كتاب : البرهان المؤيد
المؤلف : أحمد بن علي بن ثابت الرفاعي الحسيني

البرهان المؤيد
مقدمة الواسطي تلميذ المؤلف
الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده والصلاة والسلام على الدرة النبوية الفريدة روح جسم الوجود وعلة كل موجود سيدنا ومولانا وقرة عيوننا ونبينا الرسول المكرم حبيب الرحمن محمد وعلى آله وأصحابه وعترته وأحبابه وتابعيه بإحسان إلى يوم الدين آمين آمين
أما بعد فيقول العبد الفقير إلى رحمة الله شرف الدين بن عبد السميع الهاشمي الواسطي كان الله له وغفر بفضله ذنبه وزلله قد تلقينا مع جم غفير من المحبين والإخوان الصالحين

هذا الكتاب المبارك رواية من فم شيخنا وملجئنا بركة الإسلام وأستاذ الخواص والعوام القطب الغوث المقدم الذي امتازه الله على أوليائه بتقبيل يد النبي صاحب الأيادي الجليلة والخوارق الجزيلة حامل الخفيفة والثقيلة سيدنا الشيخ الكبير السيد أحمد ابن السيد أبي الحسن علي الرفاعي رضي الله عنه ابن السيد يحيى ابن السيد الثابت ابن السيد الحازم ابن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد أبي المكارم الحسن المعروف برفاعة المكي ابن السيد المهدي ابن السيد محمد أبي القاسم ابن السيد الحسن ابن السيد الحسين ابن السيد أحمد ابن السيد موسى الثاني ابن الإمام إبراهيم المرتضى ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين ابن إمام المسلمين وزبدة آل النبي الأمين الذي امتحن بأنواع البلاء أمير المؤمنين أبي عبد الله الإمام الحسين الشهيد بكربلاء ابن سيد الأمة وسند الأئمة زوج البتول وصهر الرسول الذي قدره كاسمه حسن وعلي أمير المؤمنين أبي الحسنين الإمام علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين وذلك سنة ست وخمسين وخمسمائة السنة التي عاد بها من سفر حجه المبارك قدس الله أسراره وضاعف إرشاده وأنواره في رباطه الشريف بأم عبيده على كرسي وعظه في مجالس معدودة
جمعناها في هذا الجزء وسميناه البرهان المؤيد لصاحب مد اليد مولانا الغوث الشريف الرفاعي أحمد
وها هي كما تلقيناها منه رضي الله عنه قال نفعنا الله به

بسم الله الرحمن الرحيم
افتتاحية البرهان
الحمد لله حمدا يرضاه لذاته والصلاة والسلام على سيد مخلوقاته وB الصحابة والآل وأتباعهم من أهل الشرع والحال والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
أي سادة الزهد أول قدم القاصدين إلى الله عز و جل وأساسه التقوى وهي خوف الله رأس الحكمة وجماع كل ذلك حسن متابعة إمام الأرواح والأشباح السيد المكرم رسول الله
وأول طريق المتابعة حسن القدوة عملا بحديث إنما الأعمال بالنيات

ألا ترون أن رسول الله كيف قال لرجل قال له يا رسول الله رجل يريد الجهاد وهو يبتغي عرضا من الدنيا فقال له رسول الله لا أجر له
فأعظم ذلك الناس فقالوا للرجل عد لرسول الله فلعلك لم تفهمه فقال الرجل يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرض الدنيا قال لا أجر له
فأعظم ذلك الناس وقالوا عد لرسول الله فقال له الثالثة رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من الدنيا فقال لا أجر له رواه الثقات وصححوه
فمن هذا ومثله علمنا أن نتائج العمل تحسن وتقبح بالنية

المحكم والمتشابه
فعاملوا الله بحسن النيات واتقوه في الحركات والسكنات وصونوا عقائدكم من التمسك بظاهر ما تشابه من الكتاب والسنة لأن ذلك من أصول الكفر قال تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله

والواجب عليكم وعلى كل مكلف في المتشابه الإيمان بأنه من عند الله أنزله على عبده سيدنا رسول الله وما كلفنا سبحانه وتعالى تفصيل علم تأويله قال جلت عظمته وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا
فسبيل المتقين من السلف تنزيه الله تعالى عما دل عليه ظاهره وتفويض معناه المراد منه إلى الحق تعالى وتقدس وبهذا سلامة الدين
سئل بعض العارفين عن الخالق تقدست أسماؤه فقال للسائل إن سألت عن ذاته فليس كمثله شئ وإن سألت عن صفاته فهو أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وإن سألت عن إسمه ف هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم وإن سألت عن فعله ف كل يوم هو في شأن
وقد جمع إمامنا الشافعي رضي الله عنه جميع ما قيل في التوحيد بقوله

من انتهض لمعرفة مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه وإن اطمأن إلى العدم الصرف فهو معطل وإن اطمأن لموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد

الله تعالى لا تحده حدود
أي سادة نزهوا الله عن سمات المحدثين وصفات المخلوقين وطهروا عقائدكم من تفسير معنى الاستواء في حقه تعالى بالاستقرار كاستواء الأجسام على الأجسام المستلزم للحلول تعالى الله عن ذلك وأياكم والقول بالفوقية والسفلية والمكان واليد والعين

بالجارحة والنزول بالإتيان والانتقال فإن كل ما جاء في الكتاب والسنة مما يدل ظاهره على ما ذكر فقد جاء في الكتاب والسنة مثله مما يؤيد المقصود فما بقي إلا ما قاله صلحاء السلف وهو الإيمان بظاهر كل ذلك ورد علم المراد إلى الله ورسوله مع تنزيه الباري تعالى عن الكيف وسمات الحدوث وعلى ذلك درج الأئمة وكل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عنه ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسوله ولكم حمل المتشابه على ما يوافق أصل المحكم لأنه أصل الكتاب والمتشابه لا يعارض المحكم

أقوال الأئمة
سأل رجل الإمام مالكا بن أنس رضي الله عنه عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى

فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعا وأمر به أن يخرج وقال إمامنا الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن ذلك آمنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك
وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه من قال لا أعرف الله أفي السماء هو أم في الأرض فقد كفر لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه
وسئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء فقال استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر

وقال الإمام ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام من زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك إذ لو كان على شيء لكان محمولا ولو كان في شيء لكان محصورا ولو كان من شيء لكان محدثا

فوائد النصيحة
أي سادة أطلبوا الله بقلوبكم هو أقرب إليكم من حبل الوريد أحاط بكل شيء علما
الدين النصيحة إذا قلتم لا إله إلا الله فقولوها بالإخلاص الخالص من الغيرية ومن خطورات التشبيه

والكيفية والتحتية والفوقية والبعدية والقربية وخذوا نتائج الأعمال بخالص النية فقد قال سيد البرية عليه أفضل إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه

الأركان الخمسة
أحكموا أعمالكم على الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام قال رسول الله بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان
إياكم ومحدثات الأمور قال أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد

الله بالتقوى وعاملوا الخلق بالصدق وحسن الخلق عاملوا أنفسكم بالمخالفة وقفوا عند الحدود وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا

الطريق إلى الله تعالى
إياكم والكذب على الله والخلق فإن الدعوى كذب على الله وخلقه
كل العبودية معرفة مقام العبدية الدين عمل بالأوامر

واجتناب عن النواهي وخضوع وانكسار في الأمرين العمل بالأوامر يقرب إلى الله والاجتناب عن النواهي خوف من الله
طلب القرب بلا أعمال محال وأي محال الخوف مع الجرأة فضيحة
أطلبوا الله بمتابعة رسوله إياكم وسلوك طريق الله بالنفس والهوى فمن سلك الطريق بنفسه ضل في أول قدم

الإيمان والهوى
أي سادة عظموا شأن نبيكم هو البرزخ الوسط الفارق بين الخلق والحق عبد الله حبيب الله رسول الله أكمل خلق الله أفضل رسل الله الدال على الله الداعي إلى الله المخبر عن الله الآخذ من الله باب الكل إلى الحظيرة الرحمانية وسيلة الكل إلى الحظيرة الصمدانية ومن اتصل به اتصل ومن انفصل عنه انفصل قال لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
المعجزة الخالدة
أي سادة اعلموا أن نبوة نبينا باقية بعد وفاته كبقائها حال حياته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وجميع الخلق مخاطبون بشريعته الناسخة لجميع الشرائع
ومعجزته باقية وهي القرآن قال تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله
أي سادة من رد أخباره الصادقة كان كمن رد كلام الله تعالى آمنا بالله وبكتاب الله وبكل ما جاء به نبينا محمد رسول الله
قال تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا
أفضل الصحابة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه ثم سيدنا عثمان ذو النورين رضي الله عنه ثم سيدنا علي المرتضى كرم الله وجهه ورضي عنه والصحابة رضي الله عنهم كلهم على هدى روي عنه أنه قال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم

يجب الإمساك عما شجر بينهم وذكر محاسنهم ومحبتهم والثناء عليهم رضي الله عنهم أجمعين فأحبوهم وتبركوا بذكرهم واعملوا على التخلق بأخلاقهم قال النبي أوصيكم بتقوى الله عز و جل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة

الأنوار اللامعة
ونوروا كل قلب من قلوبكم بمحبة آله الكرام عليهم السلام فهم أنوار الوجود اللامعة وشموس السعود الطالعة قال تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
وقال الله الله في أهل بيتي
من أراد الله به خيرا ألزمه وصية نبيه في آله فأحبهم واعتنى

بشأنهم وعظمهم وحماهم وصان حماهم وكان لهم مراعيا ولحقوق رسوله فيهم راعيا المرء مع من أحب ومن أحب الله أحب رسول الله ومن أحب رسول الله أحب آل رسول الله ومن أحبهم كان معهم وهم مع أبيهم قدموهم عليكم ولا تقدموهم وأعينوهم وأكرموهم يعود خير ذلك عليكم

غيرة الله لأحبائه
الصقوا بأولياء الله ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون
الولي من واد الله وآمن به واتقاه فلا تحادوا من واد الله
جاء في بعض الكتب الإلهية من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب
الله يغار لأوليائه ينتقم لهم ممن يؤذيهم ويكرمهم بصون محبيهم وعون من يلوذ فيهم هم أخص المخاطبين بآية نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة
عليكم بمحبتهم

والتقرب إليهم تحصل لكم بهم البركة كونوا معهم أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون

الأشراف
أي سادة حدوا المراتب وإياكم والغلو أنزلوا الناس منازلهم
أشرف النوع الإنساني الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأشرف الأنبياء نبينا محمد وأشرف الخلق بعده آله وأصحابه وأشرف الخلق بعدهم التابعون أصحاب خير القرون
هذا على وجه الإجمال وأما على وجه الإفراد فالنص النص وإياكم والأخذ بالرأي فما هلك من هلك إلا بالرأي هذا الدين لا يحكم فيه بالرأي أبدا حكموا آراءكم في المباحات فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله
أذكروا أولياء الله تعالى بخير إياكم وتفضيل بعضهم على بعض رفع الله تعالى بعضهم على بعض درجات لكن لا يعرفها

غيره ومن ارتضى من رسول أيدوا هذه العصابة بترك الدعوى شيدوا أركان هذه الطريقة المحمدية بإحياء السنة وإماتة البدعة

من أين جاء اسم الصوفية
أي سادة الفقير على الطريق ما دام على السنة فمتى حاد عنها زل عن الطريق
قيل لهذه الطائفة الصوفية واختلف الناس في سبب التسمية وسببها غريب لا يعرفه الكثير من الفقراء وهو أن جماعة من مضر يقال لهم بنو الصوفة وهو الغوث بن مر بن أد بن طابخة الربيط كانت أمه لا يعيش لها ولد فنذرت إن عاش لها ولد لتربطن برأسه صوفة وتجعله ربيط الكعبة وقد كانوا يجيزون الحاج إلى أن من الله بظهور الإسلام فأسلموا وكانوا عبادا ونقل عن بعضهم حديث رسول الله
فمن صحبهم سمي بالصوفي وكذلك من صحب من صحبهم أو تعبد ولبس الصوف مثلهم ينسبونه إليهم فيقال صوفي
ونوع الفقراء الأسباب فمنهم من قال التصوف الصفاء ومنهم من قال المصافاة وغير ذلك

وكله صحيح من حيث معناه لأن أهل هذه الخرقة التزموا الصفاء والمصافاة وعملوا بالآداب الظاهرة وقالوا إنها تدل على الآداب الباطنة وقالوا حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن وقالوا من لم يعرف أدب الظاهر لا يؤتمن على أدب الباطن
كل الآداب منحصرة في متابعة النبي قولا وفعلا وحالا وخلقا فالصوفي آدابه تدل على مقامه زنوا أقواله وأفعاله وأحواله وأخلاقه بميزان الشرع يعلم لديكم ثقل ميزانه وخفته خلق النبي القرآن قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء
من التزم الآداب الظاهرة دخل في جنسية القوم وحسب في عدادهم ومن لم يلتزم الآداب الظاهرة فهو فيهم غير لا يلتبس حاله عليهم لأن استعمال الآداب دليل الجنسية بل تكون علة الضم قال رويم رحمه الله تعالى التصوف كله أدب
وهذا الأدب الذي أشارت إليه الطائفة أدب الشرع كن متشرعا ودع حاسدك يكذب عليك وينسب ما يجب إليك
ولست أبالي من رماني بريبة ... إذا كنت عند الله غير مريب
إذا كان سري عند ربي منزها ... فما ضرني واش أتى بغريب

تحذيرات مفيدة
أيها السالك إياك ورؤية النفس إياك والغرور إياك والكبر فإن كل ذلك مهلك ما دخل ساحة القرب من استصغر الناس واستعظم نفسه من أنا ومن أنت
أي أخي كل واحد منا مسيكين أوله مضغة وآخره جيفة شرف هذا العرض جوهر العقل العقل ما عقل النفس وأوقفها عند حدها فإذا لم يكن عقل المرء عاقلا لنفسه موقفا لها عند حدها في أخذها وردها فليس بعقل وإذا حرم المرء الجوهر ذهب شرفه وبقي عرضا ثقيلا كثيفا لا يليق لمرتبة عزيزة ولا لمنصب نفيس وإذا تم عقله وكمل صار الحكم فيه للجوهر المحض فصلح أن يكون على تيجان الملوك والأكاسرة
وأول مراتب العقل الانخلاع عن الأنانية الكاذبة والدعوى الباطلة وصولة الفتق والرتق والواهب والسلب وإذا حكمه المقام وصار صفة عليه أيضا فاللازم عليه أن يعرف مبتدأه الطيني ومنتهاه الترابي وأن يقف بين هذه البداءة والنهاية بما يناسبهما من قول وفعل لأن وا عظ الله في قلب كل رجل مسلم

من لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ كيف ينتفع بالموعظة من كان قلبه غافلا
قال سهل رحمه الله تعالى الغفلة سواد القلب
وقال السيد الأمين من حديث . . . ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب
أي أخي تنتفع من موعظتي وأنتفع من موعظتك إذا أخلص كل منا

حتمية نشر العلم
أي أخي أنت أحسن مني زحمتك ذلة التلقي وأنا أخذتني سكرة التعليم
أي أخي إن أنا غلبت نفسي المسكينة وقلت لها علمك الله وأوجب عليك تعليم الإخوان وكاتم العلم يلجم بلجام من نار فتعبك لك قفي عند حدك ربما كان فيهم من هو عند الله أجل منك أخفاه عنك ليختبرك

وبعد ذلك سكنت ثائرتها الكاذبة وعرفت قدرها ووقفت عند طورها فلها الحظ الأوفر وكذلك أنت
أي أخي إن غلبت نفسك وألزمتها التعلم وذبحت الهوى بسكين الاقتداء وأخذت الحكمة غاضا طرفك عن شرفك وعلمك وحسبك وأبيك ومالك وحالك فقد فزت فوزا عظيما من لم يحاسب نفسه عن كل نفس ويتهمها لم يثبت عندنا في ديوان الرجال

التواضع الصحيح
أي سادة أنا لست بشيخ لست بمقدم على هذا الجمع لست بواعظ لست بمعلم حشرت مع فرعون وهامان إن خطر لي أني شيخ على أحد من خلق الله إلا أن يتغمدني الله برحمته فأكون كآحاد المسلمين مت مسلما ولا تبالي الإسلام حبل الوصلة إلى الله
لو عبد الله غير المسلم بعبادة الثقلين بعيد عن الله مغضوب عليه

ولو أتى العبد المسلم بذنوب الثقلين له من الله حظ العبودية قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم
أحكموا رابطة الوصلة مع الله بشرائط الإسلام المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

تساؤلات
أين أهل الصدق الذين يأمرون الناس بالبر ويأتمرون به
أين أهل الإيمان الكامل الذين يطلبون الحكمة ولا يقف نظرهم عند موضعها
من كمال الإيمان والصدق وعظك نفسك ونفعك غيرك وأخذك الحكمة أنى وجدتها
كل الفقراء ورجال هذه الطائفة خير مني أنا أحيمد اللاش أنا لاش اللاش لكن الحق يقال الصوفي من صفي سره من كدورات الأكوان وما رأي لنفسه على غيره مزية هكذا كتب الله وحكم وهذا والله خلق عبيده الذين طهرهم من رؤية غيره

أي أخي أنت غير ونفسك غير وغيرك غير كل ما أدركه بصرك واختلج بشكله وكيفيته سرك فهو غير
ربنا لا تكيفه الأفكار ولا تدركه الأبصار
أي أخي أخاف عليك من الفرح بالكرامة وإظهارها الأولياء يستترون من الكرامة كاستتار المرأة من دم الحيض
أي أخي الكرامة عزيزة بالنسبة إلى المكرم ليست بشيء بالنسبة لنا لأن هذا الإكرام لما ورد من باب الكريم عظم وعز وتلقته القلوب بالإجلال ولما تحول لفظ النسبة إلى العبد هان الأمر واستتر الكامل من هذه النسبة التي تحول أمرها من باب قديم إلى باب حادث خيفة من استحسان النسبة الثانية فإن قبولها سم قاتل
كلنا عار إلا من كساه كلنا جائع إلا من أطعمه كلنا ضال إلا من هداه ليس للعاقل إلا قرع باب الكريم في الشدة والرخاء
المخلوق ضعف عجز

فقر حاجة عدم محض
أكرم الله أحبابه المتقين وأظهر على أيديهم الخوارق وأيدهم بروح من عنده ورفع منارهم فاشتغلوا به تعالى عن كل ذلك خافوا الله فأسكنهم جنة قربه وأكرمهم إذ نزلوا به بالنظر إلى وجهه الكريم وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى
أشر الهوى رؤية الأغيار والاشتغال عن الخالق بالمخلوق ما الذي يراه العاقل من الاشتغال بغيره القول بتأثير غيره في كل أثر ما قليل أو كثير كلي أو جزئي شرك

قال رسول الله لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف
أي سادة تفرقت الطوائف شيعا واحيمد بقي مع أهل الذل والانكسار والمسكنة والاضطرار
إياكم والكذب على الله ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا

خطيئة الحلاج
ينقلون عن الحلاج أنه قال أنا الحق أخطأ بوهمه لو كان على الحق ما قال أنا الحق
يذكرون له شعرا يوهم الوحدة كل ذلك ومثله باطل ما أراه رجلا واصلا أبدا ما أراه شرب ما أراه حضر ما أراه سمع إلا رنة أو طنينا فأخذه الوهم من حال إلى حال
من ازداد قربا ولم يزدد خوفا فهو ممكور
إياكم والقول بهذه الأقاويل إن هي إلا أباطيل درج السلف على الحدود بلا تجاوز بالله عليكم هل يتجاوز الحد إلا الجاهل هل يدوس عنوة في الجب إلا الأعمى ما هذا التطاول وذلك المتطاول ساقط بالجوع ساقط بالعطش ساقط بالنوم ساقط بالوجع ساقط بالفاقة ساقط بالهرم ساقط بالعناء أين هذا التطاول من صدمة صوت لمن الملك اليوم
العبد متى تجاوز حده مع إخوانه يعد في الحضرة ناقصا التجاوز علم نقص ينشر على رأس صاحبه يشهد عليه بالدعوى يشهد عليه بالغفلة يشهد عليه بالزهو يشهد عليه بالحجاب يتحدث القوم بالنعم لكن مع ملاحظة الحدود الشرعية

الحقوق الإلهية تطلبهم في كل قول وفعل الولاية ليست بفرعونية ولا بنمة بنمرودية قال فرعون أنا ربكم الأعلى
وقال قائد الأولياء وسيد الأنبياء لست بملك
نزع ثوب التعالي والإمرة والفوقية
كيف يتجرأ على ذلك العارفون والله يقول وامتازوا اليوم أيها المجرمون وصف الافتقار إلى الله وصف المؤمنين قال تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله
هذا الذي أقوله علم القوم تعلموا هذا العلم فأن جذبات الرحمن في هذا الزمان قلت اصرفوا الشكوى إلى الله في كل

أمر العاقل لا يشكو لا إلى ملك ولا إلى سلطان العاقل كل أعماله لله

لا تنه عن خلق وتأتي مثله
أي سادة ما قلت لكم إلا ما فعلته وتخلقت به فلا حجة لكم علي إذا رأيتم واعظا أو قاصا أو مدرسا فخذوا منه كلام الله تعالى وكلام رسوله وكلام أئمة الدين الذين يحكمون عدلا ويقولون حقا واطرحوا ما زاد
وإن أتى بما لم يأت به رسول الله فأضربوا به وجهه
الحذر الحذر من مخالفة أمر النبي العظيم
قال تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
كان العراق أخاذة المشايخ وغيبة العارفين مات القوم الله الله بمتابعتهم أخلفوهم بحسن التخلق أعقبوهم

بصحة الصدق لا تلبسوا ثوب قوله تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات
أي إخواني لا تخجلوني غدا بين يدي العزيز سبحانه وقد سبقكم أصحاب الأعمال المرضيات كل نفس من أنفاس الفقير أعز من الكبريت الأحمر إياكم وضياع الأوقات فإن الوقت سيف إن لم يقطعه الفقير قطعه
قال تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا عليكم بالأدب فإن الأدب باب الأرب

الذين يخشون ربهم
حكي عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى أنه قال من لم يعرف ما لله عليه في نفسه ولم يتأدب بأمره ونهيه كان من الأدب في عزلة
قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء
سئل الحسن البصري رضي الله عنه عن أنفع الأدب

فقال التفقه في الدين والزهد في الدنيا والمعرفة بحقوق الله تعالى على عبده
وقال سهل بن عبد الله رضي الله عنه من قهر نفسه بالأدب عبد الله بالإخلاص
ومن الأدب أيضا الأدب مع المشايخ فإن من لم يحفظ قلوب المشايخ سلط الله عليه الكلاب التي تؤذيه
أدب صحبة من فوقك الخدمة ومن هو مثلك الإيثار والفتوة ومن دونك الشفقة والتربية والمناصحة
صحبة العارف مع الله بالموافقة ومع الخلق بالمناصحة ومع النفس بالمخالفة ومع الشيطان بالعداوة
إنكار العبد نعمة الله من موجبات السلب أنا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون إن الله إذا وهب عبده نعمة ما

استردها شكر النعمة معرفة قدرها من أراد أن تدوم نعمته فليعرف قدرها ومن أراد أن يعرف قدرها فليشكرها
الشكر ما قاله الجنيد رضي الله عنه وهو أن لا يستعين العبد بنعمته تعالى على معصيته الشكر وقوف القلب على جادة الأدب مع المنعم
الشكر أن يتقي العبد ربه حق تقاته وذلك أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر
الشكر اجتناب ما يغضب المنعم تعالى
الشكر رؤية المنعم لا رؤية النعمة قالت عائشة رضي الله عنها أتاني رسول الله في ليلة فدخل معي في لحافي حتى مس جلدي جلده ثم قال يا بنت أبي بكر ذريني أتعبد لربي قلت إني أحب قربك وأذنت له فقام إلى قربة من ماء فتوضأ وأكثر صب الماء ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره ثم ركع فبكى ثم سجد فبكى ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة فقلت يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر

فقال أفلا أكون عبدا شكورا
قال داود عليه السلام أي رب كيف أشكرك وشكري لك نعمة من عندك فأوحى الله إليه الآن شكرتني
الشكر طلب المنعم ورفض الدنيا وما فيها طلب المنعم يصح بالزهد والزاهد من ترك الدنيا ولا يبالي من أخذها

حذار من الدنيا
قال أمير المؤمنين علي رضوان الله عليه وسلامه
دنيا تخادعني كأني ... لست أعرف حالها
ذم الإله حرامها ... وأنا اجتنبت حلالها
بسطت إلي يمينها ... فكففتها وشمالها
ورأيتها محتاجة ... فوهبت جملتها لها
قال العارفون الزهد قصر الأمل ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباء من زهد في الدنيا وكل الله به ملكا يغرس الحكمة في قلبه
قال الله تعالى تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين

والعاقبة للتقوى كل الخير جعله الله في بيت وجعل مفتاحه التقوى قال الله تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة
أي سادة أحذركم الدنيا وأحذركم رؤية الأغيار الأمر صعب والناقد بصير إياكم وهذه البطالات إياكم وهذه الغفلات إياكم والعوالم إياكم والمحدثات اطلبوا الكل بترك الكل من ترك الكل نال الكل من أراد الكل فاته الكل
كل ما أنتم عليه من الطلب لا يصلحه إلا تركه والوقوف وراءه وحدوا المطلوب تندرج تحت وحيدكم كل المطالب من حصل له الله حصل له كل شيء ومن فاته الله فاته كل شيء بالله عليكم هذه المعرفة تمر هيهات هيهات من خرج عن نفسه وغيره وصفع أبهة طبعة تخلص من قيد الجهل
ليس الأمر كما تظنون جبة صوف وتاج وثوب قصير جبة حزن وتاج صدق وثوب توكل
وقد عرفتم العارف لا يخلو ظاهره من بوارق الشريعة وباطنه من نيران المحبة يقف مع الأمر ولا ينحرف عن الطريق وقلبه يتقلب على جمر الوجد وجده إيمان ووقوفه إذعان

الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
هكذا أخبر الصادق المصدوق ألزمنا الإحسان أن نقف أمامه وقوف من يراه وهو لا تخفى عليه خافية علم وأمر وإرادة وبعدها الإمكان وبعد الإمكان التكوين وبعده التكليف وبعده الفصل أو الوصل
صدق العبودية أن يسلم العبد لسيده الفقير إذا انتصر لنفسه تعب وإذا سلم الأمر لمولاه نصره من غير عشيرة ولا أهل

أئمة دعوة الحق
أقامنا الله أئمة الدعوة إليه بالنيابة عن نبيه من اقتدى بنا سلم ومن أناب إلى الله بنا غنم الحق يقال نحن أهل بيت ما أراد سلبنا سالب إلا وسلب ولا نبح علينا كلب إلا وجرب ولا هم على ضربنا ضارب إلا وضرب ولا تعالى على حائطنا حائط إلا وخرب إن الله يدافع عن الذين آمنوا النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم

إنكار بوارق الأرواح جهل بمدد الفتاح لا تعطيل لكلمة الله إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين
يتولى أمورهم وأمور مناديهم ومن ينزل بناديهم حال حياتهم وبعد مماتهم بلحوق علم منهم وبغير لحوق علم منهم العبد إذا كان راحما يستر النائم ولا يذكر له ذلك يوصل الخير إلى الفقير ولا يعرفه الخبر الله الرحمن الرحيم العظيم الكريم ينتصر لعبده الولي من حيث لا يدري يرزقه من حيث لا يحتسب تعصمه جبال عنايته من ماء غرق الأكدار والاقتدار تدفع عنه وعن محبيه الأقدار بالأقدار لا به ولكن له التنزلات المحكمة ليس لها من دون الله كاشفة من اعتصم بالله عصم ومن وقف مع الأغيار ندم قال سيدي الشيخ منصور الرباني رضي الله عنه الاعتصام بالله ثقتك به وتنزيه خواطرك عن غيره
القوم أرشدونا دلونا على الطريق كشفوا لنا حجاب الإغلاق عن خزائن درر الكتاب والسنة عرفونا حكمة الأدب مع الله ورسوله هم القوم لا يشقى جليسهم من آمن بالله وعرف شأن رسوله أحبهم واتبعهم

البيعة الصحيحة
أي سادة القوم بايعوا الله بصدق النيات وخالص الطويات على كثرة المجاهدات وملازمة المراقبات والطاعات والصبر على جميع المكروهات وقال سبحانه وتعالى فيهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
بادروا ركوب العزائم بالعزم وقوة الحزم فهجروا المنام وتركوا الشراب والطعام وقاموا لله بالخدمة في حنادس الليل والظلام وخدموا بالخشوع والسهر والقيام والركوع والسجود والصيام وتململوا في محاربيهم بين يدي محبوبهم لنيل مطلوبهم حتى وصلوا إلى مقام القرب ومحل الأنس وظهر لهم سر قوله تعالى إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا فأعطاهم الدرجة العليا والمحل الأدنى ولا ريب فالقريب من القريب قريب والمحب عند أحباب الحبيب حبيب حبيب لهم حبيب لمحبيهم محبوب عند الله ترفعه بركة محبته إلى درجة المحبوبية ما شاء الله كان
في محبة الأولياء
أي سادة عليكم بالتقرب من أولياء الله من والى ولي الله والى الله ومن عادى ولي الله عادى الله من أحب عدوك هل تحبه

يا أخي لا والله الله أغير من الخلق يغار ويفعل وينتقم ويقهر من أحب محبك هل تبغضه لا والله الله أكرم من الخلق يحسن ويجمل وينعم ويكرم وهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين نعم الله تعالى تذكر من قربته من العزيز فهو قريب ومن أبعدته عنه فهو بعيد أيها البعيد عنا الممقوت منا ما هذا منك يا مسكين لو كان لنا فيك مقصد يشهد بحسن استعدادك وخالص حبك إلى الله وأهله اجتذبناك إلينا وحسبناك علينا شئت وإلا لكن الحق يقال حظك منعك وعدم استعدادك قطعك لو حسبناك منا ما تباعدت عنا خذ مني يا أخي علم القلب خذ مني علم الذوق خذ مني علم الشوق أين أنت مني يا أخا الحجاب كشف لي قلبك

كيف نزيل الهم
أي أخي لو سمعت نصحي لتبعتني لا تقل لو أخذتني تبعتك أنا على النصيحة وأنت على كل حال عليك أن تسمع وتتبع اعمل بطاعة الله وارض بقضاء الله واستأنس بذكر الله تكن من أصفياء الله
من عرف الله زال همه العارف من هاجر وتجرد من الخلق
أي سادة المغبون من أنفق عمره في غير طاعة الله والزاهد من ترك كل شيء يشغل عن الله والمقبل من أقبل إلى الله وذو

المروءة من لم ينزل بدون الله والقوي من استقوى بالله
عليكم بتجريد التوحيد وهو فقدان رؤية ما سواه لوحدانيته إن قلت يا الله فقد ذكرته بإسمه الأعظم ولكن حرمت هيبته لأنك تقول من حيث أنت لا من حيث هو الغني الأكبر الأنس به سبحانه وتعالى والفاقة العظمى دوام الأنس بالموتى وأغلظ حجب القلوب الاستناد إلى المربوب معدن المعرفة القلب قال تعالى إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب
وقال تعالى ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب
أي سادة من يتق الله بحفظ السر عن آفات الالتفات إلى السوى يجعل له مخرجا من حجب الإبعاد ويرزقه المشاهدة والوصلة من حيث لا يحتسب
سبب معرفة العبد ربه معرفة العبد نفسه من عرف نفسه فقد عرف ربه من عرف نفسه لربه أفنى كليته بربه

أوحى الله إلى داود عليه السلام ألا من عرفني أرادني وطلبني ومن طلبني وجدني ومن وجدني لم يختر علي حبيبا سواي
عجبت لمن يقول ذكرت ربي ... وهل أنسى فأذكر من نسيت
أموت إذا ذكرتك ثم أحيا ... ولولا ماء وصلك ما حييت
فأحيا بالمنى وأموت شوقا ... فكم أحيا عليك وكم أموت
شربت الحب كأسا بعد كأس ... فما نفد الشراب وما رويت

الصحبة المليحة
عليكم أي سادة بذكر الله فإن الذكر مغناطيس الوصل وحبل القرب من ذكر الله طاب بالله ومن طاب بالله وصل إلى الله ذكر الله يثبت في القلب ببركة الصحبة المرء على دين خليله عليكم بنا صحبتنا ترياق مجرب والبعد عنا سم قاتل
أي محجوب تزعم أنك اكتفيت عنا بعلمك ما الفائدة من علم بلا عمل ما الفائدة من عمل بلا إخلاص الإخلاص على حافة طريق الخطر من ينهض بك إلى العمل من يداويك من سم الرياء من يدلك على الطريق القويم بعد الإخلاص فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
هكذا أنبأنا العليم الخبير
تظن أنك من أهل الذكر لو كنت منهم ما كنت محجوبا عنهم لو كنت

من أهل الذكر ما حرمت ثمرة الفكر صدك حجابك قطعك عملك
قال اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع
لازم أبوابنا أي محجوب فإن كل درجة وآونة تمضي لك في أبوابنا درجة وإنابة إلى الله تعالىصحت إنابتنا إلى الله قال تعالى واتبع سبيل من أناب إلي
أيها المتصوف لم هذه البطالة صر صوفيا حتى نقول لك أيها الصوفي
أي حبيبي تظن أن هذه الطريقة تورث من أبيك تسلسل من جدك تأتيك باسم بكر وعمرو تصير لك في وثيقة نسبك تنقش لك على جيب خرقتك على طرف تاجك حسبت هذه البضاعة ثوب شعر وتاجا وعكازا ودلقا وعمامة كبيرة وزيا صالحا لا والله إن الله لا ينظر إلى كل هذا ينظر إلى قلبك كيف يفرغ فيه سره وبركة قربه وأنت غافل عنه بحجاب التاج بحجاب الخرقة بحجاب السبحة بحجاب العصا بحجاب المسوح

إيش هذا العقل الخالي من نور المعرفة إيش هذا الرأس الخالي من جوهر العقل ما عملت بأعمال الطائفة وتلبس لباسهم يا مسكين

لباس التقوى
يا أخي لو كلفت قلبك لباس الخشية وظاهرك لباس الأدب ونفسك لباس الذل وأنانيتك لباس المحو ولسانك لباس الذكر وتخلصت من هذه الحجب وبعدها تلبست بهذه الثياب كان أولى لك ثم أولى لكن كيف يقال لك هذا القول وأنت تظن أن تاجك كتاج القوم وثوبك كثوبهم كلا الأشكال مؤتلفة والقلوب مختلفة
لو كنت على بصيرة من أمرك خلعت أباك وأمك وجدك وعمك وقميصك وتاجك وسريرك ومعراجك وأتيتنا بالله لله وبعد حسن الأدب لبست وأظنك بعد الأدب تقطع نفسك عن الثوب والعوارض القاطعة أي مسكين تمشي مع وهمك مع خيالك مع كذبك مع عجبك وغرورك وتحمل نجاسة أنانيتك وتظن أنك على شيء

وكيف يكون ذلك تعلم علم التواضع تعلم علم الحيرة تعلم علم المسكنة والانكسار
أي بطال تعلمت علم الكبر تعلمت علم الدعوى تعلمت علم التعالي إيش حصل لك من كل ذلك تطلب هذه الدنيا الجايفة بظاهر حال الآخرة لبئس ما صنعت ما أنت إلا كمشتري النجاسة بالنجاسة كيف تغفل نفسك بنفسك وتكذب على نفسك وأبناء جنسك لا يقرب المحب من محبوبه حتى يبعد عن عدوه
رمى بعض المريدين ركوته في بعض الآبار ليستقي الماء فخرجت مملوءة بالذهب فرمى بها في البئر وقال يا عزيزي وحقك لا أريد غيرك
من أثبت نفسه مريدا صار مرادا من أثبت نفسه طالبا صار مطلوبا من عكف على الباب دخل الرحاب ومن أحسن القصد بعد الدخول تصدر في غرفة الوصلة
دخل علي كرم الله وجهه ورضي عنه مسجد رسول الله فرأى أعرابيا في المسجد يقول إلهي أريد منك شويهة ورأى أبا بكر الصديق رضي الله عنه في زاوية أخرى يقول إلهي أريدك
شتان ما بين المرادين شتان ما بين الهمتين
تلعب الآمال بالعقول تلعب بالهمم كل يطير بجناح همته إلى أمله ومقصد قلبه فإذا بلغ غاية همته وقف فلم يجاوزها قال تعالى قل كل يعمل على شاكلته أي على نيته وهمته

لا تكن مثل الطير والحوت
أي أخي لا تجعل غاية همتك ومنتهى قصدك أن تمر على الماء أو تطير في الهواء يصنع الطير والحوت ما أردت طر بجناح همتك إلى ما لا غاية له العارف المتمكن لا شيء عنده من العرش إلا الثرى أعظم من سروره بربه والجنة وكل ما فيها في جنب سروره بربه أصغر من خردلة ملقاة في أرض فلاة من خساسة النفس ودناءة الهمة وقلة المعرفة اشتغالك بالنعمة عن المنعم العارفون تجردوا عن الدارين وطلبوا رب العالمين تجردوا عن النفس والولد
أوحى الله تعالى إلى يعقوب عليه السلام لما قال يا أسفا على يوسف إلى متى تذكر يوسف أيوسف خلقك أو رزقك أو أعطاك النبوة فبعزتي لو كنت ذكرتني واشتغلت بي عن ذكر غيري لفرجت عنك من ساعتك
فعلم يعقوب عليه السلام أنه مخطئ في ذكر يوسف فأمسك لسانه عن ذكره
قال موسى عليه السلام إلهي أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك
فقال الله تعالى أنا جليس لمن ذكرني وقريب ممن أنس بي أقرب إليه من حبل الوريد
طعام وشراب
أي سادة قال أهل الله رضي الله عنهم من ذكر الله فهو على نور من ربه وعلى طمأنينة من قلبه وعلى سلامة من عدوه
وقالوا ذكر الله طعام الروح والثناء عليه تعالى شرابها والحياء منه لباسها
وقالوا ما تنعم المتنعمون بمثل أنسه ولا تلذذ المتلذذون بمثل ذكره
وجاء في بعض الكتب الإلهية أن الله تعالى قال من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ ومن ذكرني من حيث هو ذكرته من حيث أنا ومن ذكرني من حيث هو أعطيته من حيث أنا
القوم شغلهم ذكره ومقصدهم هو يرون أن الحوادث الكونية تقوم بقضائه وقدره فلا يعارضوها لا بقلب ولا بلسان إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون
قال ابن عباس رضي الله عنهما ما من مؤمن إلا وعلى قلبه شيطان إذا ذكر الله خنس وإذا نسي الله وسوس
لا تغضب لنفسك
أي سادة لو أن العالم فريقان فريق يبخرني بالند والعنبر

وفريق يقرض لحمي بمقاريض من نار ما نقص هؤلاء عندي ولا زاد هؤلاء عندي لعلمي أن ذلك من مجاري الأقدار
إذا قطعتم حبل المعارضة بسكين التسليم له ذكرتموه
جاء في الخبر أذكر الله حتى يقولوا مجنون
أي سادة هذه الخيالات الباطلة أخذتكم من واد إلى واد وهذه الحجب الغليظة حولتكم من مقام إلى مقام ليست الهمة أن يقف الرجل عند حجابه بل الهمة أن يفتق شراع الحجاب ويتدلى إلى الرحاب
صوارم الهمم تفعل ما لا يمر بالأوهام حجب القلوب لا تشق إلا بسهام القلوب قال علي أمير المؤمنين عليه السلام
دواؤك منك وما تبصر ... وداؤك فيك وما تشعر
وتزعم أنك جرم صغير ... وفيك انطوى العالم الأكبر
العالم الأكبر العقل وقد انطوى بك ومن العالم المطوي فيك يظهر لك جرمك الذي استصغرته إذ لولا وصول جرمك إلى الغاية التي تحيط بذلك العالم الأكبر وتليق له لما صار محلا للعالم المذكور فخذ بالهمة العلية على مقدار ما بلغه جرم هيكلك من الإحاطة بالعالم الأكبر الذي يمتد شعاع مادته إلى كل مقام وتنتهي بوارق رسله إلى كل حيطة وتشق عزائم مداركه صف كل معمعة وتبلغ نجاب فكرته إلى كل حضرة به الله يعطي

ويمنع ويصل ويقطع ويفرق ويجمع ويضع ويرفع وعليه جعل مدار الأكوان وهو أول مخلوق من المواد الكبرى الآدمية
أنبأنا الحبيب الكريم والسيد العظيم إن أول ما خلق الله العقل
فإذا علمتم ما انطوى فيكم عظمتم شأن ذواتكم واحتفلتم بإعلاء شرف صفاتكم حتى تسمو عن منزلة الحجاب بالقوة بالجمال بالمال بالأهل بالعشيرة بالمنصب بالرياسة
قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه
وكل رياسة من غير علم ... أذل من الجلوس على الكناسة

منزلة العقل والعلم
العقل عاقل العلم لا يتم شرف العلم للمخلوق إلا بالعقل قال جماعة بإعلاء قدر العلم على العقل ولكن ذلك بالنسبة إلى الله لأن العلم صفته تعالى والعقل صفة المخلوق وأما بالنسبة إلى علمنا وعقلنا فعقلنا أجل مرتبة وأرفع منزلة من علمنا إذ لولا العقل لما تم لنا العلم
العاقل يكبو ويصرع ولكن يؤمل له النجاح ويرجى له الخير

والأحمق يصرع ويكبو ويخشى عليه القطيعة وعدم النجاح العاقل من فهم حكمة الدين
بلغنا عن الإمام علي أمير المؤمنين كرم الله وجهه وBه أنه قال كل عقل لم يحط بالدين فليس بعقل وكل دين لم يحط بالعقل فليس بدين
هذا الدين أتى بأحكام ألزمنا المبلغ العمل بها ووعد وأوعد فإذا تريض العقل بالعمل والاجتناب يصل إلى الإحاطة بسر الوعد والوعيد
أي سادة تفكروا هل من عقل ذكي قر بطبع سليم يجهل حكمة الأوامر والنواهي الدينية ويردها لا والله بل كل عاقل ذكي العقل سليم الطبع تعكف أشعة عقله على عتبة باب الأمر والنهي علما يجمعها بين خيري الدنيا والآخرة وما بقي عندكم إلا ما جاء في الوعد من فضل الله وكرمه
وفيه أبحاث علية تذكر عجائب قدرته تعالى وما جاء في الوعيد من بطش الله وعدله وفيه أبحاث غامضة تذكر غرائب عظمة الألوهية يشهد على كونها طبعك وحجابك وفهمك وفكرك وكل ما تراه من المشهودات الكونية العلوية والسفلية حجبك عن حقيقة كشفها عدم استعدادك وقلة قابليتك وقطيعتك ودناءة همتك
أين الرياضة التي جلت عن مرآة عقلك غبار غفلتك

أين متابعة الدليل الأعظم بكل ما جاء به قولا وفعلا وحالا وخلقا

جلساء الملك
هات هذه النقود واطلب بعدها البضاعة أيصح لبواب الملك أن ينكر على جلاسه ما يذكرونه من زينة داره وأمتعة بيته وحسن ألبسته وأوانيه وأسلحته ومخزوناته وشدة عقابه وبطشه في من يغضب عليه وكثرة عوائده وفوائده وإحسانه إلى من يحبه ويقربه
كيف يصح ذلك للبواب وهو مسكين محجوب بما هو فيه من عقله أن يجتهد لإحراز رتبة المجالسة كي يرى ما رآه جلاس الملك هذا أجمل من إنكاره وأعم مكرمة وأحسن حالا وأسلم عاقبة وأصلح شأنا إذا طبعت مرآة بصيرة القلب بتراكم صدأ الغفلة عن الرب توارت وجوه الحقائق عن بواطن الإفهام وامتنع عنها إنفاذ نور الإلهام فأظلم وجه البيان بتصاعد أنجزة الخيالات وغمامات الأوهام ما يغني الشمس عن المكفوف مع كمال إشراقها وماله عيون تقبل منه نورها وبرهانها وما يجدي فرط الإشراق مع ضعف الإحداق
نحن في موقف إشراق شمس القدرة وعيون أفهامنا ضعيفة وبغمامات الغفلة محتجبة فما لنا عيون تصلح لرؤية ذلك الجمال ولا قلوب تحمل مهابة تلك العظمة وعزة ذلك الجلال

كلنا تجري بنا سبل الفناء وتقذفنا في أغوار غاياتنا المغيبة عنا المحجوبة دوننا كلنا تجري سفن المنايا برياح حرصنا وشراع أطماعنا في بحار آمالنا وتقذفنا في لجج آجالنا وهمومنا موكلة بقضاء مهماتنا عن عاجل أمورنا وأيدي الحوادث تتلاعب بنا وهواتف الفناء تزعجنا
الناس في غفلاتهم ... ورحى المنية تطحن
ما دون دائرة الرحى ... حصن لمن يتحصن
كل يوم ينادي ملك الموت من بين أيدينا ومن خلفنا أينما تكونوا يدرككم الموت
وظلمات أجداثنا تنتظر ولوج أجسادنا ونحن غرقى في غمرة غفلاتنا وسكرة شهواتنا

النجاة من المهالك
فيا أيها العاقل إلى متى تصرف نفسك عن طريق النجاة إلى سبيل المعاطب والمهلكات وتصرفها عن فسحة الطاعات إلى مضايق المخالفات وتعرضها لما بين يديها وتسقيها من كؤوس الخطيئات وأدناس السيئات وتوردها موارد الفتن والآفات
أي أخي العمر قصير والناقد بصير وإلى الله المصير
يا أيها المعدود أنفاسه ... لا بد يوما أن يتم العدد
لا بد من يوم بلا ليلة ... وليلة تأتي بلا يوم غد

أي سادة الفكر أول أعمال النبي كان قبل فريضة المفروضات عبادته التفكر في آلاء الله ومصنوعاته حتى كلف ما كلف بالتفكر بآلاء الله وأخذ العبرة من الفكرة فإن الفكرة إذا خلت من العبرة بقيت وسواسا وخيالا وإذا أنتجت العبرة بقيت واعظا وحكمة
احكموا الأعمال بعد التفكر على أصل صحيح وأحكموا الأخلاق بعد الأعمال على طريق مليح وزينوا كل ذلك بالنية وخذوا بحبال السخاء فإنه من علامات الزهد وأقول هو باب الزهد وأقول إذا صح وعلت طبقته كل الزهد وهو أول قدم القاصدين إلى الله
قال تعالى الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون

نظرات إلى الخلق
أيدوا عقدة حبل الوصلة مع الله بغض الطرف عما تراه أبصاركم من النكس عند الخلق طمعا بتعمير الحق فإنه تعالى يقول ومن نعمره ننكسه في الخلق

لا تجعلوا منتهى أنظاركم وغاية أبصاركم رؤية الخلق ملوكهم وأواسطهم والطبقة السفلى منهم على حال واحد في العجز والفقر والمسكنة حجب قامت على العيون ستر بها الخالق خلقه وقضى فيهم بأمره فالعاقل من أدرك هذا الشأن وأعرض عن الحجاب والمحجوب والتجأ إلى المقيم القديم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ألا له الخلق والأمر
لا تطلقوا ألسن العلماء ومعها قلوب الجبابرة وجراءة الزنادقة وفجور الكفرة إذا أطلقتم الألسن
أمسكوا الجوارح والقلوب عن كل ما يغضب الملك العدل اللطيف الخبير أحسن حالا مع الله وأحسن مع الناس وأحسن معكم في أنفسكم إذا خلوتم إذا جلوتم إذا متم إذا بعثتم إذا سئلتم هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
الله الله أحذركم الله امتثالا ويحذركم الله نفسه

أمرا فقابلوا النصيحة بالقبول وقابلوا الأمر المطاع بالامتثال وإياكم ومحاربة الله فما فاز من حاد الله ولا ذل من والى الله ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

سند التوحيد
صحت أسانيد الأولياء إلى رسول الله تلقن منه أصحابه كلمة التوحيد جماعة وفرادى واتصلت بهم سلاسل القوم قال شداد بن أوس رضي الله عنه كنا عند النبي فقال النبي هل فيكم غريب يعنى من أهل الكتاب قلنا لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب وقال ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة ثم قال الحمد لله اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة وإنك لا تخلف الميعاد ثم قال ألا أبشروا فإن قد غفر لكم
هذا وجه تلقينه صلوات الله وسلامه عليه أصحابه جماعة وأما تلقينه جماعة منهم فرادى فقد صح أن عليا رضي الله عنه سأل النبي فقال يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله وأسهلها على عباده وأفضلها عند الله تعالى فقال أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا

الله ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهم لا إله إلا الله ثم قال رسول الله لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله الله
فقال رضي الله عنه كيف أذكر يا رسول الله فقال أغمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ثم قل أنت ثلاث مرات وأنا أسمع فقال لا إله إلا الله ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته وعلي يسمع ثم قال علي رضي الله عنه لا إله إلا الله ثلاث مرات مغمضا عينيه رافعا صوته والنبي يسمع
وعلى هذا تسلسل أمر القوم وصح توحيدهم وتجردوا عن الأغيار بالكلية وأسقطوا وهم التأثير من الآثار وردوها بيد اعتقادهم الخالص إلى المؤثر وقاموا على قدم الاستقامة فكملت معرفتهم وعلت طريقتهم فعاملوا الله كما عاملوه تحصل لكم المناسبة مع القوم ويتم نظام أمركم وراءهم فتكون أقدامكم على أقدامهم

القوم سمعوا وطابوا ولكنهم سمعوا أحسن القول فاتبعوه وسمعوا غير الحسن فاجتنبوه تحلقوا وفتحوا مجالس الذكر وتواجدوا وطابت نفوسهم وصعدت أرواحهم لاحت عليهم بوارق الإخلاص حالة ذكرهم وسماعهم ترى أن أحدهم كالغائب على حال الحاضر كالحاضر على حال الغائب يهتزون اهتزاز الأغصان التي تحركت بالوارد لا بنفسها يقولون لا إله إلا الله ولا تشتغل قلوبهم بسواه يقولون الله ولا يعبدون إلا إياه يقولون هو وبه لا بغيره يتباهون إذا غناهم الحادي يسمعون منه التذكار فتعلوا همتهم في الأذكار

التغني بأسماء الصالحين
لك أن تقول يا أخي الذكر عبادة فما الذي أوجب أن يذكر في حلقته كلام العاشقين وأسماء الصالحين ولكن يقال لك الصلاة أجل العبادات يتلى فيها كلام الله وفيه الوعد والوعيد ويقال في تحية الصلاة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ما أشرك المصلي ولا خرج عن بساط عبادته ولا عن حد عبوديته وكذلك الذاكر سمع الحادي يذكر اللقاء فطاب بطلب لقاء ربه من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

سمع الحادي يذكر الفراق فتأهب للموت وتفرغ من حب الدنيا حب الدنيا رأس كل خطيئة
سمع الحادي يذكر الصالحين فتقرب بحب أحباب الله إلى الله هذه من الطرق التي بعدد أنفاس الخلائق إلى الله
غنى بهم حادي الأحبة في الدجى ... فأطار منهم أنفسا وقلوبا
فأراد مقطوع الجناح بثينة ... وهموا أرادوا الواحد المطلوبا

مقام الأحرار
نعم يؤاخذ الكاذب يحرم عليه السماع يلزم بعدم الحضور في مجالسه حتى يصدق أين أولئك كادوا يدخلون أعداد الملائك غلبوا نفوسهم فاضمحلت وطاروا بأجنحة الأرواح فسارت بهم ودنت فتدلت وقليل ما هم أخلصوا فتخلصوا من قيد الرقية ووصلوا إلى مقام الحرية ما ملكتهم الأغيار كلا بل هم الأحرار كل الأحرار كانوا وبانوا

رحم الله القائل
أتمنى على الزمان محالا ... أن ترى مقلتاي طلعة حر
ما قلت لك يا أخي ذهب القوم لإساءة ظن بأهل الوقت ولكن القول على الغالب نحن في زمان عمت به الجهالة وكثرت به البطالة وفشت فيه الدعوى الكاذبة ونقلت فيه الأخبار المزخرفة إيش نعمل تحرد على من أكثر الناس سلكوا هذه الطرق دارهم ما دمت في دارهم وحيهم ما دمت في حيهم ولكن ما الفائدة من مداراة تأخذهم بها العزة ومن تحية تمكن فيهم الغفلة فاصدع بما تؤمر وأعرض عن الجاهلين وأمر بالعرف

احذروا أن يلعنكم القرآن
إيش اعمل بالسماع الذي رقص فيه الراقص بغير قلب ونجاسة النفس لطخته كيف يحسب برقصه ونقصه من الذاكرين
ورب تال تلا القرآن مجتهدا ... بين الخلائق والقرآن يلعنه

لله ملائكة جرد مرد تحت العرش يرقصون ويذكرونه تعالى ويهتزون لذكره هذه أرواح رقصت بالله لله وأنت يا مسكين ترقص بنفسك لنفسك أولئك الذاكرون وأنت المغبون المفتون سمى القوم الهز بالذكر رقصا إذا كان وارد الهزة من الروح فنسبوا الرقص للروح لا للجسم وإلا فأين الراقصون وأين الذاكرون طلب هؤلاء حق وطلب هؤلاء ضلال
سارت مشرقة وسرت مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب
الراقصون كذابون والذاكرون مذكورون بين الملعون والمحبوب بون عظيم إذا دخلتم مجالس الذكر فراقبوا المذكور واسمعوا بأذن واعية
إذا ذكر الحادي أسماء الصالحين فألزموا أنفسكم اتباعهم لتكونوا معهم المرء مع من أحب أوجبوا عليكم التخلق بأخلاقهم خذوا عنهم الحال والوجد الحق الوجد الحق الوجدان الحق لا تعملوا بالهوى لا أقول لكم إني أكره السماع لتحققي في مقام سماع القول واتباع أحسنه

ولكن أقول لكم إني أكره السماع للفقراء القاصرين عن هذه المرتبة لما فيه من البليات الموقعة في أشد الخطيئات وإذا كان ولا بد فمن حاد أمين مخلص يمدح الحبيب ويذكر بالله ويذكر الصالحين وهناك وقفوا

أهل الكمال
وعلى المرشد العارف أن يأخذ من السماع الحصة اللازمة ويفيضها على قلوب أهل حضرته بإذن الله وقدرته فإن الحال يسري كسريان الرائحة في المشام ونقطة الإخلاص إكسير
الرجل من يربي بحاله لا من يربي بمقاله وإذا جمع بين الحال والقال فهو الرجل الأكمل
أخذتم هذه المواكب عدة لقمع شوكة الكافرين والصابئين وأصحاب الزيغ والذين في قلوبهم مرض في هذه البقاع

لإرهابهم ولإعلاء كلمة الدين وتشييد شرف المسلمين أحسنتم العمل إن حسنت معه النية كمل الخير إن أرجعتم كل أحوالكم إلى الكتاب والسنة ولو من باب وإلا فبئست الأحوال والأعمال والأقوال بل أقول إذا ساءت المذاهب لا فرق بينكم وبين أولئك القوم إلا بالعلامة والعمامة فكونوا من القوم أحباب الله وأهل باب الله لا من القوم أعداء الله المبعودين عن الله

الطرق الإيمانية
أي سادة إياكم والدجالية إياكم والشيطانية إياكم والطرق التي تقود إلى كلا الوصفين أخجلوا الشيطان بخالص الإيمان خربوا بيع الدجل بيد الصدق
الطريق واضح صلاة وصوم وحج وزكاة والتوحيد والشهادة برسالة الرسول أول الأركان

واجتناب المحرمات حال المؤمن مع الله وهذا هو الطريق
ومن حال المؤمن مع الله أيضا ذكر الله تعالى كثيرا
ومن أدب الذكر صدق العزيمة وكمال الخضوع والانكسار والانخلاع عن الأطوار والوقوف على قدم العبودية بالتمكن الخالص والتدرع بدرع الجلال حتى إذا رأى الذاكر رجل كافر أيقن أنه يذكر الله بصدق التجرد عن غيره وكل من رآه هابه وسقط من بوارق هيبته على قلب الرائي ما يجعل هشيم خواطره الفاسدة هباء منثورا وإذا كان الأمر على غير هذا المنوال فأحسنه بالسنة إلى العامة التمكن وضبط القوم وجمع الأدب الباطني والظاهري مهما أمكن وكف الطرف عن النظر إلى أحد
اللهم اجعلنا ممن ركبت على جوارحهم من المراقبة غلاظ القيود وأقمت على سرائرهم من المشاهدة دقائق الشهود فهجم عليهم نشر الرقيب من القيام والقعود فنكسوا رؤوسهم من الخجل وجباههم للسجود وفرشوا لفرط ذلهم على بابك نواعم الخدود فأعطيتهم برحمتك غاية المقصود وصلي الله على سيدنا محمد

تواضع الشيخ
يا فقير اقتد بالقرآن المجيد اتبع آثار السلف إيش أنا حتى أدعو لك ما مثلي إلا كمثل ناموسة على الحائط لا قدر لها حشرت مع فرعون وهامان وقارون وأخذني ما أخذهم إن كان خطر لي في سري أني شيخ هذا الجمع أو مقدمهم أو من يحكم عليهم أو ثبت عندى أني فقير منهم وكيف تدعوه نفسه إلى ذلك من هو لا شيء ولا يصلح لشيء ولا يعد بشيء أي سادة لا تضيعوا أوقاتكم بما ليس لكم به راحة فما مضى منكم نفس إلا وهو معدود عليكم إياكم وما تغترون به واحفظوا أوقاتكم وقلوبكم فإن أعز الأشياء الوقت والقلب فإذا أهملتم الوقت وأعميتم القلب فقد ذهبت منكم الفوائد واعلموا أن الذنوب تعمي القلوب وتسودها وتسوؤها وتمرضها

مكتوب في التوراة في كل قلب مؤمن نائحة تنوح عليه وفي كل قلب منافق مغن يغني وفي قلب العارف موضع لا يسره أبدا وفي قلب المنافق موضع لا يغمه أبدا
أي سادة أنتم تذكرون الله في هذا الرواق وتتواجدون وتهتزون فيقول الفقهاء المحجوبون رقص الفقراء و يقول العارفون رقص الفقراء فمن كان منكم وجدة كاذبا وقصده فاسدا وذكره من اللسان مع طمح الطرف إلى الأغيار فهو رقاص كما قال الفقهاء وصدق عليه ما قالوا
ومن كان منكم وجده صادقا وقصده صالحا عملا بقوله تعالى الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وكان من الذين إذا سمعوا القول قصدوا المراد من القول وهو الإجابة لداعي الله في الأزل كما قال تعالى فيهم وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى

فسمع من سمع بلا حد ولا رسم ولا صفة فثبتت حلاوة السماع فيهم بتردد فلما خلق الله تعالى آدم علية السلام وكونه وأظهر ذريته إلى الدنيا ظهر ذلك السر المصون المكنون فيهم فإذا سمعوا نغمه طيبه وقولا حسنا طارت هممهم إلى الأصل الذي سمعوه من ذلك النداء وأولئك هم العارفون بالله تعالى في الأزل المتحابون فيه المتزاورون لأجله الذاكرون المهيمون به عن غيره فذلك الفقير يقال له ذاكر رقصت روحه وصحت عزيمته وكمل عقله وابيضت صحيفته وأخذ من السماع الحظ المكنون ونشر السر المطوي فيه لأن السماع موجود سره في طبع كل ذي روح يسمع وكل جنس يسمع بما يوافق طبعه ويفهم من السماع ما تنتهي إليه همته أما ترى الطفل إذا سمع الحدو طرب ونام والجمال إذا حداها الحادي سارت ونسيت ألم الثقل

البكاء على فراق الأحبة
جاء في الآثار أن الله ما خلق في خلق السماوات والأرض ألذ من صوت إسرافيل عليه السلام فإذا قرأ في السماء قطع على أهل السماوات السبع ذكرهم وتسبيحهم
لما أهبط الله آدم إلى الأرض بكى ثلثمائة عام فأوحى الله تعالى إليه يا آدم وما بكاؤك وفيم جزعك فقال يا رب لست أبكي شوقا إلى جنتك ولا خوفا من نارك وإنما بكائي شوقا إلى الملائكة المتواجدين حول العرش

سبعين ألف صف جرد مرد يرقصون ويتواجدون ويدورون حول العرش ويد كل واحد منهم بيد صاحبه وهم يقولون جل الملك ملكنا لولا ملكنا هلكنا من مثلنا وأنت إلهنا ومن مثلنا وأنت حبيبنا ومستغاثنا
وذلك دأبهم إلى يوم القيامة
فأوحى الله تعالى إليه يا آدم ارفع رأسك وانظر إليهم فرفع رأسه إلى السماء فنظر إلى الملائكة وهم يرقصون حول العرش جبرائيل رأسهم وميكائيل قوالهم فلما رآهم سكن روعه وأنينه
وقيل في تفسير قوله تعالى فهم في روضة يحبرون أي يسمعون
هذا أساس مقاصد العارفين في السماع والتواجد وهذا العطاء ما هو بالرقص المحرم كما يزعم بعض الجهلاء من ممقوتي الفقراء هذا العطاء يحصل لرجل يملك خاطره ولا يجول بقلبه وسواس ولا يلتفت إلى عرض من أعراض الأكوان ولا يقصد إلا الله جلت عظمته ومن كان ملطخا بأوساخ الوسواس وأدناس الطبع عليه أن يذكر الله محافظا على أدب القول والحركة مهما أمكن وأن لا يخوض بحر الدعوى الكاذبة ويدعي منزلة القوم

ألم يعلم بأن الله يرى والله غيور وبهذا القدر كفاية

المنقادون للحق
أي سادة كونوا مع الشرع في آدابكم كلها ظاهرا وباطنا فإن من كان مع الشرع ظاهرا وباطنا كان الله حظه ونصيبه ومن كان الله حظه ونصيبه كان من أهل مقعد صدق عند مليك مقتدر
أي سادة منكم الفقهاء والعلماء أيضا ولكم مجال وعظ ودروس تقرؤونها وأحكام شرعية تذكرونها وتعملونها الناس إياكم أن تكونوا كالمنخل يخرج الدقيق الطيب ويمسك لنفسه النخالة وأنتم كذلك تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في قلوبكم تطالبون حينئذ بقوله تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم
إذا أحب الله عبدا جعل في قلبه الرأفة والشفقة لسائر المخلوقات وعود كفه السخاء وقلبه الرأفة ونفسه السماحة وبصره بعيوب نفسه حتى يستصغرها ولا يراها شيئا
العارف حزين إذا فرح الناس كئيب من غير يأس فرحه قليل وبكاؤه طويل مطلوبه محبوبه وهمه عيوبه وذنوبه

الناس في العيد قد سروا وقد فرحوا ... وما سررت به والواحد الصمد
لما تيقنت أني لا أعاينكم ... أغمضت عيناي ولم أنظر إلى أحد
بذلت نفسي ولم أترك طريقا إلا سلكته وعرفت صحته بصدق النية والمجاهدة فلم أجد أقرب وأوضح وأحب من العمل بالسنة المحمدية والتخلق بخلق أهل الذل والانكسار والحيرة والافتقار كان الصديق الأكبر السيد أبو بكر رضي الله عنه يقول

الحمد لله الذي لم يجعل الوصول إليه إلا بالعجز
والعجز عن درك الإدراك إدراك
روى أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام يا موسى ائتني بما ليس في خزائني قال يا رب أنت رب العالمين وأي شيء نقصت خزائنك فقال يا موسى اعلم أن خزائني مملوءة كبرياء وعزا وجلالا وجبروتا ولكن ائتني بالذل والانكسار والمسكنة فأنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي يا موسى ما تقرب المتقربون إلي بأعظم من ذلك
أي سادة من الخشية تكون المحاسبة ومن المحاسبة تكون المراقبة ومن المراقبة يكون دوام الشغل بالله فإن أغبط الناس في زماننا مؤمن عرف زمانه وحفظ لسانه ولزم شأنه وكان من الصالحين

وصية عارف بالله
قلت لسيدي عبد الملك الخرنوتي قدس الله سره أوصني قال لي يا أحمد ملتفت لا يصل ومشكك لا يفلح ومن لم يعرف من نفسه النقصان فكل أوقاته نقصان
فبقيت سنة أردد وصية الشيخ وما يخطر لي خاطر إلا أذكرها فيزول عني

ثم إني زرته في السنة الأخرى ولما أردت الخروج من عنده قلت له أي سيدي أوصني فقال لي يا أحمد ما أقبح العلة بالأطباء والجهل بالألباء والجفاء بالأحباء فخرجت من عنده وصرت أرددها سنة على نفسي وانتفعت به وبوصيته
العالم العارف عظيم السياسة لنفسه بالمخافة من الله والمراقبة له وإذا أراد أن يتكلم بكلام اعتبره قبل أن يخرجه من فيه فإن رأى فيه صلاحا أخرجه وإلا ضم فمه عليه لما جاءت به الروايات لسانك أسدك إن حرسته حرسك وإن أطلقته رفسك
العارف كلامه ينقي الصدا وصمته يصرف الردى يأمر بالمعروف لأهله وينهى عن المنكر وفعله
قال تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس
من عرف الله زاد أدبه معه من تقرب إلى الله عظم خوفه من الله

الرحلة في طلب العلم
أخبرني القاضي المقري الإمام الصالح سيدي علي أبو الفضل الواسطي بسنده إلى الخطيب البغدادي يسلسله إلى أبي الجارود العبسي أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وعنهم أجمعين قال بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي سمعه من رسول الله في القصاص ولم أسمعه فابتعت بعيرا فشددت رحلي عليه ثم سرت شهرا حتى قدمت مصر فأتيت عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال ابن عبد الله قلت نعم فأتاه فأخبره فقام يطأ ثوبه حتى خرج إلي فاعتنقني واعتنقته فقلت له حديث بلغني عنك سمعته من رسول الله ولم أسمعه في القصاص فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه
فقال عبد الله سمعت رسول الله يقول يحشر الله العباد أو قال الناس عراة غرلا بهما قال قلنا ما بهما قال ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد

من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قال قلنا كيف ذا وإنما نأتي الله غرلا بهما قال بالحسنات والسيئات قال وتلا رسول الله اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم
قال رسول الله إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط ألا فليرتقب أمتي العذاب إذا كافأ الرجال بالرجال والنساء بالنساء
هذا الحديث أظهر ما لله من العدل بإثبات القصاص فيمن ليس بمكلف كالبهائم وغيرها وأطلق القول عليه عز و جل بالقيام على العرش يوم القيامة من غير تكييف ولا تمثيل وأثبت الوعيد في اللواط والسحاق
العلم لا يكتم والحق يقال والشارع روحي الفداء لقبره المبارك أوضح لنا ما لنا وما علينا تماما فالناجي من آمن به واتبع أمره والحذر والهلاك لمن خالفه

بلغ كما أمر وما بقي لنا عليه حجة وهو صاحب الحجة القائمة على كل مكلف وبه قامت حجة الله على خلقه هكذا قضى سبحانه وتعالى وقال وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا
أي سادة من أحب الله علم نفسه التواضع وقطع عنها علائق الدنيا وآثر الله تعالى على جميع أحواله واشتغل بذكره ولم يترك لنفسه رغبة فيما سوى الله تعالى وقام بعبادته بحقائق الأسرار وخلع المنابر والأسرة تواضعا لله وإن كانت يده طائلة إلى مثل ذلك وكان كمن قيل فيه
ترك المنابر والسرير تواضعا ... وله منابر لو يشا وسرير
ولغيره يجبى الخراج وإنما ... يجبى إليه محامد وأجور

مقامات العبيد
أي سادة العبدية حقها الانقطاع عن غير السيد بالكلية العبدية ترك كل كلية وجزئية العبدية رد القصد عن طلب كل مزية العبدية عدم رؤية العبد لنفسه على إخوانه رفعة أو فرقية العبدية الوقوف عند ما حد للطينة الآدمية العبدية الخشية والخضوع تحت مجاري الأقدار الربانية

لا يكون العبد عبدا كاملا حتى يصل إلى مرتبة الحرية والتخلص من رق الأغيار بالكلية
أي سادة لا تتخذوني دفة المكدية لا تجعلوا رواقي حرما وقبري بعد موتي صنما دعوت الله أن يجعلني منفردا إليه في الدنيا فحصل مع الجمعية وعساني أصل إلى هذا المقصد إذا فارقت هذه الدنيا الدنية إن صحت الجمعية مع الله فالكل هين
إذا صح منه الوصل فالكل هين ... وكل الذي فوق التراب تراب
عليكم به سبحانه وحقه لا يضر وينفع ويصل ويقطع ويفرق ويجمع ويعطي ويمنع إلا هو
الوسائل إليه لا تنكر والوسائط لا تكفر وإنما المادة الكبرى كلمة تقولها وتصل وهي آمنت بالله فإذا آمنت به آمنت بكتابه وبرسوله وبكل ما جاء به رسوله وعملت بقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
وعظمت الوسائل والوسائط التي تدلك على الله ووحدت الله ووقفت على الباب بسائح الدموع ولثمت الأرض بالذل والخضوع وعرفت إلى أين المصير والرجوع وتهيأت لما يليق بمقام الملاقاة وأخلصت في أعمالكم كلها فصرت إخلاصا خالصا

وبعدها تليق لك المراتب وتسبح عليك سحب المواهب وتعود عليك عوائد الكرم وتمد لك موائد النعم وتنشر شبكة عرفانك على الخلق حتى لا تبقي ولا تذر وتصل دعوة نيابتك إلى الظهور والبطون بإذن الله

توقير العلماء
أي سادة عظموا شأن الفقهاء والعلماء كتعظيم شأن الأولياء والعرفاء فإن الطريق واحد وهؤلاء وراث ظاهر الشريعة وحملة أحكامها الذين يعلمونها الناس وبها يصل الواصلون إلى الله إذ لا فائدة بالسعي والعمل على الطريق المغاير للشرع ولو عبد الله العابد خمسمائة عام بطريقة غير شرعية فعبادته راجعة إليه ووزره عليه ولا يقيم له الله يوم القيامة وزنا وركعتان من فقيه في دينه أفضل عند الله من ألف ركعة من فقير جاهل في دينه فإياكم وإهمال حقوق العلماء وعليكم بحسن الظن فيهم جميعا وأما أهل التقوى منهم العاملون بما علمهم الله فهم الأولياء على الحقيقة فلتكن حرمتهم عندكم محفوظة قال من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم
وقال العلماء ورثة الأنبياء الحديث
الدالون على طريق الحق
هم سادات الناس وأشراف الخلق والدالون على طريق الحق لا تقولوا كما يقول بعض المتصوفة نحن أهل الباطن وهم أهل الظاهر هذا الدين الجامع باطنه لب ظاهره وظاهره ظرف باطنه لولا الظاهر لما بطن لولا الظاهر لما كان الباطن ولما صح القلب لا يقوم بلا جسد بل لولا الجسد لفسد والقلب نور الجسد
هذا العلم الذي سماه بعضهم بعلم الباطن هو إصلاح القلب فالأول عمل بالأركان وتصديق بالجنان
إذا انفرد قلبك بحسن نيته وطهارة طويته وقتلت وسرقت وزنيت وأكلت الربا وشربت الخمر وكذبت وتكبرت وأغلظت القول فما الفائدة من نيتك وطهارة قلبك
وإذا عبدت الله وتعففت وصمت وصدقت وتواضعت وأبطن قلبك الرياء والفساد فما الفائدة من عملك فإذا تعين لك أن الباطن لب الظاهر والظاهر ظرف الباطن ولا فرق بينهما ولا غنى لكليهما عن الآخر فقل نحن من أهل الظاهر وكأنك قلت من أهل الباطن

قل نحن من أهل ظاهر الشرع وقد ذكرت باطن الحقيقة
أي حالة باطنة للقوم لم يأمر ظاهر الشرع بعملها
أي حالة ظاهرة لم يأمر ظاهر الشرع بإصلاح الباطن لها لا تعملوا بالفرق والتفريق بين الظاهر والباطن فإن ذلكزيغ وبدعة لا تهملوا حقوق العلماء والفقهاء فإن ذلك جهل وحمق لا تأخذوا بحلاوة العلم وتبطلوا مرارة العمل فإن تلك الحلاوة لا تنفع بغير تلك المرارة وإن تلك المرارة تنتج الحلاوة الأبدية
إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا
نص قرآني يشهد لكم بالمكافأة على الأعمال
والإخلاص أن يكون العمل لله لا لدنيا ولا لآخرة مع حسن الظن به سبحانه وتعالى في كل حال من الأحوال وعمل من الأعمال وقول من الأقوال إيمانا به وامتثالا لأمره وطلبا لمرضاته

العلم المفيد
أي سادة تقولون قال الحارث قال أبو يزيد قال الحلاج ما هذا الحال قبل هذه الكلمات
قولوا قال الشافعي قال مالك قال أحمد قال نعمان صححوا المعاملات البينية وبعدها تفكهوا بالمقولات الزائدة قال الحارث وأبو يزيد لا ينقص ولا يزيد وقال

الشافعي ومالك أنجح الطرق وأقرب المسالك شيدوا دعائم الشريعة بالعلم والعمل وبعدها ارفعوا الهمة للغوامض من أحكام العلم وحكم العمل
مجلس علم أفضل من عبادة سبعين سنة أي من العبادات الزائدة عن المفروضات التي يتعبد الرجل بها بغير علم هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون أم هل تستوي الظلمات والنور
أشياخ الطريقة وفرسان ميادين الحقيقة يقولون لكم خذوا بأذيال العلماء لا أقول لكم تفلسفوا ولكن أقول لكم تفقهوا من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
ما اتخذ الله وليا جاهلا ولو اتخذه لعلمه الولي لا يكون جاهلا في فقه دينه يعرف كيف يصلي كيف يصوم كيف يزكي كيف يحج كيف يذكر
يتقن علم المعاملة مع الله فمثل هذا الرجل وإن كان أميا فهو عالم ولا يقول له جاهل إلا من جهل العلم المقصود
ليس العلم علم البديع والبيان والأدب الذي عناه الشعراء والجدل والمناظرة

العلم المختصر علم ما أمر الله به ونهى عنه والعلم الجامع الأتم علم التفسير والحديث والفقه والفنون اللفظية والقواعد النظرية التي وضعت وسماها واضعوها علوما هي فنون تدخل تحت قول القائل العلم بالشيء ولا الجهل به

القول بوحدة الوجود ضلالة
صموا أسماعكم عن علم الوحدة وعلم الفلسفة وما شاكلهما فإن هذه العلوم مزالق الأقدام إلى النار حمانا الله وإياكم
الظاهر الظاهر اللهم إيمانا كإيمان العجائز قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون
لا تقطعوا الوصلة مع العلماء جالسوهم خذوا عنهم لا تقولوا فلان غير عامل خذوا من علمه واعملوا به ودعوه وعمله إلى الله الأولياء رضي الله عنهم يأخذون الحكمة لا يبالون من

أي لسان ظهرت وعلى أي حجر كتبت وبواسطة أي إنسان وصلت ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا
الأولياء قناطر الخلق يعبر الموفقون عليهم إلى الله تعالى أولئك هم العاملون المخلصون الخالصون استخلصهم تعالى لعبادته وقربهم من حضرته فما حجب قلوبهم حجاب الغين طرفة عين أخرجوا البين من البين أقاموا طلاسم الكتم على الأسرار وقاموا الليل وصاموا النهار بعضهم غلب عليه الفكر وبعضهم غلب عليه الذكر وبعضهم جمع شتات الأمر رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
أوصيكم كل الوصية بعد علم واجبات الدين بصحبتهم فأنها ترياق مجرب عندهم رأس الأمر كله عندهم الصدق والصفاء والذوق والوفاء والتجرد من الدنيا والتجرد من الأخرى والتجرد إلى المولى هذه الخصال لا تحصل بالقراءة والدرس والمجالس لا تحصل إلا بصحبة الشيخ العارف الذي يجمع بين الحال والمقال يدل بمقاله وينهض بحاله أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده

استقامة القائد تظهر في المقود
حاله الشيخ كمالا كانت أو نقصانا تظهر في اتباعه ومريديه بطنا بعد بطن فان كانت حاله كمال علا بها حال الكامل وزاد بها حال الناقص وإن كانت حالة نقص نقص بها حال الكامل وذهب بها حال الناقص إلا إن وهب الكريم فلا تأثير للأحوال إياكم وإبقاء أثر ينقص حال كمل أتباعكم ويذهب حال ناقصهم الرجل من تظهر آثاره بعده قال الرجال
إن أثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
أتركوا بعدكم أثر الذل والانكسار والتجرد من الدعوى والخروج من حيطة الاستعلاء والتذلل بباب المولى ومحبة الفقراء والعلماء وموافقة الأقدار بالتسليم إلى الله والتمسك بسنة رسوله وإياكم والغرة بالوقت فما هو عند العارف بشيء إلا إذا لم يصرفه في غير الطاعة ويأخذ منه ما يثلج صدره أجل من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن سنة في الإسلام سن سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء
حول نسخ الشرائع
ما بقي من قوم سليمان عليه السلام أحد ذهب ملكه ونسخت شريعته ونبينا عليه لا يذهب شأنه ولا تنسخ شريعته بإذن الله إن الله لا يخلف الميعاد وصف سليمان نازعه وصف الملك الديان فطمسه لمن الملك اليوم لله الواحد القهار
ووصف النبي لما كان العبدية أعانه وصف الربوبية فدام ذكره وعلا أمره والله يعصمك من الناس
وقد ترون أن الملوك وذراريهم وحواشيهم تذهب ورسومهم تنقلب والرعية على حالها
هؤلاء نازعتهم صفة الربوبية لما رأوا المالكية فزالوا وهؤلاء صانتهم صفة الربوبية لما تحققوا بمنزلة المملوكية فداموا

قال سيدي الشيخ منصور صحيفة حال الشيخ أتباعه لهم من حاله وخلقه شمة لا بد أن تفعل كيف كانت إلا إذا غلبها حال سماوي اختص به التابع فربما يعلو منزلة شيخه ذلك الفضل من الله يؤتيه من يشاء
ترى في أصحاب الحلاج حب القول بالوحدة ترى في أصحاب أبي يزيد رحمه الله حب الإغماض والتكلم بالرقائق ترى في أصحاب الجنيد رضي الله عنه حب الجمع بين لسان الطريقة الشريعة

ترى في أصحاب السلماباذي حب المعالي لما كان عليه من المنزلة
ترى في أصحاب سيدي الشيخ أبي الفضل حب الوحدة إلى الله بالذل لله وللخلق
وقد تنعكس هذه القاعدة في البعض ولكن يكون ذلك بالاختصاص يختص برحمته من يشاء
معروف الكرخي وداود الطائي والحسن البصري ومن تأدب بصحبتهم من هذه الطائفة رضي الله عنهم اختصروا أسباب السير على كلمتين التمسك بالشرع وطلب الحق وحده هذه الشريعة أمامك

انظر أخلاق النبي
أي أخي أنظر كيف كان نبيك وكيف قال وكيف خالق الناس برا وفاجرا واعمل بعمله وقل بقوله وتخلق بخلقه إن كنت لا تعلم فاسأل العلماء قال تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
يتحدث القوم بالنعم اعترافا بنعمة المنعم وشكرا لها وحثا للناس على العمل لتحصل لهم هذه البركة قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
يقول المتحدث بالنعمة أطلعني ربي على كذا وعلمني كذا ووهبني من الخير والبركة كذا
ولكن لا يقول أنا خير منكم أنا أجل منكم أنا أشرف منكم
هذه كلمات دعوى تكون من رعونة النفس ينطق بها لسان الأحمق ما الذي خيرني عليك وأجلني وشرفني صلاة وصوم وغيرها من العبادات فلا يأمن مكر الله إلا القوم

الخاسرون لولا امتثال قوله تعالى واشكروا لي ولا تكفرون لخاط العاقل فمه بمخيط

حذار من الافتخار
أي أخي تفتخر بأبيك آدم عليه السلام الصفوة الأولى كفر أكثر أولاده وكذلك أكثر أولاد الأنبياء والمرسلين
تفتخر بعلمك إبليس حل كل عويص حل وقرأ صحاف الموجودات تفتخر بمالك قارون هلك بماله

تفتخر بملكك لم يغن ملك فرعون عنه من الله شيئا
ما هلك إبراهيم عليه السلام بعد أن تجرد إلى ربه
ما ذل موسى عليه السلام بعد أن فرش بساط ذله بين يدي خالقه
ما ضاع شأن يونس عليه السلام بعد أن قال بصدق الالتجاء لا إله إلا أنت سبحانك
ما خاب يوسف عليه السلام بعد أن استسلم لقضائه معتمدا عليه
هكذا النبيون هكذا المرسلون هكذا الصديقون هكذا الصالحون لا تبديل لكلمات الله

وادي وميادين
يا أخي أين أنت في أي واد تهيم في وادي وهمك تسرح في ميادين قطيعتك الله الله بك أحرص عليك والله إن تنقطع أخاف عليك أن تخذل اللهم إني أعوذ بك من القطع بعد الوصل
أي أخي لا تحرد مني إذا انقطعت وأنت تظن الوصل ورأيت أنك عالم وأنت على طائفة من الجهل فقد فاتك السوم وسبقك القوم وعمك اللوم

لا أقول لكم انقطعوا عن الأسباب عن التجارة عن الصنعة ولكن أقول انقطعوا عن الغفلة والحرام في كل ذلك لا أقول لكم أهملوا الأهل ولا تلبسوا الثوب الحسن ولكن أقول إياكم والاشتغال بالأهل عن الله وإياكم والزهو بالثوب على الفقراء من خلق الله
وأقول لا تظهروا الزينة فوق ما يلزم بثيابكم تنكسر قلوب الفقراء وأخاف أن يخالطكم العجب والغفلة وأقول نقوا ثيابكم قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وأقول نقوا قلوبكم وطهروها فذلك أولى من تنقية الثياب إن الله لا ينظر إلى ثيابكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وكذلك أو مثل ذلك قال لنا سيدنا
حاربوا الشيطان ببعضكم بنصيحة بعضكم بخلق بعضكم بحال بعضكم بقال بعضكم قال تعالى

وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان
وقال تعالى الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص يقاتلون الشيطان والنفس وعدو الله يقاتلون الشيطان كي لا يقطعهم عن الله يقاتلون النفس كي لا تشغلهم بشهواتها الدنية عن عبادة الله يقاتلون عدو الله لإعلاء كلمة الله ونشر علم الدلالة على الله أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون

عظمة العلم
عظموا شأن العلم تعظيما يقوم بواجباته لأنه أدرك حقائق الأشياء مسموعا ومعقولا أعطوا الإيمان حقه فهو إقرار باللسان واعتقاد بالجنان إلزموا حكم الإسلام فهو متابعة الشريعة والإعراض عن الطبيعة

تحققوا بالمعرفة فهي أن تعرفوا الله بالوحدانية
طهروا النية فهي الخطرة في القلب فلا يطلع عليها أحد غير الله
أتقنوا الأدب فهو وضع الشيء موضعه
أوجزوا الموعظة فهي إرشاد أصحاب الغفلات
أبلغوا بالنصيحة فهي الاطلاع على حفظ طريق الزهد
أصدقوا في المحبة فهي نسيان ما سوى المحبوب أكملوا الأدب في الدعاء فهو رفع الحاجات إلى رفيع الدرجات
شيدوا منار التصوف فهو ترك الاختيار
أتقنوا طريق العبودية فهي ترك الدنيا وترك الدعوى واحتمال البلوى وحب المولى
مهدوا سبيل القرب فهو الانقطاع عن كل شيء سوى الله
تحققوا بالصدق فهو موافقة السر والعلانية
عظموا قدر نعمة العافية فهي نفس بلا بلاء ورزق بلا عناء وعمل بلا رياء

قفوا عند حد الاستقامة فهي ألا يختار على الله شيء
تحروا الحلال فهو الذي لا يضمنه آكله في الدنيا ولا يؤاخذ لأجله في الآخرة
سددوا منهاج الطاعة فهي طلب رضاء الله في الأقوال والأفعال والأحوال
خذوا بعروة الصبر فهو إيقاف القلب عند حكم الرب
طهروا العزلة والخلوة فهما التباعد عن أبناء الدنيا بترك الطمع وهجر اختلاط الناس قلبا وإن كان المرء بينهم بشخصه

وصايا وتحذيرات
ألا إن الولي من ولى وجهه عن النفس والشيطان والدنيا والهوى وولى وجهه وقلبه إلى المولى وأعرض عن الآخرة والأولى ولم يطلب إلا الله تعالى وإن القانع من رضي بالقسمة واكتفى بالبلغة
وأحذركم أوصافا وخصالا إياكم إياكم والاتصاف بشيء منها فإنها السم الناقع أوصيكم بتقوى الله والتباعد عن الخصال المذكورة وهي الحسد وهو إرادة زوال نعم المحسود والكبر وهو إن يرى المرء نفسه خيرا من غيره والكذب وهو اختراع كلام على خلاف الواقع وقول قبيح عار عن صفة المنفعة والغيبة وهي بيان خبث البشرية والحرص وهو عدم الشبع من الدنيا والغضب وهو غليان الدم لإرادة الانتقام والرياء وهو الاستبشار برؤية الأغيار

والظلم وهو متابعة النفس على ما تشتهيه
وأقول لكم كونوا دائما بين الخوف والرجاء فالخوف أن يخاف القلب من الله لما علم من ذنوبه والرجاء سكون الفؤاد بحسن الوعد
وأديموا تصفية الروح بالرياضة وهي استبدال الحالة المذمومة بالحالة المحمودة

مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر
اجعلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دينكم إن الدين عند الله الإسلام
ومن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في

أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه كذا أخبرنا الصادق المصدوق
وقال علي أمير المؤمنين عليه السلام أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن شان الفاسقين وغضب لله وجاهد في الله ولم يبتغ غير الإسلام دينا غفر الله له
مثل رجال السنة رضي الله عنهم وحال المداهن في حدود الله تعالى والواقع فيها مثل قوم في سفينة صار بعضهم في أسفلها فأتوه فقالوا ما لك فقال لا بد لي من الماء فإن أخذوا عليه ومنعوه أنجوا ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم
جاء في الخبر ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده
وكان سفيان الثوري رضي الله عنه يقول إذا كان الرجل محببا في جيرانه محمودا عند إخوانه فاعلم أنه مداهن

أجل ومن شاهد منكرا ولم ينكره وسكت عنه فهو شريك فيه والمستمع شريك المغتاب وتجري في هذه جميع المعاصي المنبه عليها شرعا
ألا إن من خالط الناس كثرت معاصيه وأن كان تقيا في نفسه إلا أن يترك المداهنة ولا تأخذه في الله لومة لائم ويشتغل بالحسبة والمنع

اللطف في الحسبة
وأصل الحسبة الشرعية شيئان أحدهما : اللطف والرفق والبداءة بالوعظ على سبيل اللين لا على سبيل العنف والترفع فإن ذلك يؤكد داعية النفس ويحمل العاصي على المناكرة والإيذاء
وإذا كان الواعظ فظا سيئ الخلق لا سبيل له لحمقه على

دفع المناكرة يغضب لنفسه ويترك الإنكار لله عز و جل ويشتغل بشفاء غليله من الموعوظ فيصير بذلك عاصيا
جاء في الخبر لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا رفيق فيما يأمر به رفيق فيما ينهى عنه حكيم فيما يأمر به حكيم فيما ينهى عنه
وبلغنا أن أحد الوعاظ وعظ المأمون العباسي رحمه الله وأغلظ عليه وعنفه
فقال يا رجل ارفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني فأمره بالرفق فيه بقوله تعالى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى
أي سادة أقول لكم من الله علي فتخلقت بما أمرتكم به وحثثتكم عليه ولكن من البر أن لا تطلبوا هذا الشرط من واعظ وناصح ولا تظفروا الشيطان بكم بهذه الخصلة فتقولوا لا نأمر بالمعروف حتى نعمل به كله ولا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله إن هذا يؤدي إلى حسم باب الحسبة فمن ذا الذي يعصم من المعاصي

مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله
كذا أمرنا نبينا
وأقول لكم مفتاح السعادة الأبدية الاقتداء برسول الله في جميع مصادره وموارده وهيئته وأكله وشربه وقعوده وقيامه ونومه وكلامه حتى يصح لكم الاتباع المطلق
بلغنا عن بعض الأئمة أنه ما أكل البطيخ لأنه لم ينقل له كيف أكله رسول الله
وسها بعضهم فابتدأ في لبس الخف باليسرى فكفر عن ذلك بشيء من الحنطة
وإياكم أن تقولوا إن هذه الخصال من الأمور التي تتعلق بالعادات فتهملوها فإن إهمالها يغلق بابا عظيما من أبواب السعادة
وأما العبادات فلا أعرف لعدم اتباعه فيها من عذر إلا أن يحصل ذلك من كفر خفي أو حمق جلي حمانا الله وإياكم

التشريعات المحمدية
أي سادة والله ما أظن أن على بساط الغبراء صاحب عقل يميز فيه بين الخبيث والطيب إلا ويعتقد قلبه ويذعن لبه أن العبادة

التي شرعها الحبيب والعادة التي كان عليها هي الحالة المرضية عند الرب والخلق وهي الآداب المقبولة عند الخالق والمحبوبة عند المخلوقين وبها يطمئن القلب ويسكن الروع
أي فرق لا يدركه العقل من حال المخمور والصاحي ومن حال السارق والأمين ومن حال الكاذب والصادق ومن حال الزاني والعفيف ومن حال المتكبر والمتواضع ومن حال البخيل والسخي ومن حال الظالم والعادل ومن حال المبطل والمحق ومن حال المغتاب والبريء ومن حال الغادر والرحيم ومن حال العابد والنائم ومن حال الغافل والمتفكر ومن حال الفاجر والبر ومن حال الكافر والمؤمن إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب
الله الله بالمتابعة المحضة لهذا الرسول العظيم الذي جاء رحمة للعالمين وحجة على المخلوقين ونعمة للموحدين
إياكم ونسيان الموت فإنه ينتج من الغفلة وهي من قلة ذكر الله وذلك من قلة الإيمان وأم ذلك الجهل وهو من الضلال
جاء في بعض الكتب الإلهية أن الحق تعالت ذاته يقول يا ابن آدم بعافيتي قويت على طاعتي وبتوفيقي أديت فريضتي وبرزقي قويت على معصيتي وبمشيئتي تشاء ما تشاء لنفسك وبنعمتي قمت وقعدت ورجعت وفي كنفي أمسيت وأصبحت وفي

فضلي عشت وفي نعمتي تقلبت وبعافيتي تجملت تنساني وتذكر غيري ولم تؤد شكري يا ابن آدم الموت يكشف أسرارك والقيامة تتلو أخبارك والعذاب يهتك أستارك فإذا أذنبت ذنبا صغيرا فلا تنظر إلى صغره ولكن انظر إلى من عصيت وإذا رزقت رزقا قليلا فلا تنظر إلى قلته ولكن انظر إلى من رزقك ولا تحقر الذنب الصغير فإنك لا تدري بأي ذنب عصيتني ولا تأمن مكري فإن مكري أخفى عليك من دبيب النملة على الصخرة في الليلة المظلمة يا ابن آدم هل عصيتني فذكرت غضبي فانتهيت وهل أديت فريضتي كما أمرتك وهل واسيت المساكين من مالك وهل أحسنت إلى من أساء إليك وهل غفرت لمن ظلمك وهل وصلت من قطعك وهل أنصفت من خانك وهل كلمت من هجرك وهل أدبت ولدك وهل أرضيت جيرانك وهل سألت العلماء عن أمر دينك ودنياك فإني لا أنظر معاشر الآدميين إلى صوركم ولا إلى محاسنكم وأحسابكم وأنسابكم ولكن أنظر إلى قلوبكم وأرضى بهذه الخصال عنكم
أي سادة هذه أمور تنكشف يوم القيامة يوم التغابن يوم الحاقة يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون يوم الطامة يوم الصيحة يوم تشيب الولدان يوم الزلزلة يوم القارعة يوم ينسف الجبال يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله

من نجالس
أي سادة جالسوا العلماء والعرفاء فإن للمجالسة أسرارا تقلب الجلاس من حال إلى حال ورد في السنة من جلس مع ثمانية أصناف زاده الله ثمانية أشياء 1 - من جلس مع الأمراء زاده الله الكبر وقساوة القلب 2 - ومن جلس مع الأغنياء زاده الله الحرص في الدنيا وما فيها 3 - ومن جلس مع الفقراء زاده الله الرضا بما قسمه الله تعالى 4 - ومن جلس مع الصبيان زاده الله اللهو واللعب 5 - ومن جلس مع النساء زاده الله الجهل والشهوة 6 - ومن جلس مع الصالحين زاده الله الرغبة في الطاعة 7 - ومن جلس مع العلماء زاده الله العلم والورع 8 - ومن جلس مع الفساق زاده الله الذنب وتسويف التوبة
وورد أيضا الصحبة مع العاقل زيادة في الدين والدنيا والآخرة والصحبة مع الأحمق نقصان في الدين والدنيا وحسرة وندامة عند الموت وخسارة في الآخرة
أي سادة ثلاثة لهم شفاعة العالم والخادم والفقير الصابر
قضاء الحوائج
أي سادة خذوا كل وارد غيبي وحادث سماوي بالبشر والرحب وكونوا راضين عن الله قوموا بقضاء حوائج خلق الله ما استطعتم فإن من قضى لأخيه المؤمن حاجة في الدنيا قضى الله له سبعين حاجة في الآخرة
ارحموا عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر أكثروا من الصدقة فإن الله يرفع بسببها البلاء أكرموا الضيفان فإن ذلك كان من عبادته قبل أن يكلف خالقوا الناس بخلق حسن فإن الخلق الحسن أفضل الأعمال يقال إذا لم تسع الناس بمالك فسع الناس بخلقك أحسن الحسن الخلق الحسن يبلغ صاحب الخلق الحسن

رتبة الصائم القائم وهو على فراشه نائم لأن ذلك بعد المفروضات أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى
إيش تنفع عبادتك وأنت مشمئز كأنك تمن بها على الله يا مسكين إن الله غني عن العالمين إذا عبدت الله فاعبد الله عاكفا على بابه واقعا على أعتابه خاضعا لسلطنته مقشعرا من هيبته معترفا بعجزك عن أداء واجباته متجردا من رؤية نفسك وعملك وغير ذلك قارعا باب عزته وجلاله بأكف ذلك واحتقارك وحينئذ يرجى لك القبول
طهر لسانك من لوث الكلام فيما لا يعنيك كي يرفع كلامك إلى حظيرة قدسه إلى الحضرة السماوية العرشية التي جعلها جهة الطلب كما جعل الكعبة في الأرض جهة العبودية إليه يصعد الكلم الطيب إلى الجهة التي صرف إليها همم خلقه إلى محل تنزلات أمره ليأتيك أمره وكرمه ولطفه من العلو فتخضع دونه وتراك حقيرا سافلا
والأسرار القرآنية واضحة المفاد بهذا المعنى قال تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون

وقال تعالت أسماؤه ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب

لا تحرد من الإمام
كن حاذقا أي ولدي إذا سمعت كلام أهل الحضرة فإنه ظاهر غامض تكلم سيد أهل الحكمة والبيان وأفصح نوع الإنسان بجوامع الكلم فأوجز وأفصح وأوضح وأغمض وهكذا وراثه وأتباعه
لا تحرد مني يا أخي كل ما حام حول فكرك من رؤيا نفسك ومالك وحسبك ونسبك وعلمك وبلدك وزوجك وولدك وعملك وفتحك وكرامتك ومزيتك فهو خاطر إن قابلته بالخضوع والذل والحمد والشكر والمسكنة انقلب فتحا وإن قابلته بالعزة والكبر والاستعلاء والغفلة انقلب قبحا ووسواسا وقطيعة
فتدارك نفسك وأصلح شأنك إذا انقطعت عن عبادة سيدك تبكي عليك الأرض التي عبدت الله عليها وكأنها توددا إليك وأسفا عليك تقول قول القائل
وكنت أظن أن جبال رضوى ... تزول وأن ودك لا يزول
ولكن القلوب لها انقلاب ... وحالات ابن آدم تستحيل

فإذا كانت الأرض تحن عليك وتود سوق الخير إليك فكيف بك هذا الشأن أولى لك وأنت لو فقهت أولى به

الأدب مع الدين لازم
بلغني عن بعض إخواننا رجال العصر أنه يقول
عقدت بباب الدير عقدة زناري ... وقلت خذوا لي من فقيه الحمى ثاري
يريد بذلك معاني أخرى إياكم والقول بمثل هذه الأقاويل حسن الظن يلزمنا بسيدنا الشيخ ولكن أدبنا مع الدين ألزم ووقوفنا مع الحق أهم لا نعقد الزنار ولا نمر على باب الدير ونقبل يد الفقيه ورجله ونطلب منه علم ديننا ونقول طلب الشيخ مقاصد سترها بهذه الألفاظ وليته لم يطلبها ولم يسترها ويقول عوضا عما قال
حللت بباب الشرع عقدة زناري ... وطهرت بالفقه الإلهي أسراري
وما الدير والزنار إلا ضلالة ... وما الشرع إلا الباب للوصل بالباري نعم حالة أهل الحب تأخذ القلب فيطيش العقل فيتكلم اللسان كلام من جن أو خمر أو غلى دمه أو أغشى عليه فدعوا الرجل وربه وهذا يكفيه منكم
وتمسكوا بالحبل المتين الذي من تمسك به لن يضل أبدا
هذه الكلمات ومثلها من الشطحات التي تتجاوز حد

التحدث بالنعمة مثل صاحبها كمثل رجل نام في بيت الخلاء فرأى في منامه أنه جلس على سرير سلطنة فلما استيقظ خجل وعرف مكانه الله الله بالوقوف عند الحدود عضوا على سنة السيد العظيم بالنواجذ
مالي وألفاظ زيد ... ووهم عمرو وبكر
وجه الشريعة أهدى ... من سر ذاك وسري
صدق الله وكذبت بطن أخيك
أي أخي كل ما أنت فيه إن لم يكن حلالا فلا ثواب عليه وإن لم يكن مباحا فأنت مسؤول عنه وإن جئت بالحرام يتلى عليك إذا لقيت ربك ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره لا أقول لكم ضاقت عليكم السبل وأخذكم السيل ورددتم عن باب الكرم لا وحقه تعالى بل سيظهر من كرمه وإحسانه ولطفه وفضله غدا يوم القيامة ما يتطاول إليه طمع إبليس وظلمة الكافرين ولكن أقول لكم هو سبحانه

غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب
فتقربوا من باب مغفرته بالتوبة والعمل المرضي عنده وتباعدوا عن باب عقابه بترك معاصيه وخافوه خوف عالم بعظمته وقدرته وأضمروا الرجاء به رجاء موقن بكرمه وعميم إحسانه فإن رجاء المؤمن بقدر خوفه حتى لو وزنا لما زاد أحدهما عن الآخر المصير إلى الله والرجوع إليه وكل يعود إلى معدنه ويستوفي أجله وتعود عليه المسألة قال تعالى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى
هذه الحبة التي تأكلونها نبتت بتراب مثلكم كان لهم قوة وبأس شديد ذهبوا وبانوا وكأنهم ما كانوا
هذا تراب لو تفكره الفتى ... لرأى عليه من الجباه بساطا
وكأنما ذراته لو ميزت ... صيغت لألسنة الأولى أسفاطا

خذوا العبرة
ندوس ألسنا وجباها وخدودا وشفاها فاعتبروا يا أولي الأبصار

هذه الدنيا وهذه أحوالها وهذه ديارها ورجالها بالله عليكم هل بعد هذه الفكرة وأخذ العبرة من طمع بها وبديارها وإصلاحها وإعمارها أعمر هذا الرواق حتى يسكنه صالح وإبراهيم وأبو القاسم والنساء أم أعمر بيتا أسكنه أنا إذا فارقت الأحباب وتوسدت التراب أهذا الرواق عمره أبي بخيله ورجله وأبقاه لي من بعده لا والله بل الله وهب وأحسن وأكرم وتحنن
هذه المنة مخصوصة بي لا والله بل الدنيا يعطيها لمن يحب ولمن لا يحب والآخرة لا يعطيها إلا لمن يحب
رزق أبي بيتا ومقاما وثوبا وطعاما وأنا كذلك وأولادي وعيالي في لوح غيبه المحفوظ بعلمه لهم رزق وهكذا جميع الخلق فعلام هذه الخيالات وتطرق سبيل الضلالات الكيس من خاف ربه ودان نفسه وعمل لما بعد الموت قال تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون
آية اختلف في تفسيرها الرجال إرث معنوي تحسن به القربى من الله للعبد إذا توسد الأرض أو الصالحون لأرثها وسياسة خلقه

على مقتضى استحقاق الخلق فإن الأعمال عين العمال أجل عمالكم عملكم وكما تكونوا يولى عليكم إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده
بينة على ما ذكر وفسرها جماعة بأرض الجنة والكل على هدى

بين الميلاد والموت
أي أخي أما تنظر الطفل إذا ولد يبرز إلى الدنيا قابضا كفه حرصا عليها وإذا خرج يخرج باسطا كفه معترفا بفراغ يده من الأمر العارض الذي حرص عليه كفى بالموت واعظا كفى بالموت واعظا
أبكي ومثلي من يبكي إذا سبقت ... قوافل القوم أهل العلم والعمل
بكاء قوم للقيا الوالهين به ... وإنني الخائف الباكي من الزلل
أي سادة ما تركت طريقا صعبا ولا مسلكا غضا إلا كشفت قناعه ورفعت بأكف عساكر الهمة ستره المسدول وشراعه ودخلت على الله من كل باب فرأيت على الكل ازدحاما عظيما

فجئته من باب الذل والانكسار فرأيته خاليا فوصلت وحصلت مطلوبي والطلاب على الأبواب أعطاني ربي من فضله ومواهبه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من أهل هذا العصر
وعدني رسول كرمه أن يأخذ بيد مريدي ومحبي ومن تمسك بي وبذريتي وخلفائي في مشارق الأرض ومغاربها إلى يوم القيامة عند انقطاع الحيل وبهذا جرت بيعة الروح لا يخلف الله وعده لا تصح المكالمة لمخلوق مع الخالق بعد النبيين والمرسلين الذين كلمهم سبحانه وحيا أو من وراء حجاب وإنما وعد إحسانه ينجلي إلى قلوب أوليائه وأحبابه بالرؤيا المنامية والواسطة المحمدية والإلهام الصحيح الذي لا يخالف ظاهر الشريعة الأحمدية بحال من الأحوال و ذلك فضل الله يؤيته من يشاء
مواهب الرحمن لا تنقضي ... وأمة المختار مثل المطر
خزائن السر لأحبابه ... والأهل للحكمة نوع البشر
قد يضلع السابق في سيره ... ويسبق الضويلع المنتظر
اللهم زدني حكمة وفهما ومعرفة وعلما واجعلني والمسلمين من المحبوبين المقربين عندك المقتدين بنبيك إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد وأنت أرحم الراحمين

بالشكر تدوم النعم
أي سادة عظموا نعمة الطعام والشراب والثياب والعافية والأمان والدين تدوم عليكم النعم صححوا اليقين بإشارات الصالحين فإن نعم الله عليهم هاطلة وسحب المدد منه إليهم متواصلة دلهم به عليه وقربهم به إليه وشرح صدورهم للإيمان وجعلهم أعيان نوع الإنسان وتعرف إليهم فعرفوه وأحبهم وأحبوه رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك هو الفوز العظيم
اجعلوا دعائم توكلكم على الله رصينة المباني وأساليب أدعيتكم لله خالصة المعاني وكونوا من النفس والشيطان على حذر وخذوا بالحزم في كل أمر فما خاب من شد مئزر الحزم بالله وركب مطايا العزم إلى الله ماذا يقول الواعظ بعد قول الله لتجزي كل نفس بما تسعى ماذا يترجم الموجز بعد قوله تعالى قل كل يعمل على شاكلته
ماذا يعد المنبه بعد قوله سبحانه إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا
ماذا يدقق المحذر بعد قوله تقدس شأنه يعلم السر وأخفى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور

ماذا يوضح الأمر بعد قول الله وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
ماذا يصدع الناهي بعد قوله سبحانه فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
ماذا يزن اللبيب بعد قوله جل وعلا فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
هذا كتاب الله حجة قائمة ومعجزة دائمة أنبأنا عما كان وما يكون وكشف لنا كل سر مكنون من عمل به نجا وغنم ومن انحرف عنه قطع وندم وهذه سنة نبيه سيد الناجين ووسيلة المناجين محجة بيضاء لا ضلال بعدها أبدا وهذا طريق القوم إن الله مع الذين اتقوا تشهد لهم بالمعية الإلهية معية الاختصاص معية المعونة معية المدد فمن آمن بالله وكتابه واقتدى بسنة نبيه ونهج منهج القوم وكان معهم ودخل حزبهم فاز ألا إن حزب الله هم المفلحون
يا أخي دع عنك طرق الوسواس واطرح الاستئناس بالناس وكن مع الله وخذ الحكم والحكمة عن الله

يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا
لا يكن حظك لسانك لا يكن منتهاك أن تكذب على نفسك بحالك
بدلت بالحنا بياضك أحمرا ... وخدعت فيه وقلت شعري أحمر
عرج على حرم القرب بقوة مطية الصدق قامعا صفوف الوهم بعساكر الهمة ملتفتا عن دوائر الأكوان مشتغلا بمراقبة المكون معتصما بحبله من القطيعة حاملا راية الافتقار إليه ضاربا طبل الذل بين يديه متجردا من حجاب الزوجة من حجاب الولد من حجاب المال من حجاب وجودك من حجاب عبادتك من حجاب يقظتك من حجاب غفلتك
فإن رؤياك اليقظة غفلة عظمى ورؤياك نورك ظلمة دهما كل شيء لك حجاب فافتح منه بابا إلى المقصود وكل مقصود حائل فتجرد منه إلى المعبود

التعساء
تعس عبد الزوجة تعس عبد الدنيا تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الكرامة تعس عبد الخلق تعس من سار للجناب الأعلى بالعزم الأدنى

سر للجناب بهمة مرفوعة ... عن عالم التفصيل والإجمال
وارفع جنابك عن عبادة غيره ... بحقيقة الأفعال والأقوال
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون
خذ الموعظة من جوعك من عطشك من تحول أحوالك كذلك حال المخلوقين لا تفرح بلقلقة نحو لسانك وأنت منصرف نحو الأغيار لا تطمئن لغائلة فقهك وانكبابك عليه لصيد الدينار لا تنقطع بفلسفتك وأنت مفلس من محبته لا تقف عند تصوفك وأنت موصوف بالبعد عنه
كل العلوم إذا تخللها السوى ... صارت لداعي الانفصال معالما

الطرق إلى الحق
أي سادة الطريق إلى الله كطريق الرجل إلى البلدة الأخرى فيه الصعود والهبوط والاعتدال والاعوجاج والسهل والجبل
الأرض القفراء التي خلت من الماء والسكان والأرض النضرة الخضرة الكثيرة المياه والأشجار والسكان والبلدة المقصودة وراء ذلك كله فمن انقطع بلذة الصعود أو بذلة الهبوط أو براحة الاعتدال أو بتعب الاعوجاج أو بيسير السهل أو بعسير الجبل أو بغصة القفر ولوعة العطش أو بحلاوة النضارة والخضرة والمياه والأشجار والأنس بالسكان بقي دون المقصود

ومن لم يشتغل بكل ذلك حاملا شدة الطريق معرضا عن لذائذه وصل إلى المقصود
وكذلك سالك الطريق إلى الله إن صرفته صعوبة الأحوال عن محول الأحوال وقلبته سكرة إقبال الخلق عن مقلب القلوب فقد فاته الغرض وبقي دون مقصوده وانقطع بلا ريب
وإن ترك عقبات الطريق حلوها ومرها وراء ظهره فقد فاز فوزا عظيما
أي سادة أنا بايعت الله على عرفات على ترك الغرض والنفس والمال ناجى بعض الرجال ربه في المنام فقال يا رب دلني كيف أصل إليك فجاءه الجواب اخلع نفسك وتعال
ذهب موسى عليه السلام يطلب قابلة لزوجته الطاهرة وهي تعالج الطلق فقال لأهله إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى خبرا من ذي هدى يرشدني كيف أصنع لجلب القابلة فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك نفسك وزوجتك إنك بالواد المقدس عن رؤية الزوجة والنفس

الدين الخالص
أي سادة واديكم المسجد إذا دخلتم المسجد فاخلعوا نعال الغيرية فإن العبد يناجي ربه في الصلاة فلينظر كيف يناجي ربه

وكيف يقف في حضرة مخاطبته تلك حضرة الإحسان التي طرزتها أقلام التقديس بحديث اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
علامة جهلك اشتغالك بنفسك وأهلك لا أقول لك دعهم على حافة الإهمال وخذ لك صومعة في الجبال بل أقول لك تقرب إلى الله بخدمة عيالك وروح نفسك وطب بربك عن الكل
فإن الربوبية تقدست وجلت عن وصف المشاركة في كل حال ردت أعمال الشرك إلى المشركين وقبلت أعمال التوحيد من الموحدين ألا لله الدين الخالص
وقال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا
أي سادة إذا استعنتم بعباد الله وأوليائه فلا تشهدوا المعونة والإغاثة منهم فإن ذلك شرك ولكن اطلبوا من الله الحوائج بمحبته لهم رب أشعث أغبرذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره

صرفهم الله في الأكوان وقلب لهم الأعيان وجعلهم يقولون بإذنه للشيء كن فيكون
عيسى عليه السلام خلق طيرا من الطين بإذن الله أحيى الموتى بإذن الله
نبينا وحبيبنا سيد سادات الأنبياء محمد حن الجذع إليه وسلمت الجمادات عليه وجمع الله به ما تفرق في الأنبياء والمرسلين من المعجزات وجرت أسرار معجزته في أولياء أمته فهي للأولياء كرامات تمر وله معجزة تستمر

أولياء الرحمن رحمة
أي ولدي أي أخي إذا قلت اللهم إني أسألك برحمتك فكأنك قلت أسألك بولاية عبدك الشيخ منصور وغيره من الأولياء

لأن الولاية اختصاص يختص برحمته من يشاء فإذا إياك وإعطاء قدرة الراحم إلى المرحوم فإن الفعل والقوة والحول له سبحانه والوسيلة رحمته التي اختص بها عبده الولي فتقرب برحمته ومحبته وعنايته التي اختص بها خواص عباده إليه عند حاجتك ووحده في كل فعل فهو غيور
أي سادة من طرق الباب بالخضوع فتح له بالقبول ومن دخل الرحاب بالانكسار جلس في بيت العزة
أي أخي عليك بملازمة الشرع بأمر الظاهر والباطن وبحفظ القلب من نسيان ذكر الله وبخدمة الفقراء والغرباء وبادر دائما بالسرعة للعمل الصالح من غير كسل ولا ملل وقم في مرضاة الله وقف في باب الله وعود نفسك القيام في الليل وسلمها من الرياء في العمل وابك في خلواتك وجلواتك على ذنوبك الماضية
يا ولدي إن الدنيا خيال وما فيها زوال
يا ولدي همة أبناء الدنيا دنياهم وهمة أبناء الآخرة آخرتهم وإياك والدعوى الكاذبة واترك الخوض في بحور التوحيد واجعل اعتقادك اعتقادا ثبوتيا لا يتغير واشغل ذهنك عن الوساوس الشيطانية وحذر نفسك من مصاحبة صديق السوء فإن عاقبة مصاحبته الندامة والتأسف يوم القيامة
كما قال الله تعالى يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا

وقال الله تعالى يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين
فاحفظ نفسك من القرين السوء لكيلا تخاطبه متأسفا على مقارنته بين يدي الله بهاتين الآيتين وهناك ندامتك لا تنفع وكلامك لا يسمع

وصايا أحمدية
يا ولدي ما أكلته تفنيه وما لبسته تبليه وما عملته تلاقيه والتوجه إلى الله حتم مقضي وفراق الأحبة وعد مأتي
والدنيا أولها ضعف وفتور وآخرها موت وقبور لو بقي ساكنها ما خربت مساكنها فاربط قلبك بالله وأعرض عن غير الله وسلم في جميع أحوالك لله واجعل سلوكك في طريق الفقراء بالتواضع واستقم بالخدمة على قدم الشريعة واحفظ نيتك من دنس الوسواس وامسك القلب عن الميل إلى الناس وكل خبزا يابسا وماء مالحا من باب الله ولا تأكل لحما طريا وعسلا من باب غير الله وتمسك بسبب لمعيشتك بطريق الشرع من كسب حلال واترك الحيلة بالسبب وإياك من كسر خواطر الفقراء وصل الرحم وأكرم الأقارب واعف عمن ظلمك وتواضع لمن تكبر عليك ولا تتردد لأبواب الوزراء والحكام وأكثر من زيارة الفقراء وأكثر من زيارة القبور ولين كلامك للخلق وكلمهم على قدر عقولهم وحسن خلقك وامتزج الناس بحسن المزاج

وأعرض عن الجاهلين وقم بقضاء حوائج اليتامى وأكرمهم وأكثر التردد لزيارة المتروكين من الفقراء وبادر لخدمة الأرامل وارحم ترحم وكن مع الله تر الله معك واجعل الإخلاص رفيقك في سائر الأقوال والأفعال واجتهد بهداية الخلق لطريق الحق

الولي لا يظهر الكرامة
ولا ترغب للكرامات وخوارق العادات فإن الأولياء يستترون من الكرامات كما تستتر المرأة من الحيض ولازم باب الله ووجه قلبك لرسول الله واجعل الاستمداد من بابه العالي بواسطة شيخك المرشد وقم بخدمة شيخك بالإخلاص من غير طلب ولا أرب واذهب معه بمسلك الأدب واحفظ غيبته وتقيد بخدمته وأكثر الخدمة في منزله وأقلل الكلام في حضرته وانظر له بنظر التعظيم والوقار لا نظر التصغير والاحتقار وقم بنصيحة الإخوان وألف بين قلوبهم وأصلح بين الناس واجمع الناس مهما استطعت على الله بطريقتك ورغب الناس بالصدق للدخول في باب الفقراء والسلوك بطريق القوم وعمر قلبك بالذكر وجمل قالبك بالفكر ونور نيتك بالإخلاص واستعن بالله واصبر على مصائب الله وكن راضيا من الله وقل على كل حال الحمد لله
وأكثر الصلوات على الرسول الأكرم وإن تحركت نفسك بالشهوة أو الكبر فصم تطوعا لله واعتصم بحبل الله واجلس في بيتك ولا تكثر الخروج للأسواق ومواضع الفرج فمن ترك الفرج نال الفرج

وأكرم ضيفك وارحم أهلك وولدك وزوجك وخادمك واذكر الله في كل أمر وأخلص لله بالسر والجهر واعمل للآخرة عملا حسنا واجعل عملك في الدنيا عمل الآخرة
و قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون
هذه نصيحتي لك ولكل من سلك بطريقتي ولأخواني ولجميع المسلمين والمحبين كثرهم الله تعالى وأستغفر الله العظيم من جميع الذنوب خفيها وجليها كبيرها وصغيرها وأتوب إليه إنه هو التواب الرحيم
يا ولدي قال سيد الأنام ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر
يا ولدي قال سيد الأنام إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي

الخطيئة والحسنة
يا ولدي إن ملكت عقلا حقيقيا ما ملت إلى الدنيا وإن مالت لك لأنها خائنة كذابة تضحك على أهلها من مال عنها سلم منها ومن مال إليها بلي فيها

وفي الحديث حب الدنيا رأس كل خطيئة
فكما أن حبها رأس كل خطيئة فكذلك بغضها والإعراض عنها رأس كل حسنة
هي كالحية لين لمسها قاتل سمها لذاتها سريعة الزوال وأيامها تمضي كالخيال
فاشغل نفسك فيها بتقوى الله ولا تغفل عن ذكره تعالى ذرة واحدة وإن طرقك طارق الغفلة ذرة فاستغفر الله وارجع لباب الملاحظة واذكر الله واستح منه
راقبه في الخلوات والجلوات واحمده واشكره على الفقر والغنى واترك الأغيار فما في الدار غيره ديار
يا ولدي كن صوفيا صافيا ولا تكن صوفيا منافقا فتهلك
التصوف الإعراض عن غير الله وعدم شغل الفكر بذات الله والتوكل على الله وإلقاء زمام الحال في باب التفويض وانتظار فتح باب الكرم والاعتماد على فضل الله والخوف من الله في كل الأوقات وحسن الظن به في جميع الحالات
يا ولدي إذا تعلمت علما وسمعت نقلا حسنا فاعمل به ولا تكن من الذين يعلمون ولا يعملون

يا ولدي نجاة العالم عمله بعلمه وهلاكه ترك العمل
ففي الحديث إن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه

قيمة الوقت
فلا تضيع أوقاتك باللهو والطرب وسماع الآلات وكلمات المضحكين واترك الفرح فإن الفرح في الدنيا جنون والحزن فيها عقل وكمال الخلود فيها محال والانكباب عليها جهل وضلال

اجعل فكرك يا ولدي مشغولا بمن سلف قبلك من الأنبياء والمرسلين والجبابرة والسلاطين ماتوا وكأنهم ما كانوا هم السابقون ونحن اللاحقون فسر على منهاج الصالحين لتحشر في زمرتهم ولتكون من فرقتهم أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون
أي سادة سر الحقيقة ظاهر وعلم المعرفة منصوب وباب الوصول مفتوح حجبكم عن رؤية هذه المعاني الشريفة حب الدنيا ونسيان الموت
والعجب ممن يعلم أنه يموت كيف ينسى الموت والعجب ممن يعلم أنه مفارق الدنيا كيف ينكب عليها ويقطع أيامه بمحبتها
والعجب ممن يعلم أنه راجع إلى الله كيف ينحرف عنه ويلتفت لغيره والله غفلتكم هذه خطب جسيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

بالكذب تشرحون وفي بساتين الجهل تسرحون وبأمر الرزق تحتالون ومن العذاب تأمنون وكأنكم ما قرأتم أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون أو كأنكم ما سمعتم وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون
تكفل برزقكم فبحيلته اشتغلتم ولم يتكفل لأحد بالجنة ويعمل المبشرين بها عملتم ضيعتم الأوقات باللهو والنسيان وقطعتم الأيام بالغفلة والعصيان مزاحكم مزاح من أمن الندامة ولهوكم لهو من لم يسمع بيوم القيامة كأنكم إلى القبور لا تنظرون وبمن سكنها لا تعتبرون أين آباؤكم أين أجدادكم الذين مضوا من قبلكم أين من جمعوا مالا أكثر منكم وحملوا جهلا أزيد من جهلكم بالله كفرتم ام على الله استكبرتم

اعرف نفسك
إخواني من عرف نفسه بالفناء وعرف الله بالبقاء ميل نفسه عن الدنيا قال تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى
خاطب حبيبه معدن جوهر سره المكنون بقوله إنك ميت وإنهم ميتون

فاجمعوا همتكم على الوصول لمراتب السلف لكيلا تدخلوا تحت قوله تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا
واقرعوا باب الكريم بيد الفقر والاضطرار وادخلوا عليه تعالى من باب الذل والانكسار فلا بد والله من نقلتي وإياكم لدار الآخرة ولا بد من وضعي وإياكم في القبور الدائرة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
فالناجي من عامل الله بتقواه وكان في الحياة يخشاه
إخواني أصعب الأشياء مفارقة الأحباء ومقارنة الأعداء وأحلاها مفارقة الأعداء ومقارنة الأحباء
ففارقوا أعمال السوء لتقارنوا أعمالكم الصالحة في قبوركم فوالله لم يقارن المرء من أصحابه تحت طي لحده إلا عمله الصالح
إخواني إن غركم لباس الحكام والأعيان وزينتهم وسلاحهم وضاقت صدوركم بهذا فاذهبوا إلى المقابر وانظروا آباءكم وآباءهم تجدوا الكل في التراب والله أعلم بمن هو في النعيم وبمن هو في العذاب فأنتم كذلك مع هؤلاء تتساوون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

لا تكن فضوليا
يا ولدي إياك من الاشتغال بما لا يعنيك من الكلام والأعمال وغيرها وارجع بنفسك عن طريق الغفلة وادخل من باب اليقظة وقف بميدان الذل والانكسار واخرج من مقام العظمة والاستكبار فإنك من مضغة ابتداؤك وجيفة انتهاؤك فقف بين الابتداء والانتهاء بما يليق لمقامهما وإياك يا ولدي من الحسد فإن الحسد أم الخطايا لأن الشيطان لما حسد آدم تكبر عليه وأبى أن يسجد له وكذب عليه حين حلف له ولحواء إني لكما لمن الناصحين فطرد من رحمة الله تعالى
فالكذب والكبر والحسد سبب لطرد العبد من باب الرب فلا تعود نفسك على هذه الخصال قطعا واقطع نفسك إلى الله واعلم بأن الرزق مقسوم فإذا تحققت ذلك ما حسدت
واعلم بأنك ميت فإذا تحققت ذلك ما تكبرت
واعلم بأنك محاسب فإذا تحققت ذلك ما كذبت

واغضض طرفك عن النظر إلى أعراض الناس فضلا عن العمل الرديء فإنك كما تدين تدان وكما أن لك عينا فلغيرك عيون وكما أنت يولى عليك وامسك لسانك عن مذمة الخلق فإن للخلق ألسنا
نظرك فيك يكفيك وكما تقول بالناس يقولون فيك وحاسب نفسك في كل يوم واستغفر الله كثيرا وكن طبيب نفسك ومرشدها ولا تغفل عن حساب نفسك وإياك من الاشتغال بحظ النفس
أي سادة الأنس بالله لا يكون إلا لعبد قد كملت طهارته وصفا ذكره واستوحش من كل ما يشغله عن الله عز و جل
التوحيد وجدان تعظيم في القلب يمنع من التعطيل والتشبيه
الكشف قوة جاذبة بخاصيتها نور عين البصيرة إلى قضاء الغيب فيتصل نورها به اتصال الشعاع بالزجاج الصافية حال مقابلتها إلى فيضه ثم ينصرف نوره منعكسا بضوئه على صفاء القلب ثم يترقى ساطعا إلى عالم العقل فيتصل به اتصالا معنويا له أثر في استفاضة نور العقل على ساحة القلب فيشرق القلب على إنسان عين السر فيرى ما خفي عن الأبصار موضعه ودق عن الأفهام تصوره واستتر عن الأغيار مرآه

القلب الصالح
أي سادة إذا صلح القلب صار مهبط الوحي والأسرار والأنوار والملائكة وإذا فسد صار مهبط الظلم والشياطين
إذا صلح القلب أخبر صاحبه بما وراءه وأمامه ونبهه عن أمور لم يكن ليعلمها بشيء دونه
وإذا فسد حدثه بباطلات يغيب عنها الرشد وينتفي معها السعد
ولذلك أرى أن من شرط الفقير أن يرى كل نفس من أنفاسه كالكبريت الأحمر بل أعز منه ويودع كل نفس أعز ما يصلح له فلا يضيع له نفس الأمر أعظم مما تظنون وأصعب مما تتوهمون
أفضل العبادات والطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات
علامة الأنس رفع الحجب بين القلوب وبين علام الغيوب
المحبة أغصان تزرع في القلوب فتثمر على قدر العقول ما أحب أن يعرف إلا شقي ليس من التصوف أحبوني ولا أكرموني ولا زوروني ما وقف على باب أهل الدنيا رجل كامل المعرفة
الأنس بالخلق انقطاع عن الحق ومن اعتز بغير الله ذل ومن حرم درجة اليقين سقط من مراتب المتقين ومن انقطع لله وصله
القلب الصالح
أي سادة إذا صلح القلب صار مهبط الوحي والأسرار والأنوار والملائكة وإذا فسد صار مهبط الظلم والشياطين
إذا صلح القلب أخبر صاحبه بما وراءه وأمامه ونبهه عن أمور لم يكن ليعلمها بشيء دونه
وإذا فسد حدثه بباطلات يغيب عنها الرشد وينتفي معها السعد
ولذلك أرى أن من شرط الفقير أن يرى كل نفس من أنفاسه كالكبريت الأحمر بل أعز منه ويودع كل نفس أعز ما يصلح له فلا يضيع له نفس الأمر أعظم مما تظنون وأصعب مما تتوهمون
أفضل العبادات والطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات
علامة الأنس رفع الحجب بين القلوب وبين علام الغيوب
المحبة أغصان تزرع في القلوب فتثمر على قدر العقول ما أحب أن يعرف إلا شقي ليس من التصوف أحبوني ولا أكرموني ولا زوروني ما وقف على باب أهل الدنيا رجل كامل المعرفة
الأنس بالخلق انقطاع عن الحق ومن اعتز بغير الله ذل ومن حرم درجة اليقين سقط من مراتب المتقين ومن انقطع لله وصله

الانقطاع إلى الله حال أهل الحال مع الله لو أردت أن أتكلم عليكم بلسان الحال لوقرت لكم ستين بعيرا بإذن الله ولكن أقول لكم لو تكلم المتكلم حتى أصم الأسماع وكان كلامه مردودا عند الظاهر فتركه الكلام أولى له وإذا سكت حتى ظن جليسه أنه لا يتكلم ثم تكلم بكلمة واحدة سانحة من الباطن سابحة في الظاهر مقبولة عند الشرع فتح الله لسماع كلمته القلوب وتلقاها السامعون بالأذعان وتكفيه كل حقيقة ردتها الشريعة فهي زندقة إذا رأيتم شخصا تربع في الهواء فلا تلتفتوا إليه حتى تنظروا حاله عند الأمر والنهي

أحوال الصوفية
أي سادة كل حال القوم من أولهم إلى آخرهم تحت أربع درجات وكل حال العلماء والفقهاء كذلك 1 - فأما الدرجة الأولى من حال القوم فدرجة رجل طلب المرشد لما رأى من إقبال العامة على الطائفة فأحب ذلك وفرح بالرواق والجمعية والزي 2 - والدرجة الثانية درجة رجل طلب المرشد عن حسن ظن

بالطائفة فأحبهم وأحب ما هم عليه وأخذ بصميم القلب كل ما نقل عنهم وأخذ منهم بالاعتقاد الصحيح النظيف
3 - الدرجة الثالثة درجة رجل سلك المقامات وقطع العقبات وبلغ من الطريق العوالي من الدرجات ولكن وقف تارة عند قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد
فساعة يرى الكون بمشهد الآية التي أريت له فيغيب بها عمن أراه إياها وساعة يرى نفسه بمشهد الآية التي أريت له في نفسه فيغيب بها وهذا المشهد مشهد الإدلال ومنه تحصل الشطحات والتجاوز وإظهار العلو على العوالي والبروز بحال السلطنة والظهور بالقول والفعل والحول والقوة
4 - والدرجة الرابعة درجة رجل سلك الطريق مقتفيا آثار النبي في كل قول وفعل وحال وخلق حاملا راية العبدية فارشا جبين الذل في الحضرة الربانية يشهد على هامة كل شيء هالك إلا وجهه ويقرأ من صحيفة جبهة كل ذرة مخلوقة ألا له الخلق والأمر
يقف عند حده ويبسط على تراب الأدب بساط خده ويمر

في أثناء سيره على عقبات الآيات فينصرف عنها إلى المعبود ولا يشرك بعبادة ربه أحدا
فصاحب الدرجة الأولى محجوب
وصاحب الدرجة الثانية محب
وصاحب الدرجة الثالثة مشغول
وصاحب الدرجة الرابعة كامل
وفي كل درجة من الدرجات المذكورات درجات كثيرة تظهر للعارف من حال الرجل
وأما درجات العلماء والفقهاء فالدرجة الأولى درجة رجل طلب العلم للمماراة والجدال والتفاخر وجمع المال وكثرة القيل والقال والدرجة الثانية درجة رجل طلب العلم لا للمناظرة ولا للرياسة ولكن ليحسب في عداد العلماء فيمدح بين أهله وعشيرته وأهل قريته مكتفيا بهذا المقدار متمسكا بالظاهر لا غير
والدرجة الثالثة درجة رجل حل عويص المشكلات وكشف دقائق المنقولات والمعقولات وغاص بحور الجدل مضمرا الهمة لنصرة الشرعفي أحواله إلا أنه أخذته عزة العلم على من هو دونه وإذا انتصر للشرع وعورض بدليل اختطفته نصرة نفسه فأفرط

وأقام الأدلة على خصمه وشنع عليه وربما كفره وطعن فيه وهجم عليه هجوم الحيوان المفترس مع عدم رعاية الحد المحدود شرعا في كل حال من أحواله وأحوال خصمه
والدرجة الرابعة درجة رجل علمه الله فنصب نفسه لتنبيه الغافل وإرشاد الجاهل ورد الشارد ونشر الفوائد والنصيحة وإنكار ما ينكر شرعا وقبول ما يقبل شرعا بحسن التجرد من الغرض يرى أن الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع يأمر بالمعروف أمر حكيم غير غليظ ولا فظ وينهى عن المنكر نهي مشفق غير ظالم ولا عاد
فصاحب الدرجة الأولى سيئ
وصاحب الدرجة الثانية محروم
وصاحب الدرجة الثالثة مغرور
وصاحب الدرجة الرابعة عارف وفي كل درجة من الدرجات المذكورات كذلك درجات تظهر من حال الرجل والمعصوم من عصمه الله وقد ظهر لكم

حدود المنهاج الحق
أي سادة إن نهاية طريق الصوفية نهاية طريق الفقهاء ونهاية طريق الفقهاء نهاية طريق الصوفية وعقبات القطع التي

ابتلى بها الفقهاء في الطلب هي العقبات التي ابتلى بها الصوفية في السلوك والطريقة هي الشريعة والشريعة هي الطريقة والفرق بينهما لفظي والمادة والمعنى والنتيجة واحدة
وما أرى الصوفي إذا أنكر حال الفقيه إلا ممكورا ولا الفقيه إذا أنكر حال الصوفي إلا مبعودا إلا إذا كان الفقيه آمرا بلسانه لا بلسان الشرع والصوفي سالكا بنفسه لا بسلوك الشرع فلا جناح عليهما والشرط هنا الصوفي الكامل والفقيه العارف كما ذكرنا

لا فرق بين الصوفي والفقيه
كيف يعمل الصوفي الكامل إذا قال له الفقيه العارف أأنت تقول لتلامذيك لا تصلوا لا تصوموا لا تقفوا عند حدود الله بالله عليكم هل يقدر أن ينطق إلا بحاشا لله
كيف يعمل الفقيه العارف إذا قال له الصوفي الكامل أأنت تقول لتلامذيك لا تكثروا ذكر الله لا تحاربوا النفس بالمجاهدات لا تعملوا بصحة الإخلاص لله بالله عليكم هل يقدر أن ينطق إلا بحاشا لله

فحينئذ اتحدت المادة والمعنى والنتيجة واختلفت اللفظة لا غير فمن حجبه من الصوفية حجاب اللفظة عن أخذ ثمرة المادة والمعنى والنتيجة فهو جاهل
ما اتخذ الله وليا جاهلا ومن حجبه من الفقهاء حجاب اللفظة عن أخذ ثمرة ما ذكرناه فهو محروم اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع

قولوا للمحجوبين
قل يا أخي للمساكين المحجوبين من الصوفية ما تريدون أن يوجد في قطركم هذا رجل عالم يدفع شبه الملحدين وأهل البدع والزيغ بالحجج الظاهرة
علماء . . وعباد
قل يا أخي للمساكين المحجوبين من الفقهاء ما تريدون أن يوجد في بلادكم هذه رجل يقهر أهل الجحود والضلال والعناد بالكرامات الباهرة
يشتهي خاطركم أن سر اللسان المحمدي ينقطع تحب نفوسكم أن سلطان المعجزة النبوية يخذل يوم لا يخزي الله

النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم
تشهد ببقاء هذا اللسان النبوي وهذا السلطان المحمدي نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة
تثبت دوام هذه الحقائق تحفرون آبار قطعكم بأيديكم يا خاصة يا عامة يا رجال الطائفتين أنتم طائفة واحدة إن الدين عند الله الإسلام لا تدخلوا تحت قوله تعالى يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم عليكم أن ينصح فقيهكم جاهلكم وأن يقود كاملكم ناقصكم عملا بقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى لا بقهر ولا بغدر ولا بظلم ولا بكبر ولا بعلو لا بأس إن صدعت بما أمرت به على لسان نبيك ولكن قبل الصدع عرف المعروف مغناطيس جذاب
إيش تريد يا صوفي يا فقيه يا من جمع بين الشأنين تريد أن تسب العباد وتبغي عليهم وأن تعلو وتغلو ما هذه والله طريقة نبيك ولا سنة وليك كان إذا نهى عن خلق لم يسم فاعله ويقول ما بال أقوام يفعلون كذا أو ما بال الرجل يقول كذا أو كما قال

كيف إذا قلت لكم يا أهل أم عبيدة أنتم كذا وكذا وشتمتكم وأغلظت عليكم ونسبت إليكم القبائح ثم طرت في مجلسي هذا إلى الجو ورجعت هل لا تبقى في قلوبكم مرارة الشتم والسب ولو غلبكم سلطان طيراني وهيبة حالي بلى والله وهذا الذي انطوت عليه الطباع كلها
ولعل الفقية أبا شجاع يقول في نفسه ما أغلظ رسول الله في مواعظه بشتم وسب ولا صرح باسم أحد ولا طار ولا تسلط بقوة المعجزة على الطباع
ولعل الشيخ الفقيه عمر الفاروثي يقول قال الله ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك
وكيف لو قال لكم واعظ في مسجد الشط على حصيرة مقطوعة بثياب رثة أي أحبابي أي إخواني شارب الخمر ملعون الكذاب ملعون الظالم ملعون وكان في مجلسه من ابتلاه الله بهذه الأوصاف هل تنفر نفسه من الرجل نفرة استعظام أو تأخذه حالة فقره وانكساره إلى التوبة وإن لعبت نفسه عليه وأي حال أقرب بلى والله حال الاتعاظ بتجرد الرجل عن نفسه وحوله وطوله أقرب وأشد وقعا في النفوس من الغلبة القاهرة فإن الغلبة القاهرة تبقى بقية مضمرة في النفس كيف كانت وحالة الانكسار لا تبقي ولا تذر تدخل إلى دائرة النفس فتطهرها وإلى دائرة القلب فتقر فيه ولا يبقى معها ضدها أبدا فإذا وعظتم الناس إياكم

والتصريح وخذوا بالتلويح فإن هناك رائحة السنة وشمة النفحة النبوية وبها والله يصلح الله القلوب فلا حاجة معها لأحوالكم أبدا
إيش نقول للذي يعجبه علوه على الناس ويحب انقياد الرقاب إليه خل عنك يا مسكين انقادت لك الرقاب وما انقادت لك القلوب متى سقطت من حالك وواردك تقلبت عنك القلوب وداستك الأقدام وبقيت أسود الوجه

حول استشهاد الحسين رضي الله عنه
الحسين عليه السلام طلبت بشريته حقها الشرعي الذي لا نزاع فيه فغارت الربوبية فرفعت روحه إلى مقعد صدق فلما قرت

الروح في مقامها حنت لقالبها المبارك فقطع دابر القوم الذين ظلموا وتحكم سيف العدل في الأمرين فكانت شهادة الإمام رفعة له وكان ظفر أعداء الله خزيا لهم وإنما الغارة الإلهية فعلت في بشرية الإمام ما فعلت وكأنها تقول لها طلبت قود الرقاب إلي وأنا أريد قودك بالكلية إلي فطلبك إلي اضمحل عند إرادتي إياك إلي فبارزتك إرادتي بأكف من قطعتهم عني فأدنيتك بمن قطعتهم عني وعرفتك أني أريد فأفعل ويراد لي قبل تعلق إرادتي فلا أفعل ولك ثواب الطلب لأنك طلبت قود الرقاب إلي لا إليك ولو أنك طلبت قود الرقاب إليك لما قدتك إلي
فإن من طلب قود الرقاب إليه بين خطر القهر والاستدراج فإن قهرته قهرته بأكف عباد وصلتهم بي فقطعت الآخر بهم عني وإن فتكت به وبنفسه ومراده عساكر سنستدرجهم من حيث لا يعلمون فقد ضل
أي سادة طلب القود إلى الله قبل تعلق إرادته جرأ أعداء الله على ابن ولي الله وسبط رسول الله ومحبوب الله وابن أحباب الله الذي قام منار بشريته الكريم يدعو إلى الله وطار

طائر روحه النوراني إلى حضرة قدس الله فكيف بمن يدعو إلى نفسه بنفسه بشريته مقتولة وروحه مبعودة وحاله شاهد عليه
الله الله بالأدب مع الله فإن خلق الله حجب وأبواب فإن أدركتم سر الأدب مع خلق الله فتحت لكم أبواب القبول عند الله وإن جهلتم أمر الأدب مع خلق الله حجبتم بالخلق عن الله ومن ثم اشتغل أهل العرفان والذوق الخالص بجبر القلوب ووضعوا الخدود على الطرقات تحت الأرجل وطافت أرواحهم في حضرات القبول بهذه الأجنحة المعنوية فعرفوا الحق بالخلق الحق عن الخلق أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي نص قدسي يدلكم كيف يعرف الحق بالخلقولهذا قال النبي تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله
وذلك الفكر المأمورون به فكر الأدب مع الصانع في مصنوعاته جل وعلا
خلفاء الله عز و جل
أي سادة عالم النبوة الأكبر الجامع لجميع العوالم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام خلفاء الله في الأرض على الحقيقة وأصحاب الهمم السماوية والقلوب العرشية والأسرار الربانية والانخلاع عن الأغيار بالكلية

قادات الخلق إلى الحق بين مراتبهم البدائية ومراتب الصديقين النهائية ثلثماية ألف وثمانية وستون ألف مرتبة ليس للصديقين على مراتبهم من سبيل
وبين مراتب النبيين ومرتبة سيد المخلوقين مراتب ودرجات في مرتبة محبوبيته مراتب لا تعد ولا تحد ولا تمر آونة إلا وله مرتبة ترفع ودرجة تنصب ومقام يدنو من الله لا تحيط به الأسرار ولا تدرك كيفيته الأوهام والأفكار تتميما للنعمة وتكميلا لشرف المحبة
وبين مراتب الصديقين البدائية ومراتب الأولياء المقربين النهائية ألف ومائة واثنتان وخمسون مرتبة فتح السبيل إليها للأولياء ولكن لا يصلون إلى مراتبهم النهائية أبدا وإن للقطبية الجامعة ثمانية وثمانين ألفا وستة عشر مرتبة كل مرتبة متوجهة إلى عالم من العوالم وكل مراتب أولياء العصر بالنسبة إلى مرتبة القطب الجامع واقفة في الأرض ورتبته متسنمة أبواب السماوات وبين مراتب الأولياء البدائية ومراتب صلحاء الأمة الذين لم يحسبوا في عداد الأولياء كما بين السماء والأرض وبين مراتب الصلحاء وعامة الأمة الأحمدية مرتبتان التوبة والعمل الصالح

أجزاء الرؤيا
الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وتلك رؤياه فإن رسالته ثلاثة وعشرون سنة فكان في ستة اشهر منها يوحى إليه في الرؤيا فإذا قسمت السنين الباقية إلى ستة أشهر أجزاء علمت أن رؤياه جزء من نبوته والتحية ومنزلة نبوته الجلية مصونة المراتب يقظة ومناما
وإنما الرؤيا وحي المؤمن بتنزل الملائكة ولا يصح ذلك التنزل إلا لمن آمن بالله وذكره واستقام على ما يرضيه فيكون ذلك التنزل الملكي عليه أمنا وبشرى الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون الآية شاهد عدل يدل على ما ذكرناه
أي سادة حدوا المراتب وإلا أخذتكم الخيل تحت السنابك لا يصل الولي إلى غاية أحد من الصديقين والصحابة فإنهم نهضتهم النظرة الطاهرة المحمدية فأخذتهم إلى محبوبيته فأحبوه وأحبهم رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم

فإذا أردتم القربى من الله فتقربوا إلى الله بمحبته والاقتداء بهم أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده
وقال لنا فيهم رسول الله أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم

القدرة الإلهية
أي أخي قال لك أهل الحال ربك يوجدك ثم يفنيك ويبصرك ثم يعنيك فيجلسك بلا أنت على بساط الاصطفاء للتعليم ويقيمك مقام الأنس للتكليم ثم يفنيك عما أبدى بظهوره بسطوة الإجلال والتعظيم ثم يلبسك خلعة التوقير والتكريم ويحظيك بملاحظة التكليم فيثبت فيك شاهد التوفيق والتصميم ويقول لك خذ ما آتيتك بقوة التثبيت بريئا من حولك البشرى وقوتك الآدمية شاكرا للمنح الإلهية والمواهب الربانية داخلا في كل أمورك تحت كنف الرضى والتسليم فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين
ذلك فضله لا كسبك وجوده لا اجتهادك واختصاصه لا حرصك وإلهامه لا علمك واصطناعه لا استحقاقك

تساوت طينة البشر من حيث الصور وتباينت في التفضيل بما بدا عليها وظهر فكلما ظهر عليها فبقدر فإذا انبلج الصبح من غيمه وأسفر وأشرق النور عليها فبهر وامتد منها إلى سواها وانتشر سلطانه فقهر وتمكن شاهده واستقر وظهرت الإشارات والمعاني على الصور فقد نفخ في الصور ووضع الكتاب المسطور وكان الغائب المحتجب هو الظاهر المشهود المنظور حينئذ يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور ويزول الغرور ويحظى المتقون بالحبور وينال المحبوب غاية السرور
إن وراء هذه الأسرار حقيقة إبصار أكثر الخلق عنها عمية لا يدركها إلا من ظهرت له منه فيه وتجلت شواهدها منه عليه وبرزت آثارها من كونه عليه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد
والله يا هذا ما ثم اتصال ولا انفصال ولا حلول ولا انتقال ولا حركة ولا زوال ولا مماسة ولا مجاورة ولا محاذاة ولا مقابلة ولا مساواة ولا مماثلة ولا مجانسة ولا مشاكلة ولا تجسد ولا تصور ولا انفعال ولا تكون ولا تغير كل هذه نعوت حدثك والحق سبحانه من وراء نعوتك وصفاتك إذ هي مبتدعاته ومخترعاته فكيف يظهر بها أو فيها أو عنها أو منها وبه ظهرت لا بها ظهر وهو وراء الأشكال والمعاني

والصور وما بطن فيها ولا ظهر ولا أدرك بالفكر ولا حصر في النظر ونطاق النطق يضيق عن الإفصاح بحقيقة الخبر وإنما سومح في اللفظ لضرورة تفهيم البشر فكل صفة لا تعقلها إلا بالمقايسة إلى صفاتك فإنما سيقت لضرورة تفهيمك بمعنى ثبت عندك موجودا متحققا من حيث طاقتك لا من حيث حقيقة ما نعت لك نعت من نعوته تقدس عما دلت عليه ظواهر النعوت وهو المنزه عن دلالة النعت الظاهر من حيث دلت بنفسها على مقايسة وصف المحدث ولا تنفك في دلالتها عن ذلك فله من النعوت والتعريف لأثبات ما يستحق والذي يستحقه وراء إحاطة العلم وحصر الفهم وإحصاء العقل ولا يحيطون به علما
لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك

إذا كلت الألسن
يا قوم إيش يقال إيش يتحدث كلت والله الألسن وطاشت العقول وذهلت الألباب واحترقت القلوب ولم يبق إلا الدهشة والحيرة زدني فيك تحيرا
يا هذا إنما أفردت على ظاهر توحيدك مهادنة لك ومسالمة

لدخولك تحت قهر الدعوة وبالمسالمة والتسليم دون المنازعة قنع منك بالطاعة والدعوة لئلا ترجع على عقبك وترتد بعد إسلامك ولهذا سميت مسلما ولم يطلب منك حقيقة هذا إذ لا طاقة لك به والله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولا يحملها فوق طاقتها فما أفردت به من شهادة التوحيد هو حظك من الإسلام الذي خرجت به عن جملة الجاحدين وإن لم تثبت به في زمرة المؤمنين فضلا أن تصل به رتبة العارفين أو ترقى إلى ذروة المكاشفين قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا
الذي عندك من العلم بالإضافة إلى معرفة الأنبياء والصديقين كالذي عند الأنبياء من العلم بالإضافة إلى علم مبديه عليهم بل ربما كان علمك جزءا من علمهم وعلمهم ليس جزءا من علمه
ولا تظن أن أحدا حصل من التوحيد على حقيقة مدركة إنما ذلك توحيد ذلك الشخص أعني حظه من الكشف متناه لا يحصر ما لا يتناهى محدث لا يدرك قديما إنما هي مواهب الكشف لو ثبتوا من ذلك على حقيقة لبلغوا إلى غاية الترقي من المطالب ولم يكن بعد الغاية ترق ولا بعد كمال المعرفة زيادة ولو صح ذلك لما قيل لأكملهم علما وأعظمهم كشفا وأرقاهم منزلا وأعلاهم حالا وقل رب زدني علما

روي عنه أنه قال كل يوم لا أزداد فيه علما يقربني إلى خالقي فلا بارك الله في صحبة ذلك اليوم
إذا كان مثل ذلك المحتشم يطلب الزيادة وهو في درج الترقي لا في منزل الوصول الغائي ولو كان ثم غاية لكانت نهاية ولو تناهى لانحصر ولو انحصر لتجزأ ولو تجزأ لفني ولو حصره سواه لكان أعم منه والحدث لا يكون أعم من القدم وكل هذه التقديرات مسامحة لفظية وتقديرات كلامية وسوء عادات جدلية
وإلا فمن عنده خبر من ذوق الحقائق يستغني عن هذه المسامحات اللفظية بما عنده من الشواهد البرهانية والبراهين القطعية ويعلم بحقيقة حاله أن بضاعته العجز وغايته القصور
ومن يده في الماء إلى زنده يعرف حر الماء من برده فكلما ترجم عنه لسان أو كشف عنه بيان أو اشتمل عليه جنان فنهايته محصورة وغايته مدركة حتى تصل الأمور بأربابها إلى العجز والتقصير فيقول سيدهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك

ويقول الآخر العجز عن درك الإدراك إدراك وهذا إشعار بعدم حاصل متحقق من جنس الشاهد مع إثبات وجوده المنزه عما يقوم في الشاهد لأن فيه كاف الخطاب للمخاطب أي عرفت وجودك ولم أقدر على إحصاء صفاتك ولا إدراك ذاتك فمن ضرورة وجودي وجودك لأني معلومك وأنت القائم بي فلزمني الاعتراف بك من حيث لا يمكنني جحده فناقصني تجليك في بي من حيث ضرورة فقري إليك وفاقتي وشاهد نقصي ولزوم قصوري وعجزي فطلبت صفات كمالك التي لا تتناهى بصفات نقصي المتناهية فلم أطق لك قدرا ونادتني سبحات جلالك من وراء سرادقات عظمتك أيها المحدث المتناهي ارجع إلى محل حدثك قسرا فلقد حاولت أمرا إمرا فعجب لي كيف أطلبك وأنت معي وكيف لا أشهدك وأنت عندي أعجب منه كيف أعرفك ولست بمجانس لمعروف ولا مشاكل لمألوف ولا متناه فتحصر ولا بجسد فتتصور ولا بذي صورة فتبصر فمن أين تعرف أو تقدر فلست بغائب فتطلب ولا بحاضر فتدرك ولا ظاهر فتنال ولا باطن فتنكر وتحال ولا مقيس فتتصور بمثال
فيا غائبا حاضرا في الفؤاد ... فديتك من غائب حاضر
أنت قريب من حيث ضرورة وجود الأشياء بك فلا قريب منك بعيد من حيث لا مناسبة بينك وبينها فلا أبعد منك

فقلت لأصحابي هي الشمس ضوؤها ... قريب ولكن في تناولها بعد

ألوان وأشكال
يا عجبا كل العجب ممن ينكر ما أقول وباع همته إلى تناول الفهم لا يطول وشمس عقله أبدا في أفول أليس عنده من الشاهد ظاهر باطن وباطن ظاهر أليس نور الشمس إذا انتشر على مبسوط من الأرض ظهرت به الألوان والأشكال وتبين به ما كان مخفيا وبرز به ما كان محتجبا فإذا برزت صور الأشياء وأشكالها به خفي على الناظرين وجوده لشدة ظهوره
ولقد ظن قوم ممن لا علم عندهم بحقائق الأشياء أن ليس ثم مع الألوان والأشكال شيء زائد عليها وأنها ظاهرة بذواتها حتى هجم عليهم الظل بامتداده وأرخى الظلام سدوله وجر عليهم كلاكله فأدركوا تفرقة ضرورية بين النور والضوء وعلموا بعد ذلك أنها لو كانت واضحة بذواتها لما جاز أن تخفى وتنشر وتحققوا أن الموضح لها غيرها وإنما خفي لشدة ظهوره واحتجب لإشراق نوره فقد بطن في ظهوره لشدة الظهور وبعد في قربه لإفراط القرب وظهر بذاته في بطونه
وكيف لا يكون ظاهرا وما ظهرت الألوان والأشكال إلا به وقرب في بعده عن الإدراك وكيف لا يكون قريبا وإدراكه قبل إدراك

ما أدرك به واللبيب يعلم أن نور الشمس هو الواضح في نفسه الموضح لغيره ويعلم أن الألوان والأشكال بتجليه ظهرت وبإشراقه أشرقت وهي مظلمة في ذاتها إذ الأجسام الصلبة الكثيفة مظلمة بطبعها وجبلتها والنور مستعار لها من غيرها وهذا ربما هزك لفهم قول النبي إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره
فالظهور الحقيقي المظهر لا المظهر فأول ما ثبت فيهم المعارف إلى المظهر لا إلى المظهر فربما غابت رؤية الأشكال والألوان عنه وقال لا موجود إلا النور بخلاف اعتقاد الجاهل

أقوال الخليل عليه السلام
وهذا ربما هزك لفهم قول الخليل إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه عند رؤية الكواكب والشمس والقمر هذا ربي هذا ربي هذا ربي ورد وعبر عن المفطور إلى الذي فطر إلى قول الصديق رضي الله عنه ما رأيت شيئا حتى رأيت الله قبله وإلى سر قوله عز و جل

أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد
والبليد بالضد من ذلك لا يرى غير الألوان والأشكال ويقف معها ولا يشهد مظهرها وهذا منكوس على رأسه مكب على وجهه مردود على عقبه لأنه ينظر بالضد من نظر الأول الذي شاهد عين الحقيقة وربما هزك هذا لفهم قوله تعالى أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم

فإن ترقى العامي الجاهل والغمر الغافل عن رتبة الوقوف مع الصور والأشكال إلى النظر والاستدلال وأدرك التفرقة بين ما يظهر بذاته وبين ما يظهر بغيره عند حلول الحجاب وظهور ضد الضياء من الظلام وتجلى له وصرف الصور والأجسام فقام عنده البرهان الحقيقي والدليل القطعي على كونها مظلمة لا ترى ذاتها ولا غيرها وأنه لولا وجود شيء خارج عنها هو المسمى نورا ما ظهرت للعيان ولا تميزت منها الصور والألوان والمقادير والأشكال وذلك النور غير حال فيها ولا ناء عنها وإنما هو مشرق عليها مظهر لها كان حينئذ من أرباب الإرادة المحصور نظرهم في الآفاق المحدودة والأقطار المحصورة إذ لم يعرف النور لنفسه دون نسبته

في الآفاق آيات
وربما هزك هذا لفهم قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
فهؤلاء في ثاني رتبة فمن شهد الأشياء بالنور لا النور بالأشياء فهذا يترقى من أسفل إلى فوق وذاك ينزل من فوق إلى أسفل فذاك إلى النور ينظر ثم نزل إلى ما بالنور ظهر من الأشكال والصور واستحق أن يتقدم في التعليم والسر على أرباب

الاستدلال ليوضح لهم ما خفي عنهم واستتر ولهذا سمي الرسول ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ينبههم على كل موجود أنه من حيث ذاته عدم كالأجسام التي هي بذواتها ظلم وإنما بإشراق النور ظهرت
ظلمات . . ونور
كذلك عالم الحدث بأسره ظلمة خلق الخلق في ظلمة وتجلى وجود المحدث له فيه بإيجاده له نورا فلولا سريان نور وجوده في العالم بأسره لم يظهر منه ظاهر وذلك الذي ظهر من نوره بمنزلة الرش لا بمنزلة القبض والاستتار ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه شيء من ذلك النور انتعش ومن بقي في ظلمات طبعه وظل قالب جسمه كان كالمنطلق إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب
وشعب الجسم ثلاثة الطول والعرض والعمق نعوذ بالله من الرد إليه والسجن فيه إذ هو دنيا الإنسان فإن ما ظهر للعيان من عالم الشهادة والملك فهي الدنيا وما بطن من عالم الغيب والملكوت فهي الآخرة التي يرد العبد إليها بعد موته

وأظهر الأشياء عند الإنسان جسمه إذ هو أقرب أجسام العالم إليه والأقرب هو الأدنى وإنما سميت الدنيا دنيا لدنوها من العبد فأقرب أحوال الإنسان إليه دنياه وأبعد أحواله إليه أخراه لأنها قصوى فتأخرت عن أن تنكشف له إلا بعد الموت حين يقال له فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد
ويقول هو ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل فيقال له لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك
سجن . . وجنة
فظاهر أحوالك مشاهدة دنياك الحقيقية وأظهرها عندك ما تعلق بجوارحك من لذاتك الطبيعية وشهواتك الحسية فهي تحبسك عن السفر إلى الحضرة الربوبية وتعلقك عن وطء الحضرة القدسية إذ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
سجن المؤمن الذي آمن وتحقق إنما يؤول إليه من النعيم المقيم والمقام الكريم أشرف مما يفارقه
وجنة الكافر الذي كفر عقله أي غطى وحجب عن ملاحظة

جمال قدس اللاهوت الأكبر ولا يمكن الإنسان الاطلاع المجرد عن الشوائب وبينه وبين الأجسام المظلمة علاقة البتة وأي لذة لمن هو في السجن أو تصرف أو كشف والقلوب الموقوفة مع ملاحظة الأجسام عابدة الأصنام والجسم دنيا والإيمان صفة القلب وهو المؤمن فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر على الحقيقة فالجسم سجن القلب الذي هو المؤمن فمتى تخلص من علائقه ونجا من آفاته وبوائقه سلم من كل الآفات ونجا من جميع المخافات وخرج إلى النور من الظلمات إلا من أتى الله بقلب سليم
وما كل جسم غير سجن لأهله ... وآخر آفات النفوس وفاتها
ولو علم الإنسان ما الموت أيقنت ... نفوس الورى أن الممات حياتها
فما أظلم هذا القالب على أربابه وما أحجبه للأنوار فالواقف معه محصور في الأقطار مسجون بين جدران المساحة والمقدار بين الطول والعرض والعمق وهي ثلاث شعب مظلمة حاجبة حاصرة أرضية ناسوتية ظلمانية من تلقائها
ضل النصارى في التثليث لأنهم لم يجاوزوا عالم الأجسام ولا قسم لهم من ذلك الرش المذكور نصيب مع أرباب الأقسام

فلا جرم أنهم حجبوا بظواهر الصور واغتروا بظهور الأثر وعموا عما بطن بما ظهر كما عمي من قصر نظره على الألوان والأشكال دون النور الموضح لها النظر كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالو الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون
وإنما كان سبب حجبهم في الآخرة قصور نظرهم في الدنيا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا

أشقياء وسعداء
وإنما كان أضل سبيلا لأن في الدنيا يرجى له الإبصار لإمكان ذلك فيه وفي الآخرة قد حصل على قسمه ووقف على حقيقة اسمه فمنهم شقي وسعيد فحقيقة اسمه الشقاوة لا السعادة إذ قد سدت عليه طرق الاستفادة ولم يبق له في أحواله نقصان ولا زيادة فهو بهذا الوجه أضل سبيلا وهو مستحق بما اتصف به أن يكون في أضيق مكان وأقبح مقيلا
فنار الحسرة والخزي تتلظى في باطنه بما حرمه من روح المعرفة ولما فاته من سعة العلم ولذة المشاهدة بركونه إلى عالم الصور المجسمة المظلمة وعندها يستريح عند التهاب نيران

الحسرة وإن كانت لا تظله ولا تغنيه من لهب تلك النيران بل تحصره وتمنعه عن الانطلاق إلى سعة العلم وفضائل المعرفة بشعبها ومن هذه النيران حذر وعليها نبه وأنذر فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى
والتكذيب لا يكون إلا مع الحجاب والتولي لا يكون إلا مع الغفلة فلو سمع المكذبون نداء الحق من بواطنهم يدعوهم إلى الإيمان بما كذبوا به لآمنوا كما آمن الناس الذين يقولون ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا
وذلك النداء لا يزول من قلب كل مؤمن موحد بالله ورسوله فلو عقلوا حقيقته لسمعوا ولكن جهلوا وأنكروا
فإذا كشف الغطاء يوم القيامة وأحرقوا بسعير الحسرة والندامة علموا حقيقة الدرجة لذلك الصدر المحتشم في قول الله تعالى لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير
فإذا تحققوا ما السماع وما الأبصار وإنه يستغنى فيه عن القوالب الجسمانية من الأصمخة والأبصار وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير

المتعامي لا يعذر
ولا يعذرون لعدم السمع والإبصار في هذه الدار فإن اعتذروا به كان من أشر الأعذار وكيف يقبل منهم العذر وقد تقدم إليهم بالإعذار والإنذار أرسل إليهم لو قبلوا من يخرجهم من الظلمات إلى الأنوار
الخروج من الظلمات
فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنزلوا من رتبهم إلى مخاطبة الجهال والكفار وخصصت هذه الأمة بنبيهم المختار المنبئ بمناهج الأبرار والمحذر من طرق الأشرار والمظهر بواطن الأسرار قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور
من ظلمات الوقوف مع تقليد الآباء الضالين والمعلمين المبتدعين حين قال الناس إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون
قال الله تعالى يا محمد قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم

وعلى ماذا وجدوا أباءهم قوم على عبادة الأصنام المظلمة الجسمانية الكثيفة العارية من جميع معاني الحيوانية وقوم على عبادة المسيح قد وقفوا مع ما أبدي على يديه ونظروا بعين الربوبية إليه فلم يعرفوا منه غير ناسوته المسخر في الحركة لإظهار ما يلقي روح القدس إلى باطنه من الوحي الإلهي والإلهام الرباني لتظهر القدرة الإلهية على يديه وتبرز العجائب المعجزة الروحانية الخارجة عن المألوفات العادية والمدركات بالعلل الطبيعية والمنفعلات بالخاصية الإلهية وذلك بكلمة الله له وهي الكلمة التامة وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا
والكلمة ظهر بها ما ظهر فبالكلمة أمد وبروح القدس أيد إذ أيدتك بروح القدس

إنسانية المسيح عليه السلام
كان المسيح وأفعاله وهي كلمة الله التي ألقيت إلى مريم فهو الكلمة وبالكلمة كان وعلى يديه ظهرت الكلمة بقوله للشيء كن فيكون لأنه كان يعطي الأشياء قوة روحانية لا من ناسوته بل من تأييد الروح وإلقاء الأمر إلى المكونات فهي المسمى

فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله لأن السر الأول من الله وإلى الله وبالله ولله فإذا سويته ونفخت فيه من روحي
فذاك نفخ ابتداء بلا واسطة وهو إعطاء أصل النوع الإنساني وهو الإنسان الكلي قوة قامت من وجوده وصدرت عن جنابه بما ظهرت عليه آثار ربوبيته وشواهد لاهوتيته فعلم بها كل المعلومات وأظهر بها كل المبتدعات وتلك القوة التي نفخت في آدم سارية في ذريته جارية بالديمومية إلى الأبد بها يظهر على تصاريف الحدثان وتغير الجديدان ما يظهر من الصناعات المخترعات والعلوم المصنفات الجزيئات والكليات وذلك كله أثر النفخة التي أعطت آدم قوة اطلع بها على الأرض والسماء وأشرف بها على كل الأشياء وهي مبثوثة في ذريته كلها باقية في عقبه
أخذ الأنبياء عليهم السلام منها بأوفى حظ ونصيب وظهرت على أيديهم العلوم والحكم والأعاجيب التي كانت بمجرد القوة التي هي من النفخة لا بعلل طبيعية وفعل بالخاصية وتلك فوائد الأزل وكل يظهر على يديه بقدر نصيبه من الرش والنفخة لا زائد على ذلك وهو القسم الأزلي ولكن نال كل عبد بقدر ما ترشح لقبوله بالتهيؤ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور

ولا يستكمل الخلق الذي جعل لهم فيه نصيب نصيبهم من ذلك حتى يصلوا إلى غاية تقارب الكمال وهي كمالهم اللائق بهم إلا في الدار الآخرة في الجنة حين يقولون للشيء على الإطلاق كن فيكون
فعيسى عليه السلام نبي من جملة من قسم له أوفر نصيب على قدره بالإضافة إلى وقته فكان يفعل بالإذن لا بذاته لأنه مفعول فيه فالله تعالى ينفخ من روح القدس وهو ينفخ في الأشياء بروح القدس لموضع التأييد بها لا من ذاته ولا من عنده
فأبدا يوقف فعله على الإذن لأنه مؤيد بالروح فلو اطلعوا على ما وراء ظاهر القدرة من باطن الحكمة لأشرق عليهم من نور الإمداد ونفحتهم نفحة من نسيم التأييد فأخذوا حظهم من النفحة كما أخذ الحواريون عليهم السلام ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم فبقوا صما بكما عميا

ومن يضلل الله فما له من هاد
فلا تأس على القوم الفاسقين
وقوم موقوفون مع عبادة العزير من اليهود محجوبون بنوع مما حجب به النصارى وكل ذلك ظلمة

الرجال يعرفون بالحق
وقوم من اليهود يوحدون ولا يعبدون عزيرا بزعمهم ويشهدون بنبوة موسى عليه السلام تقليدا وسماعا لا كشفا واستبصارا وهم محجوبون بظلمات التقليد والوقوف مع أقوال الرجال دون مشاهدتهم الحق بعين اليقين فلو أنهم شاهدوا الحق وعرفوه لعرفوا أهله إذ الرجال يعرفون بالحق لا الحق يعرف بالرجال ولو تحققوا ما النبوة وما الرسالة وما الإيمان وكانوا قد عرفوا موسى بعد معرفة حقيقة النبوة لا النبوة بعد معرفة موسى لما أنكروا نبوة محمد ولأبصروه كما أبصروا موسى عليه السلام لأنهم عرفوا الحق فعرفوا أهله ولكن كانوا واقفين مع ما سمعوا من أخباره وثبت عندهم من ظهور القدرة على يديه وبروز الآيات العجيبة مقارنة لتحديه فحجبوا بظلمات الصور المظلمة المجسمة وهي صور المعجزات فظنوا أن ذلك من قدرة موسى عليه السلام وقوته وحوله ولم يعلموا أن الذي أبدى القدرة على يدي

موسى هو الذي أبداها على يدي محمد وأن الإله واحد والدين واحد والأنبياء واحد ودعوتهم واحدة والقدرة ظهرت على أيديهم وأشارت إليهم وكل من ظهرت القدرة على يديه مع التحدي فهو صاحب الوقت ونبي الأمة وهو المحق على الجملة فما اختلفوا إلا من حيث الأشخاص والهياكل لا من حيث المعاني والحقائق شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب فلا تفرقة بينهم البتة والعزيز المقتدر واحد أظهر القدرة على أشباح متفرقة وهياكل متباينة وهو واحد في ذاته غير متحيز ولا منقسم ولا حال ولا متحد
ولكن تجلى لعباده بأفعاله وقدرته وجعل إليه طرقا وللطرق أدلاء ولكل دليل آية مخصوصة ولكل طريق باب مخصوص وحجاب مضروب وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب
وثم في الطرق حدود مضروبة وأعلام منصوبة لا يمكن عبورها إلا بإذن فمن كان مأذونا له في تجاوز الحد المضروب إلى

ما وراءه فتح له الباب وأدخل والدخول لا يكون إلا مع الشرح والشرح سئل عنه رسول الله فقال هو نور يقذفه الله في القلب قيل يا رسول ما علامته فقال التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل حلول الموت
وبالشرح النوراني تنفتح أبواب القلوب والرحمة باب من أبواب الله سبحانه يفتحها على قلب من يشاء ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها الآية
والنبي رحمة وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
وكما انفتحت أبواب السماء بالرحمة التي هي المطر انفتحت أبواب الوحي للنبي الذي هو رحمة للعالمين وباب لدخول المتقين فكلما ظهرت من القدرة على ظاهر حجاب عن المظهر فمن جاوزه إلى ما وراءه من الأسرار كان من المكاشفين بعلم الملكوت المتنزهين في بحبوحة القدس أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون

دعوة فخر الوجود
وإلى إرث الفردوس دعا مصباح الوجود وسراج الكونين وجاء بما لم يأت به سواه من الأسرار العجيبة والمعاني الغريبة واللغة الفصيحة والاستعارات الصحيحة الشريفة والتمثيلات المطابقة والإشارات الموافقة والرموز الغامضة والكشوف الواضحة والأحكام الكاملة والسياسات الشاملة والآداب الجامعة والأخلاق الطاهرة
فمن كان بصيرا نظر إلى جمال باطن الصورة المحمدية الروحانية ورأى انبساط أنوارها على صفحات الآلاء الناسوتية الجسمانية بالسمت والوقار والهيبة والسكينة والإطراق والتبسم والبشر وشاهد هذه النعوت الباطنة والظاهرة كلها لمظهرها لا بها ليخرج من حيز الذين وقفوا مع ظاهر الإبداء وحجبوا به عن المبدئ ويعلم أن الرسول متول في معناه وصورته وحركاته وسكناته لا منه في شيء وأنه محو من أثبته لقيام المتولي له به ألا ترى كيف يقول له وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى
فبرأه من فعله في فعله لئلا يحال شيء على حركة الناسوت المسخر أو يضاف فعل إلى الجسم المقدر المصور أو يثبت تصرف للمتولي المدبر

فإذا نظر الناظر إليه بعين التصريف لا بعين التصرف وعلم حقيقة البادي والمبدى عليه وأنزل كل شيء في منزلته وضح له الحق الصريح من غير حمحمة ولا تلويح وميز السقيم من الصحيح واهتدى بهدي الله لا بهدي البشر وكان من المطلعين على سر القدر المنزهين عن التقليد الذي هو مظنة الغرر قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم
من التمثيل بظواهر الأثر والامتناع من العيان بالخبر وذاك هو نقلك بالحكمة والموعظة الحسنة إلى معرفة الحق ليعرفوا به أهله ويعلموا أن المقلد لما يألف بغير هدى من الله تابع هواه وجهله وهدى الله عز و جل هو ما كشف لك عن حقائق الأمور وهو الذي ينكتب بقلم العقل على ألواح الصدور كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه فمن أيد بالروح عرف المؤيد بالروح وعلم أن عيسى أيد بروح القدس وأن محمدا أنزل عليه القرآن روح من علم بهذا وذاقه كان من المؤيدين الذين يؤمنون بالكتب كلها وفيهم قيل والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون

ماذا بعد الحق
هدى الله هو الهدى وليس بعده إلا اتباع الأهواء ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم اللدني والكشف الإلهي إنك إذا لمن الظالمين
الذين أنزلوا النفس عن رتبة الكشف إلى رتبة موافقة أرباب الأهواء الذين هم في ظلمات آرائهم الملطخة بأوضار الطبيعة المحجوبة في ظلمات الحس ومن كثر سواد قوم فهو منهم وحشر معهم ومن وافق قوما كان منهم فماذا بعد الحق إلا الضلال وبعد الكشف إلا الحجاب فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم
الحياتين
وقد علمت أن الحياة الدنيا مشغلة عن الحياة القصوى وأن المعرض عن الاستعداد للحياة الحقيقية نادم بعد مفارقة الحياة الدنيا محرق بنار جهنم فيتذكر حين لا تنفعه الذكرى ف

يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد
حتى يعلم أن الدار الآخرة هي الحيوان فلو كان يعلم لكانت الدار الآخرة دار حياته إذ هي حياة العلماء ولهذا اشترط لو كانوا يعلمون
فتقدير الكلام لو كانوا يعلمون لكانت الآخرة دار الحيوان في حقهم ولكن جهلهم حجبهم وإلى ظلمات الصور أدخلهم وفي سجن الجسم المحصور بثلاثة أبعاد سجنهم فإليه يرد وفيه يعذب
فلا بد من حشرها وذلك هو الذي ذكره الشارع من حشر الأجساد ورد الأرواح إليها عند من وفقه الله سبحانه إلى الإيمان بذلك وشرح صدره لقبول تصديقه بإعلامه أن ما جاز ابتداؤه لا يستحيل إعادته فالمنتزع أهون في الشاهد من المخترع قل يحييها الذي أنشأها أول مرة

ولا يحجب عن معرفة الله سبحانه ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إلا من استحوذ عليه شيطانه وهواه فأضله عن الحق وأغواه حتى مقته الحق سبحانه وأخزاه وجعل الخلود في النار جزاءه ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فأصبحوا صما بكما عميا فهم لا يعلمون
وكيف يتدبر القرآن من لا يدري حقيقة القرآن ولا إنزال القرآن ولا منزل القرآن ولا المنزل عليه القرآن

حدود فهم القرآن
والقرآن هو البحر المحيط وعلى سواحله العود والعنبر وجميع أصناف الطيب وأنواع المعادن تلقى في وسطه في الجزائر وله ظهر وبطن وحد ومطلع وهذه أربعة أركان بني عليها فهم القرآن فالظاهر هو التنزيل نزل به الروح الأمين

والباطن هو التأويل كما قال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل
والحد هو الذي يتوقف عنده وهو الذي يفصل بين التشبيه والتعطيل
والمطلع هو موضع إشراف المكاشفين على حقائق ما أريد به بإلهام الملك وفطنة الروح ولا يشهد معانيه ولا يطلع على حقائقه إلا من كان له كشف ومشاهدة وقلب سالم مسلم وأسلم قال أسلمت لرب العالمين
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
1 - فأول المراتب معرفة التنزيل
2 - الثاني معرفة التأويل والتنزيل ينبغي أن يكون أمرا كما جاء لا يحرف ولا يبدل لأنه أساس التأويل والتأويل منزل على التنزيل لا يخرج به عن مطابقة التنزيل فلا يعدل بمعانيه إلى التعطيل ولا يحاد به عن موافقة طريق السنة الواردة عن سيد المرسلين
3 - والرتبة الثالثة وهي الوسطى وهي الحد المانع الجامع يجمع بين ظاهر التنزيل وباطن التأويل ويمنع من التشبيه والتعطيل

4 - والرتبة الرابعة هي الاطلاع عليه بالنور المبين الذي لا يوجد إلا عند المتقين وهو تعليم العزيز الرحيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به
واتقوا الله ويعلمكم الله فالله سبحانه معلم الفهم والرسول معلم الحكم والحكمة ويطلع على معالم الفهم ويوصل إلى مقام الاطلاع بإرشاده إذ هو واسطة بين العباد وبين ربهم كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون
فالرسول هاد بالواسطة لا بالتأصيل وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم
والله تعالى هو الهادي إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء

وكذلك هو معلم الدلالة والله سبحانه معلم الأصالة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون علم الإنسان ما لم يعلم وعلمناه من لدنا علما خلق الإنسان علمه البيان فرق بين العلم والخلق فدل على أن علم الله سبحانه وهو صفته غير مخلوقة كتبه بقلم العقل على ألواح الصدور بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم

العقل والقرآن
فالعقل مستمد من العلم الأزلي وهو القرآن الذي ألقي إلى محمد حصل للرسول بتعليم جبريل وتعليم جبريل هو

تعليم الله عز و جل وتعليم الرسول هو تعليم جبريل كان تعليم الرسول هو تعليم الله سبحانه فالله سبحانه يعلم الملائكة بلا واسطة والملائكة وسائط بين الرسل وبين الله سبحانه والرسل وسائط بيننا وبين الملائكة والله سبحانه معلم الكل وهاد للكل والمبين للكل وإن كان الرسول مبينا فهو في التبيين كما هو في البداية شيخ أقيم لتعريف الخلق ما ندبهم إليه الحق وله ولاية الظاهر بالحكم ولله سبحانه ولاية الباطن بالتولي ليبين للناس ما نزل إليهم يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم
فما من شيء أضيف إلى الرسول ظاهرا في حال من الأحوال لإثبات الأحكام إلا وقد ألقي باطنا لإثبات التوحيد حتى لا يقف أحد مع ظاهر ما أبدي إلى محمد دون النظر إلى الإبداء ومعرفة جريانه على ظاهر محمد من المبدى عليه وهو الذي يرد الأمر في الإفراد والإصدار إليه وإنك لتلقي القرآن من لدن حكيم عليم فهو محل التلقي لا هو الملقي ولا إليه الإلقاء وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك

الكتابة . . والكاتب
وليت شعري إيش الكتاب من الكتابة سوى أنه متصف من حيث كان محلا قابلا لها لا من حيث أنها لم تزل فيه ولا هي صفته وإنما هي صفة الكاتب بدت في الكتابة لا من الكتاب وإليه تعود في الوصف لا إلى الكتاب فهي صفة الكاتب لا صفة المكتوب فذلك قلب محمد كتاب كتب الله فيه القرآن كما يكتب الكاتب في اللوح وإن كانت الكتابة في الشاهد تنكتب بواسطة العلم في اللوح والقرآن انكتب بواسطة جبريل في لوح قلب محمد وكان بمنزلة القلم والمكتوب قديم وهو الكلام الأزلي والكاتب والمكتوب فيه مخلوقان كاللوح والقلم فإن قلب محمد مخلوق وجبريل عليه السلام مخلوق وما كتبه الله عز و جل بواسطة جبريل قديم فالقرآن إذا قديم وهو علم الله ولا يبعد أن يكتب في قلوب العباد على سبيل الحفظ والعلم لا على سبيل الحلول والانتقال لأن الله سبحانه هو الحافظ له لا العبد إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
ويروى أنه لما خلق الله سبحانه وتعالى القلم قال له أكتب قال ما أكتب قال أكتب علمي في خلقي
وعلم الله مكتوب في خلقه والإيمان مكتوب

كتب في قلوبهم الإيمان بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ولا تسأل عن كيفية هذه الكتابة وكيف ارتسامها في الصدور فإن ذلك يستدعي فتح باب كبير من أبواب الملكوت فإن الكتابة تستدعي لوحا ومدادا وقلما وأصابع ويدا وقدرة وإرادة وعلما وكاتبا وذلك من علوم المكاشفة إذ علم ذلك نهاية الأولياء ومبادئ الأنبياء عليهم السلام
فإن النبي أول ما كوشف بسر القلم حين رأى جبريل في صورته أول مرة وغطة وقال اقرأ فقال ما أنا بقارئ الحديث المعروف

أول ما كوشف من الوحي بمعرفة الكتابة والقلم والتعليم وخلق الإنسان وهذا مجمع العلم وخزانة الأسرار وهذا أصل لما وراءه فقال اقرأ قال وما اقرأ قال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم
فإن كنت من أرباب البصائر ففي متفرق كلامنا ما يدلك على معانيه فإن الكلام لم يخل من إشارة إليه وتنبيه عليه ومعرفته لا تحتمل التصريح فإن خوض غمرات أسراره خطير وفتح باب الأسرار عزيز وإفهام الخلق ما لم يألفوا مسالكه من الأسرار عسير وبحره عميق يغرق فيه أكثر الجماهير إلا من تولى الله عز و جل أمره وهو يتولى الصالحين والهداية إلى الله سبحانه كما علمت فلا تطلبها إلا من بابها إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى
وإن كنت من المحجوبين بظلمات الجسمية المقيدين بقيود

العادة والموقوفين مع تقليد الآباء والمعلمين الذين لم يستضيئوا بنور اليقين فلا تعرف قط لوحا إلا من خشب ولا قلما إلا من قصب ولا يدا إلا من لحم وعصب ولا كاتبا إلا جسما مصورا فلا تطمع في فهم شيء مما أشرنا إليه فإنك لست من أهله إذ قد سلكت مذهب المحجوبين الذين غلبت عليهم ظلمة الأجسام فلم يعرفوا غير الأجسام وتوابع الأجسام ودخلت تحت ظل الجسم ذي الأبعاد الثلاثة وهي الطول والعرض والسمك فهي ثلاث شعب مظلمة لأنك حصرت جميع المعلومات تحت الحس وأنكرت ما وراء الشاهد مما لا يدخل تحت الكمية والمقدار ولا ينقسم بالمساحات والأقطار وهو العالم المتسع الذي الأجسام منه بمنزلة الظل من الشخص فهو العالم الشريف الذي من تلقائه يتنزل الأمر والقدر

الذين يتدبرون الحكمة
فانتبه أيها المغرور بظواهر الصور فإنك من الله سبحانه على غرر وما انطلقت إليه ووليت نحوه من ظاهر التشبيه والتجسيم يوم يستظل بمنته من عذاب الله سبحانه إذا سألك عن معتقدك لا يظلك من عذابه ولا ينجيك من لهب ناره إذ قد عطلت ملكوت الله سبحانه واستعجزت قدرة الله عز و جل وجهلت حكمة الله ولم تتدبر آيات الله بل اتخذتها هزؤا ولم تؤمن بالغيب بل كذبت بما لم تحط بعلمه وأوقفت حقائق الأشياء على علمك الناقص وتخيلك الفاسد

بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم
وأنت محجوب بالأجسام عن مبدع الأجسام كما حجب الذين أنكروا عند رؤية الأجسام وجود شيء زائد على الأجسام به ظهرت الأجسام وتجلت الألوان والأشكال لأنهم لم يحيطوا بعلم النور ولا تحققوا أنه اختفى في الأجسام لشدة ظهوره فيها واحتجب عن أعين الناظرين لإشراق أنواره عليها
ولكن أيها المسكين أفلا ينظرون إلى التفرقة بين النور المظهر والجسم المظهر عند مفارقة النور للمبصرات حين بقيت مظلمة لا تظهر فلا أمكنهم الجحود ولا وسعهم التكذيب كذلك أنت

القول في الروح
إيش تقول في الروح إنها هي الجسم بعينه أو شيء يزيد على الجسم بها تدبيره وتصريفه وما أظن أنه يسعك إنكار كونها غير الجسم وإنها مدبرة الجسم وغير الجسم لا يكون جسما
فإن قلت هي جسم ألطف من هذا مستودعة في باطن هذا الجسم جعلت الأجسام تتداخل وقلت بالحلول وأبطلت فائدة التفرقة بين الروح والجسم وكذبت الخبر الصحيح إن الله خلق الأرواح قبل الأجسام بألفي عام

وأي فائدة من هذا الحديث إذا كانت الأرواح أجساما ويكون إثبات ما تدعيه إلى استحالة الحديث وتناقض قول الصادق فكأنه يقول خلق الله الأجسام قبل خلقها بألفي عام والشيء الذي يخلق قبل خلقه لا يعقل لأن الأجسام إن كانت تسمى أرواحا فمعنى الحديث هذا خلق الأجسام قبل الأجسام وهو خلق الشيء قبل ذاته وهذا خرق من قائله وفساد من مصوره فلا بد أن يكون للخبر معنى يدرك وفائدة تعقل والحاصل منه التفرقة بين الأرواح والأجسام فالروح إذا لا جسم بشهادة الشرع وإذا كان الجسم هو الملتئم من جوهرين فصاعدا وهي غير الجسم فمن الأحرى أن تكون غير جوهر وإذا لم تكن جوهرا ولا جسما استحال أيضا أن تكون عرضا لما كانت الأعراض لا تثبت ولا توجد إلا مع الأجسام والجواهر وقد بطل حكم الجسم والجوهر والعرض فبطل التركيب والمماسة والمجاورة والاتصال والانفصال
فإن أطلق عليها أنها مواصلة للبدن او مفاصلة بالموت فإطلاق صحيح على الوجه الذي يليق به وهو مواصلة التدبير ومفارقته بتعاصي الآلات بالموت من قبول التدبير
وإذا انتفى عنها الجوهرية والجسمية والعرضية انتفت عنها بالضرورة العقلية جميع صفات الأجسام والجواهر والأعراض من فوق وتحت وأمام ووراء وحذاء ويمين ويسار وفي وإلى وعلى وعند والحركة والسكون والظهور والكمون والمساحة والمقدار والكيف والأين وكل ما يجري على الجواهر والأجسام من الأوصاف فما أطلق عليها بعد ذلك لضرورة

التعريف افتقر في فهمه إلى التأويل والتصريف فقد لزمك أيها المخدوع بالغرور إثبات موجود حقيقي الوجود خارجا في وجوده عن كل ما يدرك في الشاهد من الأجسام والجواهر والأعراض
فكيف يمكنك بعد هذا إنكار شيء زائد على الأجسام فإن تعاميت أنت بعد الإبصار ولزمت المكابرة والإنكار وجمدت إلى الاستنكاف والاستكبار وتبعت بجمودك في التقليد الهوى وركبت ظهر اللجاج والاصرار فقد ذهب في حقك الإعذار وانقطعت حجتك بالأعذار والإنذار فيوشك أن تكون من أهل النار
وعند ارتفاع نور النفس عن ظاهر الجسم وعدم تدبيرها له بالموت يأتيك تأويل ما كذبت به وقد أوضحت لك فتقول حين تشاهد ما لم تسمح بتسليمه بل تثبته مطرحا له بركونك إلى تقليد الغافلين ومتابعة الجاهلين قد جاءت رسل ربنا بالحق
كما أخبر الله سبحانه عنك وعن أمثالك بقوله هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون

الناس نيام
وما أخوفني عليك أن تكون ممن خسر نفسه وإنما يتبين لك الخسار عند الانتباه من نومك فإن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وعند الانتباه يظهر تأويل الرؤيا فيؤول لك ما لزمت ظاهره في عقلك بأحسن تأويل ويبدو لك ضد ما احتسبت ويضل عنك ما إليه ذهبت وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويتلو عليك الموت لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وذلك حين تأتي سكرة الموت بالحق الذي كنت منه تحيد وتميل عنه إلى التقليد
الصور والنفخ
وينفخ في الصور وهو قرن فيه ثقب بعدد أنفاس الخلائق فيصعق العالمون من صوته كل نفس لها ثقب فيه تصعق إن لم تكن صعقت والنافخ فيه إسرافيل ويقوم الروح صفا والملائكة صفا ويأتي الله في ظلل من الغمام والملائكة وهذا كله ما ينكشف لك سره ويبدو لك تأويله إذ قد وعدت بكشف

تأويله لك ولا جائز أن ينكشف لمثلك دون أن تأتي سكرة الموت وهو الذي كنت منه تحيد وينفخ في الصور لصعق الخلق ثم ينفخ فيه أخرى لقيامهم ينظرون ماذا أراد منهم الحق ذلك يوم يجمع الكل فتجمع أجزاء الخلق وينشئهم الله عز و جل نشأة أخرى كما وعد تعالى ويكون الحشر كله على قدم آدم وعقبه إذ هو أبو البشر وعلى صورته وشكله يجمعون ويحشرون وكذلك إلى أبيهم وأمهم يجمعون خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها فهذان أصلان كليان للعالم الإنساني أبا وأما آدم وحواء وبث منهما رجالا كثيرا ونساء
جزأ أولادهم فالإنس إلى آدم وحواء مجتمعون وإليهما ينتسبون وهي الطينة البشرية التي عجنها بيده وخمرها وسواها ونفخ فيها الروح وأسجد لها الملائكة صفا صفا فسجد الملائكة كلهم أجمعون وآدم مقابلهم لأنه نفخ فيه من الروح التي هي من أمر الله
والنفخ إحداث وجود آدم لم يكن بالروح محدثا وليس ثم قديم إلا الله وحده ولا أقول وصفاته لأن صفاته ليست غيره فأفصلها منه ولا هي هو فأفردها بالذكر دون جعلها له فهي له لا هي هو ولا هي غيره وقد سبق القول فيما هذا سبيله

فحينئذ يجمع الصفوف الملائكة والروح صف إذا جمعت جعلها له والجن صف وهو من مارج من نار والشياطين صف خارج عن الجن والملائكة فيما بينهما يقدمهم عزازيل وهو إبليس آدم وضده وقرينه وهو أكبر الشياطين لأن عزازيل في جنوده بمنزلة آدم في ذريته
فلما كان آدم أبو البشر هو أصلا لهم وكل ما ظهر عن آدم من ولد ذكرا أو أنثى أظهر عزازيل له قرينا من أبنائه فعدد الأصلية بعدد بني آدم والمتولدة بعدد الأملاك الذين يكتبون أعمال العباد ملك اليمين وملك اليسار ووراء هذا غور عميق ينكشف لك يوم يأتي تأويله فالويل لمن دام إلى ذلك الوقت وطوبى لمن انتبه لأنه لا يستنبه إلا بموت هو إعراض النفس عن الاشتغال بالصور والأجسام بالإقبال على الله سبحانه بالتولي نحو وجهه هو أينما وليت فكل من ولى إليه فثم وجهه وذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون لا وجه أبنائهم فكل معرض عن الله مشتغل بغيره فإلى وجه الحادث نظر وهي ظلمات بعضها فوق بعض فوجهه منصرف عن الله سبحانه ومعوج بقدر إعراضه عنه فإن كان كلمح البصر كان كالحور في العين وإن كان بأكثر البصر كان كالحول في العين وإن كان بلفتة يسيرة كان كالقوة
وإن كان إعراضا وإدبارا كان بمنزلة المولي المدبر وذلك

الذي يؤتى كتابه من وراء ظهره وهم الذين نسوا الله فنسيهم فأنساهم أنفسهم
فمن أقبل على الله تعالى أعرض عن نفسه ومن أعرض عن نفسه فقد حصل عنده معنى الموت وهو ترك التفات النفس إلى المحسوسات والصور ونظرها إلى عالم الملكوت فسلوك صراط الله سبحانه والوفاء بعهده في الرجوع إليه والاعتراف بالربوبية والقيام بحقوقه من مفارقة الأخلاق المذمومة والتحلي بالأخلاق المحمودة فإذا اتصف بها صح له الرجوع إلى الله سبحانه ومن رجع إلى الله سبحانه أرضاه ورضي عنه يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية
ومن رجع إلى الله سبحانه في الدنيا فهو راجع إليه في العقبى رجوع رضا لا رجوع كره

الروح والنزع
كذلك الموت موتان موت طبيعي وهو نزع النفس من الجسم كرها لتشبثها به عشقا له وسكونا إليه فهي تنتزع مكرهة فلا جرم أنها لا تخرج إلا بالخطاطيف والكلاليب حتى تنقطع أوصالها وتزول علاقتها معه وهذه موتة طبيعية
وموت إرادي وهو ترك النفس لمساكنة الجسم والتنزه عن

عشقه والاستغراق في حبه واستعماله في مصالح الآخرة فهذه موتة إرادية لا يموت صاحبها بعدها أبدا لأن الخوف من الموت وألمه بقدر المحبوبات وعذابه بقدر تعلق النفس بالشهوات وعكوفها على اللذات وعشقها الغالب الذي تستعين به على إدراك المطلوبات وتقضي به أوطار الدنياويات فإذا زال موجب الألم سقط الألم ولم يكن له أثر وإذا لم يكن ألم لم يكن خوف وإذا لم يكن خوف كان أمن وإذا كان أمن كان استبشارا وبشرى وإذا كان استبشارا وبشرى أحب العبد لقاء الله عز و جل

الشهداء أحياء
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه فهذا شاهد لما يقدم عليه ومن شاهد ما أعد له فهو شهيد والشهيد ليس بميت والشهادة بجهاد النفس إلى أن يميتها عن حظوظها أكبر رتبة عند الله سبحانه وتعالى من الشهادة المورثة لقتال الكفار وحطم السيوف
رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
وذلك الجهاد خطر قل من يسلم له فيه النية فهو على ظن

غير متيقن من الشهادة وهذا إذا وصل إلى هذه الرتبة على يقين والموت الإرادي إثابة والموت الطبيعي عقوبة ومن مات موتة إرادية انتبه قبل الموت الطبيعي ومن انتبه أبصر بغير تأويل الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ومن أبصر قال لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فاطلبوا اليقين من الله سبحانه بإماتة نفوسكم وإحياء قلوبكم لترقوا الفردوس الأكبر والملك العظيم

دعوات الختام
اللهم اجعلنا ممن ركبت على جوارحهم من المراقبة غلاظ القيود وأقمت على سرائرهم من المشاهدة دقائق الشهود فهجم عليهم أنس الرقيب مع القيام والقعود فنكسوا رؤوسهم مع الخجل وجباههم للسجود وفرشوا لفرط ذلهم على بابك نواعم الخدود فأعطيتهم برحمتك غاية المقصود صل على محمد وعلى آل محمد وسلم
اللهم ارزقنا طول الصحبة ودوام الخدمة وحفظ الحرمة ولزوم المراقبة وأنس الطاعة وحلاوة المناجاة ولذة المغفرة وصدق الجنان وحقيقة التوكل وصفاء الود ووفاء العهد واعتقاد الوصل وتجنب الزلل وبلوغ الأمل وحسن الخاتمة بصالح العمل صل على محمد خير البشر وسلم
اللهم يا من أجرى محبته في مجاري الدم من المشتاقين وقهر سطوات الشك بحسن اليقين أثبتنا اللهم في ديوان الصديقين واسلك بنا مسلك أولي العزم من المرسلين حتى

نصلح بواطننا بلطائف المؤانسة ونفوز بالغنائم من تحف المجالسة وألبسنا اللهم جلباب الورع الجسيم وأعذنا من البدع والضلال الأليم فقد سألناك بصدق الحاجة والاعتذار والإقلاع عن الخطايا بالاستغفار أمرتنا اللهم بالسؤال ففاجأتك قلوبنا بالافتقار ونظرت إليك مقل الأسرار بسلطان الاقتدار وجنبنا اللهم الإصرار من فتون الأسرار حتى تسلك بنا سبل أولي العزم من الأخيار وصل على محمد وعلى آل محمد الأطهار وسلم
اللهم يا من حمل أولياءه على النجب السباق ورفعهم بأجنحة الزفير والاشتياق وأجلسهم على بساط الرهبة وحسن الأخلاق وأهطل على لممهم سحب الآماق وشعشع أنوار شموس المعرفة في قلوبهم كبرق الشمس عند الإشراق وكشف عن عيونهم حنادس الظلم وأجلسهم بين يديه بتغريد القلوب واتصال العزم والطمأنينة وسمو الهمم صل على محمد وعلى آل محمد سيد سادات البشر وسلم
اللهم أرخص علينا ما يقربنا إليك وأغل علينا ما يباعدنا عنك وأغننا بالافتقار إليك ولا تفقرنا بالاستغناء عنك بكرمك أخلص أعمالنا وبإرادتك اجعلنا نتوكل عليك وبمعونتك اجعلنا نستعين بك
اللهم بجاه أهل الجاه وبمحل أصحاب المحل وبحرمة أصحاب الحرمة وبمن قلت في حقه ألم نشرح لك

صدرك اشرح اللهم صدورنا بالهداية والإيمان كما شرحت صدره ويسر أمورنا كما يسرت أمره يسر لنا من طاعتك طريقا سهلة ولا تؤاخذنا على الغرة والغفلة استعملنا في أيام المهلة بما يقربنا إليك ويرضيك منا صل على محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلم
اللهم أطلق ألسنتنا بذكرك وقيد قلوبنا عما سواك وروح أرواحنا بنسيم قربك واملأ أسرارنا بمحبتك واطو ضمائرنا بنية الخير للعباد وألف أنفسنا بعلمك واملأ صدورنا بتعظيمك وحيز كليتنا إلى جنابك وحسن أسرارنا معك واجعلنا ممن يأخذ ما صفا ويدع الكدر ويعرف قدر العافية ويشكر عليها ويرضى بك كفيلا لتكون له وكيلا ووفقنا لتعظيم عظمتك وارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت سبحانك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك
اللهم إني أسألك بأحدية ذاتك ووحدانية أسمائك وفردانية صفاتك أن تؤتينا سطوة من جلالك وبسطة من جمالك ونشطة من كمالك حتى يتسع فيك وجودنا وتجتمع عليك شهودنا ونطلع على شواهدنا في مشهودنا أطلع اللهم في ليل كوننا شمس معرفتك ونور أفق عيننا ببيان حكمتك وزين سماء زينتنا بنجوم محبتك واستهلك أفعالنا في

فعلك واستغرق تقصيرنا في طولك واستمحض إرادتنا في إرادتك واجعلنا اللهم لك عبيدا في كل مقام قائمين بعبوديتك متفرغين لألوهيتك مشغولين بربوبيتك لا نخشى فيك ملاما ولا ندع عليك غراما رضنا اللهم بما ترضى والطف بنا فيما ينزل من القضا واجعلنا لما ينزل من الرحمة من سمائك أرضا وأفننا في محبتك كلا وبعضا صحح اللهم فيك مرامنا ولا تجعل في غيرك اهتمامنا وأذهب من الشر ما خلفنا وأمامنا نسألك اللهم بمكنون هذه السرائر يا من ليس إلا هو يخطر في الضمائر
صل على سيد السادات ومراد الإرادات وحبيبك المكرم ونبيك المعظم محمد النبي الأمي والرسول العربي وعلى آله وصحبه وسلم
اللهم إني أسألك بالألف المعطوف وبالنقطة التي هي مبتدأ الحروف بباء البهاء بتاء التأليف بثاء الثناء بجيم الجلالة بحاء الحياة بخاء الخوف بدال الدلالة بذال الذكر براء الربوبية بزاي الزلفى بسين السناء بشين الشكر بصاد الصفاء بضاد الضمير بطاء الطاعة بظاء الظلمة بعين العناية بغين الغنا بفاء الوفا بقاف القدرة بكاف الكفاية بلام اللطف بميم الأمر بنون النهي بهاء الألوهية بواو الولا بياء اليقين بألف لام لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك الفاشي في الخلق حمدك الباسط بالجود يدك لا تضاد في حكمك ولا تنازع في سلطانك وملكك وأمرك تملك من الأنام ما تشاء ولا يملكون منك إلا ما تريد

إني أسألك وأتوجه إليك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه و سلم وأسألك اللهم بأسمائك الحسنى وباسمك العظيم الأعظم الذي دعوتك به أن تصلي على النبي الأمي محمد صلى الله عليه و سلم وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين والحمد لله رب العالمين

عنوان التوفيق في آداب الطريق - ابن عطاء الله السكندري

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ العارف القدوة المحقق تاج العارفين ولسان المتكلمين إمام وقته ووحيد عصره تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندري رضي الله تعالى عنه ونفعنا به آمين الحمد لله المنفرد بالخلق والتدبير الواحد في الحكم والتقدير الملك الذي ليس له في ملكه وزير المالك الذي لا يخرج عن ملكه صغير ولا كبير المتقدس في كمال وصفه عن الشبيه والنظير المنزه في كمال ذاته عن التمثيل والتصوير العليم الذي لا يخفى عليه ما في الضمير ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير
العالم الذي أحاط علمه بمبادئ الأمور ونهاياتها السميع الذي لا فضل في سمعه بين ظاهر الأصوات وخفاياتها الرزاق وهو

المنعم على الخليقة بإيصال أقواتها القيوم المتكفل بها في جميع حالاتها الوهاب وهو الذي من على النفوس بوجود حياتها القدير وهو المعيد لها بعد وجود وفاتها الحسيب وهو المجازي لها يوم قدومها عليه بحسناتها وسيئاتها فسبحانه من إله من على العباد بالجود قبل الوجود وقام بهم بأرزاقهم على كلتي حالاتهم من إقرار وجحود ومد كل موجود بوجود عطائه وحفظ وجود العالم بإمداد بقائه وظهر بحكمته في أرضه وقدرته في سمائه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد مفوض لقضائه مسلم له في حكمه وإمضائه
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المفضل على جميع أنبيائه المخصوص بجزيل فضله وعطائه الفاتح الخاتم وليس ذلك لسوائه الشافع لكل العباد حين يجمعهم الحق لفصل قضائه وعلى آله أصحابه المستمسكين بولائه وسلم تسليما كثيرا
اعلم يا أخي جعلك الله من أهل حبه وأتحفك بوجود قربه وأذاقك من شراب أهل وده وأمنك بدوام وصلته من إعراضه وصده ووصلك بعباده الذين خصهم بمراسلاته وجبر كسر قلوبهم لما علموا أنه لا تدركه الأبصار لنور تجلياته وفتح لهم رياض القرب وهب منها على قلوبهم واردات نفحاته أشهدهم سابق تدبيره فيهم فسلموا إليه القياد وكشف عن خفي لطفه في منعه

فتركوا المنازعة والعناد فهم مستسلمون إليه ومتوكلون عليه
أما بعد فقد قال يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل
فإذا علمت أيها الأخ الشقيق فلا تخالل إلا من ينهضك حاله ويدلك على الله مقاله وذلك هو الفقير المتجرد عن السوى المقبل على المولى فليست اللذة إلا مخاللته ولا السعادة إلا خدمته ومصاحبته فلذلك قال الشيخ العارف المتمكن أبو مدين رضي الله تعالى عنه
ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا ... هم السلاطين والسادات والأمرا
أي ما لذة عيش السالك في طريق مولاه إلا صحبة الفقراء والفقراء جمع فقير والفقير هو المتجرد عن العلائق المعرض عن العوائق لم يبق له قبلة ولا مقصد إلا الله تعالى وقد أعرض عن كل شيء سواه وتحقق بحقيقة لا إله إلا الله محمد رسول الله
فمثل هذا مصاحبته تذيقك لذة الطريق وتريق في جميع فؤادك من شراب القوم أهنى رحيق ويعرفك الطريق ويقطع لك العتاب ويزيل عن قلبك التعويق وينهضك بهمته ويرفعك إلى أعلى الدرجات ومن كان كذلك فهو السلطان على الحقيقة

والسيد على أهل الطريقة والأمير على أهل البصيرة فلا تخالف أيها السالك طريقه فاجتهد أيها السالك المجد في تحصيل هذا الرفيق واصحبه وتأدب في مجالسه ويزيل عنك ببركة صحبته كل تعويق كما قال رضي الله تعالى عنه
فاصحبهم وتأدب في مجالسهم ... وخل حظك مهما قدموك ورا
أي اصحب الفقراء وتأدب معهم في مجالستهم فإن الصحبة شبح والأدب روحها فإذا اجتمع لك بين الشبح والروح حزت فائدة صحبته وإلا كانت صحبتك ميتة فأي فائدة ترجوها من الميت
ومن أهم أدب الصحبة أن تخلف حظوظك وراك ولا تكن همتك مصروفة إلا لامتثال أوامرهم فعند ذلك يشكر مسعاك
فإذا تخلفت بذلك فبادر واستغنم الحضور وأخلص في ذلك ترفع درجتك وتعلو همتك والقصور كما قال رضي الله عنه
واستغنم الوقت واحضر دائما معهم ... واعلم بأن الرضى يختص من حضرا
أي واستغنم وقت صحبة الفقراء واحضر دائما معهم بقلبك وقالبك تسري إليك زوائدهم وتغمرك فوائدهم وينصح ظاهرك بالتأدب بآدابهم ويشرق باطنك بالتحلي بأنوارهم فإن من جالس جانس فإن جلست مع المحزون حزنت وإن جلست مع المسرور سررت وإن جلست مع الغافلين سرت إليك الغفلة وإن جلست مع الذاكرين انتبهت من غفلتك وسرت إليك اليقظة فإنهم القوم

لا يشقى جليسهم فكيف يشقى خادمهم ومحبهم وأنيسهم وما أحسن ما قيل
لي سادة من عزهم ... أقدامهم فوق الجباه
إن لم أكن منهم ... فلي في حبهم عز وجاه
واعلم أن هذا الرضى وهذا المقام يخص من حضر معهم بالتأدب وخرج عن نفسه وتحلى بالذلة والانكسار فاخرج عنك إذا حضرت بين أيديهم وانطرح وانكسر إذا حللت بناديهم فعند ذلك تذوق لذة الحضور واستعن على ذلك بملازمة الصمت تشرق لك أنوار الفرح ويغمرك السرور كما قال رضي الله عنه
ولازم الصمت إلا إن سئلت فقل ... لا علم عندي وكن بالجهل مستترا
الصمت عند أهل الطريقة من لازمه ارتفع بنيانه وتم غراسه وهو نوعان 1 - صمت باللسان 2 - وصمت بالجنان

وكلاهما لا بد منه في الطريق فمن صمت قلبه ونطق لسانه نطق بالحكمة ومن صمت لسانه وصمت قلبه تجلى له سره وكلمه ربه وهذا غاية الصمت وكلام الشيخ قابل لذلك فالزم الصمت أيها السالك إلا إن سئلت فإن سئلت فارجع إلى أصلك ووصلك وقل لا علم عندي واستتر بالجهل تشرق لك أنوار العلم اللدني فإنك مهما اعترفت بجهلك ورجعت إلى أصلك لاحت لك معرفة نفسك فإذا عرفتها عرفت ربك كما روي في الحديث من عرف نفسه عرف ربه وكل ذلك من فوائد الصمت ولزوم آدابه فاصمت وتأدب ولازم الباب تكن من أحبابه وما احسن ما قيل
لا أبرح الباب حتى تصلحوا عوجي ... وتقبلوني على عيبي ونقصاني
فإن رضيتم فيا عزي ويا شرفي ... وإن أبيتم فمن أرجو لعصياني
فانهض أيها الأخ إلى باب مولاك بهمة علية وتحقق بعبوديتك تشرق عليك أنواره السنية كما أشار إلى ذلك الشيخ رضي الله عنه بقوله
ولا ترى العيب إلا فيك معتقدا ... عيبا بدا بينا لكنه استترا
أي تحقق بأوصافك من فقرك وضعفك وعجزك وذلتك فإذا تحققت بأوصافك وشهدت لنفسك عيوبا لكنها مستترة فعند ذلك تحظى بظهور أوصاف مولاك فيك كما قيل سبحان من ستر

سر الخصوصية في ظهور البشرية وظهر بعظمة الربوبية في إظهار العبودية
وافهم من هنا سر معنى قوله سبحان الذي أسرى بعبده ولم يقل برسوله ولا بنبيه أشار إلى ذلك المعنى الرفيع الذي لا ينال إلا من العبودية ولذلك قيل
لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي
فانكسر أيها الأخ وانطرح بالطريق ولا ترى لك حالا ولا مقالا يزل عنك كل تعويق واستغفر من كل ما يخطر بقلبك في عبوديتك وقم على قدم الاعتراف وانصف من نفسك تبلغ أعلى درجات المنازل وتفنى بشريتك كما قال رضي الله تعالى عنه
وحط رأسك واستغفر بلا سبب ... وقف على قدم الإنصاف معتذرا
أي تواضع وانكسر وحط أشرف ما عندك وهو رأسك في اخفض ما يكون وهي الأرض لتحوز مقام القرب كما ورد في الحديث أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى وهو ساجد لأن قرب العبد بتواضعه وانكساره وخروجه عن أوصاف بشريته واشهد نفسك دائما مذنبا ولو لم يظهر عليك سبب الذنب فإن العبد لا يخلو من تقصير وقف على قدم الإنصاف من ذنوبك خجلا من سيئاتك وعيوبك فإن من عامل المخلوق هذه المعاملة أحبه ولم يشهد له ذنبا وكانت مساوية عنده محاسن فكيف إذا عامل بهذه

المعاملة صاحبه الحقيقي الذي إذا تحققه ليس له صاحب سواه كما ورد في الحديث اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد
فتأهب أيها الأخ لهذه المعاملة مع إخوانك الفقراء لتصير لك معراجا تتوصل به إلى معاملة رب السماء وتكون مقبولا عند الخلق والخالق وتصفو لك المعاملة وتشرق عليك أنوار الحقايق قال رضي الله عنه
وإن بدا منك عيب فاعتذر وأقم ... وجه اعتذارك عما فيك منك جرى
وقل عبيدكمو أولى بصفحكمو ... فسامحوا وخذوا بالرفق يا فقرا ولا ضررا
هم بالتفضل أولى وهو شيمتهم ... فلا تخف دركا منهم ولا ضررا
أي ليكن شأنك دائما التواضع والانكسار وطلب المعذرة والاستغفار سواء وقع منك ذنب أو لم يقع وإن بدا منك عيب أو ذنب فاعترف واستغفر فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له
وليس الشأن أن لا تذنب إنما الشأن أن لا تصر على الذنب كما ورد أنين المذنبين عند الله خير من زجل المسبحين عجبا وافتخارا

ولذلك قلت في الحكم ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وقضى عليك بالذنب وكان سببا للوصول
رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا
ومع اعترافك واستغفارك أقم وجه اعتذارك عما جرى منك فيكون ذلك ممحى للذنب وادخل في القبول وذل وتواضع وانكسر وقل عبيدكم أولى بصفحكم لأن العبد ليس له إلا باب مولاه وما أحسن ما قيل
ألقيت في بابكم عناني ... ولم أبال بما عناني
فزال قبضي وزاد بسطي ... وانقلب الخوف بالأماني
فسامحوا عبيدكم يا فقراء وخذوا بالرفق وعاملوني به فإني عبد فقير لا يصلحني إلا المعاملة بالرفق والفضل ولا اعتماد لي إلا على الفضل لا بحولي ولا قوتي مذهبي العجز والسلام
ثم قال رضي الله عنه إنهم أولى بهذا الشيء وهو شيمتهم ولم يزالوا متفضلين وهذه معاملتهم مع أصحابهم وهي سجيتهم وكيف لا تكون سجيتهم وهم متخلقون بأخلاق مولاهم كما ورد تخلقوا بأخلاق الله فلا تخف منهم ضررا أيها السالك المصاحب لهم وتمسك بأذيالهم فإنهم القوم لا يشقى جليسهم

فإذا عرفت ذلك أيها السالك فتخلق بأخلاقهم الكريمة وجد بالتفنى على الإخوان وغض الطرف عن عثرتهم تكن آخذا من أوصافهم أحسن هيئة قال رضي الله عنه
وبالتفنى على الإخوان جد أبدا ... حسا ومعنى وغض الطرف إن عثرا
أي وتكرم على إخوانك وجد عليهم أبدا إما في الحس فببذل الأموال وإما في المعنى فبصرف همة الأحوال ولا تبخل عليهم بشيء يمكنك إيصاله إليهم فإن السماحة لب الطريق ومن تخلق بها فقد زال عن قلبه كل تعويق
قال الشيخ عبد القادر رضي الله عنه إخواني ما وصلت إلى الله تعالى بقيام ليل ولا صيام نهار ولا دراسة علم ولكن وصلت إلى الله بالكرم والتواضع وسلامة الصدر
فدل كلام الشيخ رضي الله عنه أن الكرم هو الأساس وأن التواضع يتم للسالك به الغراس فإذا تم له هذان الأمران سلم صدره من العلائق وزال عن طريقه كل عائق ولذلك ورد في الحديث إن في الجنة لغرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله تعالى لمن ألان الكلام وأطعم الطعام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام

فتأمل هذا الحديث يا أخي حيث بدأ بالإنة الكلام وهو إشارة إلى التواضع ثم ثنى بإطعام الطعام وهو إشارة إلى الكرم ثم أتى بعد ذلك بالصلاة والصيام كما أشار إليه الشيخ عبد القادر رضي الله عنه
فانهض أخي إلى هذه المآثر وبادر واجمع معها حسن مكارم الأخلاق وغض الطرف عن مساوي الإخوان إن وقفت منهم على عثرة ولا تشهد إلا محاسنهم كما قال رضي الله عنه في حكمه الفتوحية رؤية محاسن العبيد والغيبة عن مساويهم ذلك شيء من كمال التوحيد كما قيل
إذا ما رأيت الله في الكل فاعلا ... رأيت جميع الكائنات ملاحا
فإذا تخلقت أيها الأخ بهذه الخصال الشريفة فقد تأهلت للإقبال على الشيخ فانهض إلى عتبة بابه وراقبه بهمة منيفة كما أشار إلى ذلك الشيخ رضي الله عنه بقوله
وراقب الشيخ في أحواله فعسى ... يرى عليك من استحسانه أثرا
أي إذا تخلقت بما تقدم من الآداب ووصلت بافتقارك وانكسارك إلى الشيخ وتمسكت بأثر تلك الأعتاب فراقب أحواله

واجتهد في حصول مراضيه وانكسر واخضع له في كل حين فإنه الترياق والشفاء وإن قلوب المشايخ ترياق الطريق ومن سعد بذلك تم له المطلوب وتخلص من كل تعويق واجتهد أيها الأخ في مشاهدة هذا المعنى فعسى يرى عليك من استحسانه لحالك أثرا
قال بعضهم من أشد الحرمان أن تجتمع مع أولياء الله تعالى ولا ترزق القبول منهم وما ذلك إلا لسوء الأدب منك وإلا فلا بخل من جانبهم ولا نقص من جهتهم كما قلت في الحكم مالشأن وجود الطلب إنما الشأن أن تورث حسن الأدب
زار بعض السلاطين ضريح أبى يزيد رضي الله عنه وقال هل هنا أحد ممن اجتمع بابي يزيد فأشير إلى شيخ كبير في السن كان حاضرا هناك فقال له هل سمعت شيئا من كلامه فقال نعم قال من رآني لا تحرقه النار فاستغرب السلطان ذلك الكلام فقال كيف يقول أبو يزيد ذلك وأبو جهل رأى النبي وهو تحرقه النار فقال ذلك الشيخ للسلطان أبو جهل لم ير النبي إنما رأى يتيم أبي طالب ولو رآه لم تحرقه النار

ففهم السلطان كلامه وأعجبه هذا الجواب منه
أي إنه لم يره بالتعظيم والإكرام واعتقاد أنه رسول الله ولو رآه بهذا المعنى لم تحرقه النار ولكنه رآه باحتقار واعتقاد أنه يتيم أبي طالب فلم تنفعه تلك الرؤية وأنت يا أخي لو اجتمعت بقطب الوقت ولم تتأدب لم تنفعك تلك الرؤية بل كانت مضرتها عليك أكثر من منفعتها إذا فهمت ذلك أيها السالك فتأدب بين يدي الشيخ واجتهد أن تسلك أحسن المسالك وخذ ما عرفت بجد واجتهاد وانهض في خدمته وأخلص في ذلك لتسد مع من ساد كما قال
وقدم الجد وانهض عند خدمته ... عساه يرضى وحاذر أن تكن ضجرا
ففي رضاه رضي الباري وطاعته ... يرضى عليك فكن من تركه حذرا أي وانهض في خدمة الشيخ بالجد فعساك تحوز رضاه فتسود مع من ساد واحذر أن تضجر ففي الضجر الفساد ولازم أعتاب بابه في الصباح والمساء لتحوز منه الوداد وما أحسن ما قيل
اصبر على مضض الإدلاج في السحر ... وللنذور على الطاعات بالبكر
وقل من جد في أمر يؤمله ... ما استصحب الصبر إلا فاز بالظفر
فإن ظفرت أيها السالك برضاه رضي الله تعالى عنك ونلت فوق ما تمنيت فاستقم أيها الأخ في رضى شيخك وطاعته تظفر

بطاعة مولاك ورضاه وتفوز بجزيل كرامته فعض أيها الأخ بالنواجذ على خدمة الشيخ إن ظفرت بالوصول إليه واعلم أن السعادة قد شملتك من جميع جهاتك إذ عرفك الله تعالى به وأطلعك تعالى عليه فإن الظفر به لا سيما في هذه الأيام أعز من الكبريت الأحمر واعلم أن طريق القوم دارسة وحال من يدعيها كما ترى لكن إذا ساعدتك العناية ظفرت وشممت من نفحة طيبة ما يفوق المسك الأذفر ولذلك قال رضي الله تعالى عنه وعنا به آمين
واعلم بأن طريق القوم دارسة ... وحال من يدعيها اليوم كيف ترى
متى أراهم وأنى لي برؤيتهم ... أو تسمع الأذن مني عنهم خبرا
من لي وأنى لمثلي أن يزاحمهم ... على موارد لم آلف بها كدرا
أحبهم وأداريهم وأوثرهم ... بمهجتي وخصوصا منهم نفرا
شرع الشيخ رضي الله عنه يشوق السالكين إلى طريق أهله ويخبرهم أن طريقهم دارسة وحال من يدعيها اليوم كما ترى في الفترة حتى كادت الهمم تكون من الطلب آيسة وهكذا شأن طريق القوم لعزتها كأنها في كل عصر مفقودة ولا يظفر بها إلا الفرد بعد الفرد وهذه سنة معهودة وذلك أن الجوهر النفيس لا يزال عزيز الوجود يكاد لعزته يحكم بأنه ليس بموجود والطريق أهلها مخفية في العالم خفاء ليلة القدر في شهر

رمضان وخفاء ساعة الجمعة في يومها حتى يجتهد الطالب في طلبه بقدر الإمكان فإن من جد وجد ومن قرع الباب ولج ولج
قلت بعد أن ذكر لا بد من الشيخ في الطريق على سبيل السؤال والجواب كيف تأمرنا بذلك وقد قيل إن وجود الشيخ كالكبريت الأحمر وكالعنقاء من ذا الذي بوجودها يظفر كيف تأمرني بتحصيل من هذا شأنه فقال لو صدقت في الطلب وكنت في طلبه كالطفل والظمآن لا يقر لهم قرار ولا تسكن لوعتهم حتى يظفروا بمقصودهم
فأشار الشيخ رضي الله عنه إلى أن الشيخ موجود وكيف لا يكون موجودا وعمارة العالم إنما هي بأمثاله فإن العالم شخص والأولياء روحه فما دام العالم موجودا لا بد من وجودهم لكن لشدة خفائهم وعدم ظهورهم حكم بفقدانهم

فاجتهد أيها الأخ واصدق في الطلب تجد المطلوب واستعن على ذلك الطلب بمدد علام الغيوب فإن الظفر لا يحصل إلا بمجرد فضله وإذا أوصلك إلى الشيخ فقد أوصلك إليه كما قلت في الحكم سبحان من لم يجعل الدليلعلى أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ثم إن الشيخ رضي الله عنه لما ذكر عزة الطريق وفقدان أهلها شرع يتأسف على الاجتماع بهم ويتمناه ويستبعد من نفسه حصول ذلك والتشرف بلقائه تواضعا منه وانكسارا وهضما لنفسه واحتقارا ولذا قال بعد ذلك من لي وأنى لمثلي أن يزاحمهم إلخ وهذا شأن العارف لنفسه بنفسه الممتلي من معرفة ربه المتحلي بواردات قدسه لأنه لا يرى لنفسه حالا ولا مقالا بل يرى نفسه أقل من كل شيء وهذا هو النظر التام كما قيل
إذا زاد علم المرء زاد تواضعا ... وإن زاد جهل المرء زاد ترفعا
وفي الغصن عن حمل الثمار مناله ... فإن يعر من حمل الثمار تمنعا
فانظر إلى الشيخ أبي مدين ورفعته في الطريق مع أنه وصل من تربيته اثنا عشر ألف مريد وانظر إلى هذا التنزل منه والتدلي بأغصان شجرة معرفته إلى أرض الخضوع والانكسار حتى إنه لم ير نفسه أهلا للاجتماع بأهل هذه الطريقة ويزيده هذا الانخفاض من الارتفاع لأن الشجرة لا يزيدها انخفاضها في عروقها إلا ارتفاعا في رأسها

فتواضع أيها الأخ في الطريق وخذ هذا الأصل العظيم من هذا العارف المتمكن يزل عنك كل تعويق
ثم قال رضي الله عنه تعالى بعد ذلك أحبهم . . إلخ أي وإن لم أكن أنا منهم فإني أحبهم ومن أحب قوما فهو منهم كما ورد في الحديث المرء مع من أحب وكما قيل
أحب الصالحين ولست منهم ... لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من بضاعته المعاصي ... وإن كنا سواء في البضاعة
وهذا أيضا منه رضي الله تعالى عنه من تمام التنزل السابق وتكميلا وتتميما ولهذا تواضع الذي لم يلحق جواد شرفه في ميدانه لاحق نفعنا الله تعالى ببركاته ووفقنا من معاملاته لأن هذه خصال القوم وصفاتهم ولذلك ارتفعت رتبهم وجزلت عطيتهم كما وصفهم رضي الله تعالى عنه بقوله
قوم كرام السجايا حيث ما جلسوا ... يبقى المكان على آثارهم عطرا
يهدي التصوف من أخلاقهم طرقا ... حسن التألف منهم راقني نظرا
هم أهل ودي وأحبابي الذين ... هم ممن يجر ذيول العز مفتخرا
لا زال شملي بهم في الله مجتمعا ... وذنبنا فيه مغفورا ومغتفرا
ثم الصلاة على المختار سيدنا ... محمد خير من أوفى ومن نذرا
أي قوم سجاياهم كريمة وهمتهم عظيمة حيثما جلسوا

تبقى آثار نفحات عطرهم في المكان ظاهرة وأين ما توجهوا تسطع شمس معارفهم فتشرق القلوب وتصلح بهم الدنيا والآخرة يهدي التصوف للسالك المشتاق من أخلاقهم طرقا مجيدة تدل على الطريق ويسير في سلوكه سيرة حميدة فلذلك جمعوا أحسن تأليف حتى راق كل ناظر وجدوا في أكمل معنى لطيف حتى اكتحلت بكحل اثمدهم أنوار البصائر
ولذلك قال الشيخ رضي الله تعالى عنه بعد ذلك هم أهل ودي وأحبابي . . إلخ فإن الشخص لا يحب إلا من جانسه ولا يود إلا من كان بينه وبينه مؤانسة وفي هذا الكلام إشارة إلى أنه رضي الله تعالى عنه من جملتهم وطينته من طينتهم وما تقدم منه في التواضع والانكسار دليل على التحقيق في هذا المجد والفخار كما تقدمت الإشارة إلى ذلك فنسأل الله تعالى أن يسلك بنا أحسن المسالك
ثم دعا وسأل انه لا يزال شمله مجتمعا بهم في الله تعالى وذنبه مغفورا ونحن نسأله أيضا إتمام الصلاة والسلام على سيدنا محمد المختار خير من أوفى ومن نذر ومن أكرم الجار وعلى آله وصحبه السادة الأبرار والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم القرار
وهذا الرقم لمن تعطش ليله في معاني هذه الأبيات وإلا فنحن معترفون بالعجز والتقصير عن معانيها وإنما الأعمال بالنيات والله أعلم

القصيدة والتخميس
هذه القصيدة لشيخ الشيوخ أبى مدين أعاد الله علينا من بركات علومه والتخميس لسيدي الشيخ محيي الدين بن عربي قدس الله سرهما
يا طالبا من لذاذات الدنا وطرا ... إذا أردت جميع الخير فيك يرى
المستشار أمين فاسمع الخبرا ... وما لذة العيش إلا صحبة الفقرا

هم السلاطين والسادات والأمرا ...
قوم رضوا بيسير من ملابسهم ... والقوت لا تخطر الدنيا بهاجسهم
صدورهم خاليات من وساوسهم ... فاصحبهموا وتأدب في مجالسهم
وخل حظك مهما قدموك ورا ...
اسلك طريقهموا إن كنت تابعهم ... واترك دعاويك واحذر أن تراجعهم
فيما يريدونه واقصد منافعهم ... واستغنم الوقت واحضر دائما معهم
واعلم بأن الرضا يختص من حضرا ...
كن راضيا بهموا تسمو بهم وتصل ... إن أثبتوك أقم أو إن محوك فزل
وإن أجاعوك جع أو أطعموك فكل ... ولازم الصمت إلا إن سئلت فقل
لا علم عندي وكن بالجهل مستترا ...
ولا تكن لعيوب الناس منتقدا ... وإن يكن ظاهرا بين الوجود بدا
وانظر بعين كمال لا تعب أحدا ... ولا تر العيب إلا فيك معتقدا
عيبا بدا بينا لكنه استترا ...
تنل بذلك ما ترجوه من أرب ... والنفس ذلل لهم ذلا بلا ريب
بل كل ذلك ذل ناب عن أدب ... وحط رأسك واستغفر بلا سبب
وقف على قدم الإنصاف معتذرا ...
إن شئت منهم بريقا للطريق تشم ... عن كل ما يكرهوه من فعالك دم
والنفس منك على حسن الفعال أدم ... وإن بدا منك عيب فاعتذر وأقم
وجه اعتذارك عما فيك منك جرى ...
لهم تملق وقل داووا بصلحكم ... بمرهم العفو منكم داء جرحكم
أنا المسيء هبوا لي محض نصحكم ... وقل عبيدكم أولى بصفحكم

فسامحوا وخذوا بالرفق يا فقرا ...
لا تخش منهم إذا أذنبت همتهم ... أسنى وأعظم أن ترديك عشرتهم
ليسوا جبابرة تؤذيك سطوتهم ... هم بالتفضل أولى وهو شيمتهم
فلا تخف دركا منهم ولا ضررا ...
إذا أردت بهم تسلك طريق هدى ... كن في الذي يطلبوه منك مجتهدا
في نور يومك واحذر أن تقول غدا ... وبالتغني على الإخوان جد أبدا
حسا ومعنى وغض الطرف إن عثرا ...
أصدقهم الحق لا تستعمل الدنسا ... لأنهم أهل صدق سادة رؤسا
واسمح لكل امرء منهم إليك أسا ... وراقب الشيخ في أحواله فعسى
يرى عليك من استحسانه أثرا ...
واسأله دعوته تحظ بدعوته ... تنل بذلك ما ترجو ببركته
وحسن الظن واعرف حق حرمته ... وقدم الجد وانهض عند خدمته
عساه يرضى وحاذر أن تكن ضجرا ...
واحفظ وصيته زد من رعايته ... ولبه إن دعا فورا لساعته
وغض صوتك بالنجوى لطاعته ... ففي رضاه رضى الباري وطاعته
يرضى عليك فكن من تركها حذرا ...
والزم بمن نفسه نفس مسايسة ... في ذا الزمان فإن النفس آيسة
منهم وحرفتهم في الناس باخسة ... واعلم أن طريق القوم دارسة
وحال من يدعيها اليوم كيف ترا ...
يحق لي إن نأوا عني لألفتهم ... ألازم الحزن مما بي لفرقتهم
على انقطاعي عنهم بعد صحبتهم ... متى أراهم وأنى لي برؤيتهم

أو تسمع الأذن منى عنهم خبرا ...
تخلفي مانعي من أن ألائمهم ... منهم أتيت فلمني لست لائمهم
يا رب هب لي صلاحا كي أنادمهم ... من لي وأنى لمثلي أن يزاحمهم
على موارد لم آلف بها كدرا ...
جلت عن الوصف أن تحصى مآثرهم ... على البواطن قد دلت ظواهرهم
بطاعة الله في الدنيا مفاخرهم ... أحبهم وأداريهم وأوثرهم
بمهجتي وخصوصا منهم نفرا ...
قوم على الخلق بالطاعات قد رؤسوا ... منهم جليسهم الآداب يقتبسوا
ومن تخلف عنهم حظه التعس ... قوم كرام السجايا حيثما جلسوا
يبقى المكان على آثارهم عطرا ...
فهم بهم لا تفارقهم فزد شغفا ... وإن تخلفت عنهم فانتحب أسفا
عصابة بهم يكسى الفتى شرفا ... يهدي التصوف من أخلاقهم طرفا
حسن التألف منهم راقني نظرا ...
جررت ذيل افتخاري في الهوى بهم ... لما رضوني عبيدا في الهوى لهم
وحقهم في هواهم لست أنسهم ... وهم أهل ودي وأحبابي الذين هم
ممن يجر ذيول العز مفتخرا ...
قطعت في النظم قلبي في الهوى قطعا ... وقد توسلت للمولى بهم طمعا
أن يغفر الله لي والمسلمين معا ... لا زال شملي بهم في الله مجتمعا
وذنبنا فيه مغفورا ومغتفرا ...
يا كل من ضمه النادي بمجلسنا ... ادع الإله بهم يمحو الذنوب لنا
وادع لمن خمس الأصل الذي حسنا ... ثم الصلاة على المختار سيدنا
محمد خير من أوفى ومن نذرا