كتاب : رسالة في إثبات الإستواء والفوقية ومسألة الحرف والصوت في القرآن المجيد
المؤلف :  عبدالله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني الطائي السنبسي

رسالة في إثبات الاستواء والفوقية
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الحبيب وعلى آله وسلم
الحمد لله الذي كان ولا مكان ولا إنس ولا جان ولا طائر ولا حيوان المنفرد بوحدانيته في قدم أزليته والدائم في فردانيته في قدس صمدانيته ليس له سمي ولا وزير ولا شبيه ولا نظير المتفرد بالخلق والتصوير المتصرف بالمشيئة والتقدير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير له الرفعة والعلاء والحمد والثناء والعلو والاستواء لا تحصره الأجسام ولا تصوره الأوهام ولا تقله الحوادث ولا الأجرام ولا تحيط به العقول ولا الأفهام له الأسماء الحسنى والشرف الأتم الأسنى والدوام الذي لا يبيد ولا يفنى نصفه بما وصف به نفسه من الصفات التي توجب عظمته وقدسه مما أنزله في كتابه وبينه رسوله في خطابه ونؤمن بأنه الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم السميع البصير العليم القدير الرحمن الرحيم الملك القدوس العظيم لطيف خبير قريب مجيب متكلم مريد فعال لما يريد يقبض ويبسط ويرضى ويغضب ويحب ويبغض ويكره ويضحك ويأمر وينهى ذو الوجه الكريم والسمع السميع والبصر البصير والكلام المبين واليدين والقبضتين والقدرة والسلطان والعظمة والامتنان لم يزل كذلك

ولا يزال استوى على عرشه فبان من خلقه لا يخفى عليه منهم خافية علمه بهم محيط وبصره بهم نافذ وهو في ذاته وصفاته لا يشبهه شيء من مخلوقاته ولا يمثل بشيء من جوارح مبتدعاته وهي صفات لائقة بجلاله وعظمته لا تتخيل كيفيتها الظنون ولا تراها في الدنيا العيون بل نؤمن بحقائقها وثبوتها واتصاف الرب تعالى بها وننفي عنها تأويل المتأولين وتعطيل الجاحدين وتمثيل المشبهين تبارك الله أحسن الخالقين فبهذا الرب نؤمن وإياه نعبد وله نصلي ونسجد فمن قصد بعبادته إلى إله ليست له هذه الصفات فإنما يعبد غير الله وليس معبوده ذلك بإله فكفرانه لا غفرانه
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله اصطفاه لرسالته واختاره لبريته وأنزل عليه كتابه المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أكرم الآل وأفضل العبيد

وبعد فهذه نصيحة كتبتها إلى إخواني في الله أهل الصدق والصفاء والإخلاص والوفاء لما تعين علي من محبتهم في الله ونصيحتهم في صفات الله عز و جل فإن المرء لا يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله البجلي قال بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم وعن تميم الداري أن النبي قال الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أعرفهم أيدهم الله

تعالى بتأييده ووفقهم لطاعته ومزيده أنني كنت برهة من الدهر متحيرا في ثلاث مسائل مسألة الصفات ومسألة الفوقية ومسألة الحرف والصوت في القرآن المجيد وكنت متحيرا في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع ذلك من تأويل الصفات وتحريفها أو إمرارها والوقوف فيها أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل فأجد النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ناطقة منبئة بحقائق هذه الصفات وكذلك في إثبات العلو والفوقية وكذلك في الحرف والصوت ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم منهم من يؤول الاستواء بالقهر والاستيلاء ويؤول النزول بنزول الأمر ويؤول اليدين بالقدرتين أو النعمتين ويؤول القدم بقدم صدق عند

ربهم وأمثال ذلك ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله تعالى معنى قائما بالذات بلا حرف ولا صوت ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم
وممن ذهب إلى هذه الأقوال وبعضها قوم لهم في صدري منزلة مثل طائفة من فقهاء الأشعرية الشافعيين لأني على مذهب الشافعي رضي الله عنه عرفت فرائض ديني وأحكامه فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال وهم شيوخي ولي فيهم الاعتقاد التام لفضلهم وعلمهم ثم إنني مع ذلك أجد في قلبي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبي إليها وأجد الكدر والظلمة منها وأجد ضيق الصدر وعدم

انشراحه مقرونا بها فكنت كالمتحير المضطرب في تحيره المتململ من قلبه في تقلبه وتغيره
وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول مخافة الحصر والتشبيه ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني وأجد الرسول قد صرح بها مخبرا عن ربه واصفا له بها وأعلم بالاضطرار أنه كان يحضر في مجلسه الشريف والعالم والجاهل والذكي والبليد والأعرابي والجافي ثم لا أجد شيئا يعقب تلك النصوص التي كان يصف ربه بها لا نصا ولا ظاهرا مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها كما تأولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمين مثل تأويلهم الاستيلاء بالاستواء ونزول الأمر للنزول وغير ذلك ولم أجد عنه أنه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لديه من الفوقية واليدين وغيرها ولم ينقل عنه مقالة تدل على أن لهذه الصفات معاني أخر باطنة غير ما يظهر من مدلولها مثل فوقية المرتبة

ويد النعمة والقدرة وغير ذلك وأجد الله عز و جل يقول الرحمن على العرش استوى خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم يخافون ربهم من فوقهم إليه يصعد الكلم الطيب ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا قل نزله روح القدس من ربك وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء ولهذا قال وإني لأظنه كاذبا وقوله تعالى ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم أجد الرسول لما أراد الله تعالى أن يخصه بقربه عرج به من سماء إلى سماء حتى كان قاب قوسين أو أدنى ثم قوله في الحديث الصحيح للجارية أين الله فقالت في السماء فلم ينكر عليها بحضرة أصحابه كيلا يتوهموا أن الأمر على خلاف ما هو عليه بل أقرها وقال اعتقها فإنها مؤمنة وفي

حديث جبير بن مطعم قال قال النبي إن الله فوق عرشه فوق سمواته وسمواته فوق أرضه مثل القبة وأشار النبي بيده مثل القبة وقوله الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض

يرحمكم من في السماء أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح

وعن معاوية بن الحكم السلمي قلت يا رسول الله أفلا أعتقها قال ادعها فدعوتها قال فقال لها أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال اعتقها فإنها مؤمنة
رحلى مسلم ومالك في موطئة

وعن أبي

الدرداء قال سمعت رسول الله يقول من اشتكى منكم شيئا أو اشتكى أخ له فليقل ربنا الذي في السماء تقدس أسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على الوجع فيبرأ أخرجه أبو داود

وعن أبي سعيد الخدري قال بعث علي من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها فقسمها رسول الله بين أربعة زيد الخير والأقرع بن

حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة أو عامر بن الطفيل شك

عمارة فوجد من ذلك بعض أصحابه والأنصار وغيرهم فقال رسول الله ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من السماء صباحا ومساء
أخرجه البخاري ومسلم ذئب
وعن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن

عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي قال إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا فيقول فلان فيقولون مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب أدخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال

لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز و جل الحديث
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها
أخرجه البخاري ومسلم وقال أبو داود حدثنا محمد بن الصباح حدثنا الوليد بن أبي ثور عن

سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب قال كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله

فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قالوا والعنان قال هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض قالوا لا ندري قال إن بعد ما بينهما إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوق ذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله عز و جل فوق ذلك

قال الإمام الحافظ عبد الغني في عقيدته لما ذكر حديث الأوعال قال رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال حديث الروح رواه

أحمد والدار قطني وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق أن رحمتي سبقت غضبي فهو عنده فوق العرش
أخرجه البخاري ومسلم

وأخرج محمد بن اسحاق عن معبد بن كعب بن مالك أن سعد بن معاذ لما حكم في

بني قريظة قال له رسول الله لقد حكمت حكما حكم الله به من فوق سبع أرقعة وحديث المعراج عن أنس بن مالك أن مالك بن

صعصعة حدثه أن نبي الله حدثهم عن ليلة أسري به وساق الحديث إلى أن قال ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت فمررت على موسى فقال بم أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثل ذلك فرجعت إلى ربي فوضع عني عشرا خمس مرات في كلها يقول فرجعت إلى موسى ثم رجعت إلى ربي
أخرجه البخاري ومسلم
وحديث أبي هريرة أن رسول الله قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم

كيف تركتم عبادي متفق عليه
وعن ابن عمر قال لما قبض رسول الله دخل عليه أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأكب عليه وقبل جبهته وقال بأبي أنت

وأمي طبت حيا وميتا وقال من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي في السماء لا يموت رواه البخاري
عن محمد بن فضيل عن فضيل بن غزوان عن

نافع عن ابن عمر
وعن أنس بن مالك كانت زينب تفخر على أزواج رسول الله وتقول إن الله زوجني من السماء وفي لفظ زوجكن أهلوكن

وزوجني الله من فوق سبع سموات أخرجه البخاري
وحديث عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله من لم يرحم من في الأرض لم يرحمه من في السماء وحديث ابن

عباس أن رسول الله لما أسري به مرت رائحة طيبة فقلت يا جبريل ما هذه الرائحة فقال هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت بسم الله فقالت ابنته إلى أبيها فدعا بها فقال هل لك رب غيري قالت ربي وربك الله الذي في السماء فأمر ببقرة نحاس فأحميت ثم دعا بها وبولدها فألقاهم فيها الحديث رواه الدارمي وغيره
وروى الدارمي أيضا بإسناده إلى أبي صالح عن أبي هريرة قال

قال رسول الله لما ألقي إبراهيم في النار قال اللهم إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد أعبدك
وأما الآثار عن الصحابة في ذلك فكثير منها قول عمر رضي الله عنه عن خولة لما استوقفته فوقف لها فسئل عنها فقال هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات وعبد الله بن

رواحة لما وقع بجارية له فقالت له امرأته فعلتها قال أما أنا فأقرأ القرآن فقالت أما أنت فلا تقرأ القرآن وأنت جنب فقال
شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة كرام ... ملائكة الإله مسومينا

وابن عباس لما دخل على عائشة وهي تموت فقال لها كنت أحب نساء رسول الله ولم يكن يحب إلا طيبا وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات

وكذلك نجد أكابر العلماء كعبد الله بن المبارك رضي الله عنه صرح بمثل ذلك روى عثمان بن سعيد الدارمي قال حدثنا الحسن بن الصباح قال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قيل له

كيف تعرف ربنا قال بأنه فوق السماء السابعة على العرش باين من خلقه

فصل
فلم أزل في هذه الحيرة والاضطراب من اختلاف المذاهب والأقوال حتى لطف الله تعالى وكشف لهذا الضعيف عن وجه الحق كشفا اطمئن إليه خاطره وسكن به سره وتبرهن بالحق في نوره وها أنا واصف بعض ذلك إن شاء الله تعالى
والذي شرح الله صدري له في حكم هذه الثلاث مسائل الأولى مسألة العلو والفوقية والاستواء هو أن الله عز و جل كان ولا مكان لوا عرش ولا ماء ولا فضاء ولا هواء ولا خلاء ولا ملأ وأنه كان منفردا في قدمه وأزليته هو متوحد في فردانيته وهو سبحانه وتعالى في تلك الفردانية لا يوصف بأنه فوق كذا إذ لا شيء غيره هو سابق للتحت والفوق اللذين هما جهتا العالم وهما لازمتان لها والرب تعالى في تلك الفردانية منزه عن لوازم الحدث وصفاته فلما اقتضت الإرادة المقدسة بخلق الأكوان المحدثة المخلوقة المحدودة ذات الجهات اقتضت الإرادة

المقدسة على أن يكون الكون له جهات من العلو والسفل وهو سبحانه منزه عن صفات الحدث فكون الأكوان وجعل لها جهتا العلو والسفل واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الكون في جملة التحت لكونه مربوبا مخلوقا واقتضت العظمة الربانية أن يكون هو فوق الكون باعتبار الكون لا باعتبار فردانيته إذ لا فوق فيها ولا تحت ولكن الرب سبحانه وتعالى كما كان في قدمه وأزليته وفردانيته لم تحدث له في ذاته ولا في صفاته ما لم يكن له في قدمه وأزليته فهو الآن كما كان لكن لما حدث المربوب المخلوق والجهات والحدود ذو الخلا والملا وذو الفوقية والتحتية كان مقتضى حكم عظمة الربوبية أن يكون فوق ملكه وأن تكون المملكة تحته باعتبار الحدوث من الكون لا باعتبار القدم من المكون فإذا أشير إليه يستحيل أن يشار إليه من جهة التحتية أو من جهة اليمنى أو

من جهة اليسرى بل لا يليق أن يشار إليه لا من جهة العلو والفوقية ثم الإشارة هي بحسب الكون وحدوثه وتسفله فالإشارة تقع على أعلى جزء من الكون حقيقة وتقع على عظمة الإله تعالى كما يليق به لا كما تقع على الحقيقة المعقولة عندنا في أعلا جزء من الكون فإنها إشارة إلى جسم وتلك إشارة إلى إثبات إذا علم ذلك فالاستواء صفة كانت له سبحانه في قدمه لكن لم يظهر حكمها إلا عند خلق العرش كما أن الحساب صفة قديمة له لا يظهر حكمه إلا في الآخرة وكذلك التجلي في الآخرة لا يظهر حكمه إلا في محله
تنبيه إذا علم ذلك فالأمر الذي تهرب المتأولة منه حيث أولوا الفوقية بفوقية المرتبة والاستواء بالاستيلاء فنحن أشد الناس هربا من ذلك وتنزيها للباري تعالى عن الحد الذي يحصره فلا يجد بحد يحصره بل يحد تتميز به عظمته وذاته ليس مخلوقاته والإشارة إلى الجهة إنما هو بحسب

الكون وتسفله إذ لا يمكن الإشارة إليه إلا هكذا وهو في قدمه سبحانه منزه عن صفات الحدوث وليس في القدم فوقية ولا تحتية وإن من هو محصور في التحت لا يمكنه معرفة باريه إلا من فوقه فتقع الإشارة على العرش حقيقة إشارة معقولة وتنتهي الجهات عند العرش ويبقى ما وراءه لا يدركه العقل ولا يكفيه بكيفية الوهم فتقع الإشارة عليه كما يليق به مجملا ثابتا لا مكيفا ولا ممثلا وجه من البيان الرب ثابت الوجود ثابت الذات له ذات مقدسة متميزة عن مخلوقاته تجلى للأبصار يوم القيامة ويحاسب العالم فلا يجهل ثبوت ذاته وتميزها عن مخلوقاته فإذا ثبت ذلك فقد أوجد الأكوان في محل وحيز وهو سبحانه في قدمه منزه عن المحل والحيز فيستحيل شرعا وعقلا عند حدوث العالم أن يحمل فيه أو يختلط به لأن القديم لا يحل في الحادث وليس هو محلا للحوادث فلزم أن يكون باينا عنه وإذا كان باينا عنه يستحيل أن يكون العالم في جهة الفوق وأن يكون ربه سبحانه في جهة التحت هذا محال شرعا وعقلا فيلزم أن يكون العالم في جهة الفوق فوقه بالفوقية اللائقة به التي لا تكيف ولا تمثل بل تعلم من حيث الجملة والثبوت لا من حيث

التمثيل والتكييف وقد سبق الكلام في أن الإشارة إلى الجهة إنما هو باعتبارنا لأنا في محل وحد وحيز والقدم لا فوق فيه ولا تحته ولا بد من معرفة الموجد وقد ثبت بينونته عن مخلوقاته واستحال علوها عليه فلا يمكن معرفته والإشارة بالدعاء إليه إلا من جهة الفوق لأنها أنسب الجهات إليه وهو غير محصور فيها هو كما كان في قدمه وأزليته فإذا أراد المحدث أن يشير إلى القديم فلا يمكنه ذلك إلا بالإشارة إلى الجهة الفوقية لأن المشير في محل له فوق وتحت والمشار إليه قديم باعتبار قدمه لا فوق هناك ولا تحت وباعتبار حدوثنا وتسفلنا هو فوقنا فإذا أشرنا إليه تقع الإشارة عليه كما يليق به لا كما نتوهمه في الفوقية المنسوبة إلى الأجسام لكننا نعلمها من جهة الإجمال والثبوت لا من جهة التمثيل والتكييف والله الموفق للصواب ومن عرف هيئة العالم ومركزه من علم الهيئة وأنه ليس له إلا جهتا العلو

والسفل ثم اعتقد بينونة خالقه عن العالم فمن لوازم البينونة أن يكون فوقه لأن جميع جهات العالم فوق وليس السفل إلا المركز وهو الوسط
فصل
إذا علمنا ذلك واعتقدناه تخلصنا من شبه التأويل وعماوة

التعطيل وحماقة التشبيه والتمثيل وأثبتنا علو ربنا سبحانه وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته والحق واضح في ذلك والصدور تنشرح له فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة مثل

تحريف الاستواء بالاستيلاء وغيره والوقوف في ذلك جهل وعي مع كون أن الرب تعالى وصف لنا نفسه بهذه الصفات لنعرفه بها فوقوفنا على إثباتها ونفيها عدول عن المقصود منه في تعريفنا إياها فما وصف لنا نفسه بها إلا لنثبت ما وصف به نفسه لنا ولا نقف في ذلك وكذلك التشبيه والتمثيل حماقة وجهالة فمن وفقه الله تعالى للإثبات بلا تحريف ولا تكييف ولا وقوف فقد وقع على الأمر المطلوب منه إن شاء الله تعالى

فصل
والذي شرح الله صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الأمر واليدين بالنعمتين والقدرتين هو علمي بأنهم ما فهموا في صفات الرب تعالى إلا ما يليق بالمخلوقين فما فهموا عن

الله استواء يليق به ولا نزولا يليق به ولا يدين تليق بعظمته بلا تكييف ولا تشبيه فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه وعطلوا ما وصف الله تعالى نفسه به ونذكر بيان ذلك إن شاء الله تعالى
لا ريب إنا نحن وإياهم متفقون على إثبات صفات الحياة والسمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والكلام لله ونحن قطعا لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض الذي يقوم بأجسامنا وكذلك لا نعقل من السمع والبصر إلا أعراضا تقوم بجوارحنا فكما إنهم يقولون حياته ليست بعرض وعلمه كذلك وبصره كذلك هي صفات كما تليق به لا كما تليق بنا فكذلك نقول نحن حياته معلومة وليست مكيفه وعلمه معلوم وليس مكيفا وكذلك سمعه وبصره معلومان ليس جميع ذلك أعراضا بل هو كما يليق به
ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ففوقيته معلومة أعني ثابته كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به واستواؤه على عرشه معلوم غير مكيف بحركة او انتقال يليق بالمخلوق بل كما يليق بعظمته وجلالة صفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت غير معقولة من حيث التكييف والتحديد فيكون المؤمن بها مبصرا من وجه أعمى من وجه مبصرا من حيث الإثبات والوجود أعمى من حيث التكييف والتحديد

وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله تعالى نفسه به وبين نفي التحريف والتشبيه والوقوف وذلك هو مراد الرب تعالى منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه به ونؤمن بحقائقها وننفي عنها التشبيه ولا نعطلها بالتحريف والتأويل ولا فرق بين الاستواء والسمع ولا بين النزول والبصر الكل ورد في النص
فإن قالوا لنا في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه شبهتم نقول لهم في السمع شبهتم ووصفتكم ربكم بالعرض فإن قالوا لا عرض بل كما يليق به قلنا في الاستواء والفوقية لا حصر بل كما يليق به فجميع ما يلزمونا به في الاستواء نلزمهم به في الحياة والسمع فكما لا يجعلونها هم أعراضا كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا ما يوصف به المخلوق وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيتحاجوا إلى التأويل والتحريف
فإن فهموا في هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا في الصفات السبع صفات المخلوقين من الأعراض فما يلزمونا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية نلزمهم به في هذه الصفات من العرضية وما ينزهوا ربهم به في الصفات السبع وينفون عنه عوارض الجسم فيها فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات التي ينسبونا فيها إلى التشبيه سواء بسواء ومن

أنصف عرف ما قلنا اعتقده وقبل نصيحتنا ودان لله بإثبات جميع صفاته هذه وتلك ونفى عن جميعها التشبيه والتعطيل والتأويل والوقوف وهذا مراد الله تعالى منا في ذلك لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد وهو الكتاب والسنة فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل وحرفنا هذه وأولناها كنا كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض وفي هذا بلاغ وكفاية إن شاء الله تعالى
فصل
وإذا ظهر هذا وبان انجلت الثلاث مسائل بأسرها وهي مسألة الصفات من النزول واليد والوجه وأمثالها ومسألة العلو والاستواء ومسألة الحرف والصوت أما مسألة العلو فقد قيل فيها ما فتحه الله تعالى وأما مسألة الصفات فتساق مساق مسألة العلو ولا نفهم منها ما نفهم من صفات المخلوقين بل يوصف الرب تعالى بها كما يليق بجلاله وعظمته فتنزل كما يليق بجلاله وبعظمته ويداه كما تليق بجلاله وعظمته ووجهه الكريم كما يليق بجلاله وعظمته فكيف ننكر الوجه الكريم ونحرف وقد قال في دعائه أسألك لذة النظر إلى وجهك

وإذا ثبت صفة الوجه بهذا الحديث وبغيره من الآيات والنصوص فكذلك صفة اليدين والضحك والتعجب ولا يفهم من جميع ذلك إلا ما يليق بالله عز و جل وبعظمته لا ما يليق بالمخلوقات من الأعضاء والجوارح تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

فإذا ثبت هذا الحكم في الوجه فكذلك في اليدين والقبضتين والقدم والضحك والتعجب كل ذلك كما يليق بجلال الله تعالى وعظمته فيحصل بذلك إثبات ما وصف الله تعالى نفسه به في كتابه وفي سنة رسوله ويحصل أيضا نفي التشبيه والتكييف في صفاته ويحصل أيضا ترك التأويل والتحريف المؤدي إلى التعطيل ويحصل أيضا بذلك عدم الوقوف بإثبات الصفات وحقائقها على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته لا على ما نعقله نحن من صفات المخلوقين
وأما مسألة الحرف والصوت فتساق هذا المساق فإن الله تعالى قد تكلم بالقرآن المجيد وبجميع حروفه فقال تعالى آلم وقال آلمص وقال ق والقرآن المجيد وكذلك جاء في الحديث فينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب وفي الحديث لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف لام حرف ميم حرف فهؤلاء ما فهموا من كلام الله تعالى إلا ما فهموه من كلام المخلوقين فقالوا إن قلنا بالحروف فإن ذلك يؤدي إلى القول بالجوارح واللهوات وكذلك إذا قلنا بالصوت أدى ذلك إلى الحلق

والحنجرة عملوا في هذا من التخبط كما عملوا فيما تقدم من الصفات
والتحقيق هو أن الله تعالى قد تكلم بالحروف كما يليق بجلاله وعظمته فإنه قادر والقادر لا يحتاج إلى جوراح ولا إلى لهوات وكذلك له صوت كما يليق به يسمع ولا يفتقر ذلك الصوت المقدس إلى الحلق والحنجرة كلام الله تعالى كما يليق به وصوته كما يليق به ولا ننفي الحرف ولا الصوت عن كلامه سبحانه لافتقارهما منا إلى الجوارح واللهوات فإنهما من جناب الحق تعالى لا يفتقران إلى ذلك وهذا ينشرح الصدر له ويستريح الإنسان به من التعسف والتكلف بقوله هذا عبارة عن ذلك
فإن قيل فهذا الذي يقرأه القارئ هو عين قراءة الله تعالى وعين تكلمه هو قلنا لا بل القارئ يؤدي كلام الله تعالى والكلام إنما ينسب إلى من قاله مبتدئا لا إلى من قاله مؤديا مبلغا ولفظ القارئ في غير القرآن مخلوق وفي القرآن لا يتميز اللفظ المؤدي عن الكلام المؤدي عنه ولهذا منع السلف عن قول لفظي بالقرآن مخلوق لأنه لا يتميز كما منعوا عن قول

لفظي بالقرآن غير مخلوق فإن لفظ العبد في غير التلاوة مخلوق وفي التلاوة مسكوت عنه كيلا يؤدي الكلام في ذلك إلى القول بخلق القرآن وما أمر السلف بالسكوت عنه يجب السكوت عنه والله الموفق

فصل
العبد إذا أيقن أن الله تعالى فوق السماء عال على عرشه بلا حصر ولا كيفية وأنه الآن في صفاته كما كان في قدمه صار لقلبه قبلة في صلاته وتوجهه ودعائه ومن لا يعرف ربه بأنه فوق سماواته على عرشه فإنه يبقى ضائعا لا يعرف وجهة معبوده لكن لو عرفه بسمعه وبصره وقدمه وتلك بلا هذا معرفة ناقصة بخلاف من عرف أن إلهه الذي يعبده فوق الأشياء فإذا دخل في الصلاة وكبر توجه قلبه إلى جهة العرش منزها ربه تعالى عن الحصر مفردا له كما أفرده في قدمه وأزليته عالما أن هذه الجهات من حدودنا ولوازمنا ولا يمكننا الإشارة إلى ربنا في قدمه وأزليته إلا بها لأنا محدثون والمحدث لا بد له في إشارته إلى جهة فتقع تلك الإشارة إلى ربه كما يليق بعظمته لا كما بتوهمه هو من نفسه ويعتقد أنه في علوه قريب من خلقه هو معهم بعلمه وسمعه وبصره وإحاطته وقدرته ومشيئته وذاته فوق الأشياء فوق العرش ومتى شعر قلبه بذلك في الصلاة أو التوجه أشرق قلبه واستنار وأضاء بأنوار المعرفة والإيمان

وغشيت أشعة العظمة على عقله وروحه ونفسه فانشرح لذلك صدره وقوى إيمانه ونزه ربه عن صفات خلقه من الحصر والحلول وذاق حينئذ شيئا من أذواق السابقين المقربين بخلاف من لا يعرف وجهة معبوده وتكون الجارية راعية الغنم أعلم بالله منه فإنها قالت في السماء عرفته بأنه على السماء فإن في تأتي بمعنى على قوله تعالى يتيهون في الأرض أي على الأرض وقوله لأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل فمن تكون الراعية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده فإنه لا يزال مظلم القلب لا يستنير بأنوار المعرفة والإيمان ومن أنكر هذا القول فليؤمن به وليجرب ولينظر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه مبصرا من وجه أعمى من وجه كما سبق مبصرا من جهة الإثبات والوجود والتحقيق أعمى من جهة التحديد والحصر والتكييف فإنه إذا عمل ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى ووجد نوره وبركته عاجلا وآجلا ولا ينبؤك مثل خبير والله سبحانه الموفق والمعين
فصل
في تقريب مسألة الفوقية من الأفهام بمعنى من علم الهيئة لمن عرفه لا ريب أن أهل هذا العلم حكموا بما اقتضته الهندسة وحكمها صحيح لأنه ببرهان لا يكابر الحس فيه بأن الأرض في جوف العالم العلوي وأن كرة الأرض في وسط السماء كبطيخة في جوف بطيخة والسماء محيطة بها من

جميع جوانبها وأن سقل العالم هو جوف كرة الأرض وهو المركز ونحن نقول جوف الأرض السابعة وهم لا يذكرون السابعة لأن الله تعالى أخبرنا عن ذلك وهم لا يعرفون ذلك وهذه القاعدة عندهم هي ضرورية لا يكابر الحس فيها أن المركز هو جوف كرة الأرض وهو منتهى السفل والتحت وما دونه لا يسمى تحتا بل لا يكون تحتا ويكون فوقا بحيث لو فرضنا خرق المركز وهو سفل العالم إلى تلك الجهة لكان الخرق إلى جهة فوق ولو نفذ الخرق إلى السماء من تلك الجهة الأخرى لصعد إلى جهة فوق
وبرهان ذلك أنا لو فرضنا مسافرا سافر على كرة الأرض من جهة المشرق إلى جهة المغرب وامتد مسافر المشي على كرة الأرض إلى حيث ابتدأ بالسير وقطع الكرة مما يراه الناظر اسفل منه وهو في سفره هذا لم تبرح الأرض تحته والسماء فوقه فالسماء التي يشهدها الحس تحت الأرض هي فوق الأرض لا تحتها لأن السماء فوق الأرض بالذات فكيف كانت السماء كانت فوق الأرض من أي جهة فرضتها ومن أراد معرفة ذلك فليعلم أن كرة الأرض النصف الأعلى منها ثقله على المركز والنصف الأسفل منها ثقله على النصف الأعلى أيضا إلى جهة المركز والنصف

الأسفل هو أيضا فوق النصف الأعلى كما أن النصف الأعلى فوق النصف الأسفل ولفظ الأسفل فيه مجاز بحسب ما يتخيل الناظر وكذلك كرة الماء محيطة بكرة الأرض إلا سدسها والعمران على ذلك السدس والماء فوق الأرض كيف كان وإن كنا نرى الأرض مدحية على الماء فإن الماء فوقها وكذلك كرة الهواء محيطة بكرة الماء وهي فوقها وإذا كان الأمر كذلك فالسماء التي تحت النصف الأسفل من كرة الأرض هي فوقه لا تحته لأن السماء على الأرض كيف كانت فعلوها على الأرض بالذات فقط لا تكون تحت الأرض بوجه من الوجوه وإذا كان هذا الجسم وهو السماء علوها على الأرض بالذات فكيف من ليس كمثله شيء وعلوه على كل شيء بالذات كما قال تعالى سبح اسم ربك الأعلى وقد تكرر في القرآن المجيد ذكر الفوقية يخافون ربهم من فوقهم وإليه يصعد الكلم الطيب وهو القاهر فوق عباده لأن فوقيته سبحانه وعلوه على كل شيء ذاتي له فهو العلي بالذات والعلو صفته اللائقة به كما أن السفول والرسوب والانحطاط ذاتي للأكوان عن رتبة ربوبيته وعظمته وعلوه والعلو والسفول حد بين الخالق والمخلوق يتميز به عنه هو سبحانه علي بالذات وهو كما كان قبل خلق الأكوان وما سواه مستقل عنه بالذات وهو سبحانه العلي على عرشه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج الأمر إليه فيحيي هذا ويميت هذا ويمرض هذا ويشفي هذا ويعز هذا ويذل هذا وهو الحي القيوم القائم بنفسه وكل شيء قائم به فرحم الله

عبدا وصلت إليه هذه الرسالة ولم يعاجها بالإنكار وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل والنهار وتأمل النصوص في الصفات وفكر بعقله في نزولها وفي المعنى الذي نزلت له وما الذي أريد بعلمها من المخلوقات ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفة الرب تعالى بها والتوجه إليه منها وإثباتها له بحقائقها وأعيانها كما يليق بجلاله وعظمته بلا تأويل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا جمود ولا وقوف وفي ذلك بلاغ لمن تدبر وكفاية لمن استبصر إن شاء الله تعالى والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم والله سبحانه أعلم