كتاب : التبصرة بالتجارة
المؤلف : الجاحظ

بسم الله الرحمن الرحيم
كتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري: سألت، أكرمك الله، عن أوصاف ما يستظرف في البلدان من الأمتعة الرفيعة، والأعلاق النفيسة، والجواهر الثمينة المرتفعة القيمة، ليكون ذلك مادة لمن حنكته التجارب، وعوناً لمن مارسته وجوه المكاسب والمطالب، وسميته بكتاب التبصّر والله ولي التوفيق.
زعم بعض المحصلين من الأوائل أن الموجود من كل شيء رخيص بوجدانه، غال بفقدانه إذا مست الحاجة إليه.
وقالت الروم: إذا لم يرزق أحدكم في أرض فليتحول إلى غيرها.
وقالت الهند: ما من شيء كثر إلا رخص، ما خلا العقل فإنه كلما كثر غلا.
وقالت العجم: إذا لم تربحوا بتجارة فاعتزلوا عنها إلى غيرها، إذا لم يرزق أحدكم بأرض فليستبدل بها.
وقالت الفرس: الرابح في كل سوق هو البائع لما ينفق فيها.
وقالت العرب: إذا رأيتم الرجل قد أقبلت عليه الدنيا فالصقوا به فإنه أجلب للرزق.
وقيل لبعض المياسير: بم كثر مالك؟ قال: ما بعت بنسيئة قط، ولا رددت ربحاً وإن قل وما وصل إلي درهم إلا صرفته في غيرها.
وكما يقال لا تشتروا ما ليس لكم إليه حاجة فيوشك إن تبيعوا ما لا تستغنون عنه.
وزعم بعض الحكماء إنه وجد في وصية الفرس: أيها الإنسان ليس بينك وبين بلد أنت به نسب، فخير البلدان ما وافقك. وخير الدهر ما أصلحك، وخير الناس من نفعك، وخير الماء ما أرواك، وخير الدواب ما حملك وخير الثياب ما سترك، وخير التجارة ما أربحك، وخير العلم ما هداك وأحسن الحسن ما استحسنته وإن كان قبيحاً، وكان يقال: خير الصناعة الخز وخير التجارة البز.
باب معرفة الذهب والفضة
وامتحانهما
قال الحكيم: يستحب من الذهب سبيكه، وغير سبيكه، وأن يكون كنار خامدة وشعاع مركوم وكبريت قانيء، وإنما دامت دولته لأنه لا يدحضه خبث الكير ولا يفسده مر الدهور وقيل إنما صار الذهب ثميناً لقلة تغيره وازدياد نضارته وحسنه إذا عتق ولإن الأشياء تنقص عند المس والدفن ما خلا الذهب فإنه لا ينقص البتة.
وخير الدنانير العتق الحمر إلى الخضرة، وزعم بعض الأوائل إنما يمتحن الدينار بلصوقه الشعر واللحية وصعوبة استمراره فيهما، والنبهرج من الدنانير يعتبر بخفته وثقله.
وزعموا أن خير الذهب العقيان وخير الفضة اللجين، ومذاق الفضة الصافية عذب، ومذاق الزيوف مر صديء، والنبهرج من الدراهم مالح جرسي الطنين، والفضة صافية الطنين لا يشوبها صمم وهي تقطع العطش إذا مسكت في الفم.
باب ما يعتبر من الجواهر النفيسة
ومعرفتها وقيمتها
زعموا أن معرفة جوهر اللؤلؤ أنك تجد مذاقته عل ضربين: عذب المذاقة عماني، وملح المذاقة قلزمي كلاهما يرسب في الماء، والمعمول منه تجده مر المذاق مع دسومة فيه، وهو خفيف الوزن يطفو على الماء.
وزعموا أن اللؤلؤة إذا كان في باطنها دودة فإنك تجدها حارة المص واللمس فإن ذلك للعلة النفسانية، وإذا لم يكن بها دودة كانت باردة المص واللمس وامتحانها بذلك.
وزعم البحريون أن اللؤلؤ الكبار المتغير اللون تلف عليه الألية الطرية المشرحة وتؤخذ في جوف عجين ويدخل التنور ويبالغ في إحمائه، فإنه يصفو ويحسن ويعود إليه الماء وإذا بخر بكافور كان ذلك وإذا عولج بمخ العظم وبماء البطيخ فإنه يصفو.
ومعرفة اللؤلؤ اللحمي الجوهري من الصدفي العظمي هو أن الجوهري يكون مستوى الصورة ليناً أملس والعظمي يكون خشناً غير مستوي الهيكل.
وخير اللؤلؤ الصافي العماني المستوى الجسد الشديد التدحرج والإستواء وإذا كانت حبتان متساويتين في الشكل والصورة واللون والوزن كان أرفع لثمنهما والعماني أنفس وأرفع من القلزمي لأن العماني عذب نقي صاف والقلزمي فيه ملوحة مع عيب كثير: وإذا بلغت الحبة نصف مثقال سميت درة والمدحرجة المعتدلة في التدور إذا بلغ وزنها نصف مثقال ربما بلغت في الثمن ألف مثقال ذهباً والبيضية دون ذلك في الثمن وأثمانها ترتفع على زيادة وزنها وتدحرجها، وإذا بلغ وزنها مثقالين إن شئت جعلت ثمنها عشرة آلاف دينار وإن شئت مائة ألف دينار والمدحرجة على هذا الوزن والصفة لا قيمة لها، وهي فريدة، وكلما كانت أصفى وأنقى كان أرفع لثمنها وأنفس والدرة اليتيمة قلزمية، زعموا أن وزنها ثلاثة مثاقيل والصغار من اللؤلؤ مرجانه.

وخير الياقوت البهرماني، ثم الأحمر المورد، ثم الاسمانجوني وأدونه الأبيض. والياقوت من جبل سرنديب بالهند، وتعرف اليواقيت من المعمولات بخصال ثلاث: برزانتها في الوزن وبرودتها في الفم عند المص وعمل المبرد فيها لأن الياقوت حجر ثقيل بارد في الفم بطئء عمل المبرد فيه والمعمول منها يكون خفيف الوزن، حار المص، سريع المبرد فيه.
وخير الياقوت الصافي النقي المضيء من أي لون كان، وارتفاع القيمة على قدر كبرها وصغرها، والياقوت الأحمر البهرماني الصافي إذا بلغ وزنه نصف مثقال ربما بلغ في الثمن خمسة آلاف دينار.
وكان وزن فص الخاتم الذي يسمى الجبل مثقالين، قوم بمائة ألف دينار، واشتراه أبو جعفر المنصور بأربعين ألف دينار. والياقوت الاسمانجوني ربما بلغ الفص منه مائتي دينار.
وخير الزبرجد الشديد الخضرة، الصافي الجوهر. ومعرفة الزبرجد الفائق من المعمول المتخذ كمعرفة اليواقيت: برزانته وبرودة مذاقته وعمل المبرد فيه على مهل، والمعمول منه رخو خفيف الوزن، حار في المذاق يسرع المبرد فيه.
وزعموا أن خير الزبرجد الناضر الصافي النقي فإذا بلغ وزن قطعة منه نصف مثقال بلغ في الثمن ألفي مثقال ذهباً وارتفاع القيمة على مقدار كبره وصغره.
وكان فص الخاتم الذي يسمى البحر وزنه ثلاثة مثاقيل اشتراه أبو جعفر المنصور بثلاثين ألف دينار وهو اليوم في خزانة بعض الخلفاء.
وخير الفيروزج الشيربام الأخضر الاسمانجوني الصافي العتيق، والفيروزج حجر لا يعمل المبرد فيه ولا يتغير في النار والماء الحار، وغاية ثمن فص فيروزج إذا بلغ وزنه نصف مثقال عشرون ديناراً.
وخير العقيق اليماني الشديد الحمرة الذي يرى في وجهه شبه الخيوط، وكلما كان أصفى وأضوأ كان أجود في الثمن.
وخير البيجاذي الأحمر الشديد الحمرة، الملتهب لونه التهاب النار، وكلما كان أصلب وأكبر كان أنفس وأثمن، والمعمول منه رخو، وامتحان جودته من رداءته أنك إذا قربته من الريش احتمله، وكلما كان أحمل للريش كان أجود وغاية ثمن فص بيجاذي فائق إذا بلغ وزنه نصف مثقال ثلاثون ديناراً. والجوهر النفيس لا قيمة له وذلك لاتساع ضوئه وانتشار شعاعه بالليل.
والبلور يختار لصفائه وعظمه، وخير الزجاج البلوري الصافي الأبيض النقي، والفرعوني الفائق. وخير الماس البلوري الصافي الأبيض النقي ثم الأحمر. وإذا بلغ وزنه نصف مثقال بلغ في الثمن مائة دينار، وكلما كان أكبر وأعظم كان أبلغ في الثمن وأرفع.

باب معرفة الطيب والعطر
والروائح الطيبة
زعموا أن خير العود الهندي المندلي الذي لا غش فيه، وكلما كان أصلب فهو أجود. وامتحان جودته بحدة أرجه وشدة رائحته.
وزعموا أن خير العود الهندي الثقيل الوزن الذي يرسب في الماء، وأدونه الخفيف الوزن الذي يطفو على رأس الماء والخفيف الوزن عندهم ميت لا روح فيه وهو ضعيف الرائحة، والثقيل الوزن منه له ذكاء وقوة أرج ورائحة.
وخير المسك التبتي اليابس الفائح، وأردأه البدي، وغش المسك من الآنك وجند بادستر ودم الأخوين وسياه دارو وكلما خف وزنه وفاح فهو أجود.
وزعموا أن خير العنبر الأشهب الزابجي ثم الأزرق ثم الأصفر وأدونه الا..... " هنا ورقة كاملة من الأصل بها ثلاثون سطراً تعطلت قراءتها لانخرام كتابتها واستيلاء الزاج على أحرفها بحيث لم يتيسر نقلها بأي وجه ولم يبق ظاهراً منها سوى ما هو مرسوم بالحمرة في السطر السابع عشر وهو: باب معرفة الثياب وما يستجاد منها.
من باب معرفة الثياب
وما يستجاد منها
وخير الوشي في الثوب السابري والكوفي الابريسمي والمذهب المنسوج ثم الوشي الاسكندراني الكتان البحت ثم الوشي الغزلي ثم الذي لا ابريسم فيه ولا ذهب وهو اليماني لأنه يرتفع على على هذه السبيل من الغزلي. والابريسمي الكتان لا يبلغ في الثمن ما يبلغه اليماني لأنه ربما بلغ الثوب الغزلي ألف دينار.
وخير السنجاب القاقم ثم الظهور منه ثم الخزري ثم الخوارزمي ثم الذي لا غش فيه من زغب الأرانب.
وخير الثعالب الأسود الخزري الغليظ الشعر الذي لا يغش بصبغ ثم الأبيض ثم الأحمر المحصري ثم الأحمر الخزري، ثم الخلنجي.
وخير القاقم أكثرها أذناباً. وخير السمور الصيني ثم الخزري الشديد البياض مع شدة السواد الطويل الشعر.

وخير الفرش وأرفعه ثمناً وأجوده المرعزي القرمزي الأرمني المنير ثم الخز الرقم ثم الخز القطوع، ثم الديباج على عمل الخسراوني الرومي، ثم الخز المبج على الميساني، ثم البزيون، ومهما كان من هذا الضرب منسوجاً بالذهب فهو أجود وأبلغ في الثمن، وقد تكون هذه الضروب كلها منسوجة بالذهب الأرمني والميساني والبزيون.
وخير البزيون المسكي الدقيق النسج، ثم المخطط، ثم المفلس ثم الساذج، ثم المعين ثم المنقط. والغفارة المسكية إذا كانت رقيقة العمل نقية ربما بلغت في الثمن خمسين ديناراً.
وأبو قلمون من الزلالي الخسرواني الرومي القرمزي على خطوط مختلفة في الأحمر والأخضر، وزعموا أنه يتلون ألواناً بارتفاع النهار ووهج الشمس، والقيمة مرتفعة منه جداً.
وخير الأكسية من الصوف المصرية، ثم الخوزية الفارسية، والمرعزي في المرعزي الفارسية: الشيرازية، ثم الأصفهانية، والمرعزي في الابريسم: الفسوية، ثم الطبرية، ثم الصوف في الصوف.
وخير الطيالسة الرويانية الطبرية، ثم الآملية ثم المصرية، ثم القومسية. وخير اللبود الصينية، ثم المغربية الحمر، ثم الطالقانية البيض، ثم الارمينية ثم الخراسانية.
وخير النمور البربري الموشح الشديد بياضه المشبع سواده، الطويل الوشي الساباني. وأظرف النمور الذي يكون في وسط سواده نقطة سوداء صغيرة بينة، وإن كان سواده متصلاً بعضه بشظية من سواد خفيفة كان أظرف له، وإذا كانت فيه حمرة مع بياض يقق وسواد حالك كان أحسن وأبلغ في الثمن، ونمور البربر صغار، ومقدار الجلد منها ما يغشي سرجاً مفرداً، ومنتهى ثمن الجلد منها خمسون ديناراً، وأما المغربية والهندية فهما أوسع وأكبر، ولا يبلغان في الثمن ولا يرتفعان، وخير النمور الوشي، وخير القطن الأبيض اللين الصغار الحبوب، اللطيف البياض الصافي.
وزعم أن القرمز حشيشة تكون في أصلها دودة حمراء تنبت في ثلاثة مواضع من الأرض: في ناحية المغرب بأرض الأندلس، وفي رستاق يقال له تارم: وفي أرض فارس، ولا يعرف هذه الحشيشة وأماكنها إلا فرقة من اليهود يتولون قلعها كل سنة في ماه اسفندارمذ. فتيبس تلك الدودة ويصبغ بها الابريسم والصوف وغير ذلك، وخير ما يصبغ في الأماكن بأرض واسط.
وزعموا أن البلسان شجر بأرض مصر يشرط في أيام الربيع فيخرج منه دهن البلسان فيؤخذ منه وهو مفقود في الأرض كلها ما خلا مصر.
وحب الزلم ينبت بأرض شهرزور، وزعموا أنه جيد للجماع، والقرماز شجر بالفارسية بنجكشت؟ قلما يوجد إلا ومع الدفلى، وهو نبت يستخير بالدفلى النابتة عنده يقال له فازهر فلذلك غرس معه في موضع يكون به، وقيل حملا جميعاً من الروم وله قصة عجيبة طويلة.

باب ما يجلب من البلدان
من طرائف السلع والأمتعة والجواري والأحجار وغير ذلك
يجلب من الهند الببور، والنمور، والفيلة، وجلود النمر، والياقوت الأحمر، والصندل الأبيض والأبنوس وجوز الهند.
ويجلب من الصين: الفرند، والحرير، والغضائر، والكاغد، والمداد، والطواويس، والبراذين الفره، والسروج، واللبود، والدراصيني، وادارند الروم الخالص، ويجلب من أواني الفضة والذهب والدنانير الخالصة القيسرانية، والعقاقير، والبزيون والأبرون، والديباج، والبراذين الفره، والجواري، وطرائف الشبة، والأقفال المحكمة، واللورا، ومهندسو الماء، وعلماء الحراثة، والأكارة، وبناة الرخام، والخصيان.
ومن أرض العرب: الخيل العراب، والنعام، والنجائب، والقانة والأدم.
ومن البربر ونواحي المغرب: النمور، والقرظ، واللبود والبزاة السود.
ومن اليمن: البرود والأدم، والزرافات، والجواميس، والعقيق والكندر، والخطر، والورس.
ومن مصر: الحمر الهماليج، والثياب الرقاق، والقراطيس، ودهن البلسان، ومن المعدن الزبرجد الفائق.
ومن الخزر: العبيد والإماء، والدروع، والبيضات والمغافر.
ومن أرض خوارزم: المسك، والقاقم، والسمور، والسنجاب، والفنك، وقصب الطيب.
ومن سمرقند: الكاغد.
ومن بلخ ونواحيها: العنب الطيب، والفوشنة.
ومن بوشنج: الكبر المربّى.
ومن مرو: الضرابون بالبرابط الجياد، والطنافس، والثياب المروية.
ومن جرجان: العناب، والتدرج، وحب الرمان الجيد، واليرمق اللين، والابريسم الجيد.
ومن آمد: الثياب الموشية، والمناديل، والمقارم الرقاق، والطيالسة من الصوف.

ومن دباوند: نصول السهام.
ومن الري: الخوخ، والزئبق، واليرمق، والأسلحة، والثياب الرقاق، والأمشاط، والقلانس الملكية، والقسيات الكتان، والرمان.
ومن أصفهان: الشهد والعسل، والسفرجل، والكمثري الصيني، والتفاح، والملح، والزعفران، والأشنان، والأسفيذاج، والكحل، والسرر المطبقة، والأثواب الجياد، والشراب من الفواكه.
ومن قومس: الفؤوس والأمساح، والجتر، والطيالسة من الصوف.
ومن كرمان: النيلج، والكمون.
ومن الجور: الجوارشن، وبزرقطونا.
ومن برذعة: البغال الفره.
ومن نصيبين: الرصاص.
ومن فارس: الثياب الكتان التوزي والسابري، وماء الورد، ودهن النيلوغر ودهن الياسمين، والأشربة.
ومن فسا: الفستق، وأصناف الفواكه، وطرائف الثمر، والزجاج.
ومن عمان وسواحل البحر: اللؤلؤ.
ومن ميسان: الأنماط والوسائد.
ومن الأهواز ونواحيها: السكر، والديباج الخز.
...والصناجات والرقاصات ... وأنواع التمر والدبس والقند.
ومن السوس: الأترج، ودهن البنفسج، والشاه سبرم، والجلال والبراذع.
ومن الموصل: الستور، والمسوح، والدراج والسماني.
ومن حلوان: الرمان والتين والكامخ.
ومن أرمينية واذربيجان: اللبود...والبراذع والفرش والبسط الرقاق، والتكك والصوف.

باب آخر
كل ثوب من اللباس والفرش إذا كان ألين وأنعم وأسنى كان أرفع، وكل علق من الجواهر والأحجار إذا كان أصفى وأضوأ فهو أنفس، وكل حيوان من الوحشية والأهلية إذا كان أجسم وأطوع فهو آثر وأفخر، وكل إنسان من الشريف والوضيع إذا كان أعقل وأسهل فهو أجمل، وكل امرأة أو أمة إذا كانت أكثر سكوناً وأجمل حالاً وأنزر طعماً وأشكر للناس فهي أصون، وكل طير من السهلية والجبلية إذا كان آلف كان آثر، وكل طارف وتالد إذا كان أزكى وأجل فهو أهنأ، وكل عدو صغير أو كبير إذا كان حميماً فهو أعدى وأشد حسداً، ومن لم يعرف مأواه فمحذور قربه.
والدول تنتقل والأرزاق مقسومة فاجملوا في الطلب، وارحموا المسكين، واعطفوا على الضعيف تجازوا به وتثابوا، والقضاء جالب يجلب الأمور، وخير النوم ما يذهب الأعياء والكسل.
ومعرفة الأشياء بالحواس الخمس: جودة الشيء بالنظر أن يكون حسناً رائقاً، وبالخيشوم إذا كان طيباً أرجاً، وبالمذاق إذا كان حلواً عذباً وبالسمع أن يكون صافي الوقع والصوت، وباللمس أن يكون ليناً ناعماً.
وكانت العجم تقول القلب والبصر شريكان والطعم والحس متفقان، والفطنة والحفص رفيقان، والسمع والمنطق مجتمعان.
وخير الناس السهل الطلق الوجه المتواضع، وفراسة الرجل السوء أن يكون منقبضاً غير منشرح، وأن يرى لونه إلى الصفرة والكمود من غير مرض، وأن يكون طائش لقلب، وأن يكون للدعابة والمزاح كارهاً لهما عائباً، وأن تراه غليظ اللفظ عند المحاورة.
ومن فراسة الرجل الصالح أن تراه سهلاً طلقاً ذا منظر بهي وكلام شهي، سبط الجبين غير منقبض ولا نزق، علق قلق، وغير كاره للدعابة والمزاح، يذكر بخير، لين المحاورة متواضعاً.
وزعم سابور الملك أنه ليس ينبغي للعاقل أن يعتد بقول سبعة من الناس: بقول السكران والدلال والمضحك والعليل والعراق والنمام والنساء.
تم الكتاب ولله المنة والحمد كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله وسلم.
ما يختار من البزاة والشواهين
والبواشق والصقور وغير ذلك من جوارح الطير
خير البزاة البيض ما يقع بناحية الترك إلى جيلان، ثم السود الغرابية التي بناحية الزنج إلى الهند وإلى اليمن، ثم الحمر المشرقة، ثم الديزج.
وخير الشواهين الغرابية البحرية، والبيض الجرجانية.
وكذلك البواشق يستحب منها السود الغرابية البحرية، ثم البيض الهندية، ثم الحمر البحرية، الحمر البطن والصدربيكانات بيض، المزهر اللون، الكبير الرأس، الغائر العينين من غير هزال، العريض المنخرين، الواسع الصدر مرتفعه، اللين الزغب، الطويل الذنب، الأخضر الأرجل الذي رجله قريبة من الدستبان، الثقيل الوزن فإذا بلغ وزنه مائة وثلاثين فذلك غاية.
وزعموا أن اليؤيؤ ذكورة الصقور، والعفصي ذكورة البواشق، وذكورة البزاة بمنزلة اليؤيؤ الصغير.
وقالت الفرس: لا يكاد الفرس والبازي يكونان حسني المنظر لا مخبر لهما، ولا حسني المخبر لا منظر لهما، فإن اجتمع المخبر والمنظر كان فائقاً.