كتاب : الأمثال
المؤلف : المفضل الضبي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال الطوسي: أخبرنا محمد بن زياد ابن الأعرابي أبو عبد الله عن المفضل الضبي قال:
زعموا أن ضبة بن أد بن طابخة
بن الياس بن مضر بن معد
وكان له ابنان يقال لأحدهما سعد والآخر سعيد، وأن إبل ضبة نفرت تحت الليل وهما معها، فخرجا يطلبانها، فتفرقا في طلبها، فوجدها سعد فجاء بها، وأما سعيد فذهب ولم يرجع، فجعل ضبة يقول بعد ذلك إذا رأى تحت الليل سواداً مقبلاً أسعد أم سعيد فذهب قوله مثلاً.؟؟ثم أتى على ذلك ما شاء الله أن تأتي لا يجيء سعيد ولا يعلم له خبر، ثم إن ضبة بعد ذلك بينما وهو يسير والحارث بن كعب في الأشهر الحرم وهما يتحدثان إذا مرا على سرحة بمكان فقال له الحارث: أترى هذا المكان؟ فإني لقيت فيه شاباً من هيئته كذا وكذا - فوصف صفة سعيد - فقتلته وأخذت برداً كان عليه، ومن صفة البرد كذا وكذا - فوصف صفة البرد - وسيفاً كان عليه فقال ضبة: ما صفة السيف؟ قال: ها هوذا علي، قال: فأرينه، فأراه إياه فعرفه ضبة ثم قال إن الحديث لذو شجون ثم ضربه حتى قتله، فذهب قوله هذا أيضاً مثلاً.فلامه الناس وقالوا قتلت رجلاً في الأشهر الحرم فقال ضبة: سبق السيف العذل فأرسلها مثلاً. وقال الفرزدق يخاطب الخيار بن سبرة المجاشعي:
أأسلمتني للقوم أمك هابل ... وأنت دلنظى المنكبين بطين
خميص من المجد المقرب بيننا ... من الشنء رابي القصريين سمين
فإن تك قد سالمت دوني فلا تقم ... بدار بها بيت الذليل يكون
ولا تأمنن الحرب إن اشتغارها ... كضبة إذ قال الحديث شجون
الدلنظى: الضخم؛ والهابل: الثاكل؛ يقال شنئته أشنأه وشنأة أي أبغضته، والقيصرى: الضلع التي تلي الخاصرة، وأنشد لامرأة:
فيا رب لا تجعل شبابي وبهجتي ... لشيخ يعنيني ولا لغلام
ولكن لعل قد علا الشيب رأسه ... ؟ بعيد مناط القصريين حسام
واشتغارها: انتشارها وتفرقها؛ وفي بعض الحديث أن امرأة افتخرت على زوجها فقال لها: ذهب الشغار بالفخار، يقال شغر الكلب رجله اذا رفعها ليبول.
وزعموا أن المستوغر بن ربيعة
بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم عاش زماناً طويلاً
وكان من فرسان العرب في الجاهلية، فزعموا أن رجلاً شاباً من قومه كان له صديق يقال له عامر، وكان ذلك الفتى يقول لعامر إن امرأة المستوغر صديقة لي وإني آتيها، وإنه يطيل الجلوس في المجلس حتى لا يبقى أحد إلا قام، فأحب أن تجلس معه حتى إذا أراد أن يقوم تمطيت وتثاءبت ورفعت صوتك تسمعني، فأنصرف من عند امرأته من قبل أن يفجأنا ونحن على حالنا تلك، وإنما كان ذلك صديقاً لأم عامر، فكان الفتى يشغله بحفظ المستوغر ليخالف الفتى إلى أم عامر فيكون معها، فإذا سمع التثاؤب خرج، ففطن المستوغر لعامر وما يصنع، فاشتمل على السيف، حتى إذا لم يبق أحد غيره وغير عامر قال: ألا ترى والذي أحلف به لئن رفعت صوتك لأضربن عنقك، قال: فسكت عامر، فقال له المستوغر: قم، فقاما إلى بيت المستوغر فإذا امرأته قاعدة بين بنيها، قال: هل ترى من بأس؟ قال: لا أرى من بأس، قال له المستوغر: انطلق بنا إلى أهلك، فانطلقا، فإذا هو بذلك الفتى متبطناً أم عامر في ثوبها، فقال له المستوغر: انظر إلى ما ترى، ثم قال لعلني مضلل كعامر فارسلها مثلاً، ومما زاده في هذا الحديث ما قاله المستوغر: إن المعافى غير مخدوع.
وزعموا أن الاضبط بن قريع
بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم
كان يرى من قومه وهو سيدهم بغياً عليه وتنقصاً له فقال: ما في مجامعة هؤلاء خير، ففارقهم وسار بأهله حتى نزل بقوم آخرين، فإذا هم يفعلون بأشرافهم كما كان يفعل به قومه من التنقص له والبغي عليه، فارتحل عنهم وحل بآخرين، فإذا هم كذلك، فلما رأى ذلك انصرف وقال: ما أرى الناس إلا قريباً بعضهم من بعض، فانصرف نحو قومه وقال: أينما أوجه ألق سعداً فأرسلها مثلاً.
ألق سعداً أي أرى مثل قومي بني سعد. ومما زاده قوله: في كل واد بنو سعد.
وزعموا أن ضرار بن عمرو
بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة

أغار على كلب ثم على بني عدي بن جناب من كلب، فأصاب فيما أصاب أهل عمرو بن ثعلبة أخي بني عدي بن جناب، وكان صديقاً لضرار بن عمرو، ولم يشهد القوم حين أغير عليهم، فلما جاءهم الخبر تبع ضرار وكان فيما أخذ من أهله يومئذ سلمى بنت وائل الصائغ، وكانت أمه له وأمها وأختين لها، وسلمى هي أم النعمان بن المنذر ابن ماء السماء، فلما لحق عمرو بن ثعلبة ضراراً قال له عمرو: أنشدك المودة والاخاء فإنك قد أصبت أهلي فارددهم علي، فجعل ضراراً يردهم شيئاً شيئاً حتى بقيت سلمى وأختاها، وكانت سلمى قد اعجبت ضراراً، فسأله إن يردهن، فردهما غير سلمى، فقال عمرو بن ثعلبة: يا ضرار: أتبع الفرس لجامها فأرسلها مثلاً، فردها عليه ومما زاده قوله: والدلو رشاءها.

وزعموا أن عمرو بن عدس
بن زيد بن عبد الله بن دارم تزوج بنت عمه دخنتوس بنت لقيط بن زرارة بن
عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم
بعدما أسن، وكان أكثر قومه مالاً وأعظمهم شرفاً فلم تزل تولع به وتؤذيه وتسمعه ما يكره وتهجره وتهجره حتى طلقها، وتزوجها من بعد عمير بن معبد بن زرارة وهو ابن عمها، وكان رجلاً شاباً قليل المال، فمرت إبله عليها كأنها الليل من كثرتها فقالت لخادمتها: ويلك انطلقي إلى أبي شريح - وكان عمرو يكنى بأبي شريح - فقولي له فليسقنا من اللبن، فاتاها الرسول فقال: إن بنت عمك دختنوس تقول لك اسقنا من لبنك، فقال لها عمرو قولي لها الصيف ضيعت اللبن. ثم أرسل إليها بلقوحين ورواية من لبن، فقال الرسول: أرسل إليك أبو شريح بهذا وهو يقول: الصيف ضيعت اللبن، فذهبت مثلاً فقالت وزوجها عندها، وحطأت بين كتفيه، أي ضربت: هذا ومذقة خير فأرسلتها مثلاً. والمذقة شربة ممزوجة.
وزعموا أن خالد بن مالك بن ربعي
بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم ابن مالك بن حنظلة بن مالك كان عند
النعمان بن المنذر
في الجاهلية، فوجده قد أسر ناساً من بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، فقال: من يكفل بهؤلاء؟ فقال خالد: أنا كفيل بهم، فقال النعمان : وبما أحدثوا، قال: نعم وإن كان الأبلق العقوق، فقال له النعمان: وما الأبلق العقوق؟ قال: هو الوفاء، فذهب الأبلق العقوق مثلاً، قال الشاعر:
فلو قبلوا منا العقوق أتيتهم ... بألف أودية من المال اقرعا
أي تام.
طلب الأبلق العقوق فلما ... لم يصبه أراد بيض الأنوق
وزعموا أن كبيس بن جابر بن قطن
بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة
كان عارض أمة لزرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة يقال لها رشية، وكانت سبية أصابها زرارة من الرفيدات، ورفيدة قبيلة من كلب فولدت له عمراً وذؤيباً وبرغوثاً فمات كبيس وترعرعت الغلمة، فقال لقيط بن زرارة: يا رشية من أبو هؤلاء؟ قالت: كبيس بن جابر، وكان لقيط عدواً لضمرة بن جابر أخي كبيس، قال: فاذهبي بهؤلاء الغلمة واقصدي بهم وجه ضمرة وأخبريه من هم، فانطلقت بهم إلى ضمرة فقال: ما هؤلاء؟ قالت: هم بنو أخيك كبيس بن جابر، فانتزع منها الغلمة - ثم قال: الحقي بأهلك، فرجعت فأخبرت أهلها الخبر، فركب زرارة وكان حليماً حتى أتى بني نهشل فقال: ردوا علي غلمتي، فشتمه بنو نهشل وأهجروا له، فلما رأوا ذلك انصرف حتى أتى قومه فقالوا له: ما صنعت، قال: خيراً، والله ما زال يستقبلني بنو عمي بما أحب حتى انصرفت عنهم من كثر ما أحسنوا إلي، ثم مكث عاماً ثم أتاهم فأعادوا عليه أسوأ ما كانوا فعلوا، فانصرف، فقال له قومه: ما صنعت؟ قال: خيراً، قد أحسنوا إلي بنو عمي وأجملوا، فمكث كذلك سبع سنين يأتيهم كل سنة فيردونه أسوأ الرد، فبينما بنو نهشل يسيرون ضحى إذ لحق بهم لاحق فأخبرهم أن زرارة قد مات، فقال ضمرة: يا بني نهشل إنه قد مات حلم إخوتكم اليوم فاتقوهم بحقهم، ثم قال ضمرة لنسائه: قمن أقسم بينكن الثكل، وكانت عنده هند بنت كرب بن صفوان بن شجنة ابن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وامرأة سبية يقال لها خليدة من بني عجل، وسبية من بني عبد القيس، وسبية من الأزد من بني طمثان، فكان لهن أولاد، غير خليدة، فقالت لهند - وكانت لها مصافية: ولي الثكل بنت غيرك فأرسلتها مثلاً.

فأخذ ضمرة شقة بن ضمرة وأمه هند، وشهاب بن ضمرة وأمه العبدية، وعنوة بن ضمرة وامه الطمثانية، فأرسلهم إلى لقيط بن زرارة فقال: هؤلاء رهن لك بغلمانك حتى أرضيك منهم، فلما وقع بنو ضمرة في يدي لقيط أساء ولايتهم وجفاهم وأهانهم، فقال في ذلك ضمرة بن جابر:
صرمت إخاء شقة يوم غول ... وإخوته فلا حلت حلالي
كأني إذ رهنت بني قومي دفعتهم إلى الصهب السبال
فلم أرهنهم بدمي ولكن ... رهنتهم بصلح أو بمال
صرمت إخاء شقة يوم غول وحق إخاء شقة بالوصال
يريد إخائي شقة فحذف الياء، فأجابه لقيط بن زرارة:
أبا قطن إني أراك حزيناًوإن العجول لا تبالي خدينا
أفي أن صبرتم نصف عام بحقنا ... وقبل صبرنا نحن سبع سنينا
العجول: التي مات ولدها.
وقال ضمرة بن جابر:
لعمرك إنني وطلاب حبي وترك بني في الشطر الأعادي
لمن نوكى الشيوخ وكان مثليإذا ما ضل لم ينعش بهادي
ثم إن بني نهشل طلبوا إلى المنذر بن ماء السماء أن يطلبهم إلى لقيط، فقال لهم المنذر: نحوا عني وجوهكم، ثم أمر بخمر وطعام، ثم دعا لقيطاً فأكلا وشربا، حتى إذا أخذت الخمر فيهما قال المنذر للقيط: يا خير الفتيان ما تقول في رجل اختارك الليلة على ندامى مضر؟ قال: وما أقول فيه؟ أقول إنه لا يسألني الليلة شيئاً إلا أعطيته إياه غير الغلمة، قال له المنذر: وما الغلمة؟ أما إذا استثنيت فلست قابلاً منك حتى تعطيني كل شيء طلبته، قال: فذلك لك، قال: فإني أسألك الغلمة أن تهبهم لي، قال: سلني غيرهم، قال: ما أسألك غيرهم، فأرسل لقيط إليهم فدفعهم إلى المنذر، فلما أصبح لامه أصحابه فقال لقيط في المنذر:
إنك لو غطيت أرجاء هوةٍ ... مغمسة لا يستبان ترابها
أرجاء البئر: نواحيها، والهوة: البئر، مغمسة: خفية مظلمة.
بثوبك في الظلماء ثم دعوتني ... لجئت إليها سادراً لا أهابها
وأصبحت موجوداً علي ملوماً ... كأن نضيت على حائض لي ثيابها
قوله: يطلبهم إلى لقيط يقال أطلبني حاجتي أي أسعفني على طلبها، واحلبني أي أعني على الحلب، وألمسني حاجتي أي التمس معي، وقوله: نضيت يقال نضا الرجل ثوبه إذا نزعه، قال امرؤ القيس بن حجر الكندي:
تقول وقد نضت لنومٍ ثيابها ... لدى الستر إلا لبسة المتفضل
وأرسل المنذر إلى الغلمة وقد مات ضمرة، وكان ضمرة صديقاً له، فلما دخل عليه الغلمة وكان يسمع بشقة ويعجبه ما يبلغه عنه، فلما رآه المنذر قال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فأرسلها مثلا - قال الكسائي: الطوسي يشدد الدال ويقول المعدي ينسبه إلى معد - قال له شقة: أسعدك إلهك إن القوم ليسوا بجزر - يعني الشاء - إنما يعيش المرء بأصغريه، بقلبه ولسانه، والجزر: جمع جزرة وهي الشاة، فاعجب الملك كلامه وسره كل ما رأى منه فسماه ضمرة باسم أبيه، فهو ضمرة بن ضمرة، وذهب قوله إنما يعيش الرجل بأصغريه مثلاً.

زعموا أن تقن بنت شريق
أحد بني عثم من بني جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم

كانت تحت رجل من قومها، وكان أخوها الريب بن شريق من فرسان بني سعد وأشرافهم، وكانت لها ضرة، ولضرتها ابن يقال له الحميت. فوقع بين تقن وضرتها شر فاستبتا وتراجزتا، فغلبتها تقن وشتمتها شتماً قبيحاً، فلما سمع ذلك الحميت اخذ الرمح فطعن به في فخذ تقن فأنفذ فخذها، فلما رأى ذلك أبوه - وكره ان يبلغ أخاها - قال: اسكتي ولك ثلاثون من الإبل ولا يعلم بذلك أخوك، قالت: فأخرجها، فأخرجها فوسمتها بمسيم أخيها الريب بن شريق وألحقتها بابلها، فكانت في إبلها ما شاء الله. ثم إن سفيان بن شريق أخا الريب ورد الماء بابله، فلقى الحميت على الماء، فكان بينهما كلام، فضربه الحميت، وكان في عنق سفيان بن ريق قروح فادمى تلك القروح، فأتى سفيان أخاه الريب فذكر له ذلك، فركب الريب فرساً له يقال الهداج ثم لحق الحي وهم سائرون، فقال: من أحس من بكر أورق ضل من إبلي؟ فيقولون: ما رأيناه، ويمضي حتى لحق بالحميت وهو يسير في أول سلف الحي، فقال: هل أحسست من بكر أورق ضل من إبلي، قال: ما رأيته؛ ثم ان الريب ألقى سوطه كأنه وقع منه، فقال للحميت: ناولني سوطي، فأكب يناوله السوط فقال: أعركتين بالضفير - الضفير: السير المضفور، والضفير موضع، ثم ضربه بالسيف على مجامع كتفيه ضربةً كادت تقع في جوفه، ثم مضى على فرسه، فذهب قوله: أعركتين بالضفير مثلاً. يقول: أعركتين مرة على أخي ومرة على أختي. وقال الريب بن شريق:
بكت تقن فآذاني بكاها ... وعز علي أن وجعت نساها
سأثأر منك عرس أبيك إني ... رأيتك لا تجأجىء عن حماها
يعني بالعرس هنا تقناً، يقال جأجأ بابله، إذا حثها على الشرب.
دلفت له بأبيض مشرفي ... الم على الجوانح فاختلاها
دلفت: من الدليف وهو مشي سريع في تقارب خطو.
فان يبرا فلم أنفث عليه ... وان يهلك فآجال قضاها
وكان مجرباً سيفي صنيعاً ... فيا لك نبوة سيفي نباها
رأيت عجوزهم فصددت عنها ... لها رحم وواقٍ من وقاها
وخفت الصرم من حفص بن سودٍ ... وأتبعت الجناية من جناها
الحفص: من قبيلة الحميت، وكان صديقاً للريب بن شريق.

زعموا أن مالك بن زيد
مناة بن تميم
كان رجلاً أحمق، فزوجه أخوه سعد ابن زيد مناة النوار بنت جد بن عدي بن عبد مناة بن أد ورجا سعد إن يولد لأخيه. فلما كان عند بنائه أدخلت عليه امرأته انطلق به سعد حتى اذا كان بباب بيته قال له سعد: لج بيتك، فأبى مالك، فعاتبه مراراً فقال له سعد: لج مال ولجت الرجم - الرجم: القبر - فأرسلها مثلاً، ثم إن مالكاً دخل ونعلاه معلقتان في ذراعيه فلما دنا من المرأة قالت له ضع نعليك قال: ساعداي أحرز لهما فأرسلها مثلاً، ثم أتي بطيب فجعل يجعله في استه فقالوا له يا مالك ما تصنع؟ قال " : استي اخبثي فأرسلها مثلاً. فولدت النوار لمالك بن زيد مناة حنظلة ومعاوية وقيسا وربيعة، فقال الشاعر الفرزدق:
ولولا إن يقول بنو عدي ... ألم تك أم حنظلة النوارا
إذن لأتى بني ملكان قول ... إذا ما قيل انجد ثم غارا
ليس في العرب ملكان - بالفتح - إلا ملكان بن هند بن جرم في قضاعة.
زعموا أن أم خارجة بنت سحمة
بن سعد بن عبد الله بن قذاذ بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار
البجلية - وهي أم عدس
كانت تحت رجل من اياد، وكان أبا عذرها، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فخلعها منه دعج بن خلف بن دعج بن سحيمة بن سعد بن عبد الله بن قذاذ بن عبد الله بن سعد بن قذاذ وهو ابن اخيها فتزوجها بعده عمرو بن تميم، فولدت له أسيد بن عمرو بن تميم، والعنبر بن عمرو، والهجيم، والقليب. ثم خلف عليها بعده بكر بن عبد مناة من كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، فولدت له: ليث بن بكر، والحارث بن بكر والديل بن بكر؛ ثم خلف عليها مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، فولدت له: غاضرة بن مالك، وعمرو بن مالك، وولدت في قبائل العرب.

زعموا أن الخاطب كان يأتيها فيقول: خطب، فتقول نكح، فقيل: أسرع من نكاح أم خارجة فصار مثلاً. وزعموا أن بعض ولدها كان يسوق بها يوماً فرفع لهم راكب، فقالت:ما هذا؟ فقال ابنها: إخاله خاطباً، فقالت: يا بني هل تخاف أن يعجلنا إن نحل، ما له ال وغل، فصار مثلاً.
وزعموا أن رجلاً كانت له صديقة وكان لها زوج غائب، فكان صديق تلك المرأة يأتيها فيصيب منها، فجاء زوجها ولم يعلم به صديقها، وجاء الصديق كعادته فوجد الزوج مضطجعاً بفناء البيت، فحسبه المرأة، فرفع برجليه، فوثب إليه الرجل فأخذه ودعا بالسيف ليقتله، وهو جار معاوية بن سنان بن جحوان بن عوف ابن كعب بن عبشمس بن سعد بن زيد بن تميم، فنادى المأخوذ: يا معاوي ابن سنان هل أوفيت؟ - يقال وفى الرجل واوفى بمعنى واحد - فسمع معاوية فظن انه مكروب حين سمع صوته فنادى: نعم وتعليت أي زدت على الوفاء فذهب مثلاً، فقال له زوج المرأة: أمنحباً أي ناذراً قال: نعم - المنحب: المراهن. والمنحب الدائب أيضاً.

زعموا أن خالد بن معاوية
بن سنان بن جحوان بن عوف بن كعب بن عبشمس بن سعد
ساب رجلاً من بني عثم - وهو من بني جشم بن سعد بن زيد مناة ابن تميم - عند النعمان بن المنذر، فقال لهم خالد وهو يرجز بهم:
دوموا بني عثم ولن تدوموا ... لنا ولا سيدكم مرحوم
إنا سراة وسطنا قروم قد علمت أحسابنا تميم
في الحرب حين حلم الأديم فذهب قوله حلم الأديم مثلاً.
وقال خالد وهو يرجز بهم:
إن لنا بآل عثم علماًأستاه آم يعترين لحما
أفواه أفراس أكلن هشماً ... إذا لقيت انفحياً وخما
منهم طويلاً في السماء ضخماً ... لا يحتر النازل إلا لطما
تركتهم خير قويس سهما القويس: القوس الرديئة، والحتر: العطية، أي لما هجوت رؤساءهم صاروا أذلة فكيف بغيرهم، فذهب قوله خير قويس سهما مثلاً.
قال أبو عبد الله: يريد تركت من هجوته وهو ذليل فإذا كان ذليلاً وهو خير قومه فأي شيء حال قومه؟ وقال خالد وهو يرجز بالمنذر بن فدكي أخي بني عثم وكان سيدهم يومئذ عند النعمان:
فان عين المنذر بن فدكي ... عينا فتاة نقطت أمس هدي
فرجز به شاعر بني عثم، فعقر به خالد بن معاوية، ومع خالد أخ له، فاستعدوا عليهما النعمان، فقال خالد: أبيت اللعن، أنا أركب وأخي ناقة، ثم نتعرض لهم كما تعرضوا لنا، فإن استطاعوا فليعقروا بنا، فأعجب ذلك النعمان وقال: قد أعطاكم بحقكم، قالوا: قد رضينا، قال النعمان: أما والله لتجدنا ألوى بعيد المستمر فأرسلها مثلاً.
الألوى: المانع لما عنده، والمستمر: استمرار عقله وحزمه.
فاكتفل خالد وأخوه ناقتهما بكفل وتأخر أحدهما على العجز وجعل وجهه من قبل الذنب، وتقدم أحدهما إلى الكتف، فجعل كل واحد يذب بسيفه مما يليه فلم يخلصوا إلى أن يعقروا بهما فأتى النعمان فقال: أبيت اللعن قد أعطيناهم بحقهم فعجزوا عنه فنظر النعمان إلى جلسائه فقال: أترون قومه كانوا يتبعونه بأبلخ جهول، فأرسلها مثلاً.
زعموا أن السليك بن السلكة التميمي
ثم أحد بني مقاعس - ومقاعس: الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة - كان من أشد فرسان العرب وأنكرهم وأشعرهم، وكانت أمه سوداء، وكانوا يدعونه سليك المقانب - والمقنب ما بين الثلاثين إلى الخمسين - وكان أدل الناس بالأرض، وأجودهم عدواً على رجليه لا تعلق به الخيل، زعموا أنه كان يقول: اللهم إنك تهيء ما شئت لما شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنت عبداً، ولو كنت امرأة كنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة، أي لا أهاب أحد.

فذكر أنه افتقر حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر عليه فيذهب بابله، حتى أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة، فاشتمل الصماء - واشتمال الصماء أن يرد فضل ثوبه على عضده اليمنى ثم ينام عليها - فبينا هو نائم إذ جثم عليه رجل من الليل فقعد على جنبه فقال: استأسر، فرفع السليك إليه رأسه فقال: إن الليل طويل وأنت مقمر فأرسلها مثلاً. ثم جعل الرجل يلهزه ويقول: يا خبيث استأسر، فلما آذاه بذلك أخرج السليك يده فضم الرجل ضمة إليه ضرط منها وهو فوقه فقال له السليك: أضراطاً وأنت الأعلى فأرسلها مثلاً. ثم قال له السليك: من أنت؟ قال: أنا رجل افتقرت فقلت لأخرجن فلا أرجعن حتى استغني فآتي أهلي وأنا غني، قال: فانطلقي معي. قال: فانطلقا حتى وجدا رجلاً قصته مثل قصتهما، فاصطحبوا جميعا، حتى اتوا الجوف - جوف مراد الذي باليمن - فلما أشرفوا على الجوف، إذا نعم قد ملأ كل شيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضهما فليحقهم الحي، فقال لهما السليك: كونا قريبا حتى آتي الرعاء فاعلم لكم علم الحي أقريب أم بعيد، فإن كانوا قريباً رجعت إليكما، وإن كانوا بعيداً قلت لكما قولاً أوحي به لكما، فأغيروا؛ فانطلق حتى أتى الرعاء فلم يزل يتسقطهم حتى أخبروه بمكان الحي، فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدركوا، فقال لهم السليك: ألا أغنيكم؟ فقالوا: بلى، فتغنى بأعلى صوته فقال:
يا صاحبي إلا لا حي بالوادي ... إلا عبيد وأم بين اذواد
آم: جمع أمة العشر، ثم إماء لما بعد العشر.
أتنظرن قليلاً ريث غفلتهم ... أم تعدوان فإن الريح للعادي
فلما سمعا ذلك أتيا السليك فاطردوا الإبل فذهبوا بها فلم يبلغ الصريخ إلى الحي حتى مضوا بما معهم. وزعموا أن السليك خرج ومعه عمرو وعاصم ابنا سري بن الحارث بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم يريد أن يغير في أناس من أصحابه، فمر على بني شيبان في ربيع والناس مخصبون في عشية فيها ضباب ومطر، فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت عظيم، وقد أمسى، فقال لأصحابه: كونوا بمكان كذا وكذا حتى آتي أهل هذا البيت فلعلي أصيب لكم خيراً أو آتيكم بطعام، فقالوا فافعل، فانطلق وقد أمسى وجن عليه الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رويم الشيباني، وهو جد حوشب بن يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم، وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت، فأتى السليك البيت من مؤخره فدخله، فلم يلبث أن أراح ابن له ابله، فلما أن أراحها غضب الشيخ وقال لابنه: هلا كنت عشيتها ساعة من الليل؟! فقال ابنه: إنها أبت العشاء، فقال: العاشية تهيج الآبية فأرسلها مثلاً.
العاشية: التي تتعشى، تهيج آبي العشاء فيتعشى معها. ثم غضب الشيخ فنفض ثوبه في وجوهها إلى مرتعها وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها، وجلس الشيخ عندها للعشاء فغطى وجهه في ثوبه من البرد، وتبعه السليك، فلما وجد الشيخ مغتراً ختله من ورائه ثم ضربه فأطار رأسه وصاح بالإبل فاطردها، فلم يشعر أصحابه - وقد ساء ظنهم به وتخوفوا عليه - حتى اذا هم بالسليك يطردها، فطردوها معه فقال السليك:
وعاشية رج بطان ذعرتها بصوت قتيل وسطها يتسيف
فبات لها أهل خلاء فناؤهم ومرت بهم طير فلم يتعيفوا
وباتوا يظنون الظنون وصحبتي ... إذا ما علوا نشزاً أهلوا وأوجفوا
وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدن لأسباب المنية أعرف
وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني ... إذا قمت يغشاني ظلال فأسدف

زعموا أن العيار بن عبد الله الضبي
ثم أحد بني السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة وفد هو وحبيش بن دلف وضرار بن عمرو الضبيان على النعمان فأكرمهم وأجرى عليهم نزلا، وكان العيار رجلاً بطالاً يقول الشعر ويضحك الملوك، وكان قد قال قبل ذلك:
لا أذبح النازي الشبوب ولا ... أسلخ يوم المقامة العنقا
لا آكل الغث في الشتاء ولا ... أنصح ثوبي إذا هو انحرقا
ولا أرى أخدم النساء ول - كن فارساً مرة ومنتطقا

وكان منزلهم واحد، وكان النعمان بادياً، فأرسل إليهم بجزر فيهن تيس، فأكلوهن غير التيس، فقال ضرار للعيار - وهو أحدثهم سناً - ليس عندنا من يسلخ لنا هذا التيس فلو ذبحته وسلخته وكفيتنا ذلك فقال العيار فما أبالي أن أفعل فذبح ذلك التيس ثم سلخه، فانطلق ضرار إلى النعمان فقال: أبيت اللعن هل لك في العيار يسلخ تيساً؟ قال: أبعد ما قال؟ قال: نعم،فأرسل إليه النعمان فوجده يسلخ تيساً، فأتى به فضحك به ساعة؛ وعرف العيار أن ضراراً هو الذي أخبر النعمان بما صنع، وكان النعمان يجلس بالهاجرة في ظل سرادقة، وكان كسا ضراراً حلة من حلله، وكان ضراراً شيخاً أعرج بادناً كثير اللحم، فكست العيار حتى إذا كانت ساعة النعمان التي يجلس فيها في ظل سرادقة ويؤتى بطعامه عمد العيار إلى حله صرار فلبسها، ثم خرج يتعارج، حتى إذا كان بحيال النعمان وعليه حلة ضرار كشفها عنه فخرىء، فقال النعمان: ما لضرار قاتله الله لا يهابني عند طعامي؟ فغضب على ضرار، فحلف ضرار أنه ما فعل، قال: ولكني أرى العيار وهو فعل هذا من أجل أني ذكرت لك سلخة التيس، فوقع بينهما كلام حتى نشائما عند النعمان. فلما كان بعد ذلك ووقع بين ضرار وبين أبي مرحب أخي بني يربوع ما وقع تناول أبو مرحب ضراراً عند النعمان والعيار شاهد فشتم العيار أبا مرحب ورجز به فقال النعمان للعيار: أتشتم أبا مرحب في ضرار، وقد سمعتك تقول له شراً مما قال أبو مرحب؟! قال العيار أبيت اللعن وأسعدك إلهك: إني آكل لحمي ولا أدعه لآكل فأرسلها مثلاً، فقال النعمان: لا يملك مولى لمولى نصراً.

وزعموا أن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة
وكان خطيباً كثير المال عظيم المنزلة من الملوك، وانه كان مع بعض الملوك فقال له: إنه قد بلغني عن أخيك نهشل بن دارم خير، وقد أعجبني أن تأتيني به فأصنع خيراً إليه، وكان نهشل من أجمل الناس وأشجعهم، وكان عيي اللسان قليل المنطق، فلم يزل ذلك الملك بمجاشع حتى اتاه بنهشل، فأدخله عليه وأجلسه، فمكث نهشل لا يتكلم، وقد كان أعجب الملك ما رأى من هيئته وجماله، فقال له الملك: تكلم، قال: الشر كثير، فسكت عنه، فقال له مجاشع: حدث الملك وكلمه، فقال له نهشل: إني والله ما أحسن تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البروق، فارسل: شولان البروق مثلاً.
البروق: الناقة التي تشيل ذنبها تري أهلها انها لاقح وليست بلاقح.
زعموا أن شهاب بن قيس
أخا بني خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم
خرج مع خاله اوفى بن مطر المازني، ومعه رجل آخر من بني مازن يقال له جابر بن عمرو، فكانوا ثلاثة، وكان جابر يزجر الطير، فبينما هم يسيرون إذ عرض لهم اثر رجلين يسوقان بعيرين ويقودان فرسين، قالوا: فلو طلبناهما، قال جابر: فاني أرى أثر رجلين يسوقان بعيرين شديد كلبهما الفرار بقراب أكيس فأرسلها مثلاً، وفارقهما. ومضى أوفى بن مطر وشهاب في اثر الرجلين وكان على أوفى بن مطر يمين لا يرمي بأكثر من سهمين، ولا يستجيره رجل أبداً إلا أجاره، ولا يغتر رجلاً حتى يؤذنه، فهاجا بالرجلين وهما في ظل طلحة، واذا هما من بني أسد ثم من بني فقعس، فلما رأى اوفى أحدهما قال له: استمسك فانك معدو بك، أي محمول، فقال الاسدي: انك لا تعدو بعير أمك وانما تعدو بليث مثلك يجد بالمصاع كوجدك فقال اوفى بن مطر: يا شهاب ارم فان يده في غمة، قال الاسدي:
لا تحسبن أن يدي في غمه ... في قعر نحي أستثير حمه
ليس لواحد علي منه ألا ولا اثنين ولا أهمه
إلا الذي وصى بثكل أمه
فقال اوفى بن مطر:
دع الرماء واقترب هلمه ... إلى مصاعٍ ليس فيه جمه
فذاك عندي ابن العجوز الهمه
نصب ابن على النداء. فرى أوفى بن مطر الاسدي فصرعه، ورمى شهاباً الاسدي الآخر فصرعه، فقال الآخر: جواراً يا أوفى، فقال له: على مه؟ قال: على أحد الفرسين وأحد البعيرين وعلى أن نداوي صاحبينا، فأيهما مات قبل قتلنا به صاحبه، فواثقا على ذلك، وانطلقا بهما وهما جريحان، حتى نزلا على وشل بجبلة الذي يقال له شعب جبلة، فمكثوا بذلك أربعتهم زماناً يغيرون ثم يأتون بغنيمتهم على جبلة فيقسمونها، فقال اوفى بن مطر في ذلك لجابر بن عمرو يعيره فراره:
إذا ما أتيت بني مازنٍ ... فلا تسق فيهم ولا تغسل

فليتك لم تدع من مازن ... وليتك في البطن لم تحمل
وليت سنانك صنارة ... وليت قناتك من مغزل
ونيط بحقويك ذو زرنبٍ ... جميش يوكل للفيشل
تجاوزت حمران من ساعةٍ ... وخلت قساساً من الحرمل
فمن مبلغ خلتي جابراً ... بأن خليلك لم يقتل
تخاطأت النبل أحشاءه ... وأخر يومي فلم يعجل
كان مر باع مالك بن حنظلة في الجاهلية في زمان صخر بن نهشل بن دارم لصخر، فقال له الحارث بن عمرو بن آكل المرار الكندي: هل أدلك يا صخر على غنيمة على أن لي خمسها، فقال له صخر: نعم، فدله على ناس من أهل اليمن، فأغار عليهم صخر بقومه فظفروا وغنموا، وملأ يديه من الغنائم وأيدي أصحابه؛ فلما انصرف قال له الحارث: أنجز حر ما وعد فأرسلها مثلا، فادار صخر قومه على أن يعطوه ما كان جعل للحارث فأبوا عليه ذلك، وفي طريقهم ثنية متضايقة يقال لها شجعات فلما دنا القوم منها سار صخر حتى وقف على رأس الثنية وقال: أزهت شجعات بما فيهن - وأزمت أي ضاقت - لا يجوزن أحد بذمة صخر، فأرسلها مثلاً. فقال حمرة بن ثعلبة بن جعفر بن يربوع: والله لا نعطيه شيئاً من غنيمتنا، ثم مضى في الثنية، فحمل عليه صخر بن نهشل بن دارم فقتله، فلما رأى الجيش ذلك أعطوه أجمعون الخمس، فدفعه إلى الحارث بن عمرو فقال في ذلك نهشل بن حري بن ضمرة بن جابر بن قطن بن دارم:
نحن منعنا الجيش إن يتأبوا ... على شجعات والجياد بنا تجري
حبسناهم حتى أقروا بحكمنا ... وأدي أنفال الخميس إلى صخر

زعموا أن النمر بن تولب العكلي
كان أحب امرأة من بني أسد بن خزيمة يقال لها جمرة بنت نوفل، وقد أسن يومئذ، فاتخذها لنفسه وأعجب بها، وكان له بنو أخ فراودها بعضهم عن نفسها، فشكت ذلك إلى نمر وقالت: إن بني أخيك ربما راودني بعضهم عن نفسي، ولست آمنهم إن يغلبوني فقال لها النمر: قولي لهم وقولي إن أرادوا شيئاً من ذلك، وقالت جمرة: إني سأكفيك ما كان قولاً فأرسلتها مثلاً، تقول إن كان القول فاني سأكفيك القول.
زعموا أن جارية بن سليط
بن الحارث بن يربوع بن حنظلة بن مالك
وسليط هو كعب، وانما سمي سليطاً لسلاطة لسانه - كان أحسن الناس وجهاً وأمدهم جسماً،وانه أتى عكاظ وكانت من أشهر أسواق العرب في الجاهلية، فأبصرته جارية من خثعم فأعجبها، وتلطفت له حتى وقع عليها، فلما فرغ قالت: انك اتيتني على طهر وإني لا ادري لعلي سأعلق لك ولداً فموعدك فصال ولدي إن حملت لك، فسمى لها اسمه،حتى وافى عكاظ لرأس ثلاثة أحوال، فوجدها قد ولدت غلاماً وفطمته، فأقبلت الجارية معها أمها وخالتها يلتمسنه بعكاظ حتى رأته الجارية فعرفته، فلما رأته قالت الجارية: هذا جارية، قالت أمها: بمثل جارية فلتزن الزانية سراً او علانية. ثم دفعن إليه الغلام فسماه عوفاً فشرف وساد قومه، وهو عوف الأصم. فذكر أن بني مالك بن حنظلة وبني يربوع تخايلوا يوماً فقام عمرو بن همام ابن رباح بن يربوع يخايل عن بني يربوع فقال الناس: ادخلوا عوفاً الأصم البيت فإنه إن علم بما بينكم وشهد المخايلة أهلك هذين الحيين وأبى ذلك، فأولجوا عوفاً قبة من قباب الملك لكيلا يسمع ما بينهم فظفر بنو مالك، ونادى مناد أين عوف؟ فقالت امرأته: عوف يرنا في البيت فأرسلتها مثلاً، فسمع عوف الكلام فوثب فإذا الناس فئتان يتخايلون، وضرب خطم فرس الملك بالسيف وهو مربوط بفناء القبة، فنشب السيف في خطم الفرس وقطع الرسن، وجال في الناس فجعلوا يقولون جهجوه جهجوه أي ازجروه وكفوه، فذلك قول متمم بن نويرة في يوم جهجوه:
وفي يوم جهجوه حمينا ذماركم ... بعقر الصفايا والجواد المربب
قال العجاج:
لقد أرني ولقد أرني غراً كآرم الصريم الغن
قوله أرني من الرنو وهو النظر الدائم، أي يلهو، جهجه به وهجهج به حبسه ومنعه، والصفايا من النوق الغزار، الواحد صفي.

أغار جبيلة بن عبد الله أخو بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة ابن تميم على إبل جرية بن أوس بن عامر أخي بني أنمار بن الهجيم بن عمرو بن تميم يوم مسلوق، فاطردوا ابله غير ناقة كانت فيها مما يحرم أهل الجاهلية ركوبه، وكان في الابل ابن أخت جرية، وكان فيها فرس لجرية يقال له العمود، وكان مربوطاً بعرادة، فاجتذبها فبقيت في طرف رسنه، فذهب وذهب القوم بالابل غير تلك الناقة الحرام، فإنهم أخرجوها وكرهوا أن تكون في الابل لأنها حرام، وبلغ جرية الخبر، فإذا القوم قد سبقوا بالابل غير تلك الناقة الحرام، فقال جرية لابن أخته: رد علي الناقة لعلي اركبها في أثر القوم، قال: إنها حرام، قال جرية: حرامه يركب من لا حلال له فركب في أثر القوم حتى أدركهم، فأقبل عليه جبيلة فاختلفا بينهما طعنتين فقتله جرية وأحرز القوم الابل فذهبوا بها، وذهب قوله: حرامه يركب من لا حلال له مثلاً. وقال جرية في ذلك:
إن تأخذوا إبلي فان جبيلكم ... عند المزاحف ثوبه كالخيعل
الخيعل: النطع والبيت من أدم والنقبة تلبسها الجارية من أدم.
أنحى السنان على مجامع زوره ... إذا جاء يزدلف ازدلاف المصطلي
نرمي برامحنا خصاصة بيتنازالت دعامة أينا لم ينزل
إذ ينسلون بذي العراد وفاتني فرسي و لا يحزنك سعي مضلل
ومفاضة زغف كأن قتيرها حدق الأساود لونها كالمجول
تضفو على كف الكمي كما ضفا ... سيل الأضاء على حبي الاعبل
أبغي نكيثة نفسه بمهند كعصا الجديدا في سنان منجل
المفاضة: الدرع الواسعة، والقتير: مسامير الدرع، وقال ابن الأعرابي: المجول: الفضة، الاعبل: الجبل الابيض، والحبي: ما تحبا أي اجتمع وحبي الاعبل: ما اتصل منه وحبا بعضه إلى بعض أي دنا، والأعبل: حجارة بيض، والاضاء: الغدران الواحدة اضاة فإذا كسرت في الجمع مددت وإذا فتحت قصرت، والجديداء: أثوب الحائك الذي يجده يقطعه، ومنجل: واسع الطعن، وعين نجلاء واسعة.

زعموا أن زرارة بن عدس
بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك

رأى يوماً ابنه لقيطاً مختالاً وهو شاب فقال: والله انك لتختال كأنك أصبت بنت قيس بن مسعود بن قيس بن خالد ومائة من هجائن المنذر بن ماء السماء، قال: فان لله علي لامس رأسي غسل ولا أشرب خمراً حتى آتيك بابنة قيس ومائة من هجائن المنذر أو أبلي في ذلك عذراً، فسار لقيط حتى أتى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد، وكان سيد ربيعة وبيتهم، وكان عليه يمين إلا يخطب إليه إنسان علانية إلا ناله بشر، وسمع به، فأتاه لقيط وهو جالس في القوم، فسم عليه ثم خطب إليه علانية، فقال له قيس: ومن أنت؟ قال: أنا لقيط بن زرارة، قال: فما حملك على إن تخطب إلي علانية؟ قال: لأني قد عرفت إني إن اعالنك لا أشنك وان أناجك لا أخدعك قال قيس: كفؤ كريم لا جرم والله لا تبيت عندي لا عزباً ولا محروماً، ثم أرسل إلى أم الجارية: إني قد زوجت لقيطاً القذور بنت قيس فاصنعيها حتى يبتني بها، وساق عنه قيس، فابنتي بها لقيط وأقام معهم ما شاء الله أن يقيم، ثم احتمل بأهله حتى أتى المنذر بن ماء السماء فأخبره بما قال أبوه، فأعطاه مائة من هجائنه، ثم انصرف إلى أبيه ومعه بنت قيس ومائة من هجائن المنذر. وزعموا أن لقيطاً لما أراد أن يرتحل بابنه قيس إلى أهله قالت له: أريد أن ألقى أبي فأسلم عليه وأودعه ويوصيني، ففعلت، فأوصاها وقال: يا بنية كوني له أمة يكن لك عبداً، وليكن أطيب ريحك الماء حتى يكون ريحك ريح شن غب مطر - والشن طيب الريح غب المطر - وان زوجك فارس من فرسان مضر، وأنه يوشك أن يقتل أو يموت، فإن كان ذلك لا تخمشي وجهاً ولا تحلقي شعراً. فلما أصيب لقيط احتملت إلى قومها وقالت: يا بني عبد الله أوصيكم بالغرائب شراً فوالله ما رأيت مثل لقيط لم يخمش عليه وجه ولم يحلق عليه رأس، ولولا أني غريبة لخمشت وحلقت، فلما انصرفت إلى قومها تزوجها رجل منهم فجعل يسمعها تكثر ذكر لقيط، فقال لها: أي شيء رأيت من لقيط قط أحسن في عينك؟ قالت: خرج في يوم دجن وقد تطيب وشرب فطرد البقر وصرع منها وأتاني وبه نضج الدماء والطيب ورائحة الشراب، فضممته ضمة وشممته شمة، فوددت أني كنت مت ثمة، فلم أر قط منظراً أحسن من لقيط، فسكت عنها زوجها حتى إذا كان يوم دجن شرب وتطيب ثم ركب فصرع من البقر، فأتاها وبه نضج الدماء والطيب وريح الشراب، فضمته إليها، فقال: كيف ترينني أنا أحسن أم لقيط؟ فقالت: ماء ولا كصداء فأرسلتها مثلاً. وصداء ركية ليس في الأرض ماء أطيب منها مذكورة بطيب الماء قد ذكرها الشعراء، قال ضرار بن عتبة السعدي:
فاني وتهيامي بزينب كالذي يخالس من أحواض صداء مشربا
يرى دون برد الماء هولاً وذادة إذا شد صاحوا قبل أن يتحببا
يتحبب: يشرب حتى يروى، وقط إذا أريد بها الكفاية كسرت مثل قولك: كسبت درهماً فقط، وإذا أريد الدهر رفعت كقولك ما رأيت قط. قال حبيب بن عيسى: الحديث أنه كان بين لقيط بن زرارة وبين رجل من أهل بيته يقال له زيد بن مالك ملاحاة فغيره زيد بتركه النكاح وقال: إن أكفاء أهل بيتك يرغبون عنك، ومن غيرهم من العرب عنك أرغب، فلما زوجه قيس قال:
ألم يأت زيداً حيث أصبح أنني ... تزوجتها إحدى النساء المواجد
عقيلة شيخ لم يكن لينالها سوى عدسي من زرارة ماجد
إذا اتصلت يوماً بنسبتها انتهت ... إلى آل مسعود بن قيس بن خالد
كأن رضاب المسك دون لثاتها على شبم من ماء مزنة بارد
لها بشر صافي الأديم كأنهلجين تراه دون حمر المجاسد
إذا ارتفعت فوق الفراش حسبتها شريجة نبع زينت بالقلائد
متى تبغ يوماً مثلها تلق دونهامصاعد ليست سبلها كالمصاعد
كان سعد بن زيد مناة بن تميم وهو الفزر وكانت تحته الناقمية فولدت له فيما زعم الناس صعصعة أبا عامر - قال شريح بن الأحوص وهو ينتمي إلى سعد:
تمناني ليلقاني لقيط ... أعام لك ابن صعصعة بن سعد
وقال المخبل:
كما قال سعد إذ يقود به ابنه ... كبرت فجنبني الأرنب صعصعا

وأكثر في ذلك شعراء بني عامر وبني تميم - فولدت له هبيرة بن سعد، وكان سعد قد كبر حتى لم يكن يطيق ركوب الجمل، إلا أنه يقاد به ولم يملك رأسه، فقال سعد وصعصعة يوماً يقود به جمله: قد لا يقاد بي الجمل أي قد كنت لا يقاد بي الجمل، فذهب مثلاً. وكان سعد كثير المال والولد، فزعموا أنه قال لابنه يوماً هبيرة بن سعد: اسرح في معزاك فارعها، قال: والله لا أرعاها سن الحسل، وهو ولد الضب ولم يوجد دابة قط أطول عمراً منه، وسن كل دابة يسقط إلا سن الحسل، قال: يا صعصعة اسرح في غنمك، قال: لا والله لا أسرح فيها ألوة الفتى هبيرة ابن سعد - ألوة وألوة وألية بمعنى - فغضب سعد وسكت على ما نفسه، حتى إذا أصبح بالمعزى بسوق عكاظ والناس مجتمعون بها فقال: ألا إن هذي معزاي فلا يحل لرجل أن يدع أن يأخذ منها شاة، ولا يحل لرجل أن يجمع منها شاتين، فانتهبها الناس وتفرقت فيقال: حتى يجتمع معزى الفزر فذهبت مثلاً. وقال شبيب ابن البرصاء:
ومرة ليسوا نافعيك ولن ترى ... لهم مجمعاً حتى ترى غنم الفزر
وقال حبيب بن عيسى: كان من حديث الفزر مع امرأته الناقمية أنه قال لصعصعة في يوم الناقمية فيه مراغمة له: اخرج يا صعصعة في معزاك، فقالت أمه: لا يخرج صعصعة ويقعد كعب، اخرج يا هبيرة، قال: لا والذي يحج إليه على الركاب، قال: فاخرج أنت يا كعب، قال: وألية الفتى هبيرة لا أفعل، فألح على صعصعة فقالت أمه: ليس لك من شيخك إلا كده، فاخرج والله ما تصلح لغيرها، قال: إذاً والله أحسن رعايتها اليوم، فخرج حتى اضطرها إلى أصل علم، ووافق ذلك نفور الناس من عكاظ، فجعل لا يمر به جمع إلا حبسهم حتى إذا توافى بشر كثير أمرهم فانتهبوا غنمه، وسخطت الناقمية ما صنع ففارقته، فذلك قوله:
أجد فراق الناقمية فانتوتأم البين يحلولي لمن هو مولع
لقد كنت أهوى الناقمية حقبة وقد جعلت أقران بين تقطع
فلو لا بنياها: هبيرة إنه بني الذي يشفي سقامي وصعصع
لكان فراق الناقمية غبطة ... وهان علينا وصلها حين تقطع

وزعموا أن سعد بن زيد مناة بن تميم
كان تزوج رهم بنت الخزرج بن تيم الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة، وكانت من أجمل الناس، فولدت له مالك ابن سعد وعوفاً، وكان ضرائرها إذا ساببنها يقلن: يا عفلاء فقالت لها أمها: ساببنك فابدئيهن بعفال فسابتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها، فقالت: يا عفلاء، فقالت ضرتها رمتني بدائها وانسلت فأرسلتها مثلاً. وبنو مالك بن سعد رهط العجاج، وكانوا يقال لهم بنو العفيل، فقال اللعين المنقري وهو يعرض بهم:
ما في الدوائر من رجلي من عقل ... عند الرهان وما أكوى من العفل
وزعموا أن عمرو بن جدير
بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة
كانت عنده امرأة معجبة له جميلة، وكان ابن عمه يزيد بن المنذر ابن سلمى بن جندل بها معجبا، وان عمرا دخل ذات يوم بيته فرأى منه ومنها شيئاً كرهه حتى خرج من البيت، فأعرض عنه، ثم طلق المرأة من الحياء منه، فمكث ابن جدير ما شاء الله لا يقدر يزيد بن المنذر على أن ينظر في وجهه من الحياء منه ولا يجالسه، ثم أن الحي أغير عليه، وكان فيمن ركب عمرو بن جدير، فلما لحق بالخيل ابتدره فوارس فطعنوه وصرعوه ثم تنازلوا عليه، ورآه يزيد بن المنذر فحمل عليهم فصرع بعضهم، وأخذ فرسه واستنفذه، ثم قال له: اركب وانج فلما ركب قال له يزيد: تلك بتلك فهل جزيتك فذهبت مثلاً.
وزعموا أن عمرو بن الأحوص
بن جعفر بن كلاب

كان أحب الناس إلى أبيه، فغزا بني حنظلة في يوم ذي نجب، فقتله خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل ابن نهشل، فزعموا أن أباه الأحوص بن جعفر - وهو يومئذ سيد بني عامر - قال: إن أتاكم الحماران طفيل بن مالك وعوف بن الأحوص يتحدثان ثم مضيا إلى البيوت فقد ظفر أصحابكم، وان جاء يتسايران حتى إذا كانا عند أدنى البيوت تفرقا فقد فضح أصحابكم وهزموا، فاقبلا حتى إذا كانا عند أدنى البيوت تفرقاً، فقال الاحوص: الفضيحة والله، ثم أرسل إليهما فأخبراه الخبر، فكان مما زعموا أن الأحوص إذا سمع باكية قال: وأهل عمرو قد أضلوه فأرسلها مثلاً؛ فيزعمون إن الأحوص مات من الوجد على عمرو ولم يلبث بعده إلا قليلاً، فقال لبيد بن ربيعة في ذلك وفي عروة بن عتبة وقد قتله البراض:
ولا الأحوصين في ليال تتابعا ... ولا صاحب البراض غير المغمر

وزعموا أن عبشمس بن سعد بن زيد مناة
وكان يلقب مقروعا
عشق الهيجمانة بنت العنبر بن عمرو بن تميم، فطرد عنها وقوتل، فجاء الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة ليدفع عن عمه فضرب على رجله فقطعت وشلت، فسمي الأعرج، فسار إليه عبشمس بن سعد في بني سعد فأناخ إلى العنبر بن عمرو ابن تميم ومازن بن مالك بن عمرو بن تميم وغيلان بن مالك بن عمرو بن تميم يسألونهم إن يعطوهم بحقهم من رجل الأعرج، فضرب بنو عمرو بن تميم عليهم قبة، فقال لهم عبشمس: إن يرح إليكم مازن مترجلا وقد لبس ثيابه وتزين لكم فظنوا به شراً، وان جاءكم شعث الرأس خبيث النفس فاني أرجو أن يعطوكم بحقكم. فلما كان بالعشي وراح إليهم مازن مترجلاً قد لبس ثيابه وتزين لهم، فارتابوا به، فتحدث عندهم، فلما راح النعم دس عبشمس بعض أصحابه إلى الرعاء ليسمع ما يقولون، فسمع رجلاً من الرعاء يقول:
لا نعقل الرجل ولا نديها ... حتى نرى داهية تنسيها
أو يسف في أعينها سافيها
وكان غيلان بن مالك قد قال هذين البيتين قبل ذلك، فقال عبشمس حين خبره رسوله بما سمع وجن عليهم الليل: برزوا رحالكم، وكانوا ناحية، ففعلوا وتركوا قبتهم، فنادى مازن وأقبل إلى القبة: ألا حي بالقرى، فإذا الرجال قد جاؤوا عليهم السلاح حتى اكتنفوا القبة، فإذا هي خالية وليس فيها أحد منهم، وهرب بنو سعد على ناحيتهم. ثم إن عبشمس جمع لبني عمرو وغذاهم، فلما كان بعقوتهم ليلاً نزل في ليلة ذات ظلمة ورعد وبرق، فأقام بمنزلة حتى يصبحهم صباحاً، فقام يحوطهم من الليل، وكانت بنت عمرو معجبة به، وكان معجباً بها، قد عرف ذلك منهما، وكانت عاركاً - وكانت العارك في ذلك الزمان تكون في بيت على حدة ولا تخالط أهلها - فأضاء لها البرق فرأت ساقي مقروع، فأتت إياها تحت الليل فقالت: إني لقيت ساقي عبشمس في البرق فعرفته، فأرسل العنبر إلى بني عمرو فجمعهم، فلما أتوه خبرهم الخبر فقال مازن: حنت ولا تهنت وأنى لك مقروع فأرسلها مثلاً، وقد كانوا يعرفون إعجاب كل واحد منهما لصاحبه. ثم قال مازن للعنبر: ما كنت حقيقاً أن تجمعنا لعشق جارية. ثم تفرقوا فقال لها العنبر: لا رأي لمكذوب فأرسلها مثلاً، فأخبريني واصدقيني، قالت: يا أبتاه ثكلتك أمك إن لم أكن رأيت مقروعاً فانج ولا أظنك ناجياً فأرسلتها مثلاً، فنجا العنبر من تحت الليل وصبحتهم بنو سعد وقتلوا منهم ناسا فيهم غيلان بن مالك وهو الذي قال: لا نعقل الرجل ولا نديها، فجعلت بنو سعد تحثو في عينه التراب وهو قتيل ويقولون: تحلل غيل فذهب قولهم مثلاً.
يقول تحلل من يمينك، وغيل غيلان، فرخم. ثم إن عبشمس اتبع العنبر حتى أدركه وهو على فرسه وعليه اداته وهو يسوق ابله فقال له عبشمس: دع أهلك فان لنا وإن لك، فقال العنبر: لا ولكن من تقدم منعته ومن تأخر عقرته، فجعل إذا تأخر شيء عقره، فدنا منه عبشمس فلما رأته الهيجمانة نزعت خمارها وكشفت عن وجهها وقالت: يا عبشمس نشدتك الرحم لما وهبته لي، فقال: لقد خفتك على هذه منذ الليلة، فوهبه لها. وقال ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم لأبيه كعب بن عمرو في تلك الحرب، وكان ذؤيب صاحب راية عمرو في حروبها:
يا كعب إن أخاك منحمق فاشدد إزار أخيك يا كعب
أتجود بالدم ذي المضنة في ال ... جلى وتلوي الناب والسقب
تلوي: تتبع، الناب: المسنة من النوق، والسقب: ولد الناقة.

تنبو المناطق عن جنوبهم وأسنة الخطي لا تنبو
إني حلفت فلست كاذبه حلف الملبد شفه النحب
ينفك عندي الدهر ذو خصل نهد الجزارة منهب غرب
الجزارة: القوائم، ويقال فرس بحر وفرس سكب إذا كان كثير الجري.
يشتد حين يريد فارسه ... شد الجداية غمها الكرب
الجداية: الظبية، وهي من الظباء مثل العناق من المعز.
الآن إذ أخذت مآخذها ... وتباعد الانساع والقرب
أي بعد أن وقعت العداوة يسعى في الصلح، أي ليس هذا من أوانة فحارب الآن ولا تبال.
أقبلت تعطي خطة غبناً وتركتها ومسدها رأب
جانيك من يجني عليك و قد تعدى الصحاح فتجرب الجرب
والحرب قد تضطر جانيها إلى المضيق ودونه الرحب
يروي غير ابن الأعرابي تعدي الصحاح مبارك الجرب، وأراد مباركاً فترك الألف لأن اللفظة لا تجرى.
وكان من أمر داحس وما قيل فيه من الأشعار والأمثال إن أمه كانت فرسا لقرواش بن عوف بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، يقال لها جلوى، وأن أباه ذا العقال كان لحوط بن أبي جابر بن أوس ابن حميري بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك، وإنما سمي داحساً إن بني يربوع احملوا ذات يوم سائرين في نجعة، وكان ذو العقال مع ابنتي حوط ابن أبي جابر تجنبانه، فمرت به جلوى فرس قرواش، فلما رآها الفرس ودى - أي انعظ - فضحك شباب من الحي رأوه، فاستحيت الفتاتان فأرسلتاه، فنزا على جلوى، فوافق قبولها فأقصت ثم أخذه لهما بعض الحي فلحق بهم حوط، وكان رجلاً شريراً سيء الخلق، فلما نظر الى عين فرسه قال: والله لقد نزا فرسي فأخبراني ما شأنه، فأخبرتاه فقال: والله لا أرضى أبداً حتى آخذ ماء فرسي، قال له بنو ثعلبة: والله ما استكرهنا فرسك إنما كان منفلتاً، فلم يزل الشر بينهم حتى عظم، فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا: دونكم ماء فرسكم، فسطا عليها حوط فجعل يده في تراب وماء ثم أدخلها في رحمها حتى ظن أنه أخرج الماء؛ واشتملت الرحم على ما فيها فنتجها قرواش مهراً فسمي داحساً بذلك، وخرج كأنه ذو العقال أبوه، وهو الذي قال ابن الخطفى فيه:
إن الجياد يبتن حول فنائنا ... من آل أعوج او لذي العقال
فلما تحرك المهر شيئاً مر مع أمه وهو فلو يتبعها، وبنو ثعلبة منتجعون فرآه حوط فأخذه، فقالت بنو ثعلبة: يا بني رياح ألم تفعلوا فيه ما فعلتم أو مرة ثم هذا الآن، فقالوا: هو فرسان ولن نترككم أو تدفعوه الينا فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا: إذا لا نقاتلكم عليه، أنتم أعز علينا منه، هو فداؤكم، فدفعوه اليهم. فلما رأى ذلك بنو رياح قالوا: والله لقد ظلمنا إخوتنا مرتين وحلموا عنا وكرموا فأرسلوا به إليهم معه لقوحان، فمكث عند قرواش ما شاء الله، وخرج من أجود خيول العرب.

ثم إن قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي اغار على بني يربوع، فلم يصب غير ابنتي قرواش بن عوف ومائة لقرواش أصاب الحي وهم خلوف لم يشهد من رجالهم غير غلامين من بني أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، فجالا في متن الفرس مرتدفيه وهو مقيد، فأعجلهما القوم عن حل قيده، واتبعهما القوم، فضبر بالغلامين ضبراً حتى نجوا به، ونادتهما إحدى الجاريتين أن مفتاح القيد مدفون في مذود الفرس بمكان الفرس بمكان كذا وكذا، فسبقا اليه حتى اطلقا حيث يرودونه فلما رأى ذلك قيس بن زهير رغب في الفرس فقال: لكما حكمكما وادفعا إلي الفرس، قالا: أو فاعل أنت هذا؟ قال: نعم، واستوثقا منه أن يرد ما أصاب من قليل أو كثير ثم يرجع عوده على بدئه ويطلق الفتاتين ويخلي عن الابل وينصرف عنهم راجعاً، ففعل ذلك قيس، ودفعا اليه الفرس. فلما رأى ذلك أصحاب قيس قالوا: لا والله لا نصالحك أبداً، أصبنا مائة من الابل وامرأتين فعمدت الى غنيمتنا فجعلتها في فرس لك تذهب به دوننا، فعظم في ذلك الشر حتى اشترى منهم غنيمتهم بمائة من الابل. فلما جاء قرواش قال للغلامين: أين فرسي؟ فاخبراه الخبر فآبى إن يرضى إلا أن يدفع إليه فرسه، فعظم في ذلك الشر حتى تنافروا فيه، فقضي بينهم أن ترد الفتاتان والابل إلى قيس بن زهير ويرد عليه الفرس، فلما رأى ذلك قرواش رضي بعد شر، وانصرف قيس معه داحس، فمكث ما شاء الله. فزعم بعضهم أن الرهان إنما هاجه بين قيس وبين حذيفة بن بدر أن قيساً دخل على بعض الملوك وعنده قينة لحذيفة بن بدر تغنيه بشعر امرىء القيس:
دار لهر والرباب وفرتنا ... ولميس قبل حوادث الأيام
وهن فيما يذكر نسوة من بني عبس، فغضب قيس بن زهير فشتمها وشق رداءها، فغضب حذيفة، فبلغ ذلك قيساً فأتاه ليسترضيه، فوقف عليه فجعل يكلمه وهو لا يعرفه من الغضب، وعنده أفراس له، فعابه قيس وقال: ما يرتبط مثلك مثل هذه يا ابا مسهر، فقال حذيفة: أتعيبها؟ قال: نعم، فتجاريا حتى تراهنا.
ويزعم بعضهم أن ما هاج الرهان أن رجلاً من بني عبد الله بن غطفان ثم احد بني جوشن - وهم أهل بيت شؤم - أتى حذيفة زائراً فعرض عليه حذيفة خيله فقال: ما رأى فيها جواداً مبراً، قال حذيفة: ويلك فعند من الجواد المبر؟ قال: عند قيس بن زهير قال: هل لك أن تراهنني عنه؟ قال: نعم قد فعلت، فراهنه على ذكرٍ من خيله وانثى، ثم إن العبدي أتى قيساً فقال: اني قد راهنت على فرسين من خيلك ذكر وانثى وأوجبت الرهان، فقال قيس: ما أبالي من راهنت غير حذيفة، قال: فاني راهنت حذيفة قال له قيس: إنك ما علمت لأنكد، قال: فأتى قيس حذيفة قال: ما غدا بك؟ قال: غدوت لأواضعك الرهان، قال: بل غدوت لتغلقه، قال: ما أردت ذاك، فأبى حذيفة إلا الرهان، قال قيس: أخيرك ثلاث خلال، إن بدأت فاخترت فلي خصلتان ولك الأولى، وان بدأت فاخترت فلي الأولى ولك خصلتان، قال حذيفة: فابدأ قال قيس: الغاية من مائة غلوة، قال حذيفة: المضمار أربعون ليلة - اي يضمرون الخيل - والمجرى من ذات الإصاد، ففعلا ووضعا السبق على يدي غلاق ابن غلاق أحد بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان. فزعموا أن حذيفة أجرى الخطار فرسه والحنقاء، وزعم بعض بني فزارة انه أجرى قرزلاً والحنفاء، وأجرى قيس داحساً والغبراء. وزعم بعضهم انه هاج الرهان رجل من بني النعتم بن قطيعة

بن عبس يقال له سراقة راهن شباباً من بني بدر، وقيس غائب، على أربع جزائر من خمسين غلوة - الغلوة ما بين ثلاثمائة ذراع إلى خمسمائة ذراع - فلما جاء قيس كره ذلك وقال: إنه لم ينته رهان قط إلا إلى شر. ثم أتى بني بدر فسألهم المواضعة فقالوا: لا حتى تعرف لنا سبقنا، فان أخذنا فحقنا وان تركنا فحقنا، فغضب قيس ومحك، وقال: أما إذ فعلتم فأعظموا الخطر وأبعدوا الغاية، قالوا: فذاك لك، فجعل الغاية من واردات إلى ذات الإصاد، وتلك مائة غلوة، والثنية فيما بينهما، وجعلوا القصبة في يدي رجل من بني ثعلبة بن سعد يقال له حصين ويدي رجل من بني العشراء، من بني فزارة وهو ابن أخت لبني عبس، وملأوا البركة ماء، وجعلوا السابق أول الخيل يكرع فيها. ثم إن حذيفة وقيس بن زهير أتيا المدى الذي أرسلن منه ينظران إلى الخيل كيف خروجها منه فلما أرسلت عارضاها فقال حذيفة: خدعتك يا قيس، قال قيس: ترك الخداع من أجرى من مائة غلوة، فأرسلها مثلا. ثم ركضا ساعة فجعلت خيل حذيفة تنزق خيل قيس فقال حذيفة: سبقت يا قيس، فقال قيس جري المذكيات غلاب، فأرسلها مثلاً. ثم ركضا ساعة فقال حذيفة: انك لا تركض مركضاً فأرسلها مثلاً، ثم قال سبقت خيلك يا قيس، فقال قيس: رويداً يعلون الجدد - الجدد: الأرض الغليظة، فأرسلها مثلاً، لأن الذكور في الوعوث أبقى وأصبر من الاناث، والاناث في الجدد أصبر وأسبق. وقد جعل بنو فزارة كميناً بالثنية فاستقبلوا داحساً فعرفوه فأمسكوه، وهو السابق، ولم يعرفوا الغبراء وهي خلفه مصلية، حتى مضت الخيل وأسهلت من الثنية، ثم أرسلوه فتمطر في آثارها فجعل يندرها فرساً فرساً حتى انتهى إلى الغاية مصلياً وقد طرح الخيل غير الغبراء، ولو تباعدت الغاية لسبقها، فاستقبلها بنو فزارة فلطموها ثم حلأوها عن البركة، ثم لطموا داحساً وقد جاءا متواليين، وكان الذي لطمه عمير بن نضلة فجفت يده فسمي جاسئا، فجاء قيس وحذيفة في أخرى الناس، وقد دفعتهم بنو فزارة عن سبقهم ولطموا فرسيهم، ولو تطيقهم بنو عبس لقاتلوهم، وانما كان من شهد ذلك من بني عبس ابياتا وقال قيس إنه لا يأتي قوم إلى قومهم شراً من الظلم فأعطونا حقنا، فأبى بنو فزارة أن يعطوهم شيئاً، وكان الخطر عشرين من الابل، فقالت بنو عبس: فأعطوا بعض سبقنا، فأبوا، قالوا: فأعطونا جزوراً ننحرها ونطعمها أهل الماء فانا نكره القالة في العرب، فقال رجل من بني فزارة: مائة جزور وجزرو واحد سواء، والله ما كنا لنقر لك في السبق ولم تسبق فقام رجل من بني مازن بن فزارة فقال: يا قوم إن قيساً قد كان كارهاً لأول هذا الرهان، وقد أحسن في آخره، وإن الظلم لا ينتهي إلا إلى شر، فأعطوه جزوراً من نعمكم، فأبوا فقام رجل من بني فزارة إلى جزور من إبلة فعقلها ليعطيها قيساً ويرضينة فقام ابنه فقال: انك لكثير الخطأ تريد أنة تخالف قومك وتلحق بهم ما ليس عليهم، فأطلق الغلام عقالها فلحقت بالنعم، فلما رأى ذلك قيس بن زهير احتمل هو عنهم ومن كان معه من بني عبس، فأتى على ذلك ما شاء الله. ثم إن قيساً أغار فلقي عوف بن بدر فقتله وأخذ إبله، فبلغ ذلك بني فزارة وهموا بالقتال وغضبوا، فحمل الربيع بن زياد أخو بني عوذ بن غالب بن قطيعة ابن عبس دية عوف بن بدر مائة عشراء متلية - أي تلاها أولادها - وأم عوف وأم حذيفة واخوته الخمسة هي سودة بنت نضلة بن عمير بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة، فاصطلح القوم فمكثوا ما شاء الله، - ونضلة كان يسمى جابرا. ثم إن مالك بن زهير أتى امرأة له يقال لها مليكة بنت حارثة من بني غراب بن ظالم بن فزارة فابتنى باللقاطة قريباً من الحاجر، فبلغ ذلك حذيفة فدس له فرساناً على افراس من مسان خيلهم فقال: لا تنظروا إن وجدتم مالكا أن تقتلوه، وربيع بن زياد بن عبد الله بن سفيان بن قارب

العبسي مجاور حذيفة بن بدر وكانت تحت الربيع بن زياد معاذة بنت بدر، فانطلق القوم فالقوا مالكاً فقتلوه ثم انصرفوا عنه، فجاءوا عشية وقد اجهدوا أفراسهم، فوقفوا أفراسهم على حذيفة ومعه الربيع بن زياد، فقال حذيفة: أقدرتم على حماركم؟ قالوا: نعم وعقرناه، قال الربيع: ما رأيت كاليوم قط، أهلكت أفراسك من أجل حمار، قال حذيفة لما اكثر الربيع عليه من الائمة وهو يحسب أن الذي أصابوا حماراً: إنا لم نقتل حماراً، ولكنا قتلنا مالك بن زهير بعوف بن بدر قال الربيع: بئس لعمر الله القتيل قتلت، أما والله إني لأظنه سيبلغ ما تكره، فتراجعا شيئاً ثم تفرقا، فقام الربيع يطأ الأرض وطأ شديدأ، وأخذ حمل بن بدر ذا النون سيف مالك بن زهير. فزعموا أن حذيفة لما قام الربيع أرسل أمة مولدة فقال: اذهبي إلى معاذة بنت بدر امرأة الربيع فانظري ما ترين الربيع يصنع، فانطلقت الجارية حتى دخلت البيت فاندست بين الكفاء والنضد، فجاء الربيع فنفذ البيت حتى أتى فرسه، فقبض معرفته ومسح متنيه حتى قبض بعكوة ذنبه، ثم رجع إلى البيت ورمحه مركوز بفنائه فهزه هزاً شديداً ثم ركزه كما كان، ثم قال لامرأته: اطرحي لي شيئاً، فطرحت له شيئاً فاضطجع عليه، وكانت قد طهرت تلك الليلة فدنت منه: إليك، قد حدث أمر، ثم تغنى:
نام الخلي وما أغمض حار ... من سيء النبأ الجليل الساري
من مثله تمسي النساء حواسراً ... وتقوم معولة مع الأسحار
من كان مسروراً بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
معناه أنه إذا نظر إلى النساء وما يصنعن لمقتل مالك علم أن رهطه لا يقرون لذلك حتى يدركوا لثأرهم:
يجد النساء حواسراً يندبنهيضربن أوجههن بالأسحار
قد كن يخبأن الوجوه تستراًفالآن حين بدون للنظار
يخمشن حرات الوجوه على امرىءسهل الخليقة طيب الأخبار
أفبعد مقتل مالك بن زهيرترجو النساء عواقب الأطهار
ما إن أرى في قتله لذوي النهىإلا المطي تشد بالأكوار
ومجنبات ما يذقن عذوفاًيقذفن بالمهرات والأمهار
ومساعراً صداً الحديد عليهمفكأنما تطلى الوجوه بقار
يا رب مسرور بمقتل مالكولسوف يصرفه بشر محار
قال: فرجعت الأمة فأخبرت حذيفة فقال: هذا حين استجمع أمر أخيكم، ووقعت الحرب. وقال الربيع لحذيفة - وهو يومئذ جار له - سيرني فإني جاركم، فسيره ثلاث ليال ووجه معه قوماً وقال لهم: إن مع الربيع فضلة من خمر فان وجدتموه قد هراقها فهو جاد، وقد مضى فانصرفوا، وإن لم تجدوه هراقها فاتبعوه فإنكم تجدونه قد مال لأدنى روضة فرتع وشرب فاقتلوه، فتبعه القوم فوجدوه قد شق الزق ومضى فانصرفوا. فلما أتى الربيع قومه وقد كان بينه وبين قيس بن زهير شحناء، وذلك أن الربيع ساوم قيس بن زهير بدرع كانت عنده، فلما نظر إليها وهو راكب وضعها بين يديه ثم ركض بها فلم يرددها على قيس، فعرض قيس بن زهير لفاطمة بنت الخرشب الانمارية من بني أنمار بن بغيض - وهي أم الربيع بن زياد - وهي تسير في ظغائن من بني عبس، فاقتاد جملها يريد أن يرتهنها بالدرع حتى ترد عليه، فقالت: ما رأيت كاليوم قط فعل رجل، أين يضل حلمك؟ أترجو أن تصطلح أنت وبنو زياد وقد أخذت أمهم فذهبت بها يميناً وشمالاً فقال الناس في ذلك ما شاءوا أن يقولوا، وحسبك من شر سماعه، فأرسلتها مثلاً، فعرف قيس ما قالت له فخلى سبيلها وطرد ابلاً لبني زياد حتى قدم بها مكة فباعها من عند عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة، فقال قيس في ذلك:
ألم يبلغك والأنباء تنميبما لاقت لبون بني زياد
ومحبسها لدى القرشي تشريبأدراع وأسياف حداد
كما لاقيت من حمل بن بدروأخوته على ذات الإصاد
هم فخروا علي بغير فخروردوا دون غايته جوادي
وكنت إذا منيت بخصم سوءدلفت له بداهية نآد
بداهية تدق الصلب منهفتقصم أو تجوب عن الفؤاد
وكنت إذا أتاني الدهر ربقبداهية شددت له نجادي
قال العدوي: ربق وربيق الداهية، وأم الربيق الداهية، والنجاد حمائل السيف.
ألم يعلم بنو الميقاب أنيكريم غير معتلث الزناد
أي ليس بفاسد الأصل. الوقب: الأحمق والميقاب مثله، وقالوا الميقاب: التي تلد الحمقى؛ ومعتلث لا خير فيه.

أطوف ما أطوف ثم آويإلى جار كجار أبي دواد
جار قيس بن زهير: ربيعة الخير بن قرط بن غيلان بن أبي بكر بن كلاب، ويقال جار أبي دواد الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان، وكان أبو دواد في جواره فخرج صبيان الحي يلعبون في غدير فغمسوا بني أبي دواد فمات، فخرج الحارث فقال: لا يبقى في الحي صبي إلا غرقته في الغدير، فودي ابن أبي دواد لذلك عدة ديات.
إليك ربيعة الخير بن قرطوهوباً للطريف وللتلاد
كفاني ما أخاف أبو هلالربيعة فانتهت عني الأعادي
تظل جياده يجمزن حوليبذات الرمث كالحدأ الغوادي
كأني إذ أنخت إلى ابن قرطعقلت إلى يمامة أو نضاد
ويروى: إلى يلملم أو نضاد وهما جبلان. وقال قيس بن زهير:
إن تك حرب فلم أجنهاجنتها صبارتهم أو هم
صبارتهم: خلفاؤهم.
حذار الردى إذ رأوا خيلنا ... مقدمها سابح أدهم
السابح: الكثير الجري.
عليه كمي وسربالهمضاعفة نسجها محكم
وإن شمرت لك عن ساقهافويهاً ربيع فلا تسأموا
زجرت ربيعاً فلم ينزجركما انزجر الحارث الأجذم
إذا نصب ربيع أراد الترخيم يا ربيعة، فلما حذف الهاء للترخيم ترك العين مفتوحة، ومن رفع ذهب به مذهب الاسم التام المفرد وإن كان مرخماً، كقول ذي الرمة: فيامي ما يدريك ....
وكانت تلك الشحناء بين بني زياد وبين بني زهير، فكان قيس يخاف خذلانهم إياه، فزعموا أن قيساً دس غلاماً له مولداً فقال: انطلق كأنك تطلب إبلا فإنهم سيسألونك، فاذكر مقتل مالك ثم احفظ ما يقولون فأتاهم العبد فسمع الربيع يتغنى بقوله:
أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار
فلما رجع العبد إلى قيس أخبره بما سمع من الربيع بن زياد، فعرف قيس أنه قد غضب له، فاجتمعت بنو عبس على قتال بني فزارة، فأرسلوا إليهم أن ردوا إبلنا التي ودينا بها عوف بن بدر أخا حذيفة لأمه، قال: لا أعطيهم دية ابن أمي وإنما قتل صاحبكم حمل بن بدر وهو ابن الأسدية، فانتم وهو أعلم. ويزعم بعض الناس انهم كانوا ودوا عوف بن بدر مائة متلية - والمتالي التي في بطونها أولادها وقد تم حملها فانما ينتظر نتاجها - وأنه أتى على تلك الابل أربع سنين وقد توالدت، وأن حذيفة بن بدر أراد أن يردها بأعيانها فقال له سنان بن أبي حارثة: اتريد أن تلحق بنا خزاية فتعطيهم أكثر مما أعطونا فتسبنا العرب بذلك؟ فأمسكها حذيفة، وأبى بنو عبس أن يقبلوا إلا إبلهم بأعيانها، فمكث القوم ما شاء الله أن يمكثوا. ثم إن مالك بن بدر خرج يطلب إبلاً له فمر على جنيدب أخي بني رواحة فرماه بسهم فقتله يوم المعنقة فقالت ابنة مالك بن بدر:
لله عينا من أرى مثل مالكعقيرة قوم أن جرى فرسان
فليتهما لم يشربا قط شربةوليتهما لم يرسلا لرهان
أحل به جنيدب أمس نذره ... فأي قتيل كان في غطفان
إذا سجعت بالرقمتين حمامةأو الرس فابكي فارس الكتفان
ثم إن الأسلع بن عبد الله بن ناشب بن زيد بن هدم بن لدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض مشى في الصلح ورهن بني ذيبان ثلاثة من بنيه وأربعة من بني أخيه حتى يصطلحوا، وجعلهم على يدي سبيع بن عمرو من بني ثعلبة بن بن ذبيان، فمات سبيع وهم على يديه فأخذهم حذيفة من بنيه فقتلهم. ثم إن بني فزازة تجمعوا هم وبنو ثعلبة وبنو مرة فالتقوا هم وبنو عبس بالخاثرة فهزمتهم بنو عبس وقتلوا منهم مالك بن سبيع بن عمرو الثعلبي - قتله الحكم بن مروان بن زنباع العبسي - وعبد العزى بد حذار الثعلبي والحارث بن بدر الفزاري، وقتلوا هرم بن ضمضم المري - قتله ورد بن حابس العبسي - ولم يشهد ذلك اليوم حذيفة بن بدر، فقالت نائحة هرم بن ضمضم - هو من بكر بن ضمضم - :
يا لهف نفسي لهفة المفجوعألا أرى هرماً على مودوع
من أجل سيدنا ومصرع جنبهعلق الفؤاد بحنظل مصدوع

أي من أجله محترق فؤادها وكأنما أكل حنظلاً. ثم إن حذيفة جمع وتهيأ واجتمع معه بنو ذبيان بن بغيض، فبلغ بني عبس أنهم قد ساروا إليهم، فقال قيس بن زهير: أطيعوني فو الله لئن لم تفعلوا لا تكئن على سيفي حتى يخرج من ظهري، فقالوا: نطيعك، فأمرهم فسرحوا السوام والضعفاء بليل وهم يريدون إن يظعنوا من منزلهم ذلك، ثم ارتحلوا في الصبح فأصبحوا على ظهر دوابهم، وقد مضى سوامهم وضعفاؤهم، فلما أصبحوا طلعت الخيل عليهم من الثنايا، فقال: خذوا غير طريق المال فإنه لا حاجة للقوم إن يقعوا في شوكتكم ولا يريدون بكم في أنفسكم شراً من ذهاب أموالكم، فأخذوا غير طريق المال. فلما أدرك حذيفة الأثر ورآه قال: أبعدهم الله، وما خيرهم بعد ذهاب أموالهم؟؟؟؟؟؟ فاتبع المال، وسارت ظعن بني عبس والمقاتلة من ورائهم، وتبع حذيفة وبنو ذبيان المال، فلما أدركوه ردوا أوله على آخره، ولم يفلت منهم شيء، وجعل الرجل يطرد ما قدر عليه من الابل فيذهب بها، وتفرقوا واشتد الحر، فقال قيس بن زهير: يا بني عبس إن القوم قد فرق بينهم المغنم، فاعطفوا الخيل في آثارهم، ففعلوا فلم يشعر بنو ذبيان إلا بالخيل دواس - يعني متتابعة - فلم يقاتلهم كثير احد، وجعل بنو ذبيان إنما همة الرجل منهم في غنيمته أن يحوزها وينجو بها، فوضع بنو عبس السلاح فيهم حتى ناشدهم بنو زياد البقية، ولم يكن لهم هم غير حذيفة فأرسلوا مجنبتين يقتفون أثره، وأرسلوا خيلاً مقدمة تنفض الناس وتسألهم حتى سقط على أثر حذيفة من الجانب الأيسر أبو عنترة شداد بن معاوية بن ذهل بن قراد بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس وعمرو بن الاسلع وقرواش بن هني والحارث بن زهير وجنيدب بن زيد، وكان حذيفة استرخى حزام فرسه، فنزل عنه فوضع رجله على حجر مخافة أن يقتص أثره، ثم شد الحزام فوضع صدر قدمه على الأرض فعرفوه بحنف فرسه فاتبعوه، ومضى حذيفة حتى استغاث بجفر الهباءة - الجفر: ما لم يطو من الآبار - وقد اشتد عليه الحر فرمى بنفسه فيه، ومعه حمل بن بدر وحنش بن عمرو وورقاء ابن بلال وأخوه، وهما من بني عدي بن فزارة، وقد نزعوا سروجهم وطرحوا سلاحهم ووقعوا في الماء فتمعكت دوابهم، وبعثوا ربيئة فجعل يطلع وينظر فاذا لم ير شيئاً رجع فنظر نظرة فقال: اني قد رأيت شخصاً كالنعامة أو كالطير فوق القتادة من قبل مجيئنا، فقال حذيفة هذا شداد على جروة، فحال بينهم وبين الخيل، ثم جاء عمرو بن الاسلع ثم جاء قرواش حتى تناموا خمسة، فحمل جنيدب على خيلهم فاطردها وحمل عمرو بت الاسلع وشداد عليهم في الجفر فقال حذيفة: يا بني عبس فأين العقل واين الاحلام؟ فضرب حمل بين كتفيه وقال: اتق مأثور القول بعد اليوم فأرسلها مثلاً، وقتل قرواش بن هني حذيفة بن بدر وقتل الحارث بن زهير حملاً وأخذ منه ذا النون سيف مالك بن زهير، وكان حمل بن بدر أخذه من مالك بن زهير يوم قتله، فقال الحارث بن زهير:
تركت على الهباءة غير فخر ... حذيفة حوله قصد العوالي
سيخبر قومه حنش بن عمرو ... اذا لاقاهم وابنا بلال
ويخبرهم مكان النون مني ... وما أعطيته عرق الخلال
من المخالة، اي ما اعطيته عن صداقة وصفاء ود. فأجابه حنش بن عمرو أخو بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض:
سيخبرك الحديث بكم خبير ... يجاهدك العداوة غير آل
بداءتها لقراوش وعمرو ... وانت تجول جوبك في الشمال
أي فعل قرواش هذا الفعل. العرق: العطية، والخلال: المخالة، يقول: لم تعطوني السيف عن مودة ولكني قتلته وأخذته، وقوله وأنت تجول جوبك في الشمال، الجوب: الترس، يريد إن قرواشاً وعمرو بن الأسلع اقتحما الجفر وقتلا من قتلا وأنت ترسك في يدك لم تغن شيئاً، ويقال لك البداءة ولفلان العوادة. وقال قيس بن زهير في ذلك:
تعلم أن خير الناس ميت ... على جفر الهباءة لا يريم
ولولا ظلمة ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم
ولكن الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي مرتعه وخيم
أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم
ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج علي ومستقيم
وقال في ذلك شداد بن معاوية العبسي:

من يك سائلاً عني فاني ... وجروة لا تباع ولا تعار
مقربة الشتاء ولا تراها ... أمام الحي يتبعها المهار
ويروى أمام الخيل، يريد أنها فرس حرب لا يطلب نسلها.
لها بالصيف آصرة وجل ... وست من كرائمها غزار
كرائم من الابل تشرب هذه الفرس البانها.
ألا أبلغ بني العشراء عني ... علانية وما يغني السرار
قتلت سراتكم وحسلت منكم ... حسيلاً مثل ما حسل الوبار
الحسيل: الرديء، يقول: أنفيت شراركم، وقتلت خياركم وأبقيت رذالكم.
ولم اقتلكم سراً ولكن ... علانية وقد سطع الغبار
وكان ذلك اليوم يوم ذي حسى - وحسى وادٍ فيه ماء.
ويزعم بعض بني فزارة إن حذيفة كان أصاب فيما أصاب من بني عبس تماضر بنت الشريد السلمية ام قيس بن زهير فقتلها، وكانت في المال. ثم إن بني عبس ظعنوا فحلوا إلى كلب بعراعر، وقد اجتمع عليهم بنو ذبيان فخالفوا، فقاتلتهم كلب فهزمتهم بنو عبس وقتلوا مسعود بن مصاد الكلبي ثم أحد بني عليم بن جناب، فقال في ذلك عنترة:
ألا هل أتاها أن يوم عراعر ... شفى سقماً لو كانت النفس تشتفي
أتونا على عمياء ما جمعوا لنا ... بأرعن لا خل ولا متكشف
تماروا بنا إذا يمدرون حياضهم ... على ظهر مقضي من الأمر محصف
علالتنا في كل يوم كريهةٍ ... بأسيافنا والقرح لم يتقرف
وما نذروا حتى غشينا بيوتهم ... بغبية موت مسبل الودق مذعف
اي تشككوا في رجوليتنا حتى استعملوا الحياض، علالتنا: اي بقيتنا. فأجلتهم الحرب فلحقوا بهجر فامتاروا منها، ثم حلوا على بني سعد بالفروق وقد آمنهم بنو سعد ثلاث ليال فأقاموها، ثم شخصوا عنهم، فاتبعهم ناس من بني سعد فقاتلهم العبسيون فامتنعوا حتى رجع بنو سعد وقد خابوا منهم ولم يظفروا بشيء، فقال في ذلك عنترة بن شداد بن معاوية:
ألا قاتل الله الطلول البواليا ... وقاتل ذكراك السنين الخواليا
القصيدة كلها. ثم سئل قيس بن زهير: كم كنتم يوم الفروق؟ قال: مائة فارس كالذهب لم نكثر فنفشل ولم نقل فنضعف. ثم سار بنو عبس حتى وقعوا باليمامة، فقال قيس بن زهير: إن بني حنيفة قوم لهم عز وحصون فخالفوهم، فخرج قيس حتى أتى قتادة بن مسلمة الحنفي وهو يومئذ سيدهم، فعرض عليهم قيس نفسه وقومه، فقال: ما يرد مثلكم، ولكن لي في قومي أمراء لا بد من مشاورتهم، وما ننكر حسبك ولا نكايتك؛ فلما خرج قيس من عنده قيل له: ما تصنع، أتعمد إلى أفتك العرب وأحزمهم فتدخله أرضك ليعلم وجوه أرضك وعورة قومك ومن أين يؤتون؟! فقال: كيف أصنع وقد وعدت له على نفسي، وانا استحي من رجوعي؟ فقال له السمين الحنفي: انا أكفيك قيسا، وهو رجل حازم متوثق لا يقبل إلا الوثيقة، فلما اصبح قيس غدا عليه، ولقيه السمين فقال: انك على خير وليست عليك عجلة، فلما رأى ذلك قي ومر على جمجمة بالية فضربها برجله ثم قال: رب خسف قد أقرت به هذه الجمجمة مخافة مثل هذا اليوم، وما أراها وألت منه وان مثلاي لا يرضى إلا القوي من الأمر، فلما لم ير ما يحب احتمل فلحق ببني عامر بن صعصعة، فنزل هو وقومه على بني شكل، وهم بنو اختهم، وبنو شكل هم من بني الحريش ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكانت أمهم عبسية، فجاوروهم، فكانوا يرون عليهم أثرة وسوء جوار وأشياء تريبهم، ويستخفون بهم، فقال نابغة بني ذبيان:
لحا الله عبساً عبس آل بغيض ... كلحي الكلاب العاويات وقد فعل
فأصبحتم والله يفعل ذاكميعزكم مولى مواليكم شكل
إذا شاء منهم ناشىء دربخت لهلطيفة طي البطن رابية الكفل

دربخت المرأة: أي جبت له وخضعت وقامت على أربع حتى يأتيها. فمكثوا مع بني عامر، يتجنون عليهم ويرون منهم ما يكرهون، حتى غزتهم بنو أسد ومن تبعهم من بني حنظلة يوم جبلة، فأصابوا يومئذ زبان بن بدر فكانوا معهم ما شاء لله. ثم إن رجلاً من الضباب أسرته بنو عبد الله بن غطفان والضبابي هو اخو الحنبص فدفعه الذي أسره إلى رجل من أهل تيماء يهودي، فاتهمه اليهودي بامرأته فخصاه، فقال الحنبص الضبابي لقيس بن زهير: أد إلينا ديته، فإن مواليك بني عبد الله بن غطفان أصابوا صاحبنا، وهم حلفاء بني عبس، فقال: ما كنا لنفعل، فقال: والله لو أصابه مر الريح لوديتموه، فقال قيس بن زهير في ذلك:
لحا الله قوما أرشوا الحرب بيننا ... سقونا بها مراً من الشرب آجنا
وحرملة الناهيهم عن قتالناوما دهره ألا يكون مطاعنا
أكلف ذا الخصيين إن كان ظالماً ... وإن كان مظلوماً وإن كان شاطنا
خصاه امرؤ من أهل تيماء طابنولا يعدم الإنسى والجن طابنا
فهلا بني ذبيان وسط بيوتهمرهنت بمر الريح إن كنت راهنا
وخالستهم حقي خلال بيوتهموإن كنت ألقى من رجال ضغائنا
إذا قلت قد أفلت من شر حنبصلقيت بأخرى حنبصاً متباطناً
فقد جعلت أكبادنا تجتويهم ... كما يجتوي سوق العضاه الكرازنا
العضاة: كل شجر له شوك، والكرازن: المعاول، الواحد كرزين.
تدروننا بالمنكرات كأنما ... تدرون ولدانا ترمي الرهادنا
تدروننا: تختلوننا، والرهادن: جمع رهدن وهو شبيه بالعصفور. فقال النابغة الذبياني جواباً لقيس:
ابك بكاء النساء إنك لنتهبط أرضاً تحبها أبدا
نحن وهبناك للحريش وقدجاوزت في الحي جعفرا عددا
وأغار قرواش بن هني العبسي - وبنو عبس يومئذ في بني عامر - على بني فزارة، فأخذه أحد بني العشراء - الأخرم بن سيار أو قطبة بن سيار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة - أخذه تحت الليل، فقالوا له: من أنت؟ فقال: رجل من بني البكاء، فعرفت كلامه فتاة من بني مازن، وكانت ناكحاً في بني عبس، فقالت: أبا شريح أما والله لنعم مأوى الأضياف وفارس الخيل أنت، فقالوا له:ومن أنت؟ قال: قرواش بن هني، فدفعوه إلى بني بدر فقتلوه، وكان قتل حذيفة، ويزعم بعض الناس أنهم دفعوه إلى بني سبيع فقتلوه بمالك بن سبيع، وكان قتل مالك بن سبيع الحكم بن مروان بن زنباغ فقال نهيكة ابن الحارث من بني مازن بن فزارة:
صبرأ بغيض بن ريث إنها رحمقطعتموها أناختكم بجعجاع
فما أشطت سمي أن هم قتلوابني أسيد بقتلى آل زنباع
لقد جزتكم بنو ذبيان ضاحيةبما فعلتم ككيل الصاع بالصاع
قتلاً بقتل وتعقيراً بعقركممهلاً حميض فلا يسعى بها الساعي
وقال في ذلك عنترة:
هديكم خير أباً من أبيكمأعف وأوفى بالجوار وأحمد
وأحمى لدى الهيجا إذا الخيل صدها ... غداة الصياح السمهري المقصد
فهلا وفي الفوغاء عمرو بن جابربذمته وابن اللقيطة عصيد
سيأتيكم مني وإن كنت نائياًدخان العلندى حول بيتي مذود
قصائد من بز امرىء يجتديكموانتم بجسم فارتدوا وتقلدوا
أي يطلب منكم الثأر. وقال قيس بن زهير:
مالي أرى إبلي تحن كأنهانوح تجاوب موهناً أعشارا
نوح: نساء ينحن، والأعشار: جمع عشر وهو إن يرد الماء في اليوم التاسع، وهذا مثل، والموهن: بعد صدر من الليل.
لن تهبطي أبداً جنوب مويسلوقنا قراقرتين فالأمرارا
أجهلت من قوم هرقت دماؤهمبيدي ولم أدهم بجنب تعارا
إن الهوادة لا هوادة بينناإلا التجاهد فاجهدن فزارا
إلا التزاور فوق كل مقلصيهدي الجياد إذا الخميس أغارا
فلا هبطن الخيل حر بلادكملحق الأياطل تنبذ الأمهارا
حتى تزور بلادكم وتروا بهامنكم ملاحم تخشع الأبصارا
وقال قيس بن زهير في مالك بن زهير بن بدر:
أخي والله خير من أخيكمإذا ما لم يجد بطل مقاما
أخي والله خير من أخيكمإذا ما لم يجد راع مساما
أخي والله خير من أخيكمإذا الخفرات أبدين الخداما
قتلت به أخاك وخير سعدفان حربا حذيف وإن سلاما
ترد الحرب ثعلبة بن سعدبحمد الله يرعون البهاما
وكيف تقول صبر بني حجانإذا غرضوا ولم يجدوا مقاما

وتغني مرة الأثرين عناعروج الشاء تتركهم قياما
ولولا آل مرة قد رأيتمنواصيهن ينضون القتاما
وقال نابغة بني ذبيان:
أبلغ بني ذبيان أن لا أخا لهمبعبس إذا حلوا الدماخ فأظلما
بجمع كلون الأعبل الجون لونه ... ترى في نواحيه زهيراً وحذيما
هم يردون الموت عند لقائهإذا كان ورد الموت لا بد أكرما
ثم إن بني عبس ارتحلوا عن بني عامر، فساروا يريدون بني تغلب، فأرسلوا إليهم أن أرسلوا إلينا وفداً فأرسلت إليهم بنو تغلب بستة عشر راكباً منهم ابن الخمس التغلبي قاتل الحارث بن ظالم، وفرح بهم بنو تغلب وأعجبهم ذلك. فلما أتى الوفد بني عبس قال قيس: انتسبوا نعرفكم، فانتسبوا، حتى مر بابن الخمس، فقال قيس: أن زماناً أمنتنا فيه لزمان سوء، قال ابن الخمس: وما أخاف منك، فو الله لأنت اذل من قراد بمنسم ناقتي فقتله قيس، وإنما يقتله بالحارث بن ظالم، لأن الحارث كان قتل بزهير بن جذيمة خالد بن جعفر بن كلاب، فلما رأى ذلك قيس قال: يا بني عبس ارجعوا إلى قومكم فهم خير أناس لكم فصالحوهم، فأما أنا فلا أجاور بيتاً غطفانياً أبداً، فلحق بعمان فهلك بها. ورجع الربيع وبنو عبس، فقال الربيع بن زياد في ذلك:
حرق قيس علي البلادحتى إذا استعرت أجذما
أجذم: ذهب، ويقال أنه لمجذام الركض إذا أسرع.
جنية حرب جناها فماتفرج عنه وما أسلما
عشية يردف آل الربابيعجل بالركض أن يلجما
في نسخة غداة بآل الرباب، والرباب امرأة يعشقها قيس بن زهير.
ونحن فوارس يوم الهريرإذ تسلم الشفتان الفما
عطفنا وراءك أفراسناوقد مال سرجك فاستقدما
إذا نفرت من بياض السيوفقلنا لها أقدمي مقدما
ولما انصرف الربيع - وكان يسمى الكامل - أتى بني ذبيان ومعه ناس من بني عبس، فأتى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، فوقفوا عليه فقالوا له: هل أحسست لنا الحارث بن عوف - وهو يعالج نحياً له - فقال: هو في أهله، ثم رجعوا وقد لبس ثيابه، فقالوا: ما رأينا كاليوم قط مركوباً إليه قال: ومن أنتم، قالوا: بنو عبس ركبان الموت، قال: بل أنتم ركبان السلم والحياة، مرحباً بكم، لا تنزلوا حتى لا تأتوا حصن بن حذيفة، قالوا: أنأتي غلاماً حديث السن قد قتلنا أباه وأعمامه ولم نره قط؟! قال الحارث: نعم إن الفتى حليم وأنه لا صلح حتى يرضى، فأتوه عند طعامه ولم يكن رآهم، فلما رآهم عرفهم، قال: هؤلاء بنو عبس، فلما أتوه حيوه فقال:من انتم قالوا: ركبان الموت، فحياهم وقال: بل أنتم ركبان السلم والحياة، إن تكونوا احتجتم إلى قومكم فقد احتاج قومكم إليكم، هل أتيتم سيدنا الحارث بن عوف، قالوا: لم ناته، وكتموه اتيانهم إياه، فقال: فأتوه، فقالوا: ما نحن ببارحيك حتى تنطلق معنا، فخرج يضرب أوراك أباعرهم قبله حتى أتوه، فلما اتوه حلف عليه حصن: هل أتوك قبلي، قال: نعم، قال: فقم بين عشيرتك فإني معينك بما أحببت، قال الحارث: أفأدعو معي خارجة بن سنان؟ قال نعم،فلما اجتمعنا قلا لحصن: اتجيرنا من خصلتين: من الغدر بهم والخذلان لنا؟ قال: نعم، فقاما بينهما فباءوا بين القتلى، وأخرجا لبني ثعلبة بن سعد الف ناقة أعانهما فيها حصن بخمسمائة ناقة. وزعموا أنه لما اصطلح الناس، وكان حصين بن ضمضم المري قد حلف لا يمس غسلاً حتى يقتل بأخيه هرم بن ضمضم الذي قتله ورد بن حابس العبسي، فأقبل رجل من بني عبس يقال له ربيعة بن وهب الحارث بن عدي بن بجاد، وأمه امرأة من بني فزارة، يريد أخواله، فلقي حصين بن ضمضم فقتله بأخيه، فقال حيان بن حصن أحد بني مخزوم بن مالك بن قطيعة بن عبس:
سالم الله من تبرأ من غي ... ظٍ وولى أثامها يربوعا
قتلونا بعد المواثيق بالس ... م تراهن في الدماء كروعا
إن تعيدوا حرب القليب علينا ... تجدوا أمرنا أحذ جميعا
فلما بلغ فزارة قتل حصين بن ضمضم ربيعة بن وهب غضبوا، وغضب حصن في قتل ابن اختهم، وفيما كان من عقد حصن لبني عبس، وغضبت بنو عبس فأرسل اليهم الحارث بابنه فقال: اللبن أحب إليكم أم انفسكم - يعني ابنه - يقول: إن شئتم فاقتلوه وان شئتم فالدية، قالوا: بل اللبن، فأرسل اليهم بمائة من الابل دية ربيعة بن وهب فقبلوا الدية وتموا على الصلح، فقال في ذلك شييم بن خويلد الفزاري:

حلت أمامة بطن التين فالرقما ... واحتل أهلك أرضاً تنبت الرتما
من ذات شك إلى الأعراج من إضمٍ ... وما تذكره من عاشق أمما
هم بعيد وشأو غير مؤتلف ... إلا بمزؤودة لا تشتكي السأما
أنضيتها من ضحاها أو عشيتها ... في مستتب يشق البيد والاكما
سمعت أصوات كدري الفراخ به ... مثل الأعاجم تغشي المهرق القلما
يا قومنا لا تعرونا بمظلمة ... يا قومنا واذكروا الآلاء والذمما
في جاركم وابنكم إذ كان مقتله ... شنعاء شيبت الأصداغ واللمما
عي المسود بها والسائدون ... ولم يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما
كنا بها بعدما طيخت عروضهم ... كالهبرقية ينفي ليطها الدسما
أي ينقطر منها الدم، طيخت: دنست، والطيخ الفساد، والهبرقية السيوف والهبرقي: الحداد، أراد كالسيوف التي تشن الدم، والليط: اللون، ليط الإنسان: جلده ولونه.
إني وحصناً كذي الأنف المقول له ... ما منك أنفك إن أعضضته الجلما
أي لا أستغني أنا عن حصن كما لا يستغنى عن الأنف.
أإن أجار عليكم لا أبا لكم ... حصن تقطر آفاق السماء دما
أدوا ذمامة حصن أو خذوا بيد ... حرباً تحش الوقود الجزل والضرما
الضرم: صغار الحطب، أي أعطوا الرضى بدية او غيرها او ائذنوا بحرب. وقال في ذلك عبد قيس بن بجرة أخو بني شمخ بن فزارة، وهو ابن عنقاء، يعتذر عن حصين بن ضمضم المري:
إن تأت عبس وتنصرها عشيرتها ... فليس جار ابن يربوع بمخذول
كلا الفريقين أغنى قتل صاحبه ... هذا القتيل بميت أمس مطلول
باءت عرار بكحل والرفاق معاً ... فلا تمنوا أماني الأضاليل
وعرار: مثل حذام وقطام، أي اتفقوا واصطلحوا، وعرار وكحل، ثور وبقرة كانا في سبطين من بني اسرائيل، فقعر كحل فقعرت به عرار، فوقع الشر بينهم حتى كادوا أن يتفانوا - فضربت العرب بهما مثلاً. وقال زهير بن أبي سلمى يذكر الحارث بن عوف وخارجة بن سنان وحملهما ما حملا من دماء بني عبس وبني ذبيان:
لعمري لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم
إلى آخر القصيدة.

وزعموا أن بني مرة وبني فزارة
لما اصطلحوا وباءوا بين القتلى أقبلوا يسيرون حتى نزلوا على ماء يقال له قلهى، وعليه بنو ثعلبة بن سعد بن ذبيان، فقالت بنو مرة وبنو فزارة لبني ثعلبة: اعرضوا عن بني عبس فقد باءونا بعض القتلى ببعض، فقالت بنو ثعلبة: كيف تباؤون بعبد العزى بن حذار ومالك بن سبيع؟ أتهدرونهما وهما سيدا قيس؟ فو الله لا نسم هذا بأنوفنا، فمنعوهم الماء حتى كادوا يموتون عطشاً. فلما رأوا ذلك أعطوهم الدية، ويزعمون إنها كانت أول الحمالة. فقال في ذلك معقل بن عوف بن سبيع الثعلبي:
لنعم الحي ثعلبة بن سعد ... إذا ما القوم عضهم الحديد
هم ردوا القبائل من بغيضٍ ... بغيظهم وقد حمي الوقود
تطل دماؤهم والفضل فينا ... على قلهى ونحكم ما نريد
وقال الربيع بن زياد في حرب داحس:
إن تك حربكم أمست عواناً ... فإني لم أكن ممن جناها
ولكن ولد سودة أرثوها ... وحشوا نارها لمن اصطلاها
فإني لست خاذلكم ولكن ... سأشفي الآن إذ بلغت إناها
ولد سودة: حذيفة وإخوته الخمسة، أمهم سودة بنت نضلة بن عمير بن جرية.وقال عنترة بن شداد بن معاوية:
سائل عميرة حين اجلب جمعها ... عند الحروب باي حي تلحق
أبحي قيس ام بعذرة بعدما ... رفع اللواء لها وبئس المحلق
وأسأل حذيفة حين أرش بيننا ... حرباً ذوأبها بموت تخفق
فلتعلمن اذا التقت فرساننا ... بلوى النجيرة أن ظنك أحمق
فهذا ما كان من حديث داحس. وبلغنا إن الحرب التي كانت فيه أربعون سنة، وصار داحس مثلا ويقال: أشأم من داحس.
وقال بشير بن أبي العبسي:
إن الرباط النكد من آل داحسٍ ... جرين فلم يفلحن يوم رهان

فسببن بعد الله مقتل مالكٍ ... وغربن قيساً من وراء عمان
ويمنع منك السبق إن كنت سابقاً ... وتلطم إن زلت بك القدمان
لطمن على ذات الإصاد وجمعهم يرون الأذى من ذلة وهوان تم حديث داحس والحمد لله رب العالمين.
و كان من حديث بيهس أنه كان رجلاً من بني غراب بن فزارة بن ذبيان بن بغيض وكان من سابع سبعة إخوة، فأغار عليهم ناس من أشجع وبينهم حرب، وهم في إبلهم، فقتلوا ستةً وبقي بيهس، وكان يحمق، وكان أصغرهم، فأرادوا قتله ثم قالوا: ما تريدون من قتل هذا يحسب عليكم برجل ولا خير فيه، فتركوه فقال: دعوني أتوصل معكم إلى أهلي فانكم إن تركتموني وحدي أكلتني السباع وقتلني العطش، ففعلوا فاقبل معهم، فلما كان في الغد نزلوا فنحروا جزوراً في يوم شديد الحر فقالوا: اظلوا لحم جزوركم لا يفسد، فقال بيهس: لكن بالآثلاث لحماً لا يظلل فقالوا: إنه لمنكر وهموا إن يقتلوه، ثم تركوه ففارقهم حتى انشعب له طريق أهله فأتى أمه فأخبرها الخبر فقالت: ما جاءني بك من بين إخوتك؟ فقال لو خيرك القوم لاخترت، فأرسلها مثلاً. ثم إن أمه عطفت عليه ورقت فقال الناس: احبت ام بيهس بيهساً ورقت له، فقال بيهس: ثكل أرأمها ولداً فأرسلها مثلاً. ثم جعلت تعطيه ثياب إخوته ومتاعهم يلبسها فقال يا حبذا التراث الذلة، فأرسلها مثلاً. وقال حبيب بن عيسى لما اراد بيهس أن يمضي عنهم قال بضهم: كيف يأتي هذا الشقي أهله بغير خفير؟ فقال لهم بيهس: دعوني فكفى بالليل خفيراً فأرسلها مثلاً. ثم أتى على ذلك ما شاء الله، ثم إنه مر على نسوة من قومه يصلحن امرأة منهن يردن أن يهدينها لبعض القوم الذين قتلوا إخوته فكشف ثوبه عن استه وغطى به راسه، فقلن: ويحك اي شيء تصنع؟ فقال:
البس لكل حالة لبوسها ... إما نعيمها وإما بوسها
فأرسلها مثلاً، فلما أتى على ذلك ما شاء الله جعل يتتبع قتلة إخوته فيقتلهم ويتقصاهم حتى قتل منهم ناساً فقال بيهس:
يا لها من مهجة يا لها ... أني لها الطعم والسلامه
قد قتل القوم إخوانها ... في كل وادً زقاء هامه
لأطرقنهم وهم نيام ... فأبركن بركة النعمامه
قابض رجل وباسط أخرى ... والسيف أقدمه امامه
نعامة: هو بيهس، لقب بنعامة لقوله: فأبركن بركة النعامة. ثم أخبر أن ناساً من أشجع في غار يشربون فيه، فانطلق بخالٍ له يكنى أبا حشر فقال له: هل لك في غار فيه ظباء لعلنا نصيب منهن؟ قال: نعم، فانطلق بيهس باي حشر حتى إذا قام على باب الغار دفع خاله في الغار فقال: ضرباً أبا حشر، فقال بعضهم: إن أبا حشر لبطل، فقال أبو حشر: مكره أخوك لا بطل فأرسلها مثلاً، فكان بيهس مثلاً في العرب، قال المتلمس:
ومن حذر الأيام ما حز انفه ... قصير ورام الموت بالسيف بيهس
نعامة لما صرع القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس
وأول هذه الأبيات:
وما الناس إلا ما رأوا وتحدثوا ... وما العجز إلا أن يضاموا فيجلسوا
فلا تقبلن ضيماً مخافة ميتة ... وموتن بها حراً وجلدك أملس
ومن حذر الأيام... الخ.
وقال بعض الشعراء من بني تغلب وهو أبو اللحام:
لقمان منتصراً وقس ناطقاً ولأنت أجرأ صولةً من بيهس
يريد بها الأسد ههنا وهذا البيت غلط من المفضل لان بيهساً هو الأسد وليس ببيهس الذي يلقب بنعامة، ويدلك على ذلك البيت الذي بعده وهو لأبي اللحام التغلبي يمدح عباد بن عمرو بن كلثوم: يقص السباع كأن فحلاً فوقه ضخم مذمره شديد الافحس كان قس بن ساعدة من إياد مفوها ناطقاً فوقف بسوق عكاظ على جمل له أحمر فقال: أيها الناس اجتمعوا ثم اسمعوا وعوا، كل من عاش مات، وكل من مات فات، وكل ما هو آت آت، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لمعتبرا، نجوم تمور، وبحار لا تبور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، ما للناس يذهبون ثم لا يرجعون، أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا، يحلف بالله قس بن ساعدة إن الله لديناً احب اليه مما نحن فيه.
زعموا أن رجلاً من بني عمرو بن سعد

بن زيد مناة بن تميم يقال له عياض ابن ديهث

أورد إبله على ماء، فصادف عليه رعاء الحارث بن ظالم المري - مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان - فأدلى عياض بن ديهث دلوه ليسقي ماشيته، فقصر رشاؤه واستعار بعض أرشية رعاء الحارث بن ظالم فأعاروه حتى سقى إبله، ثم أصدرها، فلقيه بعض حشم النعمان فأخذ أهله وماله، فنادى يا حار يا حاراه، فركب الحارث حتى أتى النعمان، وقد كان لقي عياضاً قبل ذلك، فقال له: ويلك ومتى أجرتك؟ قال: فاني عقدت رشائي برشاء رعائك فسقيت إبلي، وأخذت ذلك الماء في بطونها، فقال له الحارث: إن في هذا لجواراً ثم اتى النعمان فقال: أبيت اللعن، إنك أخذت إبل جاري وأهله وولده، فقال النعمان: أفلا تشدما وهي من أديمك أول - يعني قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر وهو جار للأسود بن المنذر بن ماء السماء أخي النعمان. ثن إن النعمان أوعد الحارث وعيداً شديداً فقال له الحارث: هل تعدون الحيلة الى نفسي، فأرسلها مثلاً، أي هل تريد بحيلتك أن تقتلني، هذا غايتك، يريد هل يكون شيء بعد الموت. ثم انصرف تدبر النعمان كلمته فندم على تركه، ثم طلبه فلم يجده. وكانت سلمى بنت ظالم أخت الحارث تحت سنان بن أبي حارثة بن نشبة بن غيظ بن مرة، وكان النعمان قد دفع الى سنان ابن أبي حارثة ابناً له يكون عنده، فجاء الحارث إلى أخنه فقال: إن سناناً يقول لك: زيني ابن النعمان حتى آتي به أباه لعله يصنع إلينا خيراً، ففعلت، فانطلق به الحارث فضرب عنقه، ثم هرب فلحق بمكة، وكان رد على ابن ديهث بعض ما أخذ منه، فقال الحارث بن ظالم:
قفا فاسمعا اخبركما إذ سألتما ... محارب مولاه وثكلان نادم
مولاه: ابن عمه، أي إنا نحارب ابن عمي سنان بن أبي حارثة الذي كان عنده ابن النعمان.
فأقسم لولا من تعرض دونه ... لخالطه ما في الحديدة صارم
حسبت أبا قابوس أنك فائز ... ولما تذق وأنفك راغم
فان تك أذواد أصبن ونسوة ... فهذا ابن سلمى رأسه متفاقم
علوت بذي الحيات مفرق رأسه ... ولا يركب المكروه لولا الاكارم
فتكت به كما فتكت بخالدٍ ... وكان سلاحي تجتويه الجماجم
أخصي حمار ظل يكدم نجمةً ... أيؤكل جيراني وجارك سالم
بدأت بيتك وانثنيت بهذه ... وثالثة تبيض منها المقادم
وقال الفرذدق يذكر ذلك:
كما كان أوفى اذ ينادي ابن ديهث ... وصرمته كالمغنم المنتهب
فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم ... وكان متى ما يسلل السيف يضرب
وما كان جاراً غير دلوً تعلقت ... بحبليه في مستحصد العقد مكرب
مكرب: مشدود، وعقد الحبل على عراقي الدلو يقال له الكرب، ويقال للرجل اكرب دلوك. وقال الفرذدق:
أعوذ ببشر والمعلى كلاهما ... بني مالك أوفى جواراً وأكرم
من الحارث المنجي عياض بن ديهث ... فرد أبو ليلى له وهو أظلم
وما كان جاراً غير دلو تعلقت ... بعقد رشاء عقده لا يجذم
فرد أخا عمرو بن مسعود ذوده ... جميعاً وهن المغنم المتقسم
فأتى على ذلك ما شاء الله. ثم أن الحارث قدم الحيرة فأخذ فأتى به النعمان فأمر به ابن الخمس التغلبي فضرب عنقه. زعموا أن الرجلين من أهل هجر أخوين ركب أحدهما ناقة صعبة، وكانت العرب تحمق أهل هجر، وان الناقة ندت، ومع الذي لم يركب منهما قوس ونبل، واسمه هنين، فناداه الراكب منهما: يا هنين أنزلني عنها ولو بأحد المغروين - يعني سهمه - فرماه أخوه فصرعه فمات فذهب قوله: ولو بأحد المغروين مثلاً.
زعموا أن رجلاً شاباً غزلاً

خرج يطلب حمارين لأهله
فمر على امرأة متنقبة جميلة في النقاب، فقعد بحذائها وترك طلب الحمارين، وشغله ما سمع من حسن حديثها وما رأى من جمالها في النقاب، فلما سفرت عن وجهها إذا لها أسنان مكفهرة منكرة مختلفة، فلما رآها ذكر حماريه فقال: ذكرني فوك حماري أهلي فذهب قوله مثلاً.
زعموا أن رجلاً في الجاهلية
كانت له فرس مرببة معلمة قد تألفه وعرفته

فبعثه قومه طليعة فمر بروضة فأعجبته، وهو لا يدري أن العدو قريب منه، فنزل فخلع لجام فرسه وخلى عنها ترعى، فبينا هو على ذلك إذ طلعت عليه خيل العدو دواس - أي يتبع بعضهم بعضاً - فأخذوه، وطلبوا الفرس فسبقتهم، فلم يقدروا عليها، فتعجبوا منها ومن جودتها فقالوا: إن دفعتها إلينا فأنت آمن وإلا قتلناك، فظن الرجل أنهم قاتلوه إن لم يفد نفسه، فدعاها فجاءت فقال: عرفتني نسأها الله أي أخرها وزاد في أجلها، فصار مثلاً.
وزعموا أن قوماً كانوا في جزيرة

من جزائر البحر في الدهر الأول
ودونها خليج من البحر، فأتاها قوم يريدون أن يعبروها فلم يجدوا معبراً، فجعلوا ينفخون أسقيتهم ثم يعبرون عليها، فعمد رجل منهم فأقل النفخ وأضعف الربط، فلما توسط الماء جعلت الريح تخرج حتى لم يبق في السقاء شيء، وغشية الموت فنادى رجلاً من أصحابه أن يا فلان إني قد هلكت. فقال: ما ذنبي يداك أوكتا وفوك نفخ فذهب قوله مثلاً. اوكيت رأس السقاء إذا شددته وقال بعض الشعراء:
دعاؤك حذر البحر أنت نفخته ... بفيك وأوكته يداك لتسبحا
زعموا أن شيخاً كانت تحته امراة شابة
فكانت تراه إذا أراد أن ينتعل قعد فانتعل، وكانت ترى الشبان ينتعلون قياماً؛ فقالت يا حبذا المنتعلون قياماً فسمع ذلك منها فذهب ينتعل قائماً فضرط وهي تسمع فقالت: إذا رمت الباطل أنجح بك اي غلبك، فأرسلتها مثلاً.
زعموا أن الحارث بن أبي شمر الغساني
سأل أنس ابن الحجيرة عن بعض الأمر فأخبره به فلطمه فقال: ذل لو أجد ناصراً ثم قال: الطموه، فقال أنس: لو نهي عن الأولى لم يعد للآخرة، فأرسلها مثلاً فقال زيدوه فقال أنس أيها الملك ملكت فأسجح فأرسلها مثلاً. فأمر أن يكف عنه.
زعموا أن قوماً شردت إبل بني صحار
بن وهب بن قيس بن طريف
وهو اخو الطماح بن عمرو بن قعين، حتى وقعت في بلاد بني عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان، فركب الجميح - وهو منقذ ابن الطماح بن قيس - في طلب الابل حتى وقع في بلاد بني مرة، قال: فانتهيت إلى بيت عظيم فأنخت إليه ووضعت رحلي عنده في عشية متغيمة، فإذا في البيت الذي انخت بفنائه رجل شاب مضاجع ربة البيت، قد غلبته عينه فنام، فحسبته رب هذا البيت، فلم ألبث إلا قليلاً حتى راح الشاء فحبست في العطن، ثم راحت الابل وفيها أفراس ومعها رعاؤها، فحسبت في العطن، ثم طلع رجل على فرس يصهل فارتاحت له الخيل، وارتاحت العبيد لذلك، وجاء حتى وقف عليهم فقال: ماذا كم السواد بفناء البيت؟ قالوا: ضيف، فلما رأيت ذلك عرفت أنه رب البيت، وان الفتى ليس منها في شيء، فدخلت البيت فاحتملت الفتى حتى أبرزته من وراء البيت، فاستيقظ بي فقال: أما أنت فقد أنعمت علي فمن أنت؟ فقلت: أنا منقذ بن الطماح، قال: أو في الابل جئت؟ قلت: نعم، فقال: أدركت، امكث ليلتك هذه عند صاحب رحلك، فإذا اصبحت فأت ذاك العلم الذي ترى فقف عليه ثم ناديا صباحاه فإذا اجتمع إليك الناس فإني سآتيك على فرس ذنوب بين بردين، فأعرض لك الفرس مرتين حتى تثب عليه، فإذا فعلت ذلك فثب خلفي ثم ناد يا حار يا حار المخاض، فإنك إذا فعلت ذلك أدركت قال وإذا هو الحارث بن الظالم فلما أصبحت فعلت الذي أمرني به، فناديت يا صباحاه، فأتاني الناس حتى جاءني آخر من جاء، فعرض لي فرسه فوثبت عليه فإذا أنا خلفه، فقلت يا حار يا حار المخاض، فأجارني وحولت رحلي إليه، فمكثت عنده أياماً لا يصنع شيئاً، ثم قال: سبني يغضب لحمى فقلت: لا أسبك أبداً، قال: فقل قولاً يعذرني به قومي، قال: فمكث حتى إذا أوردوا النعم جعلت أسقي وأرتجز فقلت - وكانت في الابل الذي ذهبت ناقة يقال لها اللفاع:
إني سمعت حنة اللفاعفي النعم المقسم الأوزاع
ناقصلى الله عليه وسلم ما وليدة جياعأما إذا أجدبت المراعي
فإنها تحلب في المجاعأما إذا أخصبت المراعي
فإنها نهي من النقاعفادعي أبا ليلى ولا تراعي
ذلك راعيك فنعم الراعيإلا يكن قام عليه ناعي
لا تؤكلي العام ولا تضاعيمنتطقاً بصارم قطاع
يفري به مجامع الصداع فلما سمع بذلك الحارث - وكان يكنى أبا ليلى - أقبل يسعى مخترطاً سيفه فقال:
هل يخرجن ذودك ضرب تشذيب ... ونسب في الحي غير مأشوب

هذا أواني وأوان المعلوب ثم نادى الحارث: من كان عنده من هذه الابل شيء فلا يصدرن بشيء من ذمتنا حتى يردها، قال: فردت جميعاً مكانها غير الناقة التي يقال لها اللفاع، فانطلق وانطلقت معه نطوف عليها، فوجدناها مع رجلين يحلبانها فقال لهما الحارث: خليا عنها فليست لكما، فضرط البائن منهما - البائن: الذي يقف من جانب الحلوبة الأيمن، ويقال للحالبين البائن والمستعلي، والمستعلي الذي من جانب الناقة الأيسر - فقال المستعلي: والله ما هي لكما، فقال الحارث: است البائن اعلم فأرسلها مثلاً ورد الابل على الجميع فانصرف بها.
كانت امرأة من طيء يقال لها رقاش كانت تغزو بهم ويتيمنون برأيها، وكانت كاهنة، وكان لها حزم ورأي، فأغارت بطيء، وهي عليهم على اياد بن نزار بن معد يوم رحى حائر فظفرت بهم وغنمت وسبت، فكان فيما أصابت من إياد فتى شاب جميل، فاتخذته خادماً فرأت عورته فأعجبها فدعته إلى نفسها فوقع عليها فحملت فأتيت في إبان الغزو لتغزو بهم، فقالوا لها: هذا أوان الغزو فاغزي إن كنت تريدين الغزو، فجعلت تقول: رويد الغزو يتمزق فأرسلتها مثلاً. ثم جاءوا لعادتهم فرأوها نفساء مرضعا قد ولدت غلاماً، فقال بعض شعراء طيء.
نبئت أن رقاش بعد شماسها ... حبلت وقد ولدت غلاماً أكحلا
فالله يخطيها ويرفع ذكرها ... والله يلحقها كشافاً مقبلا
كانت رقاش تقود جيشاً جحفلا ... فصبت وحق لمن صبا أن يحبلا
دري رقاش فقد أصبت غنيمةً ... فحلاً يصورك أن تقودي جحفلا

زعموا أن المنذر بن امرىء القيس
وهو جد النعمان بن المنذر، وكانت أمه ماء السماء امرأة من النمر بن قاسط - قال للحارث بن العيف بن عبد القيس، والمنذر يومئذ محارب للحارث بن جبلة الغساني ملك الشام: اهج الحارث بن جبلة، فقال له الحارث بن العيف:
لا هم أن الحارث بن جبله ... زنا على أبيه ثم قتله
وركب الشادخة المحجله ... وكان في جاراته لا عهد له
فأي فعلٍ سيءٍ لا فعله وقال لحرملة بن عسلة أخي بني بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة: اهج الحارث، وكانت أم حرملة امرأة من غسان فقال حرملة بن عسلة:
ألم ترأني بلغت المشيبا ... لدى دار قومي عفاً كسوبا
وأن الاله تنصفته ... بأن لا أعق وأن لا أحوبا
أي عبدته، والناصف: الخادم، قال الشاعر:
وتلقى حصان تنصف ابنة عمها ... كما كان يلقى الناصفات الخوادم
وأن لا أكافر ذا نعمةٍ ... وإلا أخيبه مستثيبا
وغسان قوم هم والدي ... فهل ينسينهم أن أغيبا
فأوزع بها بعض من يعتريك ... فان لها من معد كليبا
يقال: كلب وكليب مثل معز ومعيز، والإيزاع: الإغراء.
وأن لخالك مندوحة ... وإن عليك بغيب رقيبا
فلما كان حين سار المنذر بن ماء السماء إلى الحارث بن جبلة فالتقوا بعين أباغ، فقتل المنذر بن ماء السماء وهزم جيشه، وكان فيهم أخلاط من العرب من ربيعة ومضر وغيرهم، فكان ابن عسلة في الجمع يومئذ مع المنذر فأسر هو، فأحسن إليه الحارث بن جبلة وحمله وكساه وخلى سبيله، وكان في جيش المنذر يومئذ رجل من بني حنيفة، يقال له عمرو بن شمر بن عمرو، إنما خرج متوصلاً بجيش المنذر يريد أن يلحق بأخواله من غسان، وكانت أمه منهم، فرأى مصرع المنذر فأتاه فأخذ برداً كان عليه، ثم أتى الحارث فأخبره أنه قتله وهذا برده، وكان ابن العيف العبدي في الأسراء، فقال له الحارث بن جبلة حين رآه: أتتك بحائن رجلاه فأرسلها مثلاً. ثم قال له: إنه بلغني ما قلت، فاختر مني إحدى ثلاث خلال: إما أن اطرحك في جب فيه الأسد قد ضري وجوع فتمكث معه ليلة، أو ارمي بك من رأس طمار - يعني جبل دمشق، فان نجوت نجون وإن هلكت هلكت، أو يضربك الدلامس - سيافه الذي يقوم على رأسه، وهو أعظم الرجال وأشدهم - بعمود له من حديد ضربة فان نجوت وإن هلكت هلكت، فنظر في أمره فكره الأسد، وكره أن يلقى من رأس الجبل، واختار أن يضربه الدلامس تلك الضربة، فضربه على منكبه فدق منكبه ووركه، ثم أمر به فألقى، فاحتسب عليه راهب فداواه حتى بريء وهو مخبل.

كان امرؤ القيس بن حجر الكندي الشاعر رجلاً مفركا لا تحبه النساء ولا تكاد امرأة تصبر معه، فتزوج امرأة من طيء فابتنى بها، فأبغضته من تحت ليلته فكرهت مكانه، فجعلت تقول: يا خير الفتيان أصبحت أصبحت، فيرفع رأسه فيرى الليل كما هو، فيقول: أصبح ليل فلما أصبح قال لها: قد رأيت ما صنعت الليلة، وقد عرفت أن ما صنعت ذلك من كراهية مكاني في نفسك، فما الذي كرهت مني؟ قالت: ما كرهك، فلم يزل بها حتى قالت: كرهت منك أنك خفيف العجزة، ثقيل الصدرة، سريع الاراقة، بطيء الافاقة، فلما سمع ذلك منها قال لها هو: إنك لحديدة الركبة، سلسة النقبة، سريعة الوثبة، وطلقها، وذهب قوله: اصبح ليل مثلاً.
كان الناس يتبايعون على طلوع الشمس وغروب القمر من صبح ثلاث عشرة ليلة تخلو من الشهر: أتطلع بعد غروب القمر أم قبله، فتتابع رجلان على ذلك،فقال أحدهما: تطلع قبل غروب القمر، وقال آخر: يغيب القمر قل طلوع الشمس، فكأن قوم اللذين تبايعا ضلعوا مع الذي قال إن القمر يغرب قبل طلوع الشمس، فقال الآخر: يا قوم إنكم تبغون علي، فقال له قائل: إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر، فذهب مثلاً.

زعموا أن امرأة بغيا كانت تؤاجر نفسها
فاستأجرها رجل بدرهمين، فلما جامعها أعجبها جماعه، فجعلت تقول: صكا ودرهماك لك، لا أفلح من أعجلك فذهب قولها مثلاً.
خرج رجل من طيء يقال له جابر بن رألان ثم أحد بنى ثعل بن سنيس، ومعه صاحبان له، حتى إذا كانوا بظهر الحيرة، وكان للمنذر بن ماء السماء يوم يركب فيه في السنة لا يلقى فيه أحداً إلا قتله، فلقي في ذلك اليوم ابن رألان وصاحبيه، فأخذتهم الخيل بالثوية، فأتى بهم المنذر - الثوية: موضع بالحيرة - وقال المنذر: اقرعوا فأيكم قرع خليت عنه وقتلت الباقيين، فاقترعوا فقرعهم جابر، فخلى سبيله وقتل صاحبيه، فلما رآهما ابن رألان يقادان ليقتلا قال: من عز بز فأرسلها مثلاً؛ وقال جابر في ذلك:
يا صاح حي الراني المتربيا ... واقرأ عليه تحية أن يذهبا
يا صاح ألمم إنها إنسية ... تبدي بناناً كالسيور مخضبا
ولقد لقيت على الثوية آمناً ... يسق الخميس بها وسيقاً احدبا
كرهاً أقارع صاحبي ومن يفز ... منا يكن لأخيه بدءاً مرهبا
لله دري يوم أترك طائعاً ... أحداً لأبعد منهما أو أقربا
أحداً: أي أحد الأخوين، يلوم نفسه على تركه إياهما.
فعرفت جدي يوم ذلك إذ بدا ... أخذ الجدود مشرقين وغربا
كر الفنون عليك دهراً قلباً ... كر الثقال يقوده أن يذهبا
ولقد أرانا مالكين لرأسه ... نزعاً خزامة أنفه أن يشغبا
زعموا أن امرأة كان لها صديق وهو لزوجها عدو
وكانت معجبة، قال لها: لا اشتفي أبداً حتى أجامعك وزوجك يراني، فاحتالي لي، وكان لزوجها بهم، فكان يرعاها بفناء بيته، فاصطنعت له سرباً إلى جنبها ثم جعلت له غطاءً،وكان رب البيت يرعى حول بيته، فلما تبرز من البيت وتباعد عنه وثب عليها صديقها، فرآه زوجها فأقبل مسرعاً قد ذهب عقله، فلما رآه صديقها مقبلاً دخل السرب، وجاء الرجل وقال للمرأة: ما هذا الذي رأيت معك؟ قالت: ما رأيت من شيء وهذا البيت فانظر فيه، فنظر فلم ير شيئاً، فعاد إلى غنمه، وعاد صديقها اليها، فلما رآه زوجها أقبل، وعاد صديقها إلى سربه، فلما جاء قال: ما هذا؟ قالت: وهل ترى من بأس؟ فنظر وانصرف إلى مكانه، فعاد صديقها إليها، حتى فعل ذلك مراراً يقبل الزوج فلا يرى شيئاً ثم يعود صديقها إليها إذا ذهب وزوجها، فلما أكثر قال زوج المرأة: قد نراك فلست بشيء فأرسلها مثلاً.
وأما هذا المثل: أعن صبوح ترقق فان العرب يدعون شراب الليل الغبوق، وشراب النهار الصبوح، فزعموا أن رجلاً نزل ببيتٍ من العرب ليس لهم مال، فآثروه على أنفسهم فغبقوه غبوقاً قليلاً فبات بهم ليستوجب أن يصبحوه، فقال: أين اغدوا إذا صبحتموني - أي أنه لا بد من ان يصبحوه فقالوا: أعن صبوح ترقق، فذهب قولهم مثلاً. الصبوح: شراب النهار، والغبوق: شراب الليل.
زعموا أن سليحاً من قضاعة وغسان احتربوا

فظهرت عليهم سليح، وكانت غسان تؤدي اليهم دينارين على كل رجل منهم، وكان سبطة بن المنذر السليحي هو يجبي الدينارين منهم لسليح، فاتى رجلاً منهم يقال له جذع بن عمرو، وعليه ديناران، فقال: اعطني الدينارين، فقال: اعجل لك أحدهما لك أحدهما وأخر علي الآخر حتى أوسر، فقال سبطة: ما كنت لآؤخر عليك شيئاً، فدخل جذع بيته وقال: اقعد حتى أعطيك حقك، فاشتمل جذع على السيف ثم خرج إلى سبطة فضربه حتى سكت ثم قال: خذ من جذع كما أعطاك فأرسلها مثلاً، وامتنعت منهم غسان بعد ذلك اليوم.
زعموا أن رجلاً من جهينة رمى رجلاً من القارة
وهم بنو الهون بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر - فقتله فرمى رجل من القارة رجلاً من جهينة، وكان القارة فيما يذكرون أرمى حي في العرب، فقال قائلهم: قد انصف القارة من راماها فأرسلها مثلاً.

زعموا أن امرأ القيس بن حجر الكندي
كان مفركاً لا يكاد يحظى عند امرأة تزوج امرأة ثيباً فجعلت لا تقبل عليه ولا تريه من نفسها شيئاً مما يحب، فقال لها ذات يوم: أين أنا من زوجك الذي كان قبل؟ فقالت: مرعىً ولا كالسعدان فأرسلتها مثلاً. زعموا ان امرأ القيس لما بلغه أن بني أسد قتلوا حجراً وكان ذلك اليوم يشرب فقال: اليوم خمر وغداً أمر فأرسلها مثلاً.
زعموا أن همام بن مرة
بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل
وكانت أمه لبنى بنت الحزمر بن كاهل، وكانت من بني أسد ابن خزيمة - أغار على بني أسد، قالت له امراة منهم: أبخالاتك يا همام تفعل هذا؟ قال: كل ذات صدار خالة لي فأرسلها مثلاً.
زعموا أن كعب بم مالك
بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة تزوج رقاش بنت عمرو بن عثم بن تغلب بن
وائل
وكانت من اجمل نساء وأكملهن خلقاً، فقال لها: اخلعي درعك فقالت: خلع الدرع بيد الزوج ثم قال: اخلعي درعك لأنظر اليك فقالت: ان التجريد لغير نكاح مثلة، فطلقها فتحملت إلى أهلها، فمرت بذهل بن شيبان بن ثعلبة فأتاها فسلم عليها وخطبها إلى نفسها فقالت لخادمها: انظري إليه اذا بال أيبعثر أم يقعر، فنظرت إليه الأمة فقالت: يقعر فزوجته، وعنده امرأة من بني يشكر يقال لها الورثة بنت ثعلبة، وكانت لا تترك له امرأة الا ضربتها وأجلتها فخرجت رقاش وعليها خلخالان، فقالت الورثة: بخ بخ ساق بخلخال، فقالت رقاش: اجل، ساق بخلخال، من نحلة خال، ليس كخالك البخال، فوثبت عليها الورثة لتضربها، فصبطتها رقاش وغلبتها، حتى حجزها عنها الرجال، فقالت الورثة:
يا ويح نفسي اليوم أدركني الكبر ... أأبكي على نفسي العشية أم أذر
فو الله لو ادركت في بقيةً ... للاقيت ما لاقى صواحبك الأخر
فولدت رقاش لذهل بن شيبان مرة وأبا ربيعة ومحلماً والحارث.
زعموا أن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة
كانت الأكلة أصابت رجله، فأمر بقطعها من الركبة، فدعا بنيه ليقطعوها، فكلهم أبى ان يقطعها، فدعا نقيذا - وهو همام بن مرة - وكان من أجبنهم في نفسه فقال: اقطعها يا بني، فجعل يهم به، فقال أبوه: إذا هممت فافعل، فسمي هماماً، فقطعها همام، فلما رآها قد بانت قال: لو كنت منا حذوناك فأرسلها مثلاً.
أما قول الناس: أعز من كليب بن وائل؛ فان كليب بن ربيعة بن الحارث ابن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن عثم بن تغلب بن وائل كان سيد ربيعة في زمانه، فكان الناس إذا حضروا المياه لم يسق أحد منهم إلا من سقاه، وإن بدا فأصابهم مطر لم يتحوض إنسان منهم حوضاً إلا ما فضل عن كليب، وكان يقول: اني قد أجرت صيد كذا وكذا فلا يصاد منها شيء قال معبد بن سعنة الضبي - كذا رواه المفضل، وهو الأسود ابن سعنة أخو معبد: كفعل كليب كنت أخبرت أنه يخطط أكلاء المياه ويمنع يجير على أفناء بكر بن وائل أرانب ضاحٍ والظباء فترتع فقيل أعز من كليب بن وائل، فذهبت عزته مثلاً.
وكان لكليب أخ يقال له امرؤ القيس بن ربيعة - وهو مهلهل - وعدي بن ربيعة

وكانت إبل كليب لا يسقى معها إبل حين ترد الماء حتى تصدر، وكان جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة، أمه الهالة من بني عمرو بن سعد ابن زيد مناة بن تميم، وكانت أمها غنوية فجاورت امرأة من غني مع جساس بن مرة للخؤولة، فوردت ناقة للغنوية مع إبل كليب وهي عطشى فشرعت في الحوض، فرآها فانكرها فقال: ما هذه الناقة؟ قالوا: ناقة لجساس بن مرة من غني، فرماها بسهم فأصاب ضرعها، فندت إلى بيت الغنوية، فرأتها تسيل دماً، فأتت جساساً فصرخت إليه، قال: من فعل هذا بناقتك؟ قالت؟ كليب، فخرج هو وعمرو بن الحارث بن ذهل بن شيبان إلى كليب، فطعنه طعنة أثقلته، وزعموا أن عمرو بن الحارث أجهز عليه فقال كليب حين غشيه الموت لجساس: اغثني بشربة فقال: تجاوزت شبيثاً والأحص فأرسلها مثلاً - شبيث والأحص ماءان له.

زعموا أن اسم ناقة الغنوية البسوس
فصارت مثلاً وقال الناس: أشأم من ناقة البسوس كذا قال المفضل، وإنما اسم الغنوية البسوس، واسم ناقتها سراب.
ثم ان جساس بن مرة ركب فرسه فركض ليؤذن أصحابه، فمر على مهلهل وهو وهمام بن مرة يضربان بالقدح، وكانا متصافيين متوافقين لا يكتم واحد منهما صاحبه شيئاً أبداً، فلما رآه همام قال: هذا جساس وقد جاء لسوءة والله ما رأيت فخذه خارجةً قبل اليوم، فلما دنا من همام أخبره الخبر ثم مضى، وعاد همام إلى مهلهل وقد تغير لونه، قال: ما شأنك قد تغير لونك، ما أخبرك هذا؟ قال: لا شيء فذكره العهد والميثاق، قال: اخبرني أنه قتل كليباً قال له مهلهل:استه أضيق من ذاك فأرسلها مثلاً.
ووقعت الحرب وتمايز الحيان بكر وتغلب، فزعموا أن الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وكان رجلاً حليماً شجاعاً لما رأى ما وقع من الشر قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل فأرسلها مثلاً واعتزل فلم يدخل في شيء من أمرهم.
ثم ان بني تغلب قالوا: لا تعجلوا على إخوتكم حتى تعذروا فيما بينكم وبينهم، فانطلق رهط من أشرافهم وذوي أسنانهم حتى أتوا مرة بن ذهل بن شيبان فعظموا ما بينهم وبينه وقالوا: اختر منا خصالاً: إما أن تدفع إلينا جساساً فنقتله بصاحبنا، فلم يظلم من قتل قاتله، وإما أن تدفع إلينا هماماً، أو تقيدنا من نفسك، فسكت وقد حضرته وجوه بكر بن وائل فقالوا: انك غير مخذول قال: أما جساس فانه غلام حديث السن ركب رأسه فهرب حين خاف ولا علم لي به، وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة ولو دفعته إليكم صيح بنوه في وجهي وقالوا: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره فهل لكم إلى غير ذلك؟ هؤلاء بني فدونكم أحدهم فاقتلوه وأما أنا فما أتعجل من الموت، وهل تزيد الخيل على أن تجول جولةً فأكون أول قتيل، ولكن هل لكم إلى غير ذلك؟ قالوا: وما هو؟ قال: لكم ألف ناقة يضمنها لكم بكر بن وائل فغضبوا وقالوا: لم نأتك لترذل لنا - أي تعطينا رذال بينك - ولا تسومنا اللبن.
ثم تفرقوا فوقعت الحرب بينهم، فاعتزل الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة.
ثم ان بني تغلب لقوا بجير بن الحارث بن عباد وهو غلام في إبله فأتوا به مهلهلاً، وكان رئيس بني تغلب بعد كليب، وكان كليب يضعفه ويقول: انما أنت زير نساء، فلما أتى ببجير قال: من أنت يا غلام؟ قال: أنا بجير بن الحارث بن عباد، وقد عرفت أن أبي قد كره أمر هذه الحرب واعتزل الدخول فيها، قال: من أمك؟ قال، فلانة بنت فلان، فأمر به مهلهل فضربت عنقه وقال: بؤبشسع نعل كليب، فبلغ الحارث بن عباد الخبر فقال: نعم القتيل قتيل أصلح بين ابني وائل وهدأت الحرب بينهم فيه، هو فداؤهم، فقيل له: ان مهلهلاً حين قتله قال: بؤبشسع نعل كليب قال: وقد قال ذلك؟ قالوا نعم، قال: سوف يعلم، ثم قال الحارث بن عباد:
قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائلٍ عن حيال
لم أكن من جناتها علم الله ... وإني بحرها اليوم صال
لا بجير أغنى قتيلاً ولا ره ... ط كليب تزاجروا عن ضلال

وقد كان رجل من بني تغلب يقال له امرؤ القيس بن أبان قال لمهلهل، حين أراد يقتل بجيراً: لا تقتل هذا الفتى فان أباه اعتزل هذا الأمر ولم يدخل فيه، فلما أبى مهلهل إلا قتله قال ذلك التغلبي: والله ليقتلن بهذا الفتى رجل لا يسأل عن امه، يعني بشرفها هي أعرف من ذلك، فالتقى الحيان بكر وتغلب، وأبو بجير فيمن شهد القتال يومئذ، فرأى فارساً من أشد الناس فحمل عليه فأخذه أبو بجير فقال: ويلك دلني على أحد ابني ربيعة مهلهل أو عدي قال: فما لي إن دللتك على أحدهما؟ قال: أخلي عنك؟ قال: فالله لي عليك بذلك؟ قال: نعم فلما استوثق منه قال: فاني عدي بن ربيعة، قال أبو بجير: فأحلني على امرىء شريف كريم الدم، قال: فأحاله على عمرو بن أبان بن كعب بن زهير، فحمل عليه أبو بجير فقتله، فقال أبو بجير في ذلك.
لهف نفسي على عدي وقد أش ... عب للموت واحتوته اليدان
طل من طل في الحروب ولم أو ... تر بجيراً أباته ابن آبان
فارس يضرب الكتيبة بالسي ... ف وتسمو أمامه العينان
ثم إنه أتى على ذلك ما شاء الله أن يأتي.
ثم أغار كثيف بن زهير التغلبي على بكر بن وائل فهزموه، فلحق به مالك وعمرو ابنا الصامت من بني عامر بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة، فلما رآهما كثيف - وكان رجلاً شديد الخلق - ألقى سيفه فتقلده مالك بن الصامت، وهو ابن كومة، فهاب مالك كثيفاً أن يتقدم عليه فيأسره، فأدركهم عمرو بن الزبان بن مجالد الذهلي، فوثب على كثيف فأسره، فقال مالك ابن كومة: أسيري، وقال عمرو بن الزبان: اسيري، فحكما كثيفاً في ذلك فقال: لولا مالك ألفيت في أهلي ولولا عمرو لم أوسر، فغضب عمرو فلطم وجه كثيف، فلما رأى ذلك مالك - وكان حليما تركه في يدي عمرو وكره أن يقع في شر، فانطلق عمرو بكثيف إلى أهله فكان أسيراً عنده حتى اشترى نفسه، وقال كثيف: اللهم أن لم تصب بني زبان بقارعةٍ قبل الحول لا أصلي لك صلاة أبداً.
فمكثوا غير كثير، ثم إن بني الزبان خرجوا، وهم سبعة نفر فيما يزعمون، في طلب ابل لهم، ومعهم رجل من غفيلة بن قاسط يقال له خوتعة، فلما وقعوا قريباً من بني تغلب انطلق خوتعة حتى أتى كثيف بن زهير فقال له: هل لك إلى بني الزبان بمكان كذا وكذا، وقد نحروا جزوراً وهم في إبلهم، قال: نعم، فجمع لهم ثم أتاهم، فقال له عمرو بن الزبان: يا كثيف إن في وجهي وفاءً من وجهك، فخذ لطمتك مني أو من إخوتي إن شئت، ولا تنشئن الحرب وقد أطفأها الله، ذلك فداؤنا، فأبى كثيف، فضرب أعناقهم وجعل رؤوسهم في الجوالق فعلقه في عنق ناقة لهم يقال لها الدهيم، وهي ناقة عمرو بن الزبان، ثم خلاها في الإبل، فراحت حتى أتت بيت الزبان بن مجالد، فقال لما رأى الجوالق: أظن بني أصابوا بيض نعام، ثم أهوى بيده في الجوالق فاخرج رأساً، فلما رآه قال: آخر البز على القلوص فذهبت مثلاً، وقال الناس: أشأم من خوتعة فذهبت مثلاً - أي هم آخر المتاع، أي هذا آخر آثارهم؛ وقال الناس: أثقل من حمل الدهيم فذهبت مثلاً. قال: ثم إن الزبان دعا في بكر بن وائل فخذلوه فقال في ذلك:
بلغا مالك بن كومة ألا ... يأتي الليل دونه والنهار
كل شيء خلا دماء بني ذه ... لٍ من الحرب ما بقيت جبار
أنسيتم قتلى كثيف وأنتم ... ببلادٍ بها تكون العشار
وكان اشد بكر بن وائل له خذلاناً بنو لجيم، فقال الزبان في ذلك:
من مبلغ عني الأفاكل مالكاً ... وبنى القدارفأين حلفي الأقدم
أبني لجيم من يرجى بعدكم ... والحي قد حربوا وقد سفك الدم
أبني لجيمٍ لو جمحن عليكم ... جمح الكعاب لقد غضبنا نرعم

الجمح: التتابع بعض في اثر بعض، يريد الكعبين اللذين يلعب بهما النرد وغيره. فجعل الزبان لله عليه نذراً ألا يحرم دم غفيلي أبداً أو يدلوه كما دلوا عليه، فمكث فيما يزعمون عشر سنين، فبينا هو جالس بفناء بيته إذ هو براكب قال له: من أنت قال: رجل من غفيلة قال: إيت فقد أدنى لك، فأرسلها مثلاً، قال الغفيلي: هل لك في أربعين بيتاً من بني زهير متبدين بالأقطانتين؟ قال: نعم، فنادى في أولاد ثعلبة فاجتمعوا، ثم سار بهم حتى إذا كان قريباً من القوم بعث مالك ابن كومة طليعةً ينظر القوم وما حالهم، قال مالك: فنمت وأنا على فرسي فما شعرت حتى عبت فرسي في مقراة بين البيوت، فكبحتها فتأخرت على عقبها، فسمعت جارية تقول لأبيها: يا أبت أتمشي الخيل على أعقابها؟ قال: وما ذاك يا بنية؟ قالت: لقد رأيت فرساً تمشي على عقبها، قال: يا بنية نامي، أبغض الفتاة تكون كلوء العين بالليل - ورجع مالك إلى الزبان فاخبره الخبر، فأغار عليهم فقتل منهم فيما يذكر نيفاً على أربعين رجلا، منهم أبو محياة بن زهير بن تميم، وأصاب فيهم جيراناً لهم من بني يشكر ثم من بني غبر بن غنم، فقال في ذلك مرقش أخو بني قيس بن ثعلبة: أتاني لسان بني عامر فجلت أحاديثهم عن بصر بان بني الوخم ساروا معاً بجيشٍ كضوء نجوم السحر فلم يشعر القوم حتى رأوا بريق القوانس فوق الغرر ففرقتهم ثم جمعنهم واصدرنهم قبل غب الصدر فيارب شلوٍ تخطرفنه كريمٍ لدى مزحفٍ أو مكر أي أخذته باقتدار في سرعة، والشلو بقية البدن، وقد جعلوه البدن.
وآخر شاصٍ ترى جلده كقشر القتادة غب المطر فكائن بحمران من مزعفٍ ومن خاضعٍ خده منعفر المزعف: المذرأ عن فرسه، الشاصي: الرافع رجله.
فكأن الزبان قذف جيفهم في الاقطانتين، وهي ركية، فقال السفاح التغلبي: أبني أبي سعد وأنتم إخوة وعتاب بعد اليوم شيء افقم هلا خشيتم أن يصادف مثلها منكم فيترككم كمن لا يعلم ملأوا من الاقطانتين ركيةً منا وآبوا سالمين وغنموا وقال الزبان يعتذر إلى بني غبر اليشكريين فيمن أصيب منهم: ألا ابلغ بني غبر بن غنم ولما يأت دونكم حبيب فلم نقتلكم بدمٍ ولكن رماح الحرب تخطىء أو تصيب ولو أمي علقت بحيث كانوا لبل ثيابها علق صبيب قال: وكان السفاح قد قال في شأن بني الزبان لعمرو بن لأي التيمي: ألا من مبلغ عمرو بن لأيٍ فان بيان غلمتهم لدينا فلم نقتلهم بدمٍ ولكن للؤمهم وهونهم علينا واني لن يفارقني نباك يرى التعداء والتقريب دينا وقال عمرو بن لأي: قفا ضبعٍ تعالج خرج راعٍ أجرنا في العقاب أم أهتدينا

زعموا أن الهذيل بن هبيرة
أخا بني ثعلبة بن حبيب بن غنم بن تغلب بن وائل، كان أغار على أناس من ضبة فغنم ثم انصرف، فخاف الطلب فأسرع السير، فقال له أصحابه: اقسم بيننا غنيمتنا، فقال: إني أخاف أن تشغلكم القسمة فيدرككم الطلب فتهلكوا، فأعادوا عليه ذلك مراراً فلما رآهم لا يفعلون قال: إذا عز أخوك فهن فأرسلها مثلاً، وتابعهم على القسمة.
زعموا أن ليث بن عمرو
بن أبي عمرو بن عوف بن محلم الشيباني
تزوج ابنة عمه خماعة بنت عوف بن محلم بن أبي عوف بن أبي عمرو بن عوف بن محلم، فشام الغيث فتحمل بأهله لينتجعه، فقال أخوه مالك بن عمرو: لاتفعل فاني أخاف عليك بعض مقانب العرب أن يصيبك، فقال: والله ما أخاف أحداً، وإني لطالب الغيث حيث كان، فسار بأهله، فلك يلبث إلا يسيراً حتى جاء وقد أخذ أهله وماله، فقال له مالك: مالك؟ فقال: أصابتني خيل مرت علي؛ قال مالك: رب عجلة تهب ريثا ورب فروقة يدعى ليثا ورب غيث لم يكن غيثا، فذهب كلامه هذا أمثالاً.
زعموا أن كعب بن مامة الايادي
خرج في ركب من إياد بن نزار و ربيعة بن نزار حتى إذا كانوا بالدهناء في حمارة القيظ عطشوا ومعهم شيء من ماء قليل إنما يشربونه بالحصى فيقتسمونه، فشرب كل إنسان منهم بقدر تلك الحصاة، فشرب القوم حصتهم، فلما اخذ كعب الاناء ليشرب نظر اليه شمر بن مالك النمري، فلما رآه كعب ينظر اليه ظن أنة عطشان، فقال: اسق أخاك النمري يصطبح، فذهبت مثلاً. ثم ظعنوا وبالقوم

مسكة غير كعب، فنزلوا فاقتسموا الماء، فلما بلغ كعباً نصيبه وادركه الموت إليه النمري فقال: اسق اخاك النمري يصطبح، فشرب النمري نصيبه، وأدركه الموت فنزل فاكتن في أصل شجرة فقيل له: إنا نرد الماء غدا فرد كعب إنك وراد فأرسلها مثلاً، وقال الفرذدق:
وكنا كأصحاب ابن مامة إذ سقى ... أخا النمر العطشان يوم الضجاعم
اذا قال كعب هل رويت ابن قاسط ... يقول له زدني بلال الحلاقم
وكنت ككعب غير ان منيتي ... تأخر عني يومها بالأحارم
وقال مامة بن عمرو:
أوفى على الماء كعب ثم قيل له ... رد كعب إنك وراد فما وراد
ما كان من سوقةٍ أسقى على ظمأ ... خمراً بماء إذا ناجودها بردا
من ابن مامة كعبٍ ثم عي به ... زو المنية الا حرة وقدا
أي لم تهتد المنية إلى قتله إلا بالعطش. وقال أبو كعب:
أمن عطش الدهنا وقلة مائها ... بقايا النطاف لا يكلمني كعب
فلو أنني لاقيت كعباً مكسراً ... بأنقاء وهب حيث ركبها وهب
لآسيت كعباً في الحياة التي ترى ... فعشنا جميعاً أو لكان لنا شرب

زعموا أن الحارث بن عباد
بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة
طلق بعض نسائه بعدما اسن وخرف، فخلف عليها من بعده رجل كانت تظهر له من الوجد به ما لم تكن تظهره للحارث بن عباد، فلقي زوجها الحارث بن عباد فاخبره بمنزلته منها، فقال له الحارث: عش رجبا تر عجبا، فأرسلها مثلاً.
زعموا أن مياد بن حن
بن ربيعة بن حزام العذري
من قضاعة نافر رجلاً من أهل اليمن إلى حكم عكاظ في الشهر الحرام، فأقبل مياد بن حن على فرسه وسلاحه، فقال: أنا مياد بن حن، انا ابن حباس الظعن، وأقبل اليماني عليه حلة يمانية، فقال مياد بن حن: احكم بيننا ايها الحكم، فقال الحكم: ازلأم المعدي ونفر - نفر غلب، وازلأم: سبق وأسرع - فذهب قوله مثلاً، وقضى لمياد بن حن على صاحبه.
أسرت همدان عمرو بن خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فحبسوه عندهم زماناً وقيدوه، وكان رجلاً خفيف اللحم لا يكاد يسمن، فلما اسر وطال حبسه كثر لحمه وسمن، فمكث أسيراً في همدان ما شاء الله، ثم افتدى نفسه فرجع إلى قومه وهو بادن كثير اللحم فقالوا: لقد سمنت وكثر لحمك فقال: القيد والرتعة فأرسلها مثلاً.
زعموا أن الحطيئة
لما حضره الموت اكتنفه أهله وبنو عمه فقالوا له: يا حطىء اوص، قال: فبم وما أوصي؟ مالي بين بني، فأرسلها مثلاً، فقالوا له: قد علمنا إن مالك بين بنيك فأوص، قال: ويل الشعر من رواية الشعر، فأرسلها مثلاً، قالوا له أوص، قال أخبروا أهل ضابىء بن الحارث انه كان شاعراً حيث يقول:
لكل جديد لذة غير أنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ
وانشد مثل هذا البيت:
ما لجديد الموت يا بشر لذة ... وكل جديد تستلذ طرائقه
ثم مات. وكانت له أمثال وهو الذي قال لا تراهن على الصعبة ولا تنشد قريضاً فأرسلها مثلاً، يقول إن الصعبة لا تذهب على ما تريد، والقريض أول ما ينشد، يقول: لا تنشد الشعر حتى تحكمه.
زعموا أن بعض ملوك غسان
كان يطلب في بطن من عاملة يقال لهم بنو ساعدة - وعاملة من قضاعة - ذحلاً، فأخذ منهم رجلين يقال لهما مالك وسماك ابنا عمرو، فاحتبسهما عنده زمانا، ثم دعا بهما فقال: إني قاتل أحدكما، فأيكما اقتل؟ فجعل كل واحدٍ منهما يقول: اقتلني مكان أخي. فلما رأى ذلك قتل سماكاً وخلى سبيل مالك، فقال سماك حين ظن انه مقتول: ألا من شجت ليلة عامده كما أبداً ليلة واحده فأبلغ قضاعة إن جئتها وأبلغ سراة بني ساعده وأبلغ نزاراً على نأيها فان الرماح هي العائده فأقسم لو قتلوا مالكاً لكنت لهم حيةً راصده برأس سبيل على مرصدٍ ويوماً على طرق وارده أأم سماكٍ فلا تجزعي فللموت ما تلد الوالده

وانصرف مالك إلى قومه فأقام فيهم ليالي، ثم إن راكباً مروا يسيرون وأحدهم يتغنى وهو يقول: فأقسم لو قتلوا مالكا ... الخ، فسمعت ذلك أم سماك فقالت: يا مالك قبح الله الحياة بعد سماك، اخرج في الطلب بأخيك، فخرج في الطلب به حتى لقي قاتله يسير في ناس من قومه فقال: من احسن لي الجمل الأحمر؟ فقالوا له وعرفوه: لك مائة من الإبل فكف، فقال: لا أطلب أثراً بعد عين، فأرسلها مثلاً، وحمل على قاتل أخيه فقتله، وكان من غسان ثم من بني قمير، فقال مالك في ذلك:
يا راكباً بلغن ولا تدعن ... بني قمير وإن هم جزعوا
فليجدوا مثل ما وجدت فان ي كنت ميتاً قد مسني وجع
لا أسمع اللهو في الندي ولا ... ينفعني في الفراش مضطجع
لا وجد ثكلى كما وجدت ولا ... وجد عجول أضلها ربع
ولا كبير أضل ناقته ... يوم توافى الحجيج فاجتمعوا
ينظر في أوجه الركاب فلا ... يعرف شيئاً والوجه ملتمع
جللته صارم الحديدة كاللج صلى الله عليه وسلم فيه سفاسق دفع
أضربه بادياً نواجذه ... يدعو صداه والرأس منصدع
بني قمير فتلت سيدكم ... فاليوم لا فدية ولا جزع
بين قمير وباب جلق في ... أثوابه من دمائه دفع
فاليوم قمنا على السواء فان ... تجروا فدهري ودهركم جذع
وكان فيما يذكر من حديث ابنة الزباء: إنها كانت امرأة من الروم، وأمها من العمالقة، فكانت تكلم بالعربية، وكانت ملكةً على الجزيرة وقنسرين، وكانت مدائنها على شط الفرات من الجانب الغربي والشرقي، وهي قائمة اليوم خربة، وكان فيما يذكر قد شقت الفرات وجعلت أنفاقاً بين مدينتها - أنفاق: جمع نفق وهو السرب - وكانت تغزو بالجنود وتقاتل، وهي فيما يذكر التي حاصرت مارداً حصن دومة الجندل فامتنع مها، وحاصرت الأبلق حصن تيماء فامتنع منها، فقالت: تمرد مارد وعز الأبلق، فأرسلت قولها مثلاً. وكان جذيمة الأبرش رجلاً من الأزد، وكان ملكا على الحيرة وما حولها، وكان ينزل الانبار، وكان فيما يقال من احسن الناس وجهاً وأجملهم، فذكر أن يخطبها وكان له ربيب ومولى يقال له قصير، وكان رجلاً لبيباً عاقلاً فنهاه عنها وقال: إنه لا حاجة لها في الرجال، قال: وكان جذيمة أول من احتذى النعال ورمى بالمنجنيق ورفع له الشمع، فعصى قصيراً وكتب إليها يخطبها ويرغبها فيما عنده، فكتبت اليه: أن نعم وكرامة، أنا فاعلة، ومثلك رغب فيه، فإذا شئت فاشخص إلي فدعا قصيراً وسار، حنى إذا كان بمكان فوق الأنبار يقال له البقة، فدعا نصحاءه فشاوروهم فيها، نهاه قصير، ورأى أصحابه هواه فزينوها له، فقال قصير حين رآه قد عزم: لا يطاع لقصير رأي، فأرسلها مثلاً. ومضى اليها في ناس كثير من أصحابه فأرسل اليها يعلمها انه قد اتاها، فهيأت له الخيول وقالت: استقبلوه حين يدنو، وقالت: صفوا صفين فاذا دخل بين صفيكم فتقوضوا عليه، فليسر من مر عليه خلفه حتى ينتهي إلى باب المدينة. وذكر أن قصيراً قد كان قال له حين عصاه وأبي إلا إتيانها إن استقبلك الخيل فصفوا لك صفين فتوقض من تمر به من خلفك فان معك العصا فرسك، وانها لا يشق غبارها فأرسلها مثلاً، فتجلل العصا ثم انج عليها

فلما لقيته الخيول وتقوضوا من خلفه عرف الشر وقال لقصير: كيف الرأي؟ فقال له قصير: ببقة صرم الأمر وذهب قوله مثلاً. وسار جذيمة حتى دخل عليها وهي في قصر لها ليس فيه إلا الجواري، وهي على سريرها فقالت: خذن بعضدي سيدكن، ففعلن، ثم دعت بنطع فأجلسته فعرف الشر، وكشف عن عورتها فاذا هي قد عقدت استها بشعر الفرج من وراء وركيها، وإذا هي لم تعذر، فقالت: أشوار عروس ترى فأرسلتها مثلاً فقال جذيمة: بل شوار بظراء تفلة، فقالت: والله ما ذاك من عدم مواس، ولا قلة أواس، ولكن شيمة من أناس، ثم أمرت برواهشه فقطعت فجعلت تشخب دماؤه في النطع كراهية إن يفسد مقعدها دمه، فقال جذيمة: لا يحزنك دم هراقه أهله فأرسلها مثلاً. يعني نفسه. ونجا قصير حين رأى من الشر ما رأى على العصا، فنظر اليه جذيمة والعصا مدبرة تجري فقال: يا ضل ما تجري به العصا، فذهبت مثلاً. وكان جذيمة قد استخلف على ملكه عمرو بن عدي اللخمي، وهو ابن اخته، فكان يخرج كل غداةٍ يرجو أن يلقى خبراً من جذيمة، فلم يشعر ذات يوم حتى اذا هو بالعصا عليها قصير، فلما رآها عمرو وقال خير ما جاءت به العصا فأرسلها مثلاً، فلما جاءه قصير اخبره الخبر، فقال: اطلب بثأرك قال: كيف أطلب من ابنة الزبا وهي أمنع من عقاب الجو فأرسلها مثلاً، فقال قصير: أما اذا أبيت فاني سأحتال لها فاعني وخلاك ذم فأرسلها مثلاً، فعمد قصير إلى أنفه فجدعه، ثم خرج حتى أتى بنت الزبا فقيل: لأمر ما حدع قصير أنفه فصارت مثلاً. فقيل للزبا هذا قصير خازن جذيمة قد اتاك، قال: فأذنت له وقالت: ما جاء بك؟ قال: اتهمني عمرو في مشورتي على خاله بإتيانك فجدعني، فلا تقرني نفسي مع من جدعني، فأردت أن آتيك فاكون عندك، قالت: فافعل، قال: فان لي بالعراق مالاً كثيراً، وإن بها طرائف مما تحبين أن يكون عندك، فأرسليني وأعطيني شيئاً بعلة التجارة حتى آتيك بما قدرت عليه وأطرفك من طرائف العراق، ففعلت وأعطته مالا، فقدم العراق فأطرفها من طرائفها، وزادها مالاً كثيراً إلى مالها، فقال لها: هذا ربح، فأعجبها ذلك وسرت به، فزادته أموالاً كثيرة وردته الثانية، فأطرفها أكثر مما كان اتاها به قبل ذلك، ففرحت وأعجبها، ونزل منها بكل منزلة؛ ولم يزل يتلطف حتى علم مواضع الأنفاق التي بين المدينتين، ثم ردته الثالثة وزادته أموالاً كثيرة عظيمة فأتى عمراً فقال: احمل الرجال في التوابيت والمسوح عليهم الحديد حتى يدخلوا المدينة ثم أبادرها انا وأنت إلى موضع النفق فتقتلها، فعمد عمرو إلى ألفي رجل من أشجع من يعلم، ثم كان هو فيهم، فلما دنوا أتاها قصير فقال: لو صعدت المدينة فنظرت إلى ما جئت به فاني قد جئت بما صأى وصمت، فأرسلها مثلاً - صأى من الإبل والخيل، وصمت من الذهب وغيره - وكانت لا تخاف قصيراً، قد أمنته، فصعدت المدينة، ورجع قصير إلى العير يحمل كل بعيرٍ رجلين دراعين عليهم السلاح كله، فلما رأت ثقل الأحمال على الإبل قالت:
أرى الجمال مشيها وئيدا ... أجندلاً يحملن أم حديدا
أم صرفنا بارداً شديدا ... أم الرجال في المسوح سودا
الصرفان: ضرب من التمر، ويقال انه الرصاص. ودخلت الابل كلها فلم يبق منها شيء وتوسطوا المدينة، وكانت افواه الجواليق مربوطةً من قبل الرجال، لكنهم حلوها ووقعوا في الأرض مستلئمين، فشدوا عليها وخرجت هاربةً تريد السرب، فاستقبلها قصير وعمرو عند باب السرب، وكان لها خاتم فيه سم فمصته وقالت: بيدي لا بيديك عمرو، فذهب قولها مثلاً، وضربها عمرو وقصير حتى ماتت: وقالت العرب في أمرها وأمر قصير فأكثروا، فقال عدي بن زيد العبادي يخاطب النعمان:
ألا يا أيها المثري المرجى ... ألم تسمع بخطب الاولينا
القصيدة كلها. وقال نهشل بن حري الدرامي:
ومولى عصاني واستبد بأمره ... كما لم يطع بالبقتين قصير
فلما رأى ما غب أمري وأمره ... وولت بأعجاز المطي صدور
تمنى أخيراً أن يكون أطاعني ... وقد حدثت بعد الأمور أمور
وقال المخبل السعدي:
يا أم عمرة هل هويت جماعكم ... ولكل من يهوى الجماع فراق
بل كم رأيت الدهر زيل بينه ... من لا تزايل بينه الأخلاق

طلب ابنة الزبا وقد جعلت له ... دوراً ومسربةً لها أنفاق
وقال المتلمس:
ومن حذر الأيام ما حز أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس
نعامة لما صرع القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس
وقال أبو النجم حبيب بن عيسى: كان جذيمة قال لندمائه بلغني عن رجل من لخم يقال له عدي بن نصر ظرف وعقل، فلو بعثت إليه فوليته كأسي، قالوا: الرأي رأي الملك، فبعث إليه فأحضره وصير إليه أمر كأسه والقيام على ندمائه، فأبصرته رقاش أخت جذيمة فأعجبت به، فبعثت إليه: إذا سقيت القوم فامزج لهم واسق الملك صرفاً، فإذا أخذت الخمر منه فاخطبني إليه، ففعل، وأجابه الملك وأشهد عليه القوم، وأدخلته عليها من ليلتها فواقعها، واشتملت على حمل، وأصبح جذيمة فرأى به آثار الخلوق، فقال: ما هذه الآثار يا عدي؟ فقال: آثار العرس برقاش، فزفر جذيمة وأكب على الأرض واغتم يفكر في الأرض، وأخذ عدي مهلة فلم يحس له أثر، وبعث جذيمة إلى رقاش:
خبريني رقاش لا تكذبيني ... أبحر زنيت أم بهجين
أم بعبد فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون
فأرسلت إليه: لعمري ما زينت ولكنك زوجتني، فرضيت ما رضيت لي. فنقلها إلى حصن له فأنزلها اياه، وتم حملها، فولدت غلاماً فسمته عمراً، حتى إذا ترعرع ألبسته من طرائف ثياب الملوك ثم أزارته خاله، فلما دخل عليه القيت عليه منه المودة، وقذف له في قلبه الرحمة. ثم إن الملك خرج في سنة مكلئة خصيبة قد اكمأت، فسط له في بعض الرياض، وخرج ولدان الحي يجتنون الكمأة، وخرج عمرو فيهم فكانوا إذا اجتنوا شيئاً طيباً أكلوه، وإذا اجتناه جعله في ثوبه، ثم أقبلوا يتعادون، وأقبل معهم وهو يقول: هذا جناي وخياره فيه إذ كل جانٍ يده إلى فيه ثم استطارته الجن فلم يحسس، ثم اقبل رجلان من بلقين يقال لهما مالك وعقيل، قد اعتمدا جذيمة بهديةٍ معهما، فنزلا في بعض الطريق، وعمدت قينة لهما فأصلحت طعامهما ثم قربته إليهما، فأقبل رجل طويل الشعر والأظافير حتى جلس منهما مزجر الكلب، ثم مد يده فناولته القينة من طعامهما ثم قربته إليهما، فأقبل رجل طويل الشعر والأظافير حتى جلس منهما مزجر الكلب، ثم مد يده فناولته القينة من طعامهما، فلم يغن عنه شيئاً، ثم أعاد يده فقالت القينة: أعطي العبد كراعاً فطلب ذراعاً، فأرسلتها مثلاً، ثم سقتهما شراباً لهما من زق معهما، ثم وكت الزق، فقال عمرو: عدلت الكأس عنا أم عمرو الى آخر البيتين ويروى صددت. فسألاه عن نسبه، فانتسب لهما، فنهضا إليه وقرباه، ثم غسلاه ونظفا، وألبساه من طرائف ثيابهما وقدما به على جذيمة، فجعل لهما حكمهما، فقالا: منادمتك ما بقيت وبقينا، فهما ندمانا جذيمة اللذان يقول متمم ابن نويرة حين رثى أخاه يذكرهما:
وكنا كندماني جذيمة حقبةً ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول افتراق لم نبت ليلة معا
وقال آخر:
ألم تعلما أن قد تفرق قبلنا ... نديما صفاءٍ مالك وعقيل
وأمر جذيمة بصرف عمرو إلى أمه، فتعهدته أياما حتى راجعته نفسه وذهب شحوبه، ثم ألبسته من طرائف ثياب الملوك، وجعلت في عنقه طوقا منذهب،ثم أمرته بزيارة خاله،فلما رأى لحيته والطوق في عنقه قال: شب عمرو عن الطوق فأرسلها مثلاً، ثم أقام مع خاله قد كفاه أمره إلى أن يخرج جذيمة الى ابنة الزباء، فكان من أمره ما كان.
؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

زعموا أن المنذر بن ماء السماء
لما هلك وترك عمراً وقابوساً وحساناً وامهم هند بنت الحارث بن آكل المرار الكندي، والأسود بن المنذر وأمه امرأة من تيم الرباب، وعمراً الأصغر وأمه أمامة، وبنين غيرهم لعلات، وأن عمراً ملك بعد أبيه المنذر، وكان عمرو يدعى محرقاً لأنه احرق اليمامة، فاستعمل عمرو أخاه قابوساً على ما بدا له من عمله، وكان له الريف سواد العراق، فغضب عمرو بن امامة فلحق باليمن، يريد إن يستنصرهم على أخيه عمرو ويغزو بهم، فقال عمرو بن أمامة في ذلك:
ألإبن أمك ما بدا ... ولك الخورنق والسدير
فلأمنعن منابت الضم ... ران إذا منع القصور

بكتائب تردي كما ... تردي الى الجيف النسور
إنا بني العلات تقضى دون شاهدنا المور
فنزل عمرو في مراد، فملكوه وعظموه، فتغطرس وجعل يريد إن يستعبدهم، فقتلوه - قتله ابن الجعيد المرادي - فقال في ذلك طرفة بن العبد:
أعمرو بن هند ما ترى رأي معشرٍ ... أفاتوا أبا حسان جاراً مجاورا
دعا دعوةً إذ شكت النبل صدره ... امامة واستدعى بذاك معاشرا
فغزاهم عمرو بن هند حين بلغه قتل عمرو بن امامة، فظفر بهم فقتل فيهم أكثر، وأتى بابن الجعيد سالما فلما رآه قال: بسلاح ما يقتلن القتيل فأرسلها مثلاً، ثم أمر به فضرب بالعمد حتى مات.

وزعموا أن براقش
ابنة تقن كانت امراة لقمان بن عاد، وكان بنو تقن من عاد أصحاب إبل، وكان لقمان صاحب غنم، وكان لا يطعم لحوم الابل، فأطعمته امرأته براقش من لحوم الإبل فنحر إبلهم التي يحتملون عليها فأكلها ثم قاتل إخوتها على إبلهم، فقيل: على أهلها تجني براقش، فأرسلت مثلاً.
وزعموا أن لقمان بن عاد
كان زوج أخته رجلاً من قومه ضعيفاً أحمق، فولدت له فاحمقت وأضعفت، فلما رأت ذلك أعجبها أن يكون لها ولد، له مثل أدب لقمان أخيها ودهاؤه، فقالت لامرأة لقمان: إني أمسيت الليلة على طهر، فهل لك على إن أجعل لك جعلاً على إن تخليني وأخي فاكون معه الليلة؟ فقالت: نعم، فسقته حتى سكر، فباتت معه، فحملت له، فولدت غلاماً فسمته لقيماً، فلما أفاق من سكره وبات عند امرأته من الليلة المقبلة قال: هذا حر معروف وكنت البارحة في حرٍ منكر فذهب قوله مثلاً، قال النمر بن تولب العكلي يذكر عجائب الدهر:
لقيم بن لقمان من أخته ... وكان ابن أختٍ له وابنما
ليالي حمقت فاستحصنت ... إليه فغر بها مظلما
فأحبلها رجل نابه ... فجاءت به رجلاً محكما
وزعموا أن لقيما خرج من أحزم الناس وأنكرهم
وأنه خرج هو لقمان مغيرين، فأصابا إبلاً، فحسد لقمان لقيماً فقال له لقمان: اختر إن شئت فسر بالليل وأسير أنا في النهار، وان شئت فأقم بالنهار وأسير أنا بالليل، فاختار لقيم إن يسير بالليل ويقيم بالنهار، واختار لقمان إن يسير بالنهار، فأخذ لقيم حصته من الإبل، فجعل إذا كان بالنهار رعى إبله ونام، حتى اذا كان بالليل سار بابله ليله حتى يصبح، وكان يرعاها بالنهار ويسير بالليل، وكان لقمان يسير بالنهار فتشغل ابله بالرعية عن السير وينام الليل، فجعلت إبله لا ترعى كثيراً فضمرت، وأبطأ في السير فسبقه لقيم، فلما أتى أهله نحر جزوراً فأكلوها، وكان للقمان ابنة يقال لها صحر، فخبأت له من الجزور لحما تتحف به لقمان إذا جاء، فلما جاء لقمان طبخته أو شوته، ثم استقبلته به قبل أن ينتهي إلى الحي، فلما طعم من اللحم قال: ما هذا؟ قالت: من لحوم العريضات أثراً، قال: ومن أين لك هذا؟ قالت: جاء لقيم فنحر جزوراً، وكان لقمان يحسب أنه قد سبق لقيماً، فلما أخبرته أسف، فلطمها لطمة قال بعض من يحدث: ماتت منها، وقال بعضهم: ألقى أضراسها، وقال الناس: ذنب صحر أنها أتحفته وأكرمته وصدقته فلطمها، فصارت مثلاً.
وقال خفاف بن ندبة السلمي:
وعباس يدب لي المناياوما أذنبت إلا ذنب صحر
وكيف يلومني في حب قوم ... أبي منهم وأمي أم عمرو
وزعموا أن لقمان بن عاد
كان إذا اشتد الشتاء وكلب أشد ما يكون شد راحلة موطنة لا ترغوا ولا يسمع لها صوت فيشتدها برحلها ثم يقول للناس، حين يكاد البرد يقتلهم: ألا من كان غازياً فليغز، فلما شب لقيم ابن أخته اتخذ راحلة مثل راحته فوطنها فلما كان حين نادى لقمان من كان غازياً فليفز قال لقيم أنا معك إذا شئت، فلما رآه قد شد رحلها ولم يسمع لها رغاء قال لقمان: كأن برحل باتت، قال لقيم: وبرحلها باتت لقم، فذهب قولاهما مثلاً.

ثم أنهما سارا فأغارا فأصابا إبلاً، ثم انصرفا نحو أهلهما، فنزلا فنحرا ناقة، فقال لقمان للقيم: أتعشي أم أعشي لك؟ قال لقيم: أي ذلك شئت، قال لقمان: اذهب فارع إبلك حتى النجم قم رأس، وحتى ترى الجوزاء كأنها قطا نوافر، وحتى ترى الشعرى كأنها نار، فإلا تكن عشيت فقد آنيت، فقال له لقيم: نعم واطبخ أنت لحم جزورك، فإز ماء واغله حتى ترى الكراديس كأنها رؤوس شيوخ صلع، وحتى ترى الضلوع كأنها نساء حواسر، وحتى ترى الوذر كأنها قطا نوافر، وحتى ترى اللحم غطياً وغطفان، فالا تكن أنضجت فقد آنيت؛ فانطلق لقيم في إبله، ومكث لقمان يطبخ لحمه، فلما أظلم لقمان وهو بمكان يقال له شرج - وهو اليوم ماء لبني عبس - قطع سمرات من شرج فأوقد النار حتى أنضج لحمه، ثم حفر دونه خندقاً فملأه ناراً ثم واراها، فلما أقبل لقيم إلى مكانهما عرف المكان وأنكر ذهاب السمر فقال: أشبه شرج شرجاً لو إن أسيمرا، فأرسلها مثلاً.
ووقعت ناقة من إبله في تلك النار فنفرت، وعرف لقيم إنما صنع لقمان النار لتصيبه، وإنما حسده، فسكت عنه، ووجد لقمان قد نظم في سيفه لحما من لحم الجزور وكبداً وسناماً حتى توارى سيفه، وهو يريد إذا ذهب لقيم ليأخذها أن ينحره بالسيف، ففطن له لقيم فقال: في نظم سيفك ما ترى يا لقم، فأرسلها مثلاً.
وحسده لقمان الصحبة فقال: القسمة فقال لقمان: ما تطيب نفسي أن تقسم هذه الإبل إلا وأنا موثق فأوثقني، فأوثقه لقيم، فلما قسم الإبل سوى القسمة وبقي من الإبل عشر أو نحوها، فجشعت نفس لقمان، فنحط نحطة تقطعت منها الانساع التي هو بها موثق، ثم قال لي الغادرة والمتغادرة والأفيل النادرة فذهب قوله مثلاً. وقال لقيم قبح الله النفس الخبيثة، هو لك، ثم افترقا.
والغادرة: الباقية، والأفيل تصغير إفال: الولد الصغير من الإبل.

وزعموا أن ابن بيض
كان رجلاً من عاد تاجراً مكثراً، فكان لقمان يجيز له تجارته ويجيزه ويعطيه في كل عام جارية وحلة وراحلة، فلما حضر ابن بيض الموت خاف لقمان على ماله، فقال لأبنه: سر إلى أرض كذا وكذا، ولا تقارن لقمان في أرضه فإن له في عامنا هذا حلة وجارية وراحلة، وضع للقمان فيها حقه، فإذا هو قبله فهو حقه عرفناه له واتقيناه به، وإن لم يقبله وبغي أدركه الله بالبغي والعدوان، فصار الفتى حتى قطع الثنية بأهله وماله، ووضع للقمان حقه فيها، وبلغ لقمان الخبر، فلحقهم، فلما كان في الثنية وجد فيها فأخذه وانصرف وقال سد ابن بيض الطريق فأرسلها مثلاً. وقد ذكر ذلك شعراء العرب وقالوا فيه، قال عمرو بن أسود الطهوي:
سددنا كما سد ابن بيضٍ سبيله ... فلم يجدوا فرط الثنية مطلعا
وقال عوف بن الاحوص العامري:
سددنا كما سد ابن بيض فلم يكن ... سواها لذي احلام قومي مذهب
وقال المخبل السعدي:
لقد سد السبيل أبو حميد ... كما سد المخاطبة ابن بيض
زعموا أن رجلاً من عاد كان لبيباً حازماً
يقال له جد نزل على رجل من عاد وهو مسافر فبات عنده، ووجد عنده أضيافاً قد اكثروا من الطعام والشراب قبله، وإنما طرقهم جد طروقاً، وبات وهو يريد الدلجة من عندهم بليل، ففرش لهم رب البيت مبناةً - والمبناة: النطع - فناموا عنده، فسلح بعض القوم الذين كانوا يشربون، فخاف جد أن يدلج فيظن رب البيت أنه هو فعل، فقطع حظه من النطع الذي نام عليه، ثم دعا رب المنزل حين أراد إن يدلج وقد طواه فقال: هذا حظ جدٍ من المبناة، فمن المبناة، فأرسلها مثلاً، يقول انظر اليه فيه شيء مما تكره. وقد ذكرته العرب في أشعارها، وقال مالك بن نويرة:
ولما أتيتم ما تمنى عدوكم ... عدلت فراشي عنكم ووسادي
وكنت كجدٍ حين قد بسهمه ... حذار الخلاط حظه بسواد
وقال خراش بن شمير المحاربي:
ألا يتقي من كاس إن ضاع ضائع ... وكل امرىء لله بادٍ مقاتله
فيأثر بالتقوى ويحتاز نفسه ... إذا بادر الميقات حينا يغاوله
كما احتاز جد حظه من فراشه ... بمبراته في أمره اذ يزاوله
زعموا أنه كان بين لقمان بن عاد وبين رجلين
من عاد يقال لهما عمرو وكعب ابنا تقن مغاورة

وكانا من أشد عادٍ وأدهاها وأنكرها، وكانا ربي إبلٍ، وكان لقمان رب غنم، فأعجب لقمان الإبل، فأرادهما عنها فأبيا أن يبيعاه، فعمد إلى ألبان غنمه من ضأن ومعزى فجمع لبناً كثيراً ثم أتى تلعة هما بأسفلها، فأسأل ذلك اللبن وفيه زبد كثير وأنافح من أنافح السخل، فلما رأيا ذلك قال: إحدى سحيبات لقمان هي، فلم يلتفتا إلى ذلك ولم يرغبا في ألبان الغنم، فلما رأى ذلك لقمان قال: خر خرير الانفح والنقد المذبح، اشترياها ابني تقن، أقبلت ميسا، وأدبرت هيسا، وملأت البيت أقطاً وحيساً، اشترياها ابني تقن، إنها الضأن تجز جفالا، وتنتج رخالاً وتحلب كثبا ثقالاً، قالا: انصرف لا نشتريها يا لقم، إنها الابل حملن فأثقلن، وزجرن فأعنقن، وبغير ذلك اقلعن، بغزرهن اذا قظن فلما لم يبيعاه الابل ولم يشتريا منه الغنم جعل يراودهما، وكانا يهابانه، وكان يلتمس إن يغفلا فيشد على الابل فيطردها فلما كان ذات يوم اصابا ارنباً وهو يرصدهما رجاءة إن يصيب غفلتهما فيذهب بالابل، فأخذ أحدهما صفيحة من الصفا فجعلها في أيدهما ثم جعل عليها كومة من التراب، فملا الأرنب، فلما أنضجاها نفضا عنها التراب فأكلاها ولما رآهما لقمان لا يغفلان عن إبلهما ولم يجد فيهما مطمعا لقيهما ومع كل واحد منهما جفير مملوء نبلاً، وليس معه غير سهمين، فخدعهما فقال: ما تصنعان بهذه النبل الكثيرة التي معكما؟ إنما هي حطب، فو الله ما أحمل غير سهمين، فان لم أصب بهما فلست بمصيب، ثم قال رميت فرميت، وأثنيت فأثنيت، الى ذلك ما حي حي أو مات ميت، فأرسلها مثلاً. فعمد إلى نبلهما فنثراها غير سهمين، فعمد الى النبل فحواها، فلم يصب لقمان فيهما بعد ذلك غرة. وكانت فيما يذكرون لعمرو بن تقن امرأة فطلقها فتزوجها لقمان، فكانت المرأة وهي عند لقمان تكثر إن تقول: لا فتى إلا عمرو فأرسلتها مثلاً، فكان ذلك يغيظ لقمان ويسؤوه كثرة ذكرها عمراً فقال لقمان: قد أكثرت في عمرو، فو الله لأقتلن عمراً، فقالت: انك لن تفعل، وكانت لابني تقن سمرة عظيمة يستظلان فيها حتى ترد إبلهما فيسقياها، فصعد فيها لقمان، واتخذ فيها عشاً، ورجا أن يصيب من ابني تقن غرة فلما وردت الإبل تجرد عمرو واكب على البئر يستقي، فرماه لقمان من فوقه بسهم في ظهره، فقال: حس، إحدى حظيات لقمان ثم أهوى إلى السهم فانتزعه، فرفع رأسه في الشجرة فإذا هو بلقمان، فقال: انزل، فنزل، فقال: استق بهذا الدلو، فزعموا إن لقمان لما أراد إن يرفع الدلو حين امتلأ نهض نهضة فضرط، فقال له عمرو بن تقن: أضرطاً آخر اليوم وقد زال الظهر؛ فأرسلها مثلاً. ثم إن عمراً أراد أن يقتل لقمان، فتبسم لقمان، فقال عمرو: أضاحك أنت؟ فقال لقمان: ما اضحك إلا من نفسي، أما إني قد نهيت عما ترى، قال: ومن نهاك؟ قال: فلانة، قال: أفلي عليك إن وهبتك لها لتعلمنها ذلك؟ قال: نعم فخلى سبيله، فأتاها لقمان فقال: لا فتى إلا عمرو، قالت: أقد لقيته؟ قال: نعم قد لقيته فكان كذا وكذا، ثم أسرني فأراد قتلي، ثم وهبني لك، فقالت: لا فتى إلا عمرو.

زعموا أن لقمان كان يقول
إذ أمسى النجم، قم رأس، ففي الدثار فاخنس، وسمناهن فاحدس، وأنهش بنيك وأنهس، وإن سئلت فاعبس. احدس: أضجعها فاذبحها، وأنهس: أي أطعم بنيك، خنس في البيت: اذا قعد. وقال: إذا طلعت الشعرى سفراً - أي عشيا - ولم تر فيها مطراً، فلا تغذون إمرةً ولا أمراً، وأرسل العرضات أثراً، يبغينك في الأرض معمراً. سفرا: غروب الشمس قبل إن يغيب الشفق، يقول لا تغذون جذعاً جدياً ولا عناقاً على هذا القليل.
زعموا أنه كان لرجل من طسم كلب
فكان يسقيه اللبن ويطعمه اللحم ويسمنه ويرجو إن يصيد به او يحرس غنمه، فاتاه ذات يوم وهو جائع فوثب عليه الكلب فأكله فقيل: سمن كلبك يأكلك، فذهب مثلاً.
وقال بعض الشعراء:
ككلب طسم وقد ترببه ... يعله بالحليب في الغلس
ظل عليه يوماً يفرفره ... إلا يلغ في الدماء ينتهس
يفرفره: أي يحركه برأسه ويقطعه. وقال مالك بن أسماء:
هم سمنوا كلباً ليأكل بعضهم ... ولو ظفروا بالحزم لم يسمن الكلب
وقال عوف بن الاحوص لقيس بن زهير العبسي:
أراني وقيساً كالمسمن كلبه ... فخدشه أنيابه وأظافره
زعموا أن لقمان بن عاد

جاور حياً من العمالقة، وهم عرب، فملأ عساً له لبنا، ثم قال لجارية له: انطلقي بهذا العس إلى سيد هذا الحي فأعطيه إياه وإياك أن تسالي عن اسمه واسم أبيه، فانطلقت حتى أتتهم، فإذا هم بين لاعب وعامل في ضيعته ومقبل على أمره، حتى مرت بثمانية نفر منهم عليهم وقار وسكينة، ولهم هيئة، فقامت تتفرس فيهم أيهم تعطي العس، فمرت بها أمة، فقالت لها جارية لقمان: إن مولاي أرسلني إلى سيد هذا الحي بهذا العس، ونهاني أن أسأل عن اسمه واسم أبيه، فقالت لها الأمة: إني واصفتهم لك فخذي أيهم شئت او ذري، وفيهم سيد الحي، فقالت الأمة: أما هذا فبيض مرض مرضة وقد أسنت القوم فعدل مرضه عندهم إسناتهم، وقد كانوا يريدون المسير فأقاموا عليه فأوسع الحي دقيقاً نفيضاً، ولحما غريضاً، ومسكا رفيضاً، وكساهم ثياباً بيضا. وأما هذا فحممة: غذاؤه في كل يوم بكرة سنمة، وبقرة شحمة، ونعجة كدمة؛ وأما هذا فطفيل: ليس في أهله بالمسرف النثر، ولا البخيل الحصر، ولا يمنع الحي من خير إن اتمروا. وأما هذا فذفافة: طرق الحي حشاً من الليل، وولدان الحي يتحدثون عنده، فقام مشتملاً وسنان ثملاً إلى جذعان الإبل، وهو يحسبها جندلاً فقذفها إليهم قذفاً لأولها زحيف، و لآخرها حفيف، ولأعناقها على أوساطها قصيف. وأما هذا فمالك: أولنا إذا دعينا، وحامينا إذا غزينا، ومطعم أولادنا إذا شتونا، ومفرح كل كربة أعيت علينا. وأما هذا فثميل: غضبه حين يغضب ويل، وخيره حين يرضى سيل ، في أهله عبد، وفي الجيش قيد، ولم تحمل اكرم منه على ظهورها إبل ولاخيل، و اما هذا ففرزعة إن لقي جائعاً أشبعه، وان لقي قرناً جعجعه - أي رمى به إلى الأرض - وقد خاب جيش لا يغزو معه. وأما هذا فعمار صوات جار لا تخمد له نار للطي عقار اخاذ ووذار فناولت العس مالكاً وكان سيدهم. فقال: من أنت يا جارية؟ قالت: جارية لقمان بين عاد، قال : وكيف هو؟ قالت: شيخ كبير وهو بخير، قال: ويلك وكيف بصره؟ قالت: كليل، و الاله لقد كل بصره، واسترخى سفره، فما يبصر إلا شفا - أي شيئاً قليلاً - وانه على ذلك ليعرف الشعرة البيضاء بين صريح اللبن والرغوة، قال: فما بقي من قيافته؟ قالت: هو والله لقد ضعف بصره، واشتبهت الآثار عليه، وانه على ذلك ليعرف اثر الذرة الأنثى من الذرة الذكر، في الصفا الأملس في ليلة ظلمة ومطر، قال : وكيف أكله؟ قالت: قليل، والاله لقد ضرسه، وانطوت أمعاؤه وما بقي من أكله إلا انه يتغذى جزوراً ويتعشى آخر، و يأكل بين ذلك جذعة من الإبل، قال : فما بقي من رمايته، قالت: قليل، والاله لقد ضعف عضده ، وارعشت يده، وما بقي من رمايته إنه إذا رمى لم تقم رابضة، ولم تربض قائمة، ولم تمسك مخطاة ولدا قال: ويلك كيف قوته؟ قالت: والاله لقد رق عظمه، وانحنى ظهره، وضعفت قوته، وكبرت سنه، ومابقي من قوته إلا انه إذا غدا في إبله احتقر لها ركيةً فأرواها، وإذا راح احتقر لها ركية فأرواها. وهؤلاء أيسار لقمان وإياهم عنى طرفة بقوله:
وهم أيسار لقمان إذا ... اغلت الشتوة ابداء الجزر
وقال أوس بن حجر:
أيسار لقمان بن عاد سماحة ... وجوداً إذا ما الشَّول أمست جرائرا
زعموا أن رجلاً مضى في الدهر الأول
كان له عبد لم يكذب قط، فبايعه رجل ليكذبنه، وجهلا الخطر بينهما أهلهما ومالهما، فلما تبايعا قال الذي زعم ان العبد يكذب لمولى العبد: أرسله فليبت عندي الليلة فانه يكذبك إذا أصبح، فأرسله مولاه معه، فبات عنده، فأطعمه لحم حوار، وعمدوا إلى لبنٍ حليب فجعلوه في سقاء قد حزر، فخضخضوا ذلك اللبن الحليب فسقوه، وفيه طعم الحليب وفيه حرز السقاء، فلما أصبح الرجل احتمل وقال للعبد: الحق بأهلك، فلحق العبد حين احتمل القوم ولما يسيروا فلما توارى عنهم العبد حلوا مكانهم في منزلهم الذي كانوا فيه، وأتى العبد سيده فقال له: ما قروك الليلة؟ فقال: أطعموني لحما لا غثاً ولاسميناً، وسقوني لبناً لا محضا ولاحقيناً، قال: على أية حال تركتهم؟ قال: تركتهم قد ظعنوا فاستقلوا، فما أدري أساروا بعد أو حلوا: وفي النوى يكذبك الصادق، فأرسلها مثلاً، وأحرز مولاه مال الذي بايعه وأهله.

زعموا أن النعمان بن المنذر
اتخذ مجلساً قريباً من قصره بالحيرة، فجعل تحته طاقات

وجصصة، فكان أبيض، وكان ذلك المجلس يسمى ضاحكاً لبياضه، وكان النعمان فرس يقال له اليحموم، وقد ذكرته العرب في أشعارها ، قال لبيد بن ربيعي:
لو كان شيء في الحياة مخلداً ... في الدهر أدركه أبو يكسوم
والحارثان كلاهما ومحرق ... والتبعان وفارس اليحموم
وقال الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته ... بنعمته يعطي القطوط ويأفق
ويجبى إليه السّيلحون ودونها ... صر يفون في أنهارها والخور نق
ويأمر لليحموم كلّ عشيةٍ ... بقيت وتعليق فقد كاد يسنق
وكان للنعمان أخ من الرضاعة من أهل هجر يقال له سعد القرقرة، وكان من أضحك الناس وأبطالهم، وكان يضحك النعمان ويعجبه، وسعد الذي يقول:
ليت شعري متى تخب بي النا ... قة نحو العذيب فالصيبون
محقباً زكرة وخبز رقائق ... وحباقاً وقطعة من نون
فزعموا أن النعمان قعد في مجلسه ذات يوم ضاحكاً، فأتي بحمار وحش، فدعا بفرسه اليحموم فقال: احملوا سعداً على اليحموم و أعطوه مطرداً وحلوا عن هذا الحمار حتى يطلبه سعد فيصرعه، فقال سعد: أنى إذن أصرع عن الفرس، ومالي ولهذا؟ قال النعمان: والله لتحملنه، فحمل على اليحموم، ودفع إليه المطرد، وحلّي الحمار ، فنظر سعد إلى بعض بنيه قائماً في النظارين فقال: بأبي وجوه اليتامى، فأرسلها مثلاً، فالقى الرمح وتعلّق بمعرفة الفرس، فضحك النعمان، ثم أدرك فأنزل، فقال سعد القرقرة:
نحن بغرس الودي اعلم من ... ا بقود الجياد في السلف
يا لهف أمي وكيف أطعنه ... مستمسكاً واليدان في العرف
قد كنت أدركته فأدرني للصيد جدّ من معشر عنف أي ادركني عرق من آبائي الذين كانوا عنفاً للخيل، أي يكن له فروسية.

زعموا أن مسافرين أبي عمرو أمية بن عبد شمس
مرض واستسقى بطنه، فداواه عبادي وأحمى مكاويه، فلما جعلها على بطنه، ورجل قريب منه ينظر إليه، جعل ذلك الرجل يضرط، فقال مسافر: قد يضرط العير والمكواة في النار فأرسلها مثلاً.
زعموا أن ضرار بن عمرو الضبي
ولد له ثلاثة عشر ولداً وكلهم بلغ إن كان رجلاً ورأساً، فاحتمل ذات يوم، فلما رأى رجالاً معهم أهلوهم وأولادهم سره ما رأى من هيئتهم، ثم ذكر في نفسه انهم لم يبلغوا ما بلغوا حتى رقَّ وأسنَّ وضعف أنكر نفسه، فقال: من سرَّه بنوه ساءته نفسه، فأرسلها مثلاً، فقال:
إذا الرجال ولدت أولادها ... فانتفضت من كبر أعضادها
وجعلت أوصابها تعتادها ... فهي زروع قد دنا حصادها
زعموا أن طفل بن مالك بن جعفر بن كلاب
كانت تحته امرأة من بني القين ابن جسر بن قضاعة، فولدت له نفراً منهم يزيد وعقيل، فتبنت كبشة بنت عروة بن جعفر عقيلاً، وكانت ضرتها ، فعرم بعض العرامة على أمه ففرَّ منها فأدركته وهو يريد إن يلجأ إلى كبشة، فضربته أمه، فألقت كبشة نفسها عليه ثم قالت:ابني ابني، فقالت القينية: ابنك من مّضى عقبك، فأرسلتها مثلاً، فرجعت كبشة وقد ساءها ما قالت القينية فولدت عامر بن الطفيل بعد ذلك.
زعموا أن عصام بن شهير الجرمي
كان أشد الناس بأساً، أبينهم لساناً، وأحزمهم راياً، ولم يكن في بيت قومه، وكان من صلحائهم، وكان على عامة أمر النعمان، قال: قائل من الناس: وكيف نزل عصام بهذه المنزلة من النعمان وليس في بيت قومه وليس بسيدهم؟ فقال عصام:
نفس عصام سوَّدت عصاماً ... وجعلته ملكاً هماماً
وعلَّمته الكرَّ والإقداما ... وألحقته السادة الكراما
وعصام بن شهير الذي يقول له النابغة:
ألم اقسم عليك لتخبرني ... أمحمولٌ على النعش الهمام
فاني لا ألومك في دخولٍ ولكن ما وراءك يا عصام
زعموا أن رجلاً من العرب
خطب إلى قوم من العرب فتاة لهم، ورغب في صهرهم، وكانت فتاتهم سوداء دميمة، فاجلسوا له مكانها امرأة جميلة، فأعجبته فتزوجها، فلما دخلت عليه إذا المرأة غير التي رأى، قال: ويلك من أنت، قالت: فلانة ابنة فلان، اسم المرأة التي تزوج، قال: ما أنت بالتي رأيت، قالت: علقت معالقها وصرَّ الجندب فأرسلتها مثلاً، فإن كنت أنت فلانة فالحقي بأهلك فأنت طالق.
زعموا أن زهير بن جناب بن هبل الكلبي
وفد إلى بعض الملوك ومعه أخوه عدي بن جناب، وكان عدي يحمق، فلما دخلا شكا الملك إلى زهير - وكان ملاطفاً له - إن امه شديدة الوجع، فقال عدي اطلب لها كمرةً حارة، فغضب الملك وأمر به أن يقتل، فقال له زهير: أيها الملك إنما أراد عدي ان يبعث لك الكمأة، فأنا نستحبها ونتداوى بها في بلادنا فأمر به فرد فقال له الملك: زعم زهير إنما أردت كذا وكذا، فنظر عدي إلى زهير فقال: اقلب قلاّب. فأرسلها مثلاً.
زعموا أن سليحاً من قضاعة
طلبوا غسان في حرب كانت بينهم، فأدركوهم بالقسطل، فقالوا: يوم كيوم القسطل، فذهبت مثلاً.
زعموا أن امرأة كانت بغياً تؤاجر نفسها
وكان لها بنات، فخافت أن يأخذن ماخذها، فكانت إذا غدت في شانها قالت: احفظن أنفسكن، وإياكن إن يقربكن احد، فقالت إحداهن: تنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه، فذهبت مثلاً، فقالت الأم: صغراهن مراهن أي أنكرهن وأدهاهن.
زعموا أن قوماً تحملوا وهم في صفر
فشدوا عقد حبلهم الذي ربطوا به متاعهم، فلما نزلوا عالجوا متاعهم فلم يقدروا على حله إلا بعد شر، فلما أرادوا ان يحملوا قال بعضهم: يا حامل اذكر حلاً، فأرسلها مثلا.
زعموا أنه لما غزا المنذر بن ماء السماء
غزاته التي قتل فيها قطع به الحارث بن جبلة ملك غسان، وفي جيش المنذر رجل من بني حنيفة ثم أخذ بني سحيم يقال له شمر بن عمرو، كانت أمه من غسان، فخرج يتوصل بجيش المنذر، يريد أن يلحق بالحارث بن جبلة، فلما تدانوا سار حتى لحق بالحارث، فقال: أتاك ما لا تطيق، فما رأى ذلك الحارث ندب من أصحابه مائة رجل اختارهم رجلاً رجلاً ثم قال: انطلقوا غلى عسكر المنذر فاخبروه أنا ندين له ونعطيه حاجته، فادا رايتهم منه غرة فاحملوا عليه، ثم أمر لابنته حليمة بنت الحارث بمركن فيه خلوق، فقال: خلقيهم، فجعلت تخلقهم حتى مرَّ عليها فتى منهم يقال له لبيد بن عمرو، فذهبت لتخلقه، فلما دنت قبلها، فلطمته وبكت، أتت أباها فأخبرته قال: ويلك اسكتي فهو أرجاهم عندي ذكاء قلب، مضى القوم وشمر بنت عمر الحنفي حتى أتوا المنذر، فقالوا له: أتيناك من عند صاحبنا، وهو يدين لك ويعطيك حاجتك، فتباشر أهل عسكر المنذر بذلك وغفلوا بعض الغفلة، فحملوا على المنذر فقتلوه ومن كان حوله، فقيل: يوم حليمة بسر، فذهبت مثلاً، قال النابغة وهو يمدح غسان: ولاعيب فيهم غير أن سيوفهم بهنَّ فول من قراع الكتائب تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب
وزعموا أن سهيل بن عمرو أخا بني عامر لؤي
كان تزوج صفية بنت أبي جهل ابن هشام، فولدت انس بن سهيل ، فخرج معه ذات يوم خرج وجهة فوقفا بحزورة مكة، واقبل الاخنس بن شريق الثقفي قال: من هذا؟ قال سهيل: ابني، قال: حياك الله يا فتى؟ أين أمك؟ قال: أمي في بيت أم حنظلة تطحن دقيقاً، قال أبوه: أساء سمعاً فأساء الإجابة، فلما رجعا قال أبوه: فضحني اليوم ابنك عند الاخنس، قال كذا ، قالت : إنما ابني صبي، قال: أشبه امرؤ بعض بزة، فأرسلها مثلاً.
زعموا أن رجلاً بينما هو في بيته
إذا جاءه ضيف فنزل ناحية فجعلت راحلته ترغو، فقال رب البيت، من هذا الذي آذانا رغاء راحلته ولم ينزل علينا فيستوجب حقَّ الضيف: فقال الضيف: كفى برغائها مناديا.
زعموا أن رجلاً أتى امرأة يخطبها
فأنعظ وهي تكلمه فجعل كلما كلمته ازداد انعاظاً، و جعل يستحيي ممن حضر من أهلها، ويقول، ويضع يده على ذكره: إليك يساق الحديث، فأرسلها مثلاً.

أغارت بنو فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد ن خزيمة على ناس من بني كلاب بن ربيعه بن عامر بن صعصعة، فأصابوا إبلاً من إبلهم فاقتسموها، فصار لشأن بن الأشد ين عمرو بن دثار ين فقعس لقحتان، وصارت لبني حذلم بن فقعس بكرة، أمها إحدى لقحتي شأس ، فجعلها بنو حذلم في إبلهم ، فجعلت تجالد إلى أمها عند شأس، فعمد شأس وقد نزلوا بوادي طلح فأحرق من شجره ثم لطخها حتى اسودت، فجاء ينو حذلم ينشدون بكرتهم فقال لهم شأس: هذه بكرتكم، فغضبوا وقالوا: أتستخرمنا؟ قال: إنكم لا تعقلون، قالوا: بل أنت لا تعقل، قال : فان شئتم نافرتكم على نهبي ونهبكم إنها بكرتكم، ففعلوا، فغسلها بالماء فعرفوها، فأخذ نهبهم. فأتوا خالد بن عمرو بن حذلم وكان يسمى الكيس فذكروا ذلك له، فقال: انتم ضيعتم نهبكم، قالوا: بل أنت تريد ان تخذلنا، قال: بل أعلم من القوم مالا تعلمون: فإذا لقيتم أول غلامٍ من بني دثار بن فقعس يعلم إنكم جئتم: في هذا الأمر قاتلكم، فانطلق معهم فلقوا غلاماً من بني دثار بن قفعس فقال لهم: هلم فلنحلب لكم، قالوا: لا حاجة لنا في لبنكم، قد ظلمتم وقطعتم، قال : وفي أي أمرٍ انتم؟ قالوا: في الإبل التي اخذ شأس، فأخذ سهماً فرمى خالداً فأخطأه وأصاب واسطة الرحل، فركض خالدٌ جملة وقال قد أخبرتكم الخبر: وقال يابوين ما اكيسني فأرسلها مثلاً.
بوين: تصغير بان،وقال في ذلك خالد:
لعمري لقد حذرتكم ونهبتكم ... وابنأتكم ان لاغنيمة في شاس
ولست بعيدٍ يتقي سخط ربه ... إذا لم تلمني في مجاملة الناس
؟؟؟؟

زعموا أن دغة بنت معنج
كانت امرأة من جرهم، فتزوجها رجل منهم قبل ان تبلغ المحيض، فحملت ولم تشعر بالحمل لحداثة سنها فأخذها الطلق أهلها سائرون، فنزلت منزلاً فانطلقت تبرز، فولدت وهي تبرز، فصاح الصبي، فرجعت إلى أمها فقالت: ياأمتاه، هل يفتح الجعرفاه، قالت: نعم ويدعو أباه، فأرسلها مثلاً، فقيل أحمق من دغة.
وزعموا أن دغة
كانت قد بلغت مبلغ النساء من الشرف والعقل،فحسدها ضرائرها إن أنساع بعيرها كنّ يلفين حمراً تزهر وتئط فقلن: إنا نخاف ان يمر بنا الرجال فيسمعوا هذا الأطيط، فيظنوا ان بعضنا قد أحدث - فلو دهنت أنساعك فلم تئط كان ذلك أمثل، فعمدت إلى طرف نسعتها فدهنتها، وخافت ان يكن حسدنها حمرة سيورها وجمالهن، فدهنت طرف السنعى لتنظر كيف يكون، فاسودما دهنت ، فعرفت ما أردن بها فكفت، فلقينها فسألنها: كيف رأيت الدهن للنسعة؟ قالت: هين لين وأودت العين، فأرسلتها مثلاً، تقول ذهب حسنه وحمرته ونبت العين عنه.
زعموا أن رهطاً من قوم دغة
تجاعلوا على نسائهم أيتهن أطوع لهم فأعظموا الخطر، فقالوا: يأمر كل رجلٍ منكم امرأته تنزل على هذه القرية من النمل تنتعش، فجعلت امرأة الرجل منهن إذا مرت على القرية فأمرها زوجها ان تنزل ابت، حتى مررن كلهن، ثم مرت دغة فقال لها زوجها: انزلي على هذه القرية، ففعلت، فقال لها خادمها: أتنزلين من بين هؤلاء النساء على هذا النمل؟ أنت أضعفهن رأياً، فقالت: القوم ما طبّون ويروى ما أطبون أي ما أبصرهم فأرسلتها واخذ زوجها الخطر الذي كانوا خاطروا عليه، وكان فيما ذكروا الخطر على أهل الرجل وماله.
زعموا أن قوماً من العرب
كانت لهم ماشية من إبل وغنم، فوقع فيها الموت فجعلت تموت فيأكل كلابهم من لحومها، فأخصبت وسمنت، فقيل: نعم كلب من بؤس أهله، فذهبت مثلاً.
زعموا أن ناساً من العرب
كانت لهم في مملكتهم شدة، فكلفوا أمة لهم طحيناً او عدوها إن لم تفرغ منه ضربوها، فطحنته، حتى إذا لم يبق إلا مالا بال به ضجرت فاختنقت حتى قتلت نفسها، فقيل كالطاحنة فذهبت مثلاً، يضرب للذي يكسل عن الأمر بعد اتضاحه.
زعموا أن زهير بن جناب بن هبل الكلبي
وفد عاشر عشرة من مضر وربيعة إلى امرىء القيس بن عمرو بن المنذر ابن ماء السماء فأكرمهم ونادمهم وأحسن إليهم، وأعطى لكل واحد منهم مائة من الابل، فغضب زهير فقال: قد تخرج الخمر من الضنين.

فغضب امرؤ القيس فقال: أو مني يا زهير؟ قال: ومنك، فغضب الملك فاقسم لا يعطي رجلاً منهم بعيراً، فلامه أصحابه فقالوا: ما حملك على ما قلت؟ قال: حسدتكم إن تجعوا إلى هذا الحي من نزار بتسعمائة بعير وأرجع إلى قضاعة بمائة من الإبل ليس غيرها.

زعموا أن المتلمس صاحب الصحيفة
كان أشعر أهل زمانه، وهو أحد بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار، وانه وقف ذات يوم على مجلس لبني قيس بن ثعلبة، وطرفة بين العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة يلعب مع الغلمان، فاستنشد أهل المجلس المتلمس فلما أنشدهم اقبل طرفة بن العبد مع الغلمان يسمعون، فزعموا ان المتلمس أنشدهم هذا البيت:
وقد أتناسى الهم عند احتضاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم
الصيعرية سمة يوسم بها النوق باليمن دون الجمال، فقال طرفة: استنوق الجمل، فأرسلها مثلاً، فضحك القوم، وغضب المتلمس ونظر إلى لسان طرفة وقال:ويل لهذا من هذا يعني نفسه من لسانه، كذا رواه المفضل وإنما الخبر بين المسيب بن علس الضبعي وبين طرفة.
زعموا أن عمرو بن المنذر بن امرىء القيس، وكان عم النعمان ، وكان يرشح أخاه قابوس بن المنذر - وهما لهند ابنة الحارث بن عمرو الكندي آكل المرار - ليملك بعده، فقدم عليه المتلمس وطرفة فجعلهما في صحابة قابوس، وأمرهما بلزومه، وكان قابوس شاباً يعجبه اللهو، وكان يركب يوماً في الصيد فيتركض فيتصيد، وهما معه يركضان حتى يرجعا عشية وقد لغبا، فيكون قابوس من الغد في الشراب فيقفان ببابه النهار كلّه فلا يصلان إليه، فضجر طرفة فقال:
وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثاً حول قبتنا تخور
من المزمرات أسبل قادماها ... وضرتها مركنة درور
يشاركنا لنا رخلان فيها ... ويعلوها الكباش فما تنور
لعمرك إن قابوس بن هند ... ليخلط ملكه نوك كثير
قسمت الدهر في زمن رخي ... كذاك الحكم يقسط أو يجور
لنا يوم وللكروان يوم ... تطير البائسات ولا نطير
فأما يومهن فيوم سوء ... تطاردهن بالحدب الصقور
وأما يومنا فنظل ركباً ... وقوفاً ما نحل وما نسير
وكان طرفة عدواً لابن عمه عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد، وكان عبد عمرو كريماً عند بن هند، وكان سميناً بادناً فدخل مع عمرو الحمام، فلما تجرد قال: لقد كان ابن عمك طرفة رآك حين قال ما قال، وكان طرفة هجا عبد عمرو قبل ذلك فقال:
ولاخير فيه غير أن قيل واحدٌ ... وأن له كشحاً إذا قام أهضما
يظل نساء الحي يعكفن حوله ... يقلن عسيب من سرارة ملهماً
له شربتان بالعشىِّ وشربة ... من الليل حتى آض جيشاً مورماً
كان السلاح فوق شعبة بانة ... ترى نفخاً ورد الأسرة أسحما
ويشرب حتى تخمر المحض قلبه ... وإن أعطه أترك لقلبي مجثماً
فلما قال ذلك قال له عبد عمرو: ما قال لك شر مما قال لي ثم انشده قول طرفة:
وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثاً حول قبتنا تخور
قال عمرو: وما أصدقك عليه - وقد صدقه، ولكن عمراً خاف ان ينذره وتدركه له الرحم - فمكث غير كثير ثم دعا المتلمس وطرفة فقال: لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما، وسركما أن تنصرفا، قالا: نعم، فكتب لهما إلى عاملة على هجر ان يقتلهما، وأخبرهما أنه قد كتب لهما بحباءٍ ومعروف، فأعطى كل واحد منهما صحيفة، فخرجا وكان المتلمس قد أسن فمر بنهر الحيرة على غلمان يلعبون المتلمس: هل لك أن تنظر في كتابنا فان كان خيراً مضينا له، وإن كان شراً القيناه، فأبى عليه طرفة، فأعطى المتلمس كتابه بعض الغلمان فقراه عليه فاذا فيه السوأة، فالقى كتابه في الماء وقال لطرفة: اطعني وألق كتابك، فأبى طرفة ومضى بكتابه حتى أتى به عامله فقتله، ومضى المتلمس حتى لحق بملوك جفنة بالشأم، فقال في ذلك المتلمس:
من مبلغ الشعراء عن أخويهم ... نبأ فتصدقهم بذاك الأنفس
أودى الذي علق الصحيفة منهما ... ونجا حذار حبائه المتلمس
ألقى صحيفته ونجت رحله ... عنس مداخله الفقارة عرمس

؟؟

زعموا أن أخوين
كانا فيما مضى في ابل لهما فأجدبت بلادهما، وكان قريباً منهما وادٍ فيه حية قد حمته من كل واحد، فقال أحدهما للآخر: يا فلان لو أني أتيت هذا الوادي المكلىء فرعيت فيه ابلي وأصلحتها، فقال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أحداً لم يهبط ذاك الوادي إلا أهلكته؟ قال: فو الله لأهبطن، فهبط ذلك الوادي فرعى إبله به زماناً، ثم إن الحية لدغته فقتلته، فقال أخوه: ما في الحياة بعد أخي خير و لأطلبن الحية فأقتلها أو لأتبعن أخي، فهبط ذلك الوادي فطلب الحية ليقتلها، فقالت: ألست ترى أني قتلت أخاك، فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي فتكون به وأعطيك ما بقيت ديناراً في كل يوم، قال: أ فاعلة أنت؟ قالت: نعم، قال: فإني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضيرها، وجعلت تعطيه كل يوم ديناراًُ فكثر ماله ونبت إبله، حتى كان من أحسن الناس حالاً، ثم ذكر أخاه فقال: كيف ينفعني العيش وأنا انظر إلى قاتل أخي فلان، فعمد إلى فأس فأحدّها ثم قعد لها فمرت به فتبعها فضربها فأخطأها ودخلت الجحر ووقع الفأس بالجبل فوق جحرها فأثر فيه، فلما رأت ما فعل قطعت عنه الدينار الذي كانت تعطيه، فلما رأى ذلك وتخوف شرها ندم، فقال لها: هل لك في: ان نتواثق ونعود إلى ما كنا عليه، فقالت: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك وانت فاجر لا تبالي العهد. فكان حديث. الحية والفأس مثلاً مشهوراً من أمثال العرب. قال نابغة بن ذبيان:
ليهنأ لكم إن قد نفيتم بيوتنا ... مكان عبدان المحلى باقره
فلو شهدت سهم وأفناء مالك ... فتعذرني من مرة المتناصرة
لجاءوا بجمع لم ير الناس مثله ... تضاءل منه بالعشي قصائره
وإني لألقى من ذوي الضغن منهم ... وما اصبحت تشكو من الشجر ساهرة
كما لقيت ذات الصفا من حليفها ... وكانت تديه المال غباً وظاهره
تذكر أنى يجعل الله جنةً ... فيصبح ذا مال ويقتل واتره
فلما توفى العقل إلا اقله ... وجارت به نفس عن الخير جائره
فلما رأى إن ثمر الله ماله ... وأثل موجوداً وسد مفاقره
أكب على فأس يحد غرابها ... مذكرةٍ بين المعادل باتره
فقام لها من فوق حجر مشيد ... ليقتلها أو يخطىء الكف بادره
فلما وقاها الله ضربة فاسه ... وللبر عين لا تغمض ناظره
تندم لما فاته الذّحل عندما ... وكانت له إذا خاس بالعهد قاهرة
فقال يمين الله أفعل إنني ... رأيتك مسحوراً يمينك فاجره
أبى لي قبر لا يزال مقابلي ... وضربة فأس فوق رأسي فاقره
7. -
21