء - ويظن بعضههم ان الظران هو الألماس وليس به وانما هو اسم مأخوذ من الظر وهو القطع الذى منه تسمى الظران ظرانا وهو ماء الحديد الذكر المسقى - وامنا الفولاذ يشهد لذلك ما في اوائل كتاب يوشع سيف من ظران - وهذا نص يسقط معه معنى الألماس من الظران على ما يجيء منه في الشعر معجم الظاء - قال امرؤ القيس

تطاير ظران الحصى بمناسم ... صلاب العجى ملثومها غير أمعرا
كأن صليل المرو حين تشذه ... صليل زيوف ينتقدن بعبقرا
بجسرة ينجل الظرّان منسمها ... اذا توقد في الديمومة الظرر

الالماس في الاغلب جوهر مشف فيه ادنى زئبقية كما يوصف دهن الياسمين بالرصاص فيقال دهن رصاصي - وشبه الكندى بالزجاج الفرعونى ومن أنواعه الابيض والزيتي والاصفر والاحمر والاكهب والاسود وطريق اختياره انيجعل طرف منه في شمعة لتمكن الاصابع من امساكه ثم يقام بإزاء عين الشمس فان سطعت منه حمرة ولهبة على مثال قوس قزح كانة هو المختار وليس يسطع ذلك الا من الابيض والاصفر منه فقط ولذلك صارا عند الهند خير انواعه ويقال انهم يتيمنون به فان كان ذلك فهو بسبب قهره وغلبته جميع ما هو من جنسه - وقرى على كتاب لهم انه يجب ان يتنكه عليه حتى سيخن بالنفس ثم يلقى في ماء ومله قد غسلت فيه فضة فما رؤى فيه ابيض فهو المختار ويستصلح لحلية السيوف والقلائد وترصيعها ولجميع الحلي التي يحلى بها اعالي البدن والذي يرى في ذلك الماء احمر فهو صالح لتحلية المناطق وما مرجعه الا أواسط البدن - والي يرى فيه اصفر فالفصوص الخواتيم والاسورة والمعاضد - والذى يضرب الى السواد فللخلاخل وللارجل - قالوا - فان غير هذا الترتيب وحلى بتلك الالوان غير الالات المذكورة لمواضع البدن شقه صوت الرعد - ولئن صدق هذا انه لعجيب وان تأثيرات الاصوات تكون في التجاويف كالاحشاء والمسامع ثم الخباية والبيوت المقببة وتجاويف الجبال فان افراط الصوت وجهارته يضربها وينكأ فيها والألماس بعيد عن التخلخل فضلا عن التجاويف واشكاله في ذاتها من غير وضع مخروطية مضلعة ومن مثلثات مركبة كالاشكال المعروفة بالنارية متلاصقة القواعد - وفيها ما يكون على هيئة الشكل الملقب بالهوائى فيسمى شعيريا لاحتداد طرفيه وامتلاء وسطه - وقوم يظنون انه قطعه وثقبه سائر الجواهر بتشكله بالاشكال النارية فان قوة النار وحدتها تسير في جميع الاشياء من جانب الى آخر كأنها تثقبها وتقطع مسافة ما بين حواشيها وبهذه الاشكال ينفصل عن الياقوت الابيض الا ان المموهين يخرطون منه بالحك ما يشكل الألماس ويرجونه معهم - وحمل الينا من نواحى اسفينقان او السريقان في حدود نسا احجار في شكل الشعيرات بعينه وقدها ويرى في بعضها مثلثات كمثلثات الألماس ولونها مائل الى صفرة خبيصية لا يكاد يشك متأملها انها مصنوعة بحك وليست كذلك لأمرين احدهما انى وجدت فيها كالصلب احداهما معترضة على الاخرى داخلة فيها ملتحمة بها فدلنى ذلك على لينها في الاصل وترطيبها كالعجين حتى امكن معه دخول بعضها في بعض بالضغط والآخران جالبها ذكر انها في غار مختلطة بتراب ناعم يضرب بياضه الى شيء من الحمرة وهو مملوء بها وكثرتها تمنع قصد قاصد لصنعتها بلا فائدة ظاهرة فيها وكانت رخوة سهلة الانسحاق غير مشابهة للصخور الصلدة - زاظن هناك ظنا ليس شفع به تجربة ان سينوب عن صمغ البلاط في ادماله الجراح اذ كان في لونها نمشابه من الحجر الخوارزمي المخصوص بادمال القروح وهو مدور مخروطي الشكل مشف بالنصف على طوله يظهر في الكسر سهم المخروط خطا متباينا لما سواه ويفصل سواد في اسفله تجويف مخروطي أيضا فيزعمون انه ينبت في وهدة على الجانب الشرقي بإزاء قرية تسمى سريغد وهي المرحلة الثالثة من حدود خوارزم في جهة مرو وبخارا في وسط تلك الوهدة ثلاث هضبات على تثليث تعرف بالاثافي - ومن بينها تلقط هذه الاحجار وليس ببديع تشكل الاحجار باشكال محفوظة من غير قصد ففي الجبال المحاذية لبر شاور جبل اسود في لون الحديد كسوره ورضراضته الضغار والكبار على هيئة اللبنات الغليظة وشكل الصنجات الحديدية في الموازين لا تغايرها الا بخفة الوزن وفي حدود منكاور وليس ببعيد عن قلعة بأرض الهند ما حمل اليّ من احجار صغار وكبار في طول الأنملة واقل يميل بياضها الى قليل حمرة وشفاف يسير شابهت بها الجمسيت كلها كالتعاويذ المصوغة على مثل اسطوانة مسدسة الاضلاع يعنى في طرفها بمخروطين مضلعين متصلين باضلاع الاسطوانة ملس الوجوه لم يشكك في انها معمولة بالحك حتى رأيت في بعض وجهها حجرا نابتا - من الوجه من غير جنسها لاشفاف له ولو حك لسواه مع الوجه وان حك حولها استبان ذلك للبصر ولم يستو ذلك الاساتواء فعلمت ان شكلها طبيعي غير صناعي - وحكى له وجود مثله في بثر بالجبال القريبة من غزنة

واما الهند فيختارون من الالماس ما صح شكله وسلم واحتدت اطرافه ولم يتثلم ولا يرضون بما انكسر منه طرف بل يتشاءمون به وكأنه من جهة انه غلب بغيره وهذه ايضا عادتهم في اصنامهم وآلاتهم اذا حدث فيها كسر أو عيب عارض - وليس يميو اهل العراق وخراسان بين انواع الألماس والوانه وكلها عندهم سواء بمثابة واحدة اذ لايستعملونه في غير الثقب والتسميم ولا يعظمونه تعظيم الهند اياه حتى انهم يسمون ابيضه برهمن واصفره كشتير ولا يرغبون في غيرهما ويسمون اسود جدال كفعلهم بالبيش في تسمية انواعه بألوانه وتلقيبها بالقاب هذه الطبقات منهم فانهم ايضا يسمون طبقاتهم الوانا - وقال أبو زيد الارجانى حاكيا عن بعض الاطباء في اللماس انه اسقى قتل علي مدة من الزمان ونحن نعلم في هذا الحجر كيفية بها القتل كما في الحجر المشابه للبسذ المذكور في السموم الوحية للقتل فان كان ولابد فيما هو ظاهر فيه من شكل او صلابة او ثقل لكن الزئبق اثقل منه وليس يقتل بثقله اذا كان حيا وانما يقتل اذا كان مقبولا من التهيء مكتسبة - واما الشكل والصلابة فاليهما اشار من نسب هذا الفعل اليه - قال، انه يثقب الكبد والامعاء وهذا لايحتاج الى تطويل المدة ثم ليس سقيه صحيحا حتى يكون للظن بما قال تشبث وانما يسقى بعد انعام التهيء ولن يبقى فيه من الحال الفاعلة للثقب شيء وقد ازالت المبالغة في السحق اشكاله الحادة وذلك انه اذا لم يكن كذلك امتنع سقيه فيما ذهب اليه هؤلاء الا ان من جهة تعريه عن الطعوم وامكان خلطه بالملح والسكر فاذا لم ينعم تهنيئته وكان جريشا فطن له تحت الاسنان عند المضغ - وقد سقى بمشهدي منه كلب فما أثر لوقته ولا بعد حين - وهذا مثل ما قيل فيه انه ينعقد من دخان كانعقاد النوشاذر الملقب بالسكانى تشبيها بنصول السهام لما اعتقده قائلوه في الألماس انه يتكون بالبرق والصواعق كانعقاد النوشاذر من النار - ووجدوا في صفته من ذكر النصل في صورة الألماس من شبيهه - وقال فيه للتعجيب انه اصلب الجواهر واغلبها لها ثم يكسره الين الفلزات وأرخاها وهو الاسرب وهو اشبهها بالشمع وذلك زعموا والخاصية فيه كما يتفتت الذهب برائحته حتى المردارسنج المتخذ منه ان طلي على ظهر بوطقته والأمر في ذلك من جهة أخرى وهو أن الألماس ينكأ في كل واحد من المطرقة والسندان اذا طرق بينهما ويفسد وجهيهما وان انكسر فسد مع افساده اياها فيلف بذلك في قطعة اسرب ويضرب برفق حتى تستولى عليه قوة الطرق ويعجز هو عن الاضرار بهما ويتحفظ مع ذلك عن الارتماء والانتشار وينوب عنه الشمع في انبوبة القصب - فاذا صغرت اجزاءة بالكسر او السحق وكلوا من يذب عنه الذبان لأنهم ذكروا انه يدخل خرطومه فيطير به وينقص بذلم وزنه - ويرى مثله في السويق وفتات الخبز فانه يطير بها لان خرطومه كرأس المسواك نشاف للرطوبات ويتعلق به ما يريد ان يذهب به - وكل صلب اذا وسط بينه وبين الفاعل فيما هو ألين منه كان به أشد تمكنا من الفعل - الا ترى الرماة اذا رموا ثقب صفحة حديد وضعوا عليها قطعة لحم مشرحة فلا ينبوا السهم عنها لمكان اللحم الذى يصيب اولا ويتدرج فعله منه عليها - والجمد اذا لف برقاق خبز قطعته السكين كقطع الجزر والفجل فيمكن ان يكون امر الاسرب الملفوف به الألماس على قياسه - وقيل في الأملماس ان خيره البلورى ثم الأحمر وانه اذا بلغ في الوزن نصف مثقال بلغ في القيمة مائة دينار - وقالالكندى ان اجود ما ظهر له في الشعاع الوان قوس السحاب وثمن وزن المثقال منه اذا كان في قد الفلافل ثمانون دينارا - ولم ار منه اكبر من الجلوزة ويفضل ثمنه على ثمن دقائقه من الثلاثة الاضعاف الى الخمسة - قال الاخوان الجوهريان، ما رأينا اعظم من وزن ثلاث الدراهم وجرى الرسم في وزنه سنجات الدراهم دون المثلقيل كما جرى مثله في الزمرد واللعل البدخشى والذهب المستنبط دقاقا من الآبار ما لم يضرب عينا - وذكروا ان ثمن وزن الدرهم من دقائقه مائة دينار وان كان بهذا الوزن قطعة واحدة فيألف دينار - وحتى نصر عن معز الدولة احمد بن بويه انه اهدى الى اخيه الحسن ركن الدولة فص ألماس وزنه ثلاثة مثاقيل ولم يسمع فيه مثل هذا الوزن - ومعدن الألماس بالقرب من معادن الياقوت في جزيرة ذات عيون يستخرج الرمل منه ويغسل على هيئة دقائق الذهب المعروف بساوة فيخرج الرمل من المغسل المخروطى ويرسب الالماس في سفله

وتلك المعادن في مملكة خوار المحاذية لسرنديب قال ابو العياس العمانى، ان معدنه في تنكلان قامرون في جبل ترابى يغسل عنه ترابه في السنة التي يكثر فيها البرق - وقال الكندى، انه يلقط من معادن حجارة الياقوت ومن تجاور الياقوت واللماس في المستقر ظن ايضا بسبب تكونهما التشابه والتقارب وقال قوم؟ من معادن الذهب وهذا جائز في معدن يكون له في جزائر الزابج ام صح هذا الخبر به - وان تلك الجزائر تسمى ارض الذهب وبالهندية سورن ديب أى جزائر الذهب وسورن بهرم أى ارض الذهب - وقد استدل هؤلاء على قولهم بما يوجد احيانا في الذهب الابريز الخالص من شيء لا يزداد في الحجم على حبة رمل يفسد المبادر وينكأ فيها نكايى الألماس ولا حيله فيه سوى ترقيق الذهب جدا لتنتثر منه تلك الحبة بنفسها والصاغة بفرقون بينه وبين هذا المذكور بتسميته سماس وهذا الاسم يقع في مواضعات مستنبطى الذهب على تركمه التي هي ذهبانى المرقشيثا وقيل انه ربما يكون في داخل الكهربا حجر مثل الذى ذكرناه صلب جدا يفسد آلات الحك - ك المعادن في مملكة خوار المحاذية لسرنديب قال ابو العياس العمانى، ان معدنه في تنكلان قامرون في جبل ترابى يغسل عنه ترابه في السنة التي يكثر فيها البرق - وقال الكندى، انه يلقط من معادن حجارة الياقوت ومن تجاور الياقوت واللماس في المستقر ظن ايضا بسبب تكونهما التشابه والتقارب وقال قوم؟ من معادن الذهب وهذا جائز في معدن يكون له في جزائر الزابج ام صح هذا الخبر به - وان تلك الجزائر تسمى ارض الذهب وبالهندية سورن ديب أى جزائر الذهب وسورن بهرم أى ارض الذهب - وقد استدل هؤلاء على قولهم بما يوجد احيانا في الذهب الابريز الخالص من شيء لا يزداد في الحجم على حبة رمل يفسد المبادر وينكأ فيها نكايى الألماس ولا حيله فيه سوى ترقيق الذهب جدا لتنتثر منه تلك الحبة بنفسها والصاغة بفرقون بينه وبين هذا المذكور بتسميته سماس وهذا الاسم يقع في مواضعات مستنبطى الذهب على تركمه التي هي ذهبانى المرقشيثا وقيل انه ربما يكون في داخل الكهربا حجر مثل الذى ذكرناه صلب جدا يفسد آلات الحك

ومن قله تميز عطارد بن محمد انه ذكر في كتابه الألماس وانه لايعمل فيه شيء ثم نسى ذلك وامر بنقش امرأة على فص منه قائئئمة على اربعة افراس بيدها اليمنلا مرآة وفي اليسرى مقرعة في رأسها سبع شعاعات فيا ليت الراوى اشار الى حجر يعمل منه ذلك فيه وكأنه ظن ان بالاسرب ينقش ذلك عليه وقد وصف انقياده له - واما الخرافات الجارية على الألسن في معادنه ووجوده فكثيرة منها انه قيل في لقب الألماس انه حجر العقاب قالوا؟ وذلك من اجل ان طلابه بغطون على فرخه الوكر بزجاج يراه منه ولا يصل اليه فيذهب ويجيء بالماس ويضعه عليه فاذا اجتمع منه عليه منه شيء كثير اخذوه ورفعوا الزجاج ليظن ان النجاح كان مما فعل ثم يعيدون الزجاج عليه بعد مدة فيعود الى جلب اللماس ومن النادران الكيميايين يسمون النوشادر عقابا بالرمز وقد تقدم ما بينهما من المشابهة في الشكل وذكر الكندى هذه الحكاية وذكر موضع العقاب خطافا كأنه سمع هذا وما يذكر من اتيانه الى فراخه بحجر اليرقان ان طليت فراخه بالزعفران فاشتبه عليه الحيوان وايهما كان فالخبر فساس وترهات وبسابس - ومنها انهم زعموا انه الموجود منه الآن هو الذى اخرجه ذو القرنين من واديه وفيه حيات يموت من ينظر اليها وانه كان قد قدم مرآة قد استتر حاملوها خلفها فلما رات الحيات أنفسها ماتت على المكان - ولقد كان يرى بعضها بعضا فلم تمت والبدن اولى بالاماتة من شبحته في المرآة وان كان ما قالوا مختصا بالانسان فلماذا ماتت برؤية انفسها في المرآة وان كان الناس قد علموا ما علمه ذو القرنين فما المانع من اعادة عمله بعده - وذكر جالينوس حية سماها ملكة الحيات ان من رآها او سمع صفيرها يموت مكانه فليت شعرى من اخبر بمكانها او اخبرامرها اذا كان المطلع عليها ميتا وقال ابن مندويه في باسيلقون وهو الملك ان هذه الحية سميت بهذا الاسم لإكليل على رأسها ثم وصفوا من طولها لا تجاوز ثلاثة اشبار حادة الرأس حمراء العينين صفراء اللون الى السواد تحرق بانسيابها ما مرت عليه ويهرب منها الحيوان او تحذر وكل طائر يمر فوقها يسقط ويموت من رآها من بعيد لو سمع صفيرها من غلوة واكثر ولا يقرب بدن ملسوعها حيوان الا مات بارض الترك وارض لوبية وهي ما اجنب ارض في مصر من ارض السودان المغربيين وفي كتاب اطيوس الآمدى الذي نقله ابو الخير الى العربي، ان طول الارقم ويسمى ابن قثترة ذراع ونصف دقيق الجثة احمر اللون يقتل باللسع وبالرؤية وباستماع الصفير وملسوعه اوعا موقا من ان يتمكن من علاجه واذا مات بلسعته حيوان كان ما قرب منه يتناثر شهره اولا ثم يخضر ويكمد ويموت ويعفن - وهذه الحكايات وان تقارب في الصفات فانها غير محصلة بالتهذيب - أما الاكليل فليس بعجب فمن الحيوان ما خص بأشباه هذه الزينة كالديك والطاووس وامثالهما - وذكر اقرن من جنس الحيات واختلف في صفة قرنه فمن قائل انه واحد اسود معقف صلب ومن آخر يزعم انه ذو قرنين كذلك ومنهم من قال انها لحمتان ناتئتان في رأسه - قال الشاعر يصف لفعى وكشيشها في الزحف(والبيت لذى الرمة) -
وقرناء يدعو باسمها وهو مظلم ... له صوتها إرنانها وزيالها
وقال أبو النجم (تحكى له قرناء في عرزالها)

أى موضعها - وأما اللون الاصفر فيطابقه ما حدثنى به بعض الطبرية؛ ان نفرا كانوا مروا في بعض الغياض ووجدوا موتى وباحدهم رمق وسئل فقال، هذه حالة اصابتنا ولا نعلم لهل سببا انا رأينا كسبيكه ذهب في طول ارجح من شبر فسارعنا اليها وذا هي حيه ذهبت من بين ايدينا وخررنا لوجوهنا هكذا - فان كان الابصار في مكان المبصر حيث هو فتأثر منه بعيد وان كان بانطباع اشباح في الجليدية فهو اقرب قليلا الا ان الاحراق نفسه مستبعد وكذلك الصفير فان الاصوات لاتنكا في المسامع وتجاويف الاحشاء الا بالافراط في الجهارةوما اظن ذكر الغلوة الا ليدل على الجهارة الهائلة - وأما موت المقترب من تاملسوع فيشهد له ان نفرين في هذه السنين رأينا فيما بين غرناطة فالزخد حية قد انتعشت في الربيع من كلب الشتاء فتناولهل احدهما ووثبت الى معصمه وعضته وضعف لوقته بحيث ارسل صاحبه لحمل نعش له ففعل وأتاه وقد تلف وبرد فحمل وغسله غاسل آخر فمات ليومه وغسل الغاسل غاسل آخر فمات بعد اسبوع - ثم ذكر ابن مندويه ان رجلا وضع عصاه على الملكة فصار رميما وان فارسا طعنها برمحه فمات مع فرسه وانها نهشت جحفلة دابة فماتت مع راكبها - وهذه الحكاية مشابهة لما يحكى عن الرعادة من سريلن قوتها في الشبكة وفي العصا الى القابض عليها حتى تخدر يده ولكنها دالة على انها ترى ولا تقتل بالرؤية - وقال هرقليدس انها تعاين ولولا ذلك لما قدر على وصفها احد - ومن الاساطير التى يروى فيها قائلوها ما حكى عن بحر الروم انه طفافيه رأس عديم الجثة كان من يراه يموت لوقته فأحتيل لأخذه بالغوص تحته والغائص قد ولاه قفاه حتى اخذ لبعض الملوك وانه كان يلقيه بين اعدائه في الحروب فيموتون من غير قتال فانهم احتالوا بتقديم العميان اليه ولما لم يمتهم ظن الملك ان خاصيته قد بطلت وقوته خارت فنظر اليه ومات من ساعته فاحرقه اصحابه حتى ينحوا من بليته - ومن امثال هذه الهمز امر حجر البهت الذى زعموا ان الناظر اليه يتحير ويبهت وان الاسكنر بنى منه مدينة بالليل حتى لايبهت الفعلة - واعجب منه رسائل موسومة بموسى بن نصير فتردد في كتاب المتأدبين بتعليمها الآحداث - وذكر في احدها انه بلغ في برارى المغرب الى حصن سوره شامخ لم يجد له بابا ولا اطلع منه احد وانهم نضدوا الاحمال حتى قاربت اعلاه فاصعد اليه بعض اصحابه فلما ظهره التفت الى الجند وضحك ونزل الى ما هناك فاردفه باثنين من اصحابه واكد الامر عليهما فعرجا وفعلا بفعل صاحبهما وكذلك الثالث فارعب لذلك فاستفزه الخوف فانصرف - ولم يكن في تلك الجملة الجاهلة من يشد ساق الصاعد الفاعل الصانع حتى اذا ضحك جره الى خارج وتهدى على الاحمال الى الارضحتى يستعلمه الخبر - ومنهم من يزعم ان الألماس انه في هوة لا باب لاحد اليها ولا مهبط فيها وان جالبيه يشرحون اعضاء الحيوان ويرمونبها فيها اشلاء طرية تقع على الألماس فيلتزق بها وهناك نسور وعقبان قد الفت ذالك المكان واعتادت تلك الافعال من الناس وامنتهم واستانست وهى تنقض الى اللحوم وتخطفها الى الشفير وتقع عليها لأكلها وتنفض علها كعادة سائر الحيوانات في نفض مطاعمها وتنظيفها من القذى والتراب ويجئ الناس فيلتقطون ما عسى يسقط منها من الألماس فسمى لذلك حجر العقاب - ولا نهاية للهذيان فقد قيل في حجر العقاب انه نافع من اشياء كثيرة وان العقاب تمسكه في عشه فاذا قصده الناس خاف على خرافه وعلى عشه ان ينقضه فيرمى به اليهم - كما قال في الخز أن صياديه يخصونه وخصياه هو الجندبيد ويخلونه فاذا تعرض له ثانية استلقى واراهم مخصاه لازالة العنت ولا يعرفون ان صياديه يتعرضون لجلده وللحمه كما يتعرضون للجندبيد ستر - واللّه الموفق -

السنباذج

اسم هذا الحجر في الفارسية ينبئ عن القوة على الثقب فانه صارم كالفولاذ ومعاون الألماس في الحك والجلاء ونائب عنه في بعض الاحوال ولذلك الحقنا ذكره به ولولا ذلك ذلته بالكثرة لانه آلة لمعالجة الجواهر وتزنينها وينوب عنه الرمل السمرقندى الذى يعمل منه المساحل فيسحل الفولاذ بالغلبة سحلا ويخرج فعله من القوة - وقال الكندى في السنباذج انه حجر يؤتى به من شواطئ تاهند وهو كالحشيش النابت في البحر سريع الانسحاق به يحك الياقوت وسلئر الاحجار لصلابته فيسحلها سحلا بطيئا وكان يجب ان لايجع ذكر الصلابة مع سرعة الانسحاق فانهما كالمتضادين وهو حجر كسائر الاحجار لا اعرف لصفته بالحشيشة وجها ولعله غلط في النسخة - الأخوان - خيره النوبى ثم السرنديبى ثم الهندى وربما صمى النوبى زنجيا يذكرون انه يكون في ارض انهارهم مع الرضراض فاذا وضعوا اليد عليه كان باردا فيميزه من غيره وهو صلب لايصلح الا في اعمال الجواهر - والسرنديبى ألين ويصلح في اعمال السيوف - وفي كتاب الاحجار ان معادنه في جزائر بحر الصين كالرمل الخشن ومنه ما يكون منعقدا كالحجر - وقيل ان الخشن منه يخرجه النمل من أجحرتها كما يخرج المدر مثل الحبات من الارض ويلقيها حول الجحر - وقيل ان اجوده العدسى ثم الخلوقي ويسمى بالرومية سميرس زعموا - قالوا - ومنه جنس لين لزق يوجد في معدنه رطبا رخوا فيسمى كبريتا احمر - والذى يعتقده الخاصة في الكبريت الاحمر انه الياقوت الاحمر واظن في سبب هذه التسمية انه خرزات حمر تشابه الكركند بالحمرة وبعض الشفاف مسبوكة من الكبريت والزرنيخ كانت تجلب من اصفهان فاذا القيت في النار اتقدت بلهيب كبريتي اكهب وفاحت منه رائحته فسمى الياقوت به على وجه التشبيه على ان قوما ذكروا انهم شاهدوا من انواع الكبريت ما اشبه حبات الرمان - فاما عند العامة فان الكبريت الاحمر هو الاكسير الذى منه يؤمل حصول شيء طبيعي بالصناعة حتى يستحيل الفضة به ذهبا ابريزا احمر ويزعمون انه مخزون في جبل دنباوند وكأنهم سمعوا من الكيمياييك ملح في جملة املاحهم - ومن المجوس(من يزعم ان) حبس بيوراسب في ذلك الجبل الكبريتي وأن الدخان الدائم الارتفاع من ذروته وهو انفاس المحبوس والماء الكبريتي النابع من اذياله هوبو له وممن زنا فيه ان مروره في المصعد على نقب قد جمد حولها كبريت حسن الصفرة فوضعوه مكان ذلك الملح وانه يستعمل في الكيميا فانتجوا منه الكبريت الاحمر الذى ظنوه اكسير الذهب - ورأيت عند بعض المترددين في البحر قطعة كقبضة اليد في الفد حمراء ضاربة الى السواد اذا كسرت رؤى في قطاعها الرقاق قليل شفاف وكان يحمى درهم الفضة ويوضع عليه قطعة منها فتثقبه فيه بالغوص الى الجانب الآخر - وذكر انه يجلب من الصين الى البصرة ويسمى كبريتا احمر ويشتريه صناع تبر الذهب ولم يعرف منه ما وراء ذلك - ومن الخرافات فيه ما في كتاب الاحجار ان معدن الكبريت الاحمر عند مغرب الشمس بقرب البحر المحيط يضئ بالليل ما دام في معدنه - مسافة فراسخ فاذا اخرج لم يضئ -

اللؤلؤ
قال اللّه تعال(كأنهن الياقوت والمرجان) ولهذا قومنا ذكر تايواقيت مع ما يشبهها ويروج معها وجعلنا في جملتها ما فاقها في صلابة وسادها بالغلبة مع اعوانه ومعاونه - فلنعد الآن الى الذى تبعه في القرآن وهو المرجان ونقول ان اسم الشيء الواحد يختلف في اللغات المختلفة ولا يتفق في لغتين الا اتفاق في الندرة والطوائف في الارض كثيرة وتختص كل طائفة منها بلغة واسماء الشيء الواحد تكثر بحسب اللغات ويزيدها كثرة تمايز الطوائف بالشعوب وتحيزها بالقبائل حتى ان لغاتها وان لم تتغاير بالكيلة فانها تختلف بالشيء بعد الشيء والهند ولوع بتكثير الاسامى لمسمى واحد تقتضب بعضها وتشتق بعضا من صفاتها وحالاتها - والذى نقصده هو المسموعات في كل طائفة وقبيلة ويفسرون بذلك على المستفيد ضبطها من غير فائدة فيها سوى الاغراق في التفاخر والتكاثر حتى انهم طرحوا الامانة وصاغوا للاستشهاد فيها شعرا طوقوه اهل المقابر وسموه بالاول والآخر عملا بما قيل في الوصايا(اذا اردا ان تكذب فكن ذكورا ولا تستشهد بحى حاضر يرده عليك واقصد فيها الموتى فانه غيب على الابد)

واللؤلؤ جنس يشتمل على نوعيه من الدر الكبار والمرجان الصغار كما قال ابو عبيدة بأن الدر كبار الحب والمرجان صغاره واللؤلؤ يجمعهما - وقال اللّه تعاى(يَخرج منهما الُّلؤلؤ والمَرجان) وهما النوعان المختلفان بالعظم والضغر ووقع اللؤلؤ على الكبار - قال ابو الحسن اللحيانى، الدر واللؤلؤ هو الكبار ولم يخالف في المرجان انه الصغار الا انه منع الاسم اللؤلؤ ان يقع على المرجان لا محالة انه استند في هذا الرأى الى قول النابغة -
باالدر والياقوت زُيِّن نحرها ... ومفصل من اللؤلؤ وزبرجد
فان الزبرجد لا يقرن من اللآئى الا بما يقرن به الياقوت منها - وذهب على ابن الجهم الى خلاف قوله -
انكرت ما رات برأسى فقالت ... أمشيت ام لؤلؤ منظوم
فانه سمى المرجان لؤلؤا وذلك ان صغار اللآلئ المشابه بصغرها للخرادل اذا نظمت شابهت الشعرة البيضاء - وهو الذى أرادوه دون الشيب في الشعر المقصوص فانه لو أراده لما وصفه بالنظم اذ هو باللؤلؤ المنثور أشبه - وقال اوس بن حجر -
كما أسلم السلك من نظمه ... لآلئ منحدرات صغارا
وقال ابن بابك
كأن هلال ليلته عشاء ... بقية لؤلؤ الخيط القطبع
وعنى الصغار فان بعد سمطها عن العين سوى ما بينها حتى لايدرك ما فيها من التضريس وعنى بالقطيع انها لم تستتم دائرة بانقطاع الخيط - وقيل في كتب اللغة - تلألأ وجهه اى تفعل من اللؤلؤ في الاضاءة - وقال احمد بن علي في كتاب شرح العلل - ان النهار سمى نهارا لان الضوء فيه يجرى من المشرق الى المعرب جريان النهر حتى يأخذ ما بينهما - وليت شعري ما الفرق بينه وبين الليل اذا قيل ظلامه المستدير من المشرق يجرى الى المغرب جريان النهر حتى يأخذ ما بينهما - وقال، سمى الليل لأنه يلالىْ حتى يتشكك فيه الناظر الى الشيء فيقول هوهو ثم يقول لالا فقد لألأ الاشياء عليه - وبذلك زعم سمى اللؤلؤ لأن الجوهريين يقولون، انه ليس من مرة يقع بصرك عليه ثم تراه مرة أخرى الا ترايا لك على هيئة غير الهيئة الاولى - فان كان ما حكى شيء غير الاعجاب به فربما يكون من جهة استدارته فان سائر الجواهر مسطحة الوجوه او مختلفة الاشكال يبسط البصر عليها ويتمكن من تأمل اكثرها ومعظمها وربما يجيره الشفاف الى الجانب الآخر فيدرك الوجهين دفعة وليس المدور الاصم كذلك فان البصر لا يحيط منه الا بالاقل فان قلب ادرك منه موضعا آخر جديدا ورأى منه ما لم يره - واللّه الموفق -

أسماء اللآلئ وصفاتها عند اللغويين
واسماء الآلى، تكثر في العربية جدا ككثرة اسماء الاسد فيها ولسنا نشتغل بذكر جميعها عجزاً مرة واستصقالا أخرى - ومن اسمائها المشهورة اللؤلؤة والدرة والمرجانة والنطفة والتومة والتوامية واللطيمية والصدفية والسفانة والجمانة والونية والهيجمانة والخريدة والحوصة والثعثعة والخصل - قال الخليل بن احمد النطفة تشبه اياه بالاستنارة والصفاء - وحبة البرد وقطرة اللبن اشبه باللؤلؤ من قطرة الماء بل تشبيهه بقطرة المنى اولى لبياضها دون الصفاء وان كان المنى سمى نطفة بقطرة الماء لكن النطفة المطلقة اشد اشتهارا - قال الشاعر في التؤامية -
كالتؤاميّة إن باشرتها ... قرّت العين وطاب المضجع
وخو نسبة الى موضع في الساحل والهاء في باشرتها ان صرفت الى التؤامية قرت العين بوجودها ولم تضق المضجع لفوتها وان صرفت المرأة المشبهة بتلك اللؤلؤة قرت العين برؤيتها وطاب المضجع بمباشرتها - وقال الحرمازى فى تؤام انه قصبة عمان مما يلى الساحل وصحار مما يلى الجبل على طرق المفازة وبينهما عشرون فرسخا - وأما اللطيمية فانها كما قيل نسبة الى اللطيمة في شعر ابي ذؤيب وغيره ولمل لم تكن لطيمته نسبة الى غير الطيب - وقيل ايضا انها نسبة الى البحر من قبل تلاطم الامواج - وكذلك الصدفية نسبة الى الصدف - قال النابغة يصف امرأة -
كمضيئة صدفية غواصها ... بهج ومن يرها يهل ويسجد

يعنى من الفرح والابتهاج بالدرة االمكنونة المصونة في صدفها على مائها كما نطق به التنزيل الكريم - فان الصدف اللؤلؤ والأم على ولدها اشفق ولها أصون ولم يعن النابغة صيانة رونقها في صدفها بل أراد به النسبة الى الصدف فقط - لكن كما قال ابو على الاصبهانى ان قوله صدفية ضعيف غير مفيد لان كل درة في الدنيا فهى صدفية - ولا يخص الصدف منها شيء غير شيء على ان لذها من خرافات الهند وجها وذلك انهم يقولون، ان من الافيلة الفائقة ما يوجد في لحوم جباهها درر وتتميز من سائر الفيلة بشهبة اللون وأرج الرائحة كالياسمين الهندى - وكذلك في منابت الارماح تحت اصولها وقالوا في تفصيل ذلك ان تلك الارماح تكون حمرا واذا كانت شكيرا غضة غير مستحكمة ومطرت بنوء الغفر والزبانى تولد في أنابيبها من القطرات لآلئ تنعقد عند استحكام قنو هذه الرماح والطباشير تعمل منها ولو وجد الساحليون في رماح الطباشير شيئا لما أحرقوها الا بعد الشق ولاشتهر ذلك وعرف جنس تلك اللآلئ فان كان من اللآلئ فيليا او رمحيا فالبحرى منه صدفى وقال عبد الرحمن بن حسان -
هى زهراء مثل لؤلؤ الغواص ... مِيزَت من جوهر مكنون
ان كان عنى بتميزها من الصدف واستخراجها منه فالصدف لايسمى جوهرا وانما هو وقاية للجواهر - وقال سليمان بن يزيد العدوى -
كأنها درة مكنونة لهق ... يكف عنها الاذى في اللجة الصدف
وان كان عنى شرف المادة التي خلقت اللؤلؤة منها فهو وجه - واما التؤامية فهو يظن بهذا الاسم الازدواج خلاف الفريدة واليتيمية فان اللآلئ اذا وجدت ازدوجت مسلوكة في سمط وجعلت في اليد شطرين سميت أكراسا أى طرائق فقد قيل ان الكراسة مأخوذة منها - واذا ازدوجت في القلائد حول الواسطة وتقابلت زال عنها اسم اليتيم في الانفراد بحصول الاخوات وانطباق بعض على بعض وهو التكارس - (قال ذو الرمة)
وحف كان الندّى والشمس ماتعة ... اذا توقّد في أفنانه التُوم
شبه الندى الواقع على أغصان النبت الملتف عند متوع النهار وارتفاعة وشاراق الشمس على قطراته باللآلى - وقيل في التوم انه الرد نفسه من غير تشقيق - قال الاسود بن يعفر -
يسعى بها ذو تومين مشمر ... قنأت أنامله من الفِرساط
أي احمرت من لون الخجل احمرارها بالحناء مباشر الفرصاد برفق فلم يتلوث بمائه غير انامل الممدوح احمرارها بالحناء وليس اللفظ من احمرارها بنفس الحناء فيصف أختضابها بها كما لا تمتنع عن احمرارها بالفرصاد ليدل بفعله على الحداثة والصبا وقيل ان اليتيمة تصاغ من فضة على شبه الدرة كما تعمل المخشلبة من الصدف مثالها - وعلى مثله الحال في الجمانة فقد قيل انها اللؤلؤ وقد قيل النها مصاغة من فضة - وقد تكرر ذلك في الشعر قال امرؤ القيس -
اذا ما استحمت كان قطر حميمها ... على متنتيها كالجمان لدى الجالى
وقال ايضا
فأسبل دمعى كفيض الجُما ... ن والدرر قرارته المنحدر
وقال غيره
أفمن دعاء حمامة في أيكة ... بدرت دموعك فوق ظهر المحل
وقال حاتم الطائى
وعلقن في اعناقهم لناظر ... جمانا وياقوتا ودرا مؤلفا
وقال ابو الطيب
غدونا ننفض الاغصان منها ... على اعرافها مثل الجمان
وقال ابو بكر الخوارزمى
شربناها وذيل الليل مغفى ... اكب وخط جفنيه المنام
كمثل جمانة بيضاء شقت ... فلاءم بين نصفيها النظام
وقال آخر
وتركنا بالعوينة من حسين ... نساء الحي يلقطن الجمانا
يقول تهاربت النساء من الفزع وقت الاغارة بالموضع المذكور من الجبل المشرف فانقطعت سلوك عقودهن فلما أمناهن رجعن الى التقاط ما نتثر من جمانهن - وقال عدى بن يزيد -
ألبس الجيد وشاحا محكما ... وجمانا زانه نظم عذارى
وانما خص العذارى لفراغهن من مراعاة الكد خذاهية وشدة حرصهن على الزينة وما في طبعهن من الغلمة والشيق والشوق الى الازواج فيتدبرن في مزاولة ذلك والتنوق والاهتداء لتحسين النظم مع لطف الكف ونعومة البشرة بالاقبال في الشباب - وقال النابغة -
أخذ العذارى عقدها فنظمه ... من لؤلؤ متتابع متسرد

وهذه الاقاويل كلها تحتمل ان يكون لؤلؤا كما يحتمل ان يكون من فضة مصوغا قال ذو الرمة -
والودق سيتن من اعلى طرائقه ... جول الجمان جرى في سلكه الثقب
والسلك والثقب من المضاف وكل واحد يجرى في الآخر كما يقال جعلت الخاتم في اصبعي وحقيقته جعلت الاصبع في الخاتم - قال ابو حمزة -
عليهن ياقوت وشذر وفضة ... ودر كلون الشمس لم يتسلم
وقال قيس بن الملوّح -
كأن جمان صواغ عليها ... اذا ما ليلة مجت نداها
فذكر الصوّاغ مع الجمان يقوّى الظن بقضيته لكن الصواغ ايضا ترصصع الجواهر التى لاتعملها وتشتغلها بمزاولتها - قال الاعشى -
من يرهوذة يسجد غير متَّلِب ... اذا تعصب فوق التاج أو وضعا
له اكاليل بالياقوت فصلها ... صوّاغها لاترى عيبا ولا طبعا
وذلك ان كسرى أبرويز كان اكرم هوذة بن علي بن بتاج فزعمت حنيفة انه لم يره احد من العرب الا سجد لكبريائه ولا احد من العجم الا سجد لصورة كسرى فيه كرسمهم عند رؤية صورته في الدراهم - قال الاسود بن يعفر -
من خمر ذى نطف أغنَّ منطّقٍ ... وافىَ بدراهم الأسجاد
ويجئ في العمل الا ما يحتمل احد هذين الوجهين المتضادين فالذى لايحتمل لعتمال الجمان من الفضة ويصرح بانه اللؤلؤ قول لبيد -
كجمانة البحر جاء بها ... غوّاصها من لجة البحر
فأن اضافتها الى البحر مصرح ان اللؤلؤ منه ومشكك في المشبه به لتفضله منه وقال جميل بن معمر العذرى -
من البيض معطار بزين لبانها ... جمان وياقوت ودر مؤلف
فالزينة هاهنا الياقوت والدر والتأليف بصغار الالئ الفاصلة والمعمول من الفضة كالعهن من الدمقس - وقال ابن احمر -
كأن دوىّ الحَلى تحت ثيابها ... دوىّ اليفى لاقى الرياح الزعازعا
جمان وياقوت كأن فصوصه ... وقود الغضازان الجيوب الروادعا
والذى لايحتمل ان يكون معمولا قول هدبة -
عليهن من صوغ االمدينة حلية ... جمان كأجواز الدبا ورفارف
وقيل في الفارسي انه معرب فان كان كذلك فهو من كُمان وهة الظن حتى لايتحقق معه أهو اللؤلؤ ام مشبه به وهذا الى انه معمول من الفضة فقلما تقع الشبة فى اللؤلؤ وانما تقع في اشباهه - ومن المستحسن لفظه فى الشعر قول الاول -
أمسى فؤادى عند خمصانة ... ذات وشاح قلق جائل
كأأنها من حسنها درة ... أخرجها اليُّم الى الساحل
ثم انه المستقبح لأن المقذوف لايكون الا في صدف ميت وهو في هذه الحالة على شفاء من العيوب من التغير والتأكل وما دام الصدف حيا فانه ملازم للقرار غير متعرض للتيار حتى ينقذف الى الساحل - ومنه قول مسرور -
او درة ضحكت زهراء عن صدف ... مجت بها قذفات البحر ذي الزبد
وقال منصور القاضي -
فتى اذا فاض ندى كفه ... غص من الغيث إذا ما هتن
كالبحر ان هاج طمى بالردى ... ويقذف الدر إذا ما سكن
ولم يذكر منصور في البيت الاول ما يتعلق في التشبيه في البيت الثانى وفصله بحرف الكاف لأنه إذا شبه الطمو بالردى والفيض بالندى ابعد جدا - وأما قوله في الدر فأشد وهنا وبكذب الشعراء أزيد حسنا فان حمل قذف البحر الدر في الصدف الحي باهتياج وجب حادث في قعرة من أشباه الزلازل والرجفات التي تكون في البر حتى يزعج ما على قراره الى وجهه لكان قولا ما ولكن قذفه إياه وقت السكون اعجب ما يكون - وكأن من روى قول المتنبي -
كالبحر يقذف للقريب جواهرا ... جودا ويبعث للبعيد سحائبا
فطن لهذا فابدل القذف بالاعطاء وقد اخذ هذا منصور القاضى من قول المتنبى -
هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا ... على الدر وأحذره إذا كان مزبدا
إلا انه أفسد الدرة وحولها بغيره - وابن سمودة اخذ منه في قوله -
ولم يدر أن البحر يُعبَر ساكنا ... وان هاج يوما فالسفين كَسير
وهؤلاء شبه الممدوح في سخائه بالبحر ورفعه ابو الفرج بن هند وعنه فقال -
البحر يخزن دره في بحره ... وغثاؤه المبذول للوراد
وأقل مبذول لطارق رحله ... درر يجيب بهن حيث ينادى

ورسوب الدر وطفو الغثاء معنى قد تداولته الشعراء واكثروا فيه - قال ابن الرومى -
جيف أنتنت فأضحت على أل ... جّة والدرّ تحتها في حجاب
وينسب شعر المعالي شعر فيه:
أما ترى البحر يعلو فوقه جِيَف ... ويستقر بأقصى قعره الدرر
فللزوم الدرر ومخبإه القرار - وقد قيل فيما ورد من الاثار - ابتغوا الروق في خبايا الارض أيها الغواص في البحار فان الصدف مما خبأته الارض عن الاعين - كما قيل في انها الجواهر في المعادن او ما دفن من الأموال في الدفائن - وقيل الريوع مما خبئ بالحراثة في بطنها - قال -
اقول لعبد اللّه لما لقيته ... يسير بأعلى الرقمتين مشرقا
تتبع خبايا الارض وادع ملكيها ... لعلك يوما أن تجاب فترزقا
قال عبد اللّه بن جدعان فقد خبيئة البئر ما كانت خبأتها من الذهب في جرابها ولم يخرجه غيره من المطلعين فيها اذ كانوا يظنون انها صخرة بارزة من حائط البئر كاالراعونات العظام الباقية فيها فاتفق لعبد اللّه أن تأمل ماءها فرأى فيه الجانب الأسفل منه متلألأ بالذهبية فتمول بمكانه - وقال في ذلك:
أبغي خبايا الجد في شرفاتها ... وأدب تحت الأرض بالمصباح
الجد اسم تلك البئر - وكان عروة بن الزبير يقول لعبدج اللّه بن شهاب - مالك ارض اما سمعت قول الشاعر(تتبع خبايا الارض وادع مليكها) - وكذلك تشبيههم الكؤوس بالدر وقشور اللئ مستحسن اللفظ مستهجن المعنى فان المطلوب في الكؤوس هو الشفاف ليرى من خارج ماوراءها من غير اطلاع فيها يوهم بفطن مستقر فيه من مطالعة وليس في اللؤلؤ هذا الشفاف المقصود قال - ابن المعتز -
مزج من الذهب المذاب يضمه ... كأس كقشر الدرة البيضاء
وقال أبو نواس -
كأنما أوجههم رقة ... لها من اللؤلؤ بشار
وقال أيضا:
ظبى كأن اللّه ألب ... سه قشور الدر جلدا
وترى على وجناته ... في أي حين شئت وردا
وقال الصنبورى:
ماء عقيق بحت يطاف به ... إناؤه ماء لؤلؤ بحت
وقال آخر غير المشف:
كأنما أقداحنا فضة ... قد بطنت بالذهب الاحمر
وقال ابن الرومى:
هو الورس في بيض الكؤوس فان بدت ... لعينك في بيض الوجوه فعندم
وقال إبراهيم النظام:
يسقى بلؤلؤة في جوف لؤلؤة ... من كف لؤلؤة فاللون حسّىُّ
ماؤ وماء وفى ماء يديرهما ... ماء جرى فيهما والفكر وهمىُّ
وقال آخر
كأن كأسّهم من قشرة لؤلؤة ... والماء من فضة والخمر من ذهب
وتشبيه الماء بالفضة شر من ذلك والبلاء فيه من تسويتهم بين العديم اللون كالماء الزلال وكالبلور وبين الأبيض كالبن والحجر الابيض كالمينا ووصفهم لكل الصنفين بالبياض وكلهم فى هذا عيال على أبي نواس(الذي) أصمى واشوى في قوله -
فالخمر ياقوتة والكاس لؤلؤة ... في كف لؤلؤة ممشوقة القد
وعلى عبد اللّه بن المعتز في الذهب المذاب بقوله -
وزنا لها ذهبا جامدا ... فكالت لنا ذهبا سائلا
وقال آخر
أو فيه خلاص التبر وزنا ... فيسكبه ويعطينيه كيلا
وقال آخر
اقول لما حكتها شبها ... أيهما للتشابه الذهب
هما سواء والفرق بينهما ... جماد هذا وذاك منسكب
وقول آخر
يطوف بإبريق عينا مفدم ... فيسبك في أقداحنا ذهبا رطبا
وقال ابو تمام
اوردة بيضاء بكرا أطبقت ... حبلا على ياقوتة حمراء
وقد زاد على الدرة ذكر البكارة المقرون أمرها بالدم والحبل الممسك في الداخل دم الطمث وفيهما وقت الشراب وكذلك قول آخر على حسنه -
كأنها والمزاج يقرعها ... تبتلع الدر ثم تقذفه
فالبلع والذقف يؤدى ساعة الشرب الى القذف والتهوع وليس هذا بمضاه لتشبيههم الشراب بقشور اللآلئ فان الدر المركب من البياض وسمة من الصفرة ووفور البريق مما يحمد مثله في البشرة ولا يحتاج معه الى استشفاف ما وراءها - قال نصيب -
كأنما خلقت من جلد لؤلؤة ... في كل ناحية من حسنها قمر
وقال مانى
كأنما بشره من قشر لؤلؤة ... بَرى المُقرف عنها جلدة الصدف

وقال بشار
كأنما خلقت من ماء لؤلؤة ... في كل أكنافها حسن بمرصاد
وقال البحترى
بدت صفرة في لونه أنّ حمدهم ... من الدرما اصفرت نواحيه في العِقد
قال الآمدى؟ الذي فيه صفرة يسيرة يفضل على الأبيض اليفق كفضل الذهب على الفضة ولان الدرة النفيسة الناصعة البياض القريبة العهد بالبحر مما يلحقها كدر وتغير لايزال يسرى فيها ويزداد الى ان تسود كالبعرة - فإذا بدت فيها الصفرة اليسيرة المعروفة أمن منها ذلك الداء واستيقن إنها لا تتغير على الأزمان وأبو قاسم متكرم في الذياد عن فحول الشعراء غير راض ممن لا يدانيهم بضيمهم لكن من تقدمه قد فضل لون المرجان على بياض الدر وحمل قوله سبحانه وتعالى(كأنَّهن الياقوتُ والمَرجان) على ان معناه صفاء الياقوت في بياض المرجان فان اللون المركب منهما هو المحمود في البشرات - وعلم من هذا ان البياض لم يخص للدر وأن للمرجان مع فضل بياضه حظه من الماء والرونق وان كانا في الدر اظهر واوقع مع رائحة ما من الصفرة تتقى عنه الجصية التى فى الدر القتائى حتى يظن منها انها معمول مصنوع فيكون الحمد له بتلك الصفرة كما تقدم المدح له بعدمها - وأيضا فان الشذور الصغار الفاصلة بين الدر في السمط تكون من سبج وتكون من فيروزج أو تكون من لازورد وفى الأكثر تكون من ذهب فالضياء المنعكس من ذهب الشذر الذي يلقى صفرته عليه ولذلك قال البحتري ما اصفرت نواحيه - اى طرفاه عند الثقبة وهذا مقتضى البريق فانه لو لم يبرق لما رؤيت بالصفرة عليه والى مثله عدل ذو الرمة في قوله -
كحلاء في بَرجَ صفراء في نَعَج ... كأنها فضة قد شلبها ذَهب
وهذا الشوب كاسب للملاحة فهو فى غاية القلة فبالكثير يرجع في بيوع الرقيق ويتباعد عن الأعداء خوف العدو ويستدل في الصحيح الأمن غير العرع على رياح البواسير أو فرط التكر أو الحسد فى الضمير ولهذا كانت الرواية؟ قد مسها ذهب احسن لأن المس يقصر من مقدار الشوب ولهذا ذهب من قال -
بيضاء صفراء قد ينازعها ... لونان من فضة ومن ذهب
ومثله قول طفيل الغنوى
هجان البياض أشربت لون صفرة ... (عقيلة جوٍّ عازب لم يحلل)
وقول يزيد بن الطثرية -
ولونا قد يحار الطرف فيه ... كلون العاج قد ألف الخَلوقا
ووضع أبو القاسم بازاء فصل ما بين الدر ذي الصفرة وبين اليقين منه فصل ما بين الذهب والرصاص فان كان ذهب الى اللون ففيه نظر لأن احمد الذهب ما جاوز الصفرة الى الحمرة فإذا أقيمت الفضة الخالصة بازاء يقق الدر لم يحمد ما قام من الدر بازاء الذهب الابريز لتلونه من اللون مما لا يمدح وما بقى من كلامه فقصة ما لها امانة المخبر وصدقه - وربما كانت الصفرة مبدأ العلة المسودة فكلاهما حادثان في اللؤلؤ بعد ان لم يكن ونجد الصفرة فيه تغيرا فاسدا يتولد من صنوف أسباب كالهن والعرق وروائح الطيب من الزعفران والخلوق واللخالخ ولا محالة ان المطلوب في الدر بياضه مع توابعه والصفرة عيب فيه فضلا ان يكون محمودا وجرى ابو منصور الثعالبى على عادة الشعراء في التشبيه فقال في خط علي بن مقلة -
خط ابن مقلة من ارعاه مقلته ... ودت جوارحه لو حُّوِلت مُقَلا
فالدر صيفر لاستحسانه حسدا ... والورد يحمر من نُوَّره خَجَلا
واصفرار الدر بإطلاق ليس كاحمرار الورد بإطلاق فان الأول عيب والأخير منقبة - وذهب قوم في قوله تعالى (وعندهم قاصِرات الطَرف عِين كأنَّهن بَيض مكنون) عنى اللؤلؤ كما قال تعالى(ويطوف عليهم وِلدان مخلَّدون إذا رأيتَهم حسبتَهم لؤلؤا منثورا) - وقال تعالى (ويطوف عليهم ولدان لهم كأنَّهم لؤلؤ مكنون) ثم قال بعضهم ان شبه مقل العين بالأفلئ بسبب الوفور والبياض اللذين هما يحمدان في اللؤلؤ وهى بالأجفان مكنونة من الأذى قال غيرهم انه عنى بيض النعام الممتزج البياض بالصفرة ويشبهه بوجوههن فانه يقارب لمقاديرها وخاصة من النساء واكنائه بالريش وقت الاخضان ولا تصيبه ريح ولا يلوثه غبار - وقال بعضهم انه الغسق فالمقصود في الذكر بياض البيض وصفرة المخ - قال امرؤ القيس
كبكر المقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الماء غير محلل

قالوا، انه أراد بيض النعام - والبكارة في كل شيء ممدوحة لأنها في اكثر الأمر دالة على بياض الشباب والظرافة وهى في البيض اولى بيضه من أول الالقاح لا قائم مقام أفتضاض العذرة - وقال غيره، انه عنى الدرة فانها غير خالصة البياض ولا الصفرة بل مختلطة منهما وبكارتها في عدم الثقب بحدث العهد ثم يتقيفوا عند الماء النمير فقالوا انها وان لم توجد في العذب فانها ايضا لاتزكو في الملح الأجاج وإنما حسنها في خروجها من المعتدل وهو النمير الذي ينمى وان لم يكن على غاية العذوبة الا انه ذكر التغذي معه والتنافس في الدر ما عم جميع الأمم - فلو كان في الصفرة احمد لما يختص بالميل أليه بين الطوائف طائفتان - قال الكندي أن كان في الدر المدحرج شيء من الصفرة اعجب به اهل العراق واهل المغرب فان زادت ما أليه أهل أصفهان فجلبا إليهما ونسبا الى ناحيتهما -

مائية اللؤلؤ الرطب
وأما ما ذكر في اللؤلؤ من الرطوبة فان معناه ماء الرونق والبهاء ونعمة البشرة وتمام النقاء لأن الرطوبة فضل يقوم لذات الماء فهي تنوب عنه في الذكر وليس يعنى بها نقيض اليبوسة حتى يتعجب منها كما تذكر الفرس في الذهب المستشار وانشد أبو القاسم الامدى لأبي تمام -
مفصلة باللؤلؤ المنتقى لها ... من الشعر الا انها لؤلؤ رطب
قال، عنى به المحدث وهذا من اختراعه ولم يخرجه مخرج المدح والرضى - فان فضل ميله الى البحترى على الأنحاء بأبي تمام مع ادعائه الأنصاف بينهما في كتاب الموازنة بين شعريهما - فان كان ابو تمام اخترعه فقد اتبعه الكافة فلهجوا بذكره ولم يصابروا عنه - وكل محدث فتى في جنسه من حيوان او غصن او نبات فانه لامحالة انعم وارطب بسبب استعداده لقبول النماء فان كان اللؤلؤ في الصدف ناميا فله من تلك الرطوبة حظ وان نزر فليس يعنى غير مائه وبهائه وان كان اصلب أصلب من الحجارة والحديد - وكذلك عاب قوله في اللؤلؤ المنتقى وقال، ان المنتقى من الشعر لايكون الا مسر وقا وقبيح فاحش بالشاعر ان يعترف بالسرقة - وكان أبو القاسم عرف هذه السرقة بالكهانة أو الطالع والعيافة فلست ارى لها في البيت اثرا وما على الرجل اذا قال في قصيدته انها مفصلة لؤلؤ من الشعر ذى ماء ورونق مختارا بسمطها منقح من العيوب نهذب عن المقادح قد اكددت خاطرى في انتقادها كما قال ابن الرقاع -
وقصيدة قد بتُّ أجمع بينها ... حتى اقوم ميلها وسنادها
وكما قال البحترى -
لمنقوشة نقش الدنانير ينتقى ... لها اللفظ مختارا كما ينتقى التبر
وهذا هو الانتقاء لولا التجني والقلي واعلمه انه عنى بقوله من الشعر شعر غيره دون شعر نفسه - ولرطوبة اللؤلؤ وجه وان بعد وهو أن سائر الجواهر إذا وقعت على الأرض استقرت واللؤلؤ يتدحرج بأدنى ميل في وجهها وكذلك بفلت من بين الأصابع لقلة تمكنها منه فكان انفلاته على هيئة عجم التفاح والكمثرى إذا رطبا وضغطا بالإصبعين حتى يرتمى مسافة كثيرة وسببه هو ترطيب ملاستها وتلزجه - قال ابن المعتز -
كأن الكأس في يده عروس ... لها من لؤلؤ رطب وِشاح
يريد الندى الذي يكاد يقطر نعمة ورقة - وقال منصور القاضي -
وجاء نسيم الريح يهدى تحية ... الينا بأنفاس الرياض ويشبع
وقد نبه الأنوار فابتسمت لنا ... وأعينها باللؤلؤ الرطب تدمع
وقال الخبر ارزى -
دُرِيّة اللون منه مشربه ... حمرة خمر تمازِج اللبنا
كاللؤلؤ الرطب لون ظاهره ... وفيه ماء العقيق فد بُطنا
وقال آخر وهو الصنوبرى -
كأنما النرجس في روضه ... اذا ثنته الريح من قُؤب
أقداح ياقوت تعاطيكها ... أنامل من لؤلؤ رطب
وقال أيضا -
أقداح ياقوت تعاطيكها ... أنامل من لؤلؤ رطب
في الساعد الأيمن خالٍ له ... مثل السويداء على القلب
وقال أيضا -
كأنه من سبج فاحم ... مركب في لؤلؤ رطب
وقال أيضا -
كأنها في الفق كافورة ... يرفضّ عنها لؤلؤ رطب
وقال نمير العقيلي -
وحولها خُرد حور مدامعها ... كاللؤلؤ االرطب يدنى لحظُها الأجلا
وقال نمير العقيلي أيضا في مجدور

ما أثر الجدرى في خده ... وإنما أثرَّ في قلبي
كنه البدر لِتمّ بدا ... منقَّط باللؤلؤ الرطب
وهذا لعمرى اللؤلؤ الرطب حقا ولكن تصوره عند السماع بهوع من غير ذلك العاشق العمى العين والقلب عن معائب المعشوق - وحكى عن الصاحب بن عباد انه كان يقول اذا سمع قول عوف بن محلم -
ان الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعى الى ترجمان
فقال، بلغتها حشوة ولكنها حشوة اللوزينج وقال عدى بن يزيد -
لو كنت الاسير ولا تكنه ... اذاص وعلمت معه ما اقول
ولن يتخلف عنها قول ذى الرمة حسنا ونزاهة -
أسيلة مجرى الدمع هيفاء طَفلة ... رداح كايماض الغمام ابتسامها
كأن على فيها وما ذقت طعمه ... مجاجة خمر طاب فيها مدامها
وتفسير قول ذى الرمة في قول ابن الرومى -
وما ذقته الا بشمّ ابتسامها ... وكم مخبر يبديه للعين منظره
واللؤلؤ في هذا البيت على خلافه فانه وقر في الاسماع وقذى في الاعين وخناق في الآناف وصاب فى الأفواه وشوك في اللمس وقضة في المضجع - ما ابعده من قول الوأوأ الدمشقى في عليل -
ابيض واصفر لاعتدال ... فصال كالنرجس المضّعف
يرشح منه الجبين قطرا ... كأنه لؤلؤ منصّف
وقال الصنوبرى -
الشيب عندى والافلاس والجرب ... هذا هلاك وذا شؤم وذا عطب
ان دام ذا الحك لا ظفر يدوم ولا ... يدوم جلد ولا لحم ولا عصب
أما تراه على الكفين منتظما ... كأنه لؤلؤ ما ان له ثقب
كحبة العنب الصغرى تبين ولا ... تزال تعظم مالا يعظم العنب
ولقبوه بحب الظرف ليتهم ... يا نفس ضاعوا كما ضاع ذا اللقب
ثم تجاوز اللؤلؤ في الرطوبة الى الجوهر الرطب باطلاق فقال -
نظمت قلائد زهرها بجواهر ... رطب زمردها ند عقيانها
بل من زمرد والعقيان الى ادون الخرز -
ياغُصنا من يسبج رطب ... أصبح منك الدر في كرب
وما يزيدك استيقانا بسوء أبي القاسم لأبي تمام انه قال في قوله -
فكل كسوف في الدرارى شنعة ... ولكنه في الشمس والبدر أشنع
كسوف الكواكب ان يسترها كوكب فلكه دونها ولا يتفقده الا المنجمون فليست فيه شنعة لان الشنعة تكون فيما عمت رؤيته - وقد جعلخ ابو تمام فيها شنهة وفى النيرين اشنع وقد علمت ان معنى الشنعة ها هنا وهو الاستنكار بالاستبداد والخسوف والكسوف والخسوف مستعملان فيما يغشى النيرين من ذهاب نور بعضهما او كليهما في المحاق والامتلاء لايتفقان معا الا في وقت انتقاض البنية كما قال تعالى (فإذا برق البصر وخسف القمر - وجمع الشمس والقمر) ومن وصف ذلك بالكسوف في كليهما فانه متحرف من الأشباه مع الخسوف الكائن مع بعض الزلازل - وأما في الكواكب فالقمر يسترها كستره الشمس فيجوز ان يسمى كسفا لها لان حرمته وقد يمكن ان يكون قليل النور فيفنيها في السواد وإما بعضها مع البعض فليس يعرض فيه انسلاخ نور بل اتحاد - ورسم المنجمين ان يسموه كسوفا لها الستر والناحذيه أليق - وأبو تمام ذكر ذلك على عادة هذه الفرقة وبسبب ان ذلك غير متفق الا في الأحايين المتراخية لايفطن لها الجمهور فظنتهم لاتفاقه في النيرين لأنه اظهر واثبت وأمرهما الى القلوب اقرب إذ هما آتيا الليل والنهار وكسوفهما وقت لإقامة عبادة معينة كالصلاة المكتوبة في كل يوم وليلة عند طلوع الفجر ومغيب الشفق وزوال الشمس وغروبها فالحقوق الى صلاة الكسوف يزيد العامة فزعا وجزعا وخاصة إذا انضاف إلى ذلك همز القصاص وهذيان المنجمين في صنوف دلالتهما في العلية والسفلة وليس ينفك الناس بين الخاص والعام والشمس عندهم دليل الأكابر والقمر دليل الأصاغر وأبو تمام مظلوم جدا من أبي القاسم في اكثر الامر -

صفات اللآلئ وألقابها عند الجوهريين

فأما أسماء عند أصحاب الجواهر فأكثرها مقولة على وجه التشبيه ولهذا تختلف عند الأمم باختلاف الأمكنة والأزمنة اعني عند الطوائف والقرون ولهذا أعرضنا عن أسماء الكندي لأقسامها - اللؤلؤ بالهندية مُتى ولهم ملك هذا اسمه مشهور وله فتوح ونكايات في الترك المصاقبين لكشمير - فمن أنواع اللؤلؤ المدحرج ويعرف بالعيون ولا يوحد فيقال عين كما لا تجمع العين في الذهب فيقال له عيون وكانت من استدارة المقلة فان حسن لونه وكثر ماؤه وبريقه سموه نجما وخوش آب - ومنها المستطيل المتشابه الطرفين بالاستدارة وتشبه ببعر الغنم فيقال له بالفارسية بشكي وربما بشه بالزيتونة فقيل زيتوني وربما قيل خايه ديس أي مثل البيضة - ومنها الغلامي المستدير القاعدة المستوى الاحاطة الحادة الرأس كأنه مخروط قاعدته بعض كرة والذى يشبه المقلانس والدنى ومنها الفلكي بالفارسية بادريسكى فان فلكه المغزل هي باديسة - ومنها الفوفلى المسطح القاعدة المقبب الإحاطة العليا كالفوفل والمقاعد هو المقبب - ومنها اللوزى والشعيرى المستدق الطرفين وبالفارسية جودانه اى حبة الشعير - والمضرس غير المحدد وجه الشكل لاعوجاج به بالنواتى والأغوار - والقلزمى نسبة الى بحر القلزم واكثره يكون مضرسا مضطربا - ويوجد فى السرنديبى مضرس كأنه عدة حبات قد ألصقت فاتحدت حبة والمضطمر فيه اضطمار - وانشد(للراعى) -
تلألأت الثريا فاستنارت ... تلألؤ لؤلؤ فيه اضطمار
جعلها لؤلؤا وهى لآلئ ستة كما جعلها العرب نجما واحدا وهى ستة انجم واضطمارها ان شطرها الجنوبي من كوكبين والشمالي أربعة فلا يتعادلان ولكن الشمال يفضل فيخرج نحو المشرق ويبقى ما يحاذيه من الجنوب مضطمرا - ومنها المزنر ويسمى كمربشت أي المنطق وظنه قوم كمربشت اى المعوج الظهر وهو الذى اضطماره في وسطه كأنه شد بزنار يحيط به وهذا النوع مما يزاد فيه الاحتياط في المبايعة لئلا يكون مطبقا من قشرى لؤلؤتين متساويتين موصولتين مكتومتى الجوف بجص معجون يغذى الجبن الذي لا يذوب في الماء أو دهن السند روس وذلك لأن اللؤلؤ يشابه البصل في التفافه طبقا عن طبق وربما عمل من قشر الصدف الداخل اذا اهتدى لتليينه وتقشيره بالحديدة الحادة وتثقبت بالآلة التى ثقبت بها الصاغة قطعتي الجمانة - وقيل من اللآلئ ما يصنع من الطلق المتهيء بتكرير الحلب اذا قرن بالزئبق المصعد وعجن بغرى الجبن وموه في خلال الطبيعي المشاكل اياه باللون والقدر وهذا من التمويه اقرب الى الكون من الاشتغال فيه بحل اللؤلؤ في الخل المصعد وحماض الاترج - فان محصوله ما عرض لي وهو إني كنت طلبت من بعض الجحيج أدوية وحوائجفي جملتها لآلئ صغار للمعاجين المقوية للقلب - فسأل بائعها ببغداد عن طالبها فوصفني الرجل له وسبق الى اللؤلؤي أنى أريدها لهذا الباب فأخرج إليه بندقتين لم أشبه لونهما إلا بلون بعر البعير وقال قل له يعنيني أني ورثت من أبي مالا جما وأنفقته في عمل اللآلئ فكان قصار اى منه هاتين فلا تضيع عمرك ومالك فيما ضيعته أنا والسلام - ولقد يكتب على وجوه الاصداف وغيرها من مشابهيها البحرية بالشمع ما يراد ان يبقى ناتئا بارزا ويترك ما يراد ان ينقعر وينحط منها ثم يلقى في خل ثقيف فيه نوشاذر في ذلك اياما ثم يخرج وقد تأكل منها ما بيته فسفل وبقى ما عليه الشمع عاليا ناتئا - وأظن ان حماض الاترج سيكون ابلغ فعلا اذا خلط به النوشاذر - ومن اللآلئ ما سيمى خشك آب وهى الصينية المنسوبة الى بلد قتاى وهى كمدة اللون يضرب بياضها الى الجصية لا ماء لها ولا كثير رونق فيها مخايل الحصى ولهذا سمى خشك آب بازاء خوش آب وقيمتها منحطة عن قيم غيرها ويظن الناس انها مصنوعة حتى ان الامير الشهيد السعيد مسعود واجه بذلك أحد جلابيبها فضجر الرجل وقشر بالسكين من احدى الحبات قشرا وقال - هكذا يكون المعمول باليد - وليس هذا من قول الرجل وفعله بحجة تنفى هذه الدعوة فمن اقتدر على عمل اللؤلؤ يعجز عن تطبيقه أطباقا تنقشر اولا فأولا

وفى القلزمي من هذه القتائية مشابه في اللون بزيادة معائب فيها من التآكل والرصاصية والسواد - وقال الأخوان - انه يتفق في الاحايين في القلزميات درة خوشاب وانهما اشتريا هناك لؤلؤا غلاميا كذالك فى وزن ثلث وربع مثقال - وقد ذكره حمزة اسماء اصناف الللآلئ شاهوا رأى الملكى وهو أشرفها وأسراها وخوشه يراد بها الكبير بمعنى انها حبة واحدة إلا إنها كالسنبلة المؤلفة من عدة حبات ويوشك ان يكون المضرس الشبيه بالمتركب من عدة حبات - ودرامرواريد وهو آرامرواريد وفيهم مرواريد صغاره - ودهرم مرواريد وهو اكبرها وعرب على الدرة - ولأن شرف مادة الكواكب غير معلومة الا للخواص ونفاسة هذه الجواهر ظاهرة للعوام فانالكوكب البراق العظيم الجثة يشبه بالدرة وينسب عليها بالكوكب الدري في بعض القراءات ولولا العرف والعادة دون التحقيق لقد كان الدركوكبى اولى من الكوكب الدرى كما سموه نجما وتعرف العرب انه نزل القرآن حتى يتبين الخطاب للمخاطب - قال ابو تمام -
لآلئ كالنجوم الزهر قد لبست ... أبشارها صدف الاحسان لاالصدفا
وذكر نصر من أصناف اللآلئ المتأخرة عن الخالصة - الرصاصي اللون وان منها ما يضرب بياضه الى الصفرة فيسمى تبنيا - ومنه على لون الشمس وهو الياسمين فيسمى سمينا - ومنه ما يشبه اللبن فيسمى شير بام وهذه التعابير تلحقه في الصدف واذا قل الماء وقرب من حر الشمس حتى احترقت كاحتراق بشرة الإنسان وبدنه فيتغير اللؤلؤ لذلك - ومنه لون يكون في بحر سرنديب قد خالط بياضه حمرة فيسمى ورديا - وكم رأيت أنا من الآلئ ما لمم تتميز عن النحاس في اللون - وذكر نصر من فواسد الآلئ نوعا يسمى شرابا وهي حبة تتمايز قشرتها وبداخلهما هواء يبسهما فإذا نقعت في الماء عادت القشرتان الى انضمام وهو غش لأن الريح ضربتهما مدة عادتا الى حالهما من التجافي وظهر الغش - ذكر في الاشباه نوعا سماه شبه عليه قشر رقيق وداخله طين لايمكث كثيرا ويفسد منها ما بياضه مع قليل حمرة ورقا وسرع بطلانه - وذكر الكندي منها الكروش وهو جلد واحد يحوى ماء وقشورا سودا اذا ثقب خرج منها الماء وحشى مكانه بالمصطكى -

قيم الآلئ
الرسم في اعتبار اوزان الآلئ هو بالمثاقيل وفي أثمانها بدالنانير النيسابورية والقياس على حباتها المدحرجة المعروفة بالنجم والعيون - وقد ذكر الاخوان ان قيمة النجم إذا اتزن مثقالا ألف دينار وان قيمة ما يتزن نصف وثلث مثقال ثماني مائة دينار والثلث خمسون والربع عشرون والسدس خمسة والثمن ثلاثة ونصف السدس دينار واحد - والغلامي من الدر على نصف من ثمن النجم كما قال الكندي ان قيمة الخايدانه نصف قيمة المدحرج إذا كان بوزنه وقيمة المزنر نصف عشر قيمة المدحرج اذا توازنا - قال، وقيمة المثقال من سائر الأشكال عشرة دنانير - وكان النجم المطلق يتخلف بعمان والبحرين فقد قالا إن النجم البحريني إذا تدحرج وبلغ غايته من محاسن الصفات ولتزن نصف مثقال فهو درة وقيمتها ألف دينار وليس لما بلغ مثقالين منها قيمة بالحقيقية فاجعلها ما شئت ولا حرج - والذي قال الكندي في الخايه بيس المستوى الطرفين المدورهما كأنه مدحرج طويل قليلا فأما الذى يتدير أحد طرفيه ويحتد الأخر وهو المقعد فانه ينحط في القيمة عن ذلك الخايه بيس وكانت اليتيمة ثلاثة مثاقيل وسميت يتيمة لذهاب صدفها قبل ايلاد أخت لها ويسمى أيضا مثلها فريدا إذا عدمت نظيرتها فاضطر إلى تصييرها واسطة العقد وسميت القلادة - وقال غيرهما في القيم والأوزان على ان القياس بالمدحرج والتسعير بالبحرين أن ما اتزن سدس مثقال فقيمته من دينارين إلى ثلاثة - والثلث مثقال من أثنى عشر الى عشرين والنصف من ثلاثين إلى خمسين والثلثين إلى سبعين والمتزن نصف وثلث مثقال إلى مائة والمثقال الى مائتين ويزداد بعده لكل دانق في الوزن مائة في الثمن الى ان يبلغ مثقالا ونصفا ثم يصير يفاضل الثمن في دانق خمسمائة دينار وإذا بلغ مثقالين بالفين والثلاثة ثلاثة وهذا ظلم فانه يجب ان يكون اكثر

قال - والوهلكى رصاصي اللون وقيمته بمكة بدنانير مغربية الدانق ديناران والدانقين عشرة - وربما يوجد في القلزمى لآلئ كبار فان سلمت عن التآكل والانثقاب كانت قيمة ما يتزن ثلاثة مثاقيل ستمائة دينار فان بلغ العشرة فاقت القيمة واستتمام كل ثمن - واما قيمة الآلئ في ايام عبد الملك من المروانية في الثبت الذى وجدته وقد عمل فيه على ان الدانق قيراطان ونصف والدرهم احد وعشرون قيراطا - وقد جدولت ما ذكر على اضطراب واقع في المبين ومن على سوى الحكاية واما اختلاف الاقاويل فانى فيها حاك لها وجامع متبددها لإراحة طالبها - وهذه صفة الجدول - (الدر الخالص المستدير والمستطيل الذى لاعيب فيه) وقد اختلف على أوزان الآلئ اختلافا فزال عن الضبط ولم اقف على سببه أهو من المنشأ ام من جهة الاجواف الغائبة عن الحس المعرضة للمكن كونه احدوثة من الآفات الذى كاد أن يستقر عليه الأمر في كبارها بالقياس إلى أكهب الياقوت الذي جعلنا مائته أصلا وهو خمسة وستون وثلث وربع والاصداف اثنان وستون وثلاثة أخماس - وقال أبو دواد الايادى -
درة غاص عليها تاجر ... خُلّيت عزيز يوم ظِلّ
فالتاجر هو الآمر أجراءه بالغوص القيم بالامر دون الغواص فان جرايته كل يوم مناطحين بربع منا تمر سواؤ أحتشت أصدافه دررا او خلت ولم يخرج الا لحما ونسبة الغوص إلى التأجر كما نسبة الزراعة الى رب الضيعة دون الاكار وان كان الفعل له - والعزيز كبير القوم فليس يرغب في الدرر الا مثله من أرباب النعم - فان قيل انه اراد ملك مصر فانه لقب ملوكهم كان وجها بعيدا وعلى بعده ركيكا وأراد بيوم الظل انقطاع الشمس عنها ووقوع الظل عليها لأن الشمس اذا أشرقت عليها نصق رونقها في المنظر وكانت كسراج في ضحى وانما يستبين حسنها في الظل كما تستبين الأشياء بأضدادها - ولكل قوم من المتحرفين في حرفهم مواضع وأوقات لعرض سلعهم وما يفعلونه من ذلك ضرب من الغش والتمويه - وقد قيل يوم طل غير معجم ونزول الطل يكون بالليل ثم يرتفع بالغداة ولا يمنع الشمس عن الإشراق بل يزيدها ضياء بتصفية الهواء وترطيبه وإذا المقصود غيبة الشمس فان مطر السحاب السائر لها اذا نفض عن الرش لم يمتنع مانع عن تشبيهه بالطل - وقال عمر بن احمر -
وما ألواح درة هِبرِقىّ ... جلا عنها مختما الكنونا
يلففها بديباج وخزّ ... ليجلوها وتأتلق العيونا
يعنى ما لاح من الدرة عند كشف الغطاء عنها فإنما أضافها الى الصائغ لأنه يزاول الجواهر ويصوغ الجمان عند من يراه من الفضة - وقال حسان بن ثابت -
فلانت أحسن إذ برزت لنا ... يوم الخروج بساحة القصر
من درة أغلى بها ملك ... مما تربب حائر البحر

حال الثقب في اللآلئ
إذا كان جدوى الجواهر هو التزين بها واكثر ذلك بالتعليق من بعض الأعضاء والشد على بعض وذلك غير متأت إلا بالثقب فيه يدخل السلك في الخرز والسمط في الدرر وبعدم الثقب لا يكاد يحصل حسن النظام وجمال التأليف كما إن كونه في طون الاصداف يقطع الانتفاع به حتى يخرج - وإذا ثقبت اللآلئ قيل لها مثاقيب على وزن مملوك ومماليك - وقال ابو الفرج بن هندو -
وما قيمة الدر الثمين وقدره ... ولم تنكسر أصدافه ويفصِل
وقال أيضا -
والدر يحسن في نحر الكعاب ولا ... تبدو محاسنه ما ضمنه الصدف
وقال ابن الرومى -
قلَّ ما يوجد الفضائل إلا ... في خفاف الرجال دون الثقال
ينظم الدر في السلوك ويأبى ... عزة الدر نظمه في الحبال

فأما ما في كتاب الطب في استعمال اللؤلؤ غير المثقوب في المعاجين وفى الاكحال وليس سيتعمل فيها مسحوقا فالثقب بعض السحق فان الغرض فيه هو الاحتراز من التسميم في الثقب ودفع المضرة عن الاحشاء والعين فانهما يعالجان به والصغار والكبار فى هذا سيان ولكن الصغار تقصد ارخص الاثمان فالاحتياط فيها ان يجتنب عادة الجوهريين فانهم لاينظرون اليه ولا الى شيء من الجواهر الا بعد ادخاله الفم وتنقيه بعد البل بالكم - ومن السموم ما يتلف قليله بل ريحه فلذلك ينبغى ان لايدخل الفم منها شيء الا بعد انعام الغسل وترديد الخيط المسلوك في ثقبته حتى ينتقى وقيل في الحن بن علي عليهما السلام انه كان خص ببصارة في الجواهر فكانت تدفع اليه ليقومها وانه سم في سم منها كما سم غيره بجند من جنود اللذه قدامه بمثله من السم - وقد قالوا ان اللآلئ بعد استحكامها واستخراجها من البحر على خطر من حدوث فساد فيها ان كان فى الاصل فى ضمنها من عفونة وتأكل ودود أو طارئ عليها من انكسار فى الثقب وتمز قشر ولهذا لاتجترئ العارفون بقيمتها على توالى ثقبها اذا كانت مثمنة وإنما يرمون بها الى التلامذة الجاهلين بأقدارها فيستمرون بجراءة فيها على العمل لاترتعش ايديهم من الأحداث لأنه إذا فشل حدث فى الثقب تناثر بل ربما صفعوهم ليشتغلوا بالبكاء عن التفكر وإنما إذا ثقبت زال ذلك الخطر ووقف على ما فى داخلها وأنعشت الحرارة المولدة لتلك العفونة بتلك الثقبة المطرقة للهواء إليه كما يزول الضرس عن السن اذا انثقب او نقب فوجدت الحرارة الفاعلة للورم في اللحم بين شعبه متنفسا بل ربما سكن الوجع لساعته بقلعه لمثله ولسيلان الدم الفاسد من اقرب مواضعه - ومدار الامر في جئ اللآلئ واكثر إعمالها على التلاميذ كما ذكرنا في الثقب قال لبيد -
فالماء يجلو متونهن كما ... تجلوا التلاميذ لؤلؤا قَشِبا

إصلاح فواسد اللآلئ

الفساد إلى الحيوان أسرع منه الى النبات والى النبات أسرع منه الى الجماد وذلك بقدر الرطوبة والعفونة بها اشد تشبثا اذا عجزت الحرارة عن اجرائها عن المجارى الطبيعية النافذة لعوارض العفونة واللؤلؤ جزء من الحيوان وشبيه فيه بالعظام فتقادم الزمان فيه يغيره عن لونه ويقربه من الدم والنحر ولإصلاح الحادث من ذلك في نفس المادة إلا من جهة إنشائها أول مرة فانه قادر على أعادتها الى ما كانت عليه - وأما من جهة الخلق فان عندهم كضعف الشيخوخة الذى لايرتجى معه العود الى الشبيبة - فأما التغير في اللون فمتى كان فيه كالشيب في الشعر لم يطمع في تغييره الا بمثل الخضاب الذى هو تمويه فيه - ومتى كان عارضا من حالة خارجة طارئة كالوسخ والعرق والبخارات والادهان وروائح العطر كان أجود علاجها التقشير وازالة الطبقة تاعليا الفاسدة عنه وقد قيل ان اللؤلؤ إذا كان حار الملمس من بين اخواته دل على دوة فيه وربما كانت سبب تأكله في اول مرة وليس بعجيب في الشعر واللحم والعظام ان تتدوّد وتتسوّس وتتأكل - وبمثل ما استدل عليه أياس بن معاوية على كون حية تحت آجره في فرش البيت اذ كانت اسخن من سائرها من غير سبب من خاج مسخن اياها - وربما اصابت اللؤلؤ آفات في جوف الصدف من فساد مرعاه وهو الحمأة كالذى يوجد فى القلزمى من الرمل الممارج اياه مستحجرا معه - وربما كان في جوفه ماؤ منتن فيثقب اليه ويخرج حتى يخلو ثم يحشو بالمصطكى وانما جاد العمانى بطيب المرعى والهواء وفضل العمق في الماء - وهذا الباب النقصود فيما بلغناه شبيه بما عليه اصحاب الكيميا لا شاهد عليه سوى الامتحان ولا دليل يؤدى الى غير التجربة ولم نتفرع لشيء منه ولا اعتمدنا مخبريه فانهم ينفسون عليه ويقصدون الغش في اخفائه وخاصة فقد أشاروا في اكثر ما اوردوه في الستعمال النار وهى مفسدة للعظام مكلسة لها فان كان بافراطها فلكل جزء حصته من ذلك - وقد شوهد من فعلها باللآلئ في بيوت الاصنام التي أحرقها الغزاة بحدودين انه ما يحسن الجبان من استعمال النيران وكان دلهرا صاحبها المأسور في يد الامير يمين الدولة راسله بأن هؤلاء المجانين يخسرونك فى الجواهر بما يعظم مقداره فارفعا ثم خلهم والاحراق - فلم يلتفت الى قوله اصرار كعادته كانت في المحالفة كان بعد همود النيران يفتش رمادها فيوجد فيه الحبات الكبار النفيسة كأنها خرطت من طباشير ولم يوجد مما ينتفع به الا ما احمر من الياقوت - وقيل إن العرب تسمى اللؤلؤ عاجا لان العاج عندهم مما يتحلى به - وقال اعرابى -
وماء عميرة من يد حالبة ... كالعاج صفرتها الاكنان والطيب
وما أظنه عنى اللؤلؤ لان اللؤلؤ ممدوح بالاكنان وأنما عنى العاج نفسه وهو يصفر كما يصفر اللؤلؤ بما ذكروا من رسمهم ورسم الهند ان يعلموا لنسائهم من العاج أسورة دقائق متفاضلة فى السعة والضيق بحسب حلقة المعصم ويسمونه وقفا - قال النابغة الجعدى -
كوقف العاج مسّ ذكىّ مسك ... يجيء به من اليمن التِجار

ومن حق مثل هذا الفن الذي لاتثق بع الأعراض عنه لولا ما يرجى فيه من إمكان انتفاع المخزون - قال نصر، إذا ذهب ماء اللؤلؤ وكدر فينبغي أن يودع الآلية المشروحة وتلف الآلية في عجين مختمر ويجعل في كوز ويحمى على النار فاذا اخرج دهن بالطافور - وقالوا في مثلها اذا دفنت في دقيق من الأرز وتركت اياما عادت ما ذهب منها - وكذلك إذا عولجت بمخ العظام وعصارة البطيخ - وقالوا في تبييض الفاسد من اللآلئ بلقي في خل ثقيف مع قيراط نوشادر وحبتين تنكار وحبة بورق وثلاث حبات قلى مسحوقة ويغلى في مغرفة حديد نعما ثم ترفع المغرفة عن النار وتوضع في ماء بارد وتدلك فيه بملح أندرانى ثم يغسل بالماء وهذا بوهم انه يقشر طبقته العليا أو وجهها - قالوا، وان كان التغير من قبل روائح الطيب فليجعل من قدح مطين فيه صابون ونورة غير مطفأة وملح أندرانى اجزاء سواء ويصب عليه ماء عذب وخل خمر وبغلى بنار لينة ولا تزال تلعق رغوة الصابون ويرمى بها الى ان تنقطع ويصفو ما في القدح ثم يخرج اللؤلؤ ويغسله وقالوا في الذى اصفر او اسود انه يوضع على قطنة ويغرق في كافور رياحى ثم يصير فى كرباس ويعلق فى زئبق خالص ويوضع الانا، على نار فحم لينة بمقدار ما يعد مائة وخمسين على رسل ثم ينحى عن النار حتى يبرد ويحذر عليه الريح وان احوج الى المعاودة عةةد - فان كان السواد في اديمه ينقع في لبن التين اربعين يوما ثم قلب الى قدح فيه محلب وخروع وكافور جزء جزء ووضع على نار فحم ساعتين من غير ان ينفخ عليها ثم ينحنى - وان كان السواد في داخله طلى بشمع وجعل في قدح مع حماض الاترج واديم خضخضته وابدل الحماض كل ثلاثة ايام الى ان ينيض - وان كان اصفر والصفرة في اديمه نقع في لبن التين اربعين يوما ثم قلب الى قدح فيه صابون وقلى وبورق بالسوية وفعل ما فعل به فيما تقدم في نظيره من السواد - وان كان الصفرة في داخله جعل في محلب وسمسم وكافور متساوية الاجزاء مدقوقا حتى يصير فيها غريقا ولف فوقه عجين ثم وضع في مغرفة حديد وصب عليه من دهنالاكارع ما يغمره وأغلى بنار لينة غليتين ثم اجرج - وان كان احمرا غلى في لبن حليب ثم طلى باشنان فارسي وكافور وشب يمان اجزاء سواء معجونة بعد انعام الدق بلبن حليب طليا ثخينا واودع جوف عجين قد عجن بلبن حليب وخبز في التنور - وان كان رصاصي اللون نقع في حماض الاترج ثلاثة ايام ثم غسل بماء البيض وحفظ من الريح -

ذكر مائية المرجان
قد قيل في المرجان انه بلغة اهل اليمن مأخوذ من مرجت اي خلطت لأنه حب من الجوهر مختلطة وهذه علة لا تفصل الدر من المرجان والعرف العامى فيه هو البسذ الذى هو نبات بحرى - وليس لمن مال الى ذلك شاهد غير العادة وتخريج بعسد وخيالات من الاقاويل مثل ما في كتاب اويباسيوس ان المسك ينفع من الهم والفزع والحزن واوجاع القلب اذا كان معه لؤلؤ غير مثقوب ومرجان وافيون وعسل وزعفران - وربما كان صاحب الكتاب ذكر البسذ في لغته ثم جرى المتوهم على رسم العامة فعبر عنه بالمرجان - والمرجان هو صغار اللآلئ ثم يجيء في الشعر ما يشهد له ويجيء فيه ما يشهد عليه وفى تردد بعضها على المسامع نزهة وجلاء للاذهان - قال أبو العلاء السروى -
واسمطرت احداقنا فتبادرت ... فى جريها بدم ودمع سابق
كالدر والمرجان ينظم دائما ... في العقد بين قلائد ومخانق
فإذا قام الدر والمرجان بازاء الدمع والدم غشى المعنى بشبه من البسذ وربما أراد أبو العلاء التتالى والاتصال دون الالوان - قال عبد الملك الحارثى -
وفصلن مرجانا بدرّ كأنما ... تخلل فى أجيادها البّرد الجمرا
وهذا المرجان ان حمل على صغار اللآلئ لم يستقم لأن صغار اللؤلؤ لايفصل بكباره وان فعل لم يحمد ولم يمدح اذ الصغار رذالة والاقتصار عليها من عوز الكبار فانهانما يفصل لبكبار بصغاره يشتمل البصر على المفصول - وقال الصنوبرى -
كأن أشجاره قد ألبست حللا ... خضرا وقد كللت دررا ومرجانا
فالزهر الأبيض لا يخلص عن حمرة يتقمع به او يتوسط النور فيميل الرأى في المرجان هاهنا الى البسذ - وقال أبو حية -
إذا هن ساقطن الحديث للفتى ... سقوط حصى المرجان من كف ناظم

فالبسذ هو متحجر فهو من الحصى واللؤلؤ عظيم لاحجر - ولقد يجوز ان يسمى اللءلء حصاة لقرب الجوار اذ كان قرناؤه من الاحجار ولأن اجناس الزينة من المعدنيات اكثر على ان اللؤلؤ والصدف متجانسان والصدف وامثاله يسمى في الكتب خزفا وهو حجر صناعى رذل - قال أبو نواس -
يا لؤلؤا يتلالأ في حمرة العقيان
وقوله
ومكلل بالدر والمرجان ... كالورد بين شقائق النعمان
فيظن ان الدرة البيضاء مزينة في النظم بين الاحمرين اعنى الياقوت والبسذ وهو نظم متفاوت خسيس وانما صغار اللآلئ فيما بين كل درة والياقوتتين المحتفتين فاصلة بينهما متباعدة فتتلألأ في صقالتها حمرة الياقوت وتشابه حمرة العقيان - وقال ذو الرمة -
كأن عرى المرجان منها تعلقت ... على ام خشف من ظباء المشافر
وليس يعمل اللؤلؤ عرى فضلا لصغاره وانما يثقب البسذ على عرضه فيخيا انه معلق بعروة - بل ربما لم يكن مثقوبا فعمل من فضة او ذهب قميعه وعروة - ومما ينص في المرجان انه لؤلؤ لابسذ قول الأخطل -
كأنما القطر مرجان يساقطه ... اذا علا الروق والمتنين والكفلا
وواجب أن نعدل الى ذكر البحار فإنها أماكن الدر والمرجان وبالاحاطة يزداد بما نحن فيه وضوحا -

في ذكر البحر واليم
قال أصحاب اللغة في البحر انه الماء الكثير المجتمع الذي لا يسيل واعتمد على بن عيسى فيه الكثرة وقال - ان العرب تسمى الماء الملح والماء العذب بحرا اذا كثر - ومنه قوله تعالى(مرج البحرين) يعنى العذب والمالح - وقال حسان -
لساني صارم لا عيب فيه ... وبحرى لاتكدره الدلاء
والدلاء لا تدلى في البحر ولكن فى البئر ولكن ذكر البحر هاهنا افخم واعتمد ابو حنبفة الدينورى فيه السعة حتى قال - ان البحار من الارضين هى الواسعة الواحد بحر - قال كثيّر يصف سيلا -
يغادر صرعى من رءاك وتنضب ... وزرقا بأجوار البحار يغادر
اي الغدران بماء - قال فان ماء المطر اسحر اذا كان حديثا فاذا صفا صار ازرق - وفى ديوان الادب - ان البحر سمى ىستبحاره اى انبساطه - وقيل - ان البحر هو المجرى الواسع الكثير الماء ويقع من جهة الكثرة على ماء معين بالاضافة ويزول عنه بها مثاله ان نهر النيل بحر بالاضافة الى خليج او ساقية وليس ببحر عند بحر الشام فانه بالاضافة الى البحر المحيط خليج - وقد يقع اسم اليم على نيل مصر بسبب ان ارض مصر مانت بحر ثم نضب الماء عنها بالانكباس وبقى فيها خلجان سبع وذلك معروف في كتب الاوائل - وقالوا ايضا في البحر - انه من ابحر الماء اذا ملح وماء بحر أى ملح ومياه البحار ملاح - قال نصيب -
وقد عاد ماء الارض بحرا فزادنى ... الى مرضى ان ابحر المشرب العذب
وقيل سمى بحر البعد قعره وانشقاق الارض وانخفاض وجهها بعمقه - ومنه البحيرة التى شقت اذنها بعد خمسة ابطن وكذلك التبحر في العلم إذا شقه إلى الجانب الآخر وإنما سمى لتغير مائه بالغلظ والكدورة - يقال دم باحر وبحرانى إذا كان ثخيناً أسود - وقالوا في لج البحر، هو الذي لا ترى حافتاه من وسطه لعظمه وكثرة مائه - وقيل، ان اللجة تسمى شرما وكذلك البحر شؤم لأنه قطع من الأرض موضعه والشرم والبحر هو القطع -
تمنيت من حبي لعلوه أننا ... على رمث في الشرف ليس لنا وفر

وإما اليم فقد قال فيه الخليل انه البحر الذي لا يدرك قعره ولا شطاه وهو لجته - يقال يم الساحل إذا طما عليه البحر فعلاه - ولا خلاف في ان اليم هو البحر وهذا اسمه بالسريانى - ولكن التنزيل نطق به بخلاف قول الخليل ووقع فيه على كل ماء مجتمع - قال اللّه تعالى(فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) وغرق فرعون كان في البحر الأحمر الآن بمدينة القلزم التي على منتهى لسانه والعبرانيون يعرفونه ببحر سوف أي البردي كأنه كان ينبته في ضحضاح اللسان وعرضه هناك بين يقصر عن وصف الخليل - وقال تعالى(فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) - وذلك بالضرورة هو إما نهر النيل وإما احد خلجانها المفضية إلى عين شمس مستقر فرعون - وليس يخفي على من وقف على احد شاطئ النيل ما في الشط الآخر منه وقال تعلى حكاية عن موسى عليه السلام(لنحرِقنَّه ثم لننسفنَّه في اليّم نسفا) - وكان ذلك في مفازة التيه وغير ممكن ان يكون فيها بحر او بحيرة او بطيحة بل هو إما نقيعة نزلوا عليها مجتمع ماءها من سيول الامطار وإما حوض ممتلئ من الماء المتبجس من الأحجار وعلى اتجاه البحر واليم على موضع واحد في التنزيل وفي - الأخبار غاير العجاج بينهما وقال(كباذخ البحر دهاه اليم - فهذا ما قال أصحاب اللغة في البحر وتحديده وهم بها ابصر - وإما حقيقة تجمع مياه تسيل إليها الانهار الجارية على الأرض ولا يسيل منه إليها شيء إلا على وجه العرض عند المد والجزر وذلك الماء غليظ بممازجة الأجزاء الأرضية إياه وعلى غلظة زعاق قد جاوز الملوحة إلى المرارة ورأى قوم في اسمه انه القطع من جهة أخرى وهو الحكم أعنى البحران في الأمراض الحادة التى تقطع الحكم في أيامها على ما يؤول اليه حال المريض وان مصارفها توارى اسباب الجزر والمد اليومين والشهرين في البحار فالحكم فيهما عليهما يقطع وإقبالهما وأدبارهما لصنوف المصالح متوقع - واللّه الموفق -

في ذكر اوقات الغوص
قال الكندي في ذلك، انه من أول نيسان إلى آخر أيلول والشمس تقطع في هذه المدة من نصف الحمل إلى نصف الميزان - وقال نصر، الغوص ستة اشهر من النيروز إلى المهرحان وهو تلك المدة بعينها إلا انه حداولها وآخرها بالشهور الفارسية التي لا تثبت مع سنة الشمس ولاتطابقها - وكأنها عنيا ربعي الربيع والصيف وقد قلنا ان بحر فارس يسكن فيها وانه إذا اهتاج قطع الغوص وعلى هذا القياس يجب ان ينقطع الغوص في ربعى الخريف والشتاء عن المغاصات التي في بحر الهند - إما غيرهما ممن حضر بحر فارس وشاهد العمل فانهم يقولون ان مدة الغوص شهران في صميم الحر وحمارة القيظ لأنه يعتدل فيما حال الماء في القرار ثم يتردد في باقيهما ويتكدر - وقالوا - ان ماء الانهار يقل في الشتاء فينزر مقدار ما يدخل البحر الفارسي ولهذا بقل ويصفو في أواخر الربيع وأوائل الصيف وحينئذ يكون الغوص ثم إذا حمى الهواء ومدت الأنهار تكدر منها ماء البحر وتعذر إمساك النفس فيه فانقطع الغوص - وهذا ما يصدق قول يشوع بخت مطران فارس ان اختلاس النفس مدة يعسر على الغواصين في الماء العذب ولا يعسر عليهم في المالح -
ذكر كيفية الغوص
هذا إذا رمنا تنسمه من أشعار العرب سمعنا منها قول المخبل السعدى
أعطى بها ثمنا وجاء بها ... شخت العظام كأنه سهم
بلبانه زيت وأخرجها ... من ذى غوارب وسطها اللُخم
يقول اشتريت هذه الدرة بثمن وافر من غواص خفيف بدقة عظامه قد جعل الزيت على صدره لتجفيف الشمس والماء المالح اياه وأخرجها من بحر متموج من أعاليها اللخم - وقد قالوا في اللخم - انه ضرب من السمك خبيث له ذنب طويل يضرب به ويسمى جمل البحر - وهذا بما قال فيه الشاعر أليق لانطباق اهوال البحر فيه إلى الخطر في المغاص - قال ابن احمر -
رأى من جريها الغواص هولا ... هر اكلة وحيتانا ونونا
وأسلم نفسه عضنِداً عليها ... وكان بنفسه حينا ضنينا
الهر كل الضخم من كل شيء وعندا غضبان - وقال العجاج -
او كغناثى العوا ذى عظم ... ذى واسقات تترامى اللخم

قال الفراء للخم هى الضفادع - وقال أبو العباس العمانى اللخم بالفارسية فيشواز وهو غير مؤذ والمؤذى خرست وهو المعروف بالكوسج - وقالوا في صفة الكوسج انه سبع الماء رأسه كرأس الأسد وأجراؤه في بطنه يلدها من فيه وأسنانه لثنا عشر صفا وأسنان التمساح صفان فقط ويسميه البحريون حزر - وذكر الأجراء دليل على الاذن فالمشهور أن كل صلماء بيوض وكل شرفاء ولود - وقال أبو الحسن البرنجى في كناشه ان الكوسج سمكة سوداء محدبة الظهر غير مفلسة أسنانها كالمنشار إذا عضت انقلبت ودارت دوران الرحى حتى تفصل العضو من الانسان وغيره وإذا كان اللخم غير مؤذ لم يفد ذكره في الشعر - وحديث الزيت يتكرر في شعرهم على وجوه - قال المتلمس وقيل المسيب خال الاعشى -
كجمانة البحري جاء بها ... غواصها من لجة البحر
اشغى يمج الزيت ملتمس ... ظمآن ملتهف من الفقر
قتلت أباه فقال أتبعه ... أو أستفيد رغيبة الدهر
نصف النهار الماء غامره ... ورفيقه بالغيب لا يدرى
فأصاب منيته وجاء بها ... صدفية كمضيئة الجمر
يعطَى بها ثمنا فيمنعها ... ويقول صاحبه ألا تشري
قال الأصمعي الأشغى الأفواه الذي انتشرت أسنانه - ثم قال هو أبو عبيد القاسم ابن سلام انه يصف غواصا يمسك الزيت في فيه فإذا غاص نفخه في الماء فاضاء له البحر حتى يبصر - وعلى مثله جرى القطامى يصف الغوص والغواص فقال -
او درة من هجان الدر أدركها ... مصفَّر من رجال الهند قد سهما
أو في على ظهر مسحاج يقدّ به ... غوارب الماء قد ألفينه قُدُما
جوفاء مطلية قارا إذا جَمحت ... بها غواربه قَحّمنها قُحَما
حتى إذا السفن كانت فَوق معتلج ... ألفي المعاوز عنه ثَمتّ انكتما
في ذى جلول يقضى الموت صاحبه ... إذا الصوارى من أهواله ارتسما
غَّواصُ ماء يمج الزيتَ منغمسا ... إذا الغُمورة كانت فوقه قِيما
حتى تناولها والموت كاربه ... في جوف ساج سوادِىّ إذا قُخِما

ليس هذا مما تعرفه الغاصة الآن وهم يبصرون في ماء البحر ويفتحون أجفانهم ولا تضر الملوحة باحداقهم ثم انه ليس الزيت في ذاته ضوءا - وإما قوله تعاى، (يكادُ زيتُها يُضئ(ولو لم تمسسه نار) فعلى المبالغة في صفته بالصفاء والنقاء فالمنحرف عنهم إلى الأخبار المسموعة من ألسن قد شاهدوا ومارسوا - قال نصر في كتابه، ذكر الجوهريون أن من أراد تعلم الغوص يقدم بحشو أذنيه على غاية الأحكام حتى تتعفن وتتدود وينفتح له إلى الحلق طريق يتنفس منه تنفسا ضعيفا داخل الماء - وكأنه سقط من النسخة مائية الحشو واظن أن العفونة والتدود يكون فيه او منه - وذكر الكندي ذلك على صورة اخرى وهو ان يحبس نفسه في بدء التعلم فيرم لذلك اصل اذنه ويجتمع فيه الدم والمدة ثم يتفجر إلى حلقه وينخرق ما بينهما خرقين إذا اندملا خرج بهما النفس خروجا ضعيفا معينا على الزيادة في اللبث وإمساك النفس في الأكثر من ربع ساعة - والاشتراك بين الأذن والفم في العلل وعلاجها معروف كاشتراك الصوت والسمع في الفهم والتفهيم والتنفس ينقسم إلى جذب وارسال في حاجة القلب في الترويح وذتكية الحرارة الغريزة هو إلى ما يدخل من الهواء البارد دون الذى تخرج من الحار فانه بمنزلة نفض الفضول التى لايحتاج إليها بل لاخراج ضرورى فيما أليه الحاجة مما لم يخرج من الأحشاء ما فيها من الهواء لم يمكن الاستبدال بغيره فهب انه ينفس بذينك الخرقين فليس الا احد قسميه الذى هو الأخراج الذي لا يغنى عن القلب بل يزيده اختناقا إذا لم يدخل بدله ما يتشوق أليه والذي يخرج بالخرقين إلى الماء هو هواء محالة انه ينزع على وجه الماء والقسم الثانى من التنفس من أين وليس هناك هواء - فان كان من الماء فهو معين على الإتلاف قياسا على الغريق الذي لا ينفعه برد الماء مع عدم الترديد وأظن هذا الخبر من أساطير الحمقى وتسوق الغواصين على تجارهم حتى تواتر ذلك فاشتغل هذين الفاضلين بتوجيه وجوه له بعد تصديقه - وقال نصر ووافقه أكثرهم من شاهد ثم أخبر ان الغائض إذا اراد الغوص انتظر الظهيرة وتكبد الشمس السماء ليضئ البحر ويظهر له ما فيه ثم يجبل البصر حتى يقع على المحار الكبير كأنه حجر مسطح ويراه من فوق الماء اعظم من مقداره كحبة العنبة الصغيرة فأنها ترى في الماء الصافي كالاجاصة الكبيرة فتكون المحارة في مرآه كالجرة الكبيرة ويركب خشبة معقفة من خشب الدوم قد شد في أحد طرفيه بحبل في حجر اسود من خمسة وعشرين منا إلى ثلاثين منا ثم حرك مركبه ذلك مما يشبه المجدف إلى ان يحاذى الصدف الذى رأى ثم ينبح ويعوى ويصيح لتتفرق الحيوانات المؤذية من حول الصدف وتهرب ويحشو منخريه بقطعتى عاج او خشب السرو فانه لا ينفتح في الماء ويتزر بفوطة ويعمل في عنقه مخلاة من قنب على نسج الشباك ليجعل فيه ما جناه من الأصداف ثم يضع رجليه على الحجر ويتعلق بالرسن فيتعاونا على الرسوب وعلى هذا الرسن يصعد أيضا ثم يمتح الحجران إلى البقيرة ويذهب إلى الساحل - وإنما يختار الأسود لان في البحر حيوانا يخافه الغاصة فانه إذا مر بهم قطعهما فمتى كان هذا الحجر اسود هرب هذا الحيوان منه وان كان ابيض أو لونا آخر ظنه مطعوما فقصده للصيد وربما حذبه فقلب البقيرة وأتلفها شدة الجذب وإذا رآه الغواص ترك حجره واسرع في الصعود إلى وجه الماء ناجيا بنفسه ويسبح إلى الساحل وصاح صيحة واحدة عالية في التنفس لمكثه عادمه ثم يتدثر نعما ويبقى كذلك ساعة صالحة إلى ان يعرق ثم يقوم ويعود إلى عمله ولا يمكنه ذلك من الضحوة إلى الظهيرة اكثر من ثلاث مرات او اربع وهو على الريق - فإذا فرغ من العمل اشتغل بالطعام والصدف في الخمود تفتح افواهها وتطبقها إلى ان تموت مع الفراغ من اكله فياخذ في شقها وتفتيشها فان شق الحى منها يعسر لقبضه الدفتين وضمها بقوة - ويأخذ ما يجد فيها ان كان يعمل لنفسه أو يسلمه إلى امين التاجر ان كان اجيرا وما بقى من الصدف فهو له فإذا لم يجد في مهبطه صدفا خلى عن رسنه وتباعد حوله قدر رمية سهم يملأ مخلاته بما يجده ويعزله وربما التقى على الصدفة غواصان فتنازعاها واستولى عليها الاقوى القاهر - وإذا لم يجد صدفا اخذ حيوان الأظفار وهو كالمعي في كل واحد من طرفيه كوة فيها ظفران من اظفار الطيب - وذكر الكندي في جملة ما انه يقمش إذا لم يجد صدفا الشبيه بالشعر الذي يعمل منه اسورة الأكراد يسمى شعر

الحروبة وهو نبات في القعر ولم احط بالشبيه والمشبه به - وإما المستأجرون فيركبون الزورق مع أمين التاجر ويكونون ستة او أثنى عشر فإذا غاص الواحد حفظ الزوج وهو الرفيق رسنه ويتوفر الأجر عليهم كل يوم جمعة - ولم يبعد نصر عما في كتاب الكندي والخلاف بين كلامهما أن الكندي ذكر بدل بقيرة الدوم رميثا من خشبات المقل مشدودة يجعل فيها كساه شراعا وذكر انه بوقفه بادلاء حجر يقوم مقام الانجر للمركب وصعوده يكون بالتحريك وهذا ذلن ماء البحر غليظ يسهل فيه الطفو - الا ترى ان بحيرة زُغَر لما تناهت في المرارة لايرسب في مائه من دخله وقال في سد الانف انه بملزام من قرن او من ذبل او عاج كالمشقاط يلزم انفه - ومن حدث من الشاهين يزعم انه شعبتان من قرن يدخل الانف بينهما فينضمان عليه ويعصران منخريه حتى لا يدخلهما ماء - وقال في المستأجرين انهم يكونون في الزورق من ستة نفر إلى أثنى عشر وأظن هذا بسبب سعة الزورق لاغير - وذكر في الحيوانات الضارة ما يبلع الغائص وما يقطعه بنصفين وهو القرش وجرها الرميث يكون عند ابتلاع الحجر إذا لم يكن اسود وربما قطع الحبل بأسنانه فلم يقلب الرميث - وذكر في تصويت الغائص ونباحه وبما يكون في جوف الماء وما أظن ذلك ممكنا في فم ليس له وجه غير الانطباق والصوت لا يتم الا بفتحه وخروج الهواء ولا يخرج إلا بدخول بدله من الماء ولو أمكنه فتح الفم لما صرخ عند بروزه بشوقه إلى استنشاق الهواء وهذا من قوله اشد استحالة من التنفس بأصول الأذان - وقال من كان أمين بعض التجار في الزوارق ان الصدف المخرج يجعل في خزانة حتى يموت حيوانه ويعفن فيسهل إخراج ما فيه ثم يحتال بعد ذلك في ازاله نتن التعفين عنه بما يضاده وصغار اللإلئ تكون في الأمعاء فلا تحوج إلى التعفين - ومن عاف هذا شق عن الصدف ساعة إخراجه بعد ان يموت فان الحي يضم الدفتين فيعسر فتحهما - وقال عنترة - حروبة وهو نبات في القعر ولم احط بالشبيه والمشبه به - وإما المستأجرون فيركبون الزورق مع أمين التاجر ويكونون ستة او أثنى عشر فإذا غاص الواحد حفظ الزوج وهو الرفيق رسنه ويتوفر الأجر عليهم كل يوم جمعة - ولم يبعد نصر عما في كتاب الكندي والخلاف بين كلامهما أن الكندي ذكر بدل بقيرة الدوم رميثا من خشبات المقل مشدودة يجعل فيها كساه شراعا وذكر انه بوقفه بادلاء حجر يقوم مقام الانجر للمركب وصعوده يكون بالتحريك وهذا ذلن ماء البحر غليظ يسهل فيه الطفو - الا ترى ان بحيرة زُغَر لما تناهت في المرارة لايرسب في مائه من دخله وقال في سد الانف انه بملزام من قرن او من ذبل او عاج كالمشقاط يلزم انفه - ومن حدث من الشاهين يزعم انه شعبتان من قرن يدخل الانف بينهما فينضمان عليه ويعصران منخريه حتى لا يدخلهما ماء - وقال في المستأجرين انهم يكونون في الزورق من ستة نفر إلى أثنى عشر وأظن هذا بسبب سعة الزورق لاغير - وذكر في الحيوانات الضارة ما يبلع الغائص وما يقطعه بنصفين وهو القرش وجرها الرميث يكون عند ابتلاع الحجر إذا لم يكن اسود وربما قطع الحبل بأسنانه فلم يقلب الرميث - وذكر في تصويت الغائص ونباحه وبما يكون في جوف الماء وما أظن ذلك ممكنا في فم ليس له وجه غير الانطباق والصوت لا يتم الا بفتحه وخروج الهواء ولا يخرج إلا بدخول بدله من الماء ولو أمكنه فتح الفم لما صرخ عند بروزه بشوقه إلى استنشاق الهواء وهذا من قوله اشد استحالة من التنفس بأصول الأذان - وقال من كان أمين بعض التجار في الزوارق ان الصدف المخرج يجعل في خزانة حتى يموت حيوانه ويعفن فيسهل إخراج ما فيه ثم يحتال بعد ذلك في ازاله نتن التعفين عنه بما يضاده وصغار اللإلئ تكون في الأمعاء فلا تحوج إلى التعفين - ومن عاف هذا شق عن الصدف ساعة إخراجه بعد ان يموت فان الحي يضم الدفتين فيعسر فتحهما - وقال عنترة -
اذهى كدرة غواص أطاف بها ... صهب السبال جلوها يوم تشريق
فالغواص التاجر وصهب السبال الأجرا لأنهم من العجم والتشريق تشريح الصدف - وذكر قيس بن الخطيم من الصدف وتنقيتها من اللحم فقال في قوله -
كأنها درّة أحاط بها الغواص ... يجلى من وجهها الصدف

واخبرني أحد أهل بغداد أن الغواصين قد استحدثوا في هذه الأيام للغوص طريقا زالت به مسقة إمساك النفس وتمكنوا من التردد في البحر من الضحوة إلى العصر وما شاؤا وبحسب محبة المكرى اياهم وتوفره عليهم وهى آلة من جلود يدخلونها إلى اسفل صدورهم ثم يشدونها عند الشراسيف شدا وثيقا ثم يغوصون ويتنفسون فيها من الهواء الذى داخلها ولابد في هذا من ثقل عظيم يجذبه مع ذلك الهواء إلى اسفل ويمسكه في القرار واصرف منه أن يوصل باعالى تلك الآلة بازاء الهامة بربخ من جلد على هيئة الكم مستوثق من دروزه بالشمع والقير وطوله بقدر عمق ما يغوص فيه ويوصل رأس البربخ بجفنة واسعة من ثقبة في أسفلها ويعلق في حافتها زق او زقاق منفوخة يدوم بها طفوها فيجرى نفسه في تجويف البربخ جذبا وأرسالا ما شاء مدة اللبث في الماء ولو ايإما - ويكون الثقل الراسب به اقل مقدارا لحصول الطريق للهواء ينحصر به واللّه اعلم -

في ذكر الأخبار في اللآلئ
ذكر الأخوان انهما شاهدا في خزانة الأمير يمين الدولة درة معقدة وهى الفوفلية ذات القاعدة وزنها مثقالان وثلثا مثقال وانها بثلاثين الف دينار وكانت تسمى يتيمة وهذا لقب لها من غير أشارة إلى اليتيمة المشهورة - وكل لؤلؤة لم تكن لها اخت تضاهيها في المنظر وتؤخيها فقد وقع عليها اسم اليتيم والانفراد الا انهم يسمونها فريدا لأن اليتيم قد اختص بالمشهورة - قال المتنبى
وكأن الفريد والدر واليا ... قوت من لفظه وسام الركاز
فالفريدة الدرة التي تصير واسطة بعد الأخوات والدر المذكور بعدها ما ازدوج عن جنبيها وسام الركاز وهو عرق الذهب في المعدن يعنى الشذور الفاصلة في النظام قال ابو بكر الفارسي -
والنخل يشبهه الفسيل وانما ... تهدى المحارة لؤلؤا وفريدا
والثقل ممدوح في الدر من جهتين أحداهما انه يدل على الاندماج والاكتناز وانضمان الطبقات لم يتخللها هواء او آفة والثانية انه يدل على عظم الجثة والثقل بحسبها وقال الشاعر -
يفتر عن مثل نظم الدر أتقنه ... بحسن تاليفه في العقد مثتْقِنُه
عابوا وفور ثناياه فقلت لهم ... الدر اكبره في العين أثمنه
وقال ابن الرومى -
ثقلت في كفه الميزان فانكدرت ... تهوى وشال خفاف الناس مقدارا
إذا هوى الدر في الميزان صيره ... تاجا إلى قمة العلياء إسوارا
وقال ابن المعتز -
يرسب الدر في البحور ويعلو ... ها غثاء الازباد والأقذاء
وهو لابد ان يرام ويستخ ... رج من قعر لجة خضراء
ثم يعلو من بعد ذلك في تي ... جان هام الجبابر العظماء
وقال رجل من ربيعة يضع من قحطان في جواب ابي نواس:
اول مجد له وآخره ... في طلب الغوص في قواربها
فان أصابوا بهن لؤلؤة ... كزهرة الشمس في كواكبها
لم يصيبوا في قحطان مشتريا ... لها وضاقوا ذرعا هناك بها
جاؤا يسوقونها إلى ملك ... منّا مهين الموال واهبها
حتى إذا ما اشترى كريمتهم ... شراء لا ماكس لصاحبها
علقها في قلادة نظمت ... لسابق الخيل في حلائبها
وفرق عبيداللّه بن عبد اللّه بن ظاهر بين الدريتن التوأميتن في الصدفة الواحدة فقال -
قد توجد الدرتان في الصدفة ... والدر يختاره الذى عرفه
الواحدة لم تحط بقيمتها ... واختها دون قيمة الصدفة

فإما الدرة اليتيمة فقد أتى بها هشام بن عبد الملك وعنده امرأته عبدة بن عبد اللّه ابن يزيد بن معاوية وكانت مفرطة السمن لم تكن تستغني في الحركة عن معونة نفر فقال لها هشام - ان قمت بنفسك من غير استعانة بأحد فلك هذه الدرة - فزاولت القيام بشدجة ومشقة وما تم نهوضها حتى خرت على وجهها وسال الدم من انفها - فغسلها هشام وأعطاها الدرة وكانت كما يقال ثلاثة مثاقيل جائزة جميع محاسن الصفات ومدحرجة نقية رائعة رطبة من كثرة الماء - وقال نصر كانت خايديسة وزنها مثقالان ونصف وثلث واشتريت بسبعين ألف دينار فلما انقضت دولة بنى امية وانتدب عبد اللّه بن علي ليبيع ودائع مروان بن محمد غمز إليه بأن عند عبدة الدرة اليتيمة وقرطان بقيا لها فأحضرها وطالبها بذلك فأجابته بانى ان دفعت إليك ما تريده فهل تريد منى شيئا غيره - قال لا - فسلمت ذلك أليه وكانت حملته مع نفسها - فقال لها، اختاري إليك موضعا احسن إليك فيه - فسمت موضعا بالشام وسيرها أليه - ثم خاف ان يطلع السفاح على ذلك ويستخبرها فأتبعها عبدا كابليا حتى عدل بها عن الطريق وذبحها ذبحا - ومن طرائف الصوفية انهم قالوا في تفاسير القرآن في قوله تعالى(ألم يَجدْك يتيما فآوى) انه تشبيه اياه بالدرة التى لم يوجد مثلها كما انه عليه السلام خيرة الخلق وان لا يكون نبي بعده - وحكى عن ابن الجصاص انه قومها في أيام المقتدر بمائة وعشرين الف دينار وقال لو لم تكن فريدة لقومتها بخمسمائة ألف دينار - وقال البحترى -
يدُلك عندي قد أبرّ ضياؤها ... على الشمس حتى كاد يخبو سراجها
فان تتبع النعمى بنعمى فإنما ... يزين اللإلى في النظام ازدواجها
ويقال اليتيمة اليوم في ايدى القرامطة بالأحساء - وهذا أبو عبد اللّه الحسين ابن احمد ابن الجصاص جمع غايات أحدها البصر بالجواهر فقد كان باقعة فيها مقرور له بالتقدم على نظرائه والاخرى اليسار وكان يقال له لذلك قترون الأمة - وكتب ابن المنجم إلى القاضي علي بن عبد العزيز قصيدة منها -
يا ابن عبد العزيز ما كل ذى ما ... ل بمجد على ذوى الإمال
هات كابن الجصاص حالا ولكن ... هات لى كابن برمك في نوال
فقد نكب واخذ منه قرار عشر الاف ألف دينار - وكانت ام المقتدر تعتني به فلما أطلق من معتقله اجتاز على مائة حمل من الخيوش حملت من داره إلى دار السلطان فطلبها من ام المقتدر فأطلقتها له وكانت حملت من مصر وفي كل عدل الف دينار فحصلها للوقت ولفاقتها ربح - وكانت له جواهر منقاة في درج وكان إذا ضاق صدره طلبها في حجره لينجلي عنه همه وكانت كذلك وهو جالس على شفير حوض بستانه إذ فاجأه القبض فقام ونثرها وسط الرياحين ولما خرج من المحنة ودخل بستانه وقد جف رطبه وذلت رياحينه ويبست بقوله وهو آنس عن ذلك الجوهر فنظر إلى تلك الديرة وإذا الجواهر فيها برمتها لم تمتد إليها يد ولا غشيها منقاد ولا أختلسه فأر فالتقطها وقوى بها ظهره المنقض - والثالثة الحماقة اذ كان إليها من السابقين - وحدث أبو بكر الصولى عن عبد اللّه ابن سليمان ان المعتضد باللّه كان يقول عجائب الدنيا ثلاث اثنان مفقودان لا يوجد لهما غير الاسم وهما عنقاء مغرب والكبريت الأحمر وواحد اعجب منهما وهو موجود وذلك ابن الجصاص اجهل الناس إلا في الجوهر وذلك من آيات الله تعالى بل واعجب منه تردده مع تلك الحمارية بين المعتضد وخمارويه في عقد الوصلة وحمل الوديعة اليه وقد عرفه حق المعرفة - وحكى عن ابن الجصاص أن أنسانا عزاه عن ولد له مات وقال له، اصبر ولا تجزع لتنال الاجر - فأجابه، بانا قوم لم نتعود الموت - وذكر الصولى ان المعتصم لما فرغ من بناء قصر العباسة عقد مجلسا رائعا عقد فيه امره وجمع فيه اهل بيته وتتوج بالتاج الذي فيه الدرة اليتيمية فأستأذن إسحاق الموصلي في الإنشاد فأنشد وفال -
يا دار غيرّك البلاء فمحاكِ ... يا ليت شعري ما الذي ابلاك
فتطير المعتصم من ذلك وتغامز الحاضرين متغامزين متعجبين كيف ذهب عليه هذا مع طول صحبته للخلفاء والملوك - وصح التطير بخروج المعتصم إلى سرّ من رأى فانه لم يعد إلى ذلك القصر وخرب فلم يجتمع ممن حضر ذلك المجلس أحد بعده اثنان

وذكر الأخوان انه كان في خزانة يمين الدولة لؤلؤ مجزع بسواد - ومتى في اللإلئ انواع الالوان من البياض الفضي والصفرة الورسانية والكهبة الرصاصية والحمرة النحاسية والسواد - وقد شاهدنا ذلك في لؤلؤة لم يستنكر في واحدة منها سائر الألوان إلا بسبب القلة والندرة ويشاهد ايضا في الحلزونات المضاهية في القدر للأنملة البياض اليقق والسواد الحالك في الواحدة كأن لولبها مفتول من خطين ابيض واسود - قالوا - وكان في تلم الخزانة نواة تمر ونواة زيتون قد استحال البعض منها لؤلؤا والبعض على حاله ولم يصح عندنا بعد من الصدف هل يغذى بالنوى والخزف ام لا فانه حيوان رقيق ويجب ان يشابهه غذاؤه - ثم لم يقولوا ان النواة تلبست بلؤلؤ فيكون فيها اقرب وارجى ان يعرف منها تكون القشور جملة او واحدة بعد أخرى على ان هذا عكس اللؤلؤ الطبى الذى ذكرهخ الكندى ان داخله حبة جيدة تظهر في عين الشمس وفي الصباح وقد تلبست بقشر إذا كشط عنها خرجت الحبة من جوف القشر الملتزق بها وإنما قطعوا باستحالته - وهذا خبر لا يخلوا منه بلد ولا تكاد تجد جوهرا إلا ويدعى فيه مشاهدة او حكاية عن معاينة غير بعيدة بل مشفوعة بأسناد عال - وكان للملوك في تيجانهم وقلائدهم خرز تسمى خرزات الملك كانت لتواريخهم كالخصل في القمار وذلك انه كان يزداد فيها عند استكمال كل سنة خرزة فيها كان يعرف ما ملك واحد منهم وتعاد لكل قائم بعد الماضى - قال لبيد في النعمان حين قتله كسرى -
رعى خرزات الملك عشرين حجة ... وعشرين حتى فاد والشيب شامل
وكانت هذه الخرزات للأكاسرة دررا فائقة وللعيون رائفة - قال الفرزدق -
ترى خرزات الملك فوق جبينه ... صموتا شبا أنيابه لم تفلل
وقال ابو نواس
آل الربيع فضلهم ... فضل الخميس على العشير
قوم كفوا ايام مكة نا ... زل الخطب الكبير
قد أرخوا خرز الخلا ... فة وهى شاسعة النظير
وكان للاكاسرة ايضا سبحة من أمثال ذلك الدر الشاهوار عددها في السمط احدى وعشرون حبة تسمى على ما ذكر حمزة لشك شمارة لانها على لشك كتابهم المسمى ابستا وهى قطاعة المنسوقة بالتواى وكان يقلبها بالأصابع برسومها من التسابيح وردا لهم غدوة كل يوم - وكان المؤمون يحب الواثق ويجتهد في تخيرجه وعادله في السفر فأخذ الجمال في الخداء واشفق المامون ان يستيقظ الواثق من نومه ولك يمكنه النداء بالجمال فقطع سلك السبحة واخذ يرميه بدرة بعد أخرى إلى أن أصابه فالتفت إليه وأومى أليه بالسكوت ثم دل أحد الثقات بالغداة على الموضع فالتقطها من الطريق وكانت مقام حصى مرمية في الشعور بوقعها - وكان لام جعفر زبيدة سبحة لم يذكر في الكتب كيفيتها ولكن قيل انه جرى بين الرشيد وبينها في ذكر نزاهة عمارة بن حمزة بن ميمون وعلو همته فقالت أن الأقدم الثايتة تزل عن موطئها عند روائح المال فادع به وهب له سبحتي هذه - (وكانت شراؤها خمسين ألف دينار) فان ردها وعرفنا نزاهته - ففعل قال وخلا به الرشيد في مهم ثم اتبعه السبحه فوضعها(عمارة بن) حمزة بين يديه بعد ان شكر بره - ولما قام تركها مكانها فقالت زبيدة - قد انسيها - فأتبعه خادما بها فقال للخادم - هى لك ان كنت تصدق - فرجع قائلا - ان عمارة وهبها لى فأعطته زبيدة ألف دينار وارتجعتها منه - فان كان ما ذكرناه من سبحتها المسطحة فانها كانت يواقيت وان كانت غيرها وهو الاغلب فهة درر رائعة - وقد رؤى هذا في عمارة وان حديثه هذا كان بين السفاح وام سلمة المخزومية وقد فاخرته بقومها ففاخرها بأحد مواليه عمارة بن حمزة ولم يختلف فيه وانما اختلف في الخليفة وامرأته - وقالوا - أن قتيبة بن مسلم لما افتتح حصن بيكند على حدود بخارا وجد في بيت النار بها لؤلؤتين ذكر هرا بذهم ان طائرين وقعا على سطح بيت النار مرة بعد أخرى ثم القيا فيه تينك اللؤلؤتين فجهزهما قتيبة إلى الحجاج وكتب بقصتهما فأجابه - انى فهمت ما ذكرت والعجب للدرتين ثم للطائرين واعجب منهما سخاوة نفسك لنابها يا ابا حفص والسلام

وكان يسمى مال ابي الحقيق كنزا ويلقب بمسك الخمل اذ كان حليا وجواهر ملفوفا في مسك حمل ثم جلد ثور ثم في جلد جمل قيمتها عشرة آلاف دينار يستعار منه في الأعراس - وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حاصر أهل خيبر فصالحوه بحقن الدماء والخلاء ولهم ما حملت ركابهم وله الصفراء والبيضاء والحلق اى الدروع وشرط عليهم أن لا يكتموا أمرا ولا يغيبوا شيئا فان فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد - وانهم نقضوا العهد بالاختيار فغيبوا هذا المسك وآخر فيه مال رجل لحي بن أخطب كان احتمله معهم إلى خيبر حين اجليت بنو النضير من المدينة فقال لشعبة ابن عمرو - ما فعل مسك حيي؟ - فقال ذهب في النفقات والحروب فقال - العهد قريب والمال كثير - وكان حنى قتل قبل ذلك فسلمه - عليه السلام - إلى الزبير ليمسه بعذاب النقربر - فقال، رأيت حييا يطوف في في جوبة هاهنا ففتشوها ووجدوا المسك - فحينئذ سبى وقتل وقسم المال - وفي حديث الحجاج انه كتب إلى بعض عماله، أن ابعث ألينا بالجشير اللؤلؤانى الجراب فبهرج به - والبهرج عند من عربه من الفارسية هو الردئ واللفظة في الأصل منقولة من الهندية فان الجيد بهله بالباء والردئ بنهلة وكذلك بالفارسية بهلة بالباء التي تعرب بالفاء حتى ان افضل لغاتهم هة الفهلوية نسبة إلى الجودة - ويقولوا أن الردئ من الدراهم نبهره وللطريق العادل عن المحجة كذلك - ولكن هذا الخبر لما كان بين العرب وكان البهرج عندهم هو الرديء وكيف يحمل إلى الحجاج ما يرد ويسترذل وكذلك قال ابو محمد القتيبى، أحسبه جرابا بهرج به عن الطريق المسلوك خوفا ان يحدث به من العاءثين حادثة قطع او من العشارين تعرض بعلة التعشير وقد رسم الحجاج لحامله إخفاءه والاحتياط فيه ففعل ذلك - ولما أشارت قبيحة على ابنها المعتز بقتل أخيه المؤيد بعثت قبيحة إلى أمه في شهر رمضان بسبحة در قيمتها اربعة الاف دينار وقالت لها، سبحي بها يا أختي - فسحقتها في الهاون ولفتها في كاغد وردتها إلى حاملتها وقالت، اقرئى عنى اختى السلام وقولى لها، لاذتهب بحرارات الدماء - وحين جرى على العلوى التاهرتى رسول صاحب مصر الملقب بالحاكم بأمر اللّه ما جرى بسبب من ضرب العلوي بأمير المدينة وقتله صبرا استشعر الحاكم الخوف من الأمير يمين الدولة ان يفصده وكان في اصل معتوها فحمله فزع المانخوليا على ان اخذ من اخته ما ملكت من الجواهر وأضافها إلى ما يملك منها وسحقها ظنا منه أن معرته تندفع عنه إذا سمع ذلك وعلم هلاك اعلاقه - قال الكندي، كان الرشيد سلم إلى يحيى بن خالد جرابا من جواهر ليحفظه فوضعه في داره ونهض وقد انسيه وتناوله بعض الفراشين فلما تذكره لم يجده فاغتم لفقده وكنت عنده فاستحضر ابا يعقوب الزاجر المكفوف ولما استؤذن له قال لمن حضر، أنصتوا فلا يسمع منكم شيئا يفسد عله زجره وحين دخل قال له إني سائلك عن شيء فانظر ما هو - فاطرق باليا ثم قال، تسألني عن ضالة قال فما هي؟ فتفكر طويلا وضرب بيده وقال، شيء غال رفيع سموط ابيض واحمر واخضر وهو في كيس في وعاء - قال، أصبت - قال، فمن أخذه، قال فراش - قال أين هو - قال في البالوعة - فانجلى الهم عن يحيى وقال - اطلبوا اثرا على بلاليع دارنا - فوجدوه على رأس واحدة فكشفوا عنها واحرجوا جرابا لايدرى ما فيه ن الجواهر قيمة - ثم قال - يا غلام ادفع أليه خمسة الاف درهم ومر فلانا بابتياع دار له في جوارنا بخمسة آلاف درهم - فقال، إما ذهه الخمسة آلاف درهم فنأخذها وإما المنزل فلن يبتاع أبدا - سأله يحيى عن زجرة فأجابه ان الزجر يكون بالحواس وليس لى ببصر وإنما ازجر بسمعي ولما دخلت تسمعت فلم اسمع شيئا وضللت فقلت - ضالة - ولم اسمع كلاما فضربت بيدى على البساط فوجدت قمع تمرة وقلت في النخلة وعاء وفيه الأبيض ثم الأحمر ثم الأخضر وهو كالسموط في طلعه وهذه صفة الجواهر في جراب - وقلت، من أخذه ونهق الحمار وهو علج فقلت، ليس يصل إلى مال الملوك علج غير الفراشين - وسالتنى عن الموضع فسمعت قائلا يقول، صبه في البالوعة - قال فكيف زجرت ما امرنا لك بهظ قال؛ لما أمرت بالخمسة آلاف الاولى سمعت الغلمان يقول - نعم فقلت، صتل - وفي الخمسة آلاف الأخرى سمعت بعض هؤلاء يقول - لا ثم اخذ الخمسة آلاف ومضى ولم تمض إلا أيام يسيرة حتى وقع بالبرامكة ما وقع وحدثت بهم النكبة

وقيل في الأمثال النافهة؟ ان رجل اصطاد عصفورة فقالت له ما تريد منى؟ قال الذبح والاكل - قالت وليس في شبعك إذا لست ازيد على نصف لقمة فهل لك ان تعاهدني بتخليتي فأعلمك ثلاث كلمات تنفعك إذا استعملتها - فعاهدها بشهادة الله تعالى ثم قال وما تلك الكلمات؟ قالت لا تأسفن على ما فاتك ولا تطلبن ما لا تدرك ولا تصدقن مالا يكون قال هذا خير من اكلها وخلاها وطارت ووقعت على حائط بحياله وقالت لو استمررت على عزيمتك في أكلى لأخرجت من حوصلتي درة قدر بيضة الحمام فأسر الرجل الندامة وطمع فيها فقال ارجعى ولك عندي السمسم المقسور والماء المبرد قالت؟ ايها الرجل لاذبحتنى فأكلت ولا بالكلمات التى علمتك انتفعت قد أسيت على فوتى وتطلنى ولن تدركنى وانا بكليتى كبيضة الاحمام فكيف ستع حوصلتى مثلى - ثم ودعت وطارت -

في ذكر الزمرد وأصنافه
الزمرد والزبرجد اسمان يترادفان على معنى واحد لا ينفصل أحدهما عن الآخر بالجودة والندرة ويختص بهما الزبرجد ثم يعمهما وما يعمهما من المراتب المنحطة اسم الزمرد وهو معجم الذال وغير معجمها ومنصوب الراء ومرفوعها وتسمى خرزاته قصبات لاستطالها وتخويفها بالثقب للسلك تشبيها لها بالقصبة الجوفاء كما سمى بها كل عظم ذى مخ والامعاء كمثله قال العجاج في الامعاء
من قصب الجو ... ف ويخللن الثَّجر
أى الامعاء في خلال البطون وقال في العظم ذى المخ
قُيمّ من قوامها قُومىُّ ... فَعْمٌ بناه قصب فعمىُّ
قال الأخوان فيه أن خيره المعروف بالظلمانى وهو المشبع الخضرة ثم الريحانى ثم السِلْقى وما دونها حشو لها وتوابع قال نصر الخضرة تعم الزمرد فليس منه نوع الا على الخضرة وهو أربعة أصناف أولها اخضر مر ذو ماء وبهاء كورق السلق الطرى ثم تزداد خذرته وماؤه إلى ان يبلغ لون الآس وزرع الشعير الغض فيكون هذا الصنف الثانى اخذر اقل خذرة من ذلك المر الاول وعلى ماء ورونق آسي اللون يفضله البحريون وأهل الصين على سائر الألوان يعنى األوانه والثالث مشبع الخذرة قليل الماء ويسمى مغربيا لميل اهل المغرب اليه والرابع انقص خضرة من البحري واقتر ماء واقل شعاعا ويسمى أصم وهو ارخص الأصناف قيمة - والمحتار من الزمرد الذى تغإلى في ثمنه هو اصلادق الخضرة الذى لايشوبه صفرة ولا سواد ولا نمش ولا حرمليات ولا قراع ولا عروق بيض ولا هو مختلف الألوان في ابعاضه ثم كان ذا شعاع وليس يمكن ان يقطع النمش من الزمرد وحرملة أبدا قال الكندي ونصر ان من صفات الزمرد الخضرة مع الرونق وملاسة الوجه مع الشعاع إذا ركب مع البطانة والرخاوة مع الحفة فانه اخف مما حاجمه ولا يثبت لونه على النار ويتكلس منها لرخاوة جوهره قال محمد بن زكريا خضرته بزنجارية النحاس - وهذا كلام يطرد لو كانت تلك المعادن نحاسية ذهبية فكأنه قاسه على المينا فان الأصل الأخضر منه الروسختج - وفي كتاب الأحجار ان عدوَّه الدهنج فإذا أصابه كسره وإذا مسه كدره ويحدث فيه نكتا - وإما افراط الكندي في ذكر خفته فان التجربة لم تطابقه فانا وجدنا ما هو أخف منه على ما سنبينه عند ذكر وزن كل واحد من الأحجار إذا كانت على حجم المائية من أكهب الياقوت الذي جعلناه قطبا للاعتبار - ووزن الزمرديكون تسعة وستين ونصف

فإما معادنه فانه لا يتجاوز حدود مصر والواحات وجبل المقطم وارض البجة - قال أبو إسحاق الفارسي - ان معدن الزبرجد في صعيد مصر في جنوبي النيل في برية منقطعة عن العمارة ولا يعلم في الارض معدن له غيره ونهر النيل يأتي مصر من الجانب الجنوبي والدليل عليه ما ذكره جالينوس في كتاب البرهان من وصدر اطستانس دور الأرض بمساحة المسافة التي بين أسوان وبلد المنارة اعنى الاسكندرية فان اسوان في اعإلى الصعيد متاخم لأرض النوبة وعلى شط النيل والاسكندرية قليلة البعد عن مصب النيل في البحر فإذا كانا على خط واحد من خطوط نصف النهار كان النيل الممتد بينهما جاريا من الجنوب إلى الشمال والصعيد عن غربيه والمقطم عن شرقيه في جانب ارض البجة - وقال الكندي - ان معدنه فوق مصر في شرقي بلاده في ارض السودان خلف مدينتهم في تحوم البجة مجاور لمعدن الذهب بين النيل وبحر القلزم في جبل موغل في بلاد النوبة - وفي هذه الالفاظ اضطراب لأن البجة على سوادهم لا يقال لأرضهم ارض السودان وذلك ان هذا الاسم يقع في العرف على ارض السودان بالمغرب المجلوب منهم الخدم وليس لهم غير معادن الذهب - وإما البجة فلهم كلا المعدنين الذهب والزمرد لا في جبل موغل في النوبة ولكن المفاوز التي بين النيل وبحر القلزم - وذكر الخطيبي - ان الزمرد حميل الماء مخلطا بالرمال يستخرج من الآبار ومع الرمل وكما يستخرج منها الذهب - وقال الكندى - ان بعضه يخرج بالحفر في الجبل عن عروقه وبعض يلقط من حصاه إذا غسل عن ترابه - وقال الأخوان الرازيان ان مستنبطيه إذا شكوا في حجر وتفرسوا أن فيه زمردا طلوه بزيت فان كان فيه شيء منه ظهر فيه عروق خضر - قال نصر - من رسم من رام النزول إلى معدنه ان ينقد الضريبة في كل عشرين ليلة خمسة دنانير فربما وجد الجوهر وقطعه وربما صعد التراب للغسل ونخله فيجد في المغسول حجرا على وجهه تراب على تشابه للكحل وهو اجودهما من اللون ويجدون فيه أيضا ما تقل خضرته يميل إلى الباض على مشابهة الملح فيسمى بحريا - ويوجد في التراب لونان يسمى أحدهما الأصم والآخر مغربيا فيحكان ويجليان وربما خلط من صغار القطع الموجودة في ترابه خرز تسمى العدسيات - وقال الأخوان - اكبر ما شاهدنا من الزمرد المتناهى في الصفاء واللون وزن خمسة دراهم - وحكى انه رؤى منه وزن عشرة دراهم وان قيمة الرهم منه خمسون دينارا ثم يتراجع إلى دينار - وما اعجب تثمينهما لهذا الجوهر الذى يفضل بعزته على سائرها باحتمال الالزاق في المنكسر منه ترقيعه بغيره من غير وكسيلحقه في القيمة - وقال غيرهما - ان وزنه إذا بلغ نصق مثقال بلغت قيمته ألفي دجينار وإما قيمته في أيام المروانية من الثبت المذكور فكما في الجدول وليس على الحاكى غير أداء الإمانة وليس بالقياس إلى امره في زماننا واللّه اعلم -

أخبار في الزمرد
وفي كتب أخبار الصين انه كان يحمل في القديم إلى بلاد الهند الدنانير السندية فيباع الواحد بثلاثة مثاقيل من ذهبهم وأزيد وكان يحمل إليهم الزمرد المجلوب من مصر مركبا في الخواتيم فصانا في الحقاق مع البسذ والهنج ثم تركوه واضربوا عنه - ولم يذكر في الحكاية فضل ما بين الدينارين فيمكن ان تكون تلك السندية ابريزا والهندية خبثا نبهرجا لان الفضل بين الواحد والثلاثة في ضعف الذهب كثير - وللهند في المعاملات في الذهب مقدارا يسمونه تولة ولا يستعملون المثاقيل ويكون ذلك في الوزن ثلاثة دراهم بوزن سبعة - وقد رأيت في يد الساقي في مجلس مأمون خوارزم شاه مشربة الذوق شبه كفة الميزان من زمرد ذكر انها من خزائن السإمانية وقعت إلى ما هناك عند اضطراب أمرهم ببغراخان التركى فاشتريت بقربي من ألف دينار - قال - دخل بختيشوع على المتوكل يوم مهرجان فقال - اين هديتك فقال هديتى لم يملكها خليفة قبلك ولا ملك - واخرج ملعقة زبرجد توزن ثمانية مثاقيل وحكى عن ابيه جبريل انه قصد دنانير جارية يحيى بن خالد وانه لما عاد إليها للتثنية وجدها تأكل رمانا بهذه الملعقة وحين تم التسريح وشد العرق قالت له - خذ هذه الملعقة - فأخذتها فاعجب بها المتوكل وقال - يحق ما اهلكوا انفسهم - واحضر عتاب الجوهرى لتقويمها فنكل وقال - ما اعرف لهذه قيمة

قال نصر - كان للمنصور فص زمرد على وزن مثقالين يسمى البحر تشبيها بخضرته وشراءه أربعون الف دينار وربما كان هو إسمعيل الرشيد الذي قذف به في دجلة - قالوا جلس المعتصم مع ندمائه للشرب فطرح اليهم قضيبا من زمرد قدر ذراع وقال - من منكم يعرف هذا وقدره ولم يهتد أحد منهم لذلك إلى أن صار إلى عبد اللّه بن المخلوع فقال - نعم هذا قضيب اشترته ام جعفر باربعة وثمانين الف دينار لاكعب به يوم غدرت وكان على رأسه طائر من ياقوت احمر - فأمر المعتصم بطلبه وتوعد الخزان بالقتل فما مرت ساعة الا وقد وجدوه فركب عليه للوقت - وهذا جوهر رخو لا يحتمل طول الذراع الا بغلظ يشابهه حتى يقاومه ويمنعه عن الانكسار إلا أن يكون مؤلفا من عدة قطع تعين الوصل والهندام بينها على القوة وتكون مع ذلك مثقوبة ينتظمها خيط حديد مسلوك فيها فيمسكها ويدل عليه تركيب الظاهر فأسهاه يكون يتركب بالغرز في ذلك الخيط - قال - الخطيبى - ركب الظاهر بن الحاكم صلحب مصر يوم عيده على عمامته بالتوريب ثلاث حبات من الدر الكبار عجيبة جدا وبيده قضيب زمرد قريب من الذراع في غلظ اصبع قد تدلى من طرفه مكان عذبة السوط ثلاث درات نفيسة نظائر تلك اللإلى - وذكر الخطيبي أيضا أن في إخميم من بلاد مصر بناء من حجارة بيض يسمى دار الحكمة لقدماء اليونانين وهى من جملة البرابى التي في الصعيد الاعلى وهذه الدار بيت مؤسس على طول اربع وخمسين في عرض اربع وثلاثين ذراعا وجدرانه كما تدور مقسومة أثلاثا على الطول في عليا الطبقات صور أشجار بالنقر وفي أوسطها حيوانات بالنقر وفي سفلاها تماثيل الناس مكتوب عند كل واحد منها كتابات لايهتدى لها الآن - قال - وسمعت ان احد اصحاب مصر ذكر أن جواسن عيباته منحوته من زمرد كل عيبة كالكف - وإما ما عدا من الخرافات فكثير كما كثر فيما تقدم - ومنها في كتاب المسالك للجيهانى ان برومية كنية اصطفانوس رئيس الشهداء مذبح من زمرد للقربان طوله عشرون ذراعا في عرض ستة اذرع يحمله اثنا عشر تمثالا من ذهب طول كل واحد ذراعان ونصف بأعين يواقيت حُمر وللكنيسة ثمانية وعشرون بابا من الذهب والف باب من الشبه سوى أبواب الخشب - ولو صدرت هذه الحكاية عن ارض فارس لقلت انما كان في الكنز المحترق من الزمرد قد أنسبك فكان منه ذلك المذبح بعد ان اتغابى عما بين الزمرد وبين النار من النفرة كما كان نقلى عن عدد الأبواب فانه يقتضي عدم حائط لها وإنما تحيه بها أبواب متلاصقة ومما في كتاب دليل الدنيا والآخرة ان جبل قاف المحيط بالدنيا هو من زمرد اخضر ومن سفحه إلى قلته ثمانون فرسخا وما يرى من خضرة السماء فمن أطلالها عليه وان الشياطين تأخذ منه الزبرجد ويبثونه في ايدى الناس جزاهم اللّه بفعلهم هذا خيرا - ولهذا زعم انه قلل اللّه أولئك الشياطين كقلته - ويشبهه قول الشمنية في الجبل الشامخ الذي عندهم تحت قطب الشمال ان جوانبه الأربعة من ألوان اليواقيت وان أكهبه في الجانب الذي يلينا ومن لونه كهبة السماء بل يشابهه ما قال القصاص في ذى القرنين انه دخل الظلمات والخيل بسناكبها تطأ الحصى فيتفرقع وانه قال لأصحابه - ذهنه حصى الندامة سواء الآخذ منها والتارك - فأخذ بعضهم وتركها بعض فلما برزوا إلى النور نظروا إليها فإذا هى زبرجدفندم الآخذ على الأقلال وندم التارك على التضييع - ولهذا نسبوا الفائق منه إلى الظلمات وزعموا أن ما في أيدي الناس منه هو بقايا ما أخذه القوم زمانئذ من هناك ولا يزال ذلك يزداد بالنفاد عزه - وليس في الارض بأسرها موضع تركد فيه الظلمات بغير تسقيف مسدود الكوى فان اكثر ما تبقى الظلوة تحت القطبين ستة اشهر يتبعا مثلها دائم النور - ولعمرى ان الزمرد ظلمانى من جهة معدنه فلا يمكن العمل فيه بغير مصباح الا انه يختص بذلك دون سائر المعادن وانتقاد كثا هذه البسابس مضيعة للزمان والا فليس في الارض ظلمة تدوم - فان أشير إلى المواضع ألتى يكون فيها الليل عدة اشهر لم يقاوم بردها بشر مخلوق على الجبلة المعهودة - ومنها ما أطبق الحاكون عليه من سيلان عيون الأفاعي إذا وقع بصرها على الزمرد حتى دون ذلك كتب الخواص وانتشر على الألسنة وجاء في الشعر - قال أبو سعيد الغانمي -
ماء الجداول ما ينساب ملتويا ... على زمرد نبت غير منتشر

كالأفعوان إذا لاقى زمردة ... فانساب خوف ذهاب العين والبصر
وقال أبو نصر العتبى في بعض رسائله، أم لكل خاصية وقوة بحسب القدرة الإلهية ذاتية وهذا الزمرد تسيل مقلة الجان والياقوت ينفع من سموم الحيوان والكهربا يلقط على قدره ساقط الا تبان ولبقول اليتوع لحوظ البيوع ان تملك ألبانا كما للبان أدهانا - ومع أطباقهم على هذا فلم تستقر التجربة عن تصديق ذلك فقد بالغت في امتحانه بما لايمكن ان يكون ابلغ منه من تطويق الافاعي بقلادة زمرد وفرش سلته به وتحريك خيط إمامها منظوم منه مقدار تسعة اشهر في زمانى الحر والبرد ولم يبق الا تكحيله به فما اثر في عينيه شيئا أصلا ان لم يكن زاده حدة بصر - واللّه الموفق -

في ذكر أشباه الزمرد
الزمرد أشباه معدنية يبلغ وزن القطعة على ما ذكر الكندي من مثقالين إلى ثلاثة مثاقيل وأسماؤها منقولة من كتابه غير مسموعة - فمن أشباهه سيسن يخرج من معدن الزمرد اخضر أملس صاف يضرب إلى الصفرة ولا يباين الزمرد الا بالصلابة واليبوسة - ومنها سب وهو نظير سيسن ولا يفرق بينهما الا بأنعام التأمل فإذا بطن ازداد رونقا وبهاء وصفاء ويوجد منه وزن مثقالين - ومنها حجر مكى وهو حجر اخضر صلب منعقد أصم - قال، ومنه ما يجلب من بلاد الهند يسمى سبندان يبلغ وزن القطعة منه ثلاثة مثاقيل وهو على صلابته لا يقبل الجلاء وبهذا يفرق بينهما - قال أبو سعيد بن دوست -
عز الغزال لمِسكه لا مسَكه ... والصرف للعقيان لا الصرفان
شبه الزمرد لايكون زمردا ... ولئن تقارب منهما الوزنان
حمل إلى الأمين يمين الدولة من جانب الهند قطعة موسومة بأنها زمرد في خضرته ولا في صفائه فرسم للخراط ان يخط منه كأسا على ان يخرج الباقي من وسطه كهيئته من غير ان يفسده ففعل فلئن كان هذا من اشباه الزمرد انه قد زاد على نصف الرطل - فاخبر أحد المصلحين انه كان يظهر بالقرب من معدن الفيروزج بنيسابور جوهر اخضر مشف ظنوه زمردا وكان يخرج قطاعا كبارا ويشتريها تاجر كان يجيء كل سنة - قال، وحككت به حديدة فحمرها وبقيت الحمرة عليها أسبوعا فعلمت انه فلقد - فهذه أصول الجواهر الثلاثة وقد قلنا فيها وأشباهها وتوابعها ما اتفق وواجب ان نتليها بالفيروزج لان كبار الناس يرغبون في لبسه تفاؤلا باسمه -
في ذكر الفيروزج
اعلم أن جابر بن حيان الصوفي يسميه في كتاب النخب في الطلمسات حجر الغلبة وحجر العين وحجر الجاه - إما حجر الغلبة وحجر الجاه فللتفاؤل لأن معنى اسمه بالفارسية النصر - وإما حجر العين فالسبج أحق به لأن العامة يرعون أن المعون إذا كان معه سبج انشق فاندفع عنه بذلك ضرر العين ولذلك يعلمون قلائد الصبيان منه سبب ما ظنوه في السبج هو رخاوته التى لها تقبل خرزنه الانكسار بادنى صدمة فينسبوه إلى ما ذكرناه - قال نصر - في الفيروزج انه حجر ازرق صلب من اللازورد يجلب من جبل سان من خان ديوند بنيسابور يقبل الماء بالحك على حجر خشن ثم يلين على مبرد بالدهن وكل ما كان منه ارطب فهو اجود ويزداد على الايام مرارة ولونا والمختار منه ما كان من المعدن الازهرى والبوسحاقى وذكر الجوهريون ان اجود انواعه الصلب المر المشبع اللون الصقيل المشرق الوجه ثم اللبني المعروف بشير فام وقيا أيضا ان خيره الشير قام ثم الآسمانجونى العتيق - وهذان هما أصلاه وما بعدهما ففرع لهما - وقيمة وزن الدرهم من البوسحاقى عشرة دنانير - واهل العراق يؤثرون منه الممسوح فإما أهل خراسان يستحبون المقبب المدور الوجه الشبيه بحبة العنب - قالوا - اعظم ما يوجد من الفيروزج ما قارب المائة درهم ولم يوجد من الخالص غير المختلط بشيء غيره الا وزن خمسة دراهم وبلغت قيمته مائة دينار - وهذا هو الذي منع اعتبار وزنه بالإضافة إلى أكهب الياقوت فلم يكد يحصل ذلك من ذلك المخلص إلا شيء يشير لم يكف للامتحان - قال احدهم، رايت فيروزجا إيلاقيا اتزن مائتي درهم وقوّمته حينئذ بخمسين دينارا وإما الآن فقيمته مائتا دينار لانقطاع معدنه بايلاق وبطلانه - وقال الكندي، أن اعظم ما رأى منه أوقية ونصف مثقال وذلك قريب من ستة عشر درهما

وقد كرهه قوم بسبب سرعة تغيره الصحو والغيم والرياح وتصغير الروائح الطيبة له واذهاب الحمام بمائة وإماتة الدهن أياه ولم يعدوه في الجواهر المستحجرة من الماء وقالوا انه طين كطين مستحجر وكما انه يموت بالدهن كذا يحيى بالدسم ويعالج بالألية والشحم - ولذلك يجود في ايدي القصابين وخاصة من يسلخ الاهاب بقبضته وبالقرب من معدنه شبيه له متسع الوجود يخرط منه ملاعق وامثال ذلك وهو رخو سريع التغير بمس الدهن - واللّه الموفق -

ذكر أخبار في الفيروزج
ذكر بعض الوافدين من غزنة على صاحب شيراز في الرسالة انه رأى في دار سلطان الدولة بن بهائها فيروزجا فائقا مدور الشكل في قدر التفاحة الكبيرة معلقا في وجه الكلة على مجلس المباهاة - وذكر نصر انه كان لأبي على الرستمى الكذ خداه باصبهان خوان فيروزج فلما استأصل مرداويز بن زياد بينه وقد الخوان في جملة ما رفع منه إلى اخيه وشمكير ثم إلى بيستون فوضعه في قلعة جاشك ثن لما استولى عليه آل بويه فقلوه إلى الرى وما أطنه إلا الذي كنت اسمع بجرجان انه كان الشمس المعإلى قابوس بن وشمكير في قاعة جاشك قبل انحياره إلى خراسان مائدة ذهب تعرف بالفيروزجى كان يتباهى بها وانسانى طول العهد بالحديث ما ذكر من الفيروزجة المرصعة واقدارها - وذكر نصر انه كان للأمير الرضى نوح بن منصور خرداذية من فيروزج تسع من الشراب ثلاثة ارطال وانها دفعت إلى خراط ورد من العراق ليخرطها فانكسرت في يده وخاف الخراط على نفسه فمر بينسمع الارض وبئرها قال أبو بكر الخوارزمى -
ولقد ذكرتك والنجوم كأنها ... در على الارض من الفيروزج
يلمعن من خلل السحاب كأنها ... شرر تطاير من دخان العرفج
وقال منصور القاضى -
عبدك أهدى لك دينارا ... ودرهما يرحح معيارا
فلو أطاق العبد ما يشتهى ... لكان بهدى لك قنطارا
وخاتما فيروزجا فصه ... قدّمه للفأل مختارا
فانظر إلى ما جل فألا ولا ... تظر إلى ما قل مقدارا
في ذكر العقيق

ألوانه تخرج وتأخذ من قرب البياض وتمر إلى الصفرة والحمرة إلى قرب السواد ومعدنه بالسند واليمن في قريتي مقرى ونعام وما حولهما - وزاد قصر قساس المعروفة بالصخرة - وفي كتاب الاحجار انه يؤتى به من بلاد المغرب ورومية وقال الكندي إما الهندي فيجلب من بلاد بروص التي منها القنا البروصية ويعمل منها البنادق وتسمى الجلاهق واتخيل في اسم هذا الموضع انه بهروج وهو فيما بين مصب نهر مهران في البحر وبين غب سرنديب في ارض البوارج من الساحل - قال - وانه يوضع ما يلقط منه في التنانير مع اخثاء البقر سافا سافا ويوقد عليه بالمقدار الذي يعرفونه ويتركونه إلى ان يبرد ثم يخرج - وكذلك يفعل باليمن ببعر الإبل بعد إحمائه في شمس القيظ - والنار تنقص من حجر العقيق الا انها تجود بقيته وإذا اعيد إلى النار فسد وشابه العظم المحرق ولهذا يكتب على فصوصه ما يراد بماء القلى والنوشاذر ويقرب من النار فيبيض المكتوب ويوجد العقيق على حجر لماع كالبلور موشى بسواد وبياض يسمى عسيم - وإذا اخرج من التنور وضع على حديدة حارة محكمة الوضع في الارض ثم طرق قليلا حتى ينكسر ما يراد - وليس له في غير اليمن والهند معدن - وإما الذى يسمى روميا فانه نسب اليهم لاستحسانهم اياه لا ان له معدن بالروم ولكن كما يقال السلعة الفلانية بابه ببلد كذا قال نصر - خاصية اليمانى الصفرة الذهبية المشرقة اللون بالاستواء في اللون والصفاء ويسمى مذهبا وهو اعرف الأطراف - منه ما يشرب صفرته حمرة يسيرة مع صقال ورطوبة وهو المسمى روميا لولوعهم به - وما ترجح حمرته على الصفرة فيسمى عقيقل احمر وهو اصلب جوهرا واغلى ثمنا ويبلغ الفص منه إلى ثلاثة دنانير ويزيد - وبالعراق يرغب من الوانه في المشمشي والرطبى وبخراسان في التمرى والكبدى - وإما قياس وزنه إلى القطب الاكهب فاربعة وستون ونصف وربع - وقيل انه يوجد منه قطعة عشرين رطلا قطعة واحدة - واخبر بعضهما انه رأى عند بعض الكبار باليمن قطعة طالت وعرضت واوجب ما وصف منها ازدياد وزنها على هذا المقدار بأضعاف - ويعم حمد الوانه البراءة من العيوب والنقاء من العروق والكدورة والسواد والبياض والبلقة واختلاف الصفاء واللون في أباعضه - وقيل في المختار من اليمانى انه الذى تشتد حمرته ويرى على كالخطوط - قال نصر - انه يوجد في معادن العقيق الهندى عقيق خلنج فيه سواد وبياض فيسمى جزعا بقرانيا وقيمته اقل من البقرانى الأصل -

في ذكر أخبار من العقيق
قيل ان صنم هبل الذي كان في الكعبة ايام الجاهلية كان من عقيق مكسور اليد اليمنى قد اضافوا اليه يدا من ذهب وذلك عجب فان أهل الهند لا يستحسنون من أصنامهم ما أصابته آفة من كسر او نقر وأمثالهما ويبعدونه فكيف أستجاز أهل مكة تعظيم صنم اقطع - وكثير من الناس يكرهون العقيق بسبب العقوق ويقولون انه ما ورد في الأثر (تختموا بالعقيق) هو تصحيف من الرواة فانه أمر بالتخيم والنزول بوادى القيق وهذه عادة أمثالهم كالمعروف من غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حصى الجمار - فانه أحد أختام المحدثين املأه انه كان صلى اللّه عليه وسلم يغسل خصى الحمار - فسأله السامع عن سبب ذلك فقال - نواضعا يابنى - وكأنه قاسه على تواضع المسيح عليه السلام بغسل ارجل الحواريين واللّه الموفق - .
في ذكر الجزع

وهو حجر يفضل أمثاله في الصلابة يدلك عليه ان مداخل البنكانات المقدرة للساعات تعمل من جزعة مثقوبة مركبة في بكيندان ملحم على أسافلها واختير لذلك بسبب صلابته كيلا يسرع تأثيره من الماء الدائم الجريان فتتسع الثقبة فيزول عنها التقدير - وقياسه بالقطب باعتبارنا وزنه انه ثلاثة وستون وثمن - ويخرج باليمن من معادن العقيق وقيل بينهما نسبة بوجه التقارب - وقد قيل انه يوجد بالهند عند العقيق ما يسمى جزعا وهو أنواع اعزها المعروف بالبقرانى وخطوطه ممتدة على استقامة لاعوج فيها لأنها مقاطع صفائح متراكمة ونهاياته واستواء النهايات تدل على استواء الصفائح وسطوحها - وألوانه ثلاثة تكون صفيحة حمراء وبسديه عليها بيضاء غير مشفة فوقها مشفة بلورية - وربما كانت أحدهما سوداء - فان كانت صفراء أو خضراء زمردية جعلت وجه الفص وكلها خلقة لا صناعة إلا ان تكون علياها أو سفلاها اغلظ من الوسطانية فيحك الأغلظ حتى يستوي مقاديرها في المرأى وحسنه في الخلوقي من ألوانه والبياض وغرابته في الخضرة وقلما تجأوز الألوان الثلاثة ويختار باستوائها وتمايزها مع صقالة الوجوه، وكثرة الماء - قال حمزة، اسم الجزع بالفارسية قلنج والبقرانى باكرى هلنج - ولفظة خلنج لا يختص بها الجزع بل يقع على كل مخطوط بألوان وأشكال فيوصف به السنانير والثعالب والزباد والزرافات وأمثالها بل هو بالخشب التى تكون كذلك أخص ومنها تنحت الموائد والقعاب والمشارب وأمثالها بأرض الترك - وربما دقت تلك النقوش فتشابهت نقوش الختو - فان راقت عمل منها نصب السكاكين والخناجر ويجلبها البلغارية - ومن الجزع نوع ينسب إلى فارس لميل أهلها إليه وهو مماثل البقرانى إلا انه على عكس ما حمد من البقرانى إلا ان طبقاته اغلظ وخطوطه بحسب ذلك اعرض وأقل استواء - ومنهم من يستحب دقة إلأوسط بالقياس إلى الجانبين - وبعد الفارسي الحبشي ويعدم الطبقة الحمراء فلا يكون في حرفه غير حطوط سود تفصل بينهما ابيض وبذلك نسب إلى الحبشة لبياض اسنانهم بين عنافقهم السود - ومنه نوع يعرف بالبسلى طبقته العليا والسفلي حمراوان يضربان إلى السواد والبيضاء تفصل بينهما - وذكر نصر انه يطبخ بالزيت حتى تشتد عروقه - وقال الكندي - ان معدن جميع انواعه لا تبعد عن معادن العقيق وان جميعها تطبخ بالعسل يوما أو يومين فتنفتح عروقه - فان كان كذلك فأوشك بما قيل في كتاب الكيمياء أن يصدق وهو ان من الحجارة ما يزداد في بطن الأرض ومنها ما ينقص ويتفتت ومنها كالجزع يتلون من لون إلى لون - ومنها صنف يسمى الغروانى مشوش الألوان لكل واحد منها عرض وسعة فوجدت قطع كبار حتى تنحت منها الأواني كالباطية المخروطة منه التي ذكر الكندي إنها وسعت من الماء نيف وثلاثين رطلا - وذكر نصر بدله المعرق فكأنه فاقه أو ان يكون هو والغروانى واحدا ان لم يكن اللقب من كثرة العروق وتنسب قطاعه إلى العظم دون ألوانه وذكر الباطية المتقدمة - وقال ان اكثر ما يتردد في الأيدي هو هذا النوع وعروقه دقائق كالشعر مختلطة الألوان اسود واحمر وابيض وربما وقع فيها صور أشجار وحيوان وحكى عن الجواهريين فى هذا النوع أراه الكندي الذي شاهده وذلك لأنه مركب من ألوان مختلفة متحدة المواد متباينة الوسائط كأنها نضدت سافات ثم لم تترك كما تقدم فى البقرانى والفارسي والحبشى ولكنها عجنت ومدت حتى تشكلت على هيآت وأشكال يظهر إلاتفاق فيها عند القطع والحك صورا عجيبة غير مقصودة - وقيل في كتاب الأحجار - ان له بالصين معدنا لا يقربونه تطيرا منهم وإنما يستخرجه قوم مضطرون ويحمأونه إلى غير أرضهم لأنهم زعم يعتقدون في لبسه انه يكثر الهموم وفى تعليقه على الصبيان انه يسيل لعابهم وفى الشارب بآنية منه انه يسهر - وكذلك ملوك اليمن كانوا يتحامونه بسبب اسمه فأما هدا فإلى أصحاب اللغة واما ذاك فإلى الخاصيات وأستحانها بالاعتبار -

في ذكر أخبار الجزع
أما معدنه بالصين فخبر مجهول من كتاب منحول وليس بمسنكر تشاؤم امة بشيء لأسباب بعدان يصح الخبر به - وأما ما ذكر فيه من تبابعة اليمن فلوحق لما عد المرقش الجزع فى جملة ما يتحلى به ويتزين فى قوله -
تحلين ياقوتا وشذرا وصبغة ... وجزعا ظفاربا ودرا توائما
وقال عبيد اللّه قيس الرقيات -
حييت عنا ام ذى الودع ... والطوق والخرزات والجزع

وقال آخر -
والنيل يجرى فوق رضر ... اض من الجزع الضفارى
وهما عنيا الجزع اليماني وأضافاه إلى ضفار بلدة باليمن كانت التبابعة تنزلها - وكان قد وفد على بعضهم وافد وهو مستشرف فاشار عليه بالجلوس وقال له بالحميرية، ثب اي اقعد - فظن الأامور انه يأمره بالوثوب ففعل وتردى إلى اسفل فهلك - وعند ذلك قيل، من دخل ظفار حمر بل لو قيل من ملك ظفار فتفنن فخاطب كل أنسان بما بعرف كان أصوب - وكان أحد ملوك حمير مقعدا مسقاما يلزم الفراش فلقب من هذه اللفظة موثبان وقيل في توائم ان معناه الازدواج اثنين أثنين لان الدر لا يروق إلا مزدوجا ويجوزان ان يكون مهناه بالتشابه بالتساوي حتى لا يتقارب في العظم والصغر وسائر الأحوال - إلا ترى أن الأولى والثانية إذا تساويا ثم ساوت الثانية الثالثة وكذلك إلى آخرها تكون متساوية - ولو كان ما حكى من تشاؤم ملوك اليمن صدقا لازداد على طول الأيام ولاشتهر في العوام فتأسوا بهم وتخلقوا بأخلاقهم ونحن نرى شعرائهم يصفون الجزع فلا يتحرجون عن ذكره ولا يتطيرون به - وهذا امرؤ القيس من أبناء ملوك كندة يقول -
كأن عيون الوحش حول بيوتنا ... وارحلنا الجزع الذي لم يثقب
قد شبه عيون الوحش فى ظهور بياضها المحدق بسوادها الذي لا يبدو من أعينها إلا بتقليب مقلها وانقلابها بالنزع أو الموت بالجزع لا يغادر منها شيئا سوى الثقب فان المقل ليست بمثقوبة - وقيل، أن الذي يعمل الخرز منه فهو أرداه وأميله إلى السواد وإذا عمل منه يثقب فيه فكأنه يشير من النوعين إلى أشرفهما - ويجوز ان يكون معناه أن عيون الوحش المشابهة للجزع ليست تنتظم فى القلائد وإنما تقع باتفاق متفرقة كالخرز التى لم ينظمها سلك لعدم الثقب وقال أبو احمد العسكرى، إلايغال فى الشعر أن يأتي الشاعر بمعنى ويستوفيها قبل بلوغ القافية تم يعطف عليه فى القافية فيزيدها في تجويده كعطفه فى قوله، الذي لم يثقب - فانه أراد في قول المعنى الكامل قبله حسنا كصفاء الجزع غير المثقوب - وقال أيضا -
وأوفى لنا موفى فجاء مبشرا ... يقول إلا أطعمتم خير مطعم
رأيت ثلاثا راتعين بقفرة ... فرائد كالجزع الذي لم ينظم
وقد عبر عن ذلك البياض حول السواد بعضهم في قوله:
لنا قيمة ترنو بناظرتين ... كدرات جزع فوق لؤلؤتين
إلا انه أضاف بياض الملتحم إلى اللؤلؤتين فكانت زرقا فاكتفى فيها من الجزع بسواد ثقبة أنسان وما بقى من الحدقة فلسواد الجزع - بل قال الصنوبرى وهو يغزل بمعشوقه:
الجزع والياقوت والدر ... عيناك والخدان والثغر
وقال لبيد في أخيه اربد:
وكان إمامنا ولنا نظاما ... وكان الجزع يحفظ بالنظام
وقال الفرزدق:
وفينا من المعزى تلاد كأنها ... ظفارية الجزع الذي فى الترائب
وقال امرؤ القيس:
فأدبرن كالجزع المفصل بينه ... بجيد مهمم فى العشيرة مخول
يعنى جيد صبى مترف ذى أولياء وان كان يتيما والمفصل بفواصل من غير جنسها وكأنها في البقر أولادها فيما بينهم - وقال عبد عمرو الطائي:
فأدبرن كالجزع المفصل بينه ... بجيد الغلام ذى الجديل المطوق
وقال أبو الطمحان:
أضاءت لهم احسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

قالوا فيه أن الجزع مؤلف من خطوط بيض وسود متصلة فيه فبيضها والنهار يتعأونان على تغييبه عن إلابصار وسودها والليل يتظافران على أخفائه عن الأعين وهذا قول يكادان لايكون له محصول إلا غيبة الجزع عن الأدراك بالليل والنهار لكنه مدرم بالنهار فلا فائدة فيما ذكروه - وإنما قصد ظلام الليل فان النظم فيه يمتنع أو يعتذر فإذا أضاء نور القمر بازدياده على نصفه زالت تلك العسرة - ويدل عليه قول ساجع العرب، فى ليلة سبع ناظم جزع - يشير به إلى قوة النور حتى يبصر فيه الثقبة للتنظيم - وقد ذكرنا حديث الأرنب - وكان معي لوح جزع أملس الوجه معوج الخطوط وعليه منها صورة بطة عديمة الرجلين كأنها تسبح في الماء أو تحضن البيض بالجلوس عليه لم يكد احد ينكر من صورتها شيئا على مثل ما يصور النقاش الماهر - وحكى لى احد الصناع الخوارزميين أن له في وطنه كعبة من جزع اصله بياض اللون وقد أحاط به سائر الألوان فاجتهد من تولى نحتها حتى وفق بين أسوده وشعر الرأس والحاجبين وبين الحمرة وبين الشفتين وعلى هذا القياس سائر أعضائها وذلك مسموع لم أره ولا أتعجب فيه من اجتهاد الصانع وإنما استبعد اتفاق ذلك له فقد يحكى ما يشبهه فى صفة شبديز ولم اتحققه - وجزعة الكعبة حبشية وان اشتهرت باليمانية فإنها سوداء مخططة ببياض مدورة الشكل فى قدر قطر شبر وهي منصوبة للحائط المقابل لبابها على ارتفاع ثلاثة أشبار من أرضها وكان وجدها يعرف بالنعمان في ساحل جزيرة يحيط بها عدة فراسخ وتشتمل على مزارع ونخيل وحدائق وسعة من المصائد وسائر المرافق واتصل خبرها بالوليد بن عبد الملك فاشخص النعمان اليه وطلبها بثمن واف قيل فبه انه ازيد من الف دينار فأبى إلا أن يعوض منها الجزيرة التى وجدها بها فأقطعها أياه وانفذ الجزعة إلى الكعبة وبقيت الجزيرة للنعمان وعقبه عرفت باسمه مرسى النعمان - وقيل ان سعيد بن حميد أهدى إلى المأمون يوم المهرجان خوانا من جزع معه ميل من ذهب مقدار قطره وكتب؟ قد اهديت إلى امير المؤمنين خوان جزع ميلا في ميل - وحكى لى احد معارفى انه رأى ببخار أنصاب سكين في عرض أصبع ونصف قد نصفته الألوان على طوله وكان احد النصفين جزعا بقرانيا والأخر اخضر مشفا لم يشك في انه زمرد لولا صلابته وان النار كانت تنقدح به - قال إسمعيل بن إبراهيم انه يحمل من بلاد التبت إلى الصين حجارة كالجزع وليس كالجزع لها ألوان حسان ونقوش عجيبة وتشترى منها بثمن وافر وتركب في المناطق وحلي الدواب - واللّه الموفق -

في ذكر البلور
حجر البلور هو المها منصوب الميم ومكسورها - قالوا؟ اصله من الماء لصفائه ومشابهة زلاله واصل الماء موه لقولهم في جمع الجمع الذي هو مياه أسواه ومنه موهت الشيء إذا جعلت الشيء له ماء ورونقا ليس له إذا سقاه ماء وحدده قال امرؤ القيس
رأسه من ريش ناهضة ... ثم امهاه على حجره
وقيل في المها انه مركب من الماء والهواء أصلى الحياة لأنه يشبه كل واحد منهما في عدم اللون - قال البحتري
يخفى الزجاجة لونها فكأنها ... فى الكأس قائمة بغير إناء
وقال الصاحب
رق الزجاجة ورقت الحمر ... فتشابها وتقارب إلامر
وكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
وقال أبو الفضل الشكرى
والراح فوق الراح كالمصباح في ... فرط شعاع والتهاب وضياء
يحسبها الناظر لاتحادها ... بكأسها قائمة بلا إناء
وقال ابن المعتز
غدابتها صفراء كرخية ... كأنها في كأس تتقد
فتحسب الماء زجاجا جرى ... وتحسب إلاقداح ماء جمد
وقال آخر -
مشمولة بشعاع الشمس في قدح ... مثل الشراب يرى من رقة شبحا
إذا تعاطيتها لن تدر من لطف ... راح بلا قدح عاطاك أم قدحا

وأما المهو فهو حجر ابيض يعرف ببصاق القمر وبراقه ويشمى بالرومية افرو سالينوس أي زبد القمر فان القمر هو سالينى - وذكر ديسقوريدس ما قلنا وانه حجر يوجد فى ارض العرب فى زيادة القمر ابيض شفاف فلئن لم يكن مستنيرا يلمع بالليل كالنار ولم يخط بغير البياض ان النهار بوجوده أولى - وكان الأمير الشهيد مسعود رضى اللّه عنه أتحفني بطرائف منها حجر منعجن من حصى سود في قدر العدس قد تحجر بعد العجانة بها وأشار إلى موضعه نحو حول قلعة نائن بقرب غزنة وان وجوده يكون في الليالي التي تسود أوائلها يعنى النصف الأخير من الشهر - وسألت احد الهنود المرتبين فى تلك القلعة عنه فأشار إلى مثله من وجوده تلك الليالي وان هنود الشرق يحملونه إلى بيوت أصنامهم - فلما أنعمت الفحص أومى إلى استعماله في الكيمياء على أنه يتردد في ألسنة الهنود ذكر حجر القمر على ما تقدمت الحكاية عنهم وليس بالذي وصفه يحيى النحوي من الضارب اللون إلى لون العسل المتوسط إياه وببياض شبيه باستدارة القمر زائد بزيادة نوره ناقص بنقصانه مستخف فى المحاق مستنير فى اليوم الثالث - وقال قوم فى حجر القمر انه الجزع وان ما فيه من البياض يزداد في زيادة القمر ولذلك نسب إليه والأمر فيه وفى مثله موكول إلى التجربة - فأما الذي ذكره يحيى فلا - والبلور انفس الجواهر التي يعمل منها الأواني لولا تبذله بالكثرة ويسميه أهل الهند بتك وفيه فضل صلابة يقطع بها كثير من الجواهر ويقوم لأجلها مقام فولاذ الحديد حتى تنقدح منه النار إذا ضربت قطاعه بعضها ببعض وشرفه بالصفاء ومماثلة أصلى الحياة من الهواء والماء - قال اللّه تعالى(بيضاء لذة للشاربين، لا فيها غَول ولا هم عنها يُنزَفون) لأن لذة الشارب منغصة بتوابعه فإذا أمن معاد حاضره والخمار في عاقبته توافت اللذة وتكاملت الطبيعة - والبيضاء صفة الوعاء لا الشراب اذ لايحمد منه ذلك فى العادة - والمراد بهذا البياض التعري عن الألوان كالبلور الأبيض اليقق اللبني فان هذا البياض مع السواد متقابلان على التضاد ولن يشف ولا واحد منهما - فاما الألوان المتوسطة بين الجدد البيض والغرابيب السود فحامل كل واحد منهما يحتمل الشفاف كاحتماله الصمم والتعقد إلا إذا لاصق أحد الطرفين كالدكنة والفيروزجية في شيء - وعلى هذا النهج وصفهم الأبيض النقي بالفضة ولا بمعنى الشفاف فليست الفضة منه فى شيء - وعليه قوله تعالى (قواريرَ من فِضَّة) والعرب هم أول المخاطبين بالقرآن فالخطاب معهم على عرفهم قياسة بالنحل فانهم لما رأوه يرتعي وبالارتعاء يمتلئ البطن بالمأكول وليس له خروج إلا بأحد المنفذين إلاعلى وإلاسفل تصورا من العسل انه من غذائه باخراجه من البطن بكلى المنفذين - قال الشاعر(وهو الطرماح) -
إذا ما تأرَت بالخلىّ بَنتْ به ... سريجين مما تأترى وتتبع
فخوطبوا بمثله من خروج الشراب من بطنه للاتصال وقرب الجوار اذ الفم مدخل إلى البطن وهو بخرطومه يجتنى من أوساط الزهر ما فيها من امثال الكحل دقة ونعمة وينقله بيده من خرطومه إلى فخذيه ويحمله إلى الكوارة ويعمل العسل ويملأ به بيوت فراخه طعاما لها وزادا لنفسه عند انقطاع الأنوار والثمار التي يطعمها ويدخرها - وأما ما يبرز من أثقالها بالمنفذ الأسفل فأنتن شيء في الدنيا وهى تحفظ من أذيته خلاياها لنزاهتها ونظافتها وحرصها ما أرجت رائحته وطابت مذاقه

والبلور على أنواع الجزع بالقياس إلى القطب لا يخالفه ويجلب من جزائر الزنج والدبيجات إلى البصرة ويتخذ بها منه الأواني وغيرها وفى موضع العمل هناك مقدر يوضع عنده القطع الكبار والصغار فيرى فيها ويهندس احسن ما يمكن أن يعمل منها وأوفقه للنحت ويكتب على كل واحد منها ثمل تحمل إلى سائر الصناع فيعملون بقوله ويأخذ من الأجرة أضعاف أجورهم بكنه الفرق بين العلم والعمل - هذا البلور يكون في رقة الهواء وصفاء الماء فان اتفق فيه موصع منعقد ناقص الشفاف بغيم أو ثقب اخفى بنقش ناتئ أو كتابة بحسب اللباقة فى الصناعة والاقتدار على التقدير - فان فشا فيه هذا التعقد حتى أبطل شفافه سمى ريم بلور أى وسخه - ويجلب من كشمير بلور إما قطاع غير منحوتة واما منحوت منها أوان وأقداح وتماثيل الشطرنج وكلاب النرد وخرز بقدر البندق لكنه يتخلف من حسن الزنجي في الصفاء والنقاء ولا صنيعهم لها في لطافة صنعة أهل البصرة - ويوجد فى الجبال منه قطاع وتكثر في حدود وخان وبدخشان ولكنها لا تقصد للجلب - قال الكندي - أجود البلور الأعرابي يلقط من براريهم من بين حصاها وقد غشى بغشاء رقيق عكر ويوجد منه ما يوازن الرطلين كما يلقط أيضا بسرنديب وهو دون الأعرابي في الصفاء - ومنه ما يخرج من بطن الأرض فان كان في ارض العرب كان أجود - قال - ورأيت منه قطعة زادت على مائتي رطل وإنما كانت كثيرة الغيم والثقوب - وله معدن بأرمينية وآخر ببدْ ليس من تخومها يضرب لونه إلى الصفرة - وأما نصر فانه قسمه إلى أربعة أنواع أولها الأعرابي وقد وصفها بصفات الكندي إياه وزاد عليه إن ضياء الشمس إذا وقع عليه رؤى منه ألوان قوس قزح - وكان واجبا عليه ان يشترط فان ذلك فى المنكسر دون المجرود وذلك انه مشابه للجمد وفى مكاسرة المضطربة ترى هذه الألوان أيضا - والثاني يسمى على وجه التشبيه غيميا - والثالث السرنديبى قريب من الأعرابي مخلف الصفاء عنه والرابع مستنبط من بطن إلارض وهو يفوق الأعرابى - قال - ومنه لون أصابته رائحة النار والدخان وهو أرداه - وفى كتاب الأحجار ان البلور صنف من الزجاج يصاب في معدنه مجتمع الجسم وان الزجاج يصاب متفرق الجسم فيجتمع بالمغنيسيا - وتبعه قوم وقالوا في كتبهم ان البلور نوع من الزجاج معدني والزجاج نوع من الزجاج صناعي - وقال حمزة - البلور مناسب الزجاج في بعض الجهات ولم يبن عنه وكأنه عنى الشفاف والنَمّ بما فى جوفه فانهما متباينان بالإذابة لانقياد الزجاج لها وامتناع البلور عنها على ما نذكر فانى لم أشاهدها ولم امتحنها فيها وقال بعضهم فى البلور - انه ماء جامد منعقد وبهذا اقول كما سأذكر - وبسبب مشابهته للماء الصافي شبه حجارة الماء ونفاخاته - وقال ابن المعتز -
أما رأيت حباب الماء حين بدا ... كأنه قحف بلور إذا انقلبا
وقال العوفى -
كأنما القطر على مياهها ... إذا انتشى يطلع من حيث هبط
باب در حولها وصائف ... في رفعهن يرتمين باللّيط
والنفاخات إذا كانت من در لم يشف ولم ير ما فيها ولا ما وراءها وأما تشبيهها بالبلور فهو المستحسن - قال أبو الحسن الموصلى -
كأن حباب الماء فيها غُدَيّة ... قوارير بلّور لدينا تّدهدّه
وقال -
وينداح فوق الماء قطر مدور ... كما طلعت فى وجه السجنجل تنكه
والعجب ما تفق في البلور من الأشكال خلقه - فقد ذكر الحكاك المذكور انه وجد خلال الحصى من التفتيش بناحية ورزفنج معدن اللعل كاعلام النرد وبياذق الشطرنج مثمنة ومسدسة كالمنحوتة بالصناعة - قال الصنوبرى فى بركة -
والسحب ينظمن فوقها سبحا ... نظام مَعنيّة بسبحتها
فواقع قد عدت بياذق الش ... طرنج صفوفا في وسط رقعتها
والرسم في بياذق الشطرنج ان تكون مسدسة النحت وفى كلاب النرد أن تكون مدورة الخرط ثم اصطفافها يكون في حاشية الرقعة المعرضة فان اتفق في وسطها فهو بارد عجيب -

في ذكر أخبار البلور

ذكر افلوطرخس فى كتاب الغضب أن يارون ملك رومية أهدى له قبة بلور مسدسة عجيبة الصنعة غالية الثمن ولم يذكر فى الحكاية سعتها وهل كانت قطعة واحدة أو قطاعاتهندم وقت نصبها فعظم تبجحه بها وقال لفيلسوف لما حضر مجلسه، ما تقول فيها - قال، انه ليسوءنى امرها فإنها إذا فقدتها لم تأمن ان يعوزك الفوز بمثلها فيبدو فقرك اليها وإذا عارضها آفا عارضتك مصيبة بحسبها - وكان كما قال فانه خرج إلى الجزائر متنزها فى ايام الربيع وحمل القبة فى قارب وهو جنيبة مركبه وغرقت الريح القارب فرسبت القبة وبقى الملك حزينا فتذكر قول الفيلسوف وتسلى به وإلا كان يبقى متحسرا عليها أيام حياته - ومن طالع حديث الخاتم إلاسماعيلى تعجب من عجز ايارون عن اخراج القبة مع ما كان معه من متقدمى المهندسين وأصحاب الحيل المسماة مخانيقونات - وقد ذكر مانإلأوس في كتابه في معرفة أوزان الأجرام المختلطة من غير تمييز بعضها عن بعض انه اهدى إلى ايارون ملك رومية وصقلية اكليل من ذهب مرصع بالجواهر بديع الصنعة وانه ذهب بالحملان ولم تطاوعه نفسه بنقصه فاستخرج له ارشميدس طريق معرفة خلوص ذهبه واختلاطه بشوب وغش - وارشميدس هو الذي احرق بالمرايا سفن الواردين إلى جزيرة من البربر والفرس فقد قيل ذلك فى كليهما - وعن مثل اسف ايارون احترس إلاسكندر لما اهدى اليه أوانى بلور نفيسة فاستحسنها ثم امر بكسرها وقيل له فى ذلك فأجاب، بأنى علمت إنها ستنكسر على ايدى خدمى واحدة بعد اخرى وكل مرة يهيجنى الغضب فارحت نفسى من تلك المرات بواحدة وارحتهم منى - وكان العبادى تنبه من ذلك فانه كان يسوق حمارا موقرا زجاجا فة قفص وانه سئل عما معه فقال، ان عثر الحمار فلا شيء - بل ما احسن قول يعقوب بن الليث حيث ركض إلى نيسابور وغافص محمد بن طاهر وإلى خراسان غير متسرول وكان يطوف به فى الخزائن ويوقفه على ما فيها حتى انتهى إلى خزانة الطرائف وعدد محمد عليه اموال اثمان ما فيها من البلور المخروط والمجرود فأمر غلامه بكسرها بالعمود ورضها ثم استسقى فى مشربته وكانت في إلاسفيذرويه فى غلظ الخنصر وحين شرب منها طرحها على الأرض حتى طنت وتدحرجت وقال لمحمد؟ يا ابن الفاعلة وهل نفعك تضييع الأموال في تلك الأواني وصرفي الشرب بغيرها هلا استأجرت بأثمانها رجالا يدفعونني عنك - ثم حبسه في صندوق وحمله إلى العراق معه وما خلصه من يدها لا انهزامه من الموفق وليعقوب في سيره ما يعلم منه ان هاديه اليه كان شباب دولته وأقبال شأنه يعرفكه حاله اخيه عمر ولما ملك بعده دفع إلى معتمده النهض إلى بغداد اموإلا وتقدم اليه يصرفها في أثمان أواني بلور واقترحها وان الرجل روى في مثل ذلك ما تقدم فلم يسمح قبله بافساد الذهب وصاغ منع أوانى وجامات وصواني ولما انصرف بها شق على عمرو مخالفة امره وامر بسقيه فى المجلس بواحد منها على وجه الإكرام ورسم للسلقي إرسال حية صليبية تسد الجام ففعل ومن دأبها الوثوب إلى رأس الإنسان فوثبت اليه ولسعت ارنبة أنفه فسقط لحينه ولم يكن عمرو مترعرعا فى نعمة بل حالة منحطة عن حال يعقوي لكن بعزم الدوله وادبار إلامر علماه ما ورد به موارد التلف وكان يحمل إلى بغداد مستوثقا به فبلغ قنطرة فى بعض المراحل بخراسان واسغرب ضحكا فسأله عديله عن سببه فقال؟ اتفق لى على هذه القنطرة اجتياز ثلاث دفعات احداها مع حمار موقر من الصفر وانه عثر عليها وسقط واحتجت في أزعاجه إلى معين وانسدت الطريق فلم يأتني فيها سابل استعين به إلى ان مضى اكثر النهار - والثانية فى أوائل العام الماضي مع خمسين ألف عنان وهذه الثانية نأتي اثنين في العمارية وأتمنا فيها حالي في أولاها واللّه المستعان

وكان عندي كرة بلور فيها سنبلة الطيب الهندية برمتها وقد انكسر من شعراتها شيء قليل فتبددت في جوف البلور حولها وحصلت أخرى مثلها فى ضمنها فتات ورق اخضر باقية على خضرتها مبقاء ذلك السنبل على دكنته ومعلوم ان هذه الأشياء لم تخالط البلور إلا فى وقت ميعانه وكونه على رقة فوق رقة الماء القراح فلو لم تكن كذلك لما غاصت تلك الأشياء فيه فان من شأنها الطفو على وجه الماء لخفتها دون الرسوب أو يكون سيالا كالاتى يدهدها ويحملها ويكون جمودها بلورا في تلك الحالة سريعا واللّه اعلم بكيفية ما لا نعلم من ذلك - ويتحدث من شاهد البلوريين بالصبرة انهم يجدون فيه حشيشا وخشبا وحصى وطينا وريحا في نفاخات وكل ذلك شاهد على انه في مبدئه ماء سائل وليس ذلك بمستنكر فلقد يوجد في بعض المواضع ما يستحجر ومتى يستحجر حيوان ونبات زال استبداع تحجر الماء وإلارض - ولولا كثرة مشاهدة المتأملين ذلك لما تواتر ذلك على ألسنتهم - قال الطرماح -
لنا الملك ذا صم الحجارة رطبة ... وعهد الصفا باللين من اقدم العهد
وقال العجاج(الرجز لرؤبة بن العجاج - ك)
قد كان ذاكم زمان الفِطَحْلِ ... والصخر مبتل كطين الوحل
وقال آخر
وكان رطيبا يوم ذلك ... وكان حصيدا طلحها وسيالها

في ذكر البسد
المشهور في ألسن الجمهور انه المرجان وهكذا ذكر فى كثير من الكتب الكبية منها خاصة كما ذكرنا وأما أصحاب اللغة وقدماء الشعراء وجدتهم فيه مجتمعون على ان المرجان هو صغار اللإلئ - وقد حكينا ما قيل فى قواه سبحانه وتعإلى(كأنَّهنَّ الياقوتُ والمَرْجان) معناه صفاء الياقوت وبياض المرجان والصفاء ههنا بمعنى البريق دزن الشفاف إذ الإنسان إذا شف لم ير مما وراءه إلا ما يوحش وإنما اراد من الياقوت ههنا الحمرة الودية المحمودة في البشر وحمرة البسذ غير مستكرهة فيها بل هى غير مغادرة لخدود النساء فالمرجان ههنا لا يمتنع إن يكون البسذ لولا أصحاب اللغة - والبسذ نبات في بحر الأفرنجة وهو بحر الشام والروم إذا حاذى حدود أفروجيا - قال محمد بن زكريا - ان شجرة تعظم حتى تخرق السفن المارة فوقها - وهذا على كلامه يدل على استحجارها فى حوف البحر خلاف ما قال ديسقوريدس انه داخل الماء نبات فإذا اخرج منه ولقى الهواء صلب وقيل - انه يخرج لينا وابيض ثم يدفن فى الرمل فيصلب فيه فيحمر ولم بحسب أدراكه ويجوز ان تكون الحمرة عارضة فيه فان النار تزيله عنه إذا نفخ عليه بالتدريج

وقال صاحب كتاب الثريا - ان منه احمر ومنه اسود - وقال بليناس البسذ وامثاله يشبع المعادن بأجسادها ويشبه النبات بأرواحها كما ان الصدف والإسفنج يشبع المعادن بأرواحها والنبات بأجسادها - فأما النبات البحري فلا يشك في لينه عند قبوله النشو والنمو وهو مناسبته النبات البرى بروح النمو وان استحجر بعد ذلك فيشابه المعادن بحجرية الجسد - وقد شاهدت قطرا وقطعا غيرها مستحجرة لامحالة إنها صلبت بعد لينها كتحجر السراطين البحرية عند أخراجها من الماء - وأما الإسفنج فانه عنى للمشابهة المعادن ولزومه مكانه ومشابهة النبات نموه - بل لو قال انه يشابه الحيوان بما يحكى عنه وهو على حجره ينقبض من المس - ولا يدخل الصدف فى هذا الباب لأنه حيوان سيار فى القرار لامس طاعم فانه يشبه بالمعادن لخزفه فليس إلا وقاية الحيوان الذي فيه كوقاية خزف الحلزوني الملتوي إياه مع انتقاله بالدبيب وكالسلاحف فى حجرها المحتف بها وكعيبات التماسيح وحيوانات شاهدناها مجننة بجنن خزفية ولا تشبه المعادن - وقال صاحب كتاب الأحجار - المرجان اصل والبسذ فرع وذلم مطابق لما قيل من ان البسذ والمرجان شيء واحد غير ان المرجان اصل متخلخل منثقب والبسذ فرع لنباته فى البحر كالشجر وهذا لأن ذلك إلاصل انابيب دقيقة مجوفة لا يسع تجويفها إلابرة يجمعها سطوح من جنسها متوالية غير قاطعة بل جامعة لها مقوية إياها قائمة مقام العقد للأنابيب والجملة على حمرة البسذ لا بغايره بالصورة - قال حمزة هو وَسَد عرب على البسذ - وجنس يسمى خَروهك وعرب بالخراهك وهو تشبيه لاصل البسذ - بقلنسوة الديك كما شبه به نوعمن بستان آفروز عريض متشنج ويسمى خول خروه وأظنه أنا ذلك الأصل الموسوم بالمرجان فان مرجان قريب من اسم الطكيور بالفارسية - قال أبو زيد الأرجاني - هو قطاع حجرية له قضبان حمر دقائق وغلاظ ولا محالة ان للجرثومة ارومة إلا أنا لم أشاهد ذلك المخلخل ذا الأنابيب قد يسمونه اصل البسذ - قال الكندي - ان الخل يبيض البسذ والدهن يشرقه والكبير الكثير الغصون يقوم مثقاله بنصف دينار إلى دينار - واما الدقائق فالمن بنصف دينار واقل - فقد كان منه معي شجيرة ارتفاعها شبر ونصف بعت كل مثقال منه باربعة دنانير ولو كانت بحقارة دقائقه لما تهادى بها الكلوك - فقد ذكرنا انه كان مع العلوي التاهرتى فى جملة هدايا مصر شجرة منه كبيرة وما ذكر تفصيلها - واكثر البسذ ملس ويكون فى خلاله ما إذا أنعمت تأمله بالطول رأيت منه خطوطا محفورة على غاية الدقة تذكرك ما على بطون الأنامل من أمثالها دوائر في الوسط مستطيلة متداخلة يأتيها أمثالها من جانبي أخواتها من الأنامل ومن مغارز الأصابع يحصل منها كمثلثات قوسية متداخلة أصغرها في وسط الملتقى - وأظن في سبب خلقها ان بطن الكف لما كان اصدق أعضاء بدن الإنسان حسا لأن به الحس واللمس ثم فضلتها رؤوس الأنامل في ذلك وبطونها لأنها آلة الأخذ والقبض كما ترى عناءها في مجسه النبض والجسأوة والخشونة فيها قادحان في تحقيق اللمس فجمع إلى لينها وغضارتها خشونة من تلك الخطوط ليتم به الحس والإدراك - فان الإدراك بالأملس معتذر كما يعتذر أدراك الاملي على أن أسرار الجبلة وأعراض الخلقة عند الخلق خيال لا بلوغ إلى نفس الحق - وقياس وزن البسذ إلى القطب إلاكهب باعتبارنا اربعة وستون وسدس وثمن - قال الكندي ونصر، ان البُسُذ شجرة خضراء فى بحر إلافرنجة ذات اصل وفرع ثم تصلب وتتحجر إذا اخرج وتحمر - وربما كان منه قطعة تزن ستين مثقالا ويسمى ذلك مرجانا وفى بحر الروم منه لون لاتخلص حمرته بل تميل إلى البياض ويسمى مراق وآخر على لون الورد يسمى فاسنجانى يجلب من المغرب - قال، ونوع منه يسمى ديلكى وأنا أظنه دهلكي بدليل قوله، يجلب من عدن - ورؤى منه غصن وازن الرطل تقلعه الغاصة ويخرجونه كالصدف وربما قلعوه بالخطاطيف ثم يلين بالسنباذج وحجر الرحى ويثقب الفولاذ المسقي وقال الكندي، منه جنس يجلب من بحر عدن لاخير فى ابيضه لأنه مؤوف فى القعر ويخرج بخطاطيف - هذا يدل على تحجره فى الماء حتى تكسره الخطاطيف المتعلقة - وأما الأبيض فأردأه نوعا غير الأحمر لأنه اغلظ بكثير واخشن مجدر بثقب كأنها إلافة التي عناها الكندي وليس بأملس ولا بياضه يقق إنما تعلوه صفرة يسيرة

وقال أبو حنيفة - المرجان بقلة ربعية - فان كان هذا مأخوذا من العرب فهو كما هو وان كان تخيلا من جهة البسذ ونباته في البحر ثم نقل من البحر إلى البر إلى القوا باللغة - وفى قريتي سور وبند من حدود رباط كروان الذي بين غزنة وحدود الجوزجان جدول ماء يستحجر وسمعت ان المموهين يغرزون على شطه الآلات خشبية كالأبر حتى يلبس بالماء المتحجر ويخرجون تلك الآلات منها فيجلون أمكنتها ثقبا ثم يصبغونها بالحمرة ويرجونها فى جملة البسذ - وكما أن من الماء ما يتحجر فكذلك من الطين ما يتحجر بالريح والهواء كتحجر النازلة فى إلاتانين مثل طين شرخ في قرار إلابار في معادن الذهب - فربما وجد منه في كهوف الجبال طينا رطبا فإذا اخرج منها استحجر وليس هذا وأمثاله بمستبدع هند من يتحقق كون العظام بالتغذي باللبن الرقيق المائع ونوى الثمار الصلبة من الغذاء المائى الصاعد إلى اشجارها وتبقى أزمنة بعد فساد ما يقوم لها مقام اللحم للعظم واللّه الموفق -

في ذكر الجمست
حكى عن عبد اللّه بن عباس رضى اللّه عنه فى صرح بلقيس انه كان من جمست لكن العرب تسمى الياقوت والزمرد والبلور كلها قوارير وقالوا - ويشبهه لبنى والفرق بينهما ان لبنى أرخى واقل ماء ويقطع بالحديد فتكون قشارته ونجارته وبشارته شبيهة بالرخام - وقيل في معدن الجمست إنها كثيرة وان بياضه يضرب إلى كل واحد من الألوان من الحمرة الوردية المشوبة بالبنفسجية - وقال الكندي - معدنه بقرية الصفراء على ثلاثة أيام من مدينة النبى صلى اللّه عليه وآله وسلم وانه يلبس للأمن من وجع المعدة ويصاب منه حجر قديم عليه صورة ثعبان وكتابة بالقبطية لاتفهم وسيجئ لهذا النقش ذكر - وقال نصر - هو حجر منقوش يشبه الياقوت الوردي والاكهب بل يظهر فيه جميع الألوان وأغلاه ما غلبت عليه الوردية وأرخصه ما علته كهوبة - والعرب تتحلى به ويوجد منه قطاعة رطل ويوجد في معدنه مغشى ببياض كالثلج على وجهه حمرة - وظهر له معدن بوَشْجِرْد من حدود الصغانيان فى واد يعرف برام روذ ولكنه أكدر واعظم قطاعه رطلان وفى كتاب النخب انه كالسنور الأغر صلب فيه زجاجية ينكسر لها بقليل قوة ويذوب على النار كالرصاص وإذا طرح منه قطعة في الكأس قوى الدماغ والمعدة خلاف للحجر العنبرى لأن هذا إذا جعل فى الكأس افسد العقل وأورث الخبل وكلال الحس - وهذا موافق لما ذكره الخواص فى الشارب بكأس الجمست ان سكره يبطئ - واللّه الموفق -
وفى ذكر اللازورد
اللازورد يسمى بالرومية أرميناقون كانه نسبة إلى ارمينية فان الحجر إلارمنى المسهل للسوداء يبهه وإلازورد يحمل إلى ارض العرلب من ارمينية وإلى خراسان والعراق من بدخشان - وقيل العوهق هو اللازورد وهو فى شعر زهير بخلافه -
تراخى به حب الضحاء وقد رأى ... سمأوة قشراء الوظيفين عوهق
قيل الضحاء للأبل مثل الغداء للناس والسمأوة للشخص وقشراء الوظيفين النعامة والعوهق الطويلة - ووزنه بالقياس إلى القطب سبعة وستون وثلثان وربع والجيد منه يجلب من جبال كرَّان وراء شعب بنجهير وقال نصر، معدنه قرب جبل البيجاذى ببدخشان واعظم ما يوجد من قطاعه عشر رطل ويبرد ويجلى ويطحن ويستعمل فى إلاصباغ وما دام صحيحا فانه يضرب إلى لون النيل وربما مال إلى السواد وفى كثر الحال يكون على وجه المحكوك المجلو كواكب ذهبية كالهباب واذ سحق وهو برخأوته مؤاتى للطحن اشرق لونه وجاء منه صبغ مؤنق لايدانيه شيئ من اشباهه - وقد يوجد منه فى معادن تعرف بتوث بنك لعدة من شجر الفرصاد بها وهى قريبة من زوربان فى الندرة ما لايتخلف عن كراثى رخأوة وحسن مكسره وسائره مختلط بجوهر آخر مشبع الخضرة الفستقية ونظن به انه دهنج إلا أن وقره يعطى فى إلإذابة عشر دراهم فضة فيبط به ذلك الظنلأنهم قالوا فى استنزال الدهنج ان النازل منه نحاس ولا فضة والله الموفق -
في ذكر الدهنج

قالوا انه سمى بالعراق دهنج فريدى وبنيسابور فريدى وبهراة وانجويه وبالهندية ترتيا لأنهم زعموا انه من انواع التوتيا - قال حمزة - هو دهانه وهو نوع من الفيروزنج - وقال الكندي - معدته فى غار من جبال كرمان فى معادن النحاس ولذالك ينسبك منه فى إلاستنزال فى بوط مربط نحاس - زعم ان الكيميايين يستعملونه فان كان كذالك فهو اما للينه ودسومته وإما لعدم تغيره على الحمى وهو مشبع الخضرة فيه عيون وأهلة خضر - قال وكان يوجد في أيام العجم قطع كبار يأتى منها اتخاذ إلأوانى ثم أخذ الموجدود يتصاغر قطاعه أولا فأولا حتى انقطعت اصلا - ومنه سجزى دون الكرمانى ودونهما الذي ينسب إلى العرب - ومنه شيء يؤتى به من غار فى حرة بنى سليم تشتد خضرته إذا نقع فلا الزيت - وقال نصر - هو حجر اخضر صلب معدنى وانواعه ثلاثة أولها المرداني نسبة إلى اسم مستنبط معدنه في معادن النحاس بجبال كرمان وكان يخرج خلنجا بعروق فيها عيون نابتة وأهلة منصفة وإذا حك بالزيت ظهر منه نحاس وكان يخرط منه إلاكاسرة خوان وصحاف ونفد هذا المعدن عليه ماء احمر منتن كالحمأة - والثاني أيضا مستحدث استنبط أيضا هناك في معدن النحاس فقارب المرداني - والثالث مجلوب من ارض العرب فى طريق مكة من جبال تعرف بحرة بنى سليم تصفو خضرته بالزيت فى مدة إذا تجأوزتها ضربت إلى السواد ويكون وقت اخراجه من المعدن لينا ثم يزداد بعد ذلك صلابة وجلاؤه ان تودع اليه مشرحة ويضرب بخل ثقيف ويجعل فى خمير ويمل فى رماد - قال محمد بن زكريا - من الهنج مصري وخراساني والكرماني أجودها وهو اللازورد والفيروزج والشادنة حجارة ذهبية وكأنه قال هذا من العيون اللامعة من اللازورد فإنها كالذهب وإلا فهو يعلم إنها نحاسية وإنها انما تجود الذهب فى تلوّنه بسبب نحاسيتها - وقال فى الدهنج والفيروزج انهما يتغيران بتغير الهواء فى الصفاء والكدورة ولذلك كرههما قوم - وقال صاحب كتاب النخب - هو شديد الخضرة تلوح منه زنجارية وفيه خطوط سود دقاق جدا وربما شابه حمرة خفيفة - ومنه نوع طأووسي ومنه موشى وفى كتاب المشاهير - أن الدهانج حصى خضر تحك بها الفصوص وواحدها دهنج - ولو قال منها الخرز والفصوص لكان اقرب إلى الحق - وقال صهار بخت - هو حجر المسن - وقواه بقوله فى موضع آخر - المسن العتيق هو الحجر الأخضر المسمى دهنج - ولا اعرف لكمه وجها سوى اشتراكهما فى خضرة مستحسنة في الدهنج ومستكرهة في المسن - وذكر الكندي - انه شاهد من عتيقه صفيحة فيها تسعة أرطال - ويوجد من السجزى ما يقارب العشرين رطلا ومن الموجود فى برارى العرب عشرة ارطال وهو من المخرج من حرة بن سليم رطلين ومن الكرمانى نصف سدس الرطل -

في ذكر اليشم
يستخرج من بين واد من ناحية الخُتَن التي قصبتها أجمة ويسمى أحد الواديين فاش ومنه يستخرج أبيضه الفائق ولا يوصل إلى منبعه والقطع الكبار منه للملك خاصة وصغارها للرعية - والوادى الأخر قرافاش واليشم المستخرج منه كدر اللون يضرب إلى السواد ويزداد حتى يوجد منه ما هو شديد الحلوكة كالسبج - وذكر من ورد تلك النواحي انه حمل فى القديم من هناك إلى صاحب بلد قتاى قطعة واحدة من اليشم وإنها مائتا رطل - وقيل ان السيشم أوجنسا منه يسمى حجر الغلبة ومن اجله حلى الترك سوفهم وسروجهم ومناطقهم به حرصا على نيل الغلبة فى القراع والصراع ثم اقتفاهم غيرهم فى ذلك بعمل الخواتيم ونصب السكاكين منه - وفى كتاب النخب ان اليشم هو حجر الغلبة وقد تستعمله الترك ليغلبوا إلاقرن وان لاتوجعهم المعدة بتنأولهم ما يعسر انهضامه من إلا طرية والفطير والشوى المهضب اللكيك - قال نصر فى صفته - انه اصلب من الفيروزج ضارب إلى اللبنية تحدره السيول من الجبل إلى واد فى ارض الترك يسمى سوه ويقطع بإلالماس وينحت منه المناطق والخواتيم - وزعموا انه يدفع مضار العين ومعار البروق والصواعق - فاما العين فهو حديث عامى وأما البروق فانى رأيت من استدل على اثرها بمد ثوب رقيق على وجه الشيه ووضع جمرا فوقه فلم يحقه وليس هذا امرا من ما يختص به اليشم فان مرايا الحديد الفولاذ تفعل مثل ذلك ثم لا ترتد الصاعقة عنها بل تذيبها وتسبكها

ويذكر في كتاب الطب حجر اليشب وانه نافع من أوجاع المعدة ولهذا يعلق فى العنق بحيث يلاضق المعدة - وذكر فيها انه ينقش عليه شيء ذو الشعاع - وقال جالينوس قد امتحناه بغير نقش فأنجب بخاصية فى حل أوجاع المعدة وهذ هو الثعبان المنقوش على الجسمت - وذكر ابن ماسة انه يضرب إلى الصفرة واليشم المقنى من ارض الختن لبنى اللون ابيض فيوهم هذا ان اليشم غير اليشب ثم يقوى الظن بأنه هو ما ذكره أولا فى اليشم ان الترك ينتفعون به في إجادة الهضم فان اهل النرمذ يسمونه يشب واهل بخارا الشب واشب ويقولون انه الحجر الأبيض الصينى وربما سمى باش ومنهم من قال فى باش انه ليس باليشم وإنما هو من اشباهه ارخى منه بحيث تؤثر إلاسنان فيه إذا عجم ولا يتأثر اليشم منها على انهم يسوون بين الحجرين في انتفاع المعدة بهما معا -

في ذكر السبج
هذا ليس من جنس الجواهر وخرزه رذالة الخرز يكاد يقلد به الحمير ويعمل الكبراء منه اميإلا للاكتحال بسبب نقائه عن التزنجر وكان يجب ان يخضبوا به عيون المرطوبين دون غيرهم لنفطيته ويسمى بالفارسية شبه وهو حجر اسود حالك صقيل رخو جدا خفيف تأخذ النار فيه وسمعت انه يشتعل إذا أحمته الشمس وتفوح منه رائحة النفط لان كل ما وصفناه فيه يشهد بدهائه وانه نفط مستحجر مشابه للأحجار السود التي يسجر بها التنانير بفرغانة ثم يستعمل رمادها فى غسل الثياب - وذلك انه بفرغانة عمود الجبل الذي يرتفع منه بها الزفت والقير والنفط والموم الأسود المسمى جراغسنك ثم النوشاذر بناحية البُتَّمْ وفيه الزاج والزئبق والحديد والنحاس وإلانك والفيروزج إلايلاقى والفضة والذهب إلا ان المحرق منه بفرغانة كأنه عكر النفط ووضر السبج - وأما المختار منه فمعدنه بالطابرا من طوس يعمل منه ما امكن بحسب عظمه من المرايا والأواني - ويوجد فى ارض ندية من تراب اسود منتن وكما ان النار تلتهب في النفط فكذلك تشتعل في القفر إذ هما نوعان تحت جنس واحد - قال جالينوس، الأحجار السود الرقائق التي تأخذ النار فيها تجلب من بلاد الغور من التل الشرقى من التلال المحيطة بالبحيرة الميتة حيث يكون قفر اليهود - فأما وزنه بالقياس إلى القطب فهو بالتقريب ثمانية وعشرون ووزن القير المجلوب من سمرقند ستة وعشرون وربع وما اعتمدت وزنه لكثرة النفاخات فى خلاله وهى زائدة في الحجم وناقصة عن الوزن واللّه أعلم -
فى ذكر حجر الباذزهر
المعروف بهذا الاسم هو حجر معدني على ما ذكره الأوائل وان لم يفصلوا صفاته وعلاماته - ومن حقه ان يفوق الجواهر كلها لأنها لعب ولهو وزينة وتفاخر لا تنفع فى شيء من أمراض البدن - والباذ زهز يحافظ عليه وعلى النفس وينجيها من المتالف ولم نقدمه فى الذكر إرادة ان يكون مع أقرانه - قال محمد بن زكريا، الذي رأيت منه رخوا كالشب اليماني ويتشطب وتعجبت من شرف فعله - قال أبو علي بن مندريه؛ هو اصفر فى بياض وخضرة - وتسب كل واحد من نصر وحمزة، معدنه إلى اقاصي الهند وأوائل الصين - وفى كتاب النخب، ان معدنه في جبل زرند من حد كرمان - ونوعه حمزة ونصر إلى خمسة أنواع ابيض واصفر واخضر واغبر ومنكت واختار نصر منكته وجعل شربه للمسموم منه وزن اثنى عشر شعيرة - وقال صاحب النخب، ان منه اخضر سلقى واصفر ومنه ما يضرب إلى البياض وإلى الحمرة ومنه أجوف يتضمن شيئا يسمى مخاط الشيطان وغزل السعالى أيضا لايحترق بالنار - وقال أبو الحسن الطبرى الترنجى ان لونا من الحجر كأنه مؤلف من شمع مونورة وطين فيه لمع من كل واحد منها إذا حك مع العروق الصفر على صلاية خرج احمر كالم الغبيط وهو عظيم النفع من اللسعات إذا طلى عليها - ويحمل من طوس أشباه الباذ زهر فى المرأى وينحت منها نصب سكاكين فلا نفع فيه

وتتضمن الكتب أنواعا من طرق امتحانه وحكاياتها نافعة وان لم يكن من جوانب يقوم إلاستناد اليها مقام توإلى التجربة - فمنها انه قيل، تلقى حكاكته في لبن حليب فان انعقد وجمد حمد واختير وإلا فهو ردئ - ومنها ان يحك رخوته على حجر ثم يحك به الباذ زهر فان احمرت الصفرة دلت على الجودة وهذا موافق لما تقدم لأبي الحسن الترنجى فيه - ومنها ان يحك بخل على حجر ويصب على الأرض فان انتفخ فهو جيد - ويلقى أيضا فى صفرة بيض أو زيت غليظ فان أذابهما ورققهما فهو جيد - ويلقى على تبن فان تغير فهو جيد ولكن الصب على إلارض ان انفرد الخل به غلى ونفخها - وقال عطارد بن محمد، إذا وضع قبالة الشمس عرق وسال منه الماء وأظنه همرا -

في ذكر أخبار الباذزهر
الأجوف المشتمل على مخاط الشيطان يؤخذ من جوفه ما فيه ويعمل من غزله شستكات وهى التى كانت الأكاسرة تسميها آذرشست وبقى اسم شست على المعمول من غيره فان االنار تحرقها - وحمل إلى أستاذ هرمز متولى حرب كرمان سنة تسعين وثلثمائة من ناحية زَرَنْد والكوبونات شستكه بيضاء كانت تلقى فى النار إذا اتسخت حتى تأكل النار وسخها - وذكر من شاهدها إنها لوثت بالدهن للامتحان فاشتعلت النار فيها ساعة ثم خمدت وخرجت الشستكة بيضاء نقية - وشهد له الوزير احمد ابن عبد الصمد وكان يرى بتلك النواحي وقال ان هذه الأحجار تكثر بالكانونات تكسر عن شيء له خمر يفتل منه غزل يلقى فيه يعسر التئامه ويعمل منه ما ذكر قال أبو الحسن الترنجى؟ رأيت لبعض الملوك مشربة مرصعة شاهدت منها اعجوبة فى لسع الزنابير إذا اديف فيها لبن حليب وسقى منه الملسوع وطلى به موضع اللسعة كان يقذف اللبن وشيرى بدنه ثم يهدأ - وذكروا عن بعض المموهين انه اتى بحجر إلى وشْمكير وزعم انه باذ زهر اغترارا منه بعجميته وطمعا في أن يذهب عليه امره فقال، أن كان هذا دافعا لمضرة السم فسأسقيكهما معا فان صدق دعواك أجزلت حباءك - قال، نعم واستخلاه ثم قال له - اعلم ان الشيطان سول لى عملى فارتكبت منك فى الحبالة وعندى لك نصيحة ان قبلتها - قال - وما هى - قال - ان الملوك مقصودون من أعدائهم بالحيل لأرواحهم على يد أوليائهم المحسنين بالأموال ومتى اشتهر فيما بينهم ان معك مإلا يضرك معه سم يئس أولئك وهؤلاء من مكايدتك فنجوت من معر الأعداء ولم يفسد عليك الأولياء فاخضر سما وشيئا آخر شبيها به تسقينه وتسقينى بعده هذا الحجر واخلع على جزاء لصدق دعوى وارتجع الجلعة والصلة منى سرا وخلني أمضى إلى لعنة اللّه وناره الموقدة - فقال له وشمكير كنت تستحق باستخفافك بي وقصدك التمويه على العقوبة والأن فقد استحققت الخير بهذه النصيحة لا الحجر وفعل ذلك ثم صب عليه الخلع واجزل صلاته وجوائزه وصرفه مكرما مبجلا وقد نشر من بعد مماته وقذفته المنون من أفواهها بعد ما ابتلعته -
في ذكر حجر التيس

وهو حجر الترياق الفارسي - وهذا شيء صورته كالبلوطة والبسرة مطأول الشكل مبنى على طبقات كقشور البصل ملتف بعضها فوق بعض يفضى فى وسطه إلى حشيشة خضراء تقوم لها مقام اللب للفواكه وهى قاعدة الطبقات ويدل على كونها واحدة فوق اخرى ويضرب لونها من السواد إلى الخضرة - وحكاك خالصه مع اللبن يميل إلى الحمرة وحكاك غير الخالص المعمول للتمويه باق على الخضرة ويستخرج من بطون إلأوعال الجبلية ووجوده بالاتفاق فى الندرة ويسمى حجر التيس نسبة إلى العنز - ومنهم من يصحفه بما هو اصدق واحق واشرف فيقول حجر البيش اذ كان دافعا لمضرته - وربما قالوا باذ زهر الكباش دفعا إياه عن مذمة التيس إلى مدحة الكبش - وإلاصوب فيه الترياق الفارسي لأنه يجلب من نواحي دارا بجرد - وقد قيل ان الوعل يأكل الحيات كما تأكلها إلايايل ثم ترعى حشائش الجبال فينعقد ذلك فى مصارينه ويستدير ذلك بالتدحرج فيها إذا ترياق فاروق بأقراص إلافاعي طبيعي غير صناعي ويطلى بماء الرازيانج على اللسعات فيزول الوجع من ساعته ويعود لون البشرة إلى حالته - قال أبو الحسن الترنجى - أن حية قتالة لسعت جنديا فى بعض المعارك ولم يحضر رئيسه غير باذ زهر الكباش فسقاه منه في الشراب اقل من قيراط وأطعمه ثوما فما لبث ان تنقط بدنه وبال الدم وتخلص ولقد يخزن فى خزائن الملوك ويقد يغالي في ثمنه ويتنافس فيه ولعمرى انه اشرف ما يخزن فيها من الجواهر لانتفاع الروح به دونها - ويشبه ترياق اللحظة يلتقط من عيون الايايل وهو كالرمض فى مآقيها - وذكر الأخوان ان قيمة الموجود من حجر الكباش من وزن درهم إلى ثلاثين درهما مائة دينار إلى مائتى دينار - وزعم قوم ان هذا الترياق الفارسي يوجد من الوعل فى مرارته كما يوجد جأويزن فى مرارة الثور - قال حمزة - ان جأويزن تعريب كأوزون بالفارسية وهو شيء اصفر كمخة بيضة من وزن دانق إلى اربعة دراهم يكون سيإلا مدحرجا وقت اخراجه من المرارة ثم يجمد إذا أمسك فى الفم ساعة ويصلب ويكون أكثره بأرض الهند ومنه يجلب ويستعمله الناس في الترياق ويزعمون انه يفتح السدد ويذهب بالصفار كما يفعله الترياق الفارسي واللّه اعلم -

في ذكر المومياي
المومياى يماسب العنبر ولبنى من الطيب ويناسب ما نحن فيه بالخزن للعزة وأعانه من انكسر في بدنه عظم - وقد عدد في كتاب إلايين في الأدوية التي كانت في خزائن الاكاسرة مبذولة لمن لا يقدر عليها من المضطرين مفردات ومركبات ومدبرات للتعتيق وغيره - وذكر فيها نوعان من المومياى حار وبارد والبارد منها عجيب فان المومياى صنف من أصناف القير والبرودة في القير غريب والأقاويل فيه كثيرة مختلفة وتقدم أصنافها ليكون معيارا لغيره - وقال صاحب أشكال الأقاليم المومياى بدار ابجرد للسلطان فى غار من جبل عليه حفظة موكلون به وفى السنة وقت معلوم تحضر فيه الحكام وأصحاب البرد وثقات السلطان فيفتحونه وقد اجتمع في نقرة حجر هناك في أسفله قدر رمانة من المومياى فيختم عليها بمشهد من أولئك الأمناء ويرضخ منه كل من حضر بشيء يسير هو الصحيح وما عداه فزور - وبقربه قرية يسمى آببن فينسب اليها ويقال موم آبين - وحمل غيره هذا إلاسم على التشبيه بالشمع اى ان عادته كعادة الشمع في اللين والذوب - وقال السري الموصلي معنى اسمه شمع الماء ولا يدرى أحد من أين يجرى وينبع - وله بفارس بيت مقفل عليه حري عدول يفتحونه كل سنة بأمر السلطان وحضور الشائخ وفى مجرى الماء حوض نصبت عليه مصفاة كالغربال يجرى فيها الماء إلى خارج فيبقى المومياى فيجمد ويؤخذ إلى الخزانة - وقال أبو معاذ الجوى مكاني هو فارسي الجوهر ونوع من القار - وهكذا قال الدمشقي أيضا - وفى كناش الخور - انه يؤتى به من ارض ماه شبه القير وهو صمغ يجرى من حجر بين الجبال واتهم مترجم الكتاب بأن لفظة الصمغ تتجه على ما سال من الشجر نضجا وبالطوع وما كان بالكره يسمى عصارة - وماه عبارة عن ارض الجبل فان الماهين ماه البصرة وهو الدينور وماه الكوفة نهأوند باسم المأسور منها الذي صالح حذيقة عنها والاهواز اقرب إلى كل واحد من فارس والجبل من ان يخفى على الخوز منهما أمر المومياى وما اتصل بنا فيه إلا ما تقدم

وقال حمزة؟ ان بقرية جوران من رستاق قهستان من طسوج كران معدن مومياى وكذلك في قرية كركوكران من هذا الرستاق والطسوج بهينهما وما سمعنا شيئا منه محمولا منهما وكأنه نبطى لاينتفع به إلا أهلي تلك النواحي وقال أبو حنيفة ان النحل يختم على العسل وعلى الفراخ بشمع ويطلى على الختام شيئا اسود جدا حريف الرائحة شبيها بالشمع هو من كبار إلادوية للضرب والجروح وهو عزيز قليل ويسمى بالفارسية مومياى - وان فيما مضى من اسلم من الترك الغزية وخالط المسلمين يصير ترجمانا بين الفريقين حتى إذا اسلم غزا قالوا، صار تركمانا - وقال المسلمون فيه انه صار من جملتهم تركمان اى شبيه الترك - وأتذكر من سباى هرما فى حدود بيكند كان يفد فى كل سنة على خوارز مشاه بتحفة وفيها مومياى من صنعته نباتي وكان دعواه ان جميع ما يركبه من ادويتهم فانه يركبها من الحشائش ويكون ابلغ فضلا واسرع تأثيراً وكان انكسر فى يد رئيس البازياريين رجل بازخاص فغضب عليه خوارزم وأمر بكسر رجله وحضرت فاخرج ومده وضرب الجلاد على ساقه بعارضة كالجذع - فقال احد أضداد المعاقب - اهذى كسر ام غمز، فجرد الجلاد وخاف الإنكار عليه فأخذ يضرب الساق ضربا بلغ من رض القصبة فيها ان اخذ قدم الرجل ووضعه على باطن الركبة - وقال للرجل - يكفى هذا أم أعود وأزيد - فرفع إلى الأمير وندم ورحم وأمر بسقيه من مومياى التركمان فشفى - ورأيته راكبا بعد سنة وبيده الباز وإذا نزل مشى مشيا مضطربا لم يكن يستغني عن التوكئ على عصا - وقالوا في امتحان المومياى أن يحل في دهن خل ويطلى على كبد مشقوق ويسأل بسكين فيكون تمسكها دليلا على الجودة - ومنهم من يكسر رجل دجاجة ثم يوجرها إياها - وكل ما عز وجوده وعز الوصول أليه فان ذلك يكسبه مزية وينبه إلى إخراج ما في قوته إلى الفعل - ومن ذلك دواء مفرد للهند يسمونه شلاجة وقيل شلاجمة وهى سمكة توجد في بحر الهند يعز صيدها فيؤخذ سلاها ويعمل فى برنية ويستعمل للجبر فانه عجيب عجيب - إذا صفى وشمس كان كالغسل الأحمر والأقاويل فيه كثيرة - ومنها انه قيل أن الاوعال في هيجانها إذا وقلت الجبال بالت في نقر منها بالتتابع إذا شمت الرائحة وتسود الشمس لونه وفاح منه رائحة بول البقر - وكان نهض أبو نصر إلى ييرو إلى نهايته فى شغل فكلفه البحث عن هذا الدواء وورد كتابه، اني كنت في قرية من جنوبيات السند فاتاهم قوم يحملون شلاجة فى جرب وتهافت الناس على ابتياعه منهم - وسألتهم عنه فأشاروا إلى جبل على غرب تلك القرية وانهم يقصدون منه مواضع تعتذر على إلانسان رقيها ويطلبونه فوجدوه ملتصقا بالحجر كالصمغ على الشجر - واللّه الموفق -

في ذكر خرز الحيات

هذا يسمى بالفارسية مارمِهْرة ونسبته إلى الحية من جهتين أحداهما النفع من لسعتها إذا حكت بلبن أو خمر وسقى - وفى كتاب الجواهر، ان حجر الحية ينفع الملسوع بتعليقه عليه وربما كان ذها - والأخر انه متولد في الأفعى مستخرجه منها وكان يخزن في أيام الاكاسرة في جملة المغيثات - قال نصر، أن الحوائين يطلبون أفعى خبيثة أكالة للحيات فتكون هذه الخرزة في قفاها بيضاء تضرب إلى اللؤلؤية - ومنها ما تكون سوداء مخالطة للبياض وظهورها لايكون إلا بعد استيفائها من اكل الحيات أربع مائة وأتخيل من كتاي إلايين مثل هذا العدد ولا أتذكره حقيقة - قال، وإذا انعقد فيها أخذوها عن جبينها بحديدتين ويضغطونها حتى تنزعج وتتحرك ثم يشقون جلدها بالمبضع ويعصرونها حتى تبرز ويأخذونها وهى لينه فإذا ضربها الهواء صلبت واستحجرت - وامتحانها إنها إذا حكت على مسح اسود بيضته وهذا التبييض يكون من لين المحكوك مع تفركه وخشونة المسح - ويقال أن الحوائين يعملون ذها الخرز من حجر مريم وانه ايضا يبيض المسح ولكن الشيء الأرضي على الأكثر يجب ان يكون يمايز الحيوان بالثقل - وحدثني إنسان محصل انه كان في مصطبة ببُستَ جارا لحواء يعاشره وانه سمع صياح امرأته بالضرر فبادر أليه ليمنعه فوجده باكيا قد مزق ثيابه - فسأله عن الحال فقال؟ إني كنت أربى أفعى الحيات لينشو فيها مار مهرة واصعد ليلا بسلتها إلى السطح لينال النسيم ولا تختنق إلى تم مرادي بظهور المطلوب وغسلت له البارحة لصيد قوتها وتغافلت الزانية عنها وتركتها حتى أحمتها الشمس وقتلتها وأخرستني مالا بعد أن ضيعت أيامى وسعيي وأراني الأفعى الميتة وفى قفاها خرزتان واللّه الموفق - .

في ذكر الختو
الختو حيوان لكنه مرغوب فيه مخزون وخاصة عند الصين وأتراك المشرق ولبه بالباذ زهر علاقة لأنهم يزعمون في سبب التنافس فيه عرقه من السم إذا قرب منه كما يقال في الطأووس انه يرتعد ويصيح من اقتراب طعام مسموم أليه وكنت سألت الرسل الواردين من قتاى خان عنه فلم أجد عندهم سببا للرغبة فيه غير العرق من السم وانه عظم جبهة ثور - وهكذا ذكر في الكتب بزيادة أن هذا الثور يكون بأرض خرحيز - ونحن نرى له من الغلظ الزائد على عرض إلاصبعين ما يكاد يستحيل معه ان يكون عظم جبهة مع صغر جثة ثيران الترك ويصير القرن أولى به ولو صدق ما قيل لكان جلبه إلى الأوعال من حرحيز أولى به لأنهم أليه أقرب ولم يجلب من العراق وخراسان - وقد قيل فيه أيضا انه جبهة كركدن مائي ويسمى فيلا مائيا وفي نقوشه الفرندية مشابهة للب ناب السمك الذي تجلبه البلغارية إلى خوارزم من بحر الشمال المتسعب من المحيط ويكون قدر الذراع وارجح قليلا واللب في وسطه بالطول ويعرف بجوهر السن - وكان أحد الخوارزمية الفي منه ما حوله من الأبيض اليقق ونحت من الجوهر الخالص نصب سكاكين وخناجر ونقوشه دقاق كائنة من ابيض من آخر مشوب بقليل صفرة أشبه شيء بلب شعائر القثاء عند عنفوان مجيئه إذا شق بطوله حتى انقطع البزر وانه حمله إلى مكة على إنها ختو ابيض وباعها من المصريين بمال عظيم - ونحاتة الختو إذا وقعت في النار سطعت منها كسهوكة السمك فيدل على مائيته ويذكرون ان دخانه ينفع من البواسير كما ينفعها التدخن بعظام السمك - ثم يذكر فيه أيضا ما يؤيس عن الإحاطة بحقيقة أمره وهو انهم يقولون انه عظم جبهة طائر عظيم جدا إذا سقط في بعض الجزائر وتناثر لحمه واخذوا جبهته وحكى أحد من رافق قوما من برارى الصين ان الشمس أظلمت عليهم بغتة فنزلوا عن دوابهم وسجدوا - قال ففعلت كفعلهم ولم يرفعوا رؤوسهم الا بانجلاء الظلمة - وسألتهم عن ذلك - فأشاروا إلى اللّه تعالى عن صفات الجهال به وعمن وصفه بصورة طائر - فلو ذكروا بدل اسمه سبحانه ملائكة أو شياطين لكانوا عن السخف ابعد وإلى مغزاهم اقرب - فانهم زعموا انه طائر على غاية العظم يسكن برارى غير مسكونة وراء البحر من الصين والزنج يتغذى بالفيلة المتوحشة التي لا تؤاتي للتأديب يلتهمها كالتقاط الديكة حبات الحنطة وان اسمه بلغتهم ختو تعظيما منهم له كتعظيمهم ملوكهم بسمة خان وازدواج الملوك بخاتون - وهذا الختو قرنه إذا وجد ولذلك يكون العثور عليه في الاحقاب والدهور وبركوب الغرر في قطع البحر إلى ما وراءه ولذها يعز بين الناس

وقال الأخوان - خيره المعقرب الضارب من الصفرة إلى الحمرة ثم الكافورى ثم الأبيض ثم المشمشى ثم الضارب إلى الكهوبة ثم خرد ندانه الشبيه بالعظم وآخرها الفلفلى - وهذه الصفات تتعلق بالالوان والنقوش - قالا - وقيمة الكافورى تقارب فيه العقربى وقيمة العقربى الغاية إذا ما اتزن مائة درهم مائة دينار ثم ينحط إلى الدينار ثم ينحط إلى الدينار من غير وزن - واعظم ما رأينا وزن مائة وخمسين درهما قوم بمائتى دينار - وكان للأمير أبى جعفر بن بانودرج كبير كالصندوق من الواح الختو الطوال العراض الغلاظ وكان يباهى به - وكان للأمير يمين الدولة من مثله دواة من حقها ان تسمى جلابة الممالك لأنها ميمونة مباركة عليه وبلغ من شؤمها على غيره انه أهداها إلى عدة ملوك كالأمير خلف وأبى العباس خوارزم شاه فما استقرت في خزائنهم حتى ردفها وملكهم بممالكهم وارتجع الدواة من خزائنهم -

في ذكر الكهربا

إنما أوردت ذكر الكهربا لان أتراك الشرق يرغبن منه فيما عظم حجمه وحسن لونه ويخزنزنه خزن الحتو ويؤثرون الرومى منه لصفائه ةاشراق صفرته ولا يلتفتون إلى الصيني الذي يكون عندهم لتخلفه عن الرومي فيما ذكرت ولا يذكرون لسبب الرغبة فيه سوى دفع مضرة عين العائن واسمه ينبئ عن فعله لأنه يسلب التبن بجذبه إلى نفسه والريشة وربما رفع التراب معهما بالمجاورة وذلك بعد الحك على شعر الرأس حتى بحمى فحينئذ يجذب جذب البيجاذى - واسمه بالرومية ألقطرون وأيضا أذ ميطوس وبالسريانية دقنا وأيضا حيانوفرا - وزعم حمزة، ان الكهربا نوع من الخرز يطفو على بحر المغرب وبحر طبرستان ولا يعرف معدنه - وليس كما قال أيضا وكأنهما لم يريا فيه الحشيش والبق والذباب على مثل ما يكون في السندروس الذي هو صمغ الكهربا وإنما يختلفان بالخفة والثقل فان قياس وزن الكهربا بالقطب وهو أحد وعشرون وربع وسدس - وبالبحرين اللذين يقعان فيه فان أحدهما بحر الزنج في جانب الحر والآخر بحر الصقالبة الكائن في جانب البرد - ثم ان الكهربا ليس بخرز وأنها قطع تحك منها خرز وغيرها فالقطع له جنس والمنحوتات منه أنواعه فان تركت على لونه والا حمرت بالغلى في ماء الشب فة قدر نحاس ثم الغلى في ماء البقم في برمة إلى الصخرة فصار الأحمر والأصفر أشخاصا لتلك الأنواع وطفؤ خرز لكهربا يعم البحار بل جميع المياه فنخصيص السرى ذاتك البحرين لايتجه على الطفوء بل على الوجود وبحر طبرستان عنه عرى برئ وأنا اظن بحر المغرب منه كذلك ان كان يعنى به بحر المحيط أو بحر الشام - ثم كيف يعرف له معدن وليس بمعدنى كما لا يعرف له جناح وليس بطائر - وقال أبو زيد الارجاني انه صمغ يشبه السندروس صافي المكسر بين الصفرة والبياض وربما ضرب إلى الحمرة مسيخ الطعم يابس متفرك والضارب منه إلى البياض هو اردأه وربما أزال البياض شفافه وكدر صفاءه - والضارب إلى الحمرة هو المشبع اللون التام الصفاء - فاما ماذكر من طعمه فهو لتحجره وكونه من جملة الأحجار وليس يكسبه السحق طعما والمستحجر لامحالة يابس وبالطرق وبالصدمات منكسر لاينفرك فان التفرك لما تهيأ بالاصابع والكف دون الآلة - وقال الكندى، الكاهربا صمغة كالسندروس من شجرة تنبت ببلاد الصقالبة على شاطئ نهر كل ما سقط منها في الماء انعقد وجرى إلى البحر والقته الأمواج على الساحل وما وقع على الأرض لم ينعقد - قال بولس - هو صمغ الحوز الرومى يسيل منها ويجمد - ولم يفرق بين الواقع على الأرض والواقع في الماء - وظنه قوم بالتصحيف جوازا وليس به بدليل انه ذكر في دهنه انه يعمل في الربيع عند تكاثر الدهن في الحوز الرومى فانه حينئذ يرض ويشمس في زيت أو يغلى ثلاث ساعات ثم يصفي - ثم ذكر دهن الجوز واللوز بعد ذلك على حدة - وكذلك نقله لنا قلس من السريانى إلى العربى في حرف الحاء لافي الجيم - وأورده الرازى في الحاء حاكيا عن ديسقوريدس منافع نوره وثمره وورقه وعصارته والرومى منه - ثم قال، يقال ان الكهربا شبيه القوة بقوة زهرها ولئن كان الكهربا يسيل فانه لم يذكر في عمله شرط الشجرة وأخبر من تردد سفالة الزنج وجزائرهم - ان شجرة السندروس تشدخ وتترك يسيل منها ويجمد أولا فأولا - ولهذا يوجد فيه ما وقع عليه من حيوان وغيره وانهما نوعان أحدهما الموجود في بلادنا والآخر اجود منه وأعز والفرق بينهما ان هذا المستعمل يترفع في النار وينقبض إذا قرب منها وذلك الاعز يسترخى ويتمدد كالعلك - وصورة قطاعه تدل على انه يفرش على الأرض فيمد عليها كما يفعل ذلك الصمغ العربي تحت شجرة أم غيلان - فلو كان جموده على الشجر لكان كالكثيراء في تموّجه باعتراض وتعقد بالطول - والسندروس بالهندية مريمدهون -

في ذكر المغناطيس

المغناطيس يشاركه في الجذب ويفضله بمنافع كثيرة عند بقاء المنصول في الجروح ورؤس المباضع في العروق واعتقال البطون بالبراية المسقية - وهذا الاسم له رومي ويسمى به ارميطيقون وأيضا ابر قليتا وبالسريانية كيفا شفت فرزلا وبالفارسية آهن رباى أي سالب الحديد وبالهندية كدهك وأيضا هرباج وكانه منقول من آهن رباى فان لحرفي الجيم والياء في اكثر اللغات اشتراكابه يتبادلان وقال ديسقوريدس، ان اجوده اللازوردى وإذا احرق صار شاذنه ولا رأينا هذا اللون فيه ولا سمعنا به - وفي كتاب مجهول ان اجوده الأسود المشرب حمرة ثم الحديدي اللون - وقالوا، ان أغزر معادنه وأجود أجناسه يكون بنواحى زبطرة من حدود الروم على انه قيا في سبب خرز السفن بالليف في البحر الأخضر وسمرها بالحديد في بحر الروم ان كثرة المغناطيس في الجبال التي في هذا البحر تحت الماء بحيث تكون المراكب منها على خطر وعدمه في ذلك وهو تخريج غير وثيق فان السفن المخروزة لا تخلو من الاناجر وآلات الحديد من المحمول بضائع وخاصة النصول الهندية - وبالقرب من زابلستان معادن الذهب من الأحجار ومن الآبار المسماة زروان بجنب قرية خشباجى تطيف بها جبال فيها معادن فضة ونحاس وحديد واسرب ويوجد فيها المغناطيس صخورا يضعف منها جذب ما كان منها للشمس ضاحيا ويقوى ما كان في العمق لراسبا وكنت انا قد وجهت أليها من يطلب قطعة قوية الفعل نافذة القوة فزعم أنها تنتهي إلى وجه الجبل في سفوح جبل شركان يجذب أليه المنقار الذي في يده ولم ينقص وزن المنقار من الأربعة أرطال ولا محالة أن الجاذب كان وراء ذلك الوجه فلو أزيل ذلك الحجاب عنه لتضاعف جذبه لأضعاف ذلك الحديد لان القوة التابعة للعظم ان لم يلحقها تقصير أو عائق

وقال جابر بن حيان في كتاب الرحمة، انه كان عندنا مغناطيس يرفع وزن مائة درهم من الحديد ثم انه لم يرفع بعد مضى زمان عليه وزن ثمانين درهما ووزنه على حاله لم ينقص شيئا وإنما النقصان وقع في قوته وهذا موافق لمإذا ذكرنا من حف البارزمنه للشمس والهواء - وذكر أيضا ان وجد منه ثلاثون أستارا مجذب وزن ستمائة درهم حديد والثرثون أستارا تكون مائة وثلاثين درهما فيكون جذبه لثلاثة امثال نفسه وثلث المثل وذلك نادر عجيب - وكان ورقك المحبوسى عمل عمل الإسراف في معادن الذهب بخشباجى فوجد مغناطيسا لم يشابه أنواعه في السواد والكمودة وإنما شابه لونه ألوانه وأنواعه مرآة الحديد المجلوة حتى مالت الظنون فيه انه حديد - واتزن منه تسعة دراهم وجذب مثل وزنه حديدا - قال جالينوس هو في معدنه اقوى من الحديد ويتشابهون في المنظر وهو يجذب الحديد والجديد لا يجذبه ويحتاج في تمييزه ما ذكر إلى فطنة ودرية بسوء الظن - وذكر انه جذبه الحديد يضعف بالثوم والبصل إذا دلك بهما وانه يعود إلى فعله ويقوى إذا نقع في الخل أياما وقيل أيضا في دم التيس - والجذب والانجذاب يوجد في أشياء كثيرة سواهما فالنفط يجذب النار إلى نفسه والحجر الزيتونى يجذب الزيت أليه وبه سمى وحجر الخل الخل وحجر الحبن الماء من بطون المستسقين وكل هذه مشهرة وان لم نشاهدها نحن - وطاف ابريسم المطبوخ إذا خلى فدلى بالقرب من الثياب انجذب أليها بل شعر السناتير إذا أمر اليد على ظهورها ثم وقعت عنها قليلا وأقرت فوقها متجافية فان الشعر يرتفع قائما نحو الكف - وحكى لى بعض أليهود الربانية انه راى مع يهودي آخر حجرا يجذب الذهب إلى نفسه وانه سأومه بخمسين دينارا فتابى عليه - وهذا ان صدق الحاكى كان يسأوى مالا خطيرا ويغنى الصيارفة عن اخراج الزغل من دقاق الذهب الترابى بمغناطيس مطأول غلى هيئة الأصبع يسوطونه فيها ويخضخضونه بينها فيما تصق الزغل به وهو رمل ثقيل اسود يكون مع ذلك الذهب ولا يكاد الغسل ينقيه فيخلصونه بالمغناطيس - ويدل هذا على حديدية في حجر يسمى عورسنك لان هذا الرمل الأسود هو نحاتته - بل هو يدل على أن باقي المال في حباتها السود هو من مثل ذلك الجنس لان المغناطيس يميزها عن سائرها ويباع الأسود المميز من الصاغة لأعمالهم - وقال صاحب كتاب النخب، المغناطيس مهما دلك بالزيت يفر منه الحديد وهرب إلى الوراء - وحمل إلى من بخارا قطعة من المغناطيس قوية الجذب أليها من جميع نواحيها الانقطة فيها كالركن أو الزأوية فأنها كانت تدفع الحديد عن نفسها - بل اعجب منه ان أحد الصناع كان يعمل بين يدي وآلات حفره ونحته من حديد فولاذ مصقولة الأطراف للاعتمال وكنت أضعها على شيء مقبب يسهل عليه تحركها ثم اقرب بعضها من عض فاجد فيها جاذبا غيره ما جمع الجذب والدفع في قطعة وأحدة انسانا -

في ذكر الخماهن والكرك
هذا أن حجر أن لا يكاد يكون لها قيمة الا كقيمة الخرزلولا مناكدة الشيعة نواصبهم في التختم بأبيضها ونواصبهم بأسودها للتمايز كتمايز الجيل عن جنبتي اسبيذروذ بذكر العلم الأسود والعلم الأبيض مكان العقيدة والمذهب - وقد كنت اجمع بين هذين الفصين في زوج خاتم كيادا للفريقين معا - واما الخماهن فأجوده الزنجي المتناهي السواد والصقالة الموهمة بياضا على وجهه بالخيال ويستعمله أصحاب المصاحف فلى جلاء ذهبها - قال الشاعر في تشبيه التوث الشامي به -
كأنما التوث على أطباقه ... خماهن بعندهم منقط
قال أصحاب أشكال الأقاليم؟ ان معدنه في جبل مقطم ونواحيه بأرض مصر فان كان كذلك فانه لم ينسب الزنج إلا للونه - وذكر حمزة في الجواهر همانا وانه غرب على الخماناخ وأظن انه عنى الخماهن وعوز سنك يحاكيه في السواد والرزانة ويستعمله المذهبون بدل الخماهن عند عوزهوبزرويان منه صخور كبار وتسميها العرب المعز وأينما وجد من ظهر الأرض وبطنه كان علامة لوجود الذهب ونظن به أن الخماهن لمشابهته الزنجي في اللون والثقل - وجلاءه بالسنباذج المحرق فان غير المحرق لا يجلو الخماهن - وحجر العوز المساوي لحجم القطب يزن مائة وثلاث وثلاثة أرباع

وأما الكرك فانه حجر أبيض شديد البياض قابل لشيء من الجلاء - وفي كتاب الأحجار ان معدنه بأرض المشرق ويحسن من الكرك الأبيض ومن قيض بيض النعام ومن قطاع الحلزون الأبيض الجصلي ومن خزف حيوانت بحرية شيء كأصناف البنادق مصمته وهى من انواع الودع حركة مإذا وضعت على صلاية في نصبها شيء من الانحراف عن الاستواء وصب على وجهها جل حاذق تحرك وان لم اقطع على تلك الحركة أهي من أم هي إلى ولم أشاهد الحجر الباغض للخل ولكنه يقال انه لا ينزل في نيه على استقامة الشاقول إذا كان تحتها آنية فيها خل وإنما يحرك منحرفا ولجانب الخل مجانبا - فلنذكر الآن أحجارا معروفة الأسماء وبعضها مجهولة الأنية والذات -

في ذكر الشاذنج
قال جالينوس شاذنة لحمرة حكاها على المسن حجر الدم كما سمى غيرها حجرا عليا وحجر البنيا بسبب حكاكتهما - ولعطارد بن محمد الحاسب كتاب سماه منافع الأحجار اكثر فيه من هذا الباب إلا أنه خلطه بمثل العزائم الرق فاسترذل كما رفض السغد في الخرز وحكاكها قالوا في كتاب لهم سمى توبو ستة ان الذي حكاكته اصفر هو حرز من المؤذيات يفرح القلب والأحمر محسن للأعمال والكراثى للتهييج والعطف والأسود سم من حقه ان يبعدوقالوا فيما يخالف لون الخرزة لون حكاكها ان الحجر إذا ابيضت حكاكته فهو معين على القوة في الصناعات وقامع من أذى الأسلحة ومانع للجراح من التقيح - وإذا اشهاب الحكاك فرج الهموم وان اخضر ازال الخوف آمن - والحجر الأبيض إذا كان فيه عروق من اي لون كان نفع إمساكه في الفم من القلاع والضرس - وقال أهل زوريان في حجر العوز المضاهى للخماهن انه يحك بماء على حجر آخر قان احمر الماء استعمل سحيقه في تطويل الشعر وان اسود استعمل في من أراد تثقيل نومه في الشرب وان لم يتغير استعمله حينئذ في التذهيب والله الموفق -
في ذكر حجر الحلق
قيل انه أصيب لبختيشوع حجر في درج مختوم فسئل بسيل غلامه عنه فأجاب، بأني لا أخبر به حتى يضمن لي أمير المؤمنين أن ينفذني إلى مملكة الروم فلا حاجة لى إلى العراق بعد صاحبي - فحلف له المتوكل انه يرسله إلى هناك فقال هذا حجر الحلق يحلق به الشعر إذا مسه فيغنى عن النورة - وجربوه على الساعد فلم يترك فيه شعرة ففرح المتوكل به وبذرق الغلام إلى الروم - فقال، إذا وفي لي سيدي بما ضمن فان هذا الحجر يحتاج إلى ان يطرح كل سنة في دم التيس حار ليحتد - فلما حال الحول فعلو به ذلك فبطل فعل الحجر أصلا - وحكى السلامي عن احمد بن الوليد الفارسي ان الدنبال، جنس من الهنود السود يبذرقون السفن في البحر ولهم حجر فيه ثقب صغار يمرون به على أبدانهم فيقوم مقام النورة في قلع الشعر عن أصولها - واللّه الموفق -
في ذكر الحجر الجالب للمطر
قال الرازي في كتاب الخواص ان بارض الترك بين خرلخ والبجناك عقبة إذا مر عليها جيش أو قطيع عند شد على الاظلاف والحوافر منها صوف ويرفق بها في السير لئلا تصطك أحجارها فيثور ضباب مظلم ويسيل مطر جود وبهذه الأحجار يجلبون المطر إذا ارادوه - بان يدخل الرجل الماء ويأخذ من احجار تلك العقبة حجرا في فمه ويحرك يده فيجيء المطر - وليس ابن زكريا يختص بهذه الحكاية إنما هي كالشيء الذي لا يختلف فيه - وفي كتاب النخب ان حجر المطر في مفازة وراء وادى الخرلخ اسود مشرب قليل الحمرة ويتروح مثل هذه الأشياء إذا كانت الحكاية من ممالك متباينة تقل لمخالطة بين أهأليها والخرلخ في زماننا في ما ذكروا أثر وبينها وبين البجناكية عرض الأرض وبعد ما بين المشرق والمغرب

وكان حمل إلى أحد الأتراك منها شيئا ظن أنى أتبجج بها أو اقبلها ولا أناقش فيها فقلت له، جئني بها مطرا في غير أوانه أو في أوقات مختلفة بارادتى وان كان في أوانه حتى آخذها منك وأوصلك إلى ماتؤمله ملى وأزيد - ففعل ما حكيت من غمس الأحجار في الماء ورمى نقيعها إلى السماء مع همهمة وصياح ولم ينفذ له من المطر ولا قطر سوى الماء المرمى لما نزل - وأعجب من ذلك أن الحديث به يستفيض وفي طباع الخاصة فضلا عن العامة منطبع يلاحون فيه من غير تحقق - ولهذا اخذ بعض من حضر يذب عنه ويحمل الأمر فيه على اختلاف أحوال البقاع وان هذه الأحجار إنما تنجب في ارض الأتراك ويحتج بما يذكر أن في جبال طبرستان إذا دق ثوم في ذراها تبعه مطر من ساعته وانه إذا كثر فيها إراقة الدماء من أنس أو بها ثم جاء مطر بعقبها يغسل الأرض منها ويحمل الجيف منها وجهه - وان ارض مصر لا تمطر بعلاج أو غيره فقلت لهم - النظر في هذا من أوضاع الجبال ومهاب الرياح وممار السحاب من عند البحار - وفيما ذكر من طبرستان نظر ولا ينفك من مثل هذا مالا أطبق عليه قوم متعاقلون من حياض ونقائع إذا مستهم نجاسة جنب أو حائض ثار الهواء بالصيق والضباب والثلج وهذه كلها تكون في جبال ومواضع قلما تخلو وقتا من الآاثار وخاصة في أحايينها ثم لا يحتشمون عن نسبتها في أوانها إلى ما ذكروا ومنها مستنقع على عقبة تدعى غوركبين بغلان وبروان يبنون الحكم على ما حكيناه - وهذه العقية كثيرة الامطار في الصيف والثلوج في الشتاء شديدة التغاير في الهواء وكم مرة اجتزنا عليها في العسالكر الضخمة ونزلنا عليها وعلى ذلك الماء واكثر الأوباش في العلانة وتباع العساكر لايعرفون للطهارة اسما فضلا عن استعمالها وفيهم افواج من القحاب النجسات على مثل تلك الحال ولابد ان كان فيهن عدة جمعن بين الحيض إلى الجنابة والجميع يستسقون من ذلك ويسمونه ثم لا يتفق مما ذكروا شيء في الحال ولا قبله ولا بعيده - بل ربما اضيف إلى بعض الأحجار خواص أظن في سببها قصد المخترع لخبرها اأن يقيها وينقى الطريق منها كالحجرين الأبيضين في موضع بجند آل كرام على مرحلتين من كابل نحو ارض الهند وهما على المرتقى من واد ذي قصباء وبردى وقد أشاع في العامة من رام خلاء الطريق عنهما ان من شرب من نحاتة أكبرهما وسقى امرأته من جرادته شيئا صار مذكارين ومن أصغرهما مثناثين - فلا ترى أحد يمر عليه من السابلة إلا ومعه سكين ينحت لنفسه وبضاعة مزجاة لزوجته وان دام ذلك فينا في آخره - ومثله حجر ابيض على جبل يعرف برأس الثور عن قريب من مرحلتين من ملطية يحمل غزاة الجزيرة نحاتته إلى أزواجهم لتحبّنهم ولا يستبدلن بهم - قال الشاعر -
وما الحجر الثأوى يعرفه بالذي ... يرد على النوكى قلوب الفوارك
في ذكر حجر البرَد
قال حمزة. الحجارة الدافعة البرد كانت تسمى في أيام الاكاسرة سنك مهرة قال، وبقى من هذا الحجر وأحد بقرية رويدشت من قرى قاسان بناحية اصبهان فكلما اضلتهم سحابة فيها براد لبرزوه وعلقوه على شرفة من سور المدينة أو الحصن فتنقطع تلك السحابة وتتبدد - وقد كثرت الأقاويل من الأوائل في ذلك في كتب الفلاحة في ذكر دفع سحاب البرد من بروز عذراء متجردة من ثيابها مع ديك ابيض ومن دفن سلحفاة في الكوم مستلقية وأمثال ذلك مما الركاكة فيها ظاهرة ولا ياتجأ منها الا غير الخاصية المقني عليها من الوجود وكذلك في الاستقراء وذلك ملاذ المضطر المطالب بالعلة الهارب من وجه البرهان والهند اعرق في هذا الباب لفرط تعويلهم على الرقى والعظائم وتسخير البراهمة أياهم فيرزقون من غلات القرى بعلة دفع البرد عنهم - وإنما سهل هذا التمويه من جهة عسر امتحان صدقه وكذبه وذلك ان سحاب البرد لا يعم اليقعة كما يعم سحاب المطر الهادئ ويكون في اكثر الأحوال شديد التراكم اسود اللون منقطعا سريع المرور لمغالبة الريح إياه فان سال مطره عظم قطره وان جمد قطره في ظله بعد الانفصال صار بردا - فربما أتى شقا من الزرعة فأتى عليه وسلم شق فيتعلقون في دعواهم بالسالم ويقيمون العلل للهالك كتعجبهم لإصابة المنجم مرة في العمر وتناسيهم خطاياه في كل دقيقة من ساعة - وليس في الهند القرويين من يطالبهم بشرائط الامتحان الذي متبين في الأثر عن وقوعه باتفاق ومن المخزونات ما هو مسبوك من الأحجار وأولها الزجاج وسنذكره

في ذكر الزجاج
وقد ذكر الله تعالى في كتابه وعنى أشف أنواعه واصفاه في قوله تعالى(مثلُ نوره كمشكاة فيها مصباح المصباحُ في زُجاجة الزجاجةُ كأنَّها كوكب دُرىٌّ) وقوله تعالى(فلما رأته حسبته لُجَّة وكشفت عن ساقيها قال انه صَرح ممرَّد من قوارير) وقد قالوا، انه أول زجاج ظهر في الدنيا ونسبوا عمله إلى الشياطين - وأرخ الفرس أول ظهوره بأيام افريدون - وهو بالرومية ايوى لوسيس وبالسريانية زغزوغتا وكأن الزجاج معربة وهو مسبوك من الحجر المعروف لعمله أو من رمل يجتمع مع القلى ويدام أيقاد النار عليه أياما يجتمع بكثرتها ويتصفي ويزداد صلابة وأظن ليس بالمحقق ان في حبات الرمل جواهر شتى إذا تأملت رأيت فيها الأسود والأحمر والأبيض والمشف البلورى وانه من بينها هو المنسبك بمعونة القلى ثم يتميز منه سائره ويتلاشى بطول مدة الإذابة فيتصفي ورغوته تسمى مسحوقونيا وهى بيضاء منصفحة يسرع انكسارها وتذوب في الفم ويقال لها زبد الزجاج وماءه وماء القوارير - وقال صهار بخت، هو طلى الغضارات المصرية وليس ذلك بممتنع - ووزن الشامي منه الصافي الغليظ بالقياس إلى القطب اثنان وستون وثلثان وثمن - وقد يتلون الزجاج في الذوب بصنوف ألوان منها ما يبقى معه فيضم كالسواد والبياض وما استولى فيه البياض كالفيروزجية وليس يتخلف مجرده المجرود عن البلور في الصفاء إذا نقى من النمش والنفاخات الإبر خاوه الجوهر والذلة بالكثرة - والمقصود من أوانيه هو الشفاف الصادق ليرى من خارجها ما في أفواجها قال بكير السامى -
إذا الذهب الابريز اخفي شرابنا ... وفيه عيوب فالزجاجة افضل
وقال السرى -
انَّم استودعه من زجاجة ... ترى الشيء فيه ظاهرا وهو باطن
وقال أيضا -
سرىّ إليك كأسرار الزجاجة لا ... يخفي على ناظريها الصفو والكدر
وقد تقدم في القوارير الفضية ان المراد بها خواص القوارير دون خواص الفضة وان لا مدخل للفضة فيها إلا من جهة التعارف ووقوع بياضها على العديم اللون دون الأبيض اللبني كما ان الشعراء قصدوا في صفة الكؤوس بالبياض صفاءها ثم تجاوزوه إلى اللؤلؤ وقشوره فبعدوا عن المقصود في ظاهر اللفظ وعن فضيلة الشفاف في الاقداح - فإذا تشابهت الدرر لم ير ما وراءها الا ان يطلع عليها مطلع من فوقها فترى الخمر منها في سوى الحجم وتبطل به تشبيهاتهم وصفتهم شعاعها ولونها وحبابها إذا غارة في جوف الدرة عن الاعين سوء البصير فيها والضرير - قال علي بن عيسى صاحب التفسير وأتبعه فيه أبو محمد السوقا باذى ان الفضة الشفافة كالبلورة أفضل من الياقوت والدر وهما افضل من الذهب فتلك الفضة افضل من الذهب - وهذا كلام خطبى خال عن محصول له لا في الوجود ولا في الوهم - اذ لا يكاد يتصور غير ما شوهد له في الوجود نظير إما لكله وإما لأجزائه في حالات مختلفة - ثم يتمكن الوهم من جميعها وتركيبها وان استحال وجود ذلك التركيب في المعهود - وكل ابيض نقى براق فانه يشبه الفضة ولم يشاهد قط ابيض شفاف ولن يوجد في اللبن إلا بعد التجبن وتفصيل الأبيض منه واما المتعارف في هذا الأبيض على الذي عدمه وعدم سائر الألوان - قال عنترة -
جادت عليه كل بكر ثرة ... فتركن كل قرارة كالدرهم
ولم يعن أن وسمها كالدرهم فان الجود يفيض ويسبل ولا ذهب إلى استدارة الدرهم وإنما قصد الصفة بالنقاء والصفاء فشبهها بالفضة وعبر عنها بالدرهم لأنه منها يعمل وعلى مثله جمعهم بياض المرجان إلى ضفاء الياقوت دون حمرته المقصودة في هذا التشبيه فلقد يوجد ما هو اصفي من الياقوت مثل البلور والزجاج - وإنما الغرض في ذكره هو التركيب من حمرة الياقوت وبياض المرجان وخلو البياض عن الحمرة غير مستحسن في أبشار البشر ولأجله قالوا(الحسن احمر) قال بشار -
فخذي ملابس زينة ... ومصبغات هن أفخر
وإذا دخلتي تقنعي ... بالحسن ان الحسن احمر
وقال -
هجان عليها حمرة في بياضها ... تروق بها العينين والحسن احمر

قال ديسقورديس، بفلسطين نبات يسمى حشيشة الزجاج لأنها تجلوا الأوساخ التي فيه إذا خضخضت بالماء في جوفه - قال حمزة - ان بقرية فهرود من قرى قاشان باصبهان نباتا ينبسط على الأرض ثم يستحجر زجاجا ابيض صافيا براقا حمل أليه منه قطاع وذكر انها كانت متشكلة على هيآت ضروب من النبات ويستعمله أهل تلك النواحي في ألوان من الدوية ولم يشر إلى شيء منها وعلى غرابة ذلك لا يستبدعه من أحاط بأمر البسذ علما -

في ذكر المينا
المينا نوع من الزجاج ولكنه أرخى واثقل بحسب رجحان الأسرب في الثقل وله خلط يسميه مزاولوه أصلا فمنهم من يركبه من المروة وهى الأحجار البيض الشديدة البياض التي تنقدح منها نار وتلقط من الشعوب والأودية إذا أعوزت أقيم بدلها أحجار الزنود بعد السحق البليغ ومن الاسرنج وربما سمى سنخا وليس الاكلس الاسرب بالإحراق محمر بالتشوية مع الكبريت وكل وأحد منه ومن المروة يخلص بالماء فينتهي كأنه لا جزء له ومنه ما يخلط بالمروة مثلها سحيق البلور ويحمل عليها مثل ثلثيها بدل الاسرنج كلس الرصاص القلعى ويلقى عليها مثل الربع وهذا يوجب له الخفة كما ألزمه الاسرنج الثقل بحسب ما بين الاسرب والرصاص من الثقل والخفة وسيجئ لمقدارهما في المقالة الثانية وتحصل فيه الزجاجة من الحصى كما يحصل من الرمل في الزجاج والنطرون وما جانسه من انواع البورق والتنكار معين اياه على سرعة الذوبان - ومن البوارق يحصل على البواطق زجاج اخضر ويسمون هذا أصلا لأنه يقبل الألوان وهذا بذاته ينسبك في نافخ نفسه أو في أتون الزجاجين - ووزنه بالقياس إلى القطب الأكهب تسعة وتسعين وثلث - ومنهم من يبدل الاسرنج بالمر داسنج لأنه من الاسرب المحرق أيضا الا انه أخبث - ومن قواعدهم في الألوان ان الصفرة من الاسرنج أو المر داسنج وربما ذكروا فيها زعفران الحديد وهو صدأه - وان الخضرة من النحاس إما محر قار وسختج وإما قشورا توبالا وإما زنجارا - وان الحمرة للشبه المحرق والسواد لتوبال الحديد والخمرية للمغنيسيا والبياض للاسفيذاج الذي هو رصاص محرق والياقوتية للذهب المحرق والبنفسجية للازورد والعقيق على ان الشفاف ليس فيه اللامع الصفرة والخضرة ثم يعدم مع الحمرة والبياض والسواد - ولهم في تركيب الاصل ومقادير الملونات طرق واقأويل كثيرة وليس يصح منها شيء الا بمشاهدة أعمال المبرزين منهم مع تولى ذلك ومزأولته بالتجارب في التركيب والزجاج والمينا وعمل القصاع متقارب وتتشارك في عقاقير التلوين وطرقه -
ذكر القصاع الصينية
قد يعمل ها هنا من المروة المخلصة المذكورة في المينا بخلط من الأطيان إلا إنها نبطية هجينة غير صريحة وسمعت في الصينية الخالصة انهم إذا أنعموا تهبئة المروة والتي لهم منه افضل مما لغيرهم وقد وصفوها بشفاف كشفاف البلور طرحوها في أوعية معمولة من جلود الجواميس وأخذ الفعلة دوسها بالأرجل وهى رطبة كل وأحد مدة معلومة ثم ينقلها عند تمام المدة إلى آلة صاحبه الذي يليه فيأخذ هو في مثله وتدور النوبه بالعمل والراحة فيما بينهم والغرض فيها اأن لا تتعطل لحظة من الدوس فأنها تجمد وتفسد - وهكذا إلى ان تدرك كما يراد لزجا متمددا كالعجين وتعجن بكلس الرصاص القلعى المحرق - وربما يعمل منه القصاع فإذا يبست أشرب ظواهرها وبواطنها بذلك الكلس ثم ادخلت الأتون - وذكر وينال الصابئ، ان ذهه القصاع ريتفع الفائق منها من بلد ينكجوه من بلدانهم وزاد بعض المخبرين عنها انه ذاا بلغ غايته ادخلوه في حياض ويديمون تحريكه بالأقدام من عشربن سنة إلى مائة وخمسين يتوارثونه وربما مكث أربعمائة سنة - وانها تكون كالزجاج إذا انكسرت ذوبوها وأعادوا صنعتها - قال الأخوان؟ خير الغضائر الصينية المشمشية اللون الرقيقة الجرم تاصافية ذات الطين الحاد الممتد بالنقر ثم الرندى ثم الملمع - وربما بلغت قيمة الوأحد منها عشرة دنانير وكان لى بالرى صديق من الباعة اصبهانى أضافنى في دجاره فرأيت جميع ما فيها من القصاع والاسكرجات والنوفلات والاطباق والاكواز والمشارب حتى الاباريق والطوس والمحارض والمنارات والمسارج وسائر الادوات كلها من خزف صينى فتعجبت من همته في ذلك في التجمل -
في ذكر الأذْرَك

قال صاحب كتاب النخب ان الاذرك حجر شريف من سبوك الاسكندرانيين قديم نفيس يجرى مجرى الياقوت في النفاسة - قال الكندى الزجاج المصبوغ المسبوك الاذرك العقيق الأحمر الرمانى كالياقوت الأحمر في لونه ويبلغ ثمن القطعة منه الف دينار اذ ليس يمكن عمله اليوم وقد جهدوا في ذلك للمتوكل على ما ذكر الكندى فجاءهم شيء شبيه بالوردى وانا أظن ان الذي كنا ذكرناه في هدايا الكعبة من القارورات الياقوتية إنما كانت من اذرك - وقال غيره فيما ذكر من اجتهادهم انهم أخذوا زرنيخا اصفر واحمر جزءا جزءا وزاجا كرمانيا ربع جزء ورمل الزجاج المصرى جزء وسحقوهما نعما وسقوهما خلا باللت مرات ثم أودعوهما فخارة مطينة واستوثقوا من رأسها ودفنوها في جمر السرقين في التنور المسجور وطينوا رأسه وتركوه ليلة ثم استخرجوها وذكر قوم انهم سبكوا من الرمل والقلى جزءا جزءا وجملوا عليه لكل وأحد من مائة وعشرين وأحدا من نحاس محرق فجاء اخضر - وقيل في الكتب المجهولة؟ خذ قطعة كبيرة من زرنيخ احمر جيد صلب ورببه ببول البقر ثلاثة اسابيع ثم أنقله إلى طهرجهارة موضوعة على رماد سخن وصب عليه اسربا مذابا بمقدار يعلوا الزرنيخ وذر عليه كبريتا فإذا أشعل فاقلب الطهرجهارة على رماد وادفنها فيه واتركها حتى تبرد ثم اخرج الزرنيخ واقشره واعمل منه الفصوص وذكر صاحب كتاب النخب حجر اسماه الدرنوك ووصفه بحمرة فيها صفره وانه عزيز جدا نفيس كنفاسة الاذرك وكلها من سبوك الاسكندرانيين - وأما الفسيفسا فليس من المسبوك وإنما هو مؤلف من خرز فصوص بلحام الفضة والذهب يركب في حيطان الابنية بالشام وذكر الكندى في المسبوكات عين السنور ووصفه بفرفسرية اللون وقال انه يوجد في الفائن بمصر خزف فيه تماثيل حيوانات وخرز صغار ملونة تسمى قبورية وهذه إنما يجدها أصحاب المطالب وهى الكنوز فيهم كثيرة بمصر وربما وجدوا مطلوبهم - وكان الرسم في اليمن ان يحفر لموتى كبارهم ويبنى فيها ازج وهى قبورهم ويوجد في كتب الأخبار أخبارها وان كذبت مكتوباتها واشعارها وفيها كانت توجد السيوف المسماة قبورية فلما قصد أحد التابعة الصين وحدثت به حادثة دون بلوغها افترق جنده فريقين ثم استطاب أحدهما المكان وقطنون وهم فيما ذكر التبت ونزع الآخر إلى الوطن فرجعوا إلى الوطن بما معهم من الغنائم والرقيق - وحدثت من المتخلفين رسوم اهل اليمن من الحفائر للموتى كالبيوت وكانوا يضعون فيها الجثة بما كان صاحبها يملك ومعه خواصه من النساء وقوتهن وحاجاتهن من اللباس والسراج لسنة ويطموا عليها كأنهم اعتقدوا بالتناسخ ما يعتقده الهند من العود حتى تحرق النساء انفسهن مع موتى أزواجهن المحرقى الجثث ولما ذكرنا لايزال قوم يعرفون بالنباسين يطلبون في بلاد الترك المقابر القديمة ويحفرونها فلا يجدون فيها الا ما لم يفسده الأرض من الذهب والفضة وسائر الفلز والفلز - يقع على كل ذائب بانفراده ويقع على الجوهر المستنبط من المعدن وان كان مختلطا من عدة أصناف -

المقالة الثانية
في الفلزات

قال اللّه تعالى وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش) فالأرض الزرع وربوعها التي تجرى المعاملات فيها بالكيل وظهور الجبال للموزونات كالأدوية المقدرة بالأوزان وحتى الحطب ان احتطب منها وبطونها خزائن للاثمان وسائر مصالح الناس في المعاش فلفظة فيها إذا راجعة إلى الجبال إذا لوزن للحزن والكيل للسهل - وإنبات الجماد بالإنشاء وحسن التربية والابقاء - قال اللّه تعاى(أنزل من السماء ماء فسألت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب اللّه الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فاللّه تعالى يضرب للناس في الحق والباطل أمثالا لا يعقلها إلا العالمون الذين يخشونه ويمر عليها الجاهلون غير منتفعين بهها بل مستخفين بها وبحقائقها و(إنّ اللّه لا يستحيى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) لأن قدرته على ما فوقها كقدرته على ما دونها وكعجز من سواه عنهما وحكمته تشتمل جميعها بالسواء والباطل بالحق ابدا مدفوع زاهق ذاهب جفاء كزبد السيول المائية وكمثله المائعة بالنار الملتهمة فان أزبادها وقليماتها تطرح فتصير هباء لاينتفع بها ثم يبقى ماء الزبد على الأرض مدة ما اذ ليس فيها شيء باق على حاله وإنما يعود أليها رجعا إلى اصله إما يقع الماء الباقي في الأرض الماكث فيها فظاهر جدا لان كل حى فمنه وبه واما نفع الفلزة كذلك على اقتنائه إلى قسمين ذهب وفضة للأثمان ومنهما يبتغى الحلية والحلية للزينة ونحاس وحديد وما بعدهما فمتاع دافع نافع - وقد ذكر الطبيعيون ان الكبريت أبو الأجساد الذائبة والزئبق أمها تعيدها النار في الإذابة زئبقا رجراجا - فان كان كذلك فهو أولى بالتقديم في الذكر

في ذكر الزئبق
يسمى زاووقا ومنه التزويق في التصوير والمزبقات هى الدراهم الزيوف المطلية به - وكان في الأيام التي لا تبعد عن أيامنا قطاع دراهم غلاظ مملسة الأطراف والحواشي إلى السواد كأنها سنجات الموازين تسمى مزبقة ذكروا إنها كانت تعمل من الزئبق المعقود وكانت تستعمل بمكة إلا المواسم فانهم كانوا يرفعون التعامل بها إلى ان يأخذوا من الحججيج ما معهم من الذهب والفضة ثم يعودون عند عودهم إلى الزئبق والدينار المطوق - ومنه بمزأوجه الكبريت في النار يعمل الزنجفر لأن الكبريت يعقده ويولد الحمرة فيه كما يولد ما في الاسرب المحرق ويصيره اسر نجا - وربما سوّى بينهما في التسمية بالسنجفرية ثم يفصل المعمول بالزئبق بالنسبة إلى الروم إذا كان فيما مضى حمل من هناك ولا يهتدي هاهنا لغبر الاسرنج - والزئبق يفر عن النار الا أن يجعل في مغرفة حديد محماة فانه يستقر فيها مدة وذلك أن الزئبق سيال كالماء فالنار تبخره بتبديد الأجزاء وإذا اجتمعت وانضمت عادت زئبقا كعود المبخر من الماء ماء عند مزايلة الحرارة إياه وانحصاره في المضائق - وهو غوّاص في الأجساد الذائبة بسهولة وفي الحديد بعسر كسار للذهب مفتت إياه بجرمه وبرائحته أن فاحت من النار وأمرتها ريح على ذهب بعيد عنه بل تفسد رائحته الصناع والصاغة وتودي بهم إلى التهييج والنورم والفالج - ولعسر تعلقه بالحديد الا مع الذهب يذهبون الدروع والبيض بملاغم الذهب ثم يفضضونها بملاغم الفضة - ولم يعرف جالينوس حقيقة حاله أهو معدني ام معمول عمل الاسفيداج والمرتك - وحكى ابن مندويه عن ماسر جويه انه معمول - وقال غيره من الاسرب وليس كذلك فانه مسخرج من أحجار حمر تحمى في الكور حتى ينشقوا ويتدحرج الزئبق من البزال - ومنهم من يدقها ويقطرها في آلات على هيئة التقطير بالقرع والانبيق فيجتمع الزئبق في القابلة - وجميع الأحجار يطفوا على وجه الزئبق ما خلا الذهب فانه يرسب فيه بفضل الثقل لا أن الزئبق يتعلق به ويجذبه إلى نفسه كما ظن قوم وقد امتحنا ذلك بشرائط فأسفر ذلك انه من خصوصة الثقل فيه وكما كنا جعلنا قطب الاعتبار في الجواهر مائة من الياقوت الاكهب وذلك نجعله في هذا الفن مائة من الذهب الابريز المخلص مرارا ووزن الزئبق المسأوى لحجمه أحد وسبعون من القطب واللّه الموفق -
في ذكر الذهب

هو بالرومية خروصون وبالسريانية دهبا وبالهندية سورن وبالتركية ألطن وبالفارسية زر وبالعربية بعد الذهب النضار ويقال لما استغنى عنه بخلوضه عن الإذابة العقيان واظن منه سمى العقيان وهو مثل الموجود في برارى السودان بنادق كالمهرجات يلتقطها من دخلها من اهل سفالة الزنج - قال الشاعر -
كمستخلص العقيان جاد محكه ... وطاب على احمائه حين يوقد
والتبر يقع على الذهب والفضة كما هو قيل قبل أن يستعمى في عمل وبعضهم يدخل فيهما النحاس ومنهم من يوقع التبر على جميع الجواهر الذائبة قبل استعمالها الا أنه بالذهب اعرف منه بالفضة وغيرها وقيل ان الذهب سمى بالذهب لأنه شريع الذهاب بطئ الاياب إلى الأصحاب - وقيل لن من رآه في المعدن يهت له ويكاد عقله يهذب ويقال رجل ذهب إذا اصابه ذلك - وقيل لدديوجانس، لم اصفر الذهب؟ قال، لكثرة اعدائه فهو يفرق منهم - وفي ديوان الادب ان العسجد هو الذهب - قال وهذا الاسم يجمع الجواهر كلها من الدر والياقوت وليس كذلك فان الذهب وحده إذا سمى عسجدا ولم تسم تلك الجواهر على حدتها عسجدا لزمت الصفة الذهب وفارقتها وكأنه ذهب إلى تاج من عسجد وقد تضمن تلك الجواهر وظن أن العسجد وقع على كل وأحد منها وليس يمتنع أن يقال في مثله تاج من ذهب لا يتجه إلا على الذهب وحده ولا يقع على شيء معه ولكن يكتفي بذكره عن ذكر ما عليه اذ التاج لايخلو من الترصيع فالعسجد إذا هو الذهب فقط - ومن أسمائه الزخرف وهو في الأصل ما زين من القول حتى راح في معرض الصدق ثم نقل إلى التزويق والتزيين في صناعة التصوير ومنه إلى الذهب - قال اللّه تعالى (أو يكون لك بيت من زخرف) - مزين منقوش بالذهب - وربما جاد سنخ الذهب في معدنه وربما لم يجد كذهب المعدن المعروف بتوت بنك بزرويان في خضرته وذهب الختل في صفرته وذهب ناحية تعز والافغانية في خفته إما ذاتية وإما بنفاخة فيه مملوءة هواء أو ماء - ثم منه ما يتصفي بالنار إما بالإذابة وحدها أو بالتشوية المسماة طبخا له - والجيد المختار يسمى لقطا لأنه يلقط من المعدن قطاعا ركازا زأركز المعدن إذا وجد فيه القطع سواء معدن فضة أو ذهب وربما لم يخلو من شوب ما فخلصته التسوية حتى اتصف بالابريز لخلاصه ويثبت بعدها على وزنه ولم يكد ينقص في الذوب شيئا - قال أبو اسحاق الصائبى -
صليت بنار الهم فازددت صفرة ... كذا الذهب الابريز يصفو على السبك
وقال أبو سعيد بن دوست -
أرى الشيخ ينقص في جسمه ... ويزداد بالسن في حنكته
كما ينقص التبر في وزنه ... ويزداد بالسبك في قيمته
ولمثله قيل، الزاهد في الذهب الأحمر أكرم من الذهب الأحمر - وربما كان الذهب متحدا بالحجر كأنه مسبوك معه فاحتيج إلى دقه والطواحين تسحقه الا أن دقه بالمشاجن أصوب وابلغ في تجويده حتى يقال انه يزيده حمرة وذلك انه ان صدق مستغرب عجيب والمشاجن هى الحجارة المشدودة على أعمدة الجوازات المنصوبة على الماء الجارى للدق كالحال بسمرقند في دق القنب للكواغذ وإذا اندق جوهر الذهب وانطحن غسل عن حجارته وجمع الذهب بالزئبق ثم عصر في قطعة جلد حتى يخرج الزئبق من مسامه ويطير ما يبقى فيه منه بالنار فيسمى ذهبا زئبقيا ومزبقا والذهب الذي بلغ النهاية التي لاغاية وراءها من الخلوص كما حصل لى بالتشوية بضع مرات لا يؤثر في المحك كثير أثر ولا يكاد يتعلق به ولكاد يسبق جموده اخراجه من الكورة فيأذخ فيها في الجمود عند قطع النفخ - واغلب الظن في الذهب المستفشار انه للينه وانه كان في ايام الفرس محظورا على العامة من جهة السياسة وكان للملوك خاصة - ويشبهه في التشبيه قول ذى الرمة -
كأن جلودهن مموهات ... على ابشارها ذهبا زلالا
فالزلال من صفات الماء ولكنه لما ذكر التويه واصله من الماء وصف المشبه بصفاته والماء الزلال اصفي الاشياء واشرفها فأضاف جلالته إلى الذهب كما تقدم في قول أبى ذؤيب -
يدوم الفرات فوقها ويموج
وقال عبيد اللّه بن قيس الرقيات -
كأن متونهن تظل تكسى ... شعاع الشمس أو ذهبا مذابا
وذهب هو أيضا إلى التعظيم والا فالذهب والفضة والنحاس إذا أذيبت تسأوت في اكتساب الحمرة من النار - وقالت هند بنت عتبة -
فمن يك ذا نسب خامل ... فانا سلالة ماء الذهب

وقال حمزة، ان سيبه كانت كرة من ذهب محلول تقلبها الملوك ولعابها كما تقلب الآن اكر اللخالخ وكان إذا قبض عليها انساب الذهب من بين أصابعه كأنه عصره فانعصر والمستشفار هو الشراب المعصور بالارجل للعوام - فاما سيلان الذهب المذكور بالعصر فما ابعده وإنما يسيل بعصر المطرقة من بيبن حديدتي السكة ولتصديق الكذب وصفه بالحل والذهب المحلول عند الكيميائين يكون في الزجاجة ماء اصفر رجراجا قد زالت ذهبيته ومغرته الباقية كالزرنيخية - ومن امثاله في كتاب سفر الملوك من كتب أليهود انه كان في جملة هدايا حيرام ملك صور إلى سليمان عليه السلام درع ودرقات وذهب سائل يطلى وتوجيه وجه لهذا اسهل لكن قول السخف في الصحراء سخف - وكان أبو نواس أو ابن المعتز اخذ من هذا في قوله -
وزنا لها ذهبا جامدا ... فكالت لنا ذهبا سائلا
والخيوط الذهبية التي سنذكرها أولى بأن نتهم بالسيلان ولكن حين يوقف على حقيقة سيلان الذهب بها - وحدث من شاهد عند بعض التجار قطعة ذهب كأنه سيلان الوم من الشمعة خلقة لاصنعة - قال أبو سعيد بن دوست -
وهل عار على الذهب المصفي ... إذا وازته سنجات العيار
ومتى وازى الذهب غيره في الوزن لم يساو حجمه وسنجات اليار في الأغلب تكون من حديد ونسبة حجم الحديد إلى حجم الذهب المتساويين في الوزن نسبة مائة وأحد وخمسين إلى ثلاثة وستين يقنعك فيه ان كفتى ميزانك إذا وسعتا شيئا وأحدا كانتا متساويتين في الوزن مضروبتين في جنس وأحد ثم وازنت فيهما ذهبا مع غيره حتى توازنا ثم ادليتهما معا في الماء وشلتهما بعد الغوص في الماء أن كفة الذهب ترجح لأن ما دخلها من الماء اكثر مما دخل الكفة الأخرى واللّه اعلم -

في ذكر أخبار الذهب ومعادنه
ماء السند المار على ويهند القندهار يعرف عند الهند بنهر الذهب وحتى ان بعضهم لايحمد ماءه لهذا السبب ويسمى في مبادى منابعه موه ثم إذا اخذ في التجمع يسمى كرش اى الأسود لصفائه وشده في خضرته لعمقه وإذا انتهى إلى محإذاة منصب صنم شميل في بقعة كشمير على سمت ناحية بلول سمى هناك ماء السند - وفي منابعه مواضع يحفرون فيها حفيرات وفي قرار الماء وهو يجرى فوقها ويملأونها من الزئبق حتى يتحول الحول عليها ثم يأتونها وقد صار زئبقها ذهبا وهذا لأن ذلك الماء في مبدئه يحمل الرمل من الذهب كأجنحة البعوض رقة وصغرا ويمر بها على وجه ذلك الزئبق فيتعلق بالذهب ويترك ذلك الرمل يذهب - ويحكون عن شرغور أن بها عينا هى لوأليهم الخان خاصة لا يقربها أحد وهو يكسحها كل سنة ويستخرج منها ذهبا كثيرا ولاشك انها من جنس ما ذكرناه من ماء السند قد احتيل لموضع منها محدود حتى يرسب فيه الذهب ولا يتجاوزه به الماء - وعلى مثله الحال في الذهب الموجود من ماء جيحون في حدود ختلان فإنها اقرب إلى منابعه المنحدرة من على وعندها تفتر قوة الماء الحامل للذهب باقترابه من المستواة فيعجز عن حمله ويخليه للرسوب فإذا استخرج مع الرمل والتراب ميز بالغسل وجعل بالعصر والنار بنادق مزبقة - وأخبرنى من شاهد في جبال الخُتَّلب قرية سماها وأنها خالية عن الميرة والنعمة اصلا وإنما معاشهم بتبرص الأمطار الربيعية فإنها إذا جادت وأسالت خرجوا عند هدودها واتلاعها بسكاكين وأوتاد حديد ينحتون بها عن المسايل ويكشفون طينها عن ذهب كسقائف بيض مضروبة مطولة وكخيوط بالات الصاغة ممدودة ويجمعونها لاثمان ما يحمل أليهم من الميرة واللحوم وسائر الحوائج ولولا ذلك لما قصدهم أحد ولولاه لما أمكنهم سكناهم فيها مدة واللّه اعلم بمصالح خلقه ووجدوا بزرويان خيط ذهب عدة ذارع على غاية الدقة كالمهد بآلة لخياطة وجوه الصنادل والمكاعب والخفاف للتزيين - وذكر الهند من اهل كشمير أن في ارض دردر أهلها يسمون بهتأوران وهم يصاقبون لهم من ناحية الترك ربما يوجد في المزارع كأثر ظلف البقر فيه قطعة ذهب خفيف متضع القيمة ينسبونه إلى ثور مهاديو رئيس الملائكة أتحف بها ثور صاحب المزرعة - ولا محالة ان تلك القطع قليلة وبالتراب مختلطة في تلك الأرض لا يوصل أليها بطلب لقلتها ثم انه يتفق في الندرة أن يطأها ذو ظلف مرتعى أو حارث فيتزلق عليها فيظهر ثم يجعل جزؤها وان كان اقليا

ووجد بزروبان حجر صغير كأنملة على هيئة الطبل الكراعة متضايق الوسط فيه حلقة ذهب كأنها خلخال في الساق وآخر متطأول كقصبة الزمرد مثقب بالطول منسلك فيه قطعة ذهب كالسلك، وقد وجد في شعب من جبال شكنان وماؤه أحد منابع جيحون دندانجة ذهب وزنها اربعة عشر رطلا - لا ووجد أحد طلاب الذهب ومستنبطيه في شعب الشراشت قطعة ذهب وزنها ثمانون رطلا وطالبه دهقان الناحية فالتوى عليه وخسر في المطالبة ما كان يملك من العين وما نفعه حتى اخذ المطلوب منه ووثقه الدهقان للسلسلة وشده بها عرصة داره للمباهاة به - ووجد في معادن سرشنك من زرويان قطعة ذهب مصمتة كانت ذراعا في ذراع أبرزت من معدنها في بضعة عشر يوما وعلى التقدير يجب ان كان وزنها مقاربا للستة الف رطل فان المكسب الذي ضلعه ذراع إذا كان من الماء لتزن ماهو جزء من تسعة عشر إذا كان ذهبا وكان أليهود وجدوا في سنك زريز من زروبان قطعة ذهب كالسبيكة العريضة المنتصبة ولم تنقطع الا بعد قريب من عشرة اذرع ويوجد في معادن ارض المحب عرق الذهب إذا كان مجتمعا فاما متزايد في غلظه على دوام الحفر والاتباع وأما متناقصا فيه فأما المتناقص فيفضي بالحفرة إلى الاضمحلال والفناء والمتزايد مرجو ان يبلغ بهم إلى المنبع - وان كان متفرقا فأما متكاثرا وأما متقللا والحال فيهم ما تقدم في المجتمع - زاما ذلك المنبع فذكروا انه كحجر الرحى ويزداد عليه وينقص وتلك العروق متشعبة في جميع جهاته كانبعاث الشعاع من الشمس - ومنه اخذ عبيد اللّه الملقب بالمهدى الذي هو صاحب مصر والمغرب مسبك ذهبه كأحجار الأرحية المربعة الشكل لما بنى المهدية على ساحل البحر وراء برقة وكان يلقى ذلك الذهب في دهليز بابها إذ ليس يقدر المختلس على استلاب شيء منها بسبب البواب الموكل بها لحفظها وقصر المدة مع شدة الخوف والروعة - وإلا فليس بينها وبين ذلك المنبع الموجود في ارض البجة فرق الا بالخوف في ذلك وإلا من في هذا ولولاه لأدفنوها على الأزمنة وللحسوها بالألسنة وان كانت كالسيوف والأسنة - وكذلك راج المها ملك الزابج وتفسيره ملك الملوك أو عظيمهم يسبك دخله لبنات ذهب ويلقيها في البحيرة في جزيرة يدخلها الماء بالمد ويستقر فيها التماسيح فإذا اراد وارفع شيء منها نفي التماسيح بكثرة الصياح من الناس فخلت البحيرة منها ورفع ما احتاج أليه وهى محطوطة وقاصدها بالسرقة يحتاج إلى جمع زحمات للتصايح - وبسفالة الزنج ذهب في غاية الحمرة يوجد على تدوير الخرز في ارض سودان المغرب يبلغها الموغل فيها كما قيل في اعتساف أمثال تلك البراري في مثل المدة المذكورة يتعذر الا بالاقتدار على حمل المزاد إن كانت الغلة فيها مزاحة ثم نعلق بعد هذا خرافات وذلك ان من رسم تجار البحر في مبايعات الزابج والزنج ان لايأتمنوهم في العقود وإنما تجئ رؤساؤهم وكبارهم ويرهنون انفسهم حتى يستوثق منهم بالقيود ويدفع إلى قومهم ما أرادوا من الأمتعة ليحملوها إلى أرضهم ويقتسموها فيها بينهم ثم انهم يخرجون إلى الصحارى في طلب أثمانها ولا يجد كل وأحد من الذهب في تلك الجبال الا بمقدار ما خصه من المبلغ زعموا - ويكون الموجود على مثال النوى وما اشبهها فيجيئون به إلى المراكب ويسلمونه إلى مراكبهم ورهنائهم حتى يؤدوه ويرفعون الوثاق عنهم ويطلقون بالمبار والتحف ويغسل التجار ذلك الذهب أو يحمونه بالنار احتياطا فانهم يحكون عن وأحد أنه جعل من ذلك الذهب قطعة في فيه فمات لوقته - والاحتياط فيما اتهم وجهل أمره الأخذ بالحزم - فمن عادة البحريين إذا انكسر بهم المركب ودفعوا إلى البر ولم يعرفوا مأكولاته ان يترصدوا للقردة فما تنأولت منها تنأولوه وذلم لتقارب المزاجين بتقارب الهيئتين

وعلى مثله تكون المبايعة مع من جاء إلى المراكب من أهل الجزائر في نقائز أو سباحة وذلك أن كل وأحد من التجار يلوح ما عنده للتعارض إلى أن يقع التراضي عليهما فيما بينهم ثم تضع التجار متاعهم في كفة آلة على هيئة الميزان ويدلونه إلى حيث لاتصل ايدى الواردين والنواتية تشرف عليه بالمرادى ثم ترسل الكفة الأخرى إلى الواردين فيضعون فيها ما معهم وتشال مع حط الأخرى فيصل كل وأحد إلى حقه بمثل اختلاس الصيد - وإذا تغافلوا عن ذلك وثب أولئك إلى ما دلى أليهم ففازوا به لأدرك لهم ولنقائزهم كالأعرابي الذي جاء إلى الحجيج بظبي يبيعه فاشترى منه ووفي الثمن عليه وسألوه كيف اصطاده فقال عدوا - ولم يصدقوه فقال اشتروه منى ثانية وخلوه لأجيئكم به ففعلوا ولما تباعد الظبي تبعه الأعرابي عدوا وهم ينظرون أليه حتى اقتنصه وجاء به وسلمه أليهم واستوفي الثمن الثانى - وقد حفروا لشيه كالقرموص فلما أدرك ووضع على السفرة بالخبز والآلات اخذ الأعرابي خيط السفرة ومده حتى انتوت وحملها ووقف بازائهم وقال، أيها الفتيان هذا الظبي كان حيا وما فاتني مرتين فكيف ينجو منى وهو مذبوح مشوي وانتم أصحاب نعمة زادكم اللّه وعائلتي جياع ينتظرون ما أعود به عليهم وقد وسعتم الضيافة عليهم فقبل اللّه منكم وجازاكم الخير وذهب على مهل يترنم بالشعر كالمسهزئ بهم - وقد يضاف إلى ما قلنا أساطير أخر في نبت الذهب في تلك البراري كالخرز وانه لا يعثر عليه إلا عند طلوع الشمس بلمعان شعاعها عليه - فأما تلك الأراضي وبراري السودان كلها فإنها في الأصل من حمولات السيول المنحدرة من جبال القمر والجبال الجنوبية عليه منكبسة كانكباس أرض مصر بعد أن كانت بحرا وتلك الجبال مذهبة وشديدة الشهوق فيحمل الماء أليها بقوته القطع الكبار من الذهب سبائك تشبه الخرز وبها سمى النيل ارض الذهب - واما وجوده عند طلوع الشمس فلشدة الحر لان ظلام الليل يمنع عن طلبه وضوء النهار كذلك لاقتران الحربة ولم يبق غير الغداة فان آخر الليل ابرد أوقاته وأول النهار رديفه لم يحتدم بعد متوعه وليس بريق الذهب الخالص ولمعانه في الشعاع بمستبدع خاصة ذاا كان غب الندى فطلاب الكنوز في المدن العتيقة الخربة يقصدونها بعد أقلاع الأمطار - وقال ربيعة بن مقروم الضبي -
هجان الحى كالذهب المصفي ... صبيحة ديمة يجنيه جانى
وأما فرض الوجود على قدر اثمان ما حملوا من الأمتعة فاعلمي يا أم عمرو ان ذلك دليل على الغزارة التي تمكن في كل وقت وجود الحاجة منه فلا تلجئ العزة والعوز إلى الادخار والكنز مع سلامة قلوب أولئك في هذا الباب وخلوهم عن الافكار الباعثة على اهتمام للغد - فالزنجي إذا تمكن من وتر في كنكله ووجد من الاطواق السائلة من النار جيل ما يسكره لم يعبأ بالدنيا واحتسب ما فيها من ذلك انه ملكها بحذافيرها - وفي أرض أولئك السودان معادن ليس في معادن سائر البلدان اغزر ريعا منها ولا اصفي ذهبا الا ان المسالك أليها شاقة من جهة المفأوزوالرمال وسكان تلك البلاد ينقبضون من مخالطة قومنا ولذلك ولذلك يستعد لها التجار من سجلماسة في حد تاهرت من اقاصى ارض المغرب بالزاد الكافي والماء الوافي ويحملون إلى السودان الذين هم وراء تلك الفيافي أثواب بصرية تعرف بالمبجبجات عرفوا ولوعهم بها وهى حمر الأطراف ملونة بصنوف الألوان معلمة بالذهب ويبايعونهم بالذهب بالإشارات من بعيد والمعاينات بشرط التراضي بسبب العجمة وفرط النفار عن البيضان كنفار البهائم عن السباع ولا يرغبون في شيء غير تلك الاثواب فانهم يتهافتون عليها وتلك المعادن فيما بين بواطن السودان وبين زويلة من بلاد المغرب - ولأن ارض البجة من أشباه تلك الكنائس وأواخر بين النيل وبحر القلزم فإنها خصت لذلك بمعادن الذهب على مسافة بضع عشرة يوما من أسوان كما ذكر في كتاب أشكال الأقاليم ينتهي بعدها إلى حصن عيذاب وهو للحبشة ويسمى مجمع الناس هناك لاستنباط الذهب من الرمال والرضراض تحت ارض مبسوطة ليس فيها جبل العلاق ووجوه الدخل منها إلى مصر - وقد كان يوجد في زوريان في عنفوان ظهوره وإقبال شانه في جباله وهضباته تجأويف واسعة كالبيوت يسمونها اخرات أى أو أرى مملوءة من قطاع ذهب كالسبائك كأنها خزائن معدة لطلابها وكان العاثر عليها يحصل على غناء الدهر - .

في ذكر الفضة

هي بالرومية ارجوسا وبالسريانية سيما وبالفارسية سيم وبالتركية كش وبالهندية روب وذكر حمزة انه عرب من الفارسية علي السام عروق الذهب والفضة في الجبل وهو بعروق الذهب اعرف وسمانه اسم فارسي في مواضعات أصحاب المعادن لفضة خالصة توجد في معدنها قطعة وأحدة في قدر البعير البارك يستغني بها صاحب المعدن - ويجري علي ألسنتهم في أمثالهم ان فلانا وجد جملا إذا افرط في الكبرياء وليس يكثر وجود سمانه وإنما يندر بالاتفاق واسم الفضة بالعربية اللجين والصريف في انه منه فان الصراف مزاولة الصرف بين العين والورق في التفاضل بين النقود المختلفة - ويقال لها أيضا الصولج وكأنه صفة لها بالجودة فانه يقال فضة صولج وصولجة - وقيل في أسمائها الغرب لتغيبها في المعدن وليس هذا التغيب مما يخص الفضة فيعلل به اسمها وإنما هو عام لجميع الجواهر المخزونة وقيل في الغرب انه الذهب - قال الأعشي -
إذا انكب أزهر بين السقاة ... تراموا به غربا أو نضارا
والنضار الذهب وليس بمستحسن ان نقول ذهبا أو ذهبا وإنما هو فضة وذهب فالغرب إذا هو الفضة علي انه قيل انهما كليهما ضربان من الخشب ينحت منهما أواني الشراب - قال أبو نواس -
فاستوثق الشرب للندامي ... وأجراها علينا اللجين والغرب
وهاهنا أيضا ان تقول الفضة والفضة وإنما الأصوب فيه بل وفي كلي البيتين ما قيل في الغرب انه قدح من خشب كانوا يشربون به فالخشب والذهب علي طرفي نقيض في الخسانة والنفاسة وليس من يعمل من أواني الذهب كالعمولة علي الخشب في السعة والكبر فكأنه قال، بالكبير والصغير الذهبي وبالكبير الواسع الخشبي - وشربنا بطاسات الفضة أو الذهب بالقصاع والجفان من الخشب كما قال الأول -
شربنا بالضغير والكبير ... علي حكم الخليفة والوزير
وكما قال المنخل -
ولقد شربت من المدا ... مة بالضغير وبالكبير
وأما الظاهر فانه يقتضي ما قلنا - وقد قيل انه أنه بالصغير الدراهم وبالكبير الدنانير - وقد قيل عن أثمان صغار الإبل وكبارها واستشهد بما بعده -
وشربت بالخيل الانا ... ث وبالمطهمة الذكور
ويجوز أن يعني التلهي في الشرب علي ظهورها أو سباءها باثمانها - فأما أشهر أسمائها الفضة - وقد ذكرت في التنزيل في قوله تعالى(والذين يكنزون الذهب والفضة) وقوله(قوارير من فضة) وقوله(أسأور من فضة) وقيل انها سميت لأنه إذا أزيل عنها الختم وجد صحاحا سريع اينفضاض ومكسرها وجيه المتأثر والانقصاص - قال أبو الفضل العروضي الصفار -
لعزة الفضة المبرة ... اسكنها اللّه قلب صخرة
حتى إذا النار أخرجتها ... بألف كد وألف كره
أودعها الدهر تحت وغد ... أقسي من الصخر مرة
وفي قرية ويتانة بقرب زرويان وجد في بعض الأوقات حديد مختلط بفضة ممتزج وكان تقشر عنه فيتميز من غير ذوب - وجد فيها قطعة فضة خالصة في معادن الحديد قطعت وقسمت سرا وسعي بأمرها فارتجعت بمن تسمت عليه ومن شارك - ووزن الفضة المسأوية لقطب الذهب هو اربعة وخمسون ونصف وثمن - ومتي أحرقت بالكبريت لصنوف أعراض كانت أعادتها تطرح برادة حديد صديئة جدا إذا ذابت وان كان معها حملان بقي عليها احتراقه وسواده وخرج وزنه عن وزنه معها - واللّه الموفق -

في ذكر النحاس
هو بالرومية خلقو وبالسريانية نحاسا وبالعربية النحاس والمس والقطر - قال اللّه تعالى(يرسل عليكما شزاط من نار ونحاس) قيل فيه انه الدخان واستشهد عليه بقوله تعالى (يوم تأتي السماء بدخان مبين) وقيل أيضا انه النحاس الذي هو فلز ولا محالة انه عناه مذابا منصبا في قوله(فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) ولأن النحاس لحام الحديد قال ذو القرنين آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوي بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني افرغ عليه قطرا) وقيل في القطر انه الرصاص - والرصاص لايلحم الحديد وإنما يرصص وجهه فقط - وقوله تعالى(سرابيلهم من قطران) إذا كان بكليته اسما فلتسرع النار اليه كأنه عبر به عن النفط وإذا كان مجموع اسم وصفه فهو النحاس المذاب

وأما المس فقد اشترك في ذكره اهل العراق وخراسان حتى سميت القمقمة مسينة لانها من نحاس وخصت بها وان كان لا يأباها كل معمول من النحاس - وهو بالفارسية روي لكنه لما اشتهر بالمس صرف روي إلي المحمول عليه إما الرصاص وإما الاسرب - ومنه نوع يعرف بسياه مس محبب المكسر في حمرته شيء من البياض إلي السواد ويعمل منه الشبه - وقيل انه ليس ينفرد بمعدن يخصه وإنما يستحيل من احمره بحسب النفخ في الإذابة - ومنه نوع يعرف بمس كلان اي نحاس الحملان يقع إلي خراسان من ناحية الهند في غاية اللين قليل السواد في الإحماء لا يصلب الفضة إذا حمل عليها فيقال ان ذلك لذهب فيه وبزرويان معدن يعرف بنأو كزدم لما فيه من العقارب القتالة تخلص ذهبه احيانا ويخلط مع النحاس احيانا وربما وجدا فيه متمايزين لكن ذلك النحاس لايخلو عن ذهب ما فيه ويخلص منه بالاحراق من كل منا دانق الا ان قيمته لما لم تفضل عن المنفعة ترك ولم يتعرض له ثم ليس لذلك النحاس المتروك ذهبية مزية علي غيره في شيء منه وكان الحديد في بعض المواضع فيما مضي عديما أو عزيز الوجود فكان النحاس يقام بدله - يدل عليه ما يوجد بأرض الغزية من نصول السهام النحاسية فتعلق تعويذات في أعناق الأطفال - وما يوجد تحت الأرض بطبرستان من المزاريق والحراب النحاسية فيتيمن بها المجوس وتنسب كلي الفريقين كلي النصلين إلي النزول من السماء بالصواعق وربما استشهد علي ذلك بقول اللّه تعالى(يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) وفي كتاب سمويل النبي عليه السلام صفات أسلحة كالياذ الفلسطيني وهو جالوت وكلها من نحاس لم يذكر فيه شيء من الحديد - ومن مكادة الدهر مسأواة الغطر فيه دراهم الفضة في السعر وإرباؤها احيانا عليها وليست الغطريفات الا فلوسا مضروبة من نحاس خلط فيها - وقال أبو سعيد ابن دوست -
رأيت لجند قأبوس نفوسا ... كأن بهن حيضا أو نفاسا
اظن نجومهم طلعت نحوسا ... فقد طبعت دراههم نحاسا
وكنا حكينا في نأونو من زرويان من المعدن المخلط الجوهر الذي إذا خلص كانت عطي الوقر من الذهب والفضة والنحاس بقدر مراتبها في الأثمان وكان صروفها وتسعيرها طبيعي مقارن للخلقة - ووزن النحاس عند قطب الذهب خمسة واربعين ونصف وسدس - وهو يتزنجر بالخل والروسختج المحرق منه بالأيقال أو في أتون الزجاج - فان استنزل في بوط مربوط بالدهن والبورق كان النازل نحاسا ألين من الأصل واصفي - وزنجاره إذا دلك علي الفضة أو الرصاص حمر وجههما - ومن الرنجار ما ليس بمصنوع عما يحكي عنه في حريقه في جزيرة قبرس في وعادن النحاس بها لان كل ما يصنعه الناس من مواد الفلزات فالطبيعة أولي بصنعه - وليس ذها الحكم بمنعكس كما يعكسه الكيمياويون حتى يصير ذهبهم المرئي في المنام بأضغاث أحلام افضل من المعدني لاقتداره علي احالة ما يحمل عليه إلي نفسه ذهبا خالصا زعموا وعجز المعدني عن مثله - وفساده بالحملان انواع فساد -

في ذكر الحديد
قال اللّه تعالى (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) ونزول الثقبل غير مستنكر لكن قوله جل اسمه لا يرجع أليه إنما معني نزول الحديد خلقه وأعداده لمصالح البرية في الدفاع والانتفاع لكن عادة للناس جرت في توقع الغياث والغيث والعذاب والزجر من جهة العلو كما أخبرهم سبحانه وتعالى في قوله (وفي السماء رزقكم وما توعدون) والأتيان من ذهه الجهة في الشاهد يكون بالنزول به صارت العبارة عما يتصل بالسفل من العلو وان لم يكن النازل من الجنس الذي يستحق الوصف بالنزول والانتقال وآلات الهبوط والطيران ثم قال اللّه تعالى (وألنا له الحديد أن اعمل سابغات - وقدر في السرد) والسابغات واقعة لمعار الأسلحة في القتال واقية عما يعامل بع المعاندون ومن ضرب الرقاب قال اللّه تعالى(وسرابيل تقيكم بأسكم) وكما أنزل في الكتاب بالحجج العقلية للمعتبر الساجد والحدجيد البأس الشديد للمصر الجأحد - وكذلك انزل الميزان لإقامة العدل والتسوية في الحكم والقضية وانزل هذه الثلاثة بالأمر والتهنية - ولم يستغن عن الحديد كما قال عدي بن يزيد -
أبلغا عامرا ليبلغ أخاه ... أنني موثق شديد الوثاق
في حديد القسطاس يرقبني الحا ... رس والمرء كل شيء يلاقي

كما أن المقهورين من الجناة لم يتم منعهم إلا بالحديد من القيود والسلاسل والأغلال والتقربن في الأصفاد حتى يسمي له السجان حدادا بسبب مزاولة هذه الآلات في المسلمين اليه ليحدهم ويمنعهم بها - قال كاشم -
هذا الحديد سلاح أصحاب الوغى ... وبه يريق دماءنا الحجام
والحديد معدنه ينقسم إلي صنفين أحدهما لين يسمي النرماهن ويلقب بالأنوثة والآخر صلب يسمي الشابرقان ويلقب بالذكورة لصرامته وهو يقبل السقي مع تأبيه لقليل انثناء ثم ينقسم النرماهن مثله إلى ضربين أحدهما هو والآخر ماؤه السائل منه وقت الإذابة والتخليص من الحجارة ويسمي دوصا وبالفارسية أسته وبنواحي زابلستان رو لسرعة خروجه وسبقه الحديد في الجريان وهو صلب ابيض يضرب إلي الفضية - ومن الشابرقان سيوف الروم والروس والصقالبة وربما قيل له قلع بنصب اللام ويجزمها فيقول - تسمع للقلع طنينا ولغيره بحجا ونسب اليه نوع من السيوف فسميت قلعية وظنها قوم منسوبة إلي موضع كالهندية واليمانية والمشرفية فقالوا - انها تحمل من كله كما يحمل منها الرصاص وينسب اليها القلعي وهي سيوف عراض ولا تبعد أن تشبه لبياضها في اشعار العرب علي اضطرابها فيه - قال(الحصين بن الحمام المري) -
تراوح بالصخر الأصم رؤسهم ... إذا القلع الرومي تثلّما
فقد أشار اللي الشابرقان اذ ليس للروم سوف من غيرها - قال العجاج -
قد أحدثت رومية القيون ... أبيض من ماء الحديد الجون
وقال -
أني إذا الموت كع ... أضربهم بذي القلع
أي الحديد المتخذ منه السوف القلعية واخرجه مخرج صفة السوف كذي الفقار وذي الشطب - وقال ابن الرومي -
يكشِفّ الدهر منه في تصرفه ... عن منصل قلعي مّن مناصله
ثم كيف يميز القلع المذكور من مقلوبه - فقد قال الشاعر -
واجتلبوا عرق دم القلع
وأراد العلق فقلبه للقافية فيما قبله - والقلع ايضا الشراع قال سويد بن أبي كاهل
ذو عباب زبد آذيه ... خمط التيار يرمي بالقلع
وقال الأعشي -
يكب الخلية ذات القلاع ... وقد كاد جؤجؤها ينحطم
كما أن الجواري المنشآت في البحر شبهت لشراعها بالأعلام كذلك اشترك السفن وأعلام الجبال في اسم القلع - قال الراعي -
فظل بالحزم لا يصري أرانبه ... من حد أظفاره الجحران والقلع
أي صار هذا الصقر فيما غلظ من الأرض وارتفع لا تمنع الأحجرة ورؤوس الجبال الأرانب من أظفاره - قال أبو النجم يهشم صم القلع الصرار - وقال وضاح اليمن -
لا يحمل العبد فيما فوق طاقته ... ونحن نحمل مالا تحمل القلع
والقلع فلا الأصل السحاب - قال ابن الأحمر -
وتكسر فوقه القلع السواري ... وجنَّ الخاز باز به جنونا
وقال زيد الخيل -
خلّتْ وترجَّز القلع الغواري ... عليها فالأنيس بها قليل
والقلع السحاب والسحاب يشبه بالجبال والحديد يستنبط منها وباشتراك الاسم نقل الحديد إلي السما - وقال الهذلي -
يكفيك من قلع السماء مهند ... فوق الذراع ودون بوع البائع
صافي الحديدة قد اضر بجسمه ... طول الدياس وبطن طير جائع
والبيت الأول لا يمتنع به خلق الحديد ومعني الأنزال المذكور مصرحا فيه بالسماء ولم يرد بالمهند نسبته إلي الهند لكنه جعل ذلك اسما للسيف صفة لازمة له ثم في البيت الثاني أفصح بما قالوا أن نار الصاعقة تخرق الأرض وتسوخ فيها فيحفر في أثرها ويخرج منها حديدة تتخذ منها السوف القلعية - ومعني بطن طير ان تلك الحديدة تقطع وتحمي حتى تصير كالجمرة وتلقي للنعامة ليذهب عنها الخبث في بطنها وتذرقها صافية صالحة يطبع منها السيوف حينئذ ثم تدارس بالمدارس وتجلي بالصقل - وذكر من شاهد ابتلاع النعام الحديد المحمي انه لايمكث في بطونها وإنما تذورقه كما هو لوقته - وسمعت في الشابرقان من عدة حكوه - ان الروس والصقالبة يقطعونه قطاعا صغارا ويعجنونها في الدقيق ويطعمونها البطوط ثم يغسلونها كم ذرقها زيعيدون هذا الفعل عليها مرات ثم يحملونها بعد التغريق في النار ويطبعون منها سيوفهم - قال ابن بابك -
ينقدّ منها ظلام النقع مرتمضا ... كالبرق ينشق عنه كلة القلع

ولولا أن نعلم ان الروس لا تنقاد بانفراده لعمل السيوف منه ولا تقاوم الضؤب لظننا من سيف أبي الأبيض العبسي القائل -
ومالي غير درع ومغفر ... وأبيض من ماء الحديد صقيل
أو سيف القائل الآخر -
وتري مضارب شفرتيه كأنها ... ملح تناثر من وراء الدارع
انه مطبوع من الدوص وقيل في بعض الكتب - ان الصواعق إذا حدثت ارتفع ما تخلص منها وما احترق من الجوّ من الأجزاء القطومة وقع إلي الأرض وذكر أبو جعفر الخازن حاكيا - ان صاعقة وقعت علي صخرة في دار أحد معارفه ككرة نار تدحرجت علي الأرض وغابت في البالوعة وتدحرجها علي الأرض من قضايا الثقل - وقد قيل في الصاعقة انه الطف من الهواء ومن الذي عندنا من ضرام النار فدليل عوضها فيما تخلل من غير اضرار بها وإذابتها ماء إستصحف مما يقبل الذوب فليس الا الريح التي مع الرعود والبروق والصواعق وهي سببها تحمل الفلوات من مواضع أخر إما من ظهر الأرض وأما مرمية بالمردغات من بطنها - يشهد له الحديد الواقع منذ سنين بالجوزجان اذ كان أنجرا بحريا علي ما شهد أحد المحصلين فيه من مشابهة بعد تغير شكله بما غشيه من الإحماء في قوة الرمي ولم يكن جوهره بجيد اذ ليس يختار الأتاجر من أجود الحديد فان الغرض فيه الثقل فقط - وكذلك الذي امطرت قرية طاعون من قري بوشنج في يوم سمأوة مصحية من الفلوات المشابهة للصفر الرديء مجدرة كخبث الحديد حامية كان الماء ينش منها إذا وقعت فيه وهي من إلى مناوين - وفي الحديد بعد الدوص توبال وهي قشوره التي ترتمي منه بالطرق وخبثه وصدأه المسمي لحمرته زعفرانا منسوبا إليه ووزنه بالقياس إلي قطب الذهب أحد واربعون وثلث - ويزعم الكيميايون انهم يلينون الحديد بالزرنيخ حتى ينذاب في سرعة ذوبان الرصاص وانه إذا صار كذلك صلب الرصاص وذهب بصريره - الا انه ينقص من بياضه فهذه احوال الحديد المفرد - واما المركب من النرماهن ومن مائه وهو الذي يسبقه إلي السيلان عند التخليص فهو الفولاذ وبلد هراة مخصوص به وتسمي بيضات من جهة الشكل وانها طويلة مستديرة الأسافل علي هيئة بواطقها ومنها تطبع السيوف الهندية وغيرها - وحال الفولاذ في تركيبه علي قسمين إما ان يذاب ما في البوطقة من النرماهن ومائه ذوبا سواء يتحدان به فلا يستبين أحدهما من الآخر ويستصلح للمبارد وأمثالها - واما ان يخلف ذوب ما في البوطقة فلا يكمل الامتزاج بينهما بل يتجأوز اجزاؤهما فيري كل جزء من لونيهما علي حدة عيانا ويسمي فرندا ويتنافسون في النصول التي جمعته والخضرة ويديمون صفتها - وقال امرؤ القيس -
متوسدا عضبا مضاربه ... في متنه كدبة النمل
وقال ابن المعتز
تري فوق متنيه الفرند كأنه ... بقية غيم رق دون سماء
وقال ايضا
وسط الخميس بكفه ذكر ... عضب كأن بمتنه نمشا
صافي الحديد كأن صيقله ... كتب الفرند عليه اذ نقشا
وقال أبو الهول الحميري
وكأن الفرند والجوهر الجا ... ري علي صفحتىه ماء معين

والخضرة تستحب في النصول اليمانية والهندية والبياض في المشرفية - وقال الباهلي في كتاب السلاح، الفرند الوشي الذي في متن السيف والبرند لمع يكون فيه الفرند تخالف لونه والمشطب من السيوف الذي فيه طرائق كالجدأول معمولة فربما كانت مرتفعة وربما كانت منحدرة - وهذا الانحدار الذي ذكر لايكون الا إذا كان الجدول وأحدا واما إذا كانت الجدأول اكثر من وأحد فالمرتفع هو بين كل جدولين بالضرورة - والسريجية منسوبة إلي سريج صانعها وقيل نسبة إلي السراج مصغراً لبريقها وهو تخريج رديء - والقلعية إلي قلعة والقساسية منسوبة إلي قساس جبل فيه معدن حديد وقيل ان المشرفية نسبة إلي المشارف وهي قري تداني الريف وهي المزالف ايضا وقيل، ان المشرفية نسبة إلي صانع جاهلي من ثقيف اسمه مشرف - وقالوا في فرند اليمانية انه معوج متسأوي العقد ابيض علي ارض حمراء أو خضراء - والقبورية معروفة بهذا اللقب وكأنها الموجودة في حفائر موتاهم العظماء - وسمعت انها التي لم تقبل الدواء في السبك بالسوية فبقيت فيها عروق لينة اناث لاتشرب الماء وان لتفقت في شفرتيها لم تقطع لعدم الشقاية وان تنحت عن الشفرتين لم تضر - والمهند نسبة إلي ان عمل بالهند وربما نسب إلي سرنديب وغير بالتعريب - قال ابن أحمر -
فخر وجال المهردب شماله ... كسيف السرندي لاح في كف صاقل

والفرند يسمي بخراسان جوهرا مضافا إلي السيف وقد يخفي من الحمي والضقل وإذا اراد الهند اظهاره طلوه بالزاج الاصفر البامياني أو الابيض المولتاني ولولا ان للبامياني فضلا لما حمل إلي المولتان - وفي السقي يطلون متن السيف بطين حر واخثاء البقر وملح كالملغمة ويمتحنون موضع السقي وينقون وجهه من المطلي عليه فيظهر الجزهر ويمكن أن يكون مع الملح زاج والقطع في الفرند والدوص الابيض بسبب صلابته ولكن تينكسار والتفتت مقرونان به - فإذا اكتنفه انثي الحديد الأسود من جانبيه بقاه علي القطع وحفظه من تلك الآفة وهو صفة الجوهر ولن توجد أمة أبصر بأنواعه وأسمائه من الهند - ومن هذا الجوهر ما هو دقيق النقش حتى يشبه بمدب النمل ومنه ما يغلظ نقوشه وتنبسط فيحيل منها صنوف صور كما يتفق في السحاب وفي الماء المسكوب علي الأرض وما حكيناه في الجزع وكان الروس يعملون سيوفهم من الشابرقان والشطب في وسطها من النرماهن لتكون اثبت علي الضرب وأبعد عن الكسر اذ الفولاذ لايقأوم برد شتواتهم وينكسر في الضربة فلما عاينوا الفرند ابدعو للشطب النسج من خيوط ممدورة ومن كلي نوعي الحديد الشابرقان والانثي فحاءلهم في النسج الملحم بالتغريق أشياء عجيبة مستظرفة كما قصدوها وأرادوها - وليس الفرند حاصلا بالقصد في الصنعة ولا آت بالإرادة إنما هو بالاتفاق - ولا بأس ان نذكر ما عرفناه من جهة ذوي البصر بجواهر السيوف مستفادة من الهنود واشرف انواعه واسرفها يسمي بلارك بالباء المعربة بالفاء ومنه سيوفهم النفيسة وخناجرهم الثمينة - ويزعمون أن حديده يسبك من رمل احمر في نواحي كنوج يذوبونه بالتنكار البلوري فان دقيقه لا يصلح إلا للصاغة وهو ماء هناك ينعقد تنكارا والغلبة في هذا الجوهر الابيض من لونيه علي اسودهما - ونوع منه يسمي زوهنا يطبع بالمولتان من البضات الهروية - ونوع يسمي امون يضرب ايضا بالمولتان من تلك البضات وهي ثلاثة اصناف اجناسها يلقب بالعمراني ويقارب بلارك والغلبة في جوهره الأسود واحسنه واردأه يلقب بحرمون وفيما بينهما واسطة واليمانية من السيوف تشابهه ويقاربه نوع اسود نيله بند ونوع يسمي باخري وهو ثلاثة الوان، اصلي يقارب روهينا ومخصوص يشبه بالسقلاطون المخوص وذلك ان البيضة لاتضرب بطولها وإنما تضرب علي رأسها إلي ان تنبسط كالطبق ثم يقطعونهالولبيا ويسوون استدلرتها إلي الاستواء ثم يغدرون السيف منها فيجيء مخوص الجوهر وثالث الالوان باخري كل سيف لا جوهر فيه فان هذا الاسم يطلق عليه من غير صفة ونوع يسمي مجليا - ويشبة باخري الا انه يتفق فيه صور حيوانات وأشجار وغيرها وذلك علي ضربين أحدهما أن تكون الصورة في أحد متني السيف بتمامها والاخري ان بعضها في أحد المتنين وباقي اعضائها قد نفذت حتى ظهرت في الجانب الآخر وهو انفس ضربيه ويقوم بفيل مختار - فان كانت الصورة أنسية فاق الاثمان والقيم - وكان لعمرو بن معدي كرب سيف بذي النون اذ كان في وسطه تمثال سمكة وهو يقول فيه -
وذو النون الصفي معي ... وتحتى الورد مقتعده
وأيضا -
وذو النون الصفي صفي عمرو ... وكل وارد الغمرات نامي
وكان ذو الفقار لمنبه بن الحجاج استخلصه النبي صلي اللّه عليه وسلم واصطفاه لنفسه يوم بدر وكل ماعدا هذه الانواع ولم يجد حديده سموه كوجرة - وكما ان في الخيل دوائر يتيمن بها ويتشاءه دائرة مذمومة تعرف بالقالع كذلك في السيوف ذوي الجواهر موضع اسود كالقطعة الخالية عن النقش إذا قلع اضربا لنصل فلهذا يترك وإذا كان نافذا من متن إلي متن كان شراؤهم يتشاءمون الا انهم يفضلونه في نصفي السيف فان كان نحو طرفيه كان شؤمه علي الخصم وان كان نحو القبضة عاد الشؤم علي صاحبه

ولم يدين علي الحداد الدمشقي كتاب في وصف اليوف التي اشتملت رسالة الكندي علي أوصافها لبتدأ العمل بنصاب الفولاذ بصنعة الكور وعمل البواطق ورسومها وصفة اطيانها وتعيينها ثم أمر ان يجعل في كل بوطقة خمسة ارطال من نعال الدواب ومساميرها المعمولة من النرماهن ومن كل وأحد من الروسختج والمرقشيثا الذهباني والمغنيسيا الهشة وزن عشرة دراهم ويطين البواطق وتودع الكور ويملأ فحما وينفخ عليها بالمنافخ الرومية كل منفاخ برجلين إلي ان تذوب وتدور وقد وقد اعدله صورا في اهليلج وقشر رمان وملح العجين واصداف اللؤلؤ بالسوية مجرشة في كل صورة اربعين درهما يلقي في كل بوطقة وأحدة ثم ينفخ عليها ساعة نفخا شديدا بلا رحمة ثم تترك حتى تبرد وتخرج البيضات عن البواطق - وحدثني من كان بأرض السند انه جلس إلي حداد كان يعمل السيوف فتأملها وكان حديدها نرماهن وكان يذر عليه دواءً مدقوف نعما لونه يضرب إلي الحمرة ويلقيه ويلحمه بالتغريق ثم يخرجه ويطوله بالطرق ويعيد الذر والعمل مرارا قال وسالته عما هو فنظر إلي نظر المستهزيء فتفرست منه انه دوص يمزجه بالنرماهن طرفا وتغريقا كما تعمل البيطضات منه في هرارة بالإذابة وانه ما ذكره الدمشقي في مثله فقد يقال في جوهر السيف اه يستحيل من نوع إلي نوع ولذلك يحمد فيه العتق ويمدح به وعلي استبعادي ذلك احمل قولهم علي معاون النار في أحالة أحد المختلطين إلي الآخر حتى يقلل ابيضه أو اسوده أو علي الصقل حتى يظهر بالتقشير خفيا كان في الباطن تحت الصفيحة العليا من جرمه - ومما يشبه الخزافة في اصل الحديد وان كثر ذكره في كتب الأخبار انه وجد في القندهار عند افتتاحها سارية حديد طولها في السماء سبعون ذراعا فحفر هشام بن عمر عن اصلها فانكشف عن ثلاثين ذراعا منها تحت الأرض - فسأل عنها فأخبر ان تبع اليمن ورد بلادنا مع الفرس ولما استولوا علي الهند سبقوا من سيوفهم هذه السارية وقالوا - نحن لا نريد مجاوزة هذه البلاد إلي غيرها - وملكوا السند وقالوا، كلام من ليس له بصر بمزأولة الفلزات وصنعة الأشخاص العظام منها بل هي حماقة من يحتاج إلي الازدياد في السلاح عند انتلاك البلاد فينقص منها بدل الزيادة كأنه يريد ان يقاتل بالسارية - ويشبه خبر المترددين بين خوارزم وارض الغزية عن علأوة من حديد في قدر البيت العظيم يعبرون عليه في الطريق العادلة - وذلك المؤونة والنفقة فزادت علي القيمة المثقال من الذهب فاعرض عنه ومن الرصاص يعمل الاسفيذاج هو كلسه ولكانه إذا انذاب علته قشرة تنحي عنه بالملعقة فتتجدد فوق وجهها أخري ولا تزال تفعل ذلك وهي تعود إلي أن تحترق كله ثم يبيض بالتسوية البليغة فيخرج لبيض فيه صفرة يسيرة وإذا أذيب في النار حصل منه كالحرف فستقي اللون - قال -
كأنه سيف من رصاص مفضض ... يري حسنا في العين وهو كهام
وكأنه سيف قلعي مموه والشأن في مفضض الرصاص الا ان يكون بالزاق تبر الفضة عليه بالغراء وجدته ايضا في نسخة من نحاس مرصص فكانه للقريب من الامكان واللّه اعلم -

في ذكر الإسرب
وهو الآنك ويعرف بالفارسية اسرفا وهو بخراسان والعراق ويحمل إلي الروم عزيز مسترذل يذوب من تراب مخصوص بذلك ومن احجار في معدنه ولهذا ذل ورخص في سعره وهو بنواحي الشرق عزيز ليس له بها معدن ولذلك يجلب اليها من هذه البلاد - وذكر يحيي بن ماسويه ان الأبار الذي يعمل منه الأدوية وشيافه معروف - قال الشجري طاهر، هو بالسريانية أبار مرفوع الالف غير ممدودة والباء الذي إذا اعرب كان فاء - وقال محمد بن أبي يوسف، هو بالباء وغير ممدودة الألف المفتوحة وانشد -
ذهب يباع بآنك وأبار

ومصلته خمسون رطلا - ووزنه عند قطب الذهب ستون وثمن - زفي مسائل ثأوفرسطس الطبيعية، ان الآنية الواحدة إذا ملئت جرارة أسرب تكون اثقل منها إذا ملئت بالذهب والفضة وما أرى هذه القضية صادقة بحسب أوزانها المتقدمة فلو كان الاعتبار بجرادة الثلاثة لصدق الحكم في الفضة وكذب في الذهب - وكأنه ذهب إلي ان جرادة الاسرب تندمج ولا يبقي في خلالها الا الهواء اليسير الفاصل بين الأجزاء المنفصلة بالجرد وان الذهب والفضة إذا صبا مذابين في الآنية اختنق الهواء فيها فلم تمتلئ الآنية بهما وتبقي فيها مواضع كثيرة خالية هواء - فان كان عني هذا كان واجبا عليه ان يشترط ضيق فم الآنية ثم يظهر كذب الحكم إذا جعلت ذات فمين أحدهما للصب والآخر لخروج الهواء منه واحميت حتى يكون جمود المصبوب فيها بعد حصوله في جوفها - وفي الاسرب شيء من الفضة يشاهد عند احراقه - حكي عن ابن العميد انه خلص فضة فخرج من المصلة وزن عشرة دراهم وسأوتها النفقة فقال لو فضل منها هذا الحاصل بحبة وأحدة لدبرت له - وقال أبو الحسن الترنجي الأبار المستعمل في ادوية العين ليس بالرصاص القلعي ولا بالاسرب المستعمل إنما هو صنف من الاسرب لين صافي يعرف بالمسائح لانه واسط بينهما - ومن الأسرب يجعل المرادسنج عند مخلصي الفضة من السباكين إذا خلصوا النحاس المحرق ومن حملان الفضة فيكون المرادسنج كالغشاء الجلد فرقه - ومنه يعمل الافيذاج بتعليق صفائه في الخل ولفها في ثفل العنب وحجمه بعد العصر فان الاسفيذاج يعلوه علوّ الزنجار علي النحاس وينحت عنها - ومما حدثت به ولا أكاد اصدقه ان وأحدا ببلخ كان يعمل من الاسرب زئبقا فيخرج له من كل خمسة وأحد ويجهزه إلي البلاد زسئل اهله بعده عن ذلك فلم يهتدوا لشيء منه سوي انهم اخبروا بشرائه الاسرب واحراقه اياه وتجهيزه الزئبق إلي معدن الذهب - ولعزة الاسرب في ارضالصين يستعمل الرصاص القلعي بدله فيما يحتاج أليه منه ولهذا يحمل اليها في البضائع - قال بعض تجار البحر، ان من ريمنا ان نحمل للضعفاء بضائع ونتبرك بذلك وأنا كنا في بعض المرات بالأبلة قد اصلحنا شان السفن إلي الصين إذ وقف علي شيخ قال - ان لي حاجة قصدت بها غيرك فجيبني فيها وقصدتك واثقا منك بأنك لاتفعل فعلهم - قال قلت - وما هي - قال - لااقول حتى تضمن قضاءها - ففعلت وأحضر مصلة اسرب نحو المائة منا ثم قال، حاجتي ان تأمر بحملها حتى إذا بلغت اللجة الفلانية أمرت بطرحها في البحر - وما زال بي حتى أخذتها وكتبتها في الروزنامجه باسمه وداره بالبصرة - فلما توسطنا تلك اللجة أنسانا اللّه عز وجل بعصوف الرياح أنفسنا فضلا عن تلك الرصاصة وبلغنا القصد وبعنا ما معنا فحضر رجل يطلب اسربا فأجبته، اني ما حملته منه شيئا - فذكرني الغلام تلك البضاعة فقلت - أخالف الآن الضمان وما علي أن أبيعها - فاشتراها الرجل بمائة وثلاثين دينار وابتعت لصاحبها طرائف من الصين وانصرفنا ولم يأتني الشيخ فصعدت داره وسألت عنه فقيل، انه توفي - فقلت، هل خلف أحدا - فقالوا، ان له ابن اخ في بعض نواحي البحر وان داره موقوفة في يد أمين القاضي - فتحيرت ورجعت إلى الأبله وبعت تلك البضاعة بسبع مائة دينار - وبينا أنا ذات يوم إذ وقف رجل علي رأسي وقال لي، أنت فلان - قلت، نعم - قال، كنت خرجت إلي الصين وبعت بها مصلة عام أول! قلت، نعم - قال، انا اشتريتها وقد قطعتها للاستعمال فوجدتها مجوفة وفيها اثني عشر ألف دينار وقد جشت بها إليك فخذها - قلت له، زدت ويحك في البلية وليس المال لي - وقصصت القصة عليه فتبسم متعجبا وقال، أتعرف الشيخ - قلت، لا الا بما حكيت - قال، هو عمي وليس له وارث غيري وكان يفرط في إعناتي حتى اضطررت إلي الهرب من البصرة منذ سبع عشر سنة وأراد أن يزوي المال عني فأبي اللّه الا ما تري علي رغمه - فأعطيته السبع مائة دينار وذهب إلي البصرة واستوطن دار عمه في أوسع نعمة وأرغدها واللّه الموفق -

في ذكر الخارصيني وأشباهه

قال محمد بن زكريا انه يشبه المرايا الصينية وهو معدوم - ولا محاله انه أضاف العدم إلى ديارنا ولو كان مطلقا لما شبهه شيء ولكان اسما فقط كالعنقاء وغبرايل وأوي - وفي كتاب النخب، انه يشبهه الرصاص في لونه وذوبه - وذكر بعض معارفي انه بنواحي كران وهي بين كابل وبدخشان مما بين الصخور أحجار إذا أذيبت ذابت ذوب الرصاص ويكون ذلك الذوب علي لونه إلا انه يتكسر كالزجاج ولايقبل طرقا ولالتا - قال أبو سعيد القزويني فيما كاتبني به، ان السابق إلي الظن في الخارصيتي انه الجوهر الذي يفرغ منه الاجراص بكاشغر والقدور ببرشخان علي شط انسي كول البحيرة الحارة وأواني في غاية القبح - وذلك من قبل الصناع والصنعة لان ما يعمل منه بالصين يكون في غاية الظرافة والرقة - وقيل انهم يمزجون به الرصاص القلعي فيصير مادة للمرايا الصينية - وفي زرويان بزابلسان احجار يسمونها مرداسنجار وهي بأشكال مختلفة وكالشيء الأسود الملون بصفرة كالزرنيخ يذوب ويسبك منه في قوالب كالتعأويذ والعقائص للهندويات ويسمي خارصيني ويكون مشابها للمرايا للمرايا الصينية والسواد الحديدي فيه اكثر واللّه الموفق -

في ذكر الشبه المعمولات والممزوجات بالصنعة
الشبه نحاس صفر باطعام التويا بالحلأوات وغيرها حتى أشبه بالذهب حتى سمي اشبها - قال السري -
تشبه في الفعال به أناس ... وأني يشبه الشبه النضارا
ولما كانت الصفرة فيه عارضة أخذت النار بقسطها منه عند كل ذوب ولذلك يرفد باطعام جديد من ذلك التوتيا والابلغ به التنقيص إلي الحال الأولي من النحاسية المحضة ومما يستغرب في الشبه انه لا يحترق بالكبريت كما يحترق به سائر الفلزات ما خلا الذهب فكأن مشابهته الذهب بالصفرة تحميه أيضا عن الاحتراق علي انه يجيء في أعمال التلأويح والمينا ذكر الشبه المحرق وان كان فسيقارب أحراقه النحاس - ويستغرب من التوتيا أخلاطه بالنحاس حتى يزيد في وزنه ولا تمنع حجريته الناشئة عن انطراقه وكما ان الصفرة عرض عارض فيه كذلك ما اختلط فيه من التوتيا زائد فيه غير متحد يه كله والتوتيا المستعمل في هذا الباب دخان طين وعرقه يزضع في اتون فيه كأوتاد خزفية ويوقد تحت أرضه فيرتفع التوتيا المدبر يزيد ايضا في وزن الفضة كما زاد في النحاس من غير ان يسودها أو يقدح في انطراقها ثم ينسلخ عنها كانسلاخه عنه فإذا مازج الشبه الذهب أفسده وفتته وعجز الكبريت عن تخليص الذهب منه لأنهما معا لا يحترقان به ولكنه يلازمه كعبد السوء لا يخلصه منه الا بالتسبيك برأس الكلب وأطعام الاسرب علي مثال تخليصهما الفضة من النحاس إذا الكبريت لايخلصهما فانه يحرقهما معا ووزن الشبه بالقياس إلي القطب الذهبي أربعة وأربعون وسبعة أثمان واللّه الموفق -
في ذكر الإسفيذروي
وهو اسم فارسي معناه النحاس الأبيض ويسمي صفرا وذلك بالشبه أولي لصفرته - قال أبو تمام -
كثرة الصفر يمنة وشمالاً ... أضعفت في نفاسة العقيان
وقال أبو سعيد بن دوست -
يقولون لي لما قنعت ببلغة ... من العيش لاتقنع من التبر بالصفر

وقالوا في مبدئه ان الحجاج لما كسر أواني الذهب والفضة بأرض العراق وفارس وشدد في حضر الشرب كره فيروز مولي الحصين الشرب بالزجاج وقال - أتذكر منه المحاجم فخلط له الفضة بالنحاس وصنع له جامات ثم أبدلت له الفضة بعد ذلك بالرصاص ويستعمل في الأواني والمشارب وكيزان الماء والإجانات وطساس غسل الثياب لتباعده قليلا عن التزنجر والتوسخ واهل سجستان مخصوصان بالحذق في عمله والتنوق فيه معتادون لاستعماله والصفارية ممتهنون قبل ارتقاء الملك وفي سفالة الزنج نحاس في غاية الجودة لايسود علي النار بل يتطوس ويحملون عليه الرصاص فيصير كالشبه وينقاد للانطراق لا كالصفر في إبائه اياه - ومزاج الصفر مزاج حقيقي لانهما بعد الاتحاد لايتميزان بحيلة يعودان بها إلي سنخيهما بالانفراد وإنما يبقيان معا ما بقيا ويفسدان معا إذا فسدا والطبيعيون بأسرهم مجمعون علي تحديد الحرارة والنار بأنها الجامعة للأشياء المتجانسة والمتفرقة بين غير المتجانسة ومثله الكندي شرحا فقال - من خاصية النار جمع أجزاء كل وأحد من الأجساد المعدنية جملة واحدة محدودة وتفريق الممتزجة منها إذا اختلفت جواهرها لأنها تحرق ما لاقت في قدر من الزمان فإذا لاقتهما ممتزجين قبلت علي أحالة أضعافهما بالإحراق حتى تفنيه ويبقي الأقوى - وقال - هذا هو الذي فتأ اومانيس حتى رجع إلي وعض افلاطن اذ كان يريد إدخال جوهر صابغ علي آخر يقومان علي النار ولا يفنيان الا معا ويكون جثة المتصبغ في الوزن والعظم مثل المعدني - وبهذا الشرط الأخير بطل صنهة الفضة والذهب الا أن ما نقدمه لاتطرده في الاسفيذروي لان النار فيه لا تسبق إلي إفناء الرصاص قبل النحاس وإنما تفنيان معا والحد المذكور ان لم يذكر فيه المعدن مع الأجساد وكان الغربال أحق به - وللكيميايين نسب الرموز والألغاز ألقاب للأجساد بأسماء الكواكب يظن بها موافقة لما عليه المنجمون وهي مخالفة لآرائهم وقد عللوا منها تعاشق الرصاص والنحاس للزهرة والرصاص للمريخ والشابة تلهج الشاب فتلازمه والمنجمون يجعلون دلالة الرصاص علي المشتري والنحاس للمريخ وليس بينهما إلا تلاصق الأفلاك - ووزن الصفر عند وزن قطب الذهب ستة واربعون وخمسة امان ولي في ذلك شبهات لايحملها الا التجربة وتوإلي الامتحان ولم تمكن الايام منها - واللّه الموفق -

في ذكر البتروي
وهو نحاس كسرت حمرته باسرب القي عليه حتى اختلط ومنه تفرغ الهواوين والطناجير وإذا كان الملقي عليه شبها غلبه الصفر ويسمي شبها مفرغا يعمل منه المنارات والمسارج وما يوضع في الكوانين من الاسطام والخطاف والكلبتين وافرغ منه حياض الماء للمساجد والممار وأمثالهما - واتخيل من معني اسمه إذا شدد منه التاء انه شر المس لانه مشابه للخبث غير مؤات لإكثار الطرق الإفراط في الكي - وربما اقتصر من اسمه علي روي وازيل من النحاس فخلس له اسم المس - وليس بين الاسرب والنحاس مثل بين النحاس والرصاص لأن المخلوط منهما إذا عرض علي اللهيب وخاصة مع الدسم سال اسربه وبقي نحاسه - والكيميائيون يجعلون الاسرب لزحل وهو هرم سمج فالخريدة تنفر عنه وتكره قربه فتبعده عن نفسها ولا تخالطه -
ذكر الطاليقون
قد يجيء في الكتاب ذكر الطاليقون من غير أيضاح فيها بمائيته ولم أتحققه من عيان أو سماع معتمد - ويذكر في كتب الطب أن المنفاش المعمول منه إذا نتف به الشعر الزائد في اهداب الأجفان منع عوده وقطع نباته - وقيل أيضا ان العين ترمد وتفسد بالنظر في مرآة معمولة من الطاليقون - وفي كتاب النخب انه معمول من الشبه وفي كتاب الاحجار - انه جنس من النحاس الا أن الأوائل اكسبوه من الادوية الحادة سمية حتى اضر باللحم والدم إذا خالطهما - وإذا انتهينا إلي هذا الموضع فقد بلغنا ما أردنا ووفينا ما كنا وعدنا - ولنختم الكتاب بمثل ما افتتحنا به من الحمد للّه الفضل الجائد بالخير علي جميع الخلق المرغوب اليه في أيالة الأمير السيد الملك المؤيد السلطان المعظم شهاب الدولة وقطب الملة وفخر الأمة السعادة علي الأبد بعد تطاول الأمد انه على كامل يشاء قدير وبالإجابة جدير.