كتاب : التشبيهات من أشعار أهل الأندلس
المؤلف : ابن الكتاني

بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو عبد الله محمد بن الكتاني الطبيب: التشبيهات لأهل الأندلس
باب من التشبيهات في
السَّماء والنُّجوم والقمرين
قال عبادة بن ماء السَّماء الأنصاري:
كأنَّ السَّماءَ قبَّةٌ من زمرُّدٍ ... وفيها الدَّراري من عقيقٍ مسامرُ
وقال عباس بن ناصح يصف مغيب الشَّمس:
وشمسُ النَّهارِ قد هَوتْ لمغيبها ... كعذراءَ تبغي في الحجالِ التَّواريا
وقال سعيد بن عمرون في الهلال:
والبدرُ في جوِّ السَّماءِ قد انطوى ... طرفاهُ حتَّى عاد مثلَ الزّورقِ
فتراهُ من تحتِ المُحاقِ كأنما ... غرقَ الجميعُ وبعضُهُ لم يغرقِ
وقال محمد بن خطّاب النحوي:
ربَّ ليلٍ جُبْتُهُ في فتيةٍ ... كسيوفِ الهند أوْ زُهْرِ النّجومِ
طلع البدرُ به في صورةٍ ... تشبهُ التّاجَ علَى الشَّعر البهيمِ
وقال يحيى بن هذيل في الهلال:
يحكي من الحاجبِ المقرونِ شُقْرَتهُ ... فانظرْ إليه فما أخطا ولا كادا
لو التقى لحكى حِجْلاً ولو قطعوا ... من دارةِ الحجلِ ما أربى ولا زادا
وقال جعفر بن عثمان في الثُّريَّا
سألتُ نجوم اللَّيل هل ينقضي الدُّجى ... فخطَّتْ جواباً بالثريا كخطِّ لا
وما عن جوًى سامرتها غير أنَّني ... أنافسها المجرى إلى رُتَبِ العلا
وقال عبادة:
ربَّ ليلٍ سهرتُ في قمرٍ ... مدَّ من فَرْحةٍ عليه حُلَى
والثُّريَّا كأنها سُئِلتْ ... فأجابتْ عن الحبيبِ بلا
وقال جعفر بن عثمان:
صفِ الثُّريَّا بمثلها صفةً ... فقلتُ قرطٌ فصولُهُ العنبرْ
سماؤها في اعتدالِ خضرتها ... زمرُّدٌ والنُّجومُ فالجوهرْ
وقال أيضاً:
وكأنَّ أثناءَ الثُّريَّا إذْ بدَتْ ... قرطٌ طريحٌ في بساط زمرُّدِ
وكأنَّما لَبِسَ السَّماء ملاءةً ... خضراءَ تُرْصَف من جمال العَسجدِ
وقال عيسى قرلمان، وكان القمر علَى الجوزاء:
أَرَى أرْجُلَ الجوزاءِ غيرَ بوارحٍ ... وأيدي الثُّريَّا كالسَّقيم صحيحُها
وهمَّتْ ولم تمضِ السَّبيلَ كأنَّها ... من الأينِ صَرْعى أثخنتها جروحها
وللبدرِ إشراقٌ عليها كأنه ... رقيبٌ علَى ألاَّ يتمَّ جنوحها
وقال محمد بن الحسين:
والجوُّ أزرقُ والنُّجومُ كأنها ... ذهبٌ تسربلَ لا زورداً أزرقا
وكأنما الجوزاءُ فيه تقلَّدَتْ ... سيفاً حمائلُهُ المجرّةُ مُعْرَقا
وقال طاهر بن محمد يذكر جملة من النُّجوم:
وليلٍ بتُّ أكلؤُهُ بهيمٍ ... كأنَّ علَى مفارقه غرابا
كأنَّ سماءهُ بحرٌ خضمٌّ ... كساه الموجُ ملتطماً حَبابا
كأنَّ نجومَهُ الزُّهْرَ الهوادي ... وجوهٌ أخْضَلت تبغي الثوابا
كأنَّ المستسرةَ في ذراه ... كمائنُ غارةٍ رَقَبتْ نهابا
كأنَّ النّجمَ مُعترضاً وُشاةٌ ... تُسارقُ فيه لحظاً مسترابا
كأنَّ كواكبَ الجوزاءِ شَرْبٌ ... تعاطيهمْ ولائدهُمْ شرابا
كأنَّ الفرقدين ذوا عِتابٍ ... أجالا طولَ ليلهما العتابا
كأنَّ المشتري لمّا تعالى ... طليعةُ عسكرٍ خَنَسوا ارتقابا
كأنَّ الأحمرَ المرّيخَ مُغْضٍ ... علَى حنَقٍ يشبُّ به شهابا
كأنَّ بقيةَ القمرِ المولِّي ... كئيبٌ مدنفٌ يشكو اجتنابا
وقال يوسف بن هارون:
وآنسني فيك النُّجومُ برعيها ... فدرّيُّها حَلْيٌ وبدرُ الدُّجى إلفي
كأنَّ سماءَ الأرضِ نِطْعُ زُمرُّدٍ ... وقد فَرِشتْ فيه الدّنانيرُ للصّرفِ
وقال المهزله:
وكأنَّما زُهْرُ النّجوم كواعبٌ ... حَسرتْ فأبدتْ في الشّعور بياضَها
وكأنَّما فيها الخفيةُ أعينٌ ... نظرتْ وسابقَ فتحُها إغماضَها
وقال محمد بن إبراهيم بن الحسين:
وسعى علينا بالكؤوسِ مُنطَّقٌ ... أجرى دمي فأعاضَ راحاً من دمِ
حتَّى بدا لي المشتري وقرينُهُ ... المرّيخُ يرفلُ في غلالةِ عَنْدَمِ
قال النَّديمُ فصفهما قلت استمعْ ... رمحانِ في كفَّيْ كميٍّ مُعْلَمِ
تبعَ الكميُّ بذا فأخطا طعنهُ ... وأصابهُ هذا ففيه دمُ الكمي
وقال ابن هذيل:

وكأنَّ المقاتلَ اغتاظ حتَّى ... أنفذَ الصُّبحَ بالتقحم طعنا
والسّهى في بناتِ نعشٍ ضميرٌ ... بين أضلاعها تبوَّأ كِنَّا
السهى: الكوكب الخفي في بنات نعش.
وقال سعيد بن عمرون في النّجوم:
وكأنَّها في الحسنِ روضةُ نَرْجِسٍ ... تفترُّ في رَوْضٍ من النمّامِ
وكأنَّما أعلى البروجِ هياكلٌ ... محفوفةٌ بمصابح الإظلامِ
وكأنَّما صغرى النّجومِ يواقتٌ ... يجري بهنَّ عُبابُ بحرٍ طامِ
وقال أحمد بن درَّاج:
وقد حوَّمتْ زُهرُ النّجومِ كأنَّها ... كواعبُ في خُضْرِ الحدائقُ حورُ
ودارتْ نجومُ القطبِ حتَّى كأنَّها ... كؤوس مهاً وافى بهنّ مديرُ
وقد خيَّلتْ زُهْرُ المجرَّةِ أنَّها ... علَى مَفْرِقِ اللَّيل البهيمِ قتيرُ
وقال سعيد بن عمرون:
واللَّيلُ في لونِ الغراب كأنه ... مُتَدرِّعٌ بمدارعٍ من قارِ
وكأنَّما ذاتُ الخضابِ وقد هوَتْ ... رامشنةٌ رُصِدَتْ من النوارِ
وكأنَّما الشعرى العبورُ وراءها ... ذهبٌ تدحرجَ فهو كالدّينارِ
وكأنَّما أشخاصها قد أُفرِغَتْ ... في ماءِ ياقوتاً علَى بُلاَّرِ

باب في
انبلاج الصّبح
قال يوسف بن هارون:
وكم ليلة قد جمَّعَتْنا وأدْبَرتْ ... تنوحُ علَى تفريقنا وتلَهَّفُ
إلى أن بدا وجهُ الصَّباحِ كأنَّما ... تحمَّلَ لقمانٌ وأقبلَ يوسفُ
وقال المهند:
وكأنَّ وجهَ الفجرِ وسْطَ سمائهِ ... من سودِ أرديةِ الظّلام أعاضَها
خودٌ ألمَّ بها الأسى في أزرقٍ ... برزتْ فشقَّقَ حُزنُها فضفاضها
وقال علي بن أبي الحسين:
لاحظْ ظلام الدُّجى والصُّبحُ يخفرُهُ ... كأنه جيشُ رومٍ يهزِمُ الحَبَشا
وقال حبيب بن أحمد:
قد أغتدي والظّلامُ منتشرٌ ... علَى جميع البلادِ عسكَرُهُ
والصُّبحُ حيران فيه مستترٌ ... كمجرمٍ همُّهُ تستُّرُهُ
وقال يوسف بن هارون:
بدا الصُّبحُ من تحتِ الظَّلام كأنه ... خوافي جناحَيْ هَيْقَلٍ باتَ حاضنا
وإلاَّ فكالثَّوبِ السّماويِّ مُعْلَماً ... شقيقاً بدا في أسفلِ الثَّوب بائنا
وقال أحمد بن عبد ربه:
حتَّى إذا ما اللَّيلُ قوَّ ... ضَ راحلاً عند الغَلَسْ
وبدا الصَّباحُ كغُرَّةٍ ... تبدو علَى وجه الفرسْ
وقال عباس بن فرناس:
فبتنا وأنواع النَّعيم ابتذالنا ... ولا غيرَ عينيها وعينيَ كالي
إلى أن بدا وجهُ الصَّباحِ كأنه ... جبينُ فتاةٍ لاحَ بين حجالِ
باب في
الريح
قال وهيب بن البديهي:
وريحٍ جربياءٍ صابحتنا ... لها في الوجه رَشْقٌ كالنّبالِ
تغوص علَى البراقع والحشايا ... كغَوْصِ الطيفِ في سِترِ الحجالِ
وقال الحسن بن حسان:
فجبتُ بَساطَ الأرضِ لم أكُ سامعاً ... به عند شدوِ الجنِّ هتفاً إلى هتفِ
كأن حنينَ الرِّيحِ في جَنباتهِ ... حنينُ المثاني والمثالثِ في العزفِ
وقال ابن هذيل أيضاً:
ودَنتْ في هبوبها مشيةَ النّشوانِ حيرانَ بالمدامِ الشَّمولِ
لصقتْ بالثّرى كما يخضعُ العاشقُ ذلاًّ إلى الحبيبِ المطولِ
ولقد خلتُ أن بينهما عشقاً فصارا للضمِّ والتّقبيلِ
واختفتْ عن فواطنِ الخلق حتَّى شبهوها ضآلةً بنحولِ
وقال ابن هذيل:
للصَّبا منَّةٌ علَى الرّوضِ هادته ... بطيبِ الحبيبِ أيَّ ذمام
وجرتْ بينه رواحاً ليرتاحَ ... ويبقى علَى رضًى والتئام
كالشفيقِ الَّذي يؤلف ما بين ... حبيبين بعدَ قطْعِ الكلام
وقال أيضاً:
ومُرِنَّةٍ بعد الرّواح كأنَّما ... في نحرها صوتُ القريع الهادرِ
قربت من الأسماع وهي بعيدةٌ ... منها وغابتْ في الهبوبِ الحاضرِ
فإذا التقى جمهورها في دوحةٍ ... فكأنَّ فيها كلَّ ليثٍ هاصرِ
وإذا استقلَّ قتامها فكأنَّما ... فيه التفافُ عساكرٍ بعساكرِ
وقال علي بن أبي الحسين:
خليليَّ ما لي كلَّما هبَّتِ الصَّبا ... أحنُّ إلى الأُفق الَّذي تتيمَّمُ

أكلِّفها حملَ السَّلامِ إليكمُ ... فإن خطرتْ يوماً عليكمْ فسلّموا
كأنَّ الصَّبا عندي رسولٌ مُبَلَّغٌ ... أبوح بأسراري إليه فيكتمُ
إذا كدتُ أن أسلو أجدَّ صبابتي ... كتابُ حبيبٍ أوْ خيالٌ مسلّمُ
وقال أيضاً:
غَزتْنا المُزْنُ والرّاياتُ دَجْنٌ ... بأجنادٍ عليها قائدانِ
شمالٌ قد تباريها قَبولٌ ... كأنَّهما معاً فرسا رهانِ
وقال أحمد بن فرج:
ورُبَّتَ ريحٍ امتزجتْ بنفسي ... مزاجَ الماءِ بالرّاحِ الزُّلالِ
وجدتُ لها وبي للشّوقِ ما بي ... كما وجد المهجِّرُ بالظّلالِ
وبات ثرى العقيقِ ينمُّ عنها ... إليَّ بمثل أنفاسِ الغوالي
فقلْ في نشوةٍ من نفحِ ريحٍ ... سُقيتُ بها الشَّمولَ من الشّمالِ
سرى في نارِ أشواقي سراها ... إلى جدْبِ الثّرى بحيا العَزالي

باب في
البرق والرعد
وقال أحمد بن فرج:
وليلتنا بالغَوْرِ أومضَ بارقٌ ... حثيثُ الجناحِ مثلُ ما نبضَ العِرقُ
سرى مثلما يسري الهَوَى في جوانحي ... بثنتين من أحواله النّارُ والخفقُ
ولاح كأمثالِ البُرَى خُطِمتْ به ... من الغيم في ليل السُّرى أيْنُقٌ ورْقُ
وباتت دياجي اللَّيل منه كأنها ... أحابيشُ في أيديهمُ الأسَلُ الزُّرْقُ
وقال سليمان بن بطال المتلمس:
وأَرَى خلال اللَّيل مَبْسِمَ بارقٍ ... كالزَّنْدِ يُقْدَحُ أوْ ضِرامِ العرْفَجِ
فكأنَّهُ من أضلعي مُتوقِّدٌ ... في الجوِّ إلاَّ أنَّه لم يوهَجِ
وكأنَّ محبوبي تبسَّمَ فوقه ... ليزيدَ بالإيماضِ في شَجْوِ الشَّجي
وقال يوسف بن هارون:
كأنَّ اندفاعَ البرقِ بين رعودهِ ... تطايرُ نارٍ لاصطكاكِ جنادلِ
أوْ أسْدُ الشَّرى في مُذْهَباتِ سلاسلٍ ... إذا هي دارت نُهْنِهتْ في السّلاسل
كأنَّ بناتِ الزّنجِ فيها مشيرةٌ ... إلى الأرضِ عن أكمامِ حُمرِ الغلائل
وقال أحمد بن درّاج:
يحدو ويَبْسِمُ بَرْقُهُ فتخالهُ ... ملكاً سطا بالرَّعْدِ والإيعادِ
تَمْري البوارقُ وَبْلَهُ فكأنَّها ... رَشْقٌ أُصيبَ به ذوو إمْراد
وقال مروان بن عبد الرحمن:
فكأنَّ الغمامَ صبٌّ عميدٌ ... أنَّ بالرَّعْدِ حُرقةً واشتكاءَ
وكأنَّ البروقَ نارُ جواهُ ... والحيا دَمعُهُ يسيلُ بكاءَ
وقال المهند:
أقلوبُ العشَّاقِ ذاك الوميضُ ... أم عروقٌ يجولُ فيها نُبوضُ
أم جنودٌ دُكْنُ السّرابيل سُلَّتْ ... للقاءٍ فيها سيوفٌ بيضُ
نشأتْ مثلما جرى الماءُ من شتَّى ... فغصَّتْ لما تلاقَى الأُروضُ
وأضاءتْ والرّعدُ فيها كما ... أجلبَ موجٌ فلاح فيه وميضُ
وقال ابن هذيل:
ولقد شفَّني فأسهرَ طرفي ... لمْعُ برقٍ يرفُّ في لمعانهِ
شمْتُهُ والظّلامُ يفترُّ عنه ... كافترارِ الزنجيّ عن أسنانهِ
وقال أيضاً:
كلَّفْتُها طولَ السُّهادِ فراقبَتْ ... برقاً يلوحُ وتارةً يتسترُ
وكأن ليلي فارسٌ في كفِّهِ ... رُمْحٌ يُقلِّبهُ عليه مِغْفَرُ
تبدو له شُعَبٌ تطيرُ أمامها ... شُعَلٌ تطيرُ لها القلوبُ وتُذْعرُ
ويروغُ عن قَبْضِ السّحابِ وميضهُ ... فكأنَّه فرسٌ مُعارٌ أشقرُ
وقال حبيب بن أحمد:
ألا هلْ رأتْ عيناك إيماضَ بارقٍ ... بدا مَوْهناً في الجوِّ بين سحابهِ
كما قلَّبَ القينُ الحسامَ وردَّهُ ... علَى عَجلٍ في جفْنِهِ وقِرابهِ
كأنَّ الَّتي من أرضها لاحَ وكَّلَتْ ... به بُخْلَها في جيئهِ وذهابه
وقال المهند:
تكشَّفَ كالأبلقِ الطَّافرِ ... وهَمْهَمَ كالبازلِ الهادرِ
كأنَّ فؤاديَ في خَفْقِهِ ... وعينيَّ في عينهِ الماطرِ
وقال ابن الخطيب:
يا هلْ ترى البرقَ ... بدا كالمُنْصُلِ
هزَّتْهُ بالخبرةِ ... كفُّ الصيقلِ
أوْ كسنانٍ في ... عَجاجِ القَسْطلِ
أوْ كضرامِ جمْرِ ... نارِ المصطلي
أضرمها في جُنْحِ ... ليلٍ أليَلِ
أوْ مثلَ ما ... لوَّحْتَ بالسَّجنجلِ

مقابلاً للشَّمسِ ... غيرَ مُؤْتَلِ
أوْ كابتسامٍ ... لكعابٍ عَيْطَلِ
عن واضحٍ أش ... نبَ عذبِ المنهلِ
أوْ مثلها في جي ... دها من الحلي
أوْ نحوها ل ... احَ لعينِ المجتلي
بدا يُنيرُ ... كشهابٍ مُشعلِ

باب في
السحاب والمطر
قال يوسف بن هارون:
وسُفْعٍ كأكبادِ العدا أوْ كأنَّها ... كتائبُ زَنْجٍ كُلُّهمْ فوقَ أدْهَمِ
كأنَّ سلوكَ الغيثِ عند اتصالهِ ... بأسفلَ من أعلى سدًى غير ملحمِ
سُلوكٌ كذَوْبِ الدُّرِّ تُعنى بفتلها ... الرياحُ ولكنْ فتلُها غيرُ مُبْرَمِ
وقال عبد الرحمن بن المنذر في الطل:
ألستَ ترى حُسنَ الزَّمانِ وما يُبدي ... وحُسنَ انتثارِ الطلِّ في ورقِ الورْدِ
كأنَّ حبابَ الماءِ في جنَباتهِ ... تناثُرُ دمعٍ جالَ في صفحةِ الخدِّ
وقال يوسف بن هارون:
نورٌ وغيثٌ مُسْبَلُ ... وقهوةٌ تُسَلْسلُ
فالغيثُ من سحابهِ ... طلٌّ ضعيفٌ ينزلُ
كأنَّه بُرادةٌ ... من فضَّةٍ تُغَرْبلُ
وقال أيضاً في سحابة:
ومُشْتَمَّةٍ للأرضِ حتَّى كأنَّها ... تقُصُّ مُحولاً في البِطاحِ المواحل
فَجنَّتْ كما جنَّ الظّلامُ وأفرغَتْ ... علينا كإفراغِ الدِّلاءِ الحوافل
أطلَّتْ غديراً في الهواء كأنَّه ... هو البحرُ يجري بالسّفينِ الحوامل
فلو أنَّها صبَّتْ جميعاً لَغرَّقتْ ... ولكنما أرواحُها كالمناخل
كأنَّ غديرَ الماءِ بين حبابه ... وبين شخوصٍ قُمْنَ مثلَ الأنامل
مساميرُ درٍّ تعتلي برءوسها ... مراراً وطوراً تعتلي بالأسافل
وقال المهند:
وساريةٍ طوعَ إعصارها ... محملةٍ ثقلَ أوقارها
مخايلها بالحيا جمَّةٌ ... فإظهارها مثلُ إضمارها
طوَتْ صِفةَ الأرض أحشاؤها ... كطيِّ الجفونِ لأبصارها
نأى غَيْمها ودنا غَيْثها ... دنُوَّ الشّموسِ بأنوارها
وقال ابن هذيل:
وحنَّانةٍ في الجوِّ كدراءَ أقبلَتْ ... تبسَّمُ عن وَمْضٍ من البرق خاطفِ
تزفُّ بها ريحُ الصَّبا غير أنَّها ... تهادى تهادي الخودِ بين الوصائفِ
وقال محمد بن مطرف بن شخيص:
فكأنَّ السّحابَ في الأُفقِ رَكبٌ ... زَمَّ أحداجه وصفَّ قِطارَهْ
يُذْكرُ الغيثُ والرّعودُ حجيجاً ... عَجّ أصواتَهُ وبثَّ جِمارَهْ
وقال يوسف بن هارون:
وجاريةٍ جرْيَ السّفين تسوقُها ... الرّياحُ ولكنْ في الهواءِ غَديرُها
رأيتُ بأحشاءِ البحورِ سفينها ... وتلكَ سفينٌ في حشاها بُحورها
وقال أيضاً:
وساريةٍ كاللَّيلِ لكن نجومُها ... علَى إثر ما يَطْلُعْنَ فيها غوائرُ
فلمّا استدارتْ في الهواءِ كأنَّها ... عُقابٌ مَتَى يخفقِ البرقُ كاسرُ
وشمَّتْ دوانيها الرُّبى بأُنوفها ... كما شمَّ أكفالَ العذارى الضفائرُ
هوَتْ مثلما تهوي العُقابُ كأنَّها ... تخافُ فواتَ المحل فهي تبادرُ
كأنَّ انتثارَ القطرِ فيه ضوابط ... تُدارُ علَى الغُدْرانِ منه دوائرُ
وقال أحمد بن فرج:
يا غيمُ أكبرُ حاجتي ... سَقْيُ الحمى إن كنتَ تُسْعِفْ
رَشِّفْ صداه فطالما ... روَّى الصَّدى فيه الترشُّفْ
واخلعْ عليه من الربي ... ع ووشيهِ ثوباً مُصَنّفْ
حتَّى ترى أنهاءهُ ... وكأنَّها أعشارُ مُصْحَفْ
وتخالُ مُرْفَضّ النَّدى ... في روضهِ شكلاً وأحرُفْ
الأنهاء: جمع نهي ويقال نهي - بالكسر -
باب في
الرَّبيع والزهر
قال مازن بن عمرو:
وروضةُ تدمارٍ يروقُكَ حسنُها ... عليها رياطُ الوَشْي والحللُ الصُّفْرُ
ترى زَهراتِ النَّوْرِ فيها كأنَّها ... عيونٌ أجالَتْها بها الخرَّدُ الخفْرُ
وقال عبد الملك بن نظيف:
في ليلةٍ كمُلاءِ الوَشْي يَمْنَتُها ... تحت النبات وثاب الغُرِّ والجونِ
حُثَّ النّسيمُ عليها فانثنَتْ مرحاً ... مثلَ النّساءِ بتغريدٍ وتفنينِ
تظلُّ ذاتَ ابتسامٍ نحو لامحها ... عن نَوْرِها كابتسامِ الخرَّدِ العينِ
وقال أيضاً:

في روضةٍ رَشفَتْ لُعابَ غمامةٍ ... حتَّى ارتوتْ رشفَ الصَّدي الحرَّانِ
طلعتْ عليها الشَّمسُ فابتسمتْ لنا ... عن مثلِ نظْم الردِّ والمرجانِ
وتبسَّمتْ ريحُ الصَّبا فتعانقتْ ... أغصانُها كتعانقِ الولدانِ
وتقابلتْ أحداقُها فكأنها ... حدَقٌ شكت وجداً علَى الكتمانِ
وقال سليمان بن بطال المتلمس:
تبدَّتْ لنا الأرضُ مزهُوَّةً ... علينا ببهجةِ أثوابها
كانَّ أزاهرَها أكؤسٌ ... حَوتها أناملُ شُرَّابها
كأنَّ الغصونَ لها أذرعٌ ... تناولها بعضُ أصحابها
ترى خَمْرُها من رُضابِ الهَوَى ... لآلئَ في عينِ مرتابها
كأنَّ تعانُقها في الجنوبِ ... تعانُقَ خَوْدٍ لأترابها
كأنَّ ترقرقَ أجفانِها ... بُكاها لِفُرقة أحبابها
وقال يوسف بن هارون:
بكتِ السَّحابُ علَى الرِّياضِ فحسَّنَتْ ... منها غُروساً من دموعِ ثَكولِ
فكأنَّها والطلُّ يُشرقُ فوقها ... وشيءٌ يُحاكُ بلؤلؤٍ مفْصولِ
وقال أيضاً:
كأنَّ الرَّبيعَ الطَّلقَ أقبلْ مُهدياً ... لطلعةِ معشوقٍ إلى عينِ مُغْرم
تعجَّبْتُ من غَوْصِ الحيا في حشا الثَّرى ... فأفشى الَّذي فيه ولم يتكلم
كأنَّ الَّذي يَسْقي الثَّرى صوبُ قهوةٍ ... تنمُّ عليه بالضّميرِ المكتَّم
وقال أيضاً:
كأنَّ السَّحابَ الجَوْدَ أعرَسَ بالثَّرى ... فلاحَ شوارُ الأرضِ في كلِّ موضعِ
كأنَّ سرورَ الأرضِ حُزْنُ سحابها ... إذا ما بكتْ لاحتْ لنا في تصنّعِ
حبائبُ لا يسمحنَ إلاَّ بلحظةٍ ... وشمَّةِ أنفٍ كالحبيبِ الممنَّعِ
وقال إسماعيل بن إسحاق المعروف بالمنادي:
وحاكتُ لهُ الأنداءُ وشياً منمنماً ... كأن نظمُهُ من فاخرِ التّبر والدرِّ
تخالُ به نورَ الرَّبيع كواعباً ... عليها أكاليلُ اليواقيتِ فالشّذْر
إذا ما نسيمُ الرِّيح هبَّتْ بصحنه ... فمِلْنَ كما مالَ النّزيفُ من السُّكْر
يعانقُ بعضٌ بعضهنَّ تأوُّداً ... تعانقَ معشوقينِ كانا علَى هجْر
ويسقين دمعاً من عيونٍ كأنَّها ... عيونُ مهاً يُرْعدنَ من شدَّة الذّعْر
وقال عبيد الله بن يحيى بن إدريس الوزير:
يغازلُ عينَ الشَّمسِ حتَّى ترَى لها ... إليه حنينَ المستكينِ منَ الوجدِ
إذا اشتهتِ الأنفاسُ طيبَ نسيمهِ ... أتاها به من نافحات الصَّبا مُهدِ
فإنَّ مجالَ العينِ في رونقِ الضُّحَى ... عليه مجالُ اللّحظِ في زَهَرِ الخدِّ
إذا ما جَنَينا منه حكَى لنا ... تورُّدُهُ ما في الخدودِ من الوردِ
وقال أبو بكر ابن هذيل في قضبان الرِّياض وهبوب الرياح عليها:
هبَّتْ لنا ريحُ الصَّبا فتعانقتْ ... فذكرتُ جيدَك في العناقِ وجيدي
وإذا تألفَ في أعاليها النَّدَى ... مالتْ بأعناقٍ ولطْفِ قدودِ
وإذا التقتْ بالرِّيح لم تُبصرْ بها ... إلاَّ خدوداً تلتقي بخدودِ
فكأنَّ عُذرةَ بينها تحكي لنا ... صفة الخضوعِ وحالةَ المعمودِ
تيجانُها طلٌّ وفي أعناقِها ... منه نظامُ قلائدٍ وعقودِ
فترشُّني منه الصَّبا فكأنَّهُ ... من ماءِ وردٍ ليس للتصعيدِ
فكأنَّما فيها لطيمةُ عاطرٍ ... فتثيرُ ناراً في مجامر عودِ
شُغلتْ بها الأنداءُ حتَّى خلتُها ... يَبسطنَ أنديةً بها للصيدِ
وتجلببت زَهَراً فخلتُ بأنَّها ... فوقي نثائرُ نادفٍ مجهودِ
ثمَّ وصف ذباب الروض فقال:
وتمتَّعتْ بذبابها فرياضُها ... لبستْ كمثلِ المرتعِ المورودِ
غنَّى فأسمَعَني وغابَ فلم تَقَعْ ... عيني عليهِ في الكلا المنضودِ
فكأنَّ وَتْرَ المَوْصليِّ وَمَعْبدٍ ... بيديه فهو يصوغُ كلَّ نشيدِ
يرقة إلى ورقِ الكلا وكأنَّما ... حيزومهُ من لمَّةِ المولودِ
فكأنَّه متشهدٌ أوْ حاسبٌ ... فَنِكٌ بعقدِ حسابه المكدودِ
وقال عبيد الله بن إدريس الوزير:
قد حُلِّيتْ بأزاهرٍ مِن صَوغها ... نَوْرٌ حكين لآلئاً بنحورِ
وَأَرتْكَ أعينَ خرَّدٍ مرموقةٍ ... خجلتْ وأعينَ آنساتٍ حورِ

بيضاءَ ترفلُ في ملابسِ خُضرةٍ ... نُظمتْ بأحسنِ نَورها الممطورِ
فكأنَّها عذراءُ في إجلائها ... تُهدَى إلى جذِلٍ بها مسرورِ
وكأنَّما صبَغَ الحَيَا أثوابَهَا ... صبْغَ الحياءِ الخدَّ بالتَّخفيرِ
وقال يونس بن عبد الله صاحب الردّ:
جادتُ ثغورُ السَّحابِ بالرِّيق ... فأتبعتْ خُلَّباً بتصديقِ
فارتشفتهُ الرِّياضُ باكرةً ... ناظرةً نحوهُ بتحديقِ
كأنَّما الرَّوضُ إذْ تعلِّلُهُ ... بالرّيق صبٌّ خلا بمعشوقِ
تبسمُ عن نَوْرهٍ كما ابتسمتْ ... وامقةٌ بُشِّرتْ بموموقِ
وقال ابن عبد ربه:
وجهُ ربيعٍ أتاكَ باكرُهُ ... يرفلُ في حلْيه وفي حُلَلهْ
كأنَّ أيَّامهُ مُلبَّسةٌ ... أثوابَ غضِّ الشَّبابِ مُقتبلهْ
وقال علي بن أبي الحسين:
علامَ أغدُو خليّاً ... مِن شدوِ عودٍ وراحِ
وذا زمانُ ربيعٍ ... يدعو إلى الاصطباحِ
كأنَّما الرَّوضُ هَيْفا ... في حلَّةٍ ووشاحِ
تشيرُ غمزاً علينا ... بنرجسٍ وأقاحِ
تقولُ مَنْ عافَ وصلي ... فما له مِنْ فَلاحِ
فخُذْ فديتك كأساً ... ودعْ كلامَ اللّواحي
وقال أيضاً:
ألستَ ترَى حسنَ الرَّبيع وما أبدَى ... فقد أَذكرتنا زهرُ أيَّامه الخلْدا
تصدُّ عن الرَّوضِ الأَريض نزاهةً ... كأنَّكَ قد آثرتَ من بيننا الزُّهدا
تأمَّلْ ترَى قُضبَ الزُّمُرُّدِ فوقها ... يواقيتُ حمرٌ نحو أقداحنا تُهدَى
وقد نثرتْ فيه السَّحائبُ طلّها ... كما رشَّ ماءُ الوردِ بالعَنَم الخدا
وقال أيضاً:
قد وطئنا دَرانِكَ الرَّوض حتَّى ... بلِيتْ بالصَّبوح بعد الغَبوقِ
وكأنَّ النوّار يُشرقُ حُسناً ... فصرفناهُ في عدادِ الخلوقِ
وكأنَّ الرِّياض جسمُ حبيبٍ ... كادَ يفنَى بالضّمِّ والتَّعنيقِ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
ربَّ يوم قد ظلَّ فيه نديمي ... يتغنى بروضة غناءَ
وكأنَّ الرِّياضَ حسناً حبيبٌ ... عاطرٌ سامَهُ المحبُّ لقاءَ
ضربتْ سحبُهُ رواقاً علينا ... وارتدينا من الغمامِ رداءَ
قد تحلى بزهرِهِ وتبدَّى ... ماثلاً في غلالةٍ خضراءَ
فأرتنا الرِّياضُ منه نجوماً ... وأرانا سنا العُقار ذَكاءَ
فكأنَّا بها شربنا سناها ... وحللنا بما حللنا السَّماءَ
وأنشد عبادة لأبيه في روضة:
وتمايلتْ أغصانُها ميَّادةً ... مثلَ انميادِ الخود حُلَّ خمارُها
وتضوَّعتْ ريحُ الجنوبِ خلالها ... فحكى لك المسكَ الذكيَّ بهارها
وكأنَّ شدوَ ذُبابها وغناؤهُ ... عزفُ القيانِ تناوَحَتْ أوتارُها
وقال يحيى بن هذيل:
بمحلةٍ خضراءَ أفْرَغَ حليها الذ ... هبيَّ صاغةُ قطْرِها المسكوبِ
بَسقَتْ علَى شرفِ البلاد كأنَّما ... قامتْ إلى ما تحتها بخطيبِ
والرَّوضُ قد ألفَ النَّدى فكأنَّه ... عينٌ توقَّفَ دمعُها لرقيب
متخالفُ الألوانِ يجمعَ شمْلَه ... ريحانِ ريحُ صبا وريح جنوبِ
فكأنَّما الصَّفراءُ إذْ تومي إلى ال ... بيضاءِ صبٌّ جانحٌ لحبيبِ
وقال المهند:
وكأنَّ السَّماءَ تنشرُ للأر ... ضِ وتُبدي طرائف الأنماطِ
وكأنَّ الملوكَ أهْدَوا إليها ... غِبَّ إروائها نفيسَ الرِّياطِ
وكأنَّ الجواهرَ انتجعتْها ... رغبةً عن بواطنِ الأسفاطِ
في جميمٍ كأنَّه جمَمٌ بي ... نَ جِعادٍ ممشوطةٍ وسِباطِ
فلها أسطرٌ من الرَّوضِ فاتتْ ... باعتدالٍ أناملَ الخطَّاطِ
وحروفٌ قد نقَّطَ الزَّهرُ منها ... كلَّ مستعجمٍ علَى النقَّاطِ
وقال محمد بن شخيص في المستنصر بالله:
أظنُّ جنانَ الخلدِ جُنَّتْ صبابةً ... إليه فدارتْ حين طالَ انتظارُها
إذا ابتهلَ الحُجَّاجُ بالشِّعبِ من منًى ... وقد حانَ عن رميِ الجمارِ انحدارها
حكى هَزَجَ الأطيارِ ليلاً عجيجُها ... ومستترَ النّوار صُبحاً جمارُها

باب في
الورد
قال عبد الرحمن بن عثمان الأصم:

شكرتُ لنسيانٍ صنيعةَ منعمٍ ... لِما حاكَ عندي مِن صفوفِ البدائعِ
درانيكُ أفوافٌ تجلَّتْ رُقُومها ... بأحمرَ قانٍ بينَ أصفرَ فاقعِ
ورودٌ تباهي الشَّمسَ في رونقِ الضُّحَى ... بمطَّلعاتٍ كالنُّجومِ الطَّوالعِ
مضرَّجةٌ أبشارهنَّ كأنَّها ... خدودٌ تجلَّتْ عن حُسُورِ البراقعِ
وقال عبيد الله بن إدريس:
أهدَى إليك تحيَّةً من عندِهِ ... زمنُ الرَّبيع الطَّلقِ باكرَ وردِه
يحكي الحبيبَ سرَى لوعدِ محبِّهِ ... في طيبِ نفحتهِ وحُمرةِ خدِّه
وقال لبُّ بن عبيد الله:
صابَحْتها والرَّوضُ يسطعُ مسكُهُ ... فكأنَّهُ بالليلِ باتَ مُغلَّفا
والوردُ يبدو في الغصونِ كأنَّما ... أضحَى يقارفُ من نداه قرقَفَا
قال يوسف بن هارون يفضل الورد علَى سائر الأنوار:
للآسِ والسّوسنِ والياسمين ... الغضِّ والخيريِّ فضلٌ شديدْ
سادتْ به الرَّوضُ ومن بينها ... وبين فضلِ الورد بون بعيدْ
هل لك في الآسِ سوى شمَّةٍ ... تطرحهُ من بعدها في الوقودْ
والوردُ إن يذبلْ ففي مائِهِ ... نسيمُ ضمّ الإلف بعدَ الصدودْ
والسَّوءُ في السَّوسن عام وفي ... ساعةِ سوء قد تُزارُ اللّحودْ
والياسمينُ الياسُ في بدئه ... فهو لمن يطمَعُ همٌّ عتيدْ
أخلَّ بالخيريِّ خلْقٌ كخُلق ... اللصِّ يستيقظُ بعدَ الهجودْ
فالوردُ مولى الرَّوضِ لكنَّه ... في قدره عبدٌ لوردِ الخدودْ
وقال محمد بن شخيص:
كأنَّ انتثارَ الطلِّ في الوردِ أدمُعٌ ... تبدَّى علَى زهرِ الخدود انتثارُها
كأنَّ جنيَّ الأُقحوانِ بروضِها ... ثغورُ العذارى حينَ راقَ اثّغارُها
وقال:
واهاً لمتبول الفؤادِ متيَّمٍ ... جدَّ الغرامُ به وكانَ مزاحا
وقال أحمد بن فرج في السفرجل:
أوالفُ أغصانٍ تركنَ فروعها ... ليقصدنَ أزكَى أفرُعاً وأُصولا
حكتْ من حُلى العشَّاقِ لوناً وخالفتْ ... بنعمتها منهمْ ضنًى ونحولا

باب في
تغريد الطير في الرِّياض ووصف الحمام
قال محمد بن إسماعيل النحوي:
وهاجَ عليكَ الشوقَ نوحُ حمائمٍ ... فواقدَ أُلاَّفٍ أجابتْ حمائما
لهنَّ عجيجٌ بالنَّشيج كأنَّها ... مآتمُ أملاكٍ تلاقتْ مآتما
وقال ابن بطال المتلمّس:
ألا ربَّما سلَّيتُ نفسي فردَّها ... إلى الذِّكر وُرْقٌ في الغصونِ شوادِ
يُرجِّعنَ تحنينَ الرَّنين كأنَّما ... لهنَّ كبودٌ قُطِّعتْ بكُبادِ
ويبرزنَ في زيِّ الثكالى كأنَّما ... عليهنَّ من وجدٍ ثيابُ حدادِ
الكباد: داء يصيب الكبد، وكثير من الأدواء يأتي علَى فعال بضم الفاء، مثل السكات والدوار والعطاس والهيام والخمار والصفار ونحوها، يقال: عطش عطشاً فإذا كان يعتريه كثيراً قيل له عطاش.
وقال يوسف بن هارون:
خُطَّافةٌ سبَّحتِ اللهَ ... بعُجمةٍ يفهَمُ معناها
مديدةُ الصَّوْتِ إذا ما انتهتْ ... لكنَّها تُدمجُ مبداها
كقارئٍ إن تأتِه وقفةٌ ... مدَّ بها الصَّوْتَ وجلاَّها
وقال أيضاً في حمامة:
أذاتَ الطَّوقِ في التَّغريدِ أشهى ... إلى أُذُني من الوَتر الفصيحِ
إذا هتفتْ علَى غصنٍ رفيعٍ ... ننوْحٍ أوْ علَى غصنٍ مريحِ
تضمُّ عليه منقاراً ونحراً ... كما خرَّ الفجيعُ علَى الضَّريحِ
وقال أيضاً في أم الحسن:
مُسمعةٌ مِن غيرِ أوتارِ ... إلاَّ ارتجالاً فوقَ أشجارِ
يقترحُ الناسُ عليها وما ... يقترحُ الناسُ علَى الطَّاري
تُبدلُ إن قيل لها بدِّلي ... طائعةً من غيرِ إصغارِ
كأنَّها في حين تبديلها ... تأخذُ في أَهزاج أشعارِ
عاشقة النوّارِ ما أقبلتْ ... إلاَّ بها آثارُ نوَّارِ
وقال في أم الحسن أيضاً:
وخرساءَ إلاَّ في الرَّبيع فإنَّها ... نظيرةُ قسٍّ في العصورِ الذَّواهبِ
أتتْ تمدحُ النوَّار فوق غصونها ... كما يمدحُ العشَّاقُ حُسنَ الحبائبِ
تُبدِّلُ ألحاناً إذا قيل بدِّلي ... كما بدَّلتْ ضرباً أكفُّ الضَّواربِ

تُغني علينا في عروضين شعرَهَا ... ولكن شعراً في قوافٍ غرائبِ
إذا ابتدأتْ تُنشدكَ رجْزاً وإن تقلْ ... لها بدِّلي تُنشدكَ في المتقاربِ
وليس لها تيه الطُّراءِ بصوتها ... ولكنْ تغنِّي كلَّ صاحٍ وشاربِ
وقال أحمد بن عبد ربه:
وإنَّ ارتياحي مِن بكاءِ حمامةٍ ... كذي شجنٍ داويتهُ بشجونِ
كأنَّ حمامَ الأيكِ حين تجاوبَتْ ... حزينٌ بكى من رحمةٍ لحزينِ
وقال أيضاً:
ولرُبَّ نائحةٍ علَى فَنَنٍ ... تُشْجي الخليَّ وما به شجوُ
وتَغَرَّدتْ في غصنِ أيكتِها ... فكأنَّما تغريدُها شدوُ
وقال عبادة في قمري:
مطوَّقٌ جوَّدَ في شدوِهِ ... كأنَّما طوِّقَ إذْ جوَّدا
مالَ علَى الخُوطِ فشبَّهتُهُ ... بشاربٍ لمَّا انتشَى عربدا
كأنَّما الطلُّ علَى طوقِهِ ... دمعٌ علَى عقدِ فتاةٍ بدا
وقال ابن هذيل في الحمام:
غنَّى وفوقَ جناحيهِ سَقيطُ ندى ... والغيمُ يُنجزُ للحَوْذان ما وَعَدا
يهفو بهِ خُوطُ ريحانٍ تغازله ... في الجوِّ ريحٌ فتلوي متنَهُ أَوَدا
إذا استقلَّ ومسَّ الأرضَ تحسبُهُ ... مُصلِّياً إن تلقَّى سجدةً سَجَدا
لهُ ثلاثةُ ألوانٍ تخالُ بها ... زُمُرُّداً وعقيقاً جاوَرَا بَرَدا
وقال أيضاً:
مُطوَّقةٌ يغدو النَّدَى في جَناحِها ... لآلئَ ليستْ منْ نظامٍ ولا سلكِ
إذا انتقلتْ عن أيكها فكأنَّما ... قوادمُها أجفانُ والهةٍ تبكي
وقال أيضاً:
قلْ لهذا الحمامِ إنْ جهلَ ال ... حبَّ أنا واقفٌ علَى عرفانِهْ
لم تُصبْه النَّوى بفقدان خلٍّ ... فيُرى باكياً علَى فقدانهْ
فشدا في قضيبِ أيكٍ يُعَلِّيه ... ويُدنيه أرضَهُ من لِيانهْ
وكأنَّ الرذاذَ فوق جناحيه ... جمانٌ يروقُ عند اقترانهْ
وقال أيضاً:
ترى قطراتِ الطلِّ كالدرِّ فوقها ... إذا انتفضت في الأيك تنثرُه نثرا
إذا فرَّقَتْهُ ألفَ الغيمُ غيرهُ ... عليها فقد شبَّهْتُها قينةً سكرى
تزاحمُ أخرى مثلها بعقودها ... ولم ترضَ باسترجاعِ منثورها كِبرا
وقال أيضاً:
وقفَتْ علَى الغُصنِ الجديد كأنَّما ... تلهو به في الغيمِ أوْ يلهو بها
وتسترت في سروةٍ ملتفَّةٍ ... حَجبتْ عن الأبصار شخصَ رقيبها
فكأنَّما ريحُ الجنوبِ تغايرَتْ ... ألاَّ تُرى إلاَّ لوقتِ هبوبها
باتتْ تُغازلها فلما أصبحتْ ... بَرزت لنا كالشَّمسِ قبلَ غروبها
وقال أيضاً في القمري:
قد اختفى بين أغصانٍ وأوراقِ ... وحنَّ حنَّةً مشغوفٍ ومشتاقِ
كأنَّما خافَ عذْلاً فهو مستترٌ ... أوْ خافَ واشيةً أوْدَتْ بميثاقِ
وقال محمد بن الحسين الطبني:
قُمْريَّةٌ دعتِ الهَوَى فكأنَّما ... نطقَتْ وليس لها لسانٌ ناطقُ
غنَّتْ فحببتِ الأراكَ كأنَّما ... فوق الغُصونِ حبابةٌ ومخارقُ
وقال حسين بن الوليد:
وساجعٍ هاجَ لي الأحزانَ إذْ سجعا ... إذا انتهى غايةً في سجعه رجعا
مُخضَّبٌ بخضابٍ لا نصولَ له ... كأنَّه في دموعي للنَّوى انتقعا
وقال ابن محامس الكاتب:
فالطَّيرُ في ذروةِ أشجارها ... تشدو بشجو الطَّرِبِ الشائق
من ذي تراجيعَ فصاحٍ وذي ... نبْرٍ كنجوى الدّنفِ العاشق
وقال محمد بن الحسين:
لعمريَ إنِّي للحمائم في الضُّحى ... إذا غرَّدَتْ فوقَ الغصونِ لوامقُ
وأسعدني منها صديقةُ أيكةٍ ... كما يُسعدُ الإلفَ الصديقُ المصادقُ
وقال زيادة الله بن علي الطبني:
أدنتْ إليَّ صباباتي مُغرِّدةٌ ... أذكى الجوى بين أضلاعي ترنُّمها
كأنَّما مكثتْ في عُشّها زمناً ... عُليَّةٌ بنتُ زريابٍ تعلِّمها
وقال محمد بن الحسين:
تغنَّتْ علَى الأغصانِ يوماً حمائمٌ ... كما يتغنَّينَ القيانُ الأوانسُ
يظنُّ الَّذي يُصغي إليهنَّ معبداً ... أوْ ابنَ سريج في ذرى الأيك جالسُ

باب في
الأنهار والجداول والمياه الجارية والأواجن
قال أحمد بن عبد ربه:
ربَّ بقيعٍ طامس المنهاجِ

رضيعِ كلِّ أوطفٍ ثجَّاجِ
حَبابُه كالنفخ في الزّجاجِ
وقال ابن هذيل:
والأرضُ عاطرةُ النَّواحي غضَّةٌ ... خضراءُ في ثوبٍ أغرَّ جديد
والماءُ تدفعهُ إليك مثاعبٌ ... شتَّى من الميثاءِ والجُلمود
صافٍ علَى صفةِ المَهَا ومَذَاقُه ... شهْدٌ فخُذْ من طيِّبٍ وبرود
ملأَ التِّلاعَ فأقبلتْ وكأنَّها ... هَجَماتُ حيَّاتٍ ذواتِ حُقود
تنحُو إلى حالِ الغَطيط وربَّما ... زأَرَتْ فتسمعها زئيرَ أُسود
وتثيرُ طافيةَ الحصَى فكأنَّها ... دلتْ علَى السَّاعاتِ فهْمَ بليد
المثاعب: الغدران، والميثاء: التلعة تكون مثل نصف الوادي أو ثلثيه.
وقال أيضاً:
وماءٍ كمثلِ الرَّاحِ جارٍ يزيدني ... نشاطاً فيُجري كلّ معنًى علَى ذهني
يمرُّ علَى حصبائِهِ فكأنَّه ... صَفَا الدَّمع في عقدِ الفتاةِ الَّتي أعني
وقال محمد بن الحسين الطَّاري:
وكأنَّ مَجرى الماءِ بين سُطُوحه ... مجرَى مياهِ الوصلِ في كبدِ الصَّدي
في مثلِ أصراحِ الزّجاج مُرخَّمٌ ... ومسطَّحٌ يحكي احمرارَ المجسدِ
وقال محمد بن الحسين:
والنَّهرُ مكسوٌّ غلالةَ فضَّةٍ ... فإذا جرَى سيلٌ فثوبُ نضارِ
وإذا استقامَ رأيتَ رونَقَ مُنصلٍ ... وإذا استدارَ رأيتَ عِطفَ سوارِ
وقال لبّ بن عبيد الله يصف ماء آجناً:
ذَرْني وجوبَ القفْر آنسُ وسطهُ ... دونَ الأنام بكلِّ أغبسَ أطلسِ
وأُبلُّ عَصبَ الريقِ فيه بآجنٍ ... كالغِسلِ سُؤر قطاً وأطحلَ عسعسِ
يقال: ماجن وآجن وقد أجن يأجن أجوناً إذا أروح وتغير، والغسل: الخطمي والخطمي أيضاً بالكسر.
وقال علي بن أبي الحسين يصف أسداً يقذف الماء في صهريج ويصرف الصهريج وأشخاص الكواكب:
وهزبرٍ هادرٍ في غابةٍ ... يردعُ اللامحَ عنه بالزّؤُدْ
فاغرٍ فاهَ فماً يُغلقهُ ... سائلِ الريقِ مشيحٍ ذي لَبَد
لا يُرى منتقلاً منْ موضعٍ ... لا ولا مفترساً سِربَ نَقَد
ريقُهُ فيه حياةُ للورى ... والثَّرى من فيضِ جدواه ثَئِد
نَوْؤُهُ يُغنيك عن كلِّ حياً ... هل ترى أغزَرَ من نوءِ الأسَد
فاضَ منهُ زاخرٌ مُلتطمٌ ... هو بحرٌ من لهاتَيْهِ يُمَد
فإذا هبَّتْ به ريحُ الصَّبا ... خِلتَ في أعلاه وشياً أوْ زَرَد
وإذا بتَّ عليهِ في الدُّجَى ... كنتَ للأفلاكِ فيه ممتَهِد
وكأنَّ الأنجمَ الزُّهرَ بهِ ... زَهَرٌ بُدِّدَ في أرض بَدَد
وقال أحمد بن درَّاج:
فكأنَّ ذاك الماءَ ذَوْبَ رُخامِها ... ورخامُها مُتجسِّدٌ مِن مائها
وقال عبادة:
كأنَّ أديمَ الماءِ درٌّ مُذابُهُ ... يُصافحُ مِن خُضرِ الرِّياض زُمُرُّدا

باب في
القصور والبساتين والصهاريج والأشجار
قال مؤمن بن سعيد:
مجالسُ يُرضي العينَ إفراطُ حُسنها ... كأنَّ حناياها حواجبُ خرَّدِ
علَى عُمُدٍ للدرِّ أبشارُ بعضها ... وأبشارُ بعضٍ حُسنها للزبرجدِ
وأُخرى مُقاناةُ البَيَاضِ بحُمرةٍ ... كجمرِ الغَضَا في لونِهِ المتوقِّدِ
ولابسةٌ وشياً كأنَّ رقيقَهُ ... رقيقُ الهشاميِّ العتيقِ المسرَّدِ
وقال ابن هذيل:
مرأًى بديعٌ في مصانعِ مجلسٍ ... ذلَّتْ إليه مجالسُ الأشرافِ
متألقٌ وكأنَّهُ متعلِّقٌ ... بالنَّجمِ دون قوادمٍ وخَوَافِ
ثمَّ ذكر الصفصاف فقال:
وكأنَّ صفَّ وصائفٍ برزتْ إلى المنصو ... رِ عَن كللٍ منَ الصَّفصافِ
قامتْ إليكَ كأنَّما أعناقُها ... أعناقُ نافرةٍ من الأخشافِ
ريحُ الصَّبا من رَوْحها فغصونُها ... حركاتُ أيدٍ بالسَّلامِ لِطافِ
وتعلَّقت أوراقها وتدافعتْ ... إنَّ السَّوالفَ ملعَبُ الأسيافِ
عرضتْ عليكَ زمرُّداً وتحوَّلتْ ... فأرتْكَ لوناً كاللُّجينِ الصَّافي
وكأنَّما قد أسبَلَتْ من نفسها ... سرّاً علي ذي ريبةٍ وخِلافِ
وأظنُّهُ النَّهرَ الَّذي لم يستطعْ ... يحكيك في إرهامِكَ الوَكَّافِ
وقال أحمد بن دراج يصف دار السرور بالزاهرة:

دارُ السُّرور المعتلي شُرفاتُها ... فوقَ النُّجوم الزُّهر في استعلائها
وكأنَّ غُرَّ المُزنِ لما جادَهَا ... نشرتْ عليها من نفيسِ مُلائها
وكأنَّما أيدي السُّعود تضمَّنتْ ... إبداعَهَا فبَنَتْ علَى أهوائها
وكأنَّ ريحانَ الحياةِ وَرَوحها ... مستنشقٌ من نافحاتِ هوائها
فكأنَّما اصْطُفيتْ طلاقةُ بشرها ... مِن أوجهِ الأحبابِ يوم لقائها
قامتْ علَى عُمُد الرّخامِ كمثل ما ... نُسِقتْ نجومُ النّظمِ في جوزائها
بمُقابلٍ من مُلتقَى أرواحها ... ومُشاكِهٍ من سِفلها وَعَلائها
ككتيبتيْ رجلٍ ورَكْبٍ وافَقَتْ ... يومَ الوغَى مِثلَين منْ أكفائها
وكأنَّما اختارَ السُّرورُ مكانَهَا ... وطناً فحلَّ مخيِّماً بفنائها
وكأنَّما لمعتْ بوارقُ مُزنةٍ ... حُللَ الرِّياضِ الحُوِّ من عصرائها
وكأنما أيدي الصباحا بينها ... هزت سيوف يوم جلائها
وكأنَّها لما اعتَزَتْ في حِمْيَرٍ ... نشرتْ عليها من كريمِ ثنائها
وقال عبد السلام في المباني بالزاهرة:
كأنَّما الوحيُ يأتيه بأَرسمها ... مِنَ الجنانِ فلا يعدو الَّذي أمرَهْ
كأنَّما عُمدُ الأبهاءِ إذْ برزتْ ... سوقٌ تبدَّتْ من الأنوارِ مُنحسرهْ
كأنَّما طُرَرُ الأقباءِ ماثلةً ... غيدٌ لوَى الحسنُ في لبَّاتها طُررهْ
وقال عبد الله:
محاريبُ لو يبدو لبلقيسَ صَرْحها ... لما كشفتْ ساقاً لصرحٍ ممرَّدِ
علَى عُمدٍ يحكي طُلى الغيدِ حُسنها ... كأنَّ حناياها أهلَّةُ أَسعُد
تزانُ بأقباءٍ يغرِّدُ بينها ... صداها كتغريد الحمام المغرِّدِ
إذا خفَضَ الشَّادي بها فكأنَّما ... يؤدِّي إلى الأسماعِ قاصفَ مُرعدِ
كأنَّ السّطوحَ الحمرَ بين صحونها ... شقائقُ نعمانٍ غذاها الثَّرى النَّدي
وقال عباس بن فرناس:
حنايا كأمثالِ الأهلَّةِ رُكبتْ ... علَى عمدٍ تُعتدُّ في جوهرِ البدرِ
كأنَّ من الياقوت قيست رؤوسُها ... علَى كلِّ مسنونٍ مَقيضٍ منَ السِّدرِ
ترى الباسقاتِ النَّاشراتِ فروعها ... موائسَ فيها من مُداولةِ الوقرِ
كأنَّ صناعاً صاغَ بين غصونها ... من الذَّهب البادي عراجينَ من تمرِ
نشَتْ لؤلؤاً ثمَّ استحالتْ زمرداً ... يؤولُ إلى العقيان قبلَ جنى البُسرِ
وقال محمد بن الحسين الطاري:
عُقدتْ أهلَّةُ بهوه فكأنَّها ... عُقدُ الشُّنوفِ علَى خدودِ الخرَّد
من تحتها عمدٌ كأنَّ فريدَها ... من جوهرٍ ولآلئٍ وزبرْجَد
تحكي الحسانَ قدودها لكنَّها ... في خَلْقها ليست بذاتِ تأوُّد
وكأنَّما قضبانهُ اللاتي سمتْ ... تبغي مناجاةَ النُّجوم الوقَّد
وقال يوسف بن هارون:
فيها مجالسُ مثلُ الحور قد فُرشتْ ... فيها الرِّياضُ ولم يحللْ بها مطَرُ
إلى سطوحِ ترى إفريزَها شَرَقاً ... مثلَ المرائي يُرى في مائها الصُّور
كأنَّما خَفرتْ منْ طول ما لُحظتْ ... فقد تعدَّى إلى أبهائها الخفر
وقبةٌ ما لها في حسنها ثمنٌ ... لو أنَّه بيعَ فيها العزّ والعمرُ
كأنَّما فُرشتْ بالوردِ متّصلاً ... في الفرْش فاتُّخذتْ منه لها أُزرُ
كأنَّما ذُعرتْ من خوفِ سقطتها ... في بحرها فبدا في لونها الذُّعر
بحرٌ تفجَّرَ من لَيثينِ مُلتطِمٌ ... يا مَن رَأَى البحرَ مِن لَيثين ينفجرُ
الخفر: شدة الحياء، والذعر: الفزع، وحرّك للضرورة.
وقال ابن عبد ربه في البستان:
تحفُّ به جنَّاتُ دنيا تعطَّفتْ ... لصائفهِ في الحَلْي شاتيةً عطْلى
مطبَّقةُ الأفنانِ طيِّبةُ الثَّرى ... محمَّلةٌ ما لا تطيقُ له حملا
عناقِدُها دُهمٌ تنوَّطُ بينها ... وقد أشرقتْ علْواً كما أظلمتْ سُفَلا
كأنَّ بني حامٍ تدلتْ خِلالها ... فوافقَ منها شكلُها ذلك الشّكلا
وإنْ عُصرتْ مجَّت رضاباً كأنَّها ... جنى النَّحلِ من طيبٍ وما تعرفُ النَّحلا
ومحجوبة حجمَ الثديِّ نواهدٍ ... تميسُ بها الأغصانُ منْأدّةً ثقلا

كأنَّ مذاقَ الطَّعم منها وطعمها ... لثاتُ عذارَى ريقها الشَّهدُ أوْ أحلى
وقال ابن شخيص يصف الزهراء:
هذي مباني أمير المؤمنين غدتْ ... يُزري بها آخر الدُّنيا علَى الأُولِ
كذا الدَّراري وجدْنا الشَّمسَ أعظمَها ... قدراً وإنْ قصُرتْ في العلْو عن زُحلِ
لقد جلا مصنعُ الزَّهراءِ عن أثرٍ ... موَّحدِ القدر عن مثلٍ وعنْ مثلِ
فاتتْ محاسنُها مجهودَ واصفها ... فالقولُ كالسَّكتِ والإيجازُ كالخطلِ
بل فضلُها في مباني الأرض أجمعها ... كفضل دولةِ بانيها علَى الدُّولِ
كادتْ قسيُّ الحنايا أنْ تضارِعها ... أهلَّةُ السَّعدِ لولا وصمةُ الأفلِ
تألفتْ فغدا نقصانُها كملاً ... وربَّما تنقُصُ الأشياءُ بالكمَل
أوْفى سناها علَى أعلى مفارقها ... من لؤلؤٍ حالياتِ الخَلْق بالعَطل
كم عاشقين من الأطيار ما فتئا ... فيها يرودان من روضٍ إلى غلَل
إذا تهادى حَبابُ الحوض حثّهما ... علَى التنقُّلِ من نهلٍ إلى عَلل
كأنَّما أُفرغتْ ألواحُ مرمرِهِ ... من ماءِ عصراءَ لم يَجمدْ ولم يَسل
أوْ قُدَّ من صفحاتِ الجوِّ يومَ صفا ... ورقَّ مِن أجلِ كونِ الشَّمس في الحمل
يُزري برقةِ أبشار الخدود جرَى ... ماءُ الحياءِ بها في ساعة الخجل
إذا استوفتْ فوقهُ زهرُ النُّجوم غدتْ ... تثورُ من مائِهِ بلا شُعَل
وإن حداهُ نسيمُ الريحِ تحسبُهُ ... صفيحةَ السَّيفِ هزَّتها يدُ البطل
وقال ابن هذيل في مباني الزاهرة وبساتينها:
قصورٌ إذا قامت ترى كلَّ قائمٍ ... علَى الأرضِ يستخذي لها ثمَّ يخشعُ
كأنَّ خطيباً مُشرفاً من سموكها ... وشمُّ الرُّبى من تحتها تتسمَّعُ
ترى نُورها من كلِّ بابٍ كأنَّما ... سنا الشَّمس من أبوابها يتقطَّعُ
ومن واقفاتٍ فوقهنَّ أهلَّةٌ ... حنايا هي التّيجانُ أوْ هيَ أبدعُ
علَى عمدٍ يدعوكَ ماءُ صفائها ... إليه فلولا جَمْدُها كنت تكرعُ
تبوحُ بأسرارِ الحديثِ كأنَّها ... وشاةٌ بتنقيلِ الأحاديثِ تولعُ
كأنَّ الدَّكاكين الَّتي اتصلتْ بها ... صفائحُ كافورٍ تضيءُ وتسطعُ
كأنَّ الصَّهاريجَ الَّتي من أمامها ... بحارٌ ولكن جودُ كفَّيك أوسعُ
كأنَّ الأُسودَ العامريَّةَ فوقها ... تهمُّ بمكروهٍ إليكَ فتفزعُ
كأنَّ خريرَ الماءِ من لهواتها ... تبددُ درٍّ ذابَ لو يتجمعُ
أُعدَّتْ لإحياءِ البساتين كلّما ... سقتْ موضعاً منها تأكَّدَ موضعُ
دعتْها بصوبِ الماءِ فانتبهت لهُ ... عيونٌ كأمثالِ الدَّنانير تلمعُ
فلمَّا نشا النوارُ فيها ظننتها ... قبابكَ يا منصور حين تُرفَّعُ
ولمَّا اكتستْ أغصانُها خلتُ أنَّها ... قيانٌ بزيٍّ أخضرٍ تتقنّعِ
ولمَّا تناهى طيبُها وتمايلتْ ... علينا حسبناها حبيباً يودّعُ
وقال أيضاً في الزهراء:
كأنَّ حناياها جناحا مصفِّقٍ ... إذا ألهبتْهُ الشَّمسُ أرخاهما نشْرا
كأنَّ سوَاريها شكتْ فترةَ الضَّنى ... فباتتْ هضيماتِ الحشا نُحَّلاً صُفرا
كأنَّ الَّذي زانَ البياض نحورَها ... يُعذبِّها هجراً ويقطعها كبرا
كأنَّ النَّخيلَ الباسقاتِ إلى العلا ... عذارى حجال رجَّلتْ لمماً شُقرا
كأنَّ غصونَ الآس والريحُ بينها ... متونُ نَشاوَى كلّما اضطربتْ سُكرا
كأنَّ جنيَّ الجلّنار وورده ... عشيقان لما استجمعا أظهرا خفرا
وقال الحسن بن حسان:
مقاصيرُ تحتجُّ السَّماءُ وتدَّعي ... علَى الأرضِ فيها باحتجاجٍ موكَّدِ
ومِن غُرفٍ فيها حنايا كأنَّها ... مثاني عبيرٍ فوقَ أصداغِ خرَّدِ
ومن عمدٍ تُزهى بماءِ محاسنٍ ... يصوِّبُ عنه كلُّ طرفٍ مصعّدِ
حكتْ حمرُها الياقوتَ والدرَّ بيضُها ... ومن خضرها اشتُقَّ اخضرارُ الزبرجدِ
يجولُ السَّنا فيها مجالَ الشّعاع في ... صفيحةِ سيفِ الصَّيْقل المتقلِّدِ
أيبْأى سليمانٌ بصرحٍ ممرّدٍ ... وقصرُك فيه كلُّ صرحٍ ممرَّدِ

عشيقٌ ومعشوقٌ وبهوٌ وزاهرٌ ... إلى كاملٍ في حسنه ومحدَّدِ
وعُلِّيَّةٌ تُدعى المنيفَ كأنَّما ... ذوائبُها نِيطتْ بنسرٍ وفرقدِ
مجالسُ طالتْ في السَّماءِ وأشرقتْ ... مَتَى تبدُو للأبصارِ تقرُبْ وتبعُدِ
ظلامُ الدُّجَى فيها نهارٌ كأنَّما ... تروحُ وتُمسي الشَّمسُ فيها وتغتدي
كأنَّ صدى الأنفاسِ بين صحونها ... أهازيجُ ترنيم الحمامِ المغرِّدِ
كأنَّ الهَوَى قد شفَّها وكأنَّما ... صداها شهيقٌ في جوابِ التنهُّدِ
وقال ابن شخيص:
ولما امترى في جنَّةِ الخلدِ بعضهمْ ... أقامَ لأبصارِ الجميع مثالَها
فللعينِ أنوارُ البساتينِ حولها ... وللسَّمع تفجيرُ المياه خلالها
كأنَّ يواقيتاً أُذيبتْ فأُشربتْ ... سطوحُ المباني صِبغَهَا وصقالها
كأنَّ حناياها الأهلَّةُ وافقتْ ... سعودَ المجاري فاستردَّتْ كمالها

باب في
الناعورة والرحى
وقال محمد بن الحسين الطاري
لحنينها حنَّ الفؤادُ التائقُ ... وبكى الكئيبُ المستهامُ الوامقُ
أَنَّتْ أنينَ مغرَّبٍ عن إلفِهِ ... ودموعها مثلُ الجمان سوابقُ
تبكي ويضحك تحتَ سيلِ دموعها ... زَهرٌ تبسَّمَ نورُهُ وشقائقُ
يقال: ضحك ضَحكاً وضِحكاً بفتح الضاد وكسرها.
وقال أيضاً:
دمعُها وابلٌ كدَفق العزالي ... من جفونٍ ليستْ ترَى بشِحاحِ
فلِكٌ دائرُ البروجِ فما ينف ... كُّ فيه سماكهُ مِن سباحِ
وقال يوسف بن هارون في الناعورتين والنهر بينهما:
كيف لا يبردُ الهواءُ لنهرٍ ... بين غرَّافتينِ كالدِّيمتينِ
ليستا فوقه من الرشِّ وال ... طشِّ علَى حالةٍ بمنفكَّتين
وصَفَا الماءُ منهما إذْ هما ... للماءِ بالجريِ كالمُغَربلتينِ
فهو رشاً درٌّ تساقطَ نثراً ... وهو طشّاً بُرادةٌ من لجينِ
حسنُ الوجه شفَّهُ ألم الحرِّ ... فقد صارَ بين مِروحتينِ
وقال أيضاً ابن هذيل في الناعورتين بالزهراء:
وأنتَ ابتدعت لناعورتين ... بدائعَ أعيتْ فما توصفُ
هما ضرَّتانِ كمثلِ يَدَي ... كَ إذا جارتا والحيا مُغدفُ
كأنَّهما طَلْعتا مُزنتين ... تكدُّهما شمألٌ حرْجفُ
كأنَّهما منكبا يذبلٍ ... ولكنَّ يذبُلَ لا يدلفُ
كأنَّهما هيبةٌ في العيونِ ... منكَ فتغضي ولا تطرفُ
كأنَّهما صاحبا غِلظةٍ ... وبينهما عاشقٌ ملطفُ
فمن هذه صولةٌ تُسترابُ ... ومن هذه يحلُمُ الأحنفُ
كأنَّ الشَّفانين والمُفصِحات ... من الطير فوقهما تهتفُ
وخافت علَى محدثات الثّمارِ ... مع السدِّ فهو الَّذي يرشفُ
فمدَّت إلى أرضِها ثديها ... إذا النَّهرُ عن سقيها يضعفُ
وبينهما مجلسٌ للملوكِ ... به من عَزازَتِهِ يُحلفُ
علَى قاعِهِ لجَّةٌ من رخامٍ ... يغرَّقُ فيها ولا يتلفُ
يلذُّون من طلِّها برشاشٍ ... يفيقُ بهِ الهائمُ المدنفُ
ويُبطئُ عن بعضِهِ بعضُهُ ... ولكنْ معَ الرَّيثِ لا يخلِفُ
يرفرفُ كالطَّائرِ المستديرِ ... عليهمْ ولكنَّه يكنفُ
فليسَ يشكُّون من لينه ... بأنَّ نثائرهُ تندفُ
وقال أيضاً في الرحى:
وسخيَّةٍ تُعطيكَ أقصى جهدها ... وبفعل خادِمها الخؤونِ تلومها
قد أُهملتْ في حلبةٍ من خلقِها ... فإذا جرتْ رفَعَ العجاجَ هشيمها
وكأنَّما تُعنى ليُدركَ بعضُها ... بعضاً فليس يخونها تدويمها
وقال أيضاً في الناعورة:
وثقيلة الأوصالِ تحسبُ أنَّها ... فلكٌ يضيقُ بصبرِها حيزومها
تجري إلى خلفٍ كأنَّ أمامها ... مَلَكٌ يلازم كبحها ويُسيمها
فإذا تدلَّت خلتَ أنَّ غمامةً ... سوداءَ مقبلةٌ عليك غيومها
وقال المرادي:
وحاملةٍ للماءِ محمولةٍ بهِ ... مقصِّرةٍ وصفَ البليغ المخبِّرِ
تحنُّ حنينَ العودِ في نَغَماتِهِ ... وتزأرُ أحياناً زئيرَ المُزعفرِ
فيبعثُ هذا كلَّ لهوٍ مُروِّحٍ ... ويبعثُ هذا كلَّ لهوٍ مصبِّرِ

هي الفَلَكُ الموصوفُ في دَوَرانِهِ ... وإسبالِهِ صوبَ الحيا المتفجّرِ
ولا فضلَ إلاَّ أن هذي تصوبُ في ... تَرَقٍّ وهذا صيِّبٌ في تحدُّرِ
فتسقي الرِّياضَ المعجزَ الوصفَ كُنْهُها ... بأنجعَ من صوبِ السَّماءِ وأغزرِ
ولعبد السلام يصف الرحى والناعورة والسدّ:
يا رُبَّ طائرةٍ في جِحرِ دائرةٍ ... قد قدِّرتْ فغَدَتْ في حلقِ مُقْتَدِرَهْ
يكسو الغبارُ وجوهَ الصَّانعينَ كما ... يكسو وجوهَ العدا يومَ الوغَى غَبره
وتعركُ الدَّهرَ عركاً أكرمَ الثَّمَرَهْ ... كعرك هيجائِهِ في المعركِ الفَجَرهْ
كأنَّما قد غدتْ فينا معاقبةً ... لفعلها بأبينا آدمٍ لِتِرَهْ
كأنَّ ناعرةَ النَّهرِ الَّتي نَعَرتْ ... أعارها الفَلَكُ الأعلى به نُعَرَهْ
دارتْ فأبدتْ لنا منها استدارتُها ... أنينَ صبٍّ إذا ما إلفُهُ غَدَرهْ
كأنَّما السدّ إذا ألوى بجريته ... عن حدِّها برزخُ البحر الَّذي قَصَرهْ
أوْ عاشقٌ راغَ منه عند رحلتهِ ... معشوقُهُ فانتحاهُ مُتبعاً نَظَرهْ

باب في
المأكولات من الفواكه وغيرها
قال أحمد بن عبد ربه في عنب أبيض وأسود:
أهديتَ بيضاً وسوداً في تلوُّنها ... كأنَّها من بناتِ الرُّوم والحَبَشِ
عذراءُ تُؤكلُ أحياناً وتُشربُ أحيا ... ناً فتعصِمُ من جوعٍ ومن عَطَشِ
وقال ابن هذيل في العنب:
وبسلٍّ فيه من العنبِ الغضِّ ... شبيهُ العُنَّابِ في الاحمرارِ
رقَّ منه أديمهُ فهو كالياقوتِ ... يُسْتامُ بين أيدي التِّجارِ
وغَذَتْهُ الأيَّامُ فهو أنابيبُ ... طوالٌ علَى جِفانٍ قصارِ
وقال علي بن أبي الحسين في التوث:
أبدى لنا التوثُ أصنافاً من الحَبَشِ ... جُعدَ الشُّعور من الأطباقِ في فُرُشِ
كأنَّ أحمرَهَا من بينِ أسودِها ... بقيةُ الشَّفقِ البادي مع الغَبَشِ
وقال أحمد بن فرج في رمَّان:
ولابسةٍ صَدَفاً أصفَرَا ... أَتَتْكَ وقد مُلئتْ جوهَرَا
كأنَّكَ فاتحُ حُقٍّ لطيفٍ ... تضمَّنَ مرجانَهَا الأحمرا
حُبوباً كمثلِ لثَاتِ الحبيبِ ... رُضاباً إذا شئتَ أوْ منظَرَا
وقال في مثله:
ثمرٌ أتاكَ جَنَاهُ في غُلُفٍ ... كالجوهرِ المكنونِ في الصَّدفِ
وقال ابن هذيل في خوخة:
في نِصفها من خَجلها حُمرةٌ ... وبينها طُرْقٌ لطافٌ دِقاق
كأنَّها في بعضها عاشقٌ ... زاحمها للَّثمِ أوْ للعناقِ
وقال أحمد بن عبد ربه في نعته سمكاً:
أهديتَ أزرقَ مَقروناً بزرقاءِ ... كالماءِ لم يغذُها شيءٌ سوى الماءِ
ذَكاتُها الأخذُ لا تنفكُّ طاهرةً ... في البَرِّ والبحرِ أمواتاً كأحياءِ
وقال محمد بن شخيص:
إنَّ حسنَ الرِّياضِ صاغَ لها ال ... ظلُّ بُروداً من ناضر الأقحوان
من مجالِ الأكفِّ في سفرةٍ ... تحوي صنوفَ الحيتان والخرفان
وكأنَّ الثَّريد والحِمَّصَ ال ... منثورَ تاجٌ مكلَّلٌ بجُمان
وتخالُ الزَّيتونَ في قطعِ ال ... صِّينِ صُدوراً نُقِّطْنَ بالخيلان
وقال ابن هذيل:
وممَّا يقطعُ الحيزومَ عندي ... مروري بالشِّواءِ علَى الخوانِ
وتندَى بُردتي خَلفي إذا ما ... نظرتُ إلى الهرائسِ في الجفانِ
كأنَّ الزَّيتَ والعسَلَ المصفَّى ... عبيرٌ خالصٌ في دُهنِ بانِ
وباذنجانَ مثلِ كراتِ ضربٍ ... تضمَّنها لبابُ الجُلْجُلانِ
وقد وقفَ الصّيامُ علَى فراغٍ ... ونفسي سوفَ تفرُغُ بالأماني
وقال أحمد بن فرج في بعثه فاكهة:
بعثتُ بها أشباهَ أخلاقِكَ الزُّهرِ ... بخطَّينِ من طيبِ المَذَاقةِ والنَّشرِ
ملوَّنةٌ لونين تحكيهما معاً ... بتلكَ الأيادي البيضِ والنِّعم الخضرِ
وقال أيضاً في بعثه كمثرى:
جُنيتْ من القُضبِ النَّواضرْ ... فأتتكَ كالغيدِ العواطرْ
يلبسنَ من بُرُدِ النَّعي ... مِ ملابساً غضَّ المكاسرْ
ما بينَ نخضرِّ الرَّبيعِ ... وبين مصفرِّ الأزاهرْ
وكأنَّ أصغَرَها دِقا ... قُ كواعبٍ في عينِ ناظرْ

أوْ مثلَ صفراءِ المدا ... مةِ في أُكيَّاسٍ أصاغرْ
متنفسات في الأُنو ... فِ بمثلِ أنفاسِ المجامرْ
حلوٌ ضمائرها كما ... يحلو الهَوَى لكَ في الضَّمائرْ
أوْ مثلما تجلو القوا ... في مِن لسانٍ فيك شاكرْ
وكأنَّما هيَ مِنكَ في ... حسنِ المخابر والمناظرْ
وكأنَّها من شُكرها ... تُملأُ البطون إلى الحناجر
وقال عبد الله بن مغيث المعروف بابن الصفار في بقيارة:
بَعَثْتها بِقيارةً ضَخْمة ... كأنَّما أرؤسها أرؤس
ظاهرُها شوكٌ ولكنَّه ... للموزِ في باطنها مَحبس
من آثر الرَّاحَ بإحضارها ... نُقلاً لمنْ يشربها يَسْلَس

باب في
الشراب وأوصاف الخمر
قال أحمد بن عبد ربه:
ورادعةٍ بأنفاسِ العبيرِ ... مقنَّعةِ المفارقِ بالقتيرِ
جَلَتها الكاسُ فاطَّلعتْ علينا ... طلوعَ البكرِ في حُللِ الحريرِ
كأنَّ كؤوسها يحملنَ منها ... شُموساً أُلبستْ خِلَعَ البدورِ
كأنَّ مِزاجها لمَّا تجلَّتْ ... بصحنِ زُجاجها نارٌ بنورِ
كأنَّ أديمها ذَهَبٌ عليه ... أكاليلٌ من الدرِّ النَّثيرِ
وقال عبد الله بن حسين بن عاصم:
راحٌ حكاها في صبيبِ مُجاجها ... نجمٌ هوى فاحتلَّ في كاساتها
رقَّتْ فلولا أنَّها في كاسها ... لونٌ لأعْدَمَها ذوو إثباتها
راحٌ تراها في الكؤوسِ حليمةً ... والجهلُ بالألبابِ مِن عاداتها
وقال العتبي:
وعانِكَةٍ كعينِ الدِّيكِ بِكْرٍ ... تقضَّتْ في الدّنانِ لها دهورُ
تَرَى بينَ المزاجِ لها حَباباً ... كأنَّ نثيرَهُ الدرُّ النَّثيرُ
تخالُ كؤوسَها والليلُ داجٍ ... كواكبَ بين أيدينا تدورُ
وقال محمد بن إسماعيل النحوي:
فتبسَّمتْ منهُ إليكَ مُدامةٌ ... كالبرقِ لاحَ بظلمةٍ فأنارَهَا
وكأنَّها لمَّا زهتْ بِحَبابها ... خَوْدٌ تريكَ عقودَهَا وسوارَهَا
وقال محمد بن خطاب النحوي:
كأس تجلِّي الهمومَ سَوْرتُها ... شاربُها في النديِّ كالملكِ
كأنَّها والأكفُّ تحملها ... نجومُ ليلٍ تدورُ في الفلكِ
وقال جعفر بن عثمان:
صفراءُ تُطرقُ في الزّجاج فإنْ سَرَتْ ... في الجسمِ هبَّتْ هبَّ صِلٍّ لادغِ
خفِيَتْ علَى شُرَّابها فكأنَّما ... يجدونَ ريّاً من إناءٍ فارغِ
وقال ابن بطال المتلمّس:
وصهباءَ في جسمِ الهواءِ وثوبُها ... سنا الشَّمسِ يبغي سُدفَةَ الليلِ بالذَّحْلِ
صببنا عليها شكلَهَا فتعانقا ... تعانُقَ معشوقين عادا إلى الوصلِ
فكانَ لها بعلاً وكانت حليلةً ... وكانَ سرورُ الشَّاربينَ من النَّسلِ
وقال أيضاً:
يا صاحبي خُذها هوائيَّةً ... فيها هوى كلِّ فتًى ماجدِ
تأخذْ هواءً سائلاً جسمُهُ ... جوفَ هواءٍ ساكنٍ راكدِ
كالآلِ في الرقَّةِ لكنَّها ... تُنقعُ منها غلَّةُ الواردِ
أوْ عَندَماً تُعهدُ في كاسها ... قانيةً مثلَ دمِ العاندِ
كالذَّهبِ الذَّئبِ في قالبٍ ... من اللُّجين المفرَغِ الجامدِ
وقال عبد الملك بن إدريس:
أُنظرْ إلى الكاسين كاسِ المها ... والرَّاحِ في راحةِ ساقيها
تنظرْ إلى نارٍ سنا نورها ... يحملُها والماءُ يحويها
كأنَّها نارُ الهَوَى في الحشا ... يُلهبُها الدَّمعُ ويُذكيها
صديقةُ النَّفسِ ولكنَّها ... تصرعُها صرعَ أعاديها
إذا دنا الإبريقُ من كاسها ... لصبّها قلتَ يُناجيها
يودِعُها الأسرارَ شُرَّابها ... وشأنُها الغدرُ فتُفْشيها
وقال يوسف بن هارون:
ألا اشربها علَى النَّاقوسِ صرفاً ... فذاك مؤذِّنُ الدينِ القديمِ
وصرتُ إلى الخلاءِ فأدركتني ... به الأكواسُ في عدد النُّجومِ
كأنَّ الكوسَ إذْ حُثَّثْ بإثري ... كواكبُ إثرَ شيطانٍ رجيمِ
وقال أحمد بن عبد ربه:
ومدامةٍ صلَّى الملوكُ لوجهها ... من كثرةِ التبجيلِ والتَّعظيمِ
رَقتْ حُشاشتها ورقَّ أديمها ... فكأنَّها شِيبتْ من التَّسنيمِ

وكأنَّ عينَ السلسبيلِ تفجَّرتْ ... لك عن رحيقِ الجنَّةِ المختومِ
راحٌ إذا اقترنتْ عليها كؤوسُها ... خلتَ النُّجومَ تقارَنَتْ بنجومِ
تجري بأكنافِ الرِّياضِ وما لها ... فلكٌ سوى كفِّي وكفّ نديمي
حتَّى تخال الشَّمسَ يُكسفُ نورها ... والأرض ترعدُ رعدَةَ المحمومِ
وقال أيضاً:
مورَّدةٌ إذا دارتْ ثلاثاً ... يفتِّحُ وردُها وردَ الخدودِ
فإنْ مُزجتْ تخالُ الشَّمسَ فيها ... مطبَّقةً علَى قمرِ السُّعودِ
وقال إسماعيل بن بدر:
تَعَاطينا علَى الرَّيحانِ راحاً ... وواصلنا المساءَ بها الصَّباحا
هببنا أن زَقَا ديكٌ صدوحٌ ... وصفَّقَ بالجناحِ لنا جناحا
كأنَّ منادياً نادَى علينا ... ألا حيُّوا علَى الكاسِ الفلاحا
فبادرتِ الأكفُّ سنا نجومٍ ... أنارَ بها الظَّلامُ لنا ولاحا
ودبَّتْ في مفاصلنا دبيباً ... يُقتِّلنا وما نشكو جِراحا
كأنَّ نوافجاً فُتِقتْ علينا ... فنمَّ نسيمها فينا وَفَاحا
وقال مروان بن عبد الرحمن:
ظَلْتُ أسقيها رشاً في لحظِهِ ... سنَةٌ تورثُ عيني أرَقَا
خَفِيتْ للعينُ حتَّى خلتُها ... تتَّقي من لحظِهِ ما يُتَّقى
أشرقتْ في ناصعٍ من كفِّهِ ... كشعاعِ الشَّمسِ لاقَى الفَلَقا
فكأنَّ الكاسَ في أنملِهِ ... صُفرَةُ النَّرجس تعلو الوَرَقا
وقال المهند:
إذا انجلتْ في إناءٍ خلتَهَا عَرَضاً ... في جوهرٍ أوْ زُلالاً حابساً وَهَجا
رقَّتْ فكادَ هواءُ الجوِّ يخطفُها ... لُطفاً وضاءتْ فكادتْ تخطفُ السُّرُجا
كأنَّما اقتبستْ نورَ العيونِ فلمْ ... تبصرهُ أو يضربَ الديجورَ منبلجا
يروعُها الماءُ في الياقوتِ بارزةً ... فيبرزُ التبرُ منها منظراً بَهِجا
كأنَّها خدُّ خَوْدٍ فاضَ مدمَعها ... من روعةٍ فكَسَا بالصُّفرةِ الضَّرجا
وكتب ابن هذيل إلى بعض إخوانه ببعثه مصطاراً حلواً:
من بناتِ الكرومِ ليس لها خم ... سُ ليالٍ بكرٌ من الأبكارِ
يتغنى نشيشُها في الرَّواقيد ... فتنسيكَ نغمةَ الأوتارِ
واستهلَّتْ رفقاً يقعُ الطلُّ ... علَى الوردِ في دُجى الأسحارِ
تتبدَّى من حبِّها وهي صفراً ... كبدوِّ الخيريِّ في الاصفرارِ
ثمَّ سلسلتها إلى جسدٍ مَيْتٍ ... فأحيتهُ فاعتبرْ باعتباري
باتَ بعدَ الخشوعِ مستنِدَ الظَّهرِ ... حطيئاً إلى أساس الجدارِ
ذو عَكاكينَ رُكِّبتْ كعكا ... كينِ الأوانسِ الأحرارِ
وشَدَدْنا خِناقَهُ فهو كال ... معصمِ ريَّانُ في شدادِ السِّوارِ
وقال جعفر بن عثمان في الثمل من الشراب:
عجبتُ لقومٍ ضيَّعوا كلَّ لذَّةٍ ... ولاموا ظريفاً شاطراً في طرائقهْ
إذا ما شَكَا بالرَّاحِ في الثُّمْلِ سرَّهمْ ... وكم قائلٍ قولاً بغيرِ حقائقه
وإنَّا لنشكوها إليها كما شَكَا ... مَشوقٌ علَى الإعجابِ عضَّةَ شائِقِهْ
وقال ابن هذيل:
مالتْ علَى يدِهِ كاسٌ فملتُ لها ... سكرى معربدةٌ في كفِّ سكران
لها هديرٌ إذا نُصَّتْ فتحسبها ... تَخَاصُمَ الشَّربِ عن إفكٍ وبهتان
وقال في الشراب الأبيض:
لعبتْ بأيَّامِ الزَّمانِ وطاولتْ ... مُدَدَ اللَّيالي فهي جِرْمٌ صافِ
فإذا استقرَّتْ في الكؤوسِ حسبتَهَا ... منها لرقَّةِ جرمها المتكافي
عصرتْ كأنَّ منَ اللآلئ ذُوِّبتْ ... فشرابها من كلِّ ضُرٍّ شافِ
قد أوهمتْ حكَمَ الحدودِ فظنَّها ... ماءً وقد حكمتْ بحُكمٍ خافِ
وقال علي بن أبي الحسين:
وسقيمةِ الألحاظِ مرهفةِ الحَشَا ... نبَّهتُها ورواقُ ليلي مُنزلُ
فكأنَّها والكاسُ تلثُمُ ثغرَهَا ... قمرٌ يقبِّلُهُ السِّماكُ الأعزَلُ
وقال محمد بن إبراهيم:
ومُدامةٍ حمراءَ نصرانيَّةٍ ... زهراءَ جاءَ بها نديمٌ أزهَرُ
صبُّوا عليها الماءَ حتَّى خلتها ... لمَّا أتتْهمْ مُسلماً يتطهَّرُ
حمراءَ تَرجعُ ضدَّها بمزاجها ... فكأنَّ فيها عاشقاً يتستَّرُ
وقال ابن الخطيب:

لياليَ تبدو الرَّاحُ في أُفقِ راحنا ... نجوماً كسوناها غلائلَها الزُّرقا
إذا شجَّها السَّاقي رأيتَ بكفِّهِ ... ضرامَ شهابٍ ليس يشكو له حرْقا
أروحُ وأغدو بين كاسٍ وقينةٍ ... ضجيعاً لها أو منْ مُدامتها مُلقَى

باب في
صفات الكؤوس والأقداح
قال يوسف بن هارون:
لنا حنتم فيها المدام كأنَّها ... بدورٌ لدى داجٍ من الليلِ أسفعِ
بدورٌ متَى تطلُعْ كواملَ مُحِّقتْ ... بزُهرِ دراريٍّ علَى الرَّاحِ طُلَّعِ
وقال إسماعيل بن بدر:
ما خرَّ إبريقُهُمْ لكاسِهمْ ... إلاَّ صبا جمعُهُمْ وإن حَلُموا
كأنَّهُ ناطقٌ بحاجتِهِ ... سرّاً وإنْ كانَ شانَهُ البَكَمُ
وقال عباس بن فرناس في كوز:
ومعمَّمٍ لم يبقَ في جثمانِهِ ... إلاَّ حُشاشَةُ مهجةٍ لن تُزهقِ
حنيت علَى كشحَيْهِ من بُرَحائه ... عَضُدان فهو كموثقٍ لم يطلقِ
حلَّتْ عمامَةُ رأسِهِ فتضوَّعتْ ... منه مفارقُهُ بمثلِ الزَّنبقِ
وقال أحمد بن عبد ربه:
تَرَى الأباريقَ والأكواسَ ماثلةً ... وكلُّ طاسٍ من الإبريزِ ممتثلُ
كأنَّها أنجمٌ يجري بها فلكٌ ... للرَّاحِ لا أَسَدٌ فيها ولا حَملُ
وقال محمد بن عبد العزيز:
ومفدَّمٍ أرِجِ النِّقابِ كأنَّما ... أوفَى عليه من العبيرِ نقابُ
فافترَّ عن شمسِ النَّهارِ وقد طوى ... شمسَ النَّهارِ من الظَّلامِ حجابُ
وقال يحيى بن هذيل:
عقيقةٌ في مهاةٍ في يَدَيْ ساقي ... أضوا من البدرِ إشراقاً بإشراقِ
إذا تطاطا له الإبريقُ تحسبه ... مصلِّياً خرَّ إعظاماً لخلاقِ
قد نفَخَتْ فيه روحاً فهو مرتحل ... من النَّدامى إذا ما أمسكَ السَّاقي
وقال علي بن أبي الحسين:
بأبي من زارني مكتتماً ... مُخفِيَ الحسنِ وما كانَ وَعَدْ
فتناولتُ نجوماً منْ مهاً ... حشوُها الشَّمسُ من النورِ تقِدْ
لم أزلْ أُطلعُها في راحتي ... وهيَ فيه غُرَّبٌ حتَّى سجدْ
فتغنَّيتُ له مرتجلاً ... أنجَزَتْ عينا بخيلٍ ما وَعَدْ
فتثنَّى وتراخى مائلاً ... كقضيبٍ في كثيبٍ مُلتبدْ
ثمَّ أومَى والثُّريَّا يدُهُ ... وسُهيلٌ في سَنَاها يتَّقدْ
كلّما حيا بكاسٍ قلتُ زدْ ... فإذا عاودني قلتُ أعدْ
وقال أيضاً:
وكم ليلةٍ دارتْ عليَّ كؤوسُها ... بكفِّ غزالٍ ما يُذمُّ علَى العهدِ
سقاني بعينيهِ وثنَّى بكفِّه ... فسكرٌ علَى سكرٍ ووجدٌ علَى وجدِ
جعلتُ مكان النُّقْلِ تقبيلَ خدِّهِ ... ورشفَ ثناياهنَّ أحلى من الشَّهدِ
وإبريقُنا ما يبرحُ الدَّهرَ راكعاً ... كأنْ قد جنى ذنباً فمالَ إلى الزُّهدِ
وبتُّ ضجيعَ البدرِ والبدرُ غائبٌ ... كأنِّي من اللّذاتِ قد بتُّ في الخلدِ
يذكِّرني حفظَ العهودِ وكفَّهِ ... وِسادي وقد أبدَى من الوجدِ ما أُبدي
وقال صاعد بن الحسن يصف كأس بلور فيه شراب أصفر:
جلوتَ لنا قشراً من الصُّبح مترعاً ... من الشَّمسِ يعشَى دونها المتوسِّمُ
فأعيُننا سكرَى لفرطِ شعاعِهِ ... وشاربها من شدَّةِ السُّكرِ مفحَمُ
باب في
السقاة والندامى
وقال عبد الله بن الشمر:
يا حبَّذا ليلةٌ نعمتُ بها ... بين رياضٍ وبين بستانِ
في قبَّةٍ أحدَقَ السُّرورُ بنا ... فيها وغابتْ نحوسُ كيوانِ
بكفِّ ساقٍ رَخْصٍ أناملُهُ ... مثل الغزالِ المروَّعِ الرَّاني
فلي من الكاسِ واستدارتها ... سكرٌ ومن مقلتيهِ سكرانِ
حسبتُ بَهرامَ فوقَ راحتهِ ... لمَّا أتاني بهِ فحيَّاني
وقال أحمد بن عبد ربه:
يسعَى بها شادنٌ أناملُهُ ... ضَربان منها العنَّابُ والعَنَمُ
تنسى بهِ العينُ طرفَهَا عَجَباً ... ويدركُ الوهمَ عِنْده الوَهِمُ
كأنَّما لاحظتْ به صنماً ... يعبدُهُ من بهائِهِ الصَّنمُ
وقال أيضاً:
بل رُبَّ مذهبةِ المزاجِ ومُذهبٍ ... راحا براحةِ ريمهِ وغزالِهِ
وكأنَّ كفَّ مُديرها ومديرِهِ ... فلكٌ يدورُ بشمسِهِ وهلالِهِ
وقال أيضاً:

ورديةٌ يحملُها شادنٌ ... من مشربِ الحُمرةِ ورديِّ
كأنَّه والكاسُ في كفِّهِ ... بدرُ دجًى يسعَى بدرّيِّ
وقال أيضاً:
أهدتْ إليكَ حُميَّاها بكاسينِ ... شمسٌ تَدَبَّرتها بالكفِّ والعينِ
يسعَى بتلكَ وهذي شادنٌ غنجٌ ... كأنَّه قمرٌ يسعَى بنجمينِ
كأنَّهُ حين يمشي في تأوُّدِهِ ... قضيبُ بانٍ تثنَّى بين ريحينِ
وقال محمد بن إبراهيم بن أبي الحسين:
كم ليلةٍ عليَّ كواكبٌ ... للخمر تطلُعُ ثمَّ تغرُبُ في فمي
قبَّلتُها من كفِّ مَنْ يسعَى بها ... وخلطتُ قُبلتها بقبلةِ مِعصمِ
وكأنَّ حسنَ بنانِهِ مع كاسه ... غيمٌ تَنَشَّبَ فيه بعضُ الأنجمِ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
ربّ كاسٍ قد كستْ شمسَ الدُّجَى ... ثوبَ نُورٍ من سناها يَقَقا
ظلتُ أسقيها رشاً في لحظهِ ... سنَةٌ تورثُ عيني أَرَقا
خفِيتْ للعينِ حتَّى خلتُها ... تتَّقي من لحظهِ ما يُتَّقى
أشرقتْ في ناصعٍ من كفِّهِ ... كشعاعِ الشَّمسِ لاقَى الفَلَقا
فكأنَّ الكاسَ في أنملِهِ ... صُفرةُ النَّرجسِ تعلو الوَرَقا
أصبحتْ شمساً وَفُوهُ مغرباً ... ويدُ السَّاقي المُحيِّي مَشرِقا
فإذا ما غَرَبتْ في كفِّهِ ... تركتْ في الخدِّ منه شفقا
وقال محمد بن هشام القرشي:
ربَّ كأسٍ بتُّ أشربُها ... وضياءُ الصُّبحِ ما وَضَحا
قد سقانيها علَى قَدَمٍ ... رشأٌ لاحَ كشمسِ ضحَى
دَمِيتْ منها أناملُهُ ... فحسبناه بها نُضِحا
خلتُهُ لمَّا تناولها ... أنَّه في كفِّهِ جُرِحا

باب في
القيان والمغنين
قال أحمد بن عبد ربه:
رجعُ صوتٍ كأنَّه نظمُ درٍّ ... ما يَرَى سلكَهُ سوى الآذانِ
تنفثُ السّحرَ بالبيانِ من القو ... ل ولا سحرَ مثلُ سحرِ البيانِ
وقال يوسف بن هارون:
تلثمُ الأوتارَ منها بناناً ... يعدلُ الأفواهَ إلاَّ الرّضابا
تسبقُ الأبصارَ من وحيِ صوتٍ ... تحسبُ التَّرجيعَ منهُ انتهابا
مثلما طار الجفونُ اختلاجاً ... أوْ كما شقَّتْ بروقٌ سحابا
وقال علي بن أبي الحسين:
واهاً لذاكَ الغناءِ منكِ لَقَد ... أباحَ للقلبِ منك ما خافا
تاه بألحانِهِ علَى البصرِ ال ... سمعُ وهزَّ السُّرورُ أعطافا
كأنَّه والقلوبُ تألفُهُ ... أُلِّفَ منها فسرَّ أضعافا
وقال أيضاً:
أَحببْ ببدعةَ إذْ أحيتْ بدائعها ... ما ماتَ من لهوِ أيَّامي وأوْطاري
كأنَّ عودكِ صبٌّ يشتكي ... ألَمَ البلوى وألفاظُهُ ترجيعُ أوتارِ
مضرابُهُ باحثٌ عن شجونا أبداً ... بحثَ العواذلِ عن مكتومِ أسرارِ
كأنَّهُ قلمٌ في كفِّ ذي أربٍ ... يواصلُ الضَّبطَ في تقييدِ أشعارِ
وقال يوسف بن هارون:
علَى الوردِ منِّي إذْ تولَّى تحيَّةٌ ... وإن ما مضَى إقباله ورحيلُهُ
لقد كنتُ أُسقَى فوقه الرَّاحَ فوقنا ... من اللَّهو ظلٌّ لا يزولُ ظليلُهُ
وأوتارُ مخضوبِ البنانِ كأنَّها ... حَمامٌ وصبري حين ضلَّ هديلُهُ
وقال أبو عثمان السرقسطي الملقب بالحمار:
لا عيشَ إلاَّ في المدامِ وقينةٍ ... تشدُو علَى وَتَرٍ فصيحٍ ألثغِ
تُعنَى بتقديرِ الزَّمانِ ومسحِهِ ... فيجيء بين مُملأٍ ومُفرَّغِ
وكأنَّما نغماتُها في لفظِها ... ذَهَبٌ أُسيلَ علَى لجينٍ مُفرَغِ
وإذا نظرتَ إلى محاسنِ وجهِها ... ناديتَ يا قمرَ السَّما لا تبزُغِ
باب في
العود والطنبور وسائر المعازف
قال ابن هذيل في العود:
ومؤلَّفِ الأوصالِ يختلفُ الصَّدى ... فيه فتحسبُ صوته تغريدا
رقَّتْ معانيه برقَّةِ أربعٍ ... صارتْ عليهِ قلائداً وعُقُودا
فكأنَّ بُلبلَ صائفٍ في صدرهٍ ... يصِلُ الأغاني مُبدياً ومُعيدا
وقال عبد الملك بن جهور:
حَسَونا غُبارَ الغزوِ حتَّى أملَّنا ... ولا غاسلٌ إلاَّ المصفَّى المبرَّدِ
وأضجرنا صوتُ النَّواقيسِ بُرهةً ... وناسِخُها في السَّمعِ وتْرٌ مُشدَّد

إذا الكفُّ جالتْ فوقَهُ خلتَ طائراً ... يبدِّلُ ألحاناً به ويغرِّد
وقال أحمد بن عبد ربه:
والعودُ يخفقُ مَثناه ومثلَثُهُ ... والصُّبحُ قد غرَّدتْ منه عصافرُهُ
وللحجارةِ أهزاجٌ إذا نطَقَتْ ... أجابَهَا الكَيْثَرُ المُخفيه ناقرُهُ
كأنَّما العودُ فيما بينها ملكٌ ... يمشي الهُوَينا وتتلوهُ عساكرُهُ
كأنَّهُ إذا تمطَّى وهْيَ تسمعُهُ ... كسرى بن هُرمزَ تقفوهُ أساورُهُ
وقال ابن هذيل في المزهر:
قامَ علَى اليُسرى خطيباً بها ... ينطقُ عن جُملةِ ألحانِ
كأنَّما يفرقُ من فزعةٍ ... في أوَّلٍ من نقرِهِ الواني
كأنَّه في فعلِهِ عاشقٌ ... روَّعهُ العشقُ بهجرانِ
كأنَّما الأنقارُ في نحرِهِ ... ميازبٌ في طست عِقيانِ
وقال في الرباب:
يخالفُ العودَ في تصرُّفِهِ ... وهو علَى خلقِهِ وإن صغُرا
وإنَّما يحتَذي علَى نَغَمٍ ... من حكم الفُرْسِ كلّما حضرا
كأنَّه في يَدَيْ محرِّكِهِ ... ينشُرُ قلبي به وما شعرا
كأنَّ داودَ حين يوقظُهُ ... يقرأُ فيه الزَّبورَ والسُّوَرا
وقال في الطنبور:
له لسانانِ من قرنٍ إلى قَدَمٍ ... لا ينطقانِ بغير السِّحرِ والحكمِ
كأنَّ أوَّله مِن حيَّةٍ سكنتْ ... إلى ليانةِ كفٍّ غضَّةِ العنمِ
وقال في المزهر:
صُنعتْ كأجنحةِ الحمائمِ خفَّةً ... كادتْ تطيرُ مع الرِّياحِ الخُفقِ
وهَفَتْ علَى أيدي القيانِ كأنَّها ... رَخَمٌ تُرفرفُ في السَّماءِ وتلتقي
وتكلَّمتْ تحتَ القضيبِ كأنَّما ... نَغماتها من حنَّةِ المتشوِّقِ
يتكسَّرُ الماشي بها فترى له ... خُيلاءَ جبَّارٍ وخفَّةَ أوْلَقِ
ويؤخِّرُ الأقدامَ بعد تقدُّمٍ ... رقْصَ الحبابِ علَى الغديرِ المتأَقِ
وقال في عود:
علَى جيدِ الغزالةِ خَلْقُ جيدي ... وأطرافُ الكواعِبِ من عقودي
يزيدُ الحنْوَ في نَفَسي ونفسي ... يقالُ لها بحقِّ اللهِ زيدي
إذا هبَّتْ أهازيجي صَبَتْ لي ... قلوبٌ لسنَ من قلبِ العميدِ
وللأوتارِ في صدري حنينٌ ... يهيجُ الشَّوقَ في نَفْسِ العميدِ
واستهدى إسماعيل بن بدر عوداً من عبد الحميد بن بسيل فبعث إليه بعودٍ بالٍ، فكتب إليه إسماعيل:
جُدتَ لي منكَ حينَ جُدتَ بعودٍ ... كانَ فيما مضَى لآلِ الوليدِ
رقَّعتْهُ الأكفُّ جيلاً فجيلاً ... فهو عندي فُسَيفِسا من عودِ
نَسَجتْ فوقَه العناكبُ لمَّا ... حسبتْهُ رسماً عفا من بُرُودِ
كدريسِ السُّطورِ أوْ كبقايا الحبرِ ... في الخطِّ أوْ رثيثِ البُرُودِ
وقال في طنبور:
في آخري كفَلُ الرّشا ولأوَّلي ... عُنق الغزالةِ إنَّني معشوقُ
فإذا نطقتُ فلا سبيلَ إلى التُّقى ... إنَّ التقيَّ إذا نطقتُ يتوقُ
وتظنُّ أنَّ جوانحي مملُوَّةٌ ... طيراً تجيبُ الوترَ وهي تشوقُ
وكأنَّما هاروتُ يأخُذُ من فمي ... أسحارَهُ وبيَ المجونُ يليقُ
خُذها وشيِّعْ في سكرَةٍ ... فمشيِّعُ الطُّنبورِ ليس يُفيقُ
لا والَّذي خلَقَ الخليقَةَ رحمةً ... ما في استماعِ المُحسنينَ فُسُوقُ

باب في
الشعر
قال عباس بن ناصح:
مُتقاربٌ متباعدٌ أبياتُهُ ... رُجُحٌ مثقَّفةُ البناءِ رزانُ
وسماعُهُنَّ كطعمِ ماءٍ باردٍ ... عذبٍ أُغيثَ ببَرْدهٍ ظمآنُ
بُنيتْ مباديها علَى أعجازِها ... فتنظَّمتْ يسمو بها البُنيانُ
كقِداحِ مصطنعٍ أعَدَّ قِذاذَهَا ... لنِصالها قدْراً وهنَّ مِتانُ
متلظياتٌ ما يُبلُّ رَمِيُّها ... ذُلُقٌ كأنَّ ظُباتِها الشُّهبانُ
وقال المهند:
ودونَكَ أبكارَ المعاني فإنَّني ... تركتُ لأهلِ الشِّعر كلَّ عوانِ
مُهُور المعاني في اختراعِ بَديعها ... فآخِذُها من دونِ ذلك زانِ
تُزيلُ أبيَّ الهمِّ عن مستقرِّهِ ... كأنَّ المعاني للسُّرورِ مَغَانِ
وقال محمد بن سعيد الصيقل:
كالماءِ بل هي كالهواءِ لطافةً ... لكنَّها كالطَّودِ في استمكانها

وَكَرَونقِ الدرِّ المَصونِ تلألأتْ ... منه القلائدُ في نحورِ قيانها
زُفَّتْ إليكَ علَى اتِّساقِ تشوُّق ... كالبكرِ نازعةً إلى غيرانها
وقال جعفر بن عثمان:
درٌّ نفيسٌ من الإطراءِ صيَّرَهُ ... قلائداً فيك منظوماتٍ كالدُّررِ
إذا جَوَى السَّفرِ المُضني أضرَّ بنا ... تُنُوشدتْ فَشَفَتْنا مِن جَوَى السَّفرِ
وإنْ تطاوَلَ بي ليلي أَنِستُ بها ... فيه كما أنِسَ السَّارونَ بالقمرِ
وقال علي بن أبي الحسين:
وافى غمامٌ من قريضِكَ صيِّبٌ ... بخلتْ بمثلِ غمامِهِ الأنواءُ
فكأنَّهُ روضٌ وعلمُكَ نَوْرهُ ... وكأنَّه قطرٌ وأنتَ سماءُ
أرتعتُ فكري منه في موشيَّةٍ ... ما أبدعتْ شكلاً لها صنعاءُ
وقال محمد بن أبي الحسين:
وقريضٍ كوشيِ صنعاءَ في ال ... رَّقم ووشي الرِّياض في التَّنويرِ
يتلالا عنه بياضُ المعاني ... حين تقراه في سوادِ السُّطورِ
وقال محمد بن عبد العزيز:
إذا بلغتْ في الأرضِ أُفقاً تجاوزتْ ... إلى أُفقٍ عنه وليستْ تُزايلهْ
يفتِّحُ نوْرَ الذّهنِ وابُلُ حسنِها ... كما فتَّحَ النَّوْرُ المكمَّمَ وابلهْ
وقال جعفر بن عثمان يذكر شعراً أورده لإسماعيل بن بدر:
إذا انحدرتْ من بينِ فكَّيكَ خلتَهَا ... أساوِدَ رملٍ يحذَرُ الناسُ سمَّها
وقد ورَدَتْني عنكَ غرٌّ شواردٌ ... تعالَينَ أن يمنحنَ غيرَكَ ضمَّها
فخلتُ الثُّريَّا طالَعَتي وغادرتْ ... مطالعُها سودَ الذَّرا مُدْلهِمَّها
مراسيلُ ألفاظٍ كما انسكبَ الحَيَا ... تطبِّقُ بُطنانَ البلادِ فأُكمها
وقال أحمد بن عبد ربه:
منظومةٌ هُذِّبَ ألفاظُها ... ليستْ من الشِّعرِ الحجازيِّ
لكنَّها في الصَّوغِ نجديَّةٌ ... صاحبها ليسَ بنجديِّ
كوفيَّةُ الإبداعِ بصريَّةٌ ... لغيرِ كوفيٍّ وبصريِّ
كأنَّها شاذورةٌ عُلِّقتْ ... بوجهِ دينارٍ هرقليِّ
وقال سعيد بن العاصي
قد نُمِّقتْ كالرَّوضِ إلاَّ أنّها ... طابتْ كطيبِ المسكِ للمستنشِقِ
فإذا تأمَّلَ حسنَهَا مُتأمِّلٌ ... فطنٌ تأمَّلَ روضةً في مُهرقِ
لكنَّها تشكو إليك خُمولها ... شكوى الرِّياضِ إلى السَّحاب المغدقِ
وقال سليمان بن بطال:
ومعانٍ كأنَّهنَّ عيونُ الخو ... دِ لم يلقَهَا سوى مفتونِ
تَنثني نحوَهَا القلوبُ كما يُثنى ... لنفحِ الرِّياض لُدنُ الغصونِ
وقال الحسن بن حسان:
من شاعرٍ يُزجي معانيَ فطنةٍ ... يَنبوعُها من ذهنِهِ لا كتبِهِ
لو صافَحَت فلكَ السَّماءِ لخالها ... فلكُ السَّماءِ كواكباً من شُهبِهِ
وقال عبيد الله بن إدريس:
ودونَكَها مقيَّدةً شروداً ... فأعجِبْ بالمقيَّدةِ الشَّرودِ
إذا ما أُبرزتْ للسَّمعِ تحكي ... عروساً أُبرزتْ في يومِ عيدِ
معان سُمِّيتْ بالخَوْدِ حسناً ... وألفاظٌ تُشبَّهُ بالبُرُودِ
وقال العتبي:
وهجاءٍ كمثلِ صمصامِهِ الباترِ ... أوْ مثل كوكب المِرِّيدِ
في معانٍ كأنَّهنَّ عذارى ... يتَمَشَّينَ في موَشَّى البُرُودِ
وقال أيضاً:
لأُجهِّزنَّ إليك عنِّي شُرّداً ... تبقَى غوابرُها علَى الأيَّامِ
شِعرٌ يفتِّتُ مسمَعَيْك كأنَّما ... وافاهما منه وقوعُ سِلامِ
وقال درود:
تحلَّتْ بامتداحِكَ إذْ تحلَّتْ ... فما تركتْ لغانيةٍ حلِيَّا
معانٍ كالأهلَّةِ لا تَشَكَّى ... دجًى منها ولا تَخشى خفِيَّا
خوالصُ كالدنانيرِ استجيدتْ ... فكنتُ لها بمدحكَ صيرفِيَّا
وقال طاهر بن حزم:
مخبَّأةٌ كانَ الضَّميرُ مهادَهَا ... إلى أنْ دَعَاها فضلُكَ المتكامِلُ
فجاءتْ كما افترَّت عن الصُّبحِ سدْفةٌ ... إليك وفيها عن سواكَ تثاقُلُ
تم الجزء الأول من التشبيهات لأهل الأندلس بحمد الله وعونه ولطفه. يتلوه في الجزء الثاني: باب في الحسن.

الجزء الثاني في التشبيهات من أشعار أهل الأندلس
لابن الكتاني الطبيب - رحمه الله -
بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين
التشبيهات لأهل الأندلس
باب في
الحسن
قال يحيى بن الحكم الغزال:
فارعةُ الجسمِ هضيمُ الحَشَا ... كالمُهرةِ الضَّامِرِ لم تُركبِ
أوْ درَّةٍ استُخرجتْ ... لم تُمتهنْ بعدُ ولم تُثقبِ
مُشرَبَةُ اللَّونِ مُتُوعَ الضُّحى ... صفراءُ بالآصالِ كالمُذهبِ
وقال أحمد بن عبد ربه:
تريكَةُ أُدْحِيٍّ ودرَّةُ غائصِ ... ودُميَةُ محرابٍ وظبيةُ قانِصِ
هو البدرُ إلاَّ أنَّني كلَّ ليلةٍ ... أَرَى البدرَ منقوصاً وليسَ بناقِصِ
وقال يوسف بن هارون:
قد وضَعَ الكفَّ علَى خدَّهِ ... مفكِّراً مِن غيرِ أشجانِ
كأنَّما يسترُ عن ناظري ... بنانُهُ ورداً بسَوْسانِ
كأنَّما أطرافُهُ فضَّةٌ ... صيغَ لها أظفارُ عِقيانِ
وقال ابن عبد ربه:
رَشَأ سجَدَ الجمالُ لوجنتيه ... كما سجَدَ النَّصارى للصليبِ
عليه من محاسنِهِ شهود ... تؤدِّيها العيونُ إلى القلوبِ
يلاعبُ ظلَّهُ طرباً ولهواً ... كما لعبَ الشّمالُ مع الجنوبِ
وقال سعيد بن العاصي:
وكأنَّما لبسَ الكواكبَ حلَّةً ... وأقلَّ تاجَ الحُسنِ فوقَ المفرِقِ
في عارِضيهِ بعنبرٍ مكتوبة ... لامانِ إلاَّ أنَّها لم تُمشقِ
وُصلتْ براءٍ من عبيرٍ قد علتْ ... شفَتَيْ عقيقٍ تحته درٌّ نَقي
وكأنَّما أعلاهُ فوق جبينه ... ليلٌ أنافَ علَى صباحٍ مُشرقِ
وقال أحمد بن عبد الملك:
معشوقةُ الحركاتِ ينفثُ طرفُها ... سحراً به تُعطي الحياةَ وتمنعُ
كالشَّمسِ طالعةً ولم يكُ قبلَهَا ... للشَّمسِ من فَلَكِ القراطِقِ مطلعُ
وقال ابن عبد ربه:
أبيت تحت سماء اللهو معتنقاً ... شمس الظهيرة في ثوب من الغسق
بيضاءُ يحمرُّ خدَّاها إذا خجلتْ ... كما جرى ذهبٌ في صفحتي ورَقِ
وقال علي بن أحمد:
بيض كبيضِ الهندِ في أفعالها ... فلذاكَ قيلَ ظُباً وقيلَ ظِباءُ
فترى محاسنَهَا تروقُ كأنَّما ... نشرتْ عليها وشيَهَا صنعاءُ
باب في
الشّعر وسواده وشقرته
قال يوسف بن هارون:
وليلةِ لمةٍ تبقى العيونُ ال ... روامقُ من دُجاها في ضلالِ
وكنتُ عن اللَّيالي غير راضٍ ... بحالٍ إذا جَنَتْ تغيير حالي
فلما أنْ رأيتُ اللَّيلَ شِبهاً ... للمَّتِهِ رضيتُ عنِ اللَّيالي
وقال أيضاً:
وجدتُكَ دهراً ثانياً شعرُكَ الدُّجَى ... ووجهكَ إصباح وهجركَ كالصرْفِ
فإنْ أبْغِ صبحاً كانَ خدُّكَ مُصبحي ... وأنْ أبغِ ليلاً بتّ في شعركَ الوحْفِ
وقال عبادة:
كلَّما مسْتِ في الرَّداءِ توارتْ ... بقناعٍ غزالةُ الأبراجِ
أوْ تمشَّت بحاسرِ الرَّأسِ أوفى ... مَلك للملاحِ منْ غير تاجِ
وكأنَّ التفافَ شعرِكِ جعداً ... فوقَ وجهٍ يضيءُ ضوء السّراجِ
طَبق مُكفأٌ من التِّبرِ محضاً ... تحتَهُ للعيونِ لعبَةُ عاجِ
وقال علي بن أبي الحسين:
أَرَى صباحاً منيراً فوقَ جبهتِهِ ... ليل كأنَّ دجاهُ حالكُ السَّبَجِ
وروضةً طلعت فيها لأعيُننا ... ورد تفتَّحَ بين السَّوسنِ الأرِجِ
وقال سليمان بن بطال المتلمّس الفقيه:
وشادنين ألمَّا بي علَى مقةٍ ... تنازعا الحسنَ في غاياتِ مُستبقِ
كأنَّ لمَّةَ ذا منْ نرجسٍ خُلقتْ ... علَى بهارٍ وذا مسك علَى وَرَقِ
وحكَّما الصبَّ في التَّفضيلِ بينهما ... ولم يخافا عليه رشوَةَ الحَدَقِ
فقامَ يدلي إليه الرِّيم حجّته ... مبيناً بلسانٍ من منطلقِ
فقال وجهيَ بدرٌ يستضاءُ بهِ ... ولونُ شعريَ مقطوع من الغَسَقِ
وكحلُ عينيَّ سحر للنُّهى وكذا ... ك الكحلُ أحسنُ ما يُعزى إلى الحَدَقِ
فقال صاحبه أحسنتَ وصفَك لكن ... فاستمع لمقالٍ فيَّ مُتَّفقِ
أنا علَى أُفقي شمسُ النَّهار ولم ... تغرُب وشُقرةُ شعري شُقرةُ الشَّفقِ
والشَّمسُ لولا سناها لم يكنْ شفق ... يبدو إذا ما ألمَّ الليلُ بالأُفقِ
فضلَّ ما عِبتَ في عينيَّ من زَرَقٍ ... إنَّ الأسنَّةَ قد تُعزَى إلى الزَّرَقِ

قضيتُ للمةِ الشَّقراءِ حينَ حكتْ ... لوني كذا حُبُّهُ يقضي علَى خلقي
فقامَ ذو اللمَّةِ السَّوداءِ ترشُقُني ... سهامُ أجفانِهِ من كثرةِ الحَنَقِ
وقال جُرْتَ فقلتُ الجورُ منك على ... قلبي ولي شاهد مِن دمعيَ الغَدِقِ
فقلتُ عفوكَ إذْ أصبحتُ متَّماً ... فقالَ دونكَ هذا الحبلَ فاختنِقِ
وقال يوسف بن هارون:
ومحيِّرِ اللحظاتِ تحسبُهُ لحي ... رتهنَّ مِن سِنةِ المنام مُنبَّها
وبياضُهُ في شقرةٍ فتقارنا ... حسناً بلا ضدٍّ فكانا أشبَهَا
كسلاسلِ الذَّهبِ المورَّسِ فوق وج ... هٍ من لجينٍ بالملاحةِ قد زَهَا
وكذا الصَّباحُ بياضُهُ في شقرةٍ ... فكأنَّهُ بهما غَدَا متشبِّها
وإذا بَدَا التَّوريدُ في وَجَناتِهِ ... فكأنَّه صرْفُ المُدامةِ في المَهَا
وقال أيضاً:
فأبديت وجهاً تحت ترجيل لمة ... فكان كبدر تحت ليل مرجل
ومثله بالبدر أيضاً حقيقةً ... بغالية صرفٍ أدقُّ ممثل
عذاران خطا فوق وجهك زينةً ... عليه وحباً للعذار المعجل
وقد طر منها شاربٌ فوق مبتسمٍ ... كغصن عقيقٍ باللآلي مكلل

باب في
أصداغ القيان وعذر الغلمان
قال سليمان بن محمد بن بطال:
ترنُو لواحظنا لتقطفَ وردَهُ ... فتدبُّ عقربهُ فتلسعُ مَن رَنَا
فكأنَّ عقربَ صدغِهِ في خدِّهِ ... دبَّتْ لتمنعَ وردَه أنْ يُجتنَى
وقال ابن بطال:
رشاً راشَ بالسِّحرِ أجفانَهُ ... أنيسٌ يصيدُ قلوبَ الأنَسْ
كليلٍ أرادَ يَمُدُّ الظَّلامَ ... فكُفَّ بتوريدِ وجهِ الغَبَسْ
وأشفَقَ أن ينجلِي صبحُهُ ... فصارَ علَى الخدِّ منه حبسْ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
له وجهٌ يحسِّنُ وجهَ عُذْري ... إذا ما رُحتُ مخلوعَ العِذار
كأنَّ عقاربَ الأصداغِ منهُ ... عقاربُ سمُّها في القلبِ سار
وقال يوسف بن هارون:
مُعجَمُ الحسنِ بخالين علَى ... ثغرِهِ الأصغرُ والخدِّ الأجلّ
فالذي في الخدِّ طوراً آفلٌ ... تحت صدغٍ فوق صبح قد رحلْ
يتجافى فإذا لاحظته ... رجعَ الصُّدغُ إليه فانسدلْ
فكأنَّ الصّدغَ يَخشى عابثاً ... ثارَهُ فهو عليهِ مُشتملْ
وكأنَّ المعتلي مَبسمَهُ ... جاءَ من عندِ أخيه للقبلْ
فسعَى حتَّى إذا ما اشتمَّهُ ... غلَبَ الرَّوعُ عليه فمَثلْ
وقال أيضاً:
وصُدغينِ كالنُّونين كاللَّيل عُقْرِبا ... علَى ورقٍ إنْ يَلقَ لحظاً تعسجَدَا
وشعرٍ لَوَ انَّ الليلَ يُكسى سوادَهُ ... لِسارٍ وبدرُ التمِّ في اللَّيل ما اهتدى
وقال محمد بن أبي الحسين:
بنفسي عقربان بصحنِ خدٍّ ... بخمرِ جُفُونهِ مُتنادمانِ
إذا التقيا تَرَى لهما عناقاً ... كأنَّ لفرقةٍ يتوادعانِ
وقال ابن هذيل:
يرنو وقد ألِفَ الكرى فكأنَّما ... يرنو إليكَ بمقلتيْ يَعْفورِ
وانسابَ في الخدِّ الأسيلِ عذارُهُ ... فكأنَّهُ مسكٌ علَى كافورِ
وقال يوسف بن هارون:
غرَرُ اللّجينِ وفوقها ... أصداغُ عقيانٍ لواعبْ
توَّجْنَ منهُ وأُرسلتْ ... منه إلى الكثبِ الذَّوائبْ
أصداغُهنَّ مع الذَّوا ... ئب كالأساوِدِ والعقاربْ
باب في
إشراق الوجه وتشبيه الخدود والخيلان
قال يوسف بن هارون:
وكأنَّ دُرَّ الخدِّ يُكسر حُمرَةَ ال ... ياقوتِ من نظرِ العيونِ إليهِ
وكأنَّ خَجلَتَهُ إذا ما فارقتْ ... وَجَناتِهِ عادتْ إلى خدَّيهِ
وقال أيضاً:
وتنعَّمتُ في خدودٍ صِباحِ ... زائداتٌ علَى بياضِ الصّباحِ
صار فيها الخيلانُ في الوردِ شِبهاً ... للغوالي في أحمرِ التُّفَّاحِ
وقال أيضاً يصف آثار الجدري:
إنَّ وجهاً كالبدرِ في الإشراقِ ... يُلحقُ السَّائحينَ بالعشَّاقِ
زانه شَينُ غيرِهِ جُدَريٌّ ... سحرُهُ مثلُ سحرِ تلكَ المآقي
فكأنَّ الوجهَ الجميلَ لآلٍ ... مُلصقاتٌ بناصعِ الأوراقِ
واعترَى في التصاقِها جُدريٌّ ... فاستبانتْ مواضعُ الإلصاقِ
وقال أيضاً:

بأبي صفحةٌ ترى الشخصَ فيها ... في صفاءٍ أصفَى من المرآةِ
ينزعُ الناسُ نحوها بازدحامٍ ... كازدحامِ الحجيجِ في عرفاتِ
وقال ابن هذيل:
وجهٌ أغرُّ كأنَّه بدرُ الدُّجَى ... فعليه من نورِ السُّعودِ كمالُ
تتزاحمُ اللَّحظاتُ في إشراقِهِ ... فكأنَّه فوق العيونِ هلالُ
وقال علي بن أبي الحسين:
بنفسيَ ألحاظٌ إذا ما تشبَّثتْ ... بجاهلِ عشقٍ علَّمتْ كيفَ يعشقُ
وخدٌّ شروقُ الشَّمسِ في صفحاتِهِ ... فما قابلتْ من مُهجةٍ فهي تُشرقُ
حكَى مرتعاً في كلِّ حينٍ فنوْرُهُ ... أقاحٍ وسوسانٌ ووردٌ منمَّقُ
وما ألهَجَ الصبَّ المشوقَ بحِّبهِ ... سوى لهجةٍ في وعدِهِ ليسَ تصدقُ
وقال أبو عوف القرشي:
لاحظتُهُ والرَّقيبُ مشتغلٌ ... لحظةَ مُستعطفٍ شَكَا ألمهْ
فصدَّ عنِّي بوجهه خجلاً ... وعضَّ من خيفةِ الرَّقيبِ فَمَهْ
وَرَّدَ فرطُ الحياءِ وجنَتَهُ ... كأنَّما الصُّدغُ غيرةً لطَمَهْ
وقال محمد بن مسعود البجاني:
ويحي علَى الشَّادِنِ الَّذي لعبتْ ... جفونُهُ بالبريءِ والنَّطِفِ
أهيَفُ مثلُ القضيبِ مِئزرُهُ ... يلطمُ ما فوقهُ من الهيفِ
كالبدرِ وجهاً كالغصنِ مُنعطفاً ... كالدرِّ لفظاً كالرَّوضةِ الأُنُفِ
أغنتْهُ عندَ الوَرَى محاسنُهُ ... عن اتّخاذِ العُقُودِ والشُّنُفِ
يجولُ في خدِّهِ الجمالُ كما ... جالتْ معاني البيانِ في صُحُفِ
أسكَرَ قلبي بكاسِ مقلتِهِ ... سكرانُ بين الحياءِ والصَّلَفِ
وقال يوسف بن هارون:
يا ثوبَهُ الأزرقُ الَّذي قد ... فاتَ العراقيَّ في السَّناءِ
يكاد وجهُ الَّذي يراهُ ... يُكسى بياضاً منَ الضِّياءِ
كأنَّهُ فيكَ بدرُ تمٍّ ... يقطعُ في زرقةِ السَّماءِ

باب في
فتور العين ومرضها وغنجها
وقال أحمد بن عبد ربه:
وكأنَّما ترنو بعينِ غزالةٍ ... فقَدَتْ بأعلى الرّبوتينِ غزالَهَا
بيضاءَ تُسترُ بالحجالِ ووجهُها ... كالشَّمسِ يستُرُ بالضياءِ حجالَهَا
وقال ابن هذيل:
كأنَّ عيونهنَّ عيونُ عِينٍ ... فواترُ قد سكرْنَ بغيرِ راحِ
يموتُ العذلُ في أهل التَّصابي ... بهنَّ فما لأهل العشق لاحِ
وقال يوسف بن هارون:
في لحظِ طرفِكَ عبرةٌ لسقامِهِ ... وفَعالُهُ فعلُ الحِمامِ المُتلِفِ
فكأنَّهُ فللٌ بَدَا في مُرهفٍ ... ماضٍ وليسَ بضائرٍ للمرهفِ
وقال علي بن أبي الحسين:
وأرسلتَ نحوي من جفونكَ مُرهفاً ... أرقّ من الشَّكوَى وأخفَى من الحدْسِ
كأنَّ غِرارَيْهِ وإنْ كانَ فلَّها ... فتوراً حِمامٌ لا يُلبِّثُ بالنفسِ
أُديرُ لحاظَ العينِ فيك فأنثني ... وقلبيَ في حزنٍ وعينيَ في عُرسِ
وقال صاعد بن الحسن:
فردَّتْ أعينَ الرُّقباءِ حَيرَى ... بألحاظٍ كألحاظِ المروعِ
ولم يكُ فيَّ إذْ رحلوا سوى أنْ ... أُغازِلَهمْ بأطرافِ الدُّموعِ
وقال ابن عبد ربه:
مظلومةٌ باللَّحظِ وجنَتُها ... وجُفونُها جُبلتْ علَى الظُّلمِ
وكأنَّ عينيها تضمَّنَتَا ... ما في فؤادكَ من جَوَى السُّقمِ
وقال يوسف بن هارون:
وأحورَ وسنانِ الجفونِ كأنَّما ... به سَقَمٌ في لحظِهِ غيرُ موجِعِ
كأنَّ بعينيهِ خُضوعاً ومَن رُمي ... بألحاظِهِ تلك الخواضِعِ يخضَعِ
باب في
الثغر وطيب الريق
قال يوسف بن هارون:
وقد قُطبتْ شَهداً مُدامةُ ثغرِهِ ... وما في الجفونِ الفاترات هي الصِّرفُ
لذا يقتلُ الصِّرفُ الَّذي في جفونِهِ ... ويلتذُّ ممَّا في مراشفِهِ الرّشفُ
أقولُ ولم أُكملْ لهم وصفَ حسنِهِ ... علَى رِسْلكمْ في حسنهِ انقطعَ الوصفُ
هو الدرُّ والمرجانُ والبدرُ والدُّجَى ... هو الوردُ والسوسانُ والغصنُ والحِقفُ
وقال أيضاً:
يا حبَّذا الفَلَجُ المعسولُ ريقتُهُ ... وكلُّ حرفٍ به من لفظهِ خَطَرا
ثغرٌ كحُقٍّ به الدرُّ النَّفيسُ غَدَا ... ملآن منهُ فمنظوماً ومُنتثرا

يجاوزُ النطقَ حسنَ الثَّغر منتبذاً ... كأنَّها درَرٌ قد أرسلتْ درَرَا
وقال أيضاً:
قد صَحَونا عن الشَّرابِ علَى ... فرطِ اشتياقٍ إليه إذْ أنتَ صاحِ
غير أنِّي عُوِّضتُ مِن شربِ كاسٍ ... قهوةَ الرّيقِ في كؤوس الأقاحي
ما فُجعنا بالرَّاحِ كاساً بكاس ... من ثغورٍ فيهنَّ راحٌ كراحِ
وقال أيضاً:
نطقتْ عن أشنبٍ فيه خمرٌ ... برضابِ الشَّهدِ فيه تُشعشعْ
وعلى الأشنبِ بابا عقيقٍ ... يحفظانِ الدرَّ بأنْ لا يضيَّعْ
تحتَ قفلٍ من الزمرّد يحكي ... شاربَ الأمردِ عند التَّرعرعْ
وقال ابن عبد ربه:
ورضابٍ كأنَّه ما يمجُّ النّح ... لُ طيباً وما يسحُّ الحبيُّ
علَّنِيه بدرٌ من الإنس يا مَنْ ... ظنَّ بالبدرِ أنَّه إنسيُّ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
وأُحاولُ السُّلوانَ عن حُبّي له ... فيعزُّني منه أغرُّ مفلَّجُ
كالأُقحوانِ سقاهُ أَرْيَ رُضابِهِ ... وجلاهُ من صِبغِ السَّوادِ بنفسجُ
وقال مؤمن بن سعيد:
مِن كلِّ خَودٍ لو تُعلُّ مُدامةً ... حسِبتْ مراشفَهَا المدامُ مُداما
حوراءُ ساجيةُ الجفونِ بطرفها ... سَقَمٌ يولِّدُ سحرُهُ الأسقاما
وقال محمد بن عبد العزيز:
ويبسِمُ عن ألمى أغرَّ كأنَّهُ ... أقاحٍ حَبَتْهُ مُزنةٌ بالتَّبسُّمِ
كأريِ لصابٍ شيبَ بالماءِ ريقُهُ ... إذا مجَّهُ أوْ كالرَّحيقِ المختَّمِ
وقال علي بن أبي الحسين:
عانقتُهُ فرأيتُ منهُ شمائلاً ... حسنُ القضيبِ لحُسنها مستعبَدُ
ولثمتُهُ فحسبتُ ريقةُ ثغرِهِ ... ضرَباً ومُزناً وهي نارٌ توقدُ

باب في
النهود
وقال يوسف بن هارون:
ليالي يميني تقبضُ الكاسَ مرَّةً ... وأُخرى لها قبضٌ علَى نهدِ كاعِبِ
نهودٌ كتفَّاحِ اللّجينِ كأنَّها ... لتدويرها قد أُفرغتْ في قوالبِ
وقال عبد الملك بن جهور الوزير:
أُخفُّ وَقعي وأَسعَى سعيَ مستتر ... عليَّ سترٌ من الظّلماءِ والغَسَقِ
وأجتني لك نهداً لا نظيرَ لهُ ... كأنَّما هو رُمَّانٌ علَى طبقِ
الظلماء والغسق واحد، والعرب تعيد المعنى إذا اختلف اللفظان، قال الله عز وجل: )لا تَرَى فيها عِوَجاً ولا أَمْتا(، وقال: )فلا يخافُ ظُلماً ولا هَضْماً(، وقال: )ثمَّ عَبَسَ وبَسَرَ(، وقال: )إنَّما أَشكُو بَثِّي وحُزْني إلى الله( وكل ذلك من اللفظين واحد.
وقال يوسف بن هارون:
وشكوَى الصبِّ من ألمٍ شديدٍ ... وشدَّةِ ضمِّ رمَّانِ النّهود
جسومٌ كالمياهِ يضمُّ منها ... إذا اعتُنِقتْ نهوداً كالحديد
وقال أبو عثمان السرقسطي:
ورسولي إليكَ أصلحكَ اللهُ ... غزالٌ كالبدرِ في الدَّجْنِ لاحا
حسَّنتهُ يدُ الطَّبيعةِ حتَّى ... صيَّرتْ وصلَهُ حلالاً مُباحا
حسَّنتْ صدرَهُ بأنبل رمَّا ... نٍ تحاكي أطرافهنَّ الرِّماحا
وقال ابن الخطيب:
وناجمانِ منَ التّفَّاحِ في غُصُنٍ ... يميلهُ نَفَسُ المُضنَى به هَيَفا
يُدافعانِ إلى الألحاظِ ما لبسَا ... كالسرِّ في صدرِ نمَّامٍ ولو كُشفا
لو لم يكفَّهما ضعفٌ للينهما ... لمزَّقا عنهما بالدَّفعِ ما التحَفَا
وقال محمد بن أبي الحسين:
وبعثنا بمثلِ نافرةِ الغزلانِ صنف ... ينِ بين دُعجٍ وحُورِ
ناجماتِ النّهودِ مثلَ حقاقِ ال ... عاجِ في اللُّطفِ مُدمجاتِ الخصُورِ
يتَثَنَّينَ مائساتٍ فيثنينَ قد ... ودَ الغصونِ تحتَ البدورِ
وقال عباس بن ناصح:
قُل لعبد الرَّحيم رفقاً بعبدكْ ... لا تُمتْ قلبَهُ بلوعةِ صدِّكْ
بذمامِ الهَوَى وبالسِّحرِ من عيني ... كَ والوردِ من شقائقِ خدِّكْ
رقَّ لي رقَّةً تُشاكلُ خصريكَ ولا ... تقسُ مثلَ قَسوةِ نهدِكْ
باب في
مشي النساء وتشبيه القدود
قال عبد الملك بن جهور:
أقبلتِ في ثوبٍ عليكِ بنفسجي ... كالسَّوسنِ الأرجِ النقيِّ الأبهجِ
كالرَّوضِ حُسناً قد تشرَّبَ ماءَهُ ... فبَدَا منه مِن كلِّ حسنٍ مُبهجِ

وكأنَّ مشيَكِ للقضيبِ إذا انثنَى ... وكأنَّ جيدَكِ للغزالِ الأدْعجِ
خفف الياء من " بنفسجي " للضرورة.
وقال ابن هذيل:
مَشَينَ إلى الرِّكابِ وقد أُنيختْ ... كما يمشي الأَسَارى في القُيُودِ
تُغازلنا مُلاءُ الخزِّ عمداً ... بأطرافِ الرَّوادفِ والنُّهُودِ
وقال علي بن أبي الحسين:
وكأنَّ مشيتَهُ تَهَاديَ ديمةٍ ... والوصلُ يبرُقُ والتَّجنِّي يرعُدُ
نشوانُ مِن سُكْرِ الشَّبابِ كأنَّهُ ... غصنٌ تجورُ به الرِّياح وتقصِدُ
قال يوسف بن هارون:
وكانتْ علَى خوفٍ فولَّتْ كأنَّها ... منَ الرِّدْفِ في قيدِ الخلاخلِ ترسُفُ
وأهدتْ سلاماً عن بنانٍ كأنَّها ... التماعاً ووحياً بارقٌ متخطِّفُ
بمعصمِ كافورٍ بياضاً تُكنُّهُ ... بغاليةٍ من صبغهِ وتُطَرِّفُ
وقال إسماعيل بن بدر:
تحلَّتْ دياجي الليلِ إذْ زارَ مَوهِناً ... وخدَّاهُ مكسوَّانِ ورداً وسوسَنَا
غزالٌ كقرنِ الشَّمسِ في رونقِ الضُّحَى ... وإن لم يكنها كانَ أشهَى وأزيَنَا
فقلنا لهُ أهلاً وسهلاً ومرحباً ... قُصاركَ منَّا أنْ تشمَّ وتُجتَنَى
فما تَرَكتْهُ الكاسُ حتَّى كأنَّهُ ... قضيبٌ من الرّيحانِ قد مالَ وانثنَى

باب في
الحديث
قال أحمد بن فرج:
كلَّمتني فقلتُ درٌّ سقيطٌ ... فتأمَّلتُ عِقدَهَا هل تناثَرْ
فازدهاها تبسمٌ فأَرَتْني ... عقدَ درٍّ من التبسمِ آخَرْ
وقال عبيد الله بن إدريس:
وأُنسٍ أُعاطيه الجليسَ كأنَّهُ ... حديثُ الأماني صدَّقتْها المطامعُ
أو الوصلُ جادَ الحلمُ فيه بموعدٍ ... بل الوعدُ أوفاهُ خليلٌ ممانعُ
كأنَّ مُدارَ الكأسِ في الشّربِ طيبُهُ ... علَى العودِ لمَّا استنطَقَتْهُ الأصابعُ
وقال أيضاً:
وأذكرنا الشَّعبيُّ طيبُ حديثهِ ... وأخمل عمراً علمُهُ وأبا عمرِو
إذا ما شهدناهُ تقاصَرَ يومُنا ... بأُنسٍ حكى طيبَ السَّماع علَى الخمرِ
نُعاطَى منَ الإيناسِ راحاً مُريحةً ... علَى العقلِ لا كالرَّاحِ تغشاكَ بالسُّكرِ
فما يومه في الأُنسِ إلاَّ كساعةٍ ... ويومُ سواهُ في التَّطاولِ كالعُمرِ
وقال ابن هذيل:
فصِلَنْ مُمحِضاً تجدْ بين فكَّيْهِ ... لساناً به يُراضُ الكلام
وحديثاً كأنَّهُ قطَعُ الرَّوضِ ... إذا ما هَمَى عليهِ الغَمام
وقال جعفر بن عثمان:
ليلتي غَمضةٌ ونومي لحظهْ ... هكذا دهرُ كلِّ منْ نالَ حظَّهْ
وكأنَّ الحديثَ وهو فنونٌ ... خفقاتُ السُّرورِ في كلِّ لحظهْ
وقال صاعد بن الحسن:
ما ضرَّ أهلكِ من لمامِ مُخالسٍ ... قِطَعَ الحديثِ كوشيِ روضٍ مُرْهم
هل غيرُ شكوَى مُدنَفٍ قذفتْ بهِ ... بُرَحَاءُ وجدِكِ في لهيبٍ مُضْرم
باب في
الخصور والأرداف
وقال عبادة:
ورأيتُ خصركِ يشتكي ما أشتكي ... فضممتُهُ ضمَّ النَّحيلِ نحيلا
فكأنَّما قُلِبَ الفراقُ تلاقياً ... بالجزعِ أوْ حُسِبَ البكا تَنويلا
وقال مروان بن عبد الرحمن:
دقَّ منهُ الخصرُ حتَّى خلتُهُ ... من نحولٍ شفَّهُ قد عشقا
وكأنَّ الرِّدفَ قد تيَّمَهُ ... فغَدَا فيه مُعنًى علِقا
ناحلاً جاوَرَ منه ناعماً ... كحبيبي ظلَّ لي معتنقا
عجباً إذْ أشبهانا كيف لم ... يُحدِثا هجراً ولم يفترقا
وقال علي بن أبي الحسين:
كيفَ التبصُّرُ عن بدرٍ كلفتُ به ... خفَّتْ أعاليه فارتجَّتْ مآكمهُ
يكادُ من رقَّةٍ في خصرِهِ وجبت ... من الكثيبِ بأنْ يحويه خَاتمهُ
شَكَا الأسَى خصرُهُ إذْ ظلَّ يحملُهُ ... كأنَّما هو مظلومٌ وظالمهُ
وقال ابن الخطيب:
كأنَّ خصركَ ضَعفاً قُدَّ من جَسَدي ... وثقلَ ردفكَ من همِّي إذا انعَكَفا
كأنَّ لحظكَ أغوَى مقلتيكَ بهِ ... عمداً لتضعُفَ من سقمٍ كما ضَعُفا
كأنَّ ردفكَ ممَّا انحطَّ منه نما ... حتَّى تضايقَ عنه المِرْطُ مكتنِفا
وقال علي بن أحمد:

تبغي القيامَ فَتَثنيها روادِفُها ... كأنَّما حُمِّلتْ منهنَّ أوساقا
كأنَّما مُقلَتَاها دونَ سائرها ... قد أنحلتْ خصرَهَا وجْداً وإشفاقا

باب في
العناق والوداع
قال عبد الملك بن جهور:
حتَّى اعتَنَقْتُكَ مُشتاقاً إليكَ كما ... يُعانقُ الغصنُ ناعمَ الورقِ
وتحتَ أضلاعِنا قلبانِ قد خَفَقا ... لمَّا التقينا من الإشفاقِ والفَرَقِ
وقال يوسف بن هارون:
تعانقَ في الأضلاعِ قلبي وقلبُها ... وقامَ لنا وحيُ العيونِ بأذرعِ
وضمَّتْ علَى رُمَّانَتَيها كأنَّما ... تُعانقني كفَّا أسيرٍ مكنَّعِ
وقال أيضاً:
لمَّا تهدَّدني بصيرٌ بالنَّوى ... أُفرغتُ مِن نأيٍ إلى هجرانِ
فكأنَّني في ذا وذلك حائرٌ ... قد فرَّ مِن أَسَدٍ إلى ثعبانِ
وقال مؤمن بن سعيد:
عاد التذكُّرُ ذا الهَوَى المتجدّدِ ... ومتَى يعدْ ذكرُ الأحبَّة يكمَدِ
أودَى الفراقُ بقلبهِ فكأنَّهُ ... بين الظَّعائنِ ميِّتٌ لم يلحَدِ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
يا ظاعناً قلبي عليهِ هودَجُ ... أنَّى سلِمْتَ وناره تتأجَّجُ
سلَكَتْ به أيدي المطايا مَنهجاً ... فيهِ لطَيْفِ الحزنِ نحويَ مَنهجُ
فكأنَّه بدرُ الدُّجَى يَجري علَى ... فلكِ الأُفولِ له السَّباسبُ أبرُجُ
وقال يوسف بن هارون:
مَضَتْ بفؤادي بين أحشائِهِ النَّوى ... فهنَّ خلاءٌ بعدَهُ كالمعالمِ
كأنَّ النَّوى ليتٌ أُصيبَ بأشبُلٍ ... رأى ثارَهُ بين الحَشَا والحيازمِ
وقال أيضاً:
ولمَّا رأيتُ الشَّمس تأفُلُ بالنَّوى ... دعوتُ فلم أُمنحْ إجابةَ يُوشعِ
كأنَّ النَّوى قد أُوجعتْ باجتماعنا ... فبنَّا فنالتْ بُرءها من توجُّعي
وقال ابن هذيل:
مَرُّوا كما مضتِ السِّهامُ فلم تعجْ ... نحوي ركابهُمُ ولم يتوقَّفوا
ورأيت محبوبي فمال بحيده ... شموي كما مال القضيب الأهيفُ
حيران من وجل البكاءِ كأنَّهُ ... نشوانُ قد غلَبَتْ عليهِ القرقَفُ
فعصيتُ إقدامي فما ودَّعتُهُ ... إلاَّ مخالسةً وعِيريَ ترسُفُ
وقال أيضاً:
وضعْنا علَى جمرِ الفراقِ خدودَنَا ... فعادتْ سماءُ الكبرِ من ذُلِّنا أرْضا
وَقَفْنا وقوفَ الدَّمع من بهتَةِ النَّوى ... فلم نستطعْ ركعاً ولم نستطعْ نهضَا
وقال أيضاً في الفراق يوم الطل
لم يرحلُوا إلاَّ وفوقَ رحالهمْ ... غيمٌ حكَى غبَشَ الصَّباحِ المُعتلي
وعلى هوادِجِهمْ مُجاجاتُ النَّدَى ... فكأنَّها مُطرتْ بدرٍّ مُرسلِ
لمَّا تحرَّكتِ الرّكابُ تناثَرَتْ ... مِن فوقهمْ في الأرضِ بين الأرحُلِ
فبكيتُ لو عَرَفوا دموعيَ بينها ... لكنَّها اختلطتْ بشكلٍ مُشكلِ
وقال عبادة:
لم أرَ عجْمَ البكاءِ يأخُذُه ... إذْ قامَ عند العناقِ كالألِفِ
كأنَّهُ في وجيز خطرتِهِ ... خيالُهُ إذْ سَرَى فلم يقِفِ
كأنَّما الحبُّ كانَ أسلَفَني ... نفسي فثمَّ استردَّني سَلَفي
باب في
البكاء
قال أحمد بن عبد ربه:
حوراءُ ناغَتْها النَّوى في حُورٍ ... حكَمَتْ لواحِظُها علَى المقدورِ
وكأنَّما غاصَ الأسَى بجفونها ... حتَّى أتاكَ بلؤلؤٍ منثورِ
وقال أيضاً:
إليكَ فَرَرتُ من لحظاتِ عينٍ ... خلعتْ بها القلوبَ من الصُّدور
تسيلُ مع الدُّموعِ جفونُ عيني ... كما سالَ الفؤادُ معَ الزَّفير
وقال محمد بن عبد العزيز:
لمَّا رأتْ عزمي بكتْ فتورَّدتْ ... بيضُ الدُّموعِ بخدِّها المتورِّدِ
تنهلُّ وهي لآلئٌ وتعود في ... توريدِ خدَّيها كلونِ العسجدِ
وقال ابن هذيل:
تعلَّقنَ بالأشفارِ من كلِّ مقلةٍ ... تُغَضُّ فحاكينَ الجمانَ المُؤلفَا
وقد جدَّ دمعي فوقَ خَدِّي فَعَبرةٌ ... تسيلُ وأُخرى ماؤها ما تَنَشَّفا
إذا اجتمعا نوعين قلتُ شقيقةٌ ... أُضيفَ إليها نرجسٌ فتألفا
وقال محمد بن أبي الحسين:
تكلَّمَ الجفنُ عمَّا في جوانحِهِ ... بالدَّمعِ حتَّى حسبتُ الجفنَ عادَ فما

وجادَ بالدَّمِ بعدَ الدَّمعِ يسكبُهُ ... حتَّى كأنَّ جميعَ الجسمِ فاضَ دَمَا
وقال يوسف بن هارون:
كأنَّ الدموعَ ماءُ وردٍ بأوجُهٍ ... يُخيَّلن من حُرِّ اللّجينِ مَدَاهنا
كأنْ قد خَشينَ النّكثَ في الحبِّ بعدهم ... علينا فأعْطينا القلوبَ رهائنا
وقال علي بن أبي الحسين:
حلَّيتُها بدموعٍ لو تبرَّدُها ... بوصلِها لغَدَتْ في جيدها سُمُطا
تبيانُ وجدٍ غَدَا سُقمي صحيفتَهُ ... ودمعُ عيني علَى ألفاظِهِ نُقَطَا
وقال الهذلي:
وبيني وبينَ المستقلَّةِ بالنَّوى ... دُموعي ونورٌ ساطعٌ تحت بُرقعِ
كأنَّ دموعي حاسَدَتني فلم تدعْ ... لواحظ عيني أنْ تودِّعها معي

باب في
خفوق القلب
وقال الهذلي:
كأنَّ فؤادي في يَدَيْ خفقانِهِ ... فريسةِ ليثٍ قد تلاشتْ من النَّهْبِ
كأنَّ سراباً في ضُلوعي وجاحماً ... فهذا حَكَى شوقي وهذا حكى قلبي
وقال أيضاً:
ويوماً بداراتِ العقيقِ لوَ انَّهُ ... أُعيدَ لردَّ الشَّمسَ عن كلِّ مطلِعِ
لقينا به فتْكَ النَّوى وقلوبُنا ... قوادمُ طيرٍ في الحبائِلِ وُقَّع
وقال علي بن أبي الحسين:
كأنَّ فؤادي طائرٌ بين أضلُعي ... يريدُ فِراراً والجوانحُ مُطبقُ
كأنَّ عذابي حولَهُ شركٌ لهُ ... تنشَّبَ فيه فهو للخوفِ يخفقُ
وقال يوسف بن هارون:
تولَّتْ بهم يومَ الفراقِ مطيُّهمْ ... بأعجلَ مِن خفْقِ الفؤادِ وأسرَعِ
كأنَّ الحَشَا والقلبَ عند تذكُّري ... لهم ورقاتٌ في قضيب مزعزعِ
وقال أيضاً:
هويتَ فؤادي مَن يرانيَ عبدَهُ ... أنا عبدُ ربٍّ وهو عبدٌ لربَّينِ
كأنَّ فؤادي بين عينيه كلَّما ... يُلاحظُني عصفورةٌ بين صَقْرينِ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
أُرقرقُ دمعي كي أُبرِّدَ غلَّةً ... بقلبٍ علَى جمرِ الهمومِ مقلَّبُ
خَفوقٌ بمثلِ الخافقينِ تَرَحُّباً ... وإنْ ضمَّهُ ضَنْكٌ من المتقلَّبِ
وقال يوسف بن هارون:
كأنَّ الحَشَا للذكرِ أوتارُ قينةٍ ... تهزُّ بعُنَّابٍ علَى الضَّربِ دائمِ
وإلاَّ حَشَا غرسيَّةَ الخافقِ الَّذي ... تُزعزعهُ أرماحُ يحيى بن هاشمِ
باب في
طول اللَّيل والسهر ومراعاة النُّجوم
قال سعيد بن العاصي
يا ليلةَ الهجرِ أنتِ واحدةٌ ... أمْ جَمعَ الدَّهرُ فيك لي ألْفا
كأنَّما الليلُ عادَ دائرةً ... فما ترَى مقلتي له طَرَفا
وقال عباس بن ناصح:
فبتُّ أرقُبُ صبحاً سُدَّ مطلعُهُ ... فلا أَرَى الليلَ عنْ مرقاته انصدعا
كأنَّهُ ونجومُ الليلِ قد جعلت ... تهوي علَى السَّمْتِ منها غُوَّراً خُضُعا
راعٍ تلبَّثَ قد أوصى بصرْمتِهِ ... أُخرى الرِّعاءِ يُزجِّي سائقاً هُبَعا
يا ليلُ أصبِحْ ويا صبحُ استترْ فلقدْ ... أبرحتماني فإن لم تفعلا فَدَعا
قال يوسف بن هارون:
فطالَ عليَّ الليلُ حتَّى كأنَّهُ ... قد امتثلَ الهجرَ الَّذي ليسَ يقلِعُ
وطالَ انتظاري للصَّباحِ كأنني ... أُراقبُ منهُ غائباً ليسَ يَرجعُ
فيا شَعرَ مَنْ أهواهُ هل لك آخرُ ... ويا وجهَ مَنْ أهواهُ هل لك مطلعُ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
وتجافتْ جفونُ عينيَ سُهْداً ... حين عُلِّمنَ مِن جفاكَ الجفاءَ
وكأني ممَّا تناءَتْ جفوني ... لاحظٌ وردَ وجنتيك اجتناءَ
وكأنَّ الجفونَ ترقبُ وعداً ... بالتَّلاقي فلا ترومُ التقاءَ
وقال يوسف بن هارون:
لمقلِّيهِ ليلٌ له منْ همومِهِ ... دُجاهُ ومن وجدٍ تضمَّنَ دائمُهْ
كأنَّ سوادَ الشَّوقِ جيشٌ مدرَّعٌ ... تريَّثَ فيه خوفَ صبحٍ يُهاجمهْ
وأبطأَ عنهُ الصُّبحُ حتَّى كأنَّهُ ... رأى من سوادِ الليلِ ما لا يُقاومُهْ
تجاوَبُ فيه وُرقُهُ فكأنَّها ... تبثُّ حديثاً بالنَّهارِ تُكاتمُهْ
كأنَّ سوادَ اللَّيل ماتَ صباحُهُ ... فقامتْ عليه بالرِّثاءِ حمائمُهْ
وقال ابن هذيل:
كأنَّ ليليَ ممَّا طالَ جانبُهُ ... أخافَ صُبحيَ حتَّى ضلَّ أوْ هَرَبا

كأنَّ صُبحيَ يخشَى أن يؤنِّبَهُ ... أهلُ الهَوَى فاختَفَى بالليلِ وانتَقَبا
وقال أيضاً:
وليلٍ بَغَى فيه الغرابُ جناحَهُ ... ولم ينفصِلْ عنهُ ولكنهُ عَمي
دَجَا فكأنِّي من حناياهُ أوْ أتى ... جريمةَ سوءٍ في سريرِهِ مجرمِ
إذا قلتُ أينَ الصُّبحُ فاضتْ سدولُهُ ... عليَّ كأنِّي مستغيثٌ بأبكمِ
وأفزعُ من إطراقِهِ فمن كلِّهُ ... يُراصدُ إطلاقي نجيَّ التّكتُّمِ
وقال أيضاً:
أُكابدُ ليلاً لا يزالُ كأنَّهُ ... لإكبابهِ فوقي شجيٌّ مفكِّرُ
واسألُهُ أن ينجلي فكأنَّهُ ... رثى لي ففيما نابني يَتَفكَّرُ
وقال أيضاً:
وليلٍ كفكرٍ في إقامةِ دولةٍ ... فلو كانَ في عرقٍ لما نبَضَ العرقُ
كانَ دراريه استرابتْ هُدُوَّه ... فأخْطتْ مجاريها فليسَ لها طُرقُ
وقال أيضاً:
كأنَّ ليلي وفي أعلاهُ أنجمُهُ ... لمَّا تأوهتُ في ظلمائِهِ شابا
كأنَّ ليلي شريكي في الهَوَى فإذا ... فكَّرتُ فكَّرَ والبلوى لمن خابا
كأنَّ ليلي فيه محتجبٌ ... غيرانُ سدَّ على معشوقتي بابا
وقال سعيد بن العاصي:
ما بالُ صُبحي تقارَبَ خطوُهُ ... وأبطأَ حتَّى ليسَ يُرجى قدومُهُ
كأنَّ نجومَ اللَّيل قيَّدها الدُّجى ... وأَوقَفَها في موضِعِ لا تَريمُهُ
فبانتْ على الخضراءِ فَوضى كأنَّها ... حيارى سَوامٍ غابَ عنه مُسيمُهُ
وقد استقصر بعض الناس لياليه بزيارة أحبائه وعطف زمانه واتصال أنسه فمن أحسن ما قيل في ذلك: قول عبد الله بن سعيد المسري:
ألا ربَّ ليلٍ قد تقاصرَ طولُهُ ... عليَّ فلمْ أعلمْ سروراً متى انقضى
نفى النومَ عنِّي فيه ظبيٌ مساعدٌ ... يوافقُ ما أرضى وأرضى بما ارتضى
كأنَّ ظلامَ الليلِ ضنَّ بليله ... فولَّى به عنِّي سريعاً وقوَّضا
وإلاَّ كأنَّ الصُّبْحَ غارَ بصبحه ... فزاحمَ ليلَ الوصلِ فيه تعرُّضا

باب في
الخيال
قال يوسف بن هارون:
لا شُكرَ عندي للحبيبِ الهاجرِ ... بل جُلّ شكري للخيالِ الزَّائرِ
فكأنَّه يخشى العيونَ نهارَهُ ... فيزورني تحت الظَّلامِ السَّاترِ
نَوْمي يريهِ لناظري فكأنَّهُ ... قبل المنام قد اختفى في ناظري
وقال أيضاً:
خيالٌ لمنْ حالَ عن عهدهِ ... أتاني وما كنتُ في وعدهِ
تمادَى إلى الوصلِ حتَّى أتى الصَّب ... احُ فعادَ إلى ضدَّهِ
كأنيَ قد بتُّ في شعره ال ... أَحَمِّ وأصبحتُ في خدَّهِ
وقال ابن عبد ربه:
وربَّ طيفٍ سرى وهناً فهيَّجني ... نفى طوارقَ همِّ النفسِ إذ طرقا
كأنَّما أغفلَ الرّضْوانُ رقبَتَهُ ... وهناً ففرَّ من الفردوسِ مُسترقا
وقال علي بن أبي الحسين:
وزَورٍ إذا ما العطفُ سهَّلَ حزنَهُ ... حكى طيفُهُ استعجالَهُ حين يطرقُ
يُواصلُ غِبّاً وهو لو أنصَفَ الهَوَى ... لكنَّا معَ الإنصافِ لا نتفرّقُ
كأنَّ خيالاً منه لحظةُ خائفٍ ... رقيباً له أو بارقٌ متألّقُ
وقال ابن الخطيب وهو في المطبق:
وا بأبي زائرٌ إلى الطُّبَقِ ... عوَّضني بالمنامِ منْ أَرَقي
ثمَّ سقاني رحيقَ ريقتِهِ ... وباتَ كالغصنِ وهوَ مُعتفي
أضمُّ منه إليَّ بدرَ دجًى ... يطلعُ في لمةٍ من الغسقِ
مرتشفاً من لثاته بَرَداً ... في ذَوْبه البَرْدُ مِن لظَى حرقي
حتَّى انثنَى بالرقادِ مرتحلاً ... عنِّي وردَّ السّهادَ للحدقِ
كأنَّه في وشيكِ رحلتهِ ... لامعُ برقٍ أضاءَ في الأُفقِ
لو كانَ لي بالنهوضِ أجنحةٌ ... طِرتُ على إثرِهِ منَ القلقِ
وقال الغزال:
ولا والهَوَى ما الإلفُ زارَ على النوَى ... يجوبُ إليَّ اللَّيل في البلدِ القفرِ
ولكنَّه طيفٌ أقامَ مثالَهُ ... لعينيَّ في نومي خواطرُ من فكري
باب في
النحول
قال ابن هذيل:
كأنِّي من فرطِ الصَّبابةِ عاشقٌ ... يخافُ عليه كاشحاً فهو مضمرُ
إذا عادني مَن لستُ أنساهُ لم يجدْ ... سوى أدمع لم يدرِ من حيث تقطرُ

ويعلمُ أني قائمُ الشَّخص كلَّما ... أحِنُّ إلى ذكرِ الحبيبِ وأزفرُ
كما الرِّيحُ إنْ هبَّتْ هبوبها ... وليسَ يراها ناظرٌ حينَ تخطرُ
وقال يوسف بن هارون:
وكأنَّما أُخفي عليكَ بصحَّتي ... سَقَماً فيكسوني السّقامُ لتشتفي
أخفيتني وأُريدُ أنْ أُخفي الهَوَى ... أوَ ليسَ مَعدوماً خفيٌّ في خفي
وقال أحمد بن فرج:
اعتبرْ عبرَةَ الدّموعِ السَّوافكْ ... فَسَتُنْبيكَ أنَّني غيرُ آفِكْ
ما تراني خَفيتُ عن كلِّ شيءٍ ... فكأنِّي خُلقتُ من إسعافكْ
قال محمد بن مسعود البجاني:
ألحَّ عليَّ السُّقمُ حتَّى كأنَّما ... حُشاشةُ جسمي رقةً بعدكم ذِهني
وقال يوسف بن هارون:
ولم يبقَ لي إلاَّ جُسيمٌ كأنَّهُ ... خفيُّ سارٍ في الجوانحِ مُضمرُ
وقال أيضاً:
تَرَكَ الجسمَ يُحاكي خصرَهُ ... وهو من رقَّتِهِ كالمنفصِلْ
وقال أيضاً:
ذُبتُ حتَّى لو أنَّني كنتُ سرّاً ... لم يبُحْ بي مُضيِّعُ الأسرارِ

باب في
الوقوف على الديار والربوع
وقال يوسف بن هارون:
وقفتُ على الدَّارِ الخلاءِ كأنَّني ... وقفتُ على قلبٍ منَ الصَّبرِ بلقَعِ
رميتُ جمارَ الدَّمع في موقِفِ النوى ... وقد طفتُ أسباعاً برسمٍ وأربعِ
وقال ابن عبد ربه:
ديارٌ عفتْ تبكي السَّحاب طلولَها ... وما طَلَلٌ تبكي عليه السَّحائبُ
وتندبُها الأرواحُ حتَّى حسبتُها ... صدى حُفرةٍ قامتْ عليها النوادبُ
وقال أيضاً:
والدَّارُ بعدهُمُ مقسَّمةٌ ... بين الرِّياحِ وهاتنِ الوَدْقِ
درجَ الزَّمانُ على معارفِها ... كمدارجِ الأقلامِ في الرّقِّ
لم يبقَ منها غيرُ أرمِدَةٍ ... لُبِّدْنَ بين خوالدٍ وُرْقِ
وسطورِ آناءٍ بعقوَتِها ... محنوَّةٍ كأهلَّةِ المَحْقِ
وقال أيضاً:
ونؤيٍ كدملوجِ الكعابِ ودمنة ... تُذكِّرُ مَن وشمِ الخضاب رسومها
وقال سعيد بن العاصي:
فبقيتُ في العرَصات وحديَ بعدهمْ ... حيران بينَ معاهدٍ ما تُعهدُ
فكأنَّهنَّ ديارُ ميٍّ إذ خَلَتْ ... وكأنَّ منْ غيلانَ فيها مُنشدُ
وقال محمد بن الحسين:
وأصبحتْ بعد إشراقٍ ربوعهُمُ ... مثلَ السطورِ إذا ما رثَّتِ الكتبُ
قفراً يباباً كأن لم تَغْنَ آهلةً ... تبكي على حتفِها غربانها النُّعُبُ
كأنَّ باقي مغانيها وأرْسُمِها ... منابرٌ نُصبتْ والطَّيرُ تَختطِبُ
باب في
النيران
قال أحمد بن عبد الملك:
ألا يا سنا البرقِ الَّذي صدَعَ الدُّجَى ... بإيماضِهِ عن أجرَعِ القاعِ فالحمى
ويا ضوءَ نارٍ أُوقدتْ وكأنَّها ... إذا التمحتْها العينُ من أنجمِ السَّما
وقال ابن هذيل:
وقفتُ على علياءَ والجزعُ بيننا ... لأنظرَ من نارٍ على البعدِ توقدُ
تقومُ بطولِ الرّمح إنْ هبَّتِ الصَّبا ... وعندَ سكونِ الرِّيح تهدا فتقعدُ
فشبهتها في الحالتين بقارئٍ ... إذا اعترضتهُ سجدةٌ ظلَّ يسجُدُ
الجزع: منعطف الوادي، وجمعه أجزاع؛ وبفتح الجيم خرز.
وقال أيضاً:
ومحجوبةٍ في كلِّ وقتٍ ظهورُها ... نخافُ عوادي غدرها فنديرُها
لَعَزَّتْ فلم يستغنِ عنها ابنُ آدمٍ ... وهانتْ عليهِ فهو لا يستعيرها
كأنَّ الَّذي يحتالُ في ردِّ روحها ... مناجٍ لها أو صاحب يستشيرُها
كأنَّ ركاماً فوقها وهي تحته ... عجاجٌ وطِرفٌ أشقرٌ يستثيرُها
وقال حبيب بن أحمد:
وقريبةٍ من لحظِ مبصرِها فإن ... أعمَلَتْ سيراً نحوها لم تُلحقِ
رُفعتْ لنا والليلُ منسدلُ الدُّجى ... ففرَتْ دجاهُ بنورها المتألِّقِ
فكأنَّ ما بين الجوانحِ والحَشَا ... من وهجِ حرِّ ضِرامها المتحرِّقِ
وقال أحمد بن فرج:
ولي بالجزعِ ليلٌ قد تمطَّى ... فما ساعاتُهُ إلاَّ ليالي
لنارٍ أوْمضتْ فكأنَّ قلبي ... بمثلِ لهيبها للشَّوقِ صالي
بعيدٌ مُنتواها وهي تُذْكى ... على كبدي بقربٍ واتّصالِ
وقال يوسف بن هارون:

وما عجبي إلاَّ من الفُرْسِ إنَّهم ... لهم حِكَمٌ قد سِرْنَ في الشَّرقِ والغربِ
لتركهمُ أن يعبدوا نارَ زينبٍ ... ونارُ هوًى منها توقَّدُ في قلبي
وما بيَ تحبيبُ الذُّنوبِ إليهمُ ... ولكنَّ حُسنَ الذَّنبِ عذرٌ لدى الذنبِ
وأحبِبْ بها ناراً توقَّدُ للقرى ... حَلالاً لأهلِ الأرضِ حِجراً على الصبّ
وما حرُّ تلك النهار إلاَّ سلامةً ... وبرداً لدى النَّارِ الَّتي أُودعتْ قلبي
وقال أيضاً:
أرى سكراتٍ للسراجِ كأنَّهُ ... عليلُ هوًى فوقَ الفراشِ يجودُ
أُراقبُهُ حتَّى إذا قلتُ قد مضَى ... تثوبُ إليه نفسُهُ فتعودُ
وأمرَضَهُ ضوءُ الصَّباح كأنَّه ... يُرى في اجتماعِ الآلفين حسودُ
وقال ابن بطال:
ومَوقدٍ يسطعُ لكنَّهُ ... يوقدُهُ مُضمَرُ أحشائِهِ
كأنَّهُ قلبي إذا ما التظَى ... يوقدُهُ المضمرُ من دائِهِ

باب في
الشتاء والصَّقيع
قال عبد الله بن الشمر يتبرم بكثرة الصيد في الشتاء والجليد والغزوات في الصيف مع الأمير عبد الرحمن بن الحكم - رحمهما الله - :
ليتَ شعري أمِن حديدٍ خُلقنا ... أمْ خُلقنا من صخرةٍ صمَّاءِ
كلَّ عامٍ في الصَّيفِ نحن غزاةٌ ... والغرانيقُ غَزوُنا في الشِّتاءِ
إذ ترَى الأرضَ والجليدُ عليها ... واقعٌ مثلَ شُقَّةٍ بيضاءِ
فكأنَّ الأُنوفَ تُجدع منَّا ... بالأشافي الحدادِ أو بالإباءِ
نطلبُ الموتَ والفناءَ بإلحا ... حٍ كأنَّا نخافُ فوتَ الفناءِ
وقال مؤمن بن سعيد فملح:
ليسَ عندي من آلةِ البردِ إلاَّ ... حُسنُ صبري ورعدتي وقُنوعي
فكأنِّي من شدَّةِ البردِ هرٌّ ... يرقبُ الشَّمسَ عندَ وقتِ الطّلوعِ
وقال جعفر بن عثمان:
طرقتنا طوارقُ الغيث وَهْناً ... فمحتْ أيديَ الحوادثِ عنَّا
فكأنَّ الرّياضَ حلَّةُ وشيٍ ... نَدَفتْ حولها السحائبُ قطنا
وكتب الوزير عبد الملك بن شهيد إلى المنصور رحمهما الله في يوم قر يتعرضه في جمعهم للشراب وإحضار شمول وجوهر:
أما ترَى طيبَ يومنا هذا ... صيَّرنا بالكمونِ أفذاذا
والغيمُ كالسِّتْرِ للسَّماء وقد ... غدا مُرذاً بالثَّلج إرذاذا
قد فُطرتْ صحَّةُ الكبودِ بهِ ... حتَّى لكادتْ تصيرُ أفلاذا
فادعُ بنا للشَّمولِ مصطلياً ... نُغِذُّ سيراً إليك إغذاذا
وادعُ المسمَّى بها وصاحبَهُ ... تدعُ إماماً وتدع أستاذا
فما تبالي أبا العلاءِ زها ... براحِ قُطْرُبلٍ وَكَلواذا
ولا غريضاً فلو يُشاهدُنا ... لكانَ عنْ ذا وذاكَ أخَّاذا
وقال أيضاً صاعد بن الحسن في مثله:
مولايَ إنَّ اليومَ حُسنٌ كلُّهُ ... والقرُّ مشتبكُ الجوانبِ مُحرَبُ
فاشهرْ عليهِ سلاحَهُ واقذفْ بهِ ... في قعرِ كأسٍ كالضِّرام يلهَّبُ
فالشرُّ بالشرِّ المبرِّحِ يُتَّقى ... والقِرنُ بالقِرنِ المصمِّم يُغلبُ
باب في
قطع المفاوز وصفات الإبل والمسافرين
قال عباس بن ناصح:
ومجوبة تنفي مخافتُها ... نومَ الفَتَى ذي المرَّةِ النَّدْبِ
للجنِّ في أجوازها لَغَطٌ ... باللَّيل مثلُ تَنَازُعِ الشَّرْبِ
وتَرَى بها جَوْنَ النَّعام إذا ... أشرفنَ كالمهنوءةِ الجُرْبِ
وقال الحسن بن حسان:
وركبٍ كالأهلَّةِ عن محاقٍ ... على أمثالها سِيٌّ بِسِيِّ
تخالهُمُ الفيافي والبراري ... لطول السَّيرِ أشلاءَ المطيِّ
وقال المهند:
وطامسةِ الأعلامِ سيَّانِ وسطَها ... منيرُ الضُّحى ومُظلمُ الأُفقِ حالكُ
تضِلُّ بها الأطلاءُ عن أُمّهاتها ... وتترك لغواً في ذارها الترائِكُ
صحبتُ بها عزماً وعضباً كلاهما ... رَكوبٌ لأهوالِ المفاوزِ سادك
بمصْعَبةٍ ذاتِ احتباكٍ جُلالةٍ ... تزيدُ مراحاً إذ تلين العرائك
كأنِّي بها في ظَهر فتخاء كاسرٍ ... تؤيدُها في الخبِّ نُكْبٌ سوامك
فما فَتِئتْ بالوَخْدِ ينهمُّ نِقْيُها ... ويمصَحُ منها مُفعَمُ النحضِ تامك

إلى أنْ أتتْ كالقوسِ أشلاءَ أعظمٍ ... يجمّعها مَسْكٌ بها مُتماسك
وقال سعيد بن العاصي:
ولربُّ مهلكةٍ قطعتُ بساطها ... واللَّيلُ مسودُّ الجوانبِ أدهَمُ
يهماءُ يُضحي الخوفُ يمنعُ رَكبَهَا ... أَن يُعلنوا الأَصواتَ أو يتكلَّموا
وكأنَّما الأصداءُ في جَنَباتِها ... تحتَ الظَّلامِ إذا صدت تتلعثمُ
خَرْقٌ تظلُّ بها الرِّياح إذا جرتْ ... من حيثما انخَرَقتْ تكلُّ وتسأمُ
حتَّى تلوذَ بما يعنّ أمامها ... ضَعفاً كما لاذتْ طيورٌ تُرأَمُ
جاوزتهُ وكأنَّما ساحاتُهُ ... في آلها الملتجِّ بحرٌ مفعمُ
بالعيسِ مُقنعةَ الرّؤوسِ قد انطوتْ ... فوفودها في كلِّ خرقٍ هُيَّمُ
فكأنَّها تحتَ الرِّحالِ أهلَّةٌ ... وكأنَّهمْ فوقَ الرَّواحلِ أسهُمُ
وقال يوسف بن هارون:
وركبٍ إذا قطعوا نفنفاً ... رمَى بهمُ البعدُ في نفنفِ
كأنَّ الفيافي في طولها ... ليالٍ على عاشقٍ قد جُفي
قطعنا على مضمراتٍ تجودُ ... كلالاً بأدمُعها الوُكَّفِ
وتحتيَ حرفٌ لفرط النّحول ... تنفي النّحولَ عنِ المدنفِ
كأني إذا ما شَدَدتُ الحزامَ ... أشدُّ نطاقاً على أهيفِ
وقال أيضاً:
ويَهماءَ مثل البحرِ خرقاءَ لا ترَى ... سبيلاً بها يهدي فبالظَّنّ يُهتدَى
ترى الركبَ فيها من سرًى فوق عيسهم ... لغيرِ إلاهٍ راكعين وسُجَّدا
وقال ابن فرناس في فلاة:
موسومةٌ بالبعدِ تحسَبُ سَهْلها ... ألقَى السَّماء بحولِهِ أطنابا
فكأنَّها دارٌ تقاذفَ صحنُها ... لم يجعلِ الباني لها أبوابا
الباء في قوله: " ألقى السَّماء بحوله " زائدة كما قال عز وجل: )تلقون إليهم بالمودَّة( وفي قوله: )وهزِّي إليك بجذع النخلة(.

باب في
السراب
قال عباس بن ناصح:
تعومُ أحداجهُمْ في الآل رافعةً ... عَوْمَ السَّفائنِ تُزْجيها نَوَاتيها
وقال أيضاً:
قَطَعتُ بها خَرقاً كأنّي وآلُهُ ... أمامي وخلفي راكبٌ لجَّةَ البحرِ
وقال عباس بن فرناس:
يفلقنَ لُجَّةَ آله فأمامها ... حادٍ وآخرُ خَلفها لم يَلحقِ
فكأنَّ ذا موسى وذاك بإثرهِ ... فرعونُ إلاَّ أنَّه لم يَغرقِ
وقال أحمد بن عبد العزيز:
أُشبِّهُهُم والآلُ يَزهى حُمولهم ... سفائنَ في البحرِ الخضمِّ جواريا
وقال ابن هذيل:
ومُطَّرِدِ الأعلامِ خالٍ سرابُهُ ... على الأمْعزِ العاري برودٌ تُنشَّرُ
كأنَّ روابيهِ إذا اتزرتْ بهِ ... رجالٌ ببيضِ الريطِ ظُهراً تأزَّروا
الأمعز: المكان الغليظ الصلب الكثير الحصى ومثله المعزاء.
وقال أيضاً:
متوسِّطٌ جَوزَ الفلاةِ كأنَّه ... ثملٌ يَميدُ به الطَّريقُ المهيَعُ
وترَى بها جسمَ السَّرابِ كأنَّما ... نزلتْ به الحمَّى فما إنْ تُقلعُ
وقال يوسف بن هارون بعد أن ذكر فلاة:
تراها بغيرِ الآل كالبحرِ ساكناً ... فإن كانَ آلٌ خِلتَها البحرَ مُزبدا
باب في
البحر والسفن
قال أحمد بن عبد ربه يصف البحر والسفينة ويمدح:
بحرٌ يسيرُ على بحرٍ بجاريةٍ ... للبحرِ حاملةٌ بالبحرِ تُحتملُ
كأنَّها جبلٌ في الماءِ مُنتقلٌ ... يا مَن رأَى جبلاً في الماءِ ينتقلُ
تحكي العروس تَهادى في تأوُّدها ... وقد أطافتْ بها الداياتُ والخوَلُ
وقال يوسف بن هارون:
والسُّفنُ قد جلَّلها قارُها ... كأنَّها أعراءُ حُبشانِ
كأنَّها في دارِ مضمارها ... خيلٌ يُصنَّعنَ لميدانِ
كأنَّها والماءُ ميدانُها ... في الجوِّ منقضَّةُ عِقبانِ
ترى المقاذيف بأحنائها ... كأنَّما ترمي بنيرانِ
لذاكَ تَمشي مشيَ صاحٍ فلو ... جاوز أمستْ شبهَ نشوانِ
كالأعينِ الحور مجاذيفها ... من حولها أشفارُ أجفانِ
كأنَّما أبراجُها في الوغَى ... ترمي من النّفطِ ببركانِ
وقال محمد بن أبي الحسين:
ومُلتطمِ الأرجاءِ محلَولِكِ القرا ... كثيرٍ رزاياهُ قليلٍ نوافلهْ
بساطٌ من الآفاتِ رخوٌ كأنَّه ... غلالةُ ليلٍ ما تُلاثُ مهاولهْ

كأنَّ اصطفاقَ الموجِ في جنباتِهِ ... خميسٌ تهاوتْ بالسُّيوف قنابلهْ
كأنَّ سنا أمواجه في التجاجه ... لجينٌ جرَى فوقَ الزَّبرْجَدِ سائلهْ
وقال ابن هذيل:
وتلكَ الأساطيلُ المسخرةُ الَّتي ... تمرّ بتأييدٍ وتغزو فَتغنمُ
إذا مخَرتْ في البحرِ ماجتْ كأنَّما ... تخاصمُ أبناءَ الضَّلالِ فتخصِمُ
وصُفَّتْ كأنَّ البحرَ تحت صدورِها ... قد استأسرتْ أمواجه فهو أبكمُ
وقامت ستاراتٌ على جَنَباتها ... طوالٌ كما امتدَّ السَّحابُ المركمُ
وقال الغزال:
ولبسٍ كثوبِ القسِّ جُبتُ سوادهُ ... على ظهرِ غربيبِ القميصِ نآدِ
قد استأخرتْ أردافُهُ ومضتْ لهُ ... غواربُ في آذيّهِ وهوادِ
له ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعضها ... دآدئ موصولٌ بهنَّ دآدي
يبيتُ بها الملاَّحُ من حَذَرِ الرَّدى ... مُلازمَ صاريه لزومَ قُرادِ
وقال محمد بن أبي الحسين:
رأيتهُ في مركبٍ مُشْبهٍ ... برجَ سماءٍ يكنف البدرا
تكادُ أنْ تنطقَ ألواحُهُ ... بالفخرِ لما حملَتْ فَجرا
من تحتها نهرٌ ومن فوقها ... بحرُ سماحٍ يُغرقُ البحرا
ورُمتُ أن أعبرَ في إثرِهِ ... لو سهَّلَ البختُ ليَ العَبرا
أشبهتُ عطشانَ رأَى مُزنَةً ... ولم يذُقْ من مائها قَطرا

باب في
الطرود
قال عباس بن فرناس:
قد أغتدي والليلُ مركومُ الظُّلمْ ... والصُّبحُ في ثِني الظَّلامِ مُكتتمْ
بأغضفٍ مُعلَّمٍ لو قد علم ... كأنَّ شقَّ الشِّدْق من فيهِ القضِمْ
كافٌ أُجيدُ مطُّها في حُسنِ ضم ... حتَّى إذا كنَّا على ظهرِ إضَمْ
عنَّتْ لنا أرنَبُ من نحو سَلمْ ... فثارَ منها الكلبُ كالصَّقرِ الشَّهِمْ
حتَّى إذا ما كانَ منها في الأممْ ... بينهما في الفوتِ مِقدارُ القَدَمْ
جادتْ له بعطفةٍ لم تُتَّهمْ ... كما انثنَى في رجعه مَشقُ القلمْ
وقال ابن عبد ربه:
يختلسُ الأنفسَ باستلابهْ ... كلبٌ يُلقَّى الوحيَ من كلاَّبهْ
يمونُ أهلَ البيتِ باكتسابهْ ... أهببتُهُ فانصاعَ في إهبابهْ
كأنَّه الكوكبُ في انصبابهْ ... أو قبسٌ يُلقطُ من شهابهْ
وقال علي بن أبي الحسين:
أحمل غضفها كلّها لم تلمجِ ... فمن مغذِّ السّير أو مهملجِ
يقودهُ كالوحي نحو العوهج ... ينصاعُ كالكوكب إثرَ زُمَّجِ
وسوذنيقٍ مُشرفِ المحَجَّج ... مدبج بزفِّهِ مُتوَّجِ
في تيه كسرى وخفوف أهوج ... ذي مِنسرٍ كاللهذَمِ المعوَّجِ
مقابلٍ في الكفِّ وجهَ بُوَّج ... مطوَّقٍ بريشِهِ مُدرَّجِ
منقارُهُ كالحاجبِ المُزجَّج ... تخالهُ للصَّيْد كالمهيِّجِ
راكب كفِّ البازيار المدلج ... نبلُ الفنا من قُبَّرٍ وأقبُحِ
وقال ابن الخطيب:
ورحتُ في وجهِ الصَّباح المقبِلِ ... بدُستُبانٍ في يدي وأجدلِ
مُصبَّغٍ مسبق مجلجل ... قلَّصَ من ديباجهِ المسربلِ
على الوظيف شمرَةَ المُهوِّلِ ... يقبضُ كفَّيهِ على ما يعتلي
بمخلبٍ كالخنجرِ المحول ... كأنَّما قامتُهُ من صَندلِ
موصولةٌ بمثلِ أنفِ المنجل ... يُبصرُ من فرطِ ذكا التأمُّلِ
من تحتِ بطنِ الحوتِ حَبَّ الخردل ... حتَّى بدا سربُ قطاً لم يَنهلِ
يسعى لزغبٍ في الفلاةِ عُطَّلِ ... فقام كالسَّهمِ بكفِّ المُرسِلِ
مسوِّياً آخرها بالأوَّل ... فابتزَّ منهنَّ كلحظِ المُعجَلِ
أو كانخطافِ الأجلِ المؤجَّلِ ... كدْريَّةً ذاتَ شفاه أنجلِ
فقدَّ عنها درعَ ريشٍ مُخملِ ... وخلَّ بالتَّفصيلِ كلَّ مِفصلِ
واسلمتْها النَّفسُ للتجدُّلِ ... فجئتهُ وهو بها لم ينزلِ
بمثلهِ في الشدِّ والتوغّلِ ... فصاده وصيده ...... يجتلي
وهي تكاد للعذابِ المنزلِ ... تؤكلُ دون الشّيِّ للترهُّلِ
وقال ابن هذيل في ساف:
ربَّ صغيرِ الخلقِ ذي دهاءِ ... يستنزلُ الطَّيرَ من السَّماءِ
داني المدَى لغايةِ التنائي ... كأنَّه ضربٌ من القضاءِ

إذا هوَى من خافِقِ الهواء ... ساف كمثلِ السَّيف في المضاءِ
وقال يوسف بن هارون في البازي والدستبان:
تبدَّتْ على البازي من الريشِ لأمةٌ ... فتحسبهُ منْ سائرِ الطَّير يتَّقي
وتدْريقةٌ فوق البياضِ كأنَّما ... تُصبُّ عليه درعُهُ فوقَ يَلمقِ
غدا أحمرَ العينين تحسبُ أنَّه ... له عينُ غضبانٍ على الطيرِ محنقِ
وقد وُرِّستْ ساقاهُ حتَّى كأنَّما ... له بالثريا خاضبٌ لم يحقَّقِ
كأنَّ بنانَ الكفِّ كلَّ بنانة ... بها طُرِّفتْ منها بنونٍ معرَّقِ
وقد أُلبستْ لونَ المدادِ كأنَّها ... أناملُ كتَّابٍ تخطُّ بمُهرقِ
فإن كانَ للبازي من الريشِ لأمةٌ ... فللدستبان درعُ وشيٍ منمَّقِ
عليهِ من العقيانِ ساقٌ ومقلةٌ ... فصارَ كمكحولٍ به ومسوَّقِ
جعلتُ لساقيه فَخُصلَةِ كفِّه ... حليَّ العذارى في نواصٍ وأسوقِ
غَدَونا بسربِ ضُمَّرٍ مثلِ ضُمَّرٍ ... إذا لحقت منها الأياطل تلحقِ
إذا اضطربتْ فوق الأكفِّ حسبتَهَا ... لغيبتها عن صيدها في معلَّقِ
فأُرسلنَ في ميدانهنَّ كأنَّها ... صواعقُ ما لاقتْ من الطير تصعَقِ
وقال ابن هذيل في البازي:
ومهتبلٍ بالجوِّ والأرضِ مسرعٍ ... إلى كلِّ ما استنهضتَهُ غير غافلِ
تقارب منه خَلقُهُ فكأنَّه ... علاةُ حديدٍ حُذِّفتْ بالمعاولِ
تكفَّرَ في موضونةٍ تحت لينها ... خشونةُ ظفرٍ كالرِّماح الذَّوابلِ
وفاضتْ فلم يفضلْ له من جميعهِ ... بها غيرُ ساقيه لعِقدِ الجلاجلِ
ولمَّا ثنَى في الأُفقِ صورة نفسهِ ... على قَطَواتٍ في الوهادِ عواقل
تجلى عليها مُقبلاً فكأنَّما ... رماها بصعقٍ أو بنجم المقاتلِ
كأنَّ يديه فيهما قوسُ نادفٍ ... فتُدني من الأوتارِ ريشَ الحواصلِ
وقال في الكلب:
وأغضفَ يلغي أنفَهُ فكأنَّما ... يقودُ به نورٌ من الوحيِ نيِّرُ
إذا ألهَبَتْهُ شهوةُ الصَّيدِ طامعاً ... رأيتَ عقيمَ الرِّيح عنه تقصِّرُ
وقال عبد الله بن إدريس الوزير:
خرجنا نؤمُّ الطيرَ في مستقرِّهِ ... وصيدَ الصَّحاري بالحتوفِ القواصدِ
على سابحاتٍ كاليعاسيبِ ضمَّرٍ ... تسابقُ أنفاسَ الصَّبا في الفدافدِ
نديرُ على الصَّيدِ الشَّواهينَ في مدًى ... من الجوِّ عالٍ عن رؤوس القرادِدِ
إذا حلَّقتْ في الجوِّ قلنا فراقدٌ ... وإمَّا هَوَتْ قلنا هُويُّ الفراقدِ
تطيرُ قلوبُ الطَّير عند انقضاضها ... كشؤبؤبِ مُزْنٍ في دويِّ الرَّواعدِ
كأنَّ مجالَ العين في صفحاتها ... مجالُ لحاظِ الصبِّ في وجه ناهدِ
يغرِّدُ في أكنافنا الطيرُ مثلما ... تغرِّدُ فوقَ العودِ إحدى الولائدِ

باب في
الحيَّات
قال أحمد بن هذيل:
منَ الرُّقشِ في ظهرها حلَّةٌ ... قد اختلفتْ فيه ألوانُها
ومُدَّتْ بأخرى على جوفها ... مُعصفرةٍ هالني شانها
وتنصبُّ مثلَ التلاع الملاءِ ... فاضتْ على الأرضِ خُلجانها
فمن قائمِ الرمحِ جُثمانها ... ومن حدَّة الرّمح أسنانها
أراها الفتاةَ اللَّعوبَ الَّتي ... تفوح من المسكِ أردانها
وكنت جحدتُ سراويلها ... فقالتْ أما تلك هِمْيانها
وقال أيضاً:
هُرْتُ اللهازمِ ليلهنَّ رواقدٌ ... فإذا حبت في باطنٍ أو ظاهر
يرمين نِفطاً مُحرقاً وكأنَّما ... يحرقن بالأنيابِ حدَّ مياشر
يرفعنَ أعناقاً كعيدانِ القَنَا ... ويدعنَ في المنتاب رُعبَ الخاطر
وتميلُ عمَّا قابلتْهُ بوجهها ... فكأنَّما تحكي صدودَ الهاجر
وإذا صنعن دوائراً فكأنَّما ... يُحكمنَ صوغَ خلاخلٍ وأساور
وكأنَّما أحداقهنَّ مع والضُّحَى ... سبجٌ يقلِّبُ بين كفّي تاجر
وقال علي بن أبي الحسين:
أرقَمُ كالدِّرع فيه وشمٌ ... منمنمُ الظَّهرِ واللَّبانِ
يزحفُ كالسَّيل منْ تلاعٍ ... كأنَّ عينيه كوكبانِ
ما بين نبعٍ وبين ضالِ ... وبين آسٍ وأقحوانِ
يرتشفُ الماءَ من نطافٍ ... ويقضمُ الحمضَ من رعانِ
باب في
الخيل
قال أحمد بن دراج:
سامي التليلِ كأنَّ عقدَ عذارهِ ... في رأس غصنِ البانةِ الميَّادِ
يُهدى بمثل الفرقدين ونابَ عن ... رعيِ السِّماكِ بقلبهِ الوقادِ
فكأنَّما أطِسُ الأباطحَ والرُّبى ... بعُقابِ شاهقةٍ وحيّةِ وادِ
وكأنَّهُ من تحتِ سوطي خارجاً ... في الرَّوعِ شعلةُ قادحِ بزنادِ
وقال محمد بن ربيع:
ومُقْورَّةٍ مثلِ السراحينِ شُزَّبٍ ... تكرُّ على سيرِ الحتوفِ وتعطفُ
تبدِّلُ ألواناً إذا الركضُ هاجها ... فتنكرُ منها بعضَ ما كنتَ تعرفُ
ترى الأدهمَ الغربيبَ منها كأنَّما ... تجلَّلهُ بالنضحِ قطنٌ مندَّفُ
وحيناً ترى الشهبَ اللوامعَ قد غدتْ ... من النَّقعِ خضراً رشحها يتوكَّفُ
وقال يحيى بن هذيل:
وذو خضرةٍ مقسومةٍ شقَّ بينها ... بياضٌ كعرضِ السَّيفِ لم يتثلَّمِ
هو الصُّبحُ إلاَّ أنَّه حان ليلهُ ... فقسَّمهُ شطرين في جلدِ أدهمِ
إذا لاحَ في حيزومِهِ فكأنَّهُ ... عليه نظامٌ فوقَ جيدٍ ومِعصمِ
إذا مرَّ لم يدخلْ ممرّاً كأنَّما ... سقوهُ مُداماً بالكبيرِ المُفدَّمِ
وقال أيضاً:
ومحجَّلٍ حرٍّ كأنَّ أديمَهُ ... سبجٌ يكادُ يسيلُ مما يلْصفُ
يلقاكَ أوَّلُهُ بأصبحِ غرَّةٍ ... من تحتِ ناصيةٍ عليها تعكفُ
فإذا هفتْ من فوقها تحكي لنا ... قمراً يغيَّبُ بالظَّلامِ ويكسفُ
ملآنُ من ريعانه فكأنَّه ... رشأٌ لأخفى نَبأةٍ يتشوَّفُ
وقال أيضاً:
وماجن صوت معشوقٍ إذا اجتمعتْ ... ألحانُهُ وهي شتَّى نبَّهَت قَلَقي
كأنَّ نَغصَ عذارَيه إلى فمِهِ ... كأسٌ مُفتَّحةٌ من خالصِ الورقِ
كأنَّ عينيه من ياقوتتين إذا ... ما كانتا في صفا ماءٍ إلى الزَّرقِ
كأنَّما سرجُهُ في ظهرِ كاسرةٍ ... أو حاصبٍ يتوقَّى برقَ مُنبعِقِ
كأنَّما هو محمولٌ على أدبٍ ... فليسَ يُلحقُ في ساقٍ ولا عُنُقِ
وقال أيضاً:
وقصيرِ الظَّهرِ مرفوعِ الخطى ... تامِكِ الحاركِ نهدٍ مُعتدلْ
وهو محزومٌ على حيزومِهِ ... ببياض في أديمٍ قد صُقلْ
فترى الليلَ على مقدمِهِ ... شطرَهُ فيه وشطراً في الكَفَلْ
فكأنَّ الصُّبح فاجأه فلم ... يستطعْ مِن كدِّه أن يتصلْ
أو كأنَّ السَّيفَ في موسطه ... بين قينين لإصلاح الفَلَلْ
أو كأنَّ البدر فيه أطبقتْ ... فوقه مُظلِمَة ثمَّ أطلّ
وقال يوسف بن هارون:
وأقبَّ كالمحبوبِ حُسناً لم يجدْ ... كصفاته لو حُدَّ في تمثالِ
في سرعةِ الأوهامِ ليس كجريه ... في البعدِ إلاَّ خِلبَةُ الآمالِ
ذو منظرٍ حسنٍ تضمَّنَ مخبراً ... حَسَناً فكانَ لزينةٍ وقتالِ
ألقَوْا عليه حليَهُ فبدا لنا ... فيه كما تبدُو العروسُ لجالِ
وكأنَّما يُزهى بما يعلوه مِنْ ... حَلْيٍ فيمشي مِشيةَ المختالِ
حَطَمتْ حوافرُهُ السِّلامَ صلابةً ... فكأنَّها من أوجُهِ البُخَّالِ
وقال أيضاً:
وأبلَقَ مِن شرطِ الكميِّ لزينةٍ ... وإحرازِ ميدانٍ ويومِ قتالِ
له لببٌ مِن شُهبةٍ بين دُهمةٍ ... كعامِ صدودٍ بعد يومِ وصالِ
تدرَّعَ بدرَ التِّمِّ نوراً وظلمةً ... ولُبِّبَ في حيزومِهِ بهلالِ
وقال غيره:
وأقبٍّ محبوكِ القوائمِ والشّوى ... كالرِّيح أو كالبرقِ أو كالسَّوْذَقِ
متيقظٌ في عدوِهِ أو شدِّهِ ... لدنُ العنانِ إذا شأى لم يُلحقِ
أدَّبتُهُ أدَبَ الوَغَى فتراهُ في ... عَرَصاتها يَغشَى الطِّعانَ ويتَّقي
تُثنى مَفَاصلُهُ بمُختلفِ القنا ... ...... ثنى القضيبِ المورقِ
ويجافسُ الأرْوى لدى شُمِّ الرُّبى ... فإذا اعترى نهرٌ طَفَا كالزَّورقِ
الأروية: الأنثى من الوعل، وثلاث أراوي إلى العشر فإذا كثرت فهي الأروى.
وقال ابن الخطيب:
فرُحتُ للصيدِ برحبٍ هَيكل ... عالي الشّوى لاحقِ خلقِ الأيطلِ
متقدٍ حميَّةً كالمرجلِ ... يختالُ كالنَّشوانِ في التَّفتُّلِ

يسبقُ شدَّ الرِّيح بالترسُّلِ ... يغدُو لديهِ البرقُ كالمكبَّلِ
اذكرْ عليه أيّ أرضٍ وانزلِ ... يقفُرُها مِن قبلِ ذِكر المنزلِ
لستَ ترى أربعَهُ في ما يلي ... من شدَّه يعمل في التنقلِ
كأنَّما أجنحه في الكلكلِ ... لو مرَّ في الألحاظِ لم يُستثقلِ
ولا رأتْ منه سوى التخيّلِ ... قيدُ المها وعُقلةٌ للأيّلِ
ونيلُ سُؤْلِ الطالبِ المُؤمِّلِ ... وأمْنُ جانٍ وسلاحُ أعزَلِ
وقال صاعد بن الحسن اللغوي:
وأغرَّ حتفِ الوحشِ خاضَ بأربعٍ ... ماءَ اللّجينِ فوقَ لونِ شَوَاتها
وكأنَّه لمَّا ترصَّع حِلية ... بَذَرَ الثُّريَّا في دُجى ظلماتها
ريَّانُ حيثُ تَليلُهُ ظمآن حي ... ث قُصوصُهُ لُزَّتْ إلى دَأياتها
لا تعدِلَنْ أبداً برجعِ صهيله ... شدوَ الولائدِ رَجَّعتْ نبراتها

باب في
السيوف
وقال يوسف بن هارون:
له حُسنُ خلْقٍ في العيونِ إذا بدا ... على أنَّه تُردي النفوسَ غَوائلُهْ
تضاءَلَ حتَّى ما تأملتَ شخصَهُ ... بلحظكَ إلاَّ خِلتَ أنَّك خاتلهْ
كأنَّ هواهُ في الجماجمِ والطّلى ... أحلَّ الضَّنا في جسمِهِ فهو ناحلهْ
لطيفٌ كلُطفِ الروح عند ولوجه ... فمسلكُهُ في كلِّ جسمٍ مفاصلهْ
وقال ابن هذيل:
قلِقُ الفِرِندِ مشطَّبٌ فكأنَّما ... يعلُو ويَهبطُ في شباهُ ومنهَلُ
أَوْحى وأوجَزُ منْ إعادةِ نظرةٍ ... في وجهِ معشوقٍ يصدُّ ويبخلُ
ويريكَ أنَّ على يَدَي مُستلِّهِ ... نسجاً من الآل الَّذي يُتخيّلُ
لا يقدرُ الدمُ أنْ يُرَى في نصلِهِ ... فكأنَّما لم ينفصلْ ما يفصِلُ
وقال يوسف بن هارون:
ومهندٍ أخذَ العيونَ بمائِهِ ... فكأنَّها في دمعها الجوَّال
أسرَى من السّرَّاءِ في الأرواحِ بل ... أسرَى من الأرواحِ في الأوصال
إنْ كانَ للآجال جسمٌ ظاهرٌ ... للعينِ فهو مُجسِّمُ الآجال
وقال علي بن أبي الحسين:
ومُرهفٍ كالقَبَسِ المؤجَّجِ ... كأنَّ فوقَ متنِهِ المدرَّجِ
جِلدَ شجاعٍ أو فتوقَ زبْرِجِ ... تحسبُ في فِرِندِهِ المُرجرجِ
لُجَّةَ بحرٍ زاخرٍ مُموَّجِ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
كأنَّ الظبا ممَّا لزمنَ أكفَّهمْ ... مخالبهمْ أو هُنَّ منهم جوارحُ
وتعتمد الأرواحَ حتَّى كأنَّها ... جوانحُ عمَّا لا تضمُّ الجوانحُ
وقال غيره:
ومهندٍ صافي الأديمِ كأنَّهُ ... من ماءِ وجهكَ مستعارُ الرَّونقِ
لا ينثني للدِّرعِ ضوعفَ نسجُها ... من سردِ داود ولا لليلمقِ
يردُ الجماجمَ ثمَّ يشربُ بالطّلى ... وفرندُهُ بدمائها لم يَعلقِ
وقال علي بن أبي الحسين:
للهِ سيفُكَ ما أهدَى مضاربَهُ ... كأنَّه بالدراري السَّبعِ ممتزجُ
رقَّ الشَّذا منه حتَّى قالَ مبصره ... بأنَّه بالهوادي مُغرمٌ لهِجُ
وسيفُ رأيك أمضى والسّيوف له ... أوامرٌ لا تأبى حُكمَها المُهجُ
تمرُّ في كلِّ جيش وهي ساكنة ... من البروقِ جلاها العارضُ الهزجُ
باب في
الرماح
قال المهند:
كأنَّما السُّمرُ في أسنَّتها ... نارُ مصابيح يُستضاءُ بها
تلينُ هزّاً واللّينُ شدَّتُها ... كالحيَّةِ الصِّلِّ في تواثُبها
وقال يحيى بن هذيل:
ومرهفاتٍ كأنَّها شَهَبٌ ... طوالعٌ في يديكَ مطلِعُها
كأنَّها طالباتُ مسترقٍ ... مَفرعها في الكُلى ومشرَعها
وقال عبادة:
وذوابلٍ صمِّ الكعوبِ تعدَّلت ... منها المتونُ وحكمُها لم يعدِلِ
قد قُوِّمتْ فكأنَّما امتثلتْ بذا ... كَ الفعلِ في تقويمِ كلّ مُميَّلِ
وقال أحمد بن دراج:
فكأنَّ حدَّ سِنانِهِ من بأسه ... وكأنَّ صفحةَ سيفِهِ من حلمِهِ
فبهاؤه في فضله وذكاؤهُ ... في رمحِهِ ومضاؤُهُ في سهمِهِ
وقال علي بن أبي الحسين:
بروجٌ في الخطيِّ فيها كواكبٌ ... لها من قلوبِ المجرمين منازلُ
تردَّتْ نحولَ العاشقين كأنَّما ... بها من تباريحِ الغرامِ بلابلُ

كأنَّ ضِراماً في الوغى متأججاً ... ومنها لهيبٌ والدّخانُ القساطلُ
بها يُكتبُ الفتحُ الذي صُحفُهُ العدى ... فأقلامُهُ عند الكماةِ الذَّوابلُ
تخطُّ خطوطاً في الأعادي مدادُها ... نجيعٌ ومخشيُّ الحِمام الرَّسائلُ
كأنَّ شَذَا أطرافِها إذ ترفَّعتْ ... شَذَا ألسُنِ الحيَّاتِ حين تُصاولُ
وقال ابن عبد ربه:
بكلِّ رُدينيٍّ كأنَّ سنانَهُ ... شهابٌ بدا في ظلمةِ اللَّيلِ ساطع
تقاصرت الآجالُ في طُول مَتنهِ ... وعادت به الآمالُ وهي فجائع
وقال علي بن أبي الحسين:
وكأنَّ الرِّماح طيرٌ ترى الوِرْ ... دَ ظماءً في منهلِ الأوداجِ
وكأنَّ الصرعى نشاوى مُدامٍ ... في نخاخٍ حُمرٍ من الدِّيباجِ
وقال غيره:
وأصمَّ معتدلِ الكعُوب هززتُهُ ... فهوى هُوِيَّ البارقِ المتألقِ
ظمآنُ إلاَّ أن يوافقَ منهلاً ... بين الجوانحِ من دمٍ مُتدفِّقِ

باب في
القسيِّ والنبال
قال المهند:
كأنَّ عوجَ القسيِّ قد أخذتْ ... شِبهاً من الخُوذ في حواجبِها
فعطفُها عطفُها ومطلبُها ... في القصدِ بالرّشق من مطالبها
وقال ابن هذيل:
وحانيةٍ من غير رُحمى على طفلِ ... يعيش بلا أكلٍ ويبقى بلا رسلِ
إذا ما دنا من حِجرها نبذتْ به ... وترسلُهُ طفلاً فيغدو على كهلِ
كأنَّ تراخيها قوامٌ لقوَّةٍ ... تميلُ عليه تارةً ثمَّ تستعلي
إذا استعقلتْهُ وهو قبضة حجرها ... مضى يضعُ التأكيدَ في فرقة الشَّملِ
لها رنَّةٌ في إثره بعدَ فقدِهِ ... فتحسبُها تبكي عليه من الثكلِ
وقال أيضاً:
تعاورتهمْ نبالٌ عن معابلها ... كالنَّحلِ أو كشآبيب الحيا الزّجلِ
في كلِّ واجدة نعيٌ تمدُّ به ... من رنَّةِ الوتر يحكي رنَّة الثكلِ
وقال أيضاً:
ومدركاتٍ ولم تطلب وليسَ لها ... روحٌ وتنصفُ من باغٍ وإن بعُدا
في كلِّ واجدةٍ صوتٌ إذا لهجت ... به أصابتْ مُراداً في الذي مردا
كأنَّ أولادها حِنٌّ إذا انبعثت ... لم تُبقِ لا والداً حيّاً ولا ولدا
وقال علي بن أبي الحسين:
وقِسيِّ نبعٍ كالأهلَّةِ توِّجتْ ... بنجومِ أسهمها لنزعِ النَّازعِ
خرسٌ وتنطقُ بالأنينِ وما بها ... وَصبٌ وتقذفُ بالسّمامِ النَّاقعِ
وقال أحمد بن دراج:
وحنانةِ الأوتارِ في كلِّ مُهجةٍ ... لعاصيكَ أوتارٌ لها وذُحولُ
إذا نبعها عنها أرَنَّ كأنَّما ... صداهُ نحيبٌ في العدا وعويلُ
وقال أبو عوف القرشي:
وعاتقةٍ أطرّتْ عودَها ... أكفُّ الرُّماةِ به فالتوَى
كتومٌ من النَّبع مضعوفةٌ ... كمثلِ الهلالِ إذا ما بدَا
معطَّفةٌ كإهانِ السحوقِ ... أثقلَهُ وَقْرُهُ فانثنَى
أو المرءِ أوهنَ جثمانَهُ ... مرورُ الحوادثِ حتَّى انحنَى
قال جعفر بن عثمان:
وكأنَّ مُستنَّ السّهام على ال ... باقينَ منهم صَيِّبٌ برَدُ
وكأنَّ قذفَ المنجنيق بها ... صَعَقٌ غدا يهمي ويطردُ
وقال علي بن أبي الحسين:
وفرعٍ كتومٍ كالهلالِ تعطَّفتْ ... لترأَمَ سقباً ...... وهي حائلُ
لها صفرةُ المتبولِ وهي بريَّةٌ ... من السُّقمِ مَتبولٌ بها مَن تُراسلُ
إذا أرسلت منها شُواظاً حسبته ... رسولاً على رغم الأعادي يواصلُ
تؤمُّ شياطينَ الضَّلالِ بِحاصبٍ ... من النَّبلِ لا تُخطيهِ منها المقاتلُ
وقال عبادة:
بكفِّهِ نشَّابةٌ أذْكرتْ ... في قبضِها من قلبيَ النَّاشبِ
كأنَّ يُمناه على ناظرٍ ... منه ويسراهُ على حاجبِ
كأنَّما تَعقدُ في وترهِ ... تسعاً وستِّين يدا حاسِبِ
وقال المهند:
فكأنَّ القسيَّ يرشقُ منها ... كلُّ نجمٍ من عطفِ كلِّ هلالِ
وكأنَّ السُّيوفَ في ثائرِ النَّق ... عِ شموسٌ مضيئة في ليالِ
باب في
الدروع والبيض
قال علي بن أبي الحسين:
ومسرودةٍ من نسجِ داودَ تحتها ... أُسودٌ لها منها عليها غلائلُ

تخالُ بها موجاً من الزُّعفِ سائلاً ... له الأرضُ بحرٌ والبحار سوائلُ
كأنَّ متونَ الرُّقشِ فوق متونها ... وقد حملتها في الجنوبِ الحمائلُ
جواشنُ أمثالُ الحليِّ كأنَّها ... إذا اختالَ فيها الَّلابسونَ خمائلُ
وقال أيضاً:
وأشباهِ بيضاتِ الأداحي كأنَّما ... على أرؤسِ الفتيانِ منها المشاعلُ
شموسٌ إذا ما الدَّجْنُ أرخَى سدولَهُ ... وأقمارُ ليلٍ حين تدجو الغياطِلُ
وقال يوسف بن هارون:
وما استلأَموا حِرزاً ولكنَّ لأمهُمْ ... برودهُمُ في المعْرَكِ المتلاحمِ
فآبوا بها سودَ الثّيابِ كأنَّهم ... وقد قتلوا أعداءهُم في مآتمِ
وقال ابن هذيل:
ترَى لابسي نسجِ الحديدِ كأنَّهم ... وراءَ الدّروعِ السُّودِ غُبرُ الضراغمِ
يهُولكَ أن تدنو إليها كأنَّما ... ترَى فُرَصاً منها عيونَ الأراقمِ
وقال أيضاً:
من كلِّ ضافيةِ الغديرِ ترَى لها ... طُرُقاً تصيرُ على المتونِ غدائرا
قد سمِّيتْ أُمُّ الزَّمان فأرضعتْ ... أولادَها ثديَ الرّماحِ أصاغرا
فكأنَّهم يتطافرون لريبةٍ ... أو روعةٍ لو أنَّ فيهم طافرا
وكأنَّهم ممَّا تدانَوا والتقَوْا ... طيرٌ رأتْ في الجوِّ صقراً كاسرا
وقال أيضاً:
وكأنَّ درعكَ أُنشئتْ من مُزنةٍ ... فيكادُ أن يعشَى بها المستلئمُ
وكأنَّهمْ ممَّا تَدانَوا والتقَوْا ... رفٌّ فتحسبها تهمُّ وتهجمُ
وكأنَّ جسمكَ من وراءِ حجابها ... دين يشحُّ بهِ تقيٌّ مسلمُ
وقال أيضاً:
وسابغاتٍ كأنَّما نُسجتْ ... بالآلِ ممَّا صَفَا مُلَمَّعُها
إن اكتسَى فارسٌ بها انهرقتْ ... كأنَّه في التُّرابِ يزرعُها
كأنَّها والأكفُّ تلمَسُها ... رُقْشُ الأفاعي تكادُ تلسعُها
وقال أيضاً:
كأنَّ الدّروعَ البيضَ والبيضُ فوقها ... غمائمُ غرٌّ أفرَجَتْ عن بوارقِ

باب في
الرايات والتجافيف والطبول
وقال يحيى بن هذيل:
وكأنَّ الرَّاياتِ وهيَ معَ الرِّي ... ح فؤادُ المقصودِ في خَفقانِهْ
وكأنَّ التجفافَ أوجهُ أهلِ الكف ... رِ والبأسُ في لظى نيرانهْ
وقال يوسف بن هارون:
يقودُ جنودَ الجوِّ والعرشِ والثَّرى ... فأعداؤُهُ معذورةٌ في الهزائمِ
ملائكةُ الرَّحمنِ تحتَ لوائِهِ ... ومن تحتهِ جندُ النُّسورِ القشاعمِ
كأنَّ سليمانَ بنَ داودَ تحتها ... تظلِّلُهُ من حرِّ تلك السَّمائمِ
وقال عبادة:
هذي وفودُ الرُّومِ نحوطَ بادَرَتْ ... أَمَّ القطا للمنهلِ المورودِ
وصلوا على مثلِ الصّراطِ إليك من ... هولٍ وأنفسهم بلا مَجلودِ
في جحفلٍ كالرَّوضِ في ألوانهِ ... يهفو بأعلاهُ سحابُ بنودِ
وكأنَّما الحيَّاتُ فاغرةٌ به ... تومي إلى الأعداءِ بالتَّهديدِ
وكأنَّما العقبانُ في نفحِ الصَّبا ... تَهوي إلى صيدِ الكماة الصّيدِ
والأرضُ تَحْسبها سلوكاً سطِّرتْ ... فيها لآلئ عُدَّةٍ وعديد
وقال المرادي:
وكأنَّما الآسادُ في أَشْلائها ... غَرْثى بغيرِ دمِ العدا لا تشبعُ
وكأنَّما العقبانُ فرَّ أمامها ... صيدٌ فطائرُهُ إليه وُقَّعُ
ولروعةِ الثُّعبانِ في حَرَكاتِهِ ... هولٌ يُراعُ به الكميُّ الأروَعُ
غضبانُ يفغَرُ في الهواءِ كأنَّهُ ... عطشانُ في مُهجِ الأعادي يكرعُ
قال ابن هذيل:
وكأنَّ البنودَ أجنحةُ الطَّيْ ... رِ يُرفرفنَ إذ حوَتْها القيودُ
وكأنَّ المحمرَّةَ اللَّونِ في الأُفْ ... قِ خدودٌ يَزينها التَّوريدُ
وكأنَّ العقابُ والرِّيحَ إلفانِ ... فمِنْ ذا وصلٌ ومِن ذي صدود
وقال أحمد بن عبد الملك الكاتب:
وأعلامُ قصرٍ بالفتوحِ خوافقٌ ... تَرَى حولها طيرَ المنيَّةِ حُوَّما
كأنَّ ابيضاض البِيضِ من نور وجهه ... وذا رأيُهُ فينا إذا الخطب أظلما
كأنَّ احمرار الحُمرِ هزَّةُ سيفه ... إذا هزَّه في المشرفيَّةِ صمّما
كأنَّ اصفرارَ الصُّفرِ مِن لونِ مَن غدَا ... إلى عفوهِ مِن سُخطِهِ متظلِّما

كأنَّ اخضرارَ الخُضرِ موقِعُ جُودِهِ ... إذا ما اشتكَى بطنُ الثَّرَى علَّةَ الظّما
كأنَّ ثعابينَ القَنَا كلَّما التوتْ ... تُعالجُ وجداً في الجوانحِ مؤلما
كأنَّ العُقابَ المستطيرةَ بالصَّبا ... وقد فَغَرت منها بأنفاسها فما
محبٌّ أَتتهُ الرِّيحُ من نحوِ إلفِهِ ... فقابَلَها مستنشقاً مُتوسِّما
كأنَّ جناحيها جوانحُ عاشقٍ ... تذكَّرَ مِن عهدِ الصِّبا ما تصرَّما
ترى الضَّيغمَ الحامي حِماهُ كأنَّهُ ... يواثبُ صيداً أو يساورُ ضيغما
كأنَّ القَنَا في الطّولِ أيَّامُ عاشقٍ ... غدا وصلُ مَن يهوَى عليه مُحرَّما
كأنَّ ذوي التجفافِ والخيلُ شُزَّبٌ ... سرابيلَ من سامٍ وتبرٍ تخيَّما

باب في
الحرب ووصف الطعان
والضراب والجيوش والفتوح
قال جعفر بن عثمان:
كتائبُ أمثالُ البحارِ زواخراً ... تفيضُ على طولِ البلادِ وعرضِها
تزيلُ الكَرَى عمَّن تؤمُّ كأنَّما ... هَوَاجِلُها بين الجفونِ وغمْضِها
وقال محمد بن عبد العزيز:
وكم جيشٍ تجيش به الفيافي ... كموجِ البحرِ يضطربُ اضطرابا
كأنَّ الصُّور ضمَّتْ نفختاه ... إليه كلَّ مَنْ سكنَ التُّرابا
وقال عبد الله بن إدريس:
كأنَّ جيادَهُ عقبانُ جوٍّ ... يَطِرْنَ على الأَعادي بالأُسودِ
ومعتركٍ تخالُ النَّقعَ فيه ... ستارةَ غادةٍ حسناءَ رودِ
كأنَّ صليلَ قرعِ البيضِ فيه ... رنينُ الباكياتِ على اللّحودِ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
لهُ عسكرٌ كالبحرِ بالبيضِ مُزبدٌ ... وكالغيم عن برقِ السُّيوفِ قد افترَّا
إذا ما تبدَّى فيه كلُّ مُدجَّجٍ ... بدَا كعُبابِ البحرِ أبيضَ مُخضرَّا
فإن عَصَفتْ ريحُ الوغَى بكُماتِهِ ... رأيتَ بها وجهَ الحِمامِ قد اصفرَّا
وقال يوسف بن هارون:
مبيحٌ حِمَى الإشراكِ حتَّى كأنَّهُ ... هو الحبُّ والإشراكُ أحشاءُ هائم
بكلّ فتًى ثَقْفٍ لَوَ انَّ فؤادَهُ ... براحته أغناهُ عن كلِّ صارم
إذا اعتزلوا كانوا ملوكاً أعزَّةً ... وفي الحربِ أعوانُ المنايا الغواشم
لهم أوجهٌ غرٌّ تُنمنمُ في الوغَى ... كأنْ قد تغشتها أكفُّ الرَّواقم
كأنَّ كُلومَ الطَّعنِ والضَّربِ بهجةً ... على الوَجَناتِ الغُرّ نقشُ الدَّراهم
وقال المهند:
وللجيوشِ التي تحفُّ به ... مناظرُ الأسدِ في مواكبها
سائفها واصلٌ كرامحها ... ضرباً وذو الرّمحِ مثل ناشبها
كأنَّما ألَّفَ الحديدُ بها ... ماءً وناراً على مقانبها
ناراً ترَى النَّقعَ من دواخنِها ... والقُضُبَ البيضَ من كواكبها
وقال ابن هذيل:
تكاثَفَ حتَّى لا ترَى الطّير حولَهُ ... مكانَ التقاطٍ أو وروداً لحائمِ
تبيتُ التي لم تجعلِ الطَّلحَ وكرَهَا ... طلائحَ ما بين العتاقِ الصَّوائمِ
وتلك الَّتي أرزاقُها في حمايةٍ ... محلّقةٌ كالعارضِ المتراكمِ
إذا عارضتْ شمسَ الضُّحى فهي ظلَّةٌ ... على قممِ الفرسانِ سودِ العمائمِ
إذا وجَدَتْ خرقاً من الرّيش أَدخلت ... شُعاعاً يسيراً مثل قدحِ المناسمِ
أو اطَّلعَتْ من بيتها فكأنَّها ... تخالسُ سرَّ الجيش قبل الملاحمِ
تكافَوْا فأعطَوْها من اللّحم قوتَها ... وأعطتهمُ ظلاً بحرِّ السّمائمِ
وقال علي بن أبي الحسين:
كأنَّ الوغَى مِن سفكِهِ الدَّمَ روضةٌ ... تناثَرَ من أَغصانها وَرَقُ الوردِ
كأنَّ جموعَ الحائماتِ مآتمٌ ... لبسنَ الحدادَ الجَوْنَ حُزناً على الفقدِ
كأنَّ السَّبايا جوهرٌ متبدِّدٌ ... تناثَرَ لما خانَهُ السِّلكُ مِن عقدِ
فتوحٌ توالى الصُّنعُ فيها كأنَّهُ ... مع الرِّيح أو معَ الشَّمسِ في حَدِّ
وقال ابن هذيل:
كأنَّهُ طبَّقَ الدُّنيا إذا انبسطتْ ... فرسانُهُ لمغارٍ يومَ إرسالِ
مقاربُ الخطو لا تُخْطي بوادرُهُ ... كالبحر يجرفُ وَشْلاً بعد أوشالِ
إذا انثنَى بقفولٍ ماج من عِظَمٍ ... دهراً كأنَّ ذويه غيرُ قُفَّالِ
وقال أيضاً:

وتُشفقُ الدِّرعُ أن تنسابَ خائفةً ... منه عليه فقد حارتْ من الحَذَرِ
كأنَّما نارُ إبراهيم باقيةٌ ... فيها فإنْ صالَ لم تحرقْ ولم تضرِ
كأنَّما السَّيفُ يقضي فوق ساعده ... فرضاً فيركعُ فوق الهامِ والقصرِ
وقال سعيد بن محمد بن العاصي القرشي:
تشدُّ شعاعَ الشَّمسِ شرقاً ومغرباً ... إذا ما استمدَّتْ في السُّهوبِ مُدودُها
وقد ظلِّلتْ عِقبانُها حيثُ وُجِّهتْ ... بعقبانِ طيرٍ في السَّماءِ جنودُها
تُظلُّهُمُ فوقَ الرؤوسِ كأنَّها ... سحابٌ وأصواتُ الطّبولِ رعودُها
فتعطي لعينِ الشَّمسِ في الجوِّ فرجةً ... كمثل نقابِ العين ليسَ تزيدُها
وقال ابن هذيل:
كأنَّما الخيلُ أرآم فوارسُها ... أُسدٌ وبينهما صلحٌ قد انعقدا
كأنَّما قمم الفرسانِ قد ترَكَتْ ... فيها النعامُ تريكاً عمَّها عَدَدا
كأنَّها وسيوفُ الهندِ تقرعُها ... طيرٌ تجاوبُ طيراً صَيِّتاً غَردا
الأرآم - الهمز - الظباء، والإرام - بلا همز - الحجارة تنصب أعلاماً، واحدها إرم.
وقال صاعد بن الحسن اللغوي:
فَضَحَّيتَ منهم بالرِّجالِ وأقبلتْ ... سباياهمُ مثلَ الجرادِ المبدَّدِ
حسانَ الخدوشِ في الخدودِ كأنَّها ... وشائعُ نقشٍ في نسيجٍ معمَّدِ
وقال أيضاً:
غزوٌ كوَلْغِ الذِّئب عنْ ظمأٍ ... في باردٍ خَصِرٍ من الثُّعَبِ
تُزجَى الجيادُ إلى الجيادِ كما ... تُزجَى الخوامسُ ليلةَ القَرَبِ
فكأنَّها هي غير أنَّ لها ... شُرباً تفجِّرُهُ بذي شُطَبِ
خاضَ البحارَ إليهمُ وهوَى ... كالسَّيلِ من عالٍ إلى صَبَبِ
وقال أحمد بن دراج:
مُتقحِّم الأهوالِ في ضنكِ الوغَى ... فكأنَّ نفسَ عدوِّهِ في جسمِهِ
كالموتِ غالَ بفجئه والليث صا ... لَ ببأسه والسَّيلِ جاحَ بحطمِهِ

باب في
الرؤوس والمصلوب
قال ابن هذيل:
تَتْرَى رؤوسهمُ عليك كأنَّها ... نُغَرٌ توافتْ فوقَ روسِ تلالِ
صُفَّتْ بقارعةِ الرَّصيفِ كأنَّما ... تقضي صلاةَ الخوفِ دون كمالِ
فاستقبلتْكَ كأنَّما عن توبةٍ ... خضعتْ لو ارتفعت إلى الإمهالِ
وقال عبادة في دخول جسد ابن فرذلند في تابوت:
فرَّقْتَ بين دماغِهِ وفؤادِهِ ... وجمعت بين غُرابِهِ والسِّيد
فكأنَّ رأس بلالٍ أظمأهُ الرَّدى ... فدنا من الوادي رجاءَ ورودِ
وكأنَّ بطنَ أخيه ظهرُ الشَّيهم ... الضَّاحي أو الملقى من العنقودِ
وكأنَّما التَّابوتُ حنَّطَ شِلوَهُ ... فأتاك فوق الظّهر في ملحودِ
أكلت وديعتَهُ الوغَى وكأنَّما ... رفعَ الَّذي أبقتْهُ في سفُّود
رأسٌ أُميلَ عقوبةً إذ لم يدِن ... للهِ في أيَّامِهِ بسجودِ
طمحت إليه عيونُنا فكأنَّما ... رصدت بطلعتِهِ هلال العيدِ
وقال ابن هذيل في مصلوب:
لحق السها في جذعه فكأنه ... متسمع يفشاه نجم قاذف
أو مطرق لعظيمة يثني لها ... من نفسه العصيان ثم يخالف
وقال أيضاً:
فكأنَّما فيه بقيَّةُ روحِهِ ... وكأنَّما عن ريبةٍ لم ينطقِ
متقلِّصُ الشَّفتين تحسبُ أنَّه ... في الجذع يضحكُ إذ يرتقي
أَوفَى عليه في العلوّ كأنَّه ... مُتعلِّقٌ بالفرقدِ المتعلّقِ
قد قابلَ الجهةَ الَّتي كانتْ لهُ ... فكأنَّه باكٍ وإن لم يشهقِ
وقال أيضاً:
ومدَّ ضبعَيهِ في أعلَى مُزاحمةً ... للنَّجم ما كان عنها النَّجم ينحدرُ
كأنَّما هو فيها شخصُ مُسترقٍ ... مُوقّفٍ لبني الدُّنيا ليعتبروا
وقال درود:
كأنَّه نُسُكٌ في الحجِّ قرَّبَهُ ... بين الهدايا إلى الرَّحمنِ ناحرُهُ
كأنَّه في أعالي النَّجمِ معترضاً ... حيٌّ على وجلٍ ماتتْ خواطرُهُ
كأنَّه في تجلِّيه لمبصرِهِ ... لحمٌ على وضمٍ يرعاهُ جازرُهُ
كأنَّما لاحتِ الجوزاءُ واطَّلعتْ ... به الثُّريَّا إذا لاحت تسامرُهُ
وقال عبود:
قد اغتدَى فاتحَ الأَعضادِ في خشبٍ ... كأنَّه طائرٌ يومي لتمطارِ

أصمُّ أخرسُ مقطوعُ اليدين معاً ... مُضبَّبُ العينِ في عودٍ بمسمارِ
وقال محمد بن مَسَرَّة:
كأنَّهمُ دانوا بأنَّك ربُّهُم ... فخرُّوا جميعاً حين أطللتَ سُجَّدا
كأنَّ رقاب المشركين قصائد ... تكون لها علياك في الحربِ منشِدا
كأنَّ الدم المهراق أسكر نصله ... فصال على حزب الضَّلال معربدا
كأنَّ رؤوسَ الشّرك طيرٌ سواكنٌ ... غدوتَ لها بالمشرفيِّ مشرِّدا
وقال ابن محاسن الكاتب:
فطيَّرَ عنهم هامَهم وكأنَّها ... قطا الجوِّ أردَتها أجادلها الكهبُ
كآثار عادٍ يومَ غودوا بحاصبٍ ... وآلِ ثمودٍ إذ رغا فيهم السَّقبُ
وقال قاسم بن محمد الكاتب:
صرعَى بأفنيةِ البيوتِ كأنَّما ... شملت عُقولهمُ سُلافُ شمولِ
جثثٌ كأنَّ دماءهَا بنحورها ... محمرُّ قِنوٍ في صريع نخيلِ

باب في
الخوف والمهابة
وقال محمد بن عبد العزيز:
حيرانُ تفرقُ نفسُهُ من نفسِهِ ... فرقَ العدوِّ من العدوِّ الموبقِ
وكأنَّما يثني عنانَ مُكدّمٍ ... متسنِّقٍ أو ناشطٍ متهزِّقِ
أو زورقٍ مُتمخِّر أو نِقنِقٍ ... متمطِّرٍ أو سوذنيقٍ أزرقِ
قلقاً يرَى شجرَ الفلاةِ فوارساً ... من بين منصلتٍ وآخرَ مُعنقِ
وقال عبد الملك بن جهور:
وأصبحتِ الدُّنيا عليَّ برُحبها ... كحلقةِ خاتامٍ أسًى وتحزُّنا
وقال محمد بن الحسين الطاري:
ورابطِ جأشٍ ليلُهُ غيرُ ساهرٍ ... توعَّدتهُ ضاقت عليه مذاهبُه
يبيتُ على نأيِ المحلِّ مروَّعاً ... كأنَّ صباها والجنوبَ تُطالبه
وقال محمد بن الحسن:
سرى الخوفُ فيهم والرجاءُ فأوجفوا ... عجالَ نفوسٍ فوقَ راكضةٍ عُجلِ
وعاذوا كما عاذَ الحمامُ بمكةٍ ... وفرعكَ في التَّأمينِ من ذلك الأصلِ
وقال عبد الله بن موسى بن حدير:
أنيسٌ بوحشِ البيد ناءٍ عن الأهلِ ... وحيدٌ نجيُّ الهمِّ مفترقُ الشَّملِ
ولو حلَّ في حيثُ الثُّريَّا مَنوطةٌ ... لجال إليهِ برثنُ اللَّيث يستعلي
وقال محمد بن شخيص:
إذا جلت للورى الوجهَ الَّذي حَسدت ... حبُّ القلوب عليه ناظرَ المُقلِ
أغضَوا ولولا تلالي بشره لحكَوْا ... موسى أوانَ تجلَّى النّورُ للجبلِ
وقال علي بن أبي الحسين:
وحدَّثَ عن أقداركم فهوى لها ... إلى الأرضِ وهو الشَّامخُ المتكبّرُ
كموسى رأى البرهانَ في الجبلِ الَّذي ... تصدَّع لما أن تجلَّى المصوِّرُ
وقال محمد بن أبي الحسين:
قصُرتْ خُطاهم إذا طلعتَ مهابةً ... فكأنَّما الماشي إليك مُقيدُ
وكأنَّهم إذا نكسوا أبصارَهُمْ ... قُبُلٌ فلحظهمُ لغيركَ يعمَدُ
لحظوا كما لحظَ الأسيرُ فعاينوا ... بدراً على سررِ الخلافةِ يقعُدُ
وقال ابن هذيل:
لم تبقِ في الكفَّارِ إلاَّ هارباً ... يحكي فخلناهُ بذكرك يكلفُ
فكأنَّما في قلبِهِ من ذُعرِهِ ... وخزٌ كما نقبَ الأديمَ المخصفُ
وقال أيضاً في المهابة:
كأنَّا من الإجلالِ تحتَ عمايةٍ ... نطاطي لها بالرُّعبِ كلّ الأحاين
كأنَّا قُرفنا باجترامٍ فما لنا ... لسانٌ يُقوِّينا بعذرٍ مباين
وقال أيضاً:
وانظر إلى ملكِ النَّصارى كلِّها ... كيفَ استقادَ إليكَ وهو مبادرُ
والخوفُ يقذفهُ إليكَ كأنَّهُ ... كرةٌ لها في الصّولجانِ مكاسرُ
وقال أيضاً:
إنَّ الَّذي ولَّى ففرَّ بنفسِهِ ... للخوفِ مكشوفٌ بلا سربالِ
تُحدَى به القوداءُ وهو يظنُّها ... مِن رُعبهِ معقولةً بعقالِ
طارتْ به وكأنَّما أوصالُها ... ولَّتْ بعينيها منَ الإعجالِ
ركب الشّمالَ مولِّياً ولقلبهِ ... خفقانُ هادلةٍ بريحِ شمالِ
وقال أيضاً:
سيقوا إليكَ فلوْ شُقَّتْ قلوبهمُ ... لاسودَّ ظنُّكَ من إفراطِ ما ستروا
يرومُ أخطَبُهُمْ تأليفَ واحدةٍ ... كأنَّما بين فكَّيْ نُطفةٍ حَجَرُ
وقال مؤمن بن سعيد:
ضاقتْ بيَ الأرضُ وانسدَّتْ مخارجُها ... حتَّى كأنِّي ببطنِ الأرضِ مقبورُ

كأنَّني من بلادِ الله في نَفَقٍ ... أو مَفحَصٍ لقطاةٍ حولَهُ سُورُ
وقال ابن هذيل:
ونأخُذُ منه جودَهُ تحتَ هيبةٍ ... هي المُزْنُ يسقي الأرضَ والرَّعدُ مُطبقُ
وقال عبد الله بن عبد العزيز القرشي:
إذا خلتُ أنَّ العفوَ منكَ مُصابحي ... فأُصبحُ مغبوطاً وتصلح حالِيَهْ
أتاح امرءاً لا يتَّقي الله في امرئٍ ... فأطلقَ فينا قالةً هيَ نابِيَهْ
فأصبحتُ كالرَّاجي الحياة بمكَّةٍ ... إذا ما دنا أنأَتْهُ ريحُ ثمانيَهْ
كمل الجزء الثاني في التشبيهات من أشعار الأندلس بحمد الله وعونه ونصره وحسبنا الله ونعم الوكيل؛ يتلوه إن شاء الله الجزء الثالث في التشبيهات من أشعار الأندلس لابن الكتاني الطبيب غفر الله له ولمالكه ولكاتبه، ولجميع المسلمين آمين رب العالمين.

الجزء الثالث
في التشبيهات من أشعار أهل الأندلس لابن الكتاني الطبيب والحمد لله وحده وصلى الله على مولانا وسيدنا محمد رسول الله وسلم تسليماً.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
التشبيهات لأهل الأندلس
باب في
الدواة والقلم والصحيفة
قال محمد بن أبي الحسين الطاري في صحيفة:
كأنَّها الرَّوضةُ الغنَّاءُ قد وَكَفتْ ... فيها الغوادي بتكسابٍ من الدِّيَمِ
بكتْ عليها عيونُ المُزْنِ فابتسمتْ ... عن أُقحوانٍ كحُسنِ الثَّغر مُبْتَسمِ
كأنَّ أَحرُفَها الأصداغُ قد عُطفتْ ... في خدِّ ريمٍ بكفِّ الحسنِ مُلتَطمِ
وقال يوسف بن هارون في القلم:
وفارسِ كفٍّ دارعاً بمدادهِ ... كما لاحَ للأبصارِ في دِرعِهِ الكمي
إذا أودعَ الطَّاقاتِ بينَ حروفِهِ ... تألَّفنَ تأليفَ الجمانِ المنظّمِ
تراهُ على آثارِ أسطرِهِ ولو ... يُحضُّ على التَّقديم لم يتقدَّمِ
كبُهْمَةِ جيشٍ دارعٍ إثرَ جيشهِ ... يكرُّ على الآثارِ يحمي ويحتمي
وقال أيضاً في صحيفة:
وترى الأحرُفَ في أسطارِها ... لاصقٌ بعضٌ وبعضٌ منفرِجْ
فترَى لاصقَها مُعتنقاً ... وترَى المفروجَ ثغراً بفَلَجْ
كاقترانِ الدُّرِّ تستخرجهُ ... فِكَرٌ غوَّاصةٌ والذّهنُ لُجّ
وسوادٌ في بياضٍ قد حكَى ... سُودَ خيلانٍ بوجهٍ ذي نَعَجْ
وقال أيضاً:
مِنْ معشرٍ تنطقُ أيديهمُ ... بحكمةٍ تلْقَنُها الأعيُنُ
تلفظها في الصَّكِّ أقلامُهُم ... كأنَّما أقلامُهُمْ ألسُنُ
وقال أيضاً:
ناحلُ الجسمِ كأنْ قد شفَّهُ ... فوقها عشقُ المعاني فنَجَلْ
وكأنْ قد هَجَرتْهُ عن قِلًى ... فهو منها في بكاءٍ متَّصلْ
وإذا ما صرَّ قُضْبٌ في ثرًى ... أنَّ في إثْرِ حبيبٍ مُحتمِلْ
يشبهُ السَّهم أخاهُ خِلقةً ... في شباهُ والقضيبَ المعتدلْ
حائكٌ للوشيِ حتَّى خلتُهُ ... كانَ في صنعاءَ مشهورَ العملْ
بل كأنَّ الرَّوضَ في مُهرقِهِ ... نابتٌ من دمعِ فيه المنهطلْ
وبلا الكتّابُ ظلَّ الرّوض في ... إثرِ طَلٍّ والمعاني فيه طَلّ
وقال أيضاً في القلم:
وبكفِّه بادي النُّحولِ كأنَّهُ ... صبٌّ يخاطبُ بالدُّموعِ الهُمّلِ
صبٌّ تواصلُهُ المعاني بعدَ أنْ ... يبكي لها كبكاء مَنْ لم يُوصلِ
وكأنَّهُ بمدادِهِ متدرّعٌ ... درعاً وللأسطارِ قائدُ جحفلِ
وقال أيضاً:
كأنَّ الكتْبَ أجيادُ الغواني ... تبدَّتْ من سطورٍ في عقودِ
كأنَّ سطورَها جَزْعٌ بهيمٌ ... بدتْ فيه معانٍ من فريدِ
وقال عبد الملك بن جهور:
صُحفٌ إذا لوحظتْ يُشبِّهُها ال ... ناظرُ فيها بروضةٍ أُنُفِ
عَطفةُ نوناتِها إذا عُطفتْ ... كسالفٍ بالعبيرِ مُنعطفِ
والألِفاتُ الَّتي تُصوِّرُها ... قدُّ غلامٍ مُستملَحُ الهَيَفِ
أغيدُ كالخُوطِ فوقَ دِعْصِ نقاً ... فالموتُ منه في اللامِ والألفِ
وقال محمد بن أبي الحسين الطاري:
بمُرهفٍ يَستمدُّ مُرهَفَةً ... مُذَلّقِ الحدِّ ناحلِ الطَّرَفِ
ينشرُ سرَّ الضَّمير عاملهُ ... كالدَّمع يُبدي سرائر الكَلَفِ

لولاهُ ما قُيِّدتْ ولا انطلقتْ ... على اللَّيالي مآثرُ السَّلَفِ
كأنَّ أنقاسَهُ بِناصِعِها ... سوادُ شعرٍ في الخدِّ منعطفِ
وقال يوسف بن هارون:
قلمُ الوزيرِ كسيفِهِ ... هذا يطولُ وذا يطولُ
أضحَى كليثِ خفيَّةٍ ... ودواتُهُ للَّيثِ غيلُ
وقال عبد الله بن إدريس في كتاب:
كتابٌ ترودُ العينُ في روض خطِّهِ ... وتنهَلُ من ألفاظِهِ في مشارعِ
كأنَّ معانيه لآلٍ وخطَّه ... زخارفُ تنميقِ الأكفِّ الصَّوانعِ
رَعَتْ خطَّهُ عيني وقلبيَ لفظَهُ ... مراعاةَ صبٍّ للنُّجومِ الطَّوالعِ
أتاني كما يأتي الحَيَا بعد فقدهِ ... أو الطَّيفُ يسري في الكَرَى نحو هاجعِ
كأنَّ أزاهيرَ الرِّياضِ تنشَّرَتْ ... لعينيَ فيه بينَ تلكَ البدائعِ
أجلتُ عليهِ فكرتي فتحيَّرتْ ... تحيُّرَ مشغوفٍ بِخلٍّ ممانعِ
إذا رمتُ فيه الرّدَّ كنتُ كمن رجا ... مباراةَ أنفاس الرِّياحِ الزّعازعِ
وكتب الوزير ابن إدريس على ظهر كتاب:
كتابٌ فيه من غُرَرِ المعاني ... قلائدُ لم تنظِّمْها اليدانِ
كأنَّ مجالَ عينِ الفكرِ فيها ... مجالُ اللَّحظِ في حُسنِ الغواني
وقال المهند في القلم:
رضيعٌ من بني الأَص ... فرِ والأُمُّ من النُّوبهْ
ضئيلٌ يشبهُ الصّبَّ ... أدامَ الحبُّ تعذيبهْ
ترَى أدمُعَهُ سوداً ... ولكنْ هي مقلوبهْ
كمآقي باطنِ العي ... ن من الأنوارِ محجوبهْ
دماءٌ هي أنقاسٌ ... وسيفٌ هو أُنبوبهْ
قال: إنَّما قيل للروم بنو الأصفر لأن حبشياً غلب على ناحيتهم في بعض لهو فوطئ نساءهم فولدن أولاداً فيهن من بياض الروم ومن سواد الحبشة، فكن صفراً لغساً، ونسب بنات الروم إلى الصفر. وقد قيل إنَّما قيل لهم بنو الأصفر لأنَّهم نسبوا إلى الحبشي الَّذي غلب عليهم والعرب تسمّي الأسود الأصفر.
وقال الهذلي في الدواة:
وجاثمةٍ بينَ أيدي الملوكِ ... ليستْ تقومُ ولا تقعُد
إذا عطشتْ جاءها وِردُها ... وليستْ على منهلٍ تُورَدُ
فإن أخذت ريَّها أرضَعَتْ ... بنيها بثديٍ هو الأثْمِدُ
وقال عبادة:
أقلامُهُ تنثني السُّيوفُ لها ... إذا عليها دمُ الدوِيِّ جرَى
كأنَّما عادَ ريقُها ديماً ... فأَنبتتْ في كتابِهِ زهرا
فأورقتْ حين صافحتْ يَدَهُ ... فانباعَ منها كلامه ثمرا
وقال أيضاً في الكتاب:
ذو معانٍ مُعَشَّقاتٍ حوى كلَّ ... جسيمٍ منها كتابٌ ضئيلُ
كهوًى غارَ مَنْ يُحبُّ عليه ... فطواهُ وقد طواهُ النّحولُ
فكأنَّ الكتابَ مسكٌ فتيتٌ ... نَمَّ فيه على الحبيبِ دليلُ
وقال ابن بطال في الدواة:
مطْرِقَةٌ في الخطوبِ كالحَبَشِ ... كأنَّما أطرَقَتْ على نَهَشِ
تمزجُ أرياً بسمِّها فمتى ... تُحِطْ أسيرَ الرَّدى به يَعِشِ
ترضعُ أبناءهَا مُجاجَتَها ... في ريها لا تدرُّ في العطشِ
مكرمةٌ لم تَهُنْ على أحدٍ ... تنزلُ عند الملوكِ في الفُرُشِ
زنجيةٌ فُضِّضتْ كواكبها ... فهي تباري كواكبَ الغَبَشِ
وقال أيضاً فيها:
حاملةٌ لم تضعْ على أَلَمٍ ... تُرضعَ أبناءهَا فماً لِفَمِ
تحملُ سرَّ الجليس ويُفْش ... يهِ بنوها صُمتاً بلا كلِمِ
كأنَّها في الرّضاعِ موحيةٌ ... بسرِّهِ فهو غيرُ مكتتمِ
أفعى لصابٍ في سمِّها سَقَمٌ ... يؤذي وبُرءٌ من بارحِ السَّقمِ
وقال أيضاً في دواة عاج:
ساكنةُ الحسِّ لا بتوقيرِ ... في فمها رِيقَةُ المقاديرِ
كأنَّما المسكُ في مُجاجتها ... وجسمُها من ثيابِ كافورِ
لم يكُ من رشفِ ريقها أحدٌ ... غيرَ كئيبٍ بها ومسرورِ
وقال أيضاً في القرطاس:
ومطويٍّ كمطويّ الرحالِ ... يشابه طيُّه خصرَ الغزالِ
كأنَّ سطوره أبناءُ حامٍ ... أقامتْ في المراتبِ للقتالِ
كأنَّ بياضَ مخفيِّ المعاني ... بها خدٌّ يُغلَّلُ بالغوالي
كبطنِ الكفِّ منشوراً ولكنْ ... يقارن مثلُهُ وَهْمَ الخيالِ
وقال ابن هذيل:

ويعيركَ القَلَمُ المعلَّى واعياً ... أُذْنَ المحبِّ إلى الحبيبِ الأغيدِ
لبس السّقامَ ولم يكابدْ في الهَوَى ... عشقاً ولم يشهدْ بواليَ ثَهْمَدِ
وكأنَّما كتمَ الهَوَى فاختالَ في ... دمعٍ خلافَ الدَّمعِ داجٍ أسودِ
وقال أحمد بن دراج:
وأسمرَ داني القدِّ لو شهد الوَغَى ... لبانَ على سُمْرِ الرِّماح اختيالُهُ
يُبلِّغُ شرقَ الأرضِ أنباءَ غربِها ... ولم يُرَ عن فِتْرِ البنانِ انتقالَهُ
إذا يدكَ العليا استقلَّتْ بحمله ... فأمعنَ في الخَمسِ اللّطافِ انغلالُهُ
رأيتَ هلالَ الأُفقِ قوَّمَ عطفه ... فوُسِّطَ من نجم الثُّريَّا احتلالُهُ
وقال يوسف بن هارون:
وإذا ما امتطَى يمينك مثلي ... في نحولي وفي دموعي الغزارِ
خلتَهُ يانعَ العقودِ تَشَهَّى ... نشرَ أسطارِها على الأسطارِ
وكأنَّ الخطوبَ قد خالفته ... فغزاها في جحفلٍ جرَّارِ
وكأنَّ الأسطار ليلٌ بهيمٌ ... والمعاني فيها النّجومُ السَّواري
كاتمٌ للأسرارِ عن كلِّ واشٍ ... غير ما الصُّكوكِ منْ أسرارِ
كالمحبِّ الَّذي يبوح لإلفٍ ... ثمَّ يَطوي عن كاشحٍ ويُداري

باب في
السكين والجلم
قال ابن هذيل في السكين:
قد أُحوِجتْ أيدي الملوكِ إلى فمي ... فأنا على الأيدي شبيهةُ أَرقمِ
أجني فيُطلبُ حابسي بجنايتي ... وأنا قتلتُ وفيَّ آثارُ الدمِ
وقال عبادة في سكين:
أهديتُ نحو معذِّبي عضْبَ الظّبا ... مِن طرفِهِ الفتَّاك أحسب حدَّهُ
وفِرِنْدُهُ المُعْشِي لعيني مُذكرٌ ... من خطِّ عارضِهِ المليحِ فرندَهُ
وكذاكَ يحكي باصفرار نقوشِهِ ... من عاشقٍ مثلي نحيلٍ خدَّهُ
ولذاك أُهديه إليه تفاؤُلاً ... للقائنا فكأنَّما أنا عندهُ
أفردْتُهُ مِن غمدِهِ إذ لم أرَ ... إلاَّ فؤادي خوفَ صدِّك غمدَهُ
وقال في تشبيه سكين في غمدٍ أسود:
أنا صارمٌ في جوفِ غمدٍ لم يزلْ ... بذلُ الأكفِّ المالكاتي مالكي
فكأنَّني طرفُ الحبيب مُحيّراً ... قد نامَ في جوفِ الظَّلامِ الحالكِ
وقال أيضاً يستهدي سكيناً:
ليس يبريه غيرُ عضبٍ طريرٍ ... فهلهُ فيه قطعةٌ من فعالِك
حملَ الصّبحَ في غرارٍ منير ... ودُجى اللَّيلِ في نصابٍ حالِك
ونبتْ لي أقلامُ صدقٍ كأنِّي ... كنت كلَّفتُها انتساخَ مقالِك
فتفضَّلْ من المُدى لي بشيءٍ ... فأنا منتمٍ إلى أفضالِك
وقال ابن بطال:
أُشبهُ الماءَ في وبيص التماعي ... وأقدُّ الحسامَ عند المصاعِ
أنا دون القذَى إذا أُغضيَ ... الجفنُ عليه وفوقَ سمِّ الأفاعي
وأنا ابنُ الحديد لكنَّ أُمِّي ... فطمتني لشرَّتي عن رضاعِ
مصلحٌ شأنَ إخوتي حينَ كانتْ ... أُمّنا في الإصلاحِ غيرَ صَناعِ
وقال يوسف بن هارون في الجلم:
جلَمٌ منْ صفاهُ كاد بأنْ يخ ... فى فلو أنَّه اصطبارٌ لعيلا
قاطعٌ في انطباقِهِ كانطباقِ الثَّغ ... ر في العضِّ مبطئاً وعجولا
وقال ابن هذيل في سكين:
في جانبي ليلٌ وفي الثَّاني ضُحًى ... فأنا الزَّمانُ على أناملِ ممسكي
قرب إليَّ السَّيفَ لستُ أهابُهُ ... ودعِ العيونَ فسيفها هو مُهلكي
وقال أيضاً في الجلم:
أَخُطَّافَةٌ في يدي أم جَلَمْ ... أم الرقّ يُحنى لشقِّ القلمْ
هما أَخوانِ هما توأَمانِ ... على قدرٍ واحدٍ في الشِّيمْ
وقد جعل القينُ بينهما ... صدوداً ووصلاً لمن قد فهمْ
إذا فغرا حكيا أيِّماً ... من الرُّقشِ فاغرةً تلتقمْ
مقصٌّ كأنَّ سهامَ العيونِ ... أطرافُها في يَدَيْ مخترِمْ
تصوِّر لي في يَدَيْ مَن أُحبُّ ... لا لا إذا ما سألتُ نعمْ
وقال ابن بطال في سكين:
أنا في آلةِ الكتابةِ فردُ ... ليس منِّي إذا تغيبتُ بُدُّ
أنا سيفُ الحتوفِ حدّاً ول ... كنَّ سيوفَ الجفونِ منِّي أحَدُّ
فكأنِّي من الجفونِ مَصوغٌ ... فليَ السَّيفُ في المعاركِ عبدُ
باب في
المذبة والمروحة

وقال ابن هذيل:
وقائمةٍ في يَدَيْ قائمِ ... تُحرِّكُ مِن شعرِها الفاحمِ
يُميِّلُها نفَسُ المستقلِّ ... لها عن قضيبٍ لها ناعمِ
وتحسبها كجناحِ غرابٍ ... على رأسهِ طائرٍ حائمِ
وقال أيضاً في مروحة:
ومصروفةٍ عن خُلقِها إن صرفتها ... إلى طيِّ بُردٍ أو إلى طيَّ مُهرَقِ
على أنَّها شبهُ المجنِّ ودونه ... فإنْ كنت ذا فهمٍ أبن ليَ واصدُقِ
لها لطفُ أنفاسِ الصَّباحِ ورقةٌ ... تلذُّ بها نفس الفَتَى المتشوِّقِ
وقال أيضاً:
إذا نُشرت كانتْ على دارةِ البدرِ ... وإنْ طُويتْ كانتْ كتاباً بلا نشرِ
جوانحها بيتُ الرِّياحِ ورِجلُها ... على يدِ مشغولٍ بها فارغِ الفكرِ
وقال أيضاً في مذبة:
قامتْ على يدها قيامَ وصيفِ ... في فاحمٍ من شعرِها المحفوفِ
وثنتْ عليه قدَّها فكأنَّها ... مالتْ إلى التَّعنيقِ والتَّرشيفِ
بُعثتْ على طيشِ الذُّباب فأنصفت ... منه فمرَّ بجانبٍ محذوفِ
وقال أيضاً:
ومضمومةٍ في الخيزرانِ كأنَّها ... على يدهِ من شعرِهِ الفاحمِ الجعدِ
تنيفُ عليه قدَّها فكأنَّها ... قضيبٌ تعالى عن قضيبٍ على بُعدِ
وقد خنقت بالتّبر حتَّى كأنَّما ... تهمُّ بأنْ تشكو له ضائق العقدِ
وقال أيضاً:
أنا في الصَّيفِ راحةٌ للنُّفوسِ ... وشفاءٌ من حرِّ داءِ الرَّسيس
أَنا في الكفِّ ساعةَ أُجلى ... ليس مثلي يحلُّ كفَّ الرَّئيس
جلَّ شكلي عن أنْ أُنافَسَ فيه ... وجمالي يُزري بكلِّ نفيس
غرَّتي البدرُ حينَ أبدو وجسمي ... فضَّةٌ رُكِّبت على أَبَنوس
وقال:
وراقصةٍ أسبلت لِمَّةً ... عليها تُؤنّقَ في قصِّها
إذا حرَّكتها لذبٍّ يدٌ ... تغنَّى الذُّبابُ على رقصها
فإنْ رُمتَ تُحصي خصالاً لها ... لدى ذلك الرَّقصِ لم تُحصها
وقال:
وناحلةٍ صفراءَ من غيرِ علَّةٍ ... لها لِمَّةٌ حمراءُ ذاتُ تَوَقّدِ
تلوحُ عليها صفرةٌ عسجديَّةٌ ... بها تتحلَّى بُرْنسا كلَّ مشهدِ
بكتْ لؤلؤاً ينهلُّ من كلِّ مدمعٍ ... فعاد عليها كالجمانِ المنضَّدِ
تموتُ وتحيا تارةً بعدَ تارةٍ ... فما تأمُلَنْ مِنْ غيرها في تجدّدِ
وقال:
وقائمةٍ تَسبي العقول بحُسنِها ... حكَى قدُّها في شكلهِ قدَّ كاعبِ
بكتْ بدموعٍ كالجمانِ فأصبحتْ ... تدير النَّدامى عن صباح الكواعبِ
لها جَسَدٌ من خالصِ التّبرِ جامدٌ ... يُناطُ إلى رأسٍ من التِّبرِ ذائبِ
تألَّفَ منها الضدُّ بالضدِّ فاغتدتْ ... لناظرها من مُشكلاتِ العجائبِ
وقال: حكاية: عاد جعفر بن عثمان المصحفي بعض إخوانه وهو مريض مضجع فتناول مروحة وجعل يروح بها عليه، فقال جعفر بن عثمان بديهاً:
رَوَّحني عائِدي فقلتُ لهُ ... لا لا تَزِدْني على الَّذي أجِدُ
أما ترى النَّارَ وهي جامدةٌ ... عند هبوبِ الرِّياحِ تتَّقِدُ
وقال أبو إسحاق الخفاجي في الشمعة:
وصفراءَ تبكي لا لوجدٍ ولوعةٍ ... فتبسمُ واللَّيلُ البهيمُ مُقطِّبُ
إذا صَدَعتْ جُنحَ الدُّجى بالتماعها ... أظلَّكَ زنجيٌّ من اللَّيلِ أشنبُ
تحلَّتْ بذوبِ التّبرِ جيداً ولَبَّةً ... وفي رأسها تاجٌ من النُّورِ مُذهبُ
قد واجهتنا وسْطَ نهرٍ كأنَّه ... عمودُ صباحٍ طالعٍ فيه كوكبُ

باب في
الجود
قال الحسن بن حسَّان:
أنتَ الَّذي خُلُقُ السماحِ رداؤُهُ ... فكأنَّما سرقُ النَّدى من هُدْبهِ
جَمَعَ العلا بيديه كالفَلَكِ الَّذي ... جمعَ النُّجومَ بشرقِهِ وبغربِهِ
بحرٌ كأنَّ النّيلَ أو سيحان أو ... بحرَ الفرات استنبطوا مِن شربهِ
وكأنَّما أوصاهُ آدمُ رحمةً ... عندَ المماتِ بعجمِهِ وبعُربِهِ
أخذ البريَّةُ كلُّهمْ مِن جودِهِ ... فَغنوا بأجمعهم ولم يفرغ بهِ
كالشَّمسِ تأخذُ كلُّ عينٍ ملئها ... منها وتبقى والشُّعاعُ بحسبهِ
وقال العتبي:
جرَى حبُّ المكارم من ... هُ مجرى الرُّوحِ في الجَسَدِ

وأعطى المالَ حتَّى قا ... لَ طُلاَّبُ النَّوالِ قَدِ
وقال يوسف بن هارون:
ففي كفِّهِ خمسٌ تعادلُ خمسةٌ ... كأن امرءاً منهم على كلِّ إصبعِ
إياساً وبسطاماً وحاتمَ طيّئٍ ... وأحنفَ عند الحلمِ وابنَ المقفَّعِ
وقال ابن عبد ربه:
لله عبدُ الرَّحيمِ مِنْ ملِكٍ ... ما بعدَهُ للعيونِ مُطَّرَحُ
كأنَّ بابَ السَّماءِ من يده ... على جميعِ الأنامِ منفتِحُ
وقال مؤمن بن سعيد:
تتلالا إذا سُئلتَ نوالاً ... كتلالي مهنَّدٍ مصقولِ
وتلالي البروقِ في غُرَرِ المُزْ ... نِ دليلٌ على الحَيَا المأمولِ
وقال المهند:
رأيتُكَ تُزْجي عطايا الأميرِ ... بقلبٍ رحيبٍ وفصلٍ قَضَاءِ
وتمزجها بكريمِ اللِّقاءِ ... كمزجِ المدام بمثلوجِ ماءِ
فَجَدواهُ كالشَّمسِ في المكرماتِ ... وبشرُكَ في بذلِهِ كالضِّياءِ
وقال عبادة:
حَيرانُ مِن فقدِ العُفاةِ كأنَّهُ ... من آلِ عُذْرَةَ قد أغبَّ حبيبا
يُعطي ويُدنيهِ الحياءُ كأنَّهُ ... قد يستقِلُّ نوالَهُ الموهوبا
وقال المهند:
عطايا يموتُ البحرُ في نَفَحاتها ... ويذهبُ منها الغيثُ لغواً إذا أجدى
كأنَّكَ فيها خازنُ الله في الَّذي ... تبثُّ منَ الأرزاقِ في كلِّ من أعطَى
وقال أحمد بن فتح:
نحجُّ لمغناكَ في كلِّ يومٍ ... فتغمرنا نائلاً وامتنانا
فنحنُ هناكَ كطيرِ الهواءِ ... نغدُو خِماصاً ونُمسي بِطانا
وقال ابن الخطيب:
كأنَّكَ بحرٌ يغمرُ البحرَ فيضُهُ ... ويكرعُ فيه كلُّ بحرٍ ويغرفُ
وأحلَى من الرَّاحِ الشَّمول شمائلاً ... كأنَّكَ في نفسِ المُصافيكَ قرقَفُ
وقال يوسف بن هارون:
ترى في المعالي عندَهُ ما يزينُها ... وتُبصرُ فيها عند قومٍ فضائحا
متى يُحلَ منهم درهمٌ في ضرورةٍ ... أقاموا عليهِ في الحلالِ النَّوائحا
إقامةَ عبدِ اللهِ في كلِّ ليلةٍ ... سماعاً على ما صارَ في اليومِ مانحا
بذهنٍ كأنَّ النَّارَ منه تولَّدت ... وحسن وقارٍ يعدلُ الطّودَ راجحا
وما هو إلاَّ البحرُ علماً ونائلاً ... وإنْ زادَ فيه أنَّه ليس مالحا
ومن يتعاطَ وصفَ ما فيه كلّه ... كمنْ يتعاطى يقطعُ البحرَ سابحا
وقال أحمد بن عبد الوهاب:
لا يشتفي من كثير النيل يبذلُهُ ... كالعينِ لا تشتفي من كثرةِ النَّظرِ
يُنبي تبسُّمهُ عن جُود راحتِهِ ... كذلك النَّور ينبينا عن الثَّمرِ

باب في
البخل
قال سليمان بن عبد الله البردي:
كأنَّ مُرجِّيهِ المؤمِّلَ واقفٌ ... على طللٍ من ساكني الحيِّ بائدِ
يسائل منهُ صامتاً غير ناطق ... كمستخبرٍ جهلاً رسومَ المعاهدِ
وقال الغزال:
قصدتُ بمدحي جاهداً نحو خالدٍ ... أُؤَمِّلُ من جدواهُ فوقَ مُنائي
فلم يُعطني من مالهِ غيرَ درهمٍ ... تكلَّفَهُ بعد انقطاعِ رجائي
كما اقتلع الحجامُ ضِرساً صحيحةً ... إذا استخرجت من شدةٍ ببكاءِ
وقال ابن عبد ربه:
صحيفةٌ أُفنيت ليتٌ بها وعسى ... عنوانُها راحة الرَّاجي إذا يئسا
يراعةٌ غرَّني منها وميضُ سنا ... حتَّى مددتُ إليها الكفَّ مُقتبسا
فصادفت حجراً لو كنت تضربُهُ ... من لؤمهِ بعصا موسى لما انبجسا
كأنَّما صيغَ من بخلٍ ومن كذبٍ ... فكانَ ذاكَ له رُوحاً وذا نَفَسا
وقال يوسف بن هارون:
فليس كمن إنْ تسلهمْ عطاءً ... يمدُّوا أكفَّهمُ للعطاءِ
إذا جئتهم بالمديحِ انزوَوْا ... كأنَّك تأتيهمُ بالهجاءِ
وقال مؤمن بن سعيد:
ألا ربَّ من أنشدتُهُ فيه مدحتي ... وأطرقَ حتَّى قلتُ قد ماتَ أو بَدَا
تناوَمَ عن مدحي كأنِّي سقيتُهُ ... بمدحيَ إذ أنشدتُهُ المدحَ مُرقدا
وقال سعيد بن الفرج الرشاش:
إنَّكَ لا تعرفُ الجميلَ ولا ... تفرُقُ بين القبيحِ والحَسَنِ
إنَّ الَّذي يرتجي نداكَ لكال ... حالبِ تيساً من شهوةِ اللَّبنِ
وقال محمد بن شخيص:

قستِ بالشّعرِ معشراً فإذا همُ ... صورُ الإنسِ في طباعِ الحميرِ
كلَّما جئتهم لأُنشدَ شعري ... طمعاً من نوالهم باليسيرِ
فكأني وضعتُ فلكةَ بوقٍ ... في فمي أو ضغطتُ أُنبوبَ كيرِ
وقال الغزال وقد هزَّه رجل إلى العطاء:
قلتُ إذ كرَّرَ المقالةَ يكفي ... أنتَ أولى بدرهمي أم عيالي
لستُ ممَّن يكون يخدعُهُ مثلُ ... كَ فاعلم بهذه الأقوالِ
ما أُؤدِّي الزَّكاةَ إلاَّ كما يُع ... صرُ زقٌّ معسَّلٌ بالحبالِ
وقال الوزير ابن شهيد:
رأيتُ عبيدَ المالِ دانوا بمنعِهِ ... كما دانَ بالإفضالِ كلُّ فتًى حرِّ
ففيمَ ولستُ العبدَ أمنعُ ما حوَت ... يميني كما حاولت خوفاً من الفقرِ

باب في
الخوان والأكلة والطفيليين
قال محمد بن فرج:
نحرَ الضفادعَ في الصَّنيع ولم يدَع ... للنَّملِ دارجةً ولا للقُمَّلِ
وضعَ الطعامَ ولو عليه ذبابةٌ ... نزلت لتكمل شبعةً لم تكملِ
وكأنَّما خُرطتْ صحافُ طعامه ... من دقةٍ وجفانه من خردلِ
وكأنَّ صفحتَهُ على أضيافِهِ ... في البعدِ والإبطاءِ فترةُ مرسلِ
وقال ابن وهيب:
ومائدةٍ جسمُها لطفُهُ ... يدلُّ على صفقةٍ خاسرهْ
فتلك لنا قد غدت نقطةً ... ونحنُ عليها نُرَى دائرهْ
وقال ابن عبد ربه:
طعامُ مَن لستُ لهُ ذاكراً ... دقَّ كما قد دقَّ أن يذكرا
لا يُفطرُ الصَّائمُ من أكله ... لكنَّهُ صومٌ لمنْ أفطرا
وقال ابن أبي عيسى القاضي في أكول:
يحنُّ إلى طيِّباتِ الطَّعامِ ... حنينَ الرَّضيعِ إلى الوالده
وأركانُ لقمتِهِ ستةٌ ... كأنَّ له إصبعاً زائده
وقال ابن شخيص:
أنا بالأكلِ مستهامٌ ورأيي ... فيه رأيُ المجوسِ في النِّيرانِ
وإذا ما انقضى صنيعٌ ولم أُدْ ... عَ إليه في جُملةِ الجيرانِ
عرضتْ لي وساوسٌ لو أصابتْ ... قلبَ غيري لشُدَّ في الأكفانِ
ولوَ انِّي شهدتُهُ كانَ عندي ... كشهودي لبيعةِ الرّضوانِ
وقال عبد الله بن فرح في طفيلي:
أفديكَ من مُتوجِّدٍ غضبانِ ... حتَّى يلوحَ له ضبابُ دُخانِ
يقتادُهُ شمُّ القتارِ بأنفهِ ... مثلَ اقتيادِ النَّجمِ للحيرانِ
وعلا الدخانُ بِشنت بولةَ مربياً ... ينبيهِ أينَ مطابخُ الإخوانِ
فترى الإماميين حولَ ركابه ... كالخيلِ صائمةً ليومِ رهانِ
باب في
هجو النساء والمغنيات
قال إسماعيل بن بدر:
تنفَّسَ لمَّا لاحظَ القومُ خبزَهُ ... وقطَّبَ لمَّا لامستهُ الأصابعُ
فقلنا له إنَّا شباعٌ فجُد لنا ... بعودٍ فما في القومِ غيرُكَ جائعُ
فأسمعنا درداءَ صلعاءَ رجَّعتْ ... بصوتٍ لها تستكُّ منه المسامعُ
فوالله ما أدري كلابٌ تهارشتْ ... بحلقومها أم نقنقت بي ضفادعُ
وقال الغزال:
جرداءُ صلعاءُ لم يبقِ الزَّمانُ لها ... إلاَّ لساناً مُلِحّاً بالملامات
لطمتها لطمةً طارتْ عمامتها ... عن صلعةٍ ليس فيها خمسُ شعرات
كأنَّها بيضةُ الشَّاري إذا برقتْ ... بالمأزقِ الضنكِ بين المشرفيَّات
لها حروفٌ نواتٍ في جوانبها ... كقسمةِ الأرض حيزت بالتخومات
وكاهلٌ كسنامِ العيسِ جرَّدَهُ ... طولُ السِّفار وإلحاحُ القتودات
وقال غيره:
وقينةٍ تُدعَى بتفتيرِ ... مفرغةٍ في قالبِ الزُّورِ
تبدو بوجهٍ ما رآهُ امرؤٌ ... إلاَّ تمنَّى النفخَ في الصُّورِ
كأنَّها والعودُ في حِجرِها ... حاسبة تنبي بمجذورِ
لكعاءُ من أحسنِ حالاتِها ... صفعُ قفاها بالمساويرِ
وصيدُها الأَعرادَ في خَلوةٍ ... يُنسيكَ من صيد السَّنانيرِ
تبّاً لها من قينةٍ عقلُها ... أخفُّ منْ ريشِ العصافيرِ
وقال أحمد بن نعيم:
كأنَّ كلتا صفحتَيْ وجهِها ... رُكِّبتا من كُوبتي نافخِ
لو كنتِ نبتاً كنت من حرملٍ ... أو أُكُلاً كنتِ من الكامخِ
باب في
الثقلاء والكذبة وشبههم
قال أحمد بن عبد الوهاب:

ومَن يُعزَى إلى ثقلٍ فإني ... أخفُّ على الرّياضِ من الذُّباب
ولستُ كمن توصُّلُهُ إليكم ... طلوعُ الشَّيبِ في ليلِ الشَّباب
وقال ابن الفرج الرشاش:
ما إن جلستَ إلى جليس مرَّةً ... إلاَّ كأنَّ عليه منك الفيلا
وقال عبادة:
صرتَ مُستثقلي كأنَّك أرضٌ ... وكأنِّي عليك ثقلُ الأمانهْ
وقال علي بن أبي الحسين في كذاب:
قولٌ أُشبِّهُهُ خيالاً زائراً ... أسرَى فعلَّلَ بالفؤادِ مَشوقا
أو وعدُ إلفٍ للجفاء مؤالِفٍ ... جعلَ الخلافَ إلى البعادِ طريقا
لو كنتَ تُسألُ هل صدقتَ تركتَ لا ... حذراً وخوفاً أن تكونَ صدوقا
وقال عبادة:
مذ كنتَ لا تنفكُّ تُخْبِ ... رُ عن حديثٍ لم يكنْ
فكأنَّما غُذِّيتَ طف ... لاً بالكذابِ مع اللَّبنْ
وقال ابن وهب في أحدب:
وأحدبَ لمَّا بَدَا خلتُهُ ... وقد خفَّ من جسمِهِ شبحُهُ
كآسٍ تشكَّى شديد الكلالِ ... على صُلبهِ قد خفي جرحُهُ
وقال ابن هذيل في أحدب:
شكا في ظهرهِ حدَبَهْ ... فقلتُ دعوه يا كَذَبهْ
جرابٌ بين فخذيهِ ... تعلَّقَ صَيِّتَ الجَلَبهْ
فألقاهُ على كتفيه ... فهو عليه كالعَقَبهْ
وقال عبادة في قصير:
وصاحبٍ لي كأنَّ قامتهُ ... أقصرُ من يوم وصلِ معشوقي
وقال عبد الله بن كليب في أنف الزهري:
أنفُكَ يا زُهريُّ في قبحِهِ ... كأنَّهُ في صورةِ البوقِ
يقعدُ في البيتِ لحاجاتهِ ... وأنفُهُ يمضي إلى السّوقِ
وقال محمد بن الفلاس فيه:
أنفُكَ يا زهريُّ من قبحهِ ... كأنَّه إِرزَبُّ قصَّارِ
يقعدُ في البيتِ لحاجاتهِ ... وأنفهُ يسرحُ في الدَّارِ
وقال ابن وهيب:
قُشيريُّ تقشَّر من سُلاحِ ... له لفظٌ أخسُّ من النُّباحِ
ووجهٌ مثلُ إقبالِ الرّزايا ... وأنفٌ مثلُ عودِ المستراحِ
وقال ابن هذيل في ابن قزمان:
فتى باردُ الأشعارِ يفظعُ لفظه ... بها وهو منحوسُ الجبين شتيمُ
يقرِّبُ وجهاً منك في خلقِ قربةٍ ... كأنَّ انهدالَ الأنف منه قدومُ

باب في
اللحى
قال عبيديس الكاتب:
يا من عليهِ للعُلا تاجُ ... إني إلى اللحيةِ محتاجُ
وعندكم في وشقةٍ لحيةٌ ... يحملها المائقُ حجَّاجُ
للثغرِ في جانبها مسرحٌ ... فيه من الأنعامِ أزواجُ
ومن صنوفِ الطَّير في بعضها ... بطٌّ وسمَّانٌ ودرَّاجُ
يسيل من شاربهِ فوقها ... سلحٌ غزيرُ القطرِ ثجَّاجُ
للبقِّ في عثنون مَكمنٌ ... ومن دبيبِ القملِ أفواجُ
إذا مشى تبصرُ أفواجَها ... كأنَّها في البحرِ أمواجُ
يعقدُها في شعر وجعائه ... فهو إذا ما شاءَ صناجُ
وقال يوسف بن هارون:
كأنَّما الملقيُّ في علكها ... من خُصلِ اللحيةِ من زُبدِ
يقيد ...... عثنونه ... من وسخٍ فيه بلا قيدِ
ما يخطرُ الطائرُ في جوِّهِ ... إلاَّ هوى فيها من الهيدِ
فبينما الحائنُ في جوِّهِ ... ممتنعاً إذا صارَ في الأيدي
وقال مؤمن بن سعيد:
قدْ صارَ عثنونه للرِّيح ملعبةً ... كأنَّه علمٌ في عودِ بيطار
وقال أحمد بن نعيم:
كأنَّ لحيتَهُ معروشةٌ غرستْ ... في عارضي قردةٍ من ذَيل خنزير
وقال الرشاش:
لحيةُ سقلابٍ أبي هاشم ... أشبهُ شيء بشكير استِهِ
ووجهه يحكي لنا القردَ في ... صورتِهِ قبحاً وفي نعتِهِ
وقال مؤمن بن سعيد:
فها أنذا قد جيتُ أحملُ لحيةً ... إليكَ لها خطبٌ وشأنٌ من الشانِ
كأنيَ تيسٌ قد تطاولَ عمرُهُ ... وأفنَى فنوناً من تيوسٍ وجديانِ
ولي صاحب تحتَ السَّراويل فاسق ... يقودُ بعثنوني إلى كلِّ خسرانِ
وقال ابن شخيص:
حدَّثوا عنكَ قد خضبتَ فألبس ... تَ السِّبالَ التلوينَ والتحنينا
إن للنُّغرِ حولَهُ كلَّ صبحٍ ... جولةً إذ تخالُهُ عُرجونا
باب
الطيلسان والدرهم
قال ابن قلزم:
ومُلبسي جُبَّةَ صوفٍ عفتْ ... تشقّ فيها الرِّيح أو تفتُقُ

قد رُفيت دهراً وقد رقِّعتْ ... والتفَّ فيها الزَّمنُ المخلقُ
واختلفتْ ألوانُ أخياطها ... بالرَّفوِ والتَّلفيقِ إذ تُلفقُ
سود وبيض مثلُ شيبٍ بدا ... في شعراتٍ ضمَّها المفرقُ
وقال ابن هذيل:
طيلساني طائر من نَفسي ... هو فوقي غبش في غلَسِ
والَّذي ألَّفهُ ألَّفهُ ... من هواءٍ فارغٍ أو نفسِ
وقال سعيد بن العاصي:
وثوبُهُ في سالفِ الزَّمانِ ... خلعةُ فرعونَ على هامانِ
أفنَى الليالي وهو غيرُ فانِ ... حتَّى غدا كالإفك في العيانِ
فهو عليه وهو كالعريانِ
وقال أحمد بن فرج:
من درهمٍ يحكي بياضَ المشتري ... حُسناً ودينارٍ كمثلِ الفرقدِ
وكبائعِ السّوسانِ يرفد بينه ... بالجلنار الأحمر المتوقّدِ
وقال محمد بن يحيى قلفاط
أترضَى أن أصيف حليفَ عُريٍ ... وأنت لكلِّ مكرمةٍ حليفُ
كأنَّ غِفارتي رسمٌ عفتهُ ... رياحٌ يستجنُّ بها شفيفُ
وقال مؤمن بن سعيد:
تيَّمني حبُّكَ يا درهمُ ... فالقلبُ من برحِ الهَوَى مغرمُ
يا مُشبهَ النَّجم إذا ما بَدَا ... منكَ استعارتْ حُسنها الأنجمُ
إن كنتُ لا أهواكَ كنتُ الَّذي ... في عين مهرانَ إذاً يلطمُ
وقال جعفر بن عثمان في الدنانير:
طوالعُ بشرٍ طالَعَتْنا كأنَّها ... إذا ما اجتليناها نجومٌ طوالعُ
جرتْ خمسةً فينا فراحتْ شوافعاً ... كما الصّلواتُ الخمسُ فينا شوافعُ
دنانيرُ باسمِ النَّاصرِ الله كُرِّمتْ ... وباسمِ وليّ العهدِ فهي سواطعُ

باب في
الاعتبار بفناء النَّاس وتقلب الدَّهر بهم
قال يحيى بن الحكم الغزال:
فإذا ما نظرتُ في عُرضِ النَّا ... سِ كأنّي أراهمُ في الظَّلامِ
وكأنَّ الَّذي أُصيبَ على الأيَّا ... مِ شيءٌ أصبْتُهُ في المنامِ
وقال يوسف بن هارون:
ألستَ ترَى النَّاسَ مثلَ الظّباء ... يسدُّ سبيلهمُ بالشركْ
فبينا تُفارق خلاً فُواقاً ... أُتيتَ فقيلَ فلانٌ هلكْ
وقال عبد الملك بن شهيد الوزير:
فقدتُ شبابي فاضطربتُ لفقدِهِ ... على اليأس من عَوْدٍ له آخرَ الدَّهرِ
وولَّى صحابي كالدَّنانيرِ أوجهاً ... وكالرَّاحِ عهداً فانطويتُ على الجمرِ
وقال علي بن أحمد:
رعى اللهُ أيَّاماً خلونَ كأنَّما ... خُلقن لساعاتِ السُّرورِ مواسما
وقال مروان بن عبد الرحمن:
تفرَّغَ لي دهري فصيَّرني شُغلاً ... وعوَّضني من خصب روضتيَ المحلا
يطالبُ بالثَّأرِ النَّبيلِ كأنَّما ... يرى النُّبلَ منه بين أحشائهِ نَبلا
وقال إبراهيم بن محمد الشامي:
نرَى كلَّ يومٍ للمنايا مصارعا ... ولسنا بأسماعٍ نحسُّ لها وقعا
تدبُّ إلى هذا وهذا وذا وذا ... دبيباً كما دبَّتْ على غفلةٍ أفعَى
وقال ابن عبد ربه:
ألا إنَّما الدنيا غضارةُ أيكةٍ ... إذا اخضرَّ منها جانبٌ جفَّ جانبُ
باب في
الشَّيب والهرم
قال سعيد بن العاصي:
فبيضُ المها مستنفراتٌ إذا رأتْ ... بياضَ عذارٍ قد تولَّى سوادُهُ
كأنَّ التَّصابي كانَ ضيفاً مودعاً ... وكأنَّ سوادَ الرَّأسِ والحسنَ زادُهُ
وقال أحمد بن دراج:
فيا للشَّبابِ الغضِّ أنهجَ بردُهُ ... ويا لرياضِ اللَّهو جفَّ سَفاها
وما هو إلاَّ الشَّمسُ حلَّتْ بمفرقي ... فأعشى عيونَ الغانياتِ سَناها
وقال ابن عبد ربه:
إذا نصلَ الخضابُ بكى عليهِ ... ويضحكُ كلَّما وصلَ الخضابا
كأنَّ حمامةً بيضاءَ ظلَّتْ ... تُقابلُ في مَفارقِهِ غُرابا
وقال ابن بطال يمدح الشَّيب:
ما للمشيبِ وللجهولِ العائب ... كم بين صُبحٍ طالعٍ وغياهِبِ
وجهَ النّهى أبدى الفؤادُ وكانَ قد ... قامَ الشَّبابُ له مقامَ الخاضبِ
فمتى يُغيرهُ الخضابُ فإنه ... نورُ المعاني تحت خطِّ الكاتبِ
فكأنَّما رأسي سماءُ تجاربٍ ... قد زيِّنتْ من شيبه بكواكبِ
فكأنَّما طلعتْ لعيني حاسدٍ ... ببياضِ همَّاتي وسود مطالبي
وقال مروان بن عبد الرحمن:

وشَّتْ يدُ الدَّهر رأسي بالمشيبِ أسًى ... في غيهبٍ بسنا المصباحِ مَوْشيِّ
فدبَّ فيه دبيبَ النَّارِ في فحمٍ ... ينفي دُجاه بلونٍ غير منفيِّ
كأنَّه بمشيبي حين كتَّبها ... صحيفةٌ كتبتها كفُّ أُمِّي
وقال ابن هذيل:
وأرَى بقيةَ مفرقي قد فُرِّقتْ ... ليُرى بها ريشُ الغرابِ غريبا
كالطَّير لما فاجأتها هجمةٌ ... للصَّقرِ فرَّتْ في الجهاتِ هروبا
أو كافتراقِ السَّفر في ديمومةٍ ... لم يخرجوا من قفرها تأويبا
وقال سعيد بن عمرون القرشي:
تخطّ يدُ الزَّمانِ على عذاري ... سُطوراً من حروفِ الشَّيب بيضا
فأُبغضُها وإن كانتْ كصبحٍ ... ولم أرَ قبلها صُبحاً بَغيضا
وقال ابن هذيل:
وليَ الشَّيْبُ بعدَ عزلِ الشَّبابِ ... كلَّ ما كانَ حكمُهُ للغرابِ
فكأنَّ الشَّبابَ عاهدَ شيبي ... فهو مستخلفٌ له في التَّصابي
وقال المهند:
نكَرَتْ بياضاً في سوادِ عذارِهِ ... كالفجر ينهضُ في الدُّجى لزوالِهِ
والعضبُ ليس يروقُ رونقُ مائه ... وفرندِهِ إلاَّ بحسنِ صقالِهِ
وقال ابن الخطيب:
غدا واقعاً من طيره الشّهب طائرٌ ... على مفرقي جاثٍ وطارَ غرابُ
وروَّضَ في وجهي بنورِ أقاحِهِ ... فصابَ له من مقلتيَّ سحابُ
هو الأَبنوسُ افترَّ عن ثغرِ عاجِهِ ... كما خُطَّ بالكافورِ منه كتابُ
وترصيعُ درٍّ لاحَ في الوجهِ قادماً ... على سبجٍ قد حانَ منه ذهابُ

باب في
ذم الدُّنيا وذكر الموت
قال أحمد بن فرج:
فلله عيناً مَن رآهُ وقد قضَى ... فأغمضَ منه الطَّرفُ وهو كليلُ
لكالغصنِ الريَّان ألوَتْ به الصَّبا ... فخرَّ نضيراً لم ينلهُ ذبولُ
وكالشَّمسِ راقت بالضُّحى أعينَ الوَرَى ... فأعجلها بعد الغروب أصيلُ
وقال محمد بن مسرة:
إنَّما الموتُ غايةٌ نحنُ نسعى ... خبباً نحوها على الأقدامِ
إنَّما اللَّيلُ والنَّهارُ مطايا ... لبني الأرضِ نحوَ دارِ حِمامِ
وقال ابن عبد ربه:
ألا إنَّما الدُّنيا كأحلامِ نائِمِ ... وما خيرُ عيشٍ لا يكونُ بدائمِ
تأمل إذا ما نلتَ بالأمسِ لذَّةً ... فأفنيتها هل أنتَ إلاَّ كحالمِ
وما الموتُ إلاَّ شاهدٌ مثلُ غائبٍ ... وما النَّاسُ إلاَّ جاهلٌ مثلُ عالمِ
وقال سعيد بن محمد العاصي:
ويا موتُ لا باكٍ تحاشيه رأفةً ... ولا خائفٌ عند احتلالكَ جازعُ
تدبُّ بلا رجلٍ وتسطو بلا يدٍ ... وليس بناجٍ منكَ دانٍ وشاسعُ
فأنتَ كمثلِ اللَّيل يُدركُ كلَّ من ... نأَى وبساطُ الأرضِ دونكَ واسعُ
وقال علي بن أبي الحسين:
وما النَّاسُ إلاَّ سحابٌ أظلَّ ... فلمَّا انهمى ماؤهُ أقلعا
وما أنفسُ النَّاسِ إلاَّ عَوارٍ ... وقصرُ العواري بأن تُرجَعا
باب في
الموتى والأجداث
قال محمد بن مسعود البجاني:
قبر عليٍّ جادك القطرُ ... أنت له قبرٌ ولي صدْرُ
فيكَ توارتْ أدواتُ العُلا ... وفي ثراكَ استترَ البدرُ
وقال عبد الله بن إدريس:
تفجَّعتِ الدُّنيا عليه وأَعولت ... كما أَبصرتنا بعدَهُ نتفجَّعُ
كأنَّ الرزايا أمطرتنا شجونها ... فلستَ ترَى إلاَّ حزيناً يرجِّعُ
وقال يوسف بن هارون:
تأمَّلتُ من بين الدُّموع كأنَّما ... تأملتُ من بين السّحابِ المواطرِ
محلَّ أبي العبَّاسِ حيث عهدتُهُ ... لعلَّ أبا العبَّاسِ يبدو لناظري
فلمَّا انثنتْ عيني ولم ترَ شخصَهُ ... رجعتُ إلى تمثالهِ في خواطري
كأنَّا تمتَّعنا لقلَّة عمرهِ ... بلمحةِ برقٍ أو بلمحةِ طائرِ
فإنْ يتَّخذ بين المقابرِ موطناً ... فأوطانُنا من بعدهِ كالمقابرِ
وقالوا صغيرٌ فاصطبر لمصابِهِ ... فقلتُ أشدُّ الفقدِ فقدُ الأصاغرِ
وقال المرواني:
وكيفَ توارى البحرُ في قعرِ ملحدٍ ... وقد كانَ لا يُلفى للُجَّتِهِ قعرُ
توارتْ به تلك الجلالةُ في الثَّرى ... كما يتوارى في ثرى المعدنِ التبرُ
وقال أحمد بن دراج:

ولو قبل الموتُ منَّا الفداءَ ... لضاقَ الأنامُ لها عن فداءِ
لئنْ حُجبتْ تحت ردمِ اللّحودِ ... ومِن قبلُ في شُرفاتِ العلاءِ
فتلكَ مآثرُها في التُّقى ... وبذلِ اللُّها ما لها من خَفاءِ
جزاكِ بأعمالكِ الزَّاكياتِ ... خيرُ المجازين خيرَ الجزاءِ
ولُقِّيتِ في ضَنْكِ ذاك الضَّريحِ ... نسيمَ النَّعيمِ وطيبَ الثَّواءِ
وله:
يا مَن رأى الجودَ يغشَى نعشَهُ شغفاً ... بالهمِّ مرتدياً بالحزنِ مُلتحِفَا
يدعوه حتَّى إذا أَعيا محاورةً ... نادَى فأسمعَ صُمَّ الصَّخرِ وا أسفا
وَخَلَّفوه لديه رهنَ مَلْحَدَةٍ ... حَرَّانَ يلثُمُ بردَ التّربِ مُرتشِفَا

باب
شواذ تقل نظائرها
قال محمد بن مسعود البجاني:
رجالٌ كما لي مودعُ السّرِّ عندهم ... كما لي في أيديهمُ السّرُّ في صدري
إذا طمعتْ في نيلهِ نفسُ طامعٍ ... فقد طمعتْ أن يُعصَر الدَّهر من خمري
وقال عبادة:
كتمتُ سرَّك حتَّى ... كأنَّهُ منْ عيوبي
فما دراه عليمٌ ... حاشا عليمِ الغيوبِ
وقال جعفر بن عثمان:
قلْ للَّذي أودعني سرَّهُ ... لا ترجُ أن تسمعَهُ منِّي
لم أُجرِهِ قطُّ على فكرتي ... كأنَّهُ لم يجرِ في أُذني
وقال العتبي:
كأنَّما مُنتماه كمأةٌ برزتْ ... للبرقِ إذ لاحَ أو للرَّعدِ إذ قصفا
أعيتْ على أعين الرَّائين إذ لؤُمتْ ... فما يُصبنَ لها أصلاً ولا طرفا
وقال العتبي في بغلة الرصافي:
هالكة يركبها هالكٌ ... يعجبُ رائيهِ ورائيها
تضعفُ أن تشحجَ إلاَّ كما ... بيَّنَ مضنى النَّفسِ شاكيها
يمشي بها الجهدَ رويداً كما ... يُهدي عروسَ الحيِّ مُهديها
وقال ابن الخطيب:
أحي بين أمواتٍ ركودٍ ... ويقظانٌ لدى زمنٍ نؤُومِ
أدورُ فما أرَى إلاَّ نياماً ... كأنِّي بين أصحابِ الرقيمِ
عفتْ أعلامُ آدابي وعلمي ... بهمْ فبقيتُ كالرَّسمِ القديمِ
وقال عبد الملك بن جهور:
كأنِّي عند نظمي فيكَ مدحاً ... محبٌّ يرشفُ المحبوبَ رشفا
وبي ظمأ إليكَ لبعدِ وردي ... زلا ظمأٌ إلى العسلِ المصفَّى
تقادمَ عهدُ قربي منكَ حتَّى ... أراه دمنةً من أُمِّ أَوفَى
وقال ابن بطال:
فكأنَّما أملي وسودُ مطالبي ... صُبحٌ تسفَّرَ في غياهبِ حندسِ
وكأنَّما حَلكُ الزَّمانِ ومطلبي ... والنَّأيُ فيه عن المحلِّ المؤنسِ
ظلماتُ يونسَ حينَ نادَى ربَّه ... لكنَّني أَرجو إجابةَ يونسِ
وقال محمد بن الحسين:
لعاداكَ أقوامٌ فضرُّوا نفوسَهم ... كضرِّ معاداة النَّبيِّ أبا جهلِ
كأنَّك قد أُيِّدتَ في فهم كيدهم ... بفهمِ سليمانَ النَّبيِّ عن النَّملِ
وقال أحمد بن عبد الملك:
لم يبقَ في سَمُّورةٍ من سامرٍ ... يبكي لوحشةِ سربها المذعورِ
قد كانَ يُخشَى مسُّها فيما مضَى ... مِن دهرها والدَّهرُ ذو تدبيرِ
فأعادَها في لينها مثلُ اسمها ... مشتقةَ المعنَى من السمُّورِ
وقال إسماعيل بن بدر:
تأتيكَ من زُهمته نفحةٌ ... لو أنَّه مرَّ على ميلِ
ما عذَّب اللهُ كتعذيبه ... به لنا أهلَ الأَبابيلِ
وقال الحسن بن حسان:
ولم أسألْهُ إلاَّ أنْ أراهُ ... فجاد بقربِ مشهدِهِ الهنيِّ
كموسى لم ينلْ نورَ التَّرائي ... وزيدَ مكانةَ الدَّاني النجيِّ
وقال مؤمن بن سعيد:
لهفي على أنفِ المصيف وطيبِهِ ... وحصائدٍ منسوجةٍ بالسّنبلِ
أيَّامَ أُقبلُ والسَّفا في لحيتي ... فتخالُها ذنبَ الحصانِ الأشعلِ
وقال أيضاً:
نفيتك عن كماد الطّرف لمَّا ... رأيتك لست تدخل في الكمادِ
كأنَّك حين تَقرُبُ من جليسٍ ... ذخرتَ له الفُسا من ظهرِ عادِ
فأُقسمُ لو خطرتَ على حريثٍ ... لأَغناهُ فُساك عن السَّمادِ
وقال يهجو زرياباً:
شكوتُ إليها الشَّوقَ لما تحملوا ... شكايةَ محزونٍ من البينِ جازع
وقالتْ وكفُّ البيت تمري دموعها ... ونارُ الهَوَى تهتاجُ بينَ الأضالع

ستصبرُ أو تبكي من الشَّوق مثلما ... بكَى الخزُّ من إبطي عليِّ بن نافع
وقال عبيد الله بن إدريس:
أتيتكَ من بعدِ العشاءِ فلم أصلْ ... كأنِّي آتٍ لانتظارِ عشائكا
أتحسبني أرضَى لنفسي بموقفٍ ... أبيعك فيهِ ذلَّني باعتنائكا
ثكلتُ إذاً مجدي وأعدمتُ همَّتي ... ولاقيتُ إخواني بمثل انتحائكا
وقال بكر الكناني:
وما المالُ والإعدامُ إلاَّ كعارضٍ ... أنارَ سناهُ ساعةً ثمَّ لم يدُمْ
فلا تفرحن بالمالِ حين كسبتَهُ ... ولا تُتبعنَّ النَّفس في فقرك الندمْ
فما لكَ صنو إلفي يأتي به الضّحى ... ...... عند العشي فينصرمْ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
وما طول سجني عائبٌ لي فإنَّه ... مِسَنٌّ لألبابٍ صدئن بلا سَنِّ
وما أَنا إلاَّ كالعُقارِ تكسَّبتْ ... نسيماً وطيباً في معاقرةِ الدنِّ
وقال أيضاً يصف الكبل:
كأنَّ زماني فوق ساقيَّ قابضٌ ... ليقصرَ باعي عن علا كلِّ مطلبِ
فمن زُبَرِ الأقيادِ مَدٌّ بساعد ... ومن حلقاتِ الكبل شدٌّ بمخلبِ
أمرُّ على الأفواهِ ذكراً ولا أُرَى ... كأنيَ فيها ذكرُ عنقاءَ مُغربِ
وقال أيضاً:
أصبحتُ في الدَّهر كالمعقولِ مختفياً ... عنِ العيونِ وما تخفى مفاهِمُهُ
كأنَّما السِّحرُ صدري في تضمُّنِهِ ... شخصي وشخصي سرّي فهو كاتمُهُ
كأنَّما الدَّهرُ يخشى منه لي فرجاً ... فمن قيودي على البلوَى تمائمُهُ
وقال يوسف بن هارون:
أخي حالي لفقدكَ عن جفوني ... كحالِ الشَّمسِ في فقدِ الشُّعاعِ
عداني عنكَ تعجيزٌ وعذرٌ ... طريفٌ إن أصَختَ إلى استماعِ
وذلك أنْ جرَى دمعي نجيعاً ... وفاضَ من الصُّدود بلا انقطاعِ
مضرت إليك مجتلباً بفصدي ... دمي من مقلتيَّ إلى ذراعي
فسألت كلها تجري اشتياقاً ... وسما كالشآبيب السراع
ولم يمنعْ مسيلٌ عن مسيلٍ ... وكادَ الجرح يرغبُ في انتجاعي
فكنتُ كمن يُداوَى من صداعٍ ... فخفَّ ولم يزُلْ ألمُ الصُّداعِ
وكتب محمد بن شخيص يستهدي ورقاً:
بي افتقارٌ إلى اجتلا ورقٍ أمل ... س كالماء حبسه فيه يأسن
فليحاكِ ملاسةً ونقاءً ... صفحات الخصيِّ قبل التغضن
بل تظنُّ العيونُ إن أكفّاً ... لفقتْ سطحه من أوراق سوسن
ولعمري ما كان يُغفل وصفي ... ورقَ الوردِ لو خلا من تلوّن
وقال المهند:
كأنَّما الرّشدُ والتَّوفيقُ مُعتلقٌ ... برأيك الثّبت في الأشياءِ مرتبطُ
كأنَّما أنت في الدُّنيا وساكنها ... شخصُ الصَّوابِ تضاغَى حوله الغلطُ
وقال محمد بن أبي الحسين:
لم ترُم نصحاً ولكن ... رمتَ كيداً في دُعابَهْ
أنت كالسنَّورِ لمَّا ... مَنَعوهُ اللَّحمَ عابَهْ
وقال ابن هذيل:
مخزومة في ثبج شخت ... كأنَّما استقصيَ بالنَّحتِ
كأنَّما آخرها نقطةٌ ... ساقطةٌ من قلمِ المفتي
شدَّت على الأرضِ على أربعٍ ... تشبه شعرَ الطفلِ في النَّبتِ
مكدودةٌ ليس لها راحةٌ ... وتقطعُ الأيَّامَ بالصَّمتِ
وقال عبادة:
ولمَّا رأيتُ الدَّهرَ ينفذُ حكمهُ ... بعدوانِ معشوقٍ قنعتُ بحتمِهِ
كأنيَ صبٌّ وهو إلفي فكلّما ... تيممَ بي ظلماً صبرتُ لظلمِهِ
وقال غربيب:
أرى ...... كالنَّصل ... حمائلهُ رثَّةٌ مُخلقه
وربّ امرئٍ ...... ... وحيرتُهُ ...... موبقهْ
وقال أحمد بن عبد الوهاب:
أيا مَلكَ الدُّنيا منحتَ هباتكا ... كما جرتِ العاداتُ في حركاتكا
فهل ليَ حظٌّ بالحظوظ الَّتي جرتْ ... وهل صلتي مذكورةٌ في صلاتكا
حدا بي على التَّذكير أنيَ ساقطٌ ... كسيئةٍ لم تجرِ في حسناتكا
تكرهتُ أن تغزو وأبقَى وأنَّني ... أعدّ حياتي قطعةً من حياتكا
وقال عبد الملك بن جهور وكان الناصر قد جفاه، فأتى مع أبي نصر الطاري إلى الزهراء وسأله أن يذكر به إذا دخل إلى الناصر ويعلمه بما يقول، فأبطأ عليه فكتب:
بأبي نصرَ صحبتي ... صُحبةُ الأَيرِ للخصا

كلَّما حلَّ منزلاً ... ترك البَيْضَ رُقَّصا
فاستملح الناصر البيتين وصرفه إلى منزلته.
وقال بعض الظرفاء وقد رأى مرقوشاً يشرب بين غلامين جميلين:
أدرْها فقد حَسُنَ المجلسُ ... وطابتْ بلذّتها الأَنفسُ
ودونك فانظر إلى عبرةٍ ... هلالين بينهما حِندسِ
وقال عبادة:
بسطتَ لنا خرقاءَ كالأُفقِ وُصِّلتْ ... بخمسٍ ......
يقبِّلُ ركنَ البيتِ منها مُسلِّمٌ ... ويصدرُ عنها صائمٌ وهو مُفطرُ
ألظَّتْ بها الأفواه حتَّى كأنَّها ... خواتمُ فيها أو عليها تُقدَّرُ
وقال محمد بن خطاب النحوي:
ما أنت في البحرِ إلاَّ راكبٌ سفراً ... وقد تعمَّت عليهِ أوجُهُ السَّفرِ
كأنَّما أنت من عيٍّ ومن عمهٍ ... ساري الظَّلامِ بلا نجمٍ ولا قمرِ
وقال مؤمن في زرياب:
تباركَ مَن أذلَّ الخزَّ حتَّى ... تمعَّكَ فيه أفواهُ الكلابِ
ومَن جعلَ الغوالي سائلاتٍ ... على أصداغِ أسودَ كالغرابِ
وقال ابن خطاب:
إذا حصَّلتُ إخواني جميعاً ... وجدتهُمُ كأضغاثِ المنام
فمنْ أعددتهُ لمهمِّ أمري ... كإخوانِ التَّحيَّةِ والسَّلام
وقال ابن هذيل:
محمدُ هل جوادُكَ في الجيادِ ... إذا حصَّلتَ إلاَّ كالفؤادِ
كأنَّ ضلوعَهُ مما تعرَّتْ ... قسيٌّ وُتِّرتْ يومَ الجلاد
وقال أيضاً:
وليس انبساطي في عُلاكَ مثقّلاً ... كغيري ولكن فيك جوهرُ منطقي
فما اسألُ الحاجات إلاَّ كأنَّما ... حيائي على وجهي حُسامٌ بمفرقي
وقال أيضاً يصف الشيهم:
انظر إلى الشيهمِ كيفَ انزوَى ... كأنَّهُ جولقةٌ في التُّرابِ
كأنَّما شاهدَ حرباً ففي ... أوصالِهِ دسكرَةٌ من حرابِ
وقال المهند:
جعلتَ أعمارَهُم تجري إلى أجلٍ ... كنفخة الصُّور تُفني كلَّ ذي أجلِ
تجري الدّماءُ على مُصفرِّ أوجههم ... كأنَّها خجلٌ ساطٍ على وَجَلِ
وقال سعيد بن العاصي:
أفديكَ مِن قمرٍ يهيمُ بهِ ... قلبي فمغربه يشرِّقه
أصبحتُ أدنيه ويُبعدني ... صدّاً ويقتلني وأعشقُهُ
فغدوتُ مِنْ وَلَهٍ كمفتتنٍ ... بالنَّارِ يعبدُها وتُحرقُهُ
وقال ابن الخطيب:
على كبدي تخييمُ كلِّ ملمَّةٍ ... كأنِّي هُضبٌ والخطوبُ بها أروَى
ولي خُلقت أرزاءُ دهري كأنَّها ... فواقدُ عيسٍ قد جُعلتُ لها بَوَّا
وقال علي بن أبي الحسين:
قد دنا الصَّوم في صفوفٍ حسان ... وبدا المهرجانُ آخرَ صفِّ
ولشعبانَ بالشَّمولِ بقايا ... كبقايا الحنَّاءِ في رسمِ كفِّ
وقال سعيد بن العاصي يهجو
يا غرَّةً للنَّحسِ فوقَ جبينها ... سمةٌ غدتْ كالشَّمس في الإشراقِ
من فوقها قرنان قد غرستهما ... بيد الكريهةِ خلوةُ العشَّاقِ
وكأنَّما في كلِّ قرنٍ جُلجُلٌ ... فإذا مَشيتَ عُرفتَ في الآفاقِ
وقال علي بن أبي الحسين:
والحبُّ عند اعتبارِ جَوركمُ ... صنفانِ من رغبةٍ وإشفاقِ
كالنَّار تجري طباعُها أبداً ... بين ضياءٍ وبينَ إحراقِ
وقال مروان بن عبد الرحمن يصف المطبق بالزهراء:
في منزلٍ كاللَّيلِ أسودَ فاحمٍ ... داجي النَّواحي مظلم الأثباجِ
يسودّ والزّهراءُ تزهرُ حولهُ ... كالحبرِ أُودعَ في دواةِ العاجِ
وقال الحمار السرقسطي:
لا كنتَ مثل الطَّبيب تبصرُهُ ... يدقُّ إهليلجاً ونانوخا
يلتمسُ البرءَ للعليلِ وقدْ ... شَكَا دماغاً لهُ ويافوخا
حتَّى إذا ما الشّفاءُ لاحَ لهُ ... أرادَ رأسَ الطَّبيبِ مطبوخا
قال أيضاً في مراء:
دعِ التَّسبيحَ فالتَّسبيحُ في ... ذا الدَّهرِ هُو صيدُ
ودعْ طولَ الصَّلاةِ فقدْ ... فطنتُ بأنَّها كيدُ
صداعٌ منك يأخذني الدّ ... وارُ منه والميدُ
وقال الطبني:
وأحسُدُ من يرنو إليك بطرفِهِ ... وقد كنتُ محسوداً على ذاكَ بالأمسِ
وما كانَ بُعدي عنك إلاَّ كظلمةٍ ... أتتني بها الأقدارُ من قِبلِ الشَّمس
وقال المرادي:
ومحلٌّ آوي إليه كجحرِ الضّ ... بِّ في ضيقهِ ومالٌ قليلُ

فإذا قيلَ لي كيف أنت تفك ... رتُ ولم أدرِ عندها ما أقولُ
وقال صاعد البغدادي:
حتَّى أَتاكَ وَجيبُهُ لك ناصحٌ ... متندِّمٌ ممَّا جناهُ منيبُ
يلوي يَديهِ على رضاكَ كأنَّما ... يَلوي يديه بيوسفٍ يعقوبُ
وقال يوسف بن هارون يصف غلاماً يلعب بالصولجان:
مرَّ بنا ملتفتاً مسرعاً ... كالرئم من خِيفةِ روّاغِهِ
ذا صولجانٍ أبنوسٍ وتفَّ ... اح لجينٍ صوغُ صَوَّاغِهِ
أفرغها صانعهُ متقناً ... في قالبِ الجبسِ كأفراغه
كأنَّه في ضربها لاطمٌ ... تُفَّاحَ خدَّيهِ بأصداغِهِ
وقال في فصد:
أبكيتَ عرقاً دمُهُ أحمر ... كدمع من يبكي من الوجدِ
قامتْ ذراعٌ منك بالعينِ ... والدمعِ وقام الطّستُ بالخدِّ
وقال أيضاً في مثله:
أخذتَ بأنفاسِ الرّياضِ فنشرُها ... أراهن من تفجيركِ المتنفّس
دمٌ قدْ حكاهُ الوردُ في اللّون سائلاً ... عروقٌ حكتْها خضرةً عينُ نرجس
وقال مقدم بن معافى وقد مدح بعض أولاد الأمراء فجاوبه عن شعره بشعر:
جادَ الأميرُ علينا بالأماديح ... جوداً فأصفدنا ريحاً بلا ريحِ
كأنَّني صائحٌ منه إلى جبلٍ ... يُربي صداهُ على صوتي وتسبيحي
وقال أحمد بن دراج السرقسطي:
خصصتَ بوصلك من لم يَطبْ ... ولم يَصفُ من كذبٍ جانبُهْ
فكنتَ كساقي شرابٍ زلالٍ ... وليسَ بذي ظمأٍ شاربُهْ
وقال محمد بن هشام:
وكأنَّ الورَى بأفنيةِ الزَّه ... راءِ من كلِّ ملَّةٍ وقبيلِ
موقفُ الحشرِ قد تبدَّى أو ... الجنَّةُ قد أُزلفت لأهلِ الدخولِ
وقال مروان بن عبد الرحمن:
فلا تشمتِ الحسَّادَ شدةُ حالتي ... فإنِّي جوادٌ لا يشدُّ عنانه
وما ألصقت بالأرض خدِّي إدالةً ... ولكنَّني كالرّمحِ سُنَّ سنانه
وقال محمد بن هشام:
وندامَى كأنَّهم أنجمُ اللَّيلِ ... ترامتْ بالشهبِ في الآفاقِ
وكأنَّ العُقار في الكاسِ شمسٌ ... قد تبدتْ في البدرِ قبل المحاقِ
في رياضٍ تعطَّرتْ وتحلَّتْ ... فأتتْ كالحبيبِ يومَ التَّلاقِ
نورها لاحظٌ بأعينِ حورٍ ... ساحراتِ الجفونِ والآماقِ
وكأنَّ الأوراق فيها ثعابينُ ... لجينٍ تحدَّرت في السَّواقي
وكأنَّ الحصباءَ في رونقِ الماءِ ... سَنَا الدّرِّ في بياضِ التَّراقي
وقال أيضاً:
كلُّ مَن صاحَبَني فارقتُهُ ... كفراقي صُحبةَ اليومِ غَدَا
فأنا كالطَّودِ تستصحبُهُ ... سُحُبٌ تمضي ويبقَى مُفرَدَا
تم كتاب التشبيهات من أشعار أهل الأندلس والحمد لله كثيراً كما هو أهله ومستحقه وصلى الله على محمد نبيه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
لابن الكتاني الطبيب فهو مؤلفه وهذا الكتاب مقروء عليه وجملة الشعراء المذكورين في هذا الكتاب أحد وتسعون شاعراً وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.