كتاب : أدب المجالسة وحمد اللسان وفضل البيان وذم العي وتعليم الإعراب
المؤلف : يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري أبو يوسف

بسم الله الرحمن الرحيم
  وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أما بعد
فإن أول ما ابتدىء به كتاب وافتتح به خطاب حمد الله على جزيل عطائه وشكره بجميل آلائه
ثم الصلاة على خاتم أنبيائه وعاقب رسله صلوات الله عليهم أجمعين ورحمته وسلامه عليهم في العالمين
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وفضلنا به على جميع الأنام وجعلنا من أمة سيدنا ومولانا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام

باب أدب المجالسة وحق الجليس
  قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
المجالس بالأمانات وإنما يتجالس الرجلان بأمانة الله عز و جل فإذا افترقا فليستر كل واحد منهما حديث صاحبه
  وقال صلى الله عليه و سلم
إذا قام الرجل من مجلسه فهو أحق به حتى ينصرف ما لم يودع جلساءه بالسلام
  وقال صلى الله عليه و سلم

لا يحل لأحد أن يفرق بين اثنين متجالسين إلا بإذنهما ولكن تفسحوا وتوسعوا
  قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه
مما يصفي لك ود أخيك أن تبدأة بالسلام إذا لقيته وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه وأن توسع له في المجلس
  قال أبو أيوب الأنصاري
من أراد أن يكثر علمه فليجالس غير عشيرته

  قال ابن شهاب
كان رجل يجالس رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان لا يزال يتناول عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم الشيء فكأن ذلك آذى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم
إذا نزع أحدكم من أخيه شيئا فليره إياه
  وحدث الحسن البصري أن رجلا تناول من رأس عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيئا فتركه مرتين ثم تناول الثالثة فأخذ عمر بيده وقال أرني ما أخذت فإذا هو لم يأخذ شيئا فقال انظروا إلى هذا قد صنع بي هذا ثلاث مرات يريني أنه يأخذ من رأسي شيئا ولا يأخذ شيئا فإذا أخذ أحدكم من رأس أخيه شيئا فليره إياه
  قال الحسن
نهاهم أمير المؤمنين عن الملق

  قال ابن عباس رحمه الله
أعز الناس علي جليسي الذي يتخطى الناس إلي أما والله إن الذباب يقع عليه فشق ذلك علي
  وعن ابن عباس أنه سئل من أكرم الناس عليك
قال جليسي
  قال معاوية ل عرابة الأوسي
بأي شيء استحققت أن يقول فيك الشماخ
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين

فقال عرابة هذا من غيري أولى بك وبي يا أمير المؤمنين فقال عزمت عليك لتخبرني
فقال بإكرامي جليسي ومحاماتي عن صديقي فقال إذن استحققت
  قال علي بن حسين
ما جلس إلي أحد قط إلا عرفت له فضله حتى يقوم
  قال عبد الله بن يزيد
وطن نفسك على الجليس السوء فإنه لا يكاد يخطئك وروي هذا من كلام أبي خازم والله أعلم

  قال الأحنف
لأن أدعى من بعد أحب إلي من أن أقصى عن قرب
  وقال البعيث بن حريث
وإن مكاني بالندى وموضعي ... لبا لموضع الأقصى إذا لم أقرب
ولست وإن قربت يوما ببائع ... خلاقي ولا ديني ابتغاء التحبب
وقد عده قوم كثير تجارة ... ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي

  جلس رجل إلى الحسن بن علي فقال
جلست إلينا على حين قيامنا
  كان يقال
إياك وكل جليس لا تصيب منه خيرا
  وكان يقال
من سره أن يتعاظم حلمه وينفعه علمه فليقل من مجالسة من كان بين ظهرانيه
  قال ابن شبرمة لابنه
يا بني إياك وطول المجالسة فإن الأسد إنما يجتريء عليها من أدمن النظر إليها

  وهذا مأخوذ من قول أردشير لابنه
يا بني إن أجرأ الناس على السباع أكثرهم لها معاينة
  وقال معاذ بن جبل إياك وكل جليس لا يفيدك علما
  وقيل لبعض الحكماء
متى يجب على ذي المروءة إخفاء نفسه وإظهارها قال
على قدر ما يرى من نفاق المروءة وكسادها
  قال ابن المعتز

رأيت حياة المرء ترخص قدره ... وإن مات أغلته المنايا الطوامح
فما يخلق الثوب الجديد ابتذاله ... كما تخلق المرء العيون اللوامح
  كان يقال
إذا دخلت على أحد فسلمت فقم حتى يشير إليك صاحب المنزل أن تجلس فالقوم أعلم بعورات بيوتهم
  كان يقال
مجالس الكرام ومجالس الأسواق تلغي وتلهي

  ل كشاجم
جليس لي أخو ثقة ... كأن حديثه خبره
يسرك حسن ظاهره ... وتحمد منه مختبره
ويستر عيب صاحبه ... ويستر أنه ستره

باب حمد اللسان وفضل البيان
  قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أنها تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة
  قال معاذ قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله
  وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
أفضل الصدقة صدقة اللسان تدفع بها الكريهة وتحقن بها الدم

  قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
أفضل الجهاد كلمة حق عند ذي سلطان جائر
  قال أبان بن سليم
كلمة حكمة لك من أخيك خير من مال يعطيك لأن المال يطغيك والكملة تهديك
  وقال
خير الكلام ما دل على هدى أو نهى عن رديء
  ذكر عند الأحنف بن قيس الصمت والكلام فقال قوم الصمت أفضل قال ألأحنف الكلام أفضل لأن الصمت لا يعدو صاحبه والكلام ينتفع به من سمعه ومذاكرة الرجال تلقيح لعقولها

  روي عن البني صلى الله عليه و سلم
إذا أراد الله بعبد خيرا تكلم بخير فغنم أو سكت فسلم
  وقالوا
الكلام بالخير غنيمة والسكوت سلامة ومن غنم أفضل ممن سلم
  قال أعرابي
من فضل اللسان أن الله عز و جل أنطقه بتوحيده من بين سائر الجوارح
  وقال عبد الملك بن مروان
الصمت نوم والنطق يقظه
  قال خالد بن صفوان
ما الإنسان لولا البيان إلا صورة ممثلة أو بهيمة مرسلة أو ضالة

مهملة
  وكان يقال ألألسنة خدم الجوارح
  قال ربيعة الرأي
الساكت بين النائم والأخرس
  قالوا
المرء بأصغرية لسانه وقلبه
  وكان يقال
يجد البليغ من ألم السكوت كما يجد العي من ألم الكلام

وكان يقال
عقل المرء مخبوء تحت لسانه  قال حسان بن ثابت
لساني وسيفي صارمان كلاهما ... ويبلغ ما لا يبلغ السيف مذودي  وقال الخليل رحمه الله
لساني وسيفي صارمان كلاهما ... وما السيف أقوى وقعة من لسانيا

وقال ابن سيرين
لا شيء أزين على الرجل من الفصاحة والبيان ولا شيء أزين على المرأة من الشحم  قال الشاعر
وكائن ترى من معجب لك صامت ... زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم  روى ابن عمر قال
قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال

رسول الله صلى الله عليه و سلم
إن من البيان لسحرا
فتأولت طائقة هذا على الذم لأنه مذموم وذهب الأكثر من أهل العلم وجماعة من أهل الأدب إلى أنه على المدح لأن الله تعالى مدح البيان وأضافه إلى القرآن وقد أوضحنا هذا في كتاب التمهيد والحمد لله  وقد قال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله حاجة فأحسن المسألة فأعجبه قوله فقال
هذا والله السحر الحلال  وقال علي بن عباس بن الرومي
وحديثها السحر الحلال لو أنها ... لم تجن قتل المسلم المتحرز

في أبيات قد ذكرتها في موضعها من هذا الكتاب  وقال الحسن
الرجال ثلاثة رجل بنفسه ورجل بماله ورجل بلسانه  وكان يقال
في اللسان عشر خصال محمودة أداة يظهر بها البيان وشافع تدرك به الحاجة وواصف تعرف به الأشياء وواعظ ينتهي به عن القبيح ومعز تسكن به الأحزان وملاطف تذهب به الضغينة وموفق يلهى به الأسماع

نظر معاوية إلى ابن عباس فأتبعه ببصره ثم قال متمثلا بقول الشاعر
إذا قال لميترك مقالا لقائل ... مصيب يثن اللسان على هجر
يصرف بالقول اللسان إذا انتحى ... وينظر في أعطافه نظر الصقر  كان يقال
الجمال في اللسان  قيل لأعرابي ما الجمال

قال طول الجسم وضخم الهامة ورحب الشدق  قال حبيب
لسان المرء من خدم الفؤاد ...  وقال آخر
والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر  ول حسان بن ثابت يمدح عبد الله بن عباس
لساني وكفى في النفوس ولم يدع ... لذي إربة في القول جدا ولا هزلا

ابن أبي حازم
أوجع من وقعة السنان ... لذي الحجا وجرة اللسان

باب ذم العي وحشو الكلام قال أبو هريرة
لا خير في فضول الكلام  قال عطاء
كانوا يكرهون فضول الكلام  وقالوا بترك الفضول تكمل العقول  وقالوا فضول الكلام ما ليس في دين ولا دنيا  وقالوا الصمت صيانة اللسان وستر العي

وقالوا العي الناطق أعيا من العي الساكت  وقالوا أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره وما ظهر معناه في لفظه  وروي عن عبد الله بن عمر أنه قيل له لو دعوت لنا بدعوات فقال اللهم ارحمنا وازرقنا وعافنا
فقال رجل لو زدتنا يا أبا عبد الرحمن فقال نعوذ بالله من الإسهاب  وقيل من كثر كلامه كثرت خطاياه  وقال عمر بن الخطاب
من كثر كلامه كثر سقطه

قال يعقوب عليه السلام لبنيه
يا بني إذا دخلتم على السلطان فأقلوا الكلام  وقال أبو هريرة
ما من شيء إلا وهو يحتاج إلى فضوله يوما إلا فضول الكلام  وقال الحسن
رحم الله عبدا أوجز في كلامه واقتصر على حاجته فإن الله يكره كثرة الكلام  وكان يقال أفضل الكلام ما قلت ألفاظه وكثرت معانيه  أخذ هذا المعنى أحمد بن اسماعيل الكاتب فقال
خير الكلام قليل ... على كثير دليل
والعي معنى قصير ... يحويه لفظ طويل

وقال أبو العتاهية
والصمت أجمل بالفتى ... من منطق في غير حينه
لا خير في حشو الكلام ... إذا اهتديت إلى عيونه  قال بعض قضاة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقد عزله لم عزلتني
قال بلغني أن كلامك مع الخصمين أكثر من كلام الخصمين إليك  تكلم ربيعة الرأي يوما وإلى جانبه أعرابي فأكثر الكلام

وأعجبته نفسه فقال له يا أعرابي ما تعدون العي فيكم ييييي
قال ما كنا فيه منك اليوم  قال الخشني
وما العي إلا منطق متتابع ... سواء عليه حقه أو باطله  قالت العرب
لا يجتريء على الكلام إلا فائق أو مائق

وقال النمر بن تولب
أعذني رب من حصر وعي ... ومن نفس أعالجها علاجا  وقال آخر
عجبت لإدلاء العيي بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالحق أعلما
وفي الصمت ستر العي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما  وقال بعض الحكماء
ليس شيء إلا إذا أثنيته قصر إلا الكلام فإنك كلما أثنيته طال

قالوا أعيا العي بلاغة بعي وأقبح اللحن لحن بإعراب  كان مالك بن أنس يعيب كثرة الكلام ويذمه ويقول
لا يوجد كثرة الكلام إلا في النساء والضعفاء  ذم أعرابي رجلا فقال
هو من يتامى المجالس أعيا ما يكون عند جلسائه أبلغ ما يكون عند نفسه

باب في تعليم الإعراب واجتناب اللحن وذم الغريب في الخطاب
  كتب عمر إلى أبي موسى
أما بعد فتفقهوا في السنة وتعلموا العربية  وروي عنه أيضا رضي الله عنه أنه قال
رحم الله عبدا أصلح لسانه  قال علي بن محمد العبرتاني
رأيت لسان المرء وافد عقله ... وعنوانه فانظر بماذا تعنون

فلا تعد إصلاح اللسان فإنه ... يخبر عن ما عنده ويبين
ويعجبني زي الفتى وجماله ... ويسقط من عيني ساعة يلحن
علي أن للإعراب حدا وربما ... سمعت من الأعراب ما ليس يحسن
ولا خير في اللفظ الكريه سماعه ... ولا في قبيح الظن في الفعل أحصن  كان عبد الله بن عمر يضرب ولده على اللحن  قال شعبة
مثل الذي يحفظ بل يتعلم الحديث ولا يتعلم النحو مثل السرير لا رأس له  قال الخليل بن أحمد شعرا في المعنى
اطلب النحو للحجاج وللشعر ... مقيما والمسند المروي

والخطاب البليغ عند جواب القول ... وهنا بمثله في الندي
تنظم الحجة الشتيتة في السلك ... من القول مثل عقد الهدي
وترى اللحن بالحسيب أخي الهيبة ... مثل الصدى على المشرفي  قال عبد الملك
اللحن سخفة بالشريف

وقال أيضا
اللحن في الكلام أقبح من آثار الجدري في الوجه  قال ابن شبرمة
إذا سرك أن تعظم في أعين من كنت عنده صغيرا ويصغر في عينك من كان فيه كبيرا فتعلم العربية فإنها تجزيك عن المنطق وتدنيك من السلطان  قال الشاعر
النحو يصلح من لسان الألكن ... والمرء تكرمه إذا لم يلحن
وإذا أردت من العلوم أجلها ... فأجلها منها مقيم الألسن
لحن الشريف يزيله عن قدره  ...
وترى الوضيع إذا تكلم معربا ... نال الكرامة باللسان الأحسن

ورأى أبو الأسود الدؤلي أعدالا للتجار عليها مكتوب لأبو فلان فقال سبحان الله يلحنون ويربحون  قال رجل ل الحسن البصري يا أبو سعيد فقال كسب الدراهم شغلك عن أن تقول يا أبا سعيد  مر خالد بن صفوان بقوم من الموالي يتكلمون في العربية فقال لئن تكلمتم فيها فأنتم أول من أفسدها  وقالوا العربية تزيد المروءة

وقالوا من أحب أن يجد في نفسه الكبر فليتعلم العربية  وقال أبو شمر
قاريء النحو إذا دخله الكبر استفاد السخط من الله والمقت من الناس  وقال الخليل بن أحمد يوما
لا يصل أحد من النحو إلى ما يحتاج إليه ولا يتعلم ما لا يحتاج إليه  وروي عنه في هذا الخبر أنه قال
من لم يصل إلى ما يحتاج إليه إلا بمالا يحتاج إليه فقد صار محتاجا إلى ما لا يحتاج اليهض

وروي أن هذه القصة عرضت ل الخليل مع أبي الهذيل العلاف وروي أنها عرضت ل أبي عبيدة مع النظام والذي تقدم أصح إن شاء الله تعالى  قال المأموني
سأترك النحو لأصحابه ... وأصرف الهمة للصيد
إن ذوي النحو لهم همة ... مرسلة بالمكر والكيد
يضرب عبد الله زيدا ... ويزيد عبد الله من زيد  كتب أبو غسان رفيع المعروف ب دماذ الى عثمان النحوي المازني
تفكرت في النحو حتى مللت ... وأتعبت نفسي به والبدن
وأتعبت بكرا وأصحابه ... بطول المسائل في كل فن
خلا أن بابا عليه العفا ... ء للفاء يا ليته لم يكن
فكنت بظاهره عالما ... وكنت بباطنه ذا فطن

وللواو باب إلى جنبه ... من المقت أحسبه قد لعن
إذا قلت هاتوا لماذا يقال ... لست بآتيك أو تأتين
أجيبوا لما قيل هذا كذا ... على النصب قالوا بإضمار أن  قال غيره
ماذا لقيت من المستغربين ومن ... قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا
إن قلت قافية بكرا يكون لها ... حتى يخالف ما قاسوا وما صنعوا
قالوا لحنت وهذا الحرف منخفض ... وذاك نصب وهذا ليس يرتفع

وحرشوا بين عبد الله واجتهدوا ... وبين زيد فطال الضرب والوجع
فقلت واحدة فيها جوابهم ... وكثرة القول بالإيجاز تنقطع
ما كان قولي مشروحا لكم فخذوا ... ما تعرفون وما لا تعرفوا فدعوا
حتى أعود إلى القوم الذين غدوا ... بما غديت به والقول يتسع
فيعرفوا منه معنى ما أفوه به ... : كأنني وهم في قوله شرع
كم بين قوم قد احتالوا لمنطقهم ... وبين قوم على الإعراب قد طبعوا
وبين قوم رأو شيئا معاينة ... وبين قوم حكوا بعد الذي سمعوا
إني ربيت بقوم لا تشب بها ... نار المجوس ولا تبنى بها البيع
ولا يطأ القرد والخنزير تربتها ... لكم بها الريم والآساد والضبع

باب اختلافهم في البلاغة قال المفضل
قيل لأعرابي ما البلاغة قال إيجاز من غير عجز و إطناب في غير خطل  وقيل ل الأحنف ما البلاغة قال في استحكام الحج والوقف عندما يكتفى به  قال خالد بن صفوان لرجل كثر كلامه إن البلاغة ليست بكثرة الكلام ولا بخفة اللسان ولا بكثرة الهذيان ولكنها إصابة المعنى والقصد إلى الحجة

وقيل لأعرابي ما البلاغة فقال لمحة دالة على ما في الضمير  وقيل ل بشر بن مالك ما البلاغة فقال التقريب من البغية والتباعد من حشو الكلام ودلالة بالقليل على الكثير  سئل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ما البلاغة فقال القصد إلى عين الحجة بقليل اللفظ  وقال غيره
البلاغة معرفة الفصل من الوصل وفرق بين المطلق والمقيد وما يحتمل التأويل ويستغني عن الدليل

وقيل لبعض اليونانية ما البلاغة فقال تصحيح الأقسام واختيار الكلام  وقيل لرجل من الهند ما البلاغة
فقال حسن الإشارة وإيضاح الدلالة والبصر بالحجة وانتهاز موضع الفرصة  وسأل معاوية بن أبي سفيان صحارا العبدي
ما تعدون البلاغة فيكم فقال الإيجاز قال وما الإيجاز
قال أن تقول فلا تخطيء وتسرع فلا تبطيء
ثم قال أقلني يا أمير المؤمنين قال قد أقلتك قال ألا تخطيء ولا تبطيء

وقد روي مثل هذا المعنى ل الحجاج مع ابن القبعثري والله أعلم  وقالوا
أبلغ الناس أحسنهم بديهة وأسلمهم لفظا  قال خالد بن صفوان
خير الكلام ما ظرفت معاليه وشرفت مبانيه والتذت به آذان سامعيه

باب من خطب فارتج عليه
  صعد عثمان بن عفان رضي الله عنه المنبر فارتج عليه فقال
إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام عملا وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وسأعود فأقول  وروي في هذا الخبر
أنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل  وارتج يوما على عبد الملك بن مروان فقال
نحن الى الفصل منا في الرأي أحوج منا في الفصل في المنطق

وارتج على معن بن زائدة وهو في المنبر فضرب المنبر بيده فقال فتى حروب لا فتى منابر  وصعد روح بن حاتم المنبر فرأى القوم قد شغروا أبصارهم وفتحوا أسماعهم فقال
نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم فإن أول كل مركب صعب وإذا فتح الله فتح قفل تيسر  خطب مصعب بن حيان خطبة نكاح فحصر فقال
لقنوا أمواتكم شهادة أن لا إله إلا الله
فقالت أم الجارية عجل الله موتك ألهذا دعوناك  قيل لرجل قم فاصعد المنبر فتكلم فقام فلما صعد المنبر حصر فقال الحمد لله الذي يرزق هؤلاء وبقي ساكتا فأنزلوه وأصعدوا آخر فلما استوى قائما وقعت عينه على رجل أصلع فحصر فقال
اللهم العن هذه الصلعة

صعد عتاب بن ورقاء منبر أصبهان فحصر فقال ولا أجمع عليكم عيا وبخلا ادخلوا سوق الغنم فمن أخذ شاة فعلى ثمنها وهي له  وصعد آخر المنبر فقال
إن الله لا يرضى لعباده المعاصي ولقد أهلك أمة من الأمم بعقرهم ناقة لا تساوي مائتين وخمسين درهما
فسمى مقوم الناقة  صعد المنبر أعرابي فقال
أقول لكم ما قال العبد الصالح ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد
فقالوا له هذا فرعون فقال قد والله أحسن القول

قال بزرجمهر
هيبة الزلل تورث حصرا وهيبة العاقبة جبنا

باب حمد الصمت وذم المنطق قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم
من صمت نجا  وروينا عن عقبة بن عامر أنه قال يار سول الله فيم النجاة فقال
يا عقبة أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك

ويروى عن أبي الدرداء أنه قال
الصمت حكم وقليل فاعله  وقد روي ذلك مرفوعا وروي أنه من كلام لقمان والله أعلم  وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت

وعن عيسى عليه السلام أنه قال
لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم  وعنه صلى الله عليه و سلم وعلى نبينا وأفضل السلام
البر ثلاثة المنطق والنظر والصمت فمن كان منطقه في غير ذكر الله تعالى فقد وهى ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سها ومن كان صمته في غير تفكر فقد لها  وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه

وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
إن الله يكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال  قيل ل بكر بن عبد الله المزني إنك تطيل الصمت فقال إن لساني سبع إن تركته أكلني  وأنشد الخشني شعرا
لسان الفتى سبع عليه مراقب ... فإن لم يدع مرغوبه فهو آكله

وقال آخر
القول لا تملكه إذا نما ... كالسهم لا يرجعه رام رمى  قال هبيرة بن أبي وهب
وإن مقال المرء في غير كنهه ... لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها  وقال أبو العتاهية
من لزم الصمت نجا ... من قال بالخير غنم  اجتمع أربعة حكماء فقال أحدهم أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت وقال الآخر لأن أندم على ما لم أقل خير من أن أندم على ما قلت وقال الثالث إذا تكلمت بالكلمة

ملكتني وإن لم أتكلم بها ملكتها وقال الرابع عجبت ممن يتكلم بالكلمة إن ذكرت عنه ضرته وإن لم تذكر عنه لم تنفعه  وقال طرفة
وأعلم علما ليس بالظن أنه ... إذا ذل مولى المرء فهو ذليل
وأن لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل  وقال غيره
عليك بالصمت فإن لم يكن ... من القول بد فقل أحسنه
فربما فارقت بالذي ... تقول أماكنها الألسنة

كان يقال
العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت وجزء في الهرب من الناس  وقال صلى الله عليه و سلم
إن من شر الناس الذين يكرهون لاتقاء ألسنتهم

وقال الشاعر
صمت على أشياء لو شئت قلتها ... ولو قلتها لم أبق للصلح موضعا  وقال منصور الفقيه
خرس إذا سألوا وإن ... قالوا عيي أو جبان
فالعي ليس بقاتل ... ولربما قتل اللسان  قال امروء القيس
إذا المرء لم يحزن عليه لسانه ... فليس على شيء سواه بخزان

وقال آخر
قد أفلح الساكت الصموت ... كلام واعي الكلام قوت
ما كل قول له جواب ... جواب ما تكره السكوت
يا عجبا لامريء ظلوم ... مستيقن أنه يموت  روينا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أخذ يوما بطرف لسانه فقال
ها إن هذا أوردني في الموارد  قال ابن مسعود
إن كان السموم في شيء ففي اللسان ووالله ما على وجه الأرض شيء أحق بطول سجن من اللسان

أخذه الشاعر فقال
وما شيء إذا فكرت فيه ... أحق بطول سجن من لسان  كان يقال
اللسان سبع عقور  أخذه الشاعر فقال
رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا  قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم

قال الله تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد  وقال تعالى وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون  وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
إن الله عقد لسان كل قائل فلينظر المرء ما يقول  قال عمار الكلبي
وقل الحق وإلا فاصمتن ... إنه من لزم الصمت سلم

إن طول الصمت خير للفتى ... من مقال فيه عي وبكم  قال النبي صلى الله عليه و سلم
رحم الله امرءا أمسك فضل لسانه وبذل فضل ماله وعلم أن كلامه محصي عليه  قال الأصبحي
من كثر كلامه كثرت خطاياه  وقال أبو الدرداء
من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه  وقال مالك بن دينار
لو كانت الصحف من عندنا لأقللنا الكلام

لما خرج يونس من بطن الحوت أطال الصمت فقيل له ألا تتلكم فقال الكلام صيرني في بطن الحوت  قال عمر بن عبد العزيز
الفقه الأكبر القناعة وكف اللسان  وسئل عمر بن عبد العزيز عن قتلة عثمان فقال
تلك دماء كف الله عنها يدي ... فأنا أكره أن اغمس فيها لساني  قال يزيد بن أبي حبيب

المتكلم ينتظر الفتنة والمتصنت ينتظر الرحمة  ويقال
شر ما طبع الله عليه المرء خلق دنيء ولسان بذيء  وقالوا
البذاء من النفاق

باب ذم العي وحشو الكلام قال ابن القاسم
سمعت مالكا يقول
لا خير في كثرة الكلام واعتبر ذلك بالنساء والصبيان إنما هم أبدا يتكلمون ولا ينصتون  وقال الحسن
لسان العاقل من وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم فكر فإن كان له قال وإن كان عليه سكت وقلب الجاهل من وراء لسانه

قال نصر بن أحمد
لسان الفتى حتف الفتى حين يجهل ... وكل امريء ما بين فكيه مقتل
وكم فاتح أبواب شر لنفسه ... إذا لم يكن قفل على فيه مقفل
إذا ما لسان المرء أكثر هذرة فذاك لسان بالبلاء موكل
إذا شئت أن تحيا سعيدا مسلما ... فدبر وميز ما تقول وتفعل  قال صالح بن جناح
أقلل كلامك واستعذ من شره ... إن البلاء ببعضه مقرون
واحفظ لسانك واحتفظ من عيه ... حتى يكون كأنه مسجون

وكل فؤادك باللسان وقل له ... إن الكلام عليكما موزون
فزناه وليك محكما في قلة ... إن البلاغة في القليل تكون  قال اللاحقي
اخفض الصوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام
واحذر الحيط أن يكون وراءه ... سارق السمع واعيا للكلام  قال الحكماء
إذا تم العقل نقص الكلام  وقالوا

فضل العقل على المنطق حكمة وفضل المنطق على العقل هجنة  قال عمرو بن العاص
ذلة الرجل عظم يجبر وزلة اللسان لا تبقي ولا تذر  قال أعرابي
عثرات اللسان لا تستقال ... وبأيدي الرجال تجزى الرجال
فاجعل العقل للسان عقالا ... فشراد اللسان داء عضال
إن ذم اللسان مبق على العرض ... وبالقول تستبان الفعال  وقال منصور الفقيه
واخرس إذا خفيت أمور ... الحق عنك عن الإجابة
فأقل ما يجزى الفتى ... بسكوته عز المهابة

وقال محمود الوراق
ولفظك حين تلفظ في جميع فلا تكذب مقدمة لفعلك فزنه إن أردت القول وزنا وإلا هد من أركان نبلك  وقال آخر
ومن لا يملك الشفتين يسخو ... بسوء اللفظ من قيل وقال

باب المزدوج من الكلام قال ابن عباس رحمه الله
الزوجة أحد الكاسبين  وقلة العيال أحد اليسارين  المال أحد الجاهين  العجيزة أحد الحسنين  البياض أحد الجمالين

المرق أحد اللحمين  الدعاء أحد الصدقتين  إصلاح المال أحد الكاسبين  السامع للغيبة أحد المغتابين  الراوية للهجاء أحد الهجائين  المبلغ أحد الشاتمين

فصل منه الأحمران اللحم والزعفران العمران أبو بكر وعمر وقال
قتادة عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز  القمران الشمس والقمر  المكتان مكة والمدينة  الأبوان الأب والأم

الجديدان الليل والنهار  الأسودان التمر والماء  الأطيبان الأكل والجماع  الأجوفان الفم والفرج  الأصفران اللسان والقلب  الأكبران الهمة واللب  الأصمعان الفهم الذكي والرأي الحازم

وفي قول الفرزدق أخذنا بأطراف السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع  وقال قيس بن زهير
جزاني الزهدمان جزاء سوء ... وكنت المرء يجزى بالكرامة

باب الأجوبة المسكتة وحسن البديهة
  لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر بضرب عنق عقبة بن أبي معيط قال له من للصبية يا محمد قال النار  قال الأعمش رحمه الله احذروا الجواب فإن عمرو بن العاص قال ل عدي بن حاتم
متى فقئت عينك يا أبا طريف قال يوم طعنت في إستك وأنت مول
يعني يوم صفين

تربع سليمان بن الشمردل في مجلس بلال بن أبي بردة فقال له لقد جلست جلوس بغي قال إنك لعالم بجلوسهن  شهد أعرابي بشهادة عند معاوية فقال له كذبت فقال الكاذب والله المزمل في ثيابك قال معاوية هذا جزاء من عجل  أنشد ابن الرقاع معاوية قصيدة يذكر فيها الخمر فقال معاوية أما إني ارتبت فيك في جودة وصف الشراب فقال وأنا قد أرتبت بك في معرفته

قال تميم بن نصر بن سيار لأعرابي هل أصابتك تخمة قط قال أما من طعامك فلا  قال عبد الملك بن مروان ل بثينه
ما رجا منك جميل
قالت ما رجت منك الأمة حين ملكتك أمرها  قيل لبعضهم صحبت الأمير فلانا إلى اليمن فما ولاك قال قفاه  قيل لأعرابي صف لنا النخلة قال سريعة العلوق واسعة العروق

وقيل ل ابن الثوام صف لنا النخلة قال صعبة المرتقى بعيدة المدى مهولة المجتنى رهيبة السلاح شديدة المؤنة قليلة المعونة خشنة الملمس ضئيلة الظل  دخل معن بن زائدة على المنصور فأسرع المشي وقارب في الخطو فقال له المنصور كبر سنك يا معن قال في طاعتك قال إنك مع ذلك لجلد قال على أعدائك يا أمير المؤمنين قال وإن فيك لبقية قال هي لك يا أمير المؤمنين

باب الأدب قال محمد بن سيرين كانوا يقولون أكرم ولدك وأحسن أدبه
كان يقال من أدب ابنه صغيرا أرغم أنف عدوه  قال الحسن
التعلم في الصغر كالنقش على الحجر  قال الشاعر

خير ما ورث الرجال بنيهم ... أدب صالح وحسن الثناء
هو خير من الدنانير والأوراق ... في يوم شدة أو رخاء
تلك تفنى والدين والأدب الصالح ... لا يفنيان حتى اللقاء  كان يقال من أدب ابنه صغيرا قرت به عينه كبيرا  قال لقمان
ضرب الوالد للولد كالماء للزرع  قال بعض الحكماء
لا أدب إلا بعقل ولا عقل إلا بأدب  كان يقال
نعم العون لمن لا عون له الأدب

قال الحجاج ل ابن القرية ما الأدب قال تجرع الغصة حتى تمكن الفرصة  قال محمد بن جعفر
الأدب رئاسة والحزم كياسة والغضب نار والسخف عار  قال ابن القرية
تأدبوا فإن كنتم ملوكا سدتم وإن كنتم أوساطا رفعتم وإن كنتم فقراء استغنيتم  قال شبيب بن شيبة
اطلبوا الأدب فإنه عون على المروءة وزيادة في العقل وصاحب في العزلة وصلة في المجلس

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نار
قال أدبوهم وعلموهم  قيل ل عيسى عليه السلام من أدبك فقال ما أدبني أحد رأيت جهل الجاهل فاجتنبته  وقال بعض الحكماء
أفضل ما يورث الآباء الأبناء الثناء الحسن والأدب النافع والإخوان الصالحون

باب ترويح القلوب وتنبيهها عن عبد الله بن مسعود
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتخولنا بالموعظة مخافة السامة علينا  وكان علي بن أبي طالب يقول
ان هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة  قال عبد الله بن مسعود
إن للقلوب شهوة وإقبالا وفترة وإدبارا فخذوها عند شهوتها وإقبا لها وذروها عند فترتها وإدبارها

كما يقال
الملالة تفسخ المودة وتولد البغضة وتنقص اللذة  قال أرسطو طاليس
ينبغي للرجل أن يعطي نفسه اربها ساعة من النهار ليكون ذلك عونا لها على سائر يومه  قال إبراهيم صلى الله عليه و سلم وعلى نبينا يقول الله في صحف إبراهيم
على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يؤدب فيها نفسه وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل فإن هذه الساعة عون له على سائر الساعات

دخل عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز على أبيه وهو في نوم ضحى فقال يا أبت إنك لنائم وإن أصحاب الحوائج لقائمون ببابك
فقال يا بني ان نفسي مطيتي ان حملت عليها فوق الجهد قطعتها  قال الحسن البصري
حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور وأفزعوا هذه النفوس فانها طلعة فان لم تفعلوا هوت بكم الى شر غاية  وقال غيره من الحكماء
حادثوا هذه القلوب بالذكر فانها تصدأ كما يصدأ الحديد

وقد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم وعلى آله وسلم
إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد قالوا فما جلاؤها يا رسول الله
قال تلاوة القرآن  كان يقال
الفكرة مرآة المؤمن تريه حسنه وقبحه  وكان يقال التفكر نور والغفلة ظلمة

باب ذم الخلاف ومدح المساعدة قال عبد الله بن مسعود
الخلاف شر  وكان يقال
لا خير مع الخلاف ولا شر مع الائتلاف  قال بعض العلماء
الخلاف يهدم الرأي ولا يقوم مع الخلاف شيء  قال جعفر بن سعد

تعالى الله ما أقل الإنصاف وأكثر الخلاف  وقال
الخلاف في كل شيء حتى القذارة في رأس الكوز فإذا أردت أن تشرب الماء جاءت إلى فيك وإن أردت أن تصب من رأس الكوز لتخرج رجعت  وقالوا
المخالفة توجب الوحشة والمساعدة توجب الألفة وليس مع الاختلاف ائتلاف  قال بعض الحكماء
كما لا يثبت الكتاب على الماء كذلك لا تثبت مودتك في القلب إن خالفت هواه  وقالوا
البر في المساعدة والمؤانسة والمؤاخاة والعداوة في الهيادة

قال بشار بن برد
وإني رام من يقاربني فيما ... هويت ومن أقاربه
عجل الملامة حين أعجبه ... وإذا غضبت بين جانبه
فله علي وإن تجنبني ما ... عشت دوما لا أجانبه  قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من تعلم بابا من النجوم تعلم بابا من السحر ومن زاد زاد  قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا  قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه
تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر وأمسكوا  أخبرني عبد الله بن محمد بن يوسف قال

أخبرني يحيى بن مالك بن عابد قال أنبأنا أحمد بن محمد بن عبد ربه الشاعر قال
دخلت على الوزير جهور بن الضيف وكان الغيث قد احتبس واغتم الناس لذلك وتحدث المنجمون بتأخير الغيث مدة طويلة فوجدت عنده ابن عزر وجماعة من أصحابه وقد أقاموا الطالع وعدلوا وقضوا بتأخير الماء شهرا
فقلت للوزير إن هذا من أمور الله تعالى المغيبة وأرجوا أن يكذبهم الله عز و جل بفضله
ثم خرجت وأتيت داري فجاء الليل والسماء قد تغيمت ونمت ساعة فما أيقظني إلا نزول الماء
فقمت وقربت المصباح ودعوت بدواية وقلم فما رفعت يدي حتى أصلحت هذه الأبيات ثم بعثت بها إلى الوزير فاستحسنها

باب العفو والتجاوز وكظم الغيظ قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم
ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا  وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
لا تنزع الرحمة إلا من شقي  قال عمر
أفضل العفو العفو عند المقدرة وأفضل القصد عند الجدة

قال سعيد بن المسيب
لأن يخطيء الإمام في العفو خير من أن يخطيء في العقوبة  قال جعفر بن محمد
لأن أندم على العفو أحب إلي من أن أندم على العقوبة  قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من لا يرحم لا يرحم  وقال صلى الله عليه و سلم
وإنما يرحم الله من عباده الرحماء  قال رجل ل المنصور حين ظفر بأهل الشام وقد أجلبوا

عليه وخالفوا مع عبد الله بن علي
يا أمير المؤمنين الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ أمير المؤمنين أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين ولا يبلغ أرفع الدرجتين  كان يقال كان يقال
أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه  قال المهلب بن أبي صفرة
خير مناقب الملوك العفو  قال المأمون
وددت أن أهل الجرائم عرفوا رأيي في العفو فسلمت لي صدورهم

قال معاوية
ما وجدت شيئا ألذ عندي من غيظ أتجرعه  قال محمد بن علي بن حسين
من كظم غيظا يقدر على إمضائه حشى الله قلبه إيمانا
وروي مثل هذا مرفوعا عن النبي صلى الله عليه و سلم

باب الغضب قال رجل لرسول الله صلى الله عليه و سلم يا رسول الله دلني على عمل
إذا عملته دخلت الجنة أو قال لعلي أحفظه
قال لا تغضب  وروي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال
إذا غضبت قائما فاقعد وإذا غضبت قاعدا فقم أو قال فاضطجع

أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام
اذكرني عند غضبك وإلا أمحقك فيمن أمحق وإذا ظلمت فارض بنصرتي لك فإنها خير من نصرتك لنفسك  قال عيسى عليه السلام
يباعدك من غضب الله أن لا تغضب  قال سليمان عليه السلام
أعطينا ما أعطي الناس وما لم يعطوا وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا فلم نر شيئا أفضل من العفو و العدل في الرضا والغضب